وضع داكن
24-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 095 - ذنوب الخلوات .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام في مجلس العلم والإيمان ، مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم شيخنا وأستاذنا .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
 ربنا يعطيكم الصحة والعافية ، ويمد بعلمكم وبعمركم إن شاء الله ، حياكم الله ، "ذنوب الخلوات" هو حديثنا لهذه الحلقة يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

[ سورة الملك : 12 ـ 13]

 دكتورنا الكريم ، الذنوب هي بوابة حجب الإنسان عن الله سبحانه وتعالى ، ولعلّ ذنوب الخلوات هي أصعب ما في هذه الذنوب ، فنبدأ حديثنا عن الذنوب مع فضيلتكم .

 

معنى الورع :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 يمكن أن نبدأ هذا اللقاء الطيب بهذا النص : "من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله" .
المذيع :
 ما المقصود بالورع دكتور ؟
الدكتور راتب :
 الورع؛ ترك المباح خشية المعصية ، ترك الحرام استقامة ، أما ترك الحلال خشية الورع ، مثلاً : العنب في شمال إفريقيا يزرع بكميات كبيرة ، لكن هذه الكميات تصدر إلى بلد ليكون خمراً ، فالورع أن تبتعد عن شيء حلال خوف الحرام .
المذيع :
 ما الورع هنا ألا أزرعه أم ألا أبيعه ؟
الدكتور راتب :
 ألا أبيعه لفرنسا ، في الشمال الإفريقي يباع العنب إلى فرنسا .
المذيع :
 معروف أنه مصدّر لتصنيع الخمور .
الدكتور راتب :
 هذا ترك الحلال ، أنا سأزرع عنباً وسأستفيد منه ، إذا كانت الغاية فقط أن أبيعه لفرنسا ويصبح خمراً يجب ألا أزرع عنباً ، أو أن أبيعه إلى جهة لا تصنعه خمر .
المذيع :
 هنا لا يعد إثماً صريحاً لأنك مسؤول عن نفسك ، لكن الورع هنا أن تتجنب المسألة من بدايتها .

تقييم الإنسان في البيت لأن حقيقته تظهر بالبيت فقط :

الدكتور راتب :
 مآلاً يكون كذا ، هذا الورع ، أن تدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس .
المذيع :
 جميل! الله يفتح عليكم يا دكتور إن شاء الله ، عندما نقول ذنوب الخلوات ، لماذا تكثر عن الذنوب أمام الناس الآخرين ؟
الدكتور راتب :
 الإنسان أمام الآخرين له مكانة اجتماعية ، يهمه مكانته ، يهمه ثناء الناس عليه ، يدع أشياء كثيرة ، لكن أين البطولة ؟ أن تدع هذا في بيتك ، لذلك كل الأعمال الطيبة الرائعة خارج المنزل من أناقة ، من تعطر ، من ابتسامة ، من ترجيل شعر ، من لباقة ، نعومة ، هذه كلها بزنس في المصطللح الحديث ، أين أخلاقك ؟ في البيت ، لذلك النبي قال :

(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ))

[البخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها ]

 أنت تبدو على حقيقتك في البيت ، التفسير الأول ، لست مضطراً أن تجامل أحداً ، ولا تظهر أمامه بشيء ، فأنت بالبيت تقييمك هو في البيت فقط ، والدليل :

(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[البخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها ]

 العوام لهم بعض الكلمات : داخل البيت دبور ، في الخارج شحرور .
المذيع :
 الحقيقة هي ما يجري في البيت ، ليس أمام الناس .
الدكتور راتب :
 والنبي قال :

(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[البخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها ]

المذيع :
 أستأذن حضرتك دكتور في هذا الحديث ، قليل من الأحاديث التي رواها النبي والتي أتبعها بذكر نفسه ، أي لا يمكن أن يرشدنا إلى قضايا عليه الصلاة والسلام ، لكن هنا كان :

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[ أخرجه البخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها ]

 وأتبعها النبي بنفسه ، ما الحكمة من ذلك دكتور ؟

 

على المؤمن أن يسعى للحصول على منصب عالٍ إذا كان ذا اختصاص نادر :

الدكتور راتب :
 لها معنى عميق جداً .

﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف : 55]

 سيدنا يوسف ، إذا كنت تحمل اختصاصاً نادراً جداً ، ويوجد منصب لو طلبته لكان لك ، طلبته ، بهدف إحقاق الحق ، أنت قادر أن تقيم أمر الله في هذا الحقل ، إن طلبته هذه لا تسمى أنانية ، قال له :

﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف : 55]

المذيع :
 دكتور تحدثنا عن النبي عليه الصلاة والسلام ، حينما قال :

((وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[البخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها ]

 وعن سيدنا يوسف حينما طلب أن يكون أميناً على خزائن الأرض .
الدكتور راتب :
 إذا كانت المصلحة العامة تقتضي أن تكون أنت في هذا المنصب ، لخبرتك العميقة واستقامتك معاً ، ورأيت هذا المنصب سيؤخذ لإنسان متفلت من الدين تقول : أنا ، لو طلبت أنا وافقوا عليك ، أقول أنا :

﴿ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف : 55]

 أنا أملك القدرات التامة لهذا المنصب .
المذيع :
 لا يعد هنا غرور ، أو كبر .
الدكتور راتب :
 لا أبداً ، مصلحة عامة سيدي .
المذيع :
 هنا الأولى أن تتقدم بنفسك .

 

الشرك الخفي :

الدكتور راتب :
 قال له :

﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف : 55]

(( وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[البخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها ]

 أنا ليس عندي إزدواجية ، لا أصدر لكم معلومات رائعة ولا أطبقها في البيت ، أنا أذكر في إحدى دروسي في الجامع ، ابنتي الصغيرة كانت في الدرس ، قالت لها أخت كبيرة : هل والدك في بيته مثل ما يقول ؟ يهمهم المصداقية .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور ، نحسبكم من أهل الخير والتقوى ، وإن شاء الله يكون لكم مكانة كبيرة عند الله ، كما لكم مكانة عند كل المستمعين الكرام ، عن أبي سعيد قال :

(( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الدجال ، فقال : ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من الدجال ؟ قلنا : بلى ، فقال : الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يدرك من نظر رجل))

 الشرك الخفي دكتور ، هل هو من ذنوب الخلوات ؟
الدكتور راتب :

(( أخوف ما أخاف على أمتي ))

[أحمد عن شداد بن أوس ]

 في هذا المجتمع المسلم الآن لا يوجد إلحاد ، شرك جلي لا يوجد ، لا يوجد عندنا بوذا ، ليس عندنا إله يعبد من دون الله ، في المجتمع المسلم سيدي ، يوجد شيء اسمه إله ، صنم نعبده لا يوجد ، فالشرك الجلي انتهى بالإسلام ، ماذا بقي ؟ الشرك الخفي .

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية . قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله))

[أحمد عن شداد بن أوس ]

المذيع :
 نوضحها دكتور لو سمحت .

 

وجود مخالفات لا تضبطها إلا الذات الإلهية :

الدكتور راتب :
 شهوة خفية ، أي عنده شهوة عليه أن يمارسها ، يبحث عن غطاء لها ، غطاء معين مهما كان رقيقاً ، فالشهوة الخفية يريد أن يظهر ، أن يكون له مكانة ، أن يلبي جانب الأنا في ذاته ، الأنا ، فهو يغطيها بشيء ، مثلاً دولة عظمى ، احتلت دولة نفطية ، أمام العالم ماذا تقول ؟ تقول : جئنا من أجل الحرية .
 جاء مرة حاكم أمريكي في العراق قال : جئنا من أجل النفط ، فقط ، هذه الحقيقة . فالإنسان يغير ، يبدل ، يتلاعب بالمصطلحات حفاظاً على مكانته الخارجية ، لكن الله يعرفه ، من عظمة هذا الدين ، مهما حاولت أن تضلل الناس ، أنت مكشوف عند الله ، لا تخفى عليه خافية ، أحياناً إذا شخص يضره تناول الليمون ، وأنت لا تحبه ، قدمت له أمام الناس كأس ليمون شهية ، الله يعلم النوايا ، وأحياناً إنسان ينفعه دواء مر ، وأجبرته عليه لك أجر ، فالله عز وجل رب النوايا ، والحديث الأول المتواتر أصلاً ومعنىً :

((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

المذيع :
 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل بإذن الله رب العالمين كل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، دكتور ذنوب الخلوات هل يمكن أن تكون معياراً لصدق إيمان الإنسان ، لأنه لا يوجد أحد يراه ؟
الدكتور راتب :
 عفواً ، شخص جالس في غرفته ، وأمامه بناء وشرفة ، امرأة وقفت على الشرفة بثياب فاضحة ، فغض بصره عنها ، من يعلم هذا الغض إلا الله ، قال تعالى :

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾

[ سورة غافر : 19]

 امرأة جاءت الطبيب ، والطبيب مسموح له أن يرى مكان الألم ، من جسم المرأة ، فلو نظر إلى مكان آخر لا تشكو منه ، خيانة النظر من يعلمها إلا الله ؟ هذه نقطة دقيقة جداً ، هناك تطابق بين المحرمات الإسلامية والمحرمات القانونية ، السرقة في الدين حرام ، في القانون حرام ، أما هناك مخالفات لا تضبطها إلا الذات الإلهية ، غض البصر مثلاً ، لا يوجد قانون في الأرض يمنعك أن تنظر ، وأن تتأمل محاسن المرأة التي لا تحل لك ، من الذي يعلم غض بصرك ؟ الله عز وجل :

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾

[ سورة غافر : 19]

المذيع :
 فهي قضية في القلب وأنت تعلمها في داخلك والله يطلع عليك .

 

الفرق بين العاصي والفاجر :

الدكتور راتب :
 يوجد جانب في الدين لا علاقة له بالدين إطلاقاً ، هنا يظهر ورع الإنسان ، إذا شخص مثلاً في عمله ترك السرقة ، هل تركها خوف القانون ، أو خوف إدارة المشروع ، إدارة ذكية جداً تكشف كل خطأ ، أم خوفاً من الله ؟ الأمور هنا مختلطة ، النية ، أما عندما يغض بصره فلا يوجد قانون يمنعه أن ينظر .
المذيع :
 الله يفتح عليكم ، دكتورنا الكريم ، حديثنا مسترسل عن ذنوب الخلوات ، النبي صلى الله عليه وسلم يسأل :

((أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ ؟ قالوا : المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع . قال : إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شَتَمَ هذا ، وقذفَ هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطَى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه ، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ، ثم يُطْرَحُ في النار))

[مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

 دكتور ، إذا كانت هذه الذنوب أمام الناس فإنها تنتقص من حسنات الإنسان فما بالنا بالذنوب التي يسيء بها الإنسان إلى الآخرين بخلوة عنهم ، فما هي عقوبة من يقع في مثل هذه الذنوب ؟
الدكتور راتب :
 الحقيقة أن هذه الذنوب التي يرتكبها الإنسان إن كانت فيما بينه وبين الله يحاسب عليها ، لا تخفى عليه خافية ، وإن كانت أمام الناس فيحاسب عليها أكثر ، لماذا ؟ عندما الإنسان يتباهى بالمعصية انتقل من عاصٍ إلى فاجر ، من هو الفاجر ؟ الذي يتباهى بالمعصية، في رمضان يفطر أمام الناس ، يدخل لمطعم ، يأكل في المطعم ، فالذي يتباهى بالمعصية هذا فاجر ، والذي يعصي الله يسمى عاصٍ ، عندنا فسق ، وعندنا فجور ، الفجور أن تتباهى بالمعصية .
المذيع :
 وهذا أشد عند الله من العاصي ، لأنك تعلن المعصية .

 

العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :

الدكتور راتب :
 تعلنها وتشجع الناس عليها ، الناس على دين ملوكهم وأقويائهم ، الإنسان له مكانة وفي رمضان يفطر ، لا يشكو من شيء أبداً ، شجع على المعصية .
المذيع :
 دكتور ، يقول عليه الصلاة والسلام :

((لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ؟ قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))

[ابن ماجه عن ثوبان بن بجدد]

الدكتور راتب :
 روايته دقيقة جداً .

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثورا ، قيل: يا رسول الله جلهم لنا ، قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 انتهت الصلاة ، نكمل ، الصيام :

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

 هذا الصيام ، أما الزكاة :

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 53]

 الحج :

(( من حج من مال حرام ، ووضع رجله في الركاب وقال : لبيك اللهم لبيك ، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))

 الشهادة :

(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله ))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

 لذلك عندنا في الإسلام عبادة شعائرية ، وعندنا عبادة تعاملية ، العبادة الشعائرية قطعاً وقولاً واحداً لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية .
المذيع :
 نوضح هذه النقطة دكتور .

 

الفرق بين العبادة الشعائرية والعبادة التعاملية :

الدكتور راتب :
 سيدنا جعفر جاء النجاشي ، قال له حدثني عن الإسلام ، قال :

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 إن حدثك فهو صادق ، إن عاملك فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، ويأتي النسب تاج على هذه الصفات .

(( فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 الآن سأتحدث عن مفردات العبادة التعاملية لا الشعائرية .

(( وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء))

 إذاً عندنا عبادة شعائرية ، وعندنا عبادة تعاملية ، الأصل العبادة التعاملية :
 من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله له بشيء من عمله .
 فنحن إذا أتقنا العبادة الشعائرية ولم نكن في دخلنا متقنين للدخل الحلال لا في علاقاتنا ، ولا في خلواتنا ، ولا في سهراتنا ، ولا في نزهاتنا ، ما انضبطنا بالشرع ، العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها ، ولا وزن لها إطلاقاً .
المذيع :
 إذاً دكتور الإنسان في لحظة من اللحظات يتشجع بالعبادة مع أخوانه ، مع من حوله، ويخاف أحياناً من نظرة الناس السلبية إليه إذا ما أذنب معهم ، لكن في الخلوات حينما يكون بمفرده ، حينما يكون على جهازه المحمول لوحده في غرفته ، في حساباته المالية لوحده فإن البعض يقع في هذه الخلوات .

 

من ستره الله من معصية ارتكبها عليه احترام هذا الستر :

الدكتور راتب :
 لكن لو إنسان ارتكب معصية ، والله عز وجل تفضل عليه بستره ، إن حدث الناس غداً عما فعل ، ارتكب معصية كبيرة جداً ، استهان بستر الله له .
المذيع :
 والعياذ بالله ، هذه ليست دعوة للمعصية ، ولكن إن وقع فيها وستره الله فليستر نفسه .
الدكتور راتب :
 نحن ليس عندنا اعتراف ، عندنا ستر ، الله ستير ، أنت كنت مخطئاً في مرحلة معينة ، وسترك الله ، مثلاً حماقة ترتكب ، خطب فتاة ، أحب أن يقول لها كل شيء عن حياته، تحدث لها عن تجارب له مع بنات أخريات سقط من عينها ، هذه اسمها حماقة ، الله عز وجل سترك ، وحجب هذه المعصية عن الناس ، تفضح نفسك ؟
المذيع :
 هنا دكتور ، يقول ابن الجوزي : الحذر الحذر من الذنوب وخصوصاً ذنوب الخلوات فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه سبحانه ، ومتى سقطت من عين الله فكيف تفلح ؟! هل يمكن لمن يكثر من ذنوب الخلوات ولا يعاجلها بأن يبادلها بالتوبة أن يسقط من عين الله عز وجل .
الدكتور راتب :
 الإنسان عندما يتقن عبادته أمام الناس ، ويهملها فيما بينه وبين الله ، هو يعبد الناس من دون الله ، ذات مرة شخص بقي لأربعين سنة يصلي الفجر في الصف الأول ، في أحد الأيام لم يستيقظ وقال : ماذا يقول الناس عني ؟ معنى ذلك أنت في هذه الصلوات من أجل أن تنتزع احترام الناس .
المذيع :
 في هذه اللحظات الحساسة يعرف صدق النوايا ، لو وقع فيها إنسان عليه أن يستغفر الله ويجدد نيته مع الله .
الدكتور راتب :
 ما دام الله قد ستره ينبغي أن يحترم هذا الستر .
المذيع :
 دكتور ، هنالك قول لابن رجب الحنبلي يقول :
 خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس .
 هل يمكن للإنسان إذا كان له خاتمة سوء أن يكون ذلك مؤشراً أن في حياته ذنوب خلوات أخفاها عن الناس ؟

معية الله معيتان معية عامة ومعية خاصة :

الدكتور راتب :
 طبعاً ، البرمكي ، هذا أول رجل في الحكم العباسي ، وجد نفسه في السجن فجأة ، جاءت ابنته تزوره ، فقال : يا بنيتي لعل دعوة مظلوم أصابتنا في جوف الليل ، ونحن عنها غافلون .
المذيع :

﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ ﴾

[ سورة النساء : 108]

 ما المقصود في هذه الاية الكريمة دكتور ؟
الدكتور راتب :
 معية الله معيتان ، معية عامة ، ومعية خاصة ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾

[ سورة الحديد : 4]

 هذه معية علم فقط ، الله مع الكافر ، ومع الملحد ، ومع المنافق ، ومع المجرم ، ومع أي إنسان ، معه بعلمه ، أما إذا قال الله عز وجل :

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾

[ سورة الأنفال : 19]

 هذه معية خاصة ، معهم بالنصر ، والتأييد ، والحفظ ، والتوفيق ، أعظم شيء المعية الخاصة ، المعية العامة ليس لها ثمن ، أما الخاصة فقد قال الله :

﴿ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً َ﴾

[ سورة المائدة : 12]

 يوجد معية خاصة ، ومعية عامة ، المعية العامة عادية ، الله مع الكافر ، معه بالعلم، معه بعلمه ، مع الفاسق ، مع المنافق ، مع الملحد ، مع المؤمن ، مع النبي ، مع الرسول ، معية عامة معية علم ، أما المعية الخاصة فمعية التأييد ، والحفظ ، والتوفيق .
المذيع :
 الله يفتح عليك يا دكتور ، في الحديث النبوي الشهير ، عندما سأل سيدنا جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فكان جوابه عليه الصلاة والسلام :

((أن تعبدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تَراه ، فإنه يَراكَ ))

[مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمر]

 هذا يلغي ذنوب الخلوات .

((أن تعبدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تَراه ، فإنه يَراكَ ))

[مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمر]

 من شقين ، أن تثقل نفسك في الإيمان ، وأن ترى أن الله يراك ، وأنت حقيقة لا تراه ، كيف يمكن أن نفتح ملف علاج من ذنوب الخلوات من خلال هذا الحديث دكتور ؟

 

ما عصى إنسان ربه إلا لضعف إيمانه بعلم الله وبقدرته سبحانه :

الدكتور راتب :
 قبل ذلك أنت تركب سيارتك وتمشي في عمان ، والإشارة حمراء ، لِمَ لا تتخطاها ؟ هذا سؤال دقيق لأنك تعتقد أن واضع قانون السير علمه يطولك ، وقدرته تطولك من خلال هذا الشرطي ، كتب ضبطاً بمبلغ مئة دينار ، فعلم واضع القانون وهو وزير الداخلية ، علمه يطولك من خلال هذا الشرطي ، وقدرته تطولك من خلال حجز المركبة ، لذلك أنت حينما تؤمن يقيناً أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، الدليل :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق : 12]

 اختار من كل أسمائه العليم والقدير ، المؤمن يعتقد يقيناً أن علم الله يطوله ، وأن قدرته تطوله لا يعصيه ، وما عصى إنسان ربه إلا لضعف إيمانه بهاتين النقطتين .
المذيع :
 وقد يكون ضعفاً مؤقتاً في لحظة معصية ثم يعود إلى صوابه .
الدكتور راتب :

﴿ غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾

[ سورة المؤمنون : 106]

 أي شهواتنا .
المذيع :
  الله يفتح عليكم يا دكتور ، كيف يمكن للإنسان أن يكون ذا إيمانٍ قوي يحصنه من ذنوب الخلوات ؟

 

حاجة الإنسان دائماً إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور راتب :
 يحتاج إلى حاضنة إيمانية ، أما أن تعيش لوحدك ضمن مجتمع متفلت لا تستطيع ، تحتاج حاضنة إيمانية ، ما دليلها ؟

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

 تحتاج حاضنة إيمانية ، تحتاج مجتمعاً إيمانياً ، مجتمعاً مؤمناً ، أذكر إنساناً مدمن خمر ، له أصدقاء يجلسون للشراب معاً ، فذهب إلى بيت الله الحرام ، وتاب من شرب الخمر ، وتابع علاقته بهؤلاء الأصدقاء ، أصدقاء السوء ، ذات مرة وزعوا الخمر فامتنع ، قال : أنا تائب، قال له : كم كلفتك حجتك ؟ قال له : خمسون ألفاً ، قال له : هذه خمسين ألفاً ، اشرب ، بعد اثني عشر يوماً توفاه الله ، مات شارب خمر ، لذلك لا بد من حمية اجتماعية .

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

 آية أبلغ :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾

[ سورة الكهف : 28]

 تنويه للأخوة المستمعين :

﴿ أَغْفَلْنَا ﴾

[ سورة الكهف : 28]

 أي وجدناه غافلاً فقط ، هذا المعنى وليس جعلناه غافلاً ، وجدناه غافلاً .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور .
الدكتور راتب :
 التقيت مع القوم فما أجبنتهم ، ما وجدتهم جبناء ، وليس جعلتهم جبناء .
المذيع :
 دكتور ، حتى نقدم إن شاء الله رب العالمين نقاط تفيد كثير من مستمعينا الكرام ، النقطة الأولى : في نصيحتك حتى يقوى إيمان الإنسان عن ذنوب الخلوات يجب أن يكون له حاضنة إيمانية ، أقارب ، أصدقاء ، يذكرونه بالله دوماً .

 

على المؤمن أن يشحن نفسه بشحنة علمية وروحية حتى يتابع الاستقامة :

الدكتور راتب :

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

المذيع :
 هذه النقطة الأولى ، النقطة الثانية دكتور : تنصح أيضاً بها المستمعين لتقوية إيمانهم تجاه ذنوب الخلوات .
الدكتور راتب :
 نحتاج إلى تغذية مستمرة .
المذيع :
 بماذا نغذي أنفسنا دكتور ؟
الدكتور راتب :
 الهاتف الخلوي في جيبك ، هذا الهاتف يحتاج لشحن ، إذا ما شحنت نفسك شحنتين معاً شحنة علمية ، وشحنة روحية ، لن تستطيع متابعة الاستقامة .

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا ﴾

[ سورة الكهف : 28]

 لا يعني جعلناه غافلاً ، أغفلنا أي وجدناه غافلاً .

﴿ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف : 28]

المذيع :
 دائماً تحثنا دكتور في هذه الدروس الطيبة على العلم ، فهل إذا زاد علم الإنسان أن يزيد من إيمانه فيقوى على ذنوب الخلوات ؟

 

القنوط من رحمة الله أكبر ذنباً من المعصية :

الدكتور راتب :
 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور لهذا الكلام الطيب ، أحياناً يسير الإنسان مع الله سبحانه وتعالى في عهده وتوبته لكن النفس البشرية تخطئ وتذنب ، يشعر في لحظة من اللحظات بقنوط من رحمة الله ، أنه لا فائدة من إيماني كلما أسير كلما أقع من جديد ، ماذا تنصح من يقع في هذه المعصية دكتور ؟
الدكتور راتب :
 أكبر من ذنب المعصية القنوط من رحمة الله ، والقانط هو الكافر .

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 المطلق في القرآن على إطلاقه ، الذنوب جمع ، تعني شيئين ، تعني كماً ونوعاً ، فأكبر ذنب في الأرض يغفر ، ومليون ذنب يغفر ، صيغة المبالغة في القرآن المطلق على إطلاقه مثلاً :

(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه))

[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]

 أي أخ هذا ؟ يوجد أخ أسري ، من أمه وأبيه ، يوجد أخ قرابة ، من نفس الأسرة ، أخ حي ، أخ مجاور ، يوجد أخ إقليمي ، يوجد أخ مثلاً دولي ، أخ في الإنسانية ، مادام مطلق المطلق على إطلاقه لا تقدر أن تغش مجوسياً كمسلم .

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ﴾

[ سورة المائدة : 8]

 معهم :

﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾

[ سورة المائدة : 8]

على المسلم أن يكون مثالاً يحتذى به في كل مكان :

 إن عدلت مع الكافر قربته للتقوى ، لذلك يوجد آية من أخطر الآيات في القرآن :

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

[ سورة الممتحنة : 5]

 الكافر لو فرضنا اعتاد ألا يقدم تصريحاً كاذباً ، والتقى بمسلم قدم تصريحاً كاذباً ، لا يستطيع هذا المسلم إقناع الكافر بالإسلام ، لأن الكافر اعتد بكفره ، أنت أقنعته بكفره ، هو لا يكذب ، أنت أقنعته بكفره .

﴿ لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً ﴾

[ سورة الممتحنة : 5]

 أن نفتن الكافر عن ديننا ، فسدناه عن ديننا ، واعتقد بصواب دينه .
المذيع :
 نحن يخطر على بالنا دكتور أن تفتنه عن دينه بمعنى كفر صريح بالكلام ، لكن البعض يقع ببعض المواقف التي يظهر أسوأ نموذج فيها لسلوك المسلمين ، ففعلاً يفتنه عن الإسلام .
الدكتور راتب :
 كنت في ألمانيا ، في برلين ، اجتمع أمامي لا أبالغ ما يقارب ثلاثة آلاف شخص ، بأضخم مكان ، وأنا أعلم يقيناً أنهم قدموا تصريحات كاذبة للحكومة على أنهم لا يعملون ، الحكومة تعطيهم مبلغ تسعمئة يورو ، لكل شخص لا يعمل ، وعلى كل ابن ثلاثمئة ، هؤلاء جميعاً يعملون في السر ما يسمى بالأسود ، يعملون بخلاف القانون ، ويتلقون مساعدات من الحكومة وهي تعلم ، قلت لهم : هل بإمكانكم جميعاً ، وقد قدمتم تصريحات كاذبة أن تقنعوا الألماني بالإسلام ؟ مستحيل ! شيء خطير ، أن يرتكب المسلم ذنباً في بلده يشار إليه بالاسم ، فلان أخطأ ، أما يرتكب ذنباً في بلاد الغرب فيشار إلى دينه لا إلى اسمه ، فأنت على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبلك .
 كل إنسان مقيم في بلاد أجنبية معه رسالتان ، رسالة من بلده المسلم إلى الغرب ، مبادئنا ، وقيمنا ، والإسلام العظيم ، ورسالة من الغرب إلى الشرق ، القانون فوق الجميع ، تكافؤ فرص ، فهناك أشياء إيجابية في الغرب أيضاً ، فأنت بطولتك أن تنقل إيجابيات الغرب إلى الشرق ، وإيجابيات الشرق إلى الغرب ، أما أن تختار مساوئ الجهتين فهذا خطأ كبير .
المذيع :
 دكتور ، لا حياء في طرح أمور الدين ، هنالك قضية حساسة تتسبب بكثير من ذنوب الخلوات ، وهي ملف الانترنت دكتور ، بما فيه من اختلاط ، بما فيه من مشاهد لبعض المواقع والأفلام التي لا ترضي الله عز وجل ، ويقع فيها كثير من الناس ، اليوم هناك إحصائيات كبيرة تتحدث عن نسبة كبيرة من الشباب ومن الفتيات يقعن بهذه القضية ، هذه من أخطر ذنوب الخلوات ، لعلها هي خلوات ، لأن الإنسان يملك جهازاً أو هاتفاً بين يديه بمفرده ، بهذه القضية تحديداً دكتور بماذا تنصح الأخوة والأخوات ؟

 

تحصين الأولاد منذ الصغر بإقناعهم لا بقمعهم :

الدكتور راتب :
 أولاً سيدي ، لا يمكن أن تمنعها ، لكن تستطيع أن تثقف أولادك ، أن تقنعهم ، أنا أقول : أقنع ولا تقمع .
المذيع :
 هل تقصد أنه لا يمكننا أن نمنع الانترنت من البيوت ؟
الدكتور راتب :
 أحياناً يأتي الابن ومعه CD ، في جيبه لا تراه أنت ، دخل لغرفته ووضعه في اللابتوب ، شاهد كل شيء ، فأنت الآن تقريباً يستحيل أن تمنع إنساناً من شيء ، لكن أن تحصنه من الداخل ، هذا ممكن .
المذيع :
 أنت تتحدث عن منهج الوقاية دكتور .
الدكتور راتب :
 نعم ، أقنع ولا تقمع .
المذيع :
 كيف أحصن أولادي من هذه الأخطاء ؟
الدكتور راتب :
 لا بد من جلسة أسبوعية معهم ، الحلال والحرام يا بني ، والجنة والنار ، والقرآن والإسلام ، وعظمة هذا الدين ، عليك أن تقنعهم .
المذيع :
 دكتور ، أنت تستطيع تربيته على هذا عندما يكون طفلاً صغيراً ، يلعب في لعبة معينة ، تظهر له إعلانات خارشة لكل القيم الشرعية والحياء .

توظيف الأموال الطائلة لرعاية مبادئ الأطفال :

الدكتور راتب :
 معي دراسة مؤلمة جداً جداً ، ثلاث مرات قلتها ، أفلام الكرتون في العالم تدعو للإباحية والإلحاد ، وفي دراسة عليها مؤصلة ، أفلام الكرتون تدعو للإباحية والإلحاد ، وأنا شاهدت مرة فيلم كرتون في اسطنبول فبكيت ، عن محمد الفاتح ، أين أغنياء المسلمين ؟ ما دام يوجد فيلم كرتون يتلقاه الابن بشغف مذهل ، لماذا لا نوظف أموالنا بأفلام كرتون للصغار ؟ وإن كان فيلماً عن محمد الفاتح ، بكيت وأنا كبير ، بكيت وما تحملت .
المذيع :
 وإن كان خروج سريع عن الموضوع دكتور ، كثير من المحسنين من أغنياء المسلمين يمتنع عن التبرع لمثل هذه القضايا ، يمتنع عن التبرع لمثل هذه القضايا هو يتبرع لمسجد أو ليتيم ، لا يتبرع لأبناء الفكر الثقافي والمنتوج الإعلامي لكثير من الناس ، هل تشجعهم دكتور في هذا ؟
الدكتور راتب :
 والله أعلم يقيناً ، أن هناك فوبيا إسلام في العالم ، الخوف من الإسلام ، وهناك محطات ، هذه القصة قديمة ، ليست الآن ، منذ عهد شيراك ، محطات فضائية إباحية موجهة للجزائر ، مدفوع عليها الملايين لإفساد أخلاقنا ، عندنا فوبيا إسلام ، هل الإسلام الذي انتشر في أوروبا ووصل إلى فيينا ، ووصل إلى الصين ، هذا الإسلام عندهم خوف شديد منه ، ملخص الخوف فوبيا الإسلام ، الآن هم يدفعون المليارات من أجل إفساد أخلاق أبنائنا ، فنحن يجب أن ننتبه .
 فأنا أقول لو أن الأموال الطائلة قد وظفت لرعاية مبادئ الأطفال ، فيلم كرتون شاهدته قلت لك عليه ، والله بكيت ، عن محمد الفاتح كرتون ، لماذا لا يوجد عندنا أفلام كرتون؟
المذيع :
 والطفل ينشأ على هذه المعتقدات والقيم ، حسناً دكتور ، كنت تكمل في نصيحتك للشباب والفتيات الذين يقعون في ذنوب الخلوات فيما يرتبط بملف الانترنت ومشاهداته .
الدكتور راتب :
 هم يحتاجون إلى حاضنة إيمانية ، وهم يحتاجون إلى أن يملؤوا فراغهم ، الفراغ مشكلة كبيرة جداً ، الذي يملأ وقت فراغه بدراسة ، بتأليف ، بنشاط إسلامي ، بدعوة ، هذا ليس عنده وقت للمعصية ، فالفراغ مشكلة كبيرة جداً ، إنسان ليس عنده شي ، عنده فقط هذه الانترنت أي كلها إباحية ، هل تصدق لو كتبت بالبحث محمد يأتي موقع إباحي ؟
المذيع :
 لكن هنالك غريزة أسكنها الله في قلوبنا تميل لمثل هذه القضايا دكتور .

ما من معصية إلا ولها بديل إسلامي :

الدكتور راتب :
 بالمناسبة سيدي؛ هذه الشهوات ممكن أن تتحرك مئة وثمانين درجة ، الله سمح لك بمئة وعشر درجات هذا الحلال ، مامن شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة ، كنت مرة في أمريكا سيدي ، بلغني أن الأخوة الأطباء يدفعون مليونين بالسوري ، حتى أفهمها أنا غيرت العملة للسوري ، يدفع مليونين للتأمين ضد دعوى مريض ، المريض إذا أقام دعوى على الطبيب يكلفه بثمانين مليون أحياناً ، فهذا الشيء مخيف ، لذلك جميعهم يؤمّنون ضد دعاوى المرضى ، والله دخلت عند طبيب في أمريكا ، وجدت عنده أضابير بعرض العيادة، قال لي : يجب أن تبقى عندي الاضبارة خمس سنوات ، لو ابن المتوفى أقام دعوى على الطبيب بعد أربع سنوات ونصف وربحها يغرمه بمئة مليون ، قلت له : اعملوا تأميناً تعاونياً ، ما هو التأمين التعاوني ؟ شيء لا يصدق ! صندوق ، يدفع كل طبيب مليون ، هم مئة طبيب ، وجدوا معهم مئة مليون فجأة ، بنوا مدارس ، بنوا مقاصف إسلامية ، وإذا أصيب أحدهم بمشكلة يأخذ منهم ، هذا التأمين التعاوني شيء مذهل ، أنا مؤمن ، أريد أن أعود لبلدي يعطوني مبلغي، مبلغي أمانة عندهم ويستثمر ، وأنا مؤمن أيضاً ، ما من معصية إلا ولها بديل إسلامي.
المذيع :
 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا جميعاً على أن يكون إيماننا أقوى لتكون مخافة الله عز وجل في سرنا وعلانيتنا ترضيه عنا .
 في ختام هذه الحلقة دكتور في آخر ثلاثين ثانية إذا كان لفضيلتكم همسة في ذنوب الخلوات لمستمعينا الكرام .
الدكتور راتب :
 والله إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، أريد علماً وعملاً ، أنت بالكون تعرفه وبالشرع تعبده .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور ، نختم حلقتنا بالدعاء .

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لهذا الكلام الطيب ، كانت حلقتنا تتحدث عن ذنوب الخلوات ، أعاننا الله بالخير وإياكم على أن نكون بأفضل شكلٍ يرضاه الله في سرنا وفي علانيتنا .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور