- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام في مجلس العلم والإيمان ، مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم شيخنا وأستاذنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
ربنا يعطيكم الصحة والعافية ، ويمد بعلمكم وبعمركم إن شاء الله ، حياكم الله ، "ذنوب الخلوات" هو حديثنا لهذه الحلقة يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
دكتورنا الكريم ، الذنوب هي بوابة حجب الإنسان عن الله سبحانه وتعالى ، ولعلّ ذنوب الخلوات هي أصعب ما في هذه الذنوب ، فنبدأ حديثنا عن الذنوب مع فضيلتكم .
معنى الورع :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
يمكن أن نبدأ هذا اللقاء الطيب بهذا النص : "من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله" .
المذيع :
ما المقصود بالورع دكتور ؟
الدكتور راتب :
الورع؛ ترك المباح خشية المعصية ، ترك الحرام استقامة ، أما ترك الحلال خشية الورع ، مثلاً : العنب في شمال إفريقيا يزرع بكميات كبيرة ، لكن هذه الكميات تصدر إلى بلد ليكون خمراً ، فالورع أن تبتعد عن شيء حلال خوف الحرام .
المذيع :
ما الورع هنا ألا أزرعه أم ألا أبيعه ؟
الدكتور راتب :
ألا أبيعه لفرنسا ، في الشمال الإفريقي يباع العنب إلى فرنسا .
المذيع :
معروف أنه مصدّر لتصنيع الخمور .
الدكتور راتب :
هذا ترك الحلال ، أنا سأزرع عنباً وسأستفيد منه ، إذا كانت الغاية فقط أن أبيعه لفرنسا ويصبح خمراً يجب ألا أزرع عنباً ، أو أن أبيعه إلى جهة لا تصنعه خمر .
المذيع :
هنا لا يعد إثماً صريحاً لأنك مسؤول عن نفسك ، لكن الورع هنا أن تتجنب المسألة من بدايتها .
تقييم الإنسان في البيت لأن حقيقته تظهر بالبيت فقط :
الدكتور راتب :
مآلاً يكون كذا ، هذا الورع ، أن تدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس .
المذيع :
جميل! الله يفتح عليكم يا دكتور إن شاء الله ، عندما نقول ذنوب الخلوات ، لماذا تكثر عن الذنوب أمام الناس الآخرين ؟
الدكتور راتب :
الإنسان أمام الآخرين له مكانة اجتماعية ، يهمه مكانته ، يهمه ثناء الناس عليه ، يدع أشياء كثيرة ، لكن أين البطولة ؟ أن تدع هذا في بيتك ، لذلك كل الأعمال الطيبة الرائعة خارج المنزل من أناقة ، من تعطر ، من ابتسامة ، من ترجيل شعر ، من لباقة ، نعومة ، هذه كلها بزنس في المصطللح الحديث ، أين أخلاقك ؟ في البيت ، لذلك النبي قال :
(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ))
أنت تبدو على حقيقتك في البيت ، التفسير الأول ، لست مضطراً أن تجامل أحداً ، ولا تظهر أمامه بشيء ، فأنت بالبيت تقييمك هو في البيت فقط ، والدليل :
(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))
العوام لهم بعض الكلمات : داخل البيت دبور ، في الخارج شحرور .
المذيع :
الحقيقة هي ما يجري في البيت ، ليس أمام الناس .
الدكتور راتب :
والنبي قال :
(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))
المذيع :
أستأذن حضرتك دكتور في هذا الحديث ، قليل من الأحاديث التي رواها النبي والتي أتبعها بذكر نفسه ، أي لا يمكن أن يرشدنا إلى قضايا عليه الصلاة والسلام ، لكن هنا كان :
((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))
وأتبعها النبي بنفسه ، ما الحكمة من ذلك دكتور ؟
على المؤمن أن يسعى للحصول على منصب عالٍ إذا كان ذا اختصاص نادر :
الدكتور راتب :
لها معنى عميق جداً .
﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾
سيدنا يوسف ، إذا كنت تحمل اختصاصاً نادراً جداً ، ويوجد منصب لو طلبته لكان لك ، طلبته ، بهدف إحقاق الحق ، أنت قادر أن تقيم أمر الله في هذا الحقل ، إن طلبته هذه لا تسمى أنانية ، قال له :
﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾
المذيع :
دكتور تحدثنا عن النبي عليه الصلاة والسلام ، حينما قال :
((وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))
وعن سيدنا يوسف حينما طلب أن يكون أميناً على خزائن الأرض .
الدكتور راتب :
إذا كانت المصلحة العامة تقتضي أن تكون أنت في هذا المنصب ، لخبرتك العميقة واستقامتك معاً ، ورأيت هذا المنصب سيؤخذ لإنسان متفلت من الدين تقول : أنا ، لو طلبت أنا وافقوا عليك ، أقول أنا :
﴿ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾
أنا أملك القدرات التامة لهذا المنصب .
المذيع :
لا يعد هنا غرور ، أو كبر .
الدكتور راتب :
لا أبداً ، مصلحة عامة سيدي .
المذيع :
هنا الأولى أن تتقدم بنفسك .
الشرك الخفي :
الدكتور راتب :
قال له :
﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾
(( وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))
أنا ليس عندي إزدواجية ، لا أصدر لكم معلومات رائعة ولا أطبقها في البيت ، أنا أذكر في إحدى دروسي في الجامع ، ابنتي الصغيرة كانت في الدرس ، قالت لها أخت كبيرة : هل والدك في بيته مثل ما يقول ؟ يهمهم المصداقية .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور ، نحسبكم من أهل الخير والتقوى ، وإن شاء الله يكون لكم مكانة كبيرة عند الله ، كما لكم مكانة عند كل المستمعين الكرام ، عن أبي سعيد قال :
(( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الدجال ، فقال : ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من الدجال ؟ قلنا : بلى ، فقال : الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يدرك من نظر رجل))
الشرك الخفي دكتور ، هل هو من ذنوب الخلوات ؟
الدكتور راتب :
(( أخوف ما أخاف على أمتي ))
في هذا المجتمع المسلم الآن لا يوجد إلحاد ، شرك جلي لا يوجد ، لا يوجد عندنا بوذا ، ليس عندنا إله يعبد من دون الله ، في المجتمع المسلم سيدي ، يوجد شيء اسمه إله ، صنم نعبده لا يوجد ، فالشرك الجلي انتهى بالإسلام ، ماذا بقي ؟ الشرك الخفي .
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية . قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله))
المذيع :
نوضحها دكتور لو سمحت .
وجود مخالفات لا تضبطها إلا الذات الإلهية :
الدكتور راتب :
شهوة خفية ، أي عنده شهوة عليه أن يمارسها ، يبحث عن غطاء لها ، غطاء معين مهما كان رقيقاً ، فالشهوة الخفية يريد أن يظهر ، أن يكون له مكانة ، أن يلبي جانب الأنا في ذاته ، الأنا ، فهو يغطيها بشيء ، مثلاً دولة عظمى ، احتلت دولة نفطية ، أمام العالم ماذا تقول ؟ تقول : جئنا من أجل الحرية .
جاء مرة حاكم أمريكي في العراق قال : جئنا من أجل النفط ، فقط ، هذه الحقيقة . فالإنسان يغير ، يبدل ، يتلاعب بالمصطلحات حفاظاً على مكانته الخارجية ، لكن الله يعرفه ، من عظمة هذا الدين ، مهما حاولت أن تضلل الناس ، أنت مكشوف عند الله ، لا تخفى عليه خافية ، أحياناً إذا شخص يضره تناول الليمون ، وأنت لا تحبه ، قدمت له أمام الناس كأس ليمون شهية ، الله يعلم النوايا ، وأحياناً إنسان ينفعه دواء مر ، وأجبرته عليه لك أجر ، فالله عز وجل رب النوايا ، والحديث الأول المتواتر أصلاً ومعنىً :
((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))
المذيع :
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل بإذن الله رب العالمين كل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، دكتور ذنوب الخلوات هل يمكن أن تكون معياراً لصدق إيمان الإنسان ، لأنه لا يوجد أحد يراه ؟
الدكتور راتب :
عفواً ، شخص جالس في غرفته ، وأمامه بناء وشرفة ، امرأة وقفت على الشرفة بثياب فاضحة ، فغض بصره عنها ، من يعلم هذا الغض إلا الله ، قال تعالى :
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
امرأة جاءت الطبيب ، والطبيب مسموح له أن يرى مكان الألم ، من جسم المرأة ، فلو نظر إلى مكان آخر لا تشكو منه ، خيانة النظر من يعلمها إلا الله ؟ هذه نقطة دقيقة جداً ، هناك تطابق بين المحرمات الإسلامية والمحرمات القانونية ، السرقة في الدين حرام ، في القانون حرام ، أما هناك مخالفات لا تضبطها إلا الذات الإلهية ، غض البصر مثلاً ، لا يوجد قانون في الأرض يمنعك أن تنظر ، وأن تتأمل محاسن المرأة التي لا تحل لك ، من الذي يعلم غض بصرك ؟ الله عز وجل :
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
المذيع :
فهي قضية في القلب وأنت تعلمها في داخلك والله يطلع عليك .
الفرق بين العاصي والفاجر :
الدكتور راتب :
يوجد جانب في الدين لا علاقة له بالدين إطلاقاً ، هنا يظهر ورع الإنسان ، إذا شخص مثلاً في عمله ترك السرقة ، هل تركها خوف القانون ، أو خوف إدارة المشروع ، إدارة ذكية جداً تكشف كل خطأ ، أم خوفاً من الله ؟ الأمور هنا مختلطة ، النية ، أما عندما يغض بصره فلا يوجد قانون يمنعه أن ينظر .
المذيع :
الله يفتح عليكم ، دكتورنا الكريم ، حديثنا مسترسل عن ذنوب الخلوات ، النبي صلى الله عليه وسلم يسأل :
((أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ ؟ قالوا : المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع . قال : إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شَتَمَ هذا ، وقذفَ هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطَى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه ، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ، ثم يُطْرَحُ في النار))
دكتور ، إذا كانت هذه الذنوب أمام الناس فإنها تنتقص من حسنات الإنسان فما بالنا بالذنوب التي يسيء بها الإنسان إلى الآخرين بخلوة عنهم ، فما هي عقوبة من يقع في مثل هذه الذنوب ؟
الدكتور راتب :
الحقيقة أن هذه الذنوب التي يرتكبها الإنسان إن كانت فيما بينه وبين الله يحاسب عليها ، لا تخفى عليه خافية ، وإن كانت أمام الناس فيحاسب عليها أكثر ، لماذا ؟ عندما الإنسان يتباهى بالمعصية انتقل من عاصٍ إلى فاجر ، من هو الفاجر ؟ الذي يتباهى بالمعصية، في رمضان يفطر أمام الناس ، يدخل لمطعم ، يأكل في المطعم ، فالذي يتباهى بالمعصية هذا فاجر ، والذي يعصي الله يسمى عاصٍ ، عندنا فسق ، وعندنا فجور ، الفجور أن تتباهى بالمعصية .
المذيع :
وهذا أشد عند الله من العاصي ، لأنك تعلن المعصية .
العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :
الدكتور راتب :
تعلنها وتشجع الناس عليها ، الناس على دين ملوكهم وأقويائهم ، الإنسان له مكانة وفي رمضان يفطر ، لا يشكو من شيء أبداً ، شجع على المعصية .
المذيع :
دكتور ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ؟ قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))
الدكتور راتب :
روايته دقيقة جداً .
(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثورا ، قيل: يا رسول الله جلهم لنا ، قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
انتهت الصلاة ، نكمل ، الصيام :
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
هذا الصيام ، أما الزكاة :
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
الحج :
(( من حج من مال حرام ، ووضع رجله في الركاب وقال : لبيك اللهم لبيك ، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))
الشهادة :
(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله ))
لذلك عندنا في الإسلام عبادة شعائرية ، وعندنا عبادة تعاملية ، العبادة الشعائرية قطعاً وقولاً واحداً لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية .
المذيع :
نوضح هذه النقطة دكتور .
الفرق بين العبادة الشعائرية والعبادة التعاملية :
الدكتور راتب :
سيدنا جعفر جاء النجاشي ، قال له حدثني عن الإسلام ، قال :
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه))
إن حدثك فهو صادق ، إن عاملك فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، ويأتي النسب تاج على هذه الصفات .
(( فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث))
الآن سأتحدث عن مفردات العبادة التعاملية لا الشعائرية .
(( وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء))
إذاً عندنا عبادة شعائرية ، وعندنا عبادة تعاملية ، الأصل العبادة التعاملية :
من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله له بشيء من عمله .
فنحن إذا أتقنا العبادة الشعائرية ولم نكن في دخلنا متقنين للدخل الحلال لا في علاقاتنا ، ولا في خلواتنا ، ولا في سهراتنا ، ولا في نزهاتنا ، ما انضبطنا بالشرع ، العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها ، ولا وزن لها إطلاقاً .
المذيع :
إذاً دكتور الإنسان في لحظة من اللحظات يتشجع بالعبادة مع أخوانه ، مع من حوله، ويخاف أحياناً من نظرة الناس السلبية إليه إذا ما أذنب معهم ، لكن في الخلوات حينما يكون بمفرده ، حينما يكون على جهازه المحمول لوحده في غرفته ، في حساباته المالية لوحده فإن البعض يقع في هذه الخلوات .
من ستره الله من معصية ارتكبها عليه احترام هذا الستر :
الدكتور راتب :
لكن لو إنسان ارتكب معصية ، والله عز وجل تفضل عليه بستره ، إن حدث الناس غداً عما فعل ، ارتكب معصية كبيرة جداً ، استهان بستر الله له .
المذيع :
والعياذ بالله ، هذه ليست دعوة للمعصية ، ولكن إن وقع فيها وستره الله فليستر نفسه .
الدكتور راتب :
نحن ليس عندنا اعتراف ، عندنا ستر ، الله ستير ، أنت كنت مخطئاً في مرحلة معينة ، وسترك الله ، مثلاً حماقة ترتكب ، خطب فتاة ، أحب أن يقول لها كل شيء عن حياته، تحدث لها عن تجارب له مع بنات أخريات سقط من عينها ، هذه اسمها حماقة ، الله عز وجل سترك ، وحجب هذه المعصية عن الناس ، تفضح نفسك ؟
المذيع :
هنا دكتور ، يقول ابن الجوزي : الحذر الحذر من الذنوب وخصوصاً ذنوب الخلوات فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه سبحانه ، ومتى سقطت من عين الله فكيف تفلح ؟! هل يمكن لمن يكثر من ذنوب الخلوات ولا يعاجلها بأن يبادلها بالتوبة أن يسقط من عين الله عز وجل .
الدكتور راتب :
الإنسان عندما يتقن عبادته أمام الناس ، ويهملها فيما بينه وبين الله ، هو يعبد الناس من دون الله ، ذات مرة شخص بقي لأربعين سنة يصلي الفجر في الصف الأول ، في أحد الأيام لم يستيقظ وقال : ماذا يقول الناس عني ؟ معنى ذلك أنت في هذه الصلوات من أجل أن تنتزع احترام الناس .
المذيع :
في هذه اللحظات الحساسة يعرف صدق النوايا ، لو وقع فيها إنسان عليه أن يستغفر الله ويجدد نيته مع الله .
الدكتور راتب :
ما دام الله قد ستره ينبغي أن يحترم هذا الستر .
المذيع :
دكتور ، هنالك قول لابن رجب الحنبلي يقول :
خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس .
هل يمكن للإنسان إذا كان له خاتمة سوء أن يكون ذلك مؤشراً أن في حياته ذنوب خلوات أخفاها عن الناس ؟
معية الله معيتان معية عامة ومعية خاصة :
الدكتور راتب :
طبعاً ، البرمكي ، هذا أول رجل في الحكم العباسي ، وجد نفسه في السجن فجأة ، جاءت ابنته تزوره ، فقال : يا بنيتي لعل دعوة مظلوم أصابتنا في جوف الليل ، ونحن عنها غافلون .
المذيع :
﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ ﴾
ما المقصود في هذه الاية الكريمة دكتور ؟
الدكتور راتب :
معية الله معيتان ، معية عامة ، ومعية خاصة ، فإذا قال الله عز وجل :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾
هذه معية علم فقط ، الله مع الكافر ، ومع الملحد ، ومع المنافق ، ومع المجرم ، ومع أي إنسان ، معه بعلمه ، أما إذا قال الله عز وجل :
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾
هذه معية خاصة ، معهم بالنصر ، والتأييد ، والحفظ ، والتوفيق ، أعظم شيء المعية الخاصة ، المعية العامة ليس لها ثمن ، أما الخاصة فقد قال الله :
﴿ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً َ﴾
يوجد معية خاصة ، ومعية عامة ، المعية العامة عادية ، الله مع الكافر ، معه بالعلم، معه بعلمه ، مع الفاسق ، مع المنافق ، مع الملحد ، مع المؤمن ، مع النبي ، مع الرسول ، معية عامة معية علم ، أما المعية الخاصة فمعية التأييد ، والحفظ ، والتوفيق .
المذيع :
الله يفتح عليك يا دكتور ، في الحديث النبوي الشهير ، عندما سأل سيدنا جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فكان جوابه عليه الصلاة والسلام :
((أن تعبدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تَراه ، فإنه يَراكَ ))
هذا يلغي ذنوب الخلوات .
((أن تعبدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تَراه ، فإنه يَراكَ ))
من شقين ، أن تثقل نفسك في الإيمان ، وأن ترى أن الله يراك ، وأنت حقيقة لا تراه ، كيف يمكن أن نفتح ملف علاج من ذنوب الخلوات من خلال هذا الحديث دكتور ؟
ما عصى إنسان ربه إلا لضعف إيمانه بعلم الله وبقدرته سبحانه :
الدكتور راتب :
قبل ذلك أنت تركب سيارتك وتمشي في عمان ، والإشارة حمراء ، لِمَ لا تتخطاها ؟ هذا سؤال دقيق لأنك تعتقد أن واضع قانون السير علمه يطولك ، وقدرته تطولك من خلال هذا الشرطي ، كتب ضبطاً بمبلغ مئة دينار ، فعلم واضع القانون وهو وزير الداخلية ، علمه يطولك من خلال هذا الشرطي ، وقدرته تطولك من خلال حجز المركبة ، لذلك أنت حينما تؤمن يقيناً أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، الدليل :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
اختار من كل أسمائه العليم والقدير ، المؤمن يعتقد يقيناً أن علم الله يطوله ، وأن قدرته تطوله لا يعصيه ، وما عصى إنسان ربه إلا لضعف إيمانه بهاتين النقطتين .
المذيع :
وقد يكون ضعفاً مؤقتاً في لحظة معصية ثم يعود إلى صوابه .
الدكتور راتب :
﴿ غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾
أي شهواتنا .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور ، كيف يمكن للإنسان أن يكون ذا إيمانٍ قوي يحصنه من ذنوب الخلوات ؟
حاجة الإنسان دائماً إلى حاضنة إيمانية :
الدكتور راتب :
يحتاج إلى حاضنة إيمانية ، أما أن تعيش لوحدك ضمن مجتمع متفلت لا تستطيع ، تحتاج حاضنة إيمانية ، ما دليلها ؟
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
تحتاج حاضنة إيمانية ، تحتاج مجتمعاً إيمانياً ، مجتمعاً مؤمناً ، أذكر إنساناً مدمن خمر ، له أصدقاء يجلسون للشراب معاً ، فذهب إلى بيت الله الحرام ، وتاب من شرب الخمر ، وتابع علاقته بهؤلاء الأصدقاء ، أصدقاء السوء ، ذات مرة وزعوا الخمر فامتنع ، قال : أنا تائب، قال له : كم كلفتك حجتك ؟ قال له : خمسون ألفاً ، قال له : هذه خمسين ألفاً ، اشرب ، بعد اثني عشر يوماً توفاه الله ، مات شارب خمر ، لذلك لا بد من حمية اجتماعية .
﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
آية أبلغ :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾
تنويه للأخوة المستمعين :
﴿ أَغْفَلْنَا ﴾
أي وجدناه غافلاً فقط ، هذا المعنى وليس جعلناه غافلاً ، وجدناه غافلاً .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور .
الدكتور راتب :
التقيت مع القوم فما أجبنتهم ، ما وجدتهم جبناء ، وليس جعلتهم جبناء .
المذيع :
دكتور ، حتى نقدم إن شاء الله رب العالمين نقاط تفيد كثير من مستمعينا الكرام ، النقطة الأولى : في نصيحتك حتى يقوى إيمان الإنسان عن ذنوب الخلوات يجب أن يكون له حاضنة إيمانية ، أقارب ، أصدقاء ، يذكرونه بالله دوماً .
على المؤمن أن يشحن نفسه بشحنة علمية وروحية حتى يتابع الاستقامة :
الدكتور راتب :
﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
المذيع :
هذه النقطة الأولى ، النقطة الثانية دكتور : تنصح أيضاً بها المستمعين لتقوية إيمانهم تجاه ذنوب الخلوات .
الدكتور راتب :
نحتاج إلى تغذية مستمرة .
المذيع :
بماذا نغذي أنفسنا دكتور ؟
الدكتور راتب :
الهاتف الخلوي في جيبك ، هذا الهاتف يحتاج لشحن ، إذا ما شحنت نفسك شحنتين معاً شحنة علمية ، وشحنة روحية ، لن تستطيع متابعة الاستقامة .
﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا ﴾
لا يعني جعلناه غافلاً ، أغفلنا أي وجدناه غافلاً .
﴿ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
المذيع :
دائماً تحثنا دكتور في هذه الدروس الطيبة على العلم ، فهل إذا زاد علم الإنسان أن يزيد من إيمانه فيقوى على ذنوب الخلوات ؟
القنوط من رحمة الله أكبر ذنباً من المعصية :
الدكتور راتب :
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور لهذا الكلام الطيب ، أحياناً يسير الإنسان مع الله سبحانه وتعالى في عهده وتوبته لكن النفس البشرية تخطئ وتذنب ، يشعر في لحظة من اللحظات بقنوط من رحمة الله ، أنه لا فائدة من إيماني كلما أسير كلما أقع من جديد ، ماذا تنصح من يقع في هذه المعصية دكتور ؟
الدكتور راتب :
أكبر من ذنب المعصية القنوط من رحمة الله ، والقانط هو الكافر .
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾
المطلق في القرآن على إطلاقه ، الذنوب جمع ، تعني شيئين ، تعني كماً ونوعاً ، فأكبر ذنب في الأرض يغفر ، ومليون ذنب يغفر ، صيغة المبالغة في القرآن المطلق على إطلاقه مثلاً :
(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه))
أي أخ هذا ؟ يوجد أخ أسري ، من أمه وأبيه ، يوجد أخ قرابة ، من نفس الأسرة ، أخ حي ، أخ مجاور ، يوجد أخ إقليمي ، يوجد أخ مثلاً دولي ، أخ في الإنسانية ، مادام مطلق المطلق على إطلاقه لا تقدر أن تغش مجوسياً كمسلم .
﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ﴾
معهم :
﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾
على المسلم أن يكون مثالاً يحتذى به في كل مكان :
إن عدلت مع الكافر قربته للتقوى ، لذلك يوجد آية من أخطر الآيات في القرآن :
﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
الكافر لو فرضنا اعتاد ألا يقدم تصريحاً كاذباً ، والتقى بمسلم قدم تصريحاً كاذباً ، لا يستطيع هذا المسلم إقناع الكافر بالإسلام ، لأن الكافر اعتد بكفره ، أنت أقنعته بكفره ، هو لا يكذب ، أنت أقنعته بكفره .
﴿ لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً ﴾
أن نفتن الكافر عن ديننا ، فسدناه عن ديننا ، واعتقد بصواب دينه .
المذيع :
نحن يخطر على بالنا دكتور أن تفتنه عن دينه بمعنى كفر صريح بالكلام ، لكن البعض يقع ببعض المواقف التي يظهر أسوأ نموذج فيها لسلوك المسلمين ، ففعلاً يفتنه عن الإسلام .
الدكتور راتب :
كنت في ألمانيا ، في برلين ، اجتمع أمامي لا أبالغ ما يقارب ثلاثة آلاف شخص ، بأضخم مكان ، وأنا أعلم يقيناً أنهم قدموا تصريحات كاذبة للحكومة على أنهم لا يعملون ، الحكومة تعطيهم مبلغ تسعمئة يورو ، لكل شخص لا يعمل ، وعلى كل ابن ثلاثمئة ، هؤلاء جميعاً يعملون في السر ما يسمى بالأسود ، يعملون بخلاف القانون ، ويتلقون مساعدات من الحكومة وهي تعلم ، قلت لهم : هل بإمكانكم جميعاً ، وقد قدمتم تصريحات كاذبة أن تقنعوا الألماني بالإسلام ؟ مستحيل ! شيء خطير ، أن يرتكب المسلم ذنباً في بلده يشار إليه بالاسم ، فلان أخطأ ، أما يرتكب ذنباً في بلاد الغرب فيشار إلى دينه لا إلى اسمه ، فأنت على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبلك .
كل إنسان مقيم في بلاد أجنبية معه رسالتان ، رسالة من بلده المسلم إلى الغرب ، مبادئنا ، وقيمنا ، والإسلام العظيم ، ورسالة من الغرب إلى الشرق ، القانون فوق الجميع ، تكافؤ فرص ، فهناك أشياء إيجابية في الغرب أيضاً ، فأنت بطولتك أن تنقل إيجابيات الغرب إلى الشرق ، وإيجابيات الشرق إلى الغرب ، أما أن تختار مساوئ الجهتين فهذا خطأ كبير .
المذيع :
دكتور ، لا حياء في طرح أمور الدين ، هنالك قضية حساسة تتسبب بكثير من ذنوب الخلوات ، وهي ملف الانترنت دكتور ، بما فيه من اختلاط ، بما فيه من مشاهد لبعض المواقع والأفلام التي لا ترضي الله عز وجل ، ويقع فيها كثير من الناس ، اليوم هناك إحصائيات كبيرة تتحدث عن نسبة كبيرة من الشباب ومن الفتيات يقعن بهذه القضية ، هذه من أخطر ذنوب الخلوات ، لعلها هي خلوات ، لأن الإنسان يملك جهازاً أو هاتفاً بين يديه بمفرده ، بهذه القضية تحديداً دكتور بماذا تنصح الأخوة والأخوات ؟
تحصين الأولاد منذ الصغر بإقناعهم لا بقمعهم :
الدكتور راتب :
أولاً سيدي ، لا يمكن أن تمنعها ، لكن تستطيع أن تثقف أولادك ، أن تقنعهم ، أنا أقول : أقنع ولا تقمع .
المذيع :
هل تقصد أنه لا يمكننا أن نمنع الانترنت من البيوت ؟
الدكتور راتب :
أحياناً يأتي الابن ومعه CD ، في جيبه لا تراه أنت ، دخل لغرفته ووضعه في اللابتوب ، شاهد كل شيء ، فأنت الآن تقريباً يستحيل أن تمنع إنساناً من شيء ، لكن أن تحصنه من الداخل ، هذا ممكن .
المذيع :
أنت تتحدث عن منهج الوقاية دكتور .
الدكتور راتب :
نعم ، أقنع ولا تقمع .
المذيع :
كيف أحصن أولادي من هذه الأخطاء ؟
الدكتور راتب :
لا بد من جلسة أسبوعية معهم ، الحلال والحرام يا بني ، والجنة والنار ، والقرآن والإسلام ، وعظمة هذا الدين ، عليك أن تقنعهم .
المذيع :
دكتور ، أنت تستطيع تربيته على هذا عندما يكون طفلاً صغيراً ، يلعب في لعبة معينة ، تظهر له إعلانات خارشة لكل القيم الشرعية والحياء .
توظيف الأموال الطائلة لرعاية مبادئ الأطفال :
الدكتور راتب :
معي دراسة مؤلمة جداً جداً ، ثلاث مرات قلتها ، أفلام الكرتون في العالم تدعو للإباحية والإلحاد ، وفي دراسة عليها مؤصلة ، أفلام الكرتون تدعو للإباحية والإلحاد ، وأنا شاهدت مرة فيلم كرتون في اسطنبول فبكيت ، عن محمد الفاتح ، أين أغنياء المسلمين ؟ ما دام يوجد فيلم كرتون يتلقاه الابن بشغف مذهل ، لماذا لا نوظف أموالنا بأفلام كرتون للصغار ؟ وإن كان فيلماً عن محمد الفاتح ، بكيت وأنا كبير ، بكيت وما تحملت .
المذيع :
وإن كان خروج سريع عن الموضوع دكتور ، كثير من المحسنين من أغنياء المسلمين يمتنع عن التبرع لمثل هذه القضايا ، يمتنع عن التبرع لمثل هذه القضايا هو يتبرع لمسجد أو ليتيم ، لا يتبرع لأبناء الفكر الثقافي والمنتوج الإعلامي لكثير من الناس ، هل تشجعهم دكتور في هذا ؟
الدكتور راتب :
والله أعلم يقيناً ، أن هناك فوبيا إسلام في العالم ، الخوف من الإسلام ، وهناك محطات ، هذه القصة قديمة ، ليست الآن ، منذ عهد شيراك ، محطات فضائية إباحية موجهة للجزائر ، مدفوع عليها الملايين لإفساد أخلاقنا ، عندنا فوبيا إسلام ، هل الإسلام الذي انتشر في أوروبا ووصل إلى فيينا ، ووصل إلى الصين ، هذا الإسلام عندهم خوف شديد منه ، ملخص الخوف فوبيا الإسلام ، الآن هم يدفعون المليارات من أجل إفساد أخلاق أبنائنا ، فنحن يجب أن ننتبه .
فأنا أقول لو أن الأموال الطائلة قد وظفت لرعاية مبادئ الأطفال ، فيلم كرتون شاهدته قلت لك عليه ، والله بكيت ، عن محمد الفاتح كرتون ، لماذا لا يوجد عندنا أفلام كرتون؟
المذيع :
والطفل ينشأ على هذه المعتقدات والقيم ، حسناً دكتور ، كنت تكمل في نصيحتك للشباب والفتيات الذين يقعون في ذنوب الخلوات فيما يرتبط بملف الانترنت ومشاهداته .
الدكتور راتب :
هم يحتاجون إلى حاضنة إيمانية ، وهم يحتاجون إلى أن يملؤوا فراغهم ، الفراغ مشكلة كبيرة جداً ، الذي يملأ وقت فراغه بدراسة ، بتأليف ، بنشاط إسلامي ، بدعوة ، هذا ليس عنده وقت للمعصية ، فالفراغ مشكلة كبيرة جداً ، إنسان ليس عنده شي ، عنده فقط هذه الانترنت أي كلها إباحية ، هل تصدق لو كتبت بالبحث محمد يأتي موقع إباحي ؟
المذيع :
لكن هنالك غريزة أسكنها الله في قلوبنا تميل لمثل هذه القضايا دكتور .
ما من معصية إلا ولها بديل إسلامي :
الدكتور راتب :
بالمناسبة سيدي؛ هذه الشهوات ممكن أن تتحرك مئة وثمانين درجة ، الله سمح لك بمئة وعشر درجات هذا الحلال ، مامن شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة ، كنت مرة في أمريكا سيدي ، بلغني أن الأخوة الأطباء يدفعون مليونين بالسوري ، حتى أفهمها أنا غيرت العملة للسوري ، يدفع مليونين للتأمين ضد دعوى مريض ، المريض إذا أقام دعوى على الطبيب يكلفه بثمانين مليون أحياناً ، فهذا الشيء مخيف ، لذلك جميعهم يؤمّنون ضد دعاوى المرضى ، والله دخلت عند طبيب في أمريكا ، وجدت عنده أضابير بعرض العيادة، قال لي : يجب أن تبقى عندي الاضبارة خمس سنوات ، لو ابن المتوفى أقام دعوى على الطبيب بعد أربع سنوات ونصف وربحها يغرمه بمئة مليون ، قلت له : اعملوا تأميناً تعاونياً ، ما هو التأمين التعاوني ؟ شيء لا يصدق ! صندوق ، يدفع كل طبيب مليون ، هم مئة طبيب ، وجدوا معهم مئة مليون فجأة ، بنوا مدارس ، بنوا مقاصف إسلامية ، وإذا أصيب أحدهم بمشكلة يأخذ منهم ، هذا التأمين التعاوني شيء مذهل ، أنا مؤمن ، أريد أن أعود لبلدي يعطوني مبلغي، مبلغي أمانة عندهم ويستثمر ، وأنا مؤمن أيضاً ، ما من معصية إلا ولها بديل إسلامي.
المذيع :
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا جميعاً على أن يكون إيماننا أقوى لتكون مخافة الله عز وجل في سرنا وعلانيتنا ترضيه عنا .
في ختام هذه الحلقة دكتور في آخر ثلاثين ثانية إذا كان لفضيلتكم همسة في ذنوب الخلوات لمستمعينا الكرام .
الدكتور راتب :
والله إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، أريد علماً وعملاً ، أنت بالكون تعرفه وبالشرع تعبده .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور ، نختم حلقتنا بالدعاء .
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين .
خاتمة و توديع :
المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لهذا الكلام الطيب ، كانت حلقتنا تتحدث عن ذنوب الخلوات ، أعاننا الله بالخير وإياكم على أن نكون بأفضل شكلٍ يرضاه الله في سرنا وفي علانيتنا .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته