وضع داكن
20-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 087 - الآباء والأبناء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلّ وسلم ، وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام في مجلس العلم والإيمان مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا وأستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 أهلاً وسهلاً بكم دكتورنا الفاضل .
 دكتورنا الكريم سنتحدث في هذا اليوم ، بعض حلقات كانت تتحدث عن العائلة وعن العلاقة بين الرجل والمرأة ، والعلاقة بينهما واليوم سنتحدث عن العلاقة التي تجمع الأبناء بالآباء ، وإن كان هنالك في لحظة من اللحظات مجموعة من المشاكل أو الأزمات ، وكيف يتعامل كل طرف منهما مع الآخر ؟
بداية دكتور زينة الحياة الدنيا الأبناء ، الذين رزقهم الله سبحانه وتعالى لمن شاء من عباده ، كيف يفترض أن تكون علاقة الآباء والأمهات بأولادهم ، والواجبات ، والمسؤوليات؟

التجارة مع الله أربح تجارة في الأرض :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 الحقيقة الدقيقة وأبدأ بالإيجابية قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور:21]

 ابنك امتدادك
قال علماء التفسير: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم ، أي لا يوجد تجارة في الأرض من آدم إلى يوم القيامة أربح من التجارة مع الله ، فهذا الابن الذي ربيته ، وقومت اعوجاجه ، وزودته بالحقائق ، وأودعت به حب الله ورسوله ، وعلمته أحكام الشرع ، كل أعمال هذا الابن إلى يوم القيامة هو وذريته من بعده في صحيفة الأب ، أنا لا أرى تجارة في الأرض في الخمس قارات من آدم إلى يوم القيامة أربح من أن تتاجر مع الله ، هذا ابنك امتدادك .
 وكنت أقول في أمريكا ، وقتها كان كلنتون رئيس جمهورية ، لو بلغت منصباً مثل كلنتون وثروة كأوناسيس ، أغنى أغنياء العالم ، وعلماً كأنشتاين ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس . كما أن الله عز وجل قال:

﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾

[ سورة طه:117]

 يوجد ملمح بلاغي ، هذه الصياغة اللغوية فتشقيا ، لكن العلماء استنبطوا شقاء الزوج شقاء حكمي لزوجته ، وأنا أقيس عليها وشقاء الأولاد شقاء حكمي لآبائهم وأمهاتهم .
المذيع :
 وهل العكس صحيح أن شقاء الآباء شقاء للأولاد ؟
الدكتور راتب :
 بالعكس:

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾

[ سورة الأنعام:164]

 سيدنا إبراهيم والده وثني .
المذيع :
 الأب هو المسؤول عن الأولاد .

 

أي جهد يبذله الأب من أجل استقامة ابنه ومتانة إيمانه في صحيفة الأب :

الدكتور راتب :
 بل إن الابن مستقل في دينه عن أبيه ، والدليل هناك أنبياء عظام ، سيدنا نوح اينه:

﴿ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾

[ سورة هود:46]

 أي جهد يبذله الأب لاستقامة ابنه هو في صحيفته
سيدنا إبراهيم أبوه ، سيدنا لوط زوجته ، العلاقات الحميمة جداً بين أفراد الأسرة لا يخضع لها ، الدين منهج ، فالمرأة مستقلة في دينها عن زوجها ، والدليل امرأة فرعون أكبر الطغاة في الأرض ، أكفر كفار الأرض:

﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ﴾

[ سورة التحريم:11]

 أنا أقول تجارة رابحة جداً ، الربح مع الله أربح تجارة على الإطلاق ، والله عز وجل يحبنا أن نربح عليه ، فجعل أعمال الذرية في نص القرآن .

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور:21]

 في ملمح ألحقنا بهم أعمال ذريتهم .
المذيع :
 توضحها أكثر دكتور .
الدكتور راتب :
 لو أن هذا الابن إنسان عظيم ، أعماله في صحيفة أبيه لأنه رباه ، قدم له الإيمان ، قدم له الاستقامة ، قدم له العمل الصالح ، رباه بأجواء إيمانية ، انتبه لإيمانه ، انتبه لاستقامته ، انتبه لزلة قدمه أحياناً ، فأي جهد يبذله الأب من أجل استقامة ابنه ، ومتانة إيمانه في صحيفة الأب ، الدليل:

﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾

[ سورة آل عمران:36]

 امرأة عمران ، فالله عقب على كلامها:

﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾

[ سورة آل عمران:36]

 هذه المرأة سوف تنجب سيددنا عيسى ، نبي عظيم ، فهذا الإنجاب لنبي عظيم في صحيفة أمه .
المذيع :
 إذاً الأولاد والبنات الذرية .

 

ثواب أعمال الذرية الصالحة يلحق بالآباء :

الدكتور راتب :
 أكبر تجارة مع الله .
المذيع :
 صدقة جارية .
الدكتور راتب :

((خير كسب الرجل ولده ))

[الطبراني عن أبي بردة بن نيار رضي الله عنه]

 خير اسم تفضيل .

((خير كسب الرجل ولده ))

[الطبراني عن أبي بردة بن نيار رضي الله عنه]

المذيع :
 ما المقصود بهذا الحديث دكتور ؟
الدكتور راتب :
 أي أنت حينما تهتم بابنك ، تقوم اعوجاجه ، تغرس فيه حب الله ورسوله ، تحمله على طاعة الله ، ترعاه رعاية كاملة ، فكل أعماله في صحيفتك ، الآية واضحة:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ﴾

[ سورة الطور:21]

 ألحقنا بهم أعمال ذريتهم ، ثواب أعمال ذريتهم يلحق بالآباء .
المذيع :
 إذاً هنا دكتور أنا أعتبر أن الذرية هي صدقة جارية في ميزان حسنات الأب والأم .
الدكتور راتب :
 صدقة جارية لأنه:

((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية ، أو علم يُنْتَفَعُ به ، أو ولد صالح يدعو له))

[مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه]

المذيع :
 سبحان الله! إذاً ابنك إن ربيته على الاستقامة على دين الله هو وعبادته له وأيضاً لك لأنك ربيته على هذا الأمر .

 

النجاحات المتكاملة فيما بينها تساوي الفلاح :

الدكتور راتب :

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾

[ سورة الفرقان: 74]

 الفلاح أن تنجح في شتى الميادين
الأب حينما يشعر أن ابنه صالح ، مستقيم ، وله سمعه طيبة ، أو ناجح مع الله ، سأقول كلمة دقيقة الآن: عندنا مصطلح النجاح ، قد ينجح الإنسان في جمع المال ، بيل غيتس يملك تسعين ملياراً ، أحد أكبر أغنياء العالم ، النجاح جزئي ، لكن الحقيقة يوجد في القرآن كلمات الفلاح ، الفلاح ليس نجاحاً جزئياً ، النجاح فلاح في شتى الميادين ، يعني أن تنجح مع الله أولاً ، وأن تنجح مع صحتك ، وأن تنجح مع أسرتك ، وأن تنجح مع أبنائك ، وتنجح مع مجتمعك ، النجاحات المتكاملة فيما بينها تساوي الفلاح ، فهناك آيات كثيرة :

﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 5]

 أي حققوا الهدف من وجودهم ، مثلاً ألحقت ابنك بجامعة ، جامعة راقية جداً ، وحدائق جميلة جداً ، فيها مطاعم فخمة ، فيها ملعب كرة سلة ، ملعب بينغ بونغ ، فهذا الابن اهتم بهذه الأنشطة ، لكن نسي علة وجوده في الجامعة ، علة وجوده الدراسة ، فقد تكون هناك أنشطة وليست محرمة ، لكنها تصرفنا عن علة وجودنا ، فالإنسان جاء للدنيا ليعبد الله ، والدليل:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56 ]

 فالعبادة علة وجودنا .
 سألوا طالباً نال الدرجة الأولى بالامتحان في سوريا ، الأول على كل طلاب القطر، أجري معه حديث صحفي أو تلفزيوني ، قال كلمة: إن لحظة الامتحان لم تغادر ذهني ولا ثانية ، طوال العام الدراسي ، لحظة الامتحان ، والإنسان عندما يؤمن بالآخرة بأنه سوف يقف بين يدي الله ، لمَ أعطيت ؟ لمَ منعت ؟ لمَ وصلت ؟ لمَ قطعت ؟ لمَ غضبت ؟ لمَ ابتسمت ؟ سنحاسب على هذا كله . قال: يا رسول الله ، اشهد أني نحلت ابني حديقة ، قال له: ألك ولد غيره ؟ قال له: نعم ، قال: هل نحلته كما نحلته ؟ قال: لا ، قال له: أشهد غيري ، فإني لا أشهد على جور . هل هناك أوضح من هذا الحديث ؟
أقول لك كلمة دقيقة: لا تربط العدل بالبر ، البار تحبه ، أما غير البار عندما تعدل يحبك هو ، يقترب منك ، لذلك أنت حينما تفرق بين الأولاد تنشأ مشكلة كبيرة ، إن كان باراً نصيبه أنك تحبه .
المذيع :
 نريد أن نتوسع بهذه الملفات ، وأبدأ مع فضيلتكم دكتور ، ما هي الواجبات التي تجب على الأب والأم تجاه أولادهم ، هل يربوهم على الدين فقط ، وما المطلوب من الأمهات والآباء ؟

 

أول واجبات الوالدين تجاه أولادهم التربية الصالحة :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الواجبات كبيرة جداً ، أولاً الأبوة رسالة ، يعتقد أنه إذا تزوج سيُسر ، هو واهم جداً ، هذه رسالة سيدي ، هذه رسالة كما أن الله عز وجل خلق هذا المولود الذي أنجبته ، أنت كلفك تربيته ، الله سبب وجوده ، وأنت كمال وجوده عندما أنت تعلمه على الأدب .
 التربية أول واجبات الآباء والأمهات
أنا أذكر مرة كنت في أمريكا ، أعطت أم ابنها قطعة حلوى أكلها ، قالت له: أين القشرة ؟ قال لها: رميتها في الطريق ، رجعت ثلاثمئة متر ، قالت له: خذها وضعها في الحاوية ، درس بليغ ، ثلاثمئة متر رجعت ، نحن تجده يركب سيارة مرسيدس يأكل فواكه ويرمي البقايا على الطريق ، عندنا تخلف كبير جداً .
المذيع :
 إذاً أول واجب من واجبات الآباء والأمهات هو التربية .
الدكتور راتب :
 لأن التربية ، نحن عندنا ملمح دقيق جداً ، أطول طفولة بين المخلوقات جميعاً طفولة الإنسان ، هناك مخلوقات ساعة أو ساعتين ، يسبح مثل أبيه بعد يومين أو ثلاثة أيام ، إلا الطفل فيحتاج إلى ما يقارب العشرين عاماً ، الامتداد الطويل من أجل أن يلقنه العادات ، والتقاليد ، والمفهومات الإيمانية ، والمفهومات الحضارية ، ويعينه على الاستقامة .
 أنا والله أقول هذه الكلمة وأنا أتمنى أن تسمع جيداً: عندما لا يفكر الأب بتزويج أولاده وهو مقتدر يكون قد وقع في خطأ كبير ، يقول لك: أنا كنت عصامياً ، كان على زمانك البيت ثمنه عشرة آلاف ، الآن خمسة ملايين ، لا أحد الآن عصامي ، عندما تعين ابنك على الزواج حصنته .
 أعرف شخصاً عنده ثلاثة أولاد ، زوّج الثلاثة واشترى لهم بيوتاً ، ودفع المهر ، والله يقفون أمامه كوقوف جندي أمام لواء بالجيش من محبتهم له ، هذا الابن من له غيرك ، أنا كنت أقول كلمة دقيقة: هذا الابن ، هذا الشاب في الطريق أنت له وغيرك له ، أما ابنك من له غيرك؟
لذلك في بعض الآثار النبوية أن الفتاة يوم القيامة تقول: يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي ، لأنه كان سبب غواتي .
المذيع :
 وكيف يكون سبباً لغواية ابنته ؟

الأمة تقوم على ثلاث مؤسسات الأسرة والمعلم والمرجعيات الدينية :

الدكتور راتب :
 أهملها ، في صرعات الأزياء ، مصمم أزياء يهودي في فرنسا يصمم لنا ثياب نسائنا ، يقصر الملابس فيقصرون ملابسهم ، يضيقها فتضيق ملابس نسائنا ، أمة إسلامية لها حضارة ، لها وحي ، معها رسالة ، تخضع بثياب نسائها إلى مصمم أزياء في باريس ؟!!
المذيع :
 وما مسؤولية الأب إذا كانت الفتاة هي التي تختار هذه الأزياء دكتور ؟
الدكتور راتب :
 لا ، الأب بالمناسبة يوجد كلام دقيق جداً: عندما يهمل الأب ابنته عشر سنوات ، بعد خمس عشرة سنة يقول لك: لا أقدر ، وفعلاً لا يقدر ، أما أنا أعرف معطيات علمية دقيقة جداً أن الابن يربى من يوم ولادته ، عندك سبع سنوات ، هذه السبع سنوات تركز فيها العادات ، والمفهومات ، والتصرفات ، والمهارات ، والأخلاق ، في هذه السبع سنوات .
 قال لنا الدكتور في الجامعة: بعد السبع سنوات العوض بسلامتك ، معظم المسلمين لا يهتم في أول سبع سنوات ، تعلم الكذب ، مثلاً: ذهبت البنت مع أمها عند الجيران ، أطالوا المكوث ، والأكل لم يكن جاهزاً ، جاء الاب غضبان ، أين الأكل ؟ أين كنتم ؟ لم نذهب لأي مكان ، البنت كانت مع أمها عند الجيران ، وأمها كذبت على أبيها ، معلم مدرسة يدخن أحياناً ، كيف ستقنعه ألا يدخن ؟ لن تقدر على إقناعه .
 أقول لك كلمة لكن والله مؤلمة: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، من يربي الأمة ؟ ثلاث مؤسسات ، الأسرة ، والمعلم ، والمرجعيات الدينية ، إذا أقنعنا الأم تترك البيت لتكون حضارية ، لها عمل ، منفتحة على المجتمع ، كله كلام فارغ ، في أمريكا فيما أعلم أعلى مرتبة تنالها الأم ويكتب على هويتها ربة منزل ، أن تربي أبنائها .
 أما نحن نقنع الزوجة أن تعمل خارج البيت ، وقد يكون دخل زوجها لا يكفي ، فنحن حطمنا بذلك أول مؤسسة للأسرة ، جئنا على التعليم ، أعطينا المعلم أقل راتب ، لا يكفيه عشرة أيام ، وهذه ظاهرة عامة في كل الدول ، هذا سيربي لك ابنك ، إذا كان غاضباً وتكلم كلمة خاطئة ، تعلمها ابنك ، لأن المعلم مقهور ، مقهور بالدخل القليل ، وتماهلنا بالمرجعيات الدينية ، ثلاث مؤسسات انتهوا ، هذه هي المشكلة سيدي .

على الأهل ألا يتركوا الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا :

 أنا فيما أعلم في ألمانيا المعلم له المرتبة الأولى ، الأولى في المجتمع ، في الاحتفال يدخل المعلم قبل أعلى منصب ، في اليابان ، من مدة قرأت كلمة لامبراطور اليابان يعطون للمعلم راتب وزير ، وحصانة نائب ، هذا المعلم سوف يعلم ابنك ، ويربيه لأجلك ، سيعطيه الأخلاق ، والمبادئ ، والقيم ، والمهارات ، إذا كذب يعلمه الكذب ، إذا دخن يعلمه التدخين ، إذا سب سباباً فاحشاً يعلمه السباب الفاحش ، هذه المشكلة سيدي .
المذيع :
 الدنيا مطية للآخرة
الله يفتح عليكم يا دكتور ، كنت قد بدأت قبل قليل بالحديث عن المهمة الأولى المطلوبة من الآباء والأمهات وهي مهمة التربية ، هل هذه التربية تقتصر على المفاهيم الدينية دكتور ، أم على المربي أيضاً أن يحسن تعليمه ، وطعامه ، وصحته ، وكل تفاصيل حياته ؟
الدكتور راتب :
 أقدم لك الجواب في بعض الآثار النبوية:

(( كفى بالمرء إِثما أن يُضَيِّع مَن يقوتُ ))

[مسلم وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

 هو يطعمه ، ويكسوه ، ويسكنه في بيت دافئ في الشتاء ، وله مبلغ يومي في المدرسة ، وقد يأخذه إلى نزهة ، هذه عادات الناس كلها .

(( كفى بالمرء إِثما أن يُضَيِّع مَن يقوتُ ))

[مسلم وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

 ضيع له دينه ، ما دله على الله ، قال له: يا بابا يوجد إله عظيم ، خلقنا للجنة ، وجاء بنا إلى الدنيا كي ندفع ثمن الجنة ، الصدق ، الأمانة ، غض البصر ، ضبط اللسان ، الأعمال الصالحة ، خدمة الخلق .

(( أن يُضَيِّع مَن يقوتُ ))

[مسلم وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

 يأتي الأب مساءً ، يسأل زوجته: هل نام الأولاد ؟ نعم لقد ناموا ، كتبوا وظائفهم ؟ فقط ، لا يسأل: هل صلوا العشاء ، يجب أن تهتم بصلاته ، تهتم بدينه .
المذيع :
 أسألكم شيخنا العكس: لو سأل عن صلاتهم ، ولم يسأل عن دروسهم ؟
الدكتور راتب :
 لا ، وعن دروسهم سواء ، جناحان جناح الدنيا وجناح الآخرة ، والدليل:
 ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ، ولا من ترك آخرته لدنياه ، إلا أن يتزود منهما معاً فإن الأولى مطية للثانية .
 لا تترك الدنيا للآخرة ، ولا الآخرة للدنيا .
المذيع :
 فإذاً مطلوب من الآباء أن يعتنوا بدين أولادهم ، وأن يعتنوا بتعليمهم وصحتهم وترفيههم وكل تفاصيل حياتهم .

 

الأبوة رسالة :

الدكتور راتب :
 أنت لا تصدق أول سبع سنوات ، أخطر سبع سنوات في حياتنا كلها ، هناك من يفهم أن هذه السنوات للأكل ، أنه كلما أكل أكثر يكون أصح ، نشأ على مرض السمنة ، هذه تؤدي إلى خمسين مرضاً ، كلّ ، لا ، دعه يأكل باعتدال ، يجب أن يكون الأب على مستوى معقول من الثقافة ، لأن الأبوة رسالة ، وإذا كان الأب جاهل فإن فاقد الشيء لا يعطيه .
 أذكر مرة كلمة قلتها في درس سابق ، أو لقاء سابق: في ماليزيا نسب الطلاق عالية جداً ، أنشأ مهاتير محمد مدرسة ، لا يمكن أن يعقد عقد زواج في كل ماليزيا إلا إذا أبرز التحاقه بالمدرسة ستة أشهر ونجاحه فيها ، الطلاق هبط للعشر ، الزواج رسالة ، فالابن لا يجب أن نتكلم أمامه بشيء ، لذلك ذكرت البارحة:

﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾

[ سورة النساء: 34]

 تربية الابن تكون دون هدم كرامته
الهجران وسيلة من وسائل تأديب الزوجة ، لكن في غرفة النوم نفسها ، لا ينام في غرفة الجلوس ، معنى ذلك أن الابن علم ما بينكما ، ما دام الابن لا يرى إلا ود بين أبويه عنده صحة نفسية جيدة ، وأنا أتمنى ألا يكون الخصام بين الأولاد ، في غرفة النوم ، وعلى انفراد ، وأنا أوسع الفكرة ، ولا تعاقب ابنك أمام أخته ، ولا أمام أخيه ، والعقاب الأكبر أمام رفيقه ، لا تعاقبه أبداً ، هدمت له كرامته ، حطمته .
المذيع :
 دكتور نتحدث أيضاً حينما يريد الأب أن يؤدب ابنه ، ما المساحة المسموحة له دينياً وتربوياً ، وما المرفوضة ؟ بدأت دكتور وقلت إنه من المرفوض أن يوبخه أو يعنفه أمام الآخرين وخاصة أمام زملائه ، ما هي إرشاداتكم في هذا في تأديب الآباء لأولادهم ؟
الدكتور راتب :
 أنا درّست مدة ثلاث وثلاثين سنة ، الله ألهمني طريقة رائعة جداً ، أقول للطلاب أول يوم: الإنسان غير معصوم ، فأنت خلال سنة بأكملها ، عام دراسي ، ثمانية أشهر مسموح أن تغلط خمس مرات ، أول العام افتحوا الوظائف مثلاً ، لم أكتب الوظيفة أستاذ ، انتقلنا من مكان لمكان ، لا تقل ولا كلمة ، أنا قلت لك مسموح أن تغلط معي خمس مرات ، هذه واحدة أضع إشارة ، معي دفتر أسماء الطلاب ، ثاني درس ، أنت عليك إشارة يا بني أذكره ، هذه الإشارات ، لا ضربت ، ولا أحضرت المدير ، ولا انفعلت ، ولاغضبت ، ولا أغضبت ، لك أن تغلط في السنة كلها خمس مرات ، الآن استنفذت الخمسة ، لو أن الأب فعل كذلك لاستطاع ان يتعامل مع ولده بشكل أفضل .
 أنا كنت أتعامل بطريقة أضع بمكان في البيت مبلغاً كبيراً بين أيدي أولادي ، خذ وسجل ، المال بين يديه ، يأخذ مبلغاً معقولاً ، فقط يأخذ ويسجل ، شعر بالحرية ، والمال بين يديه .
المذيع :
 ألا تخشى أن يأخذ أحد منهم أكثر من الآخر دكتور ؟

 

أساليب ذكية جداً في التربية :

الدكتور راتب :
 لأنك ربيته ، وربيته على الصدق .
المذيع :
 يأخذ ما يحتاجه ؟
الدكتور راتب :
 رغب بشيء اشتراه لا مانع ، من دون تبذير ، وإن وجدت تبذير توجهه .
 أخ كريم هنا في الأردن قال لي: أخذت فواتير الكهرباء والفيجة والهاتف عن ستة أشهر ، قسمتها على ستة أشهر وعرفت المبلغ الوسطي ، قلت لهم: الهاتف له رقم ، والكهربا والماء ، وأي رقم يقل عن هذه الأرقام هو لكم ، انضبطوا انضباطاً كبيراً ، لم يتركوا لمبة مضيئة.
 والله يوجد أساليب ذكية جداً ، موضوع الإشارات ، كل طالب له عندي جدول ، أنت لك خمس إشارات ، لا يوجد عقاب عليهم .

(( كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ ))

[الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه]

 تسعة أشهر خمس إشارات ليست مشكلة إطلاقاً .
المذيع :
 وإن يزيد عن هذه الأخطاء الخمسة دكتور ؟
الدكتور راتب :
 أحرمه أسبوعين من دروسي ، ويأتي والده ، ويوقع تعهداً ، أصبحت العقوبة كبيرة ، ما دام ضمن الخمسة لا مشكلة .
المذيع :
 هنالك عقوبة حتى يلتزم الأطفال أو الطلاب بها لمن تجاوز ؟
الدكتور راتب :
 لمن تجاوز الخمسة ، الخمسة طبيعي ، أحياناً هناك ظرف قاهر ، انتقل لبيت جديد ، فعلاً نقل لبيت فما كتب وظيفته لا داعي لأن يحلف ويترجى ، لا داعي ، استهلكت فرصة هذه إشارة ، ويطبقها الأب أيضاً .
المذيع :
 هذه يمكن للمعلم دكتور ، ماذا يفعل الأب في المنزل ، يعطي فرصة للأولاد ؟
الدكتور راتب :
 نفس الشيء ، ابنه خطأ يا بني أنا نبهتك ، إن أعدتها فهناك مشكلة .
المذيع :
 المدرسة تحضر ولي أمره ، البيت هو ولي الأمر دكتور ماذا يفعل ؟

 

أسلوب الضرب مرفوض في التربية نهائياً :

الدكتور راتب :
 يحرمه ، يخاصمه ، أقول لك كلمة دقيقة: قال من أطاع عصاك فقد عصاك ، الأب يجب ألا يضرب ابنه ، إذا أعرض عنه يحرقه من الحزن .
المذيع :
 أنت ترفض أسلوب الضرب دكتور في التربية نهائياً ، بكل أشكاله .
الدكتور راتب :
 إعراض الأب عن ابنه أكبر عقاب له
أنا أعاملهم معاملة طيبة جداً ، يحبوني كثيراً ، أكبر عقاب لي أعرض عنه .

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين:15]

 أكبر عقاب لإنسان حساس ويحبك ألا تكلمه ، هذا العقاب ليس سهلاً أبداً .
المذيع :
 إذا لم يقدر الابن هذا الشيء ، إذا لم يؤثر به .
الدكتور راتب :
 هناك إجراءات أخرى ، أحياناً أحرمه من المبلغ اليومي .
المذيع :
 هناك عقوبات بالحرمان ، لكن الضرب مرفوض ، ماذا عن الصراخ والشتم التي تلجأ إليها بعض العائلات دكتور ؟
الدكتور راتب :
 والله هذه الأشياء كلها مرفوضة .
المذيع :
 مرفوضة شرعاً دكتور ، أم مرفوضة فقط في منهجكم التربوي دكتور محمد ؟
الدكتور راتب :
 إدارة ، أنت يجب أن يكون إعراضك عنه أكبر عقاب ، أما إذا كان لا بد أن تضربه كسر ولم يعد يهمه .
المذيع :
 شرعاً هل يجوز للأب أن يعنف أولاده بهذا الشكل بالضرب والشتم ؟

 

على الأهل اتباع أسلوب ذكي في مراقبة الأطفال :

الدكتور راتب :
 لو فرضنا وجد معه مبلغاً كبيراً ، هذه المشكلة ليست سهلة ، من أين أحضره ؟ قال له: رفيقي تركه عندي ، هذا الموضوع يجب أن تتابعه ، تذهب إلى المدرسة وتسأل رفيقه ، عندما يراك ذهبت إلى المدرسة ، وتحققت من الموضوع لن يستطيع أن يكذب عليك .
 مثلاً البنت لمشاهدة فيلماً سينمائياً ، وقد يكون فيلماً غير منضبط ، سيء جداً ، والله عند صديقتي أدرس معها ، أين بيت صديقتك ؟ أريد رقم هاتفها ، عندما يشعر الطفل أن هناك تحقيقاً لن يستطيع أن يتمادى بالكذب عليك ، وبنعومة بالغة جداً ، عندما يشعر أنك ستحقق ولن تقبل كلاماً من دون دليل .
المذيع :
 هل أنت دكتور مع أسلوب مراقبة الأطفال ؟
الدكتور راتب :
 طبعاً ، لكن مراقبة ذكية ، دون أن يشعر . لاعب ولدك سبعاً ، أول سبع سنوات مودة ، يجب أن يحبك ، وأدبه سبعاً ، والثالثة راقبه سبعاً أصبح مراهقاً ، أول سبعة ملاعبة ، ثاني سبعة تأديب ، الثالثة مراقبة فقط .
المذيع :
 وفي هذه الحالة دكتور تجد أن الأب والأم يجب أن يراقبوا ولا يبتعدوا عن أولادهم ، لكن ليس من باب الشك والتخوين وإنما من باب المتابعة ، إذا زلت قدمه أنت تعينه على الصواب ، هذا الكلام من نهج الدين والدنيا .
الدكتور راتب :
 أحياناً الولد يكذب على أبيه ، والأب ما تحقق ، سخر منه ، فعندما الأب يتحقق بنعومة لن يستطيع الولد أن يعيد هذه الكذبة .
المذيع :
 يخشى الكذب خوفاً من التحقيق المقبل . دكتورنا الكريم ، نحن نتحدث عن مثل هذه الوسائل ، فكرة الحرمان .
الدكتور راتب :
 أنت عندما تقول لابنك: أنا لن أعاقبك ، قل الحقيقة ، تطمئنه ، لماذا يكذب ؟ من عنف الأب ، عندما يكون الأب عنيفاً جداً ويضربه ضرباً مبرحاً ، عندما يقع بغلطة يكذب .
المذيع :
 أحياناً لا يكون هذا السبب دكتور ، أحياناً قد يكذب بعض الأطفال بحثاً عن شي يخرج عن قوانينه ، الأب يسمح له بدخل معين ، فهو يريد أكثر من ذلك ، فيكذب للحصول على امتيازات إضافية .

أقنع ولدك ولا تقمعه ناقشه وحاوره وبيّن له الصواب :

الدكتور راتب :
 أنا أقول عندنا توجيه نبوي خطير جداً: ممكن أن تزل قدم المؤمن إلا أنه لا يكذب ، هذه لا تساهل معها ، إذا تساهلت فيها مشكلة كبيرة ، يجب أن يعتقد يقيناً بأنك لن تعاقبه إن صدق معك .
المذيع :
 فيصبح صادقاً دائماً . الآن دكتور إذا كبر الابن قليلاً فإنه أحياناً يبدأ بالاعتراض على بعض قوانين العائلة ، هل هذا الأمر مشروع ؟ هل يحل للأبناء الذكور والإناث أن يعترضوا على تعليمات الوالدين ، أم أنها أوامر منزلة وكأنها نصوص شرعية ؟
الدكتور راتب :
 الإنترنيت لها مضاعفات خطيرة على الأطفال
لا أنا أقول: أقنع ولا تقمع ، ناقشه ، حاوره ، بيّن له .
المذيع :
 شرعاً حق لي أن أعترض على تعلميات والدي ؟
الدكتور راتب :
 ممكن ، أدبوا أولادكم ، وأكرموهم ، فإنهم خلقوا لزمن غير زمنكم .
 مثلاً ، أنت نشأت في مدارس ليس فيها كمبيوتر ، الآن يوجد كمبيوتر ، وشيء ممتع جداً ، الجهد هبط من المليون إلى الصفر ، والدقة زادت من الصفر إلى المليون ، والسعر تطور، من روز رايز للدراجة ، شيء ممتع ، قد يتواجد الكمبيوتر في الصالون ، وليس في غرفة النوم ، أبداً ، هناك أسر الكمبيوتر موجود في الصالون ، أما يكون بغرفته ؟
المذيع :
 اليوم كل ابن أو بنت خاصة إذا وصلوا لسن كبير معهم جهازهم الخاص بهم ، عليه شبكة انترنت .
الدكتور راتب :
 هناك مضاعفات خطيرة جداً .
الدكتور راتب :
 أنت لا تنصح به دكتور .
الدكتور راتب :
 لا والله .
المذيع :
 لأي عمر هذا الكلام دكتور ؟

منهج التغاضي من أساليب التربية :

الدكتور راتب :
 أنا أنصح بالتوجيه القوي ، والمتابعة ، والمراقبة ، لكن بلطف .
المذيع :
 هل تستطيع أن تضبط أولادك لو كانوا بعمر الجامعة وأن تمنع عنهم هذه الأجهزة ؟
الدكتور راتب :
 أنا الآن لا يمكنني أن أمنع ، بل أن أقنع ، أنا لا أستطيع أن أمنع ، إذا أدخل معه قرصاً صلباً في جيبه ، وشاهد فيه أشياء لا ترضي الله ، فأنا أقدر أن أقنعه ، أنا مهمتي أن أقنعه .
المذيع :
 إذا فعلت ذلك دكتور ، واطمأن قلبك لابنك ، ولكنه كان يقوم بما لا تريد دون أن تدري ؟
الدكتور راتب :
 يجب أن أتغاضى عنه إلى حين ، أنا لا أقدر أن أحاسبه على كل غلطة ، لن يتحمل بعد ذلك ، يجب عليّ أن أغض عن التسعة وأحاسبه على العشرة .
المذيع :
 منهج التغاضي هذا دكتور ما هو ميزانه ؟ عن ماذا تتغاضى وماذا تحاسب ؟
الدكتور راتب :
 عن أشياء ليس لها آثار مستقبلية خطيرة .
المذيع :
 تتغاضى عنها ، خوفاً من أن ترهقهم من كثرة العتاب .
الدكتور راتب :
 وجدت معه مبلغاً كبيراً ، من أين أحضره ؟ هذا ليس شيئاً سهلاً .
المذيع :
 ويتغاضى عن ماذا دكتور مثلاً ؟

الزواج والتخصص من شأن الابن لا يحق للوالدين فرضهما عليه :

الدكتور راتب :
 ما كتب وظيفته مثلاً ، جاءت ملاحظة من المعلم أنه كان يتشاغل ، ما كان ينتبه ، أنصحه أن المعلم يهتم لأمره ، لكن هناك أشياء لها حدود .
المذيع :
 للأبناء الذين يستمعون إلينا الآن ، لو أراد مثلاً والده أن يجبره على شيء معين ، يجبره على اختيار تخصص في الجامعة وهو لا يريده ، هل هذا حق للوالد ؟
الدكتور راتب :
 هذا خطأ من الأب .
المذيع :
 خطأ شرعي من الأب ، شرعاً لا يحق للأب أن يجبر ابنه أو ابنته على اختيار أي تخصص ؟
الدكتور راتب :
 إذا أقنعهم الأب .
المذيع :
 عفواً ، وصلنا لمرحلة حلف اليمين ، أنا لم أستطع أن أقنع ابني هل لي الأحقية الشرعية في أن ألزمه في اختيار تخصص أنا أريده ؟
الدكتور راتب :
 لا .
المذيع :
 هذا ينطبق على الزواج دكتور ؟
الدكتور راتب :
 الزواج والتخصص هذا شأن الابن ، الابن لا يحب الطب يحب الهندسة ، توفيق الحكيم أكبر كاتب مسرحي ، ألزمه والده أن يدرس الحقوق ، درس الحقوق لكن ليس لها أثر في حياته .
المذيع :
 ما هو دوري كأب أن أقنعه ومن ثم الاختيار له ؟

الإسلام يأتي بعد الإيمان :

الدكتور راتب :
 هناك نقطة نحن لسنا منتبهين لها ، عندما تكون تربيتك له جيدة جداً ، وهو يثق بك عندها لو لم يكن قانعاً بتوجيهك ينفذه ويقطف ثماره بعد حين .
المذيع :
 نوضحها عفواً دكتور ما المقصود بها ؟
الدكتور راتب :
 أنا عندما أعامل ابني معاملة طيبة جداً ، من حيث الرعاية ، والعناية ، والانفاق المعقول ، والمتابعة ، والمودة ، والمحبة ، بعد ذلك أعطيه أمراً معيناً ، وما فهم حكمته ، إحساني السابق له يمكنني أن أعطيه شيئاً ليس مقتنعاً به .
 أقول بشكل آخر: لو أن أباً كريماً ومقتدراً ، وعالماً ، وتربوياً ، قدم لأولاده خدمات كبيرة ، مرة على الأكل قال لولده: أنت لا تأكل ، ليس لها معنى ، الأدب يقول: حاضر ، حتى لو لم يفهم الابن حكمة الأمر ، ألا يحق له مع إحسانه الكبير جداً .
 مثلاً مؤمن مستقيم تأتيه مصيبة ، خلقك من عدم ، أعطاك نعمة الإيجاد والإمداد والهدى والرشاد ، هذا الإله ، هل يعقل ألا تسلم له! هذا الإسلام يأتي بعد الإيمان ، عندنا إسلام خضوع ، بعد ذلك إيمان ، بعده تقوى ، ثم إحسان ، وفوق الكل إسلام .

﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ﴾

[ سورة البقرة: 131]

 سيدنا إبراهيم ، أعلى مرتبة الإسلام ، أن تستسلم لله عز وجل ، إذا كان أباً محسناً جداً من الممكن أن يقول الأب: هذه لا تناسبك من دون أن أشرحها لك .
المذيع :
 والرصيد السابق من المودة تشفع له لهذا الأمر .
 ما هي ضوابط الاختلاف بين الأبناء وآبائهم دكتور ؟ كيف أختلف أنا مع والدي ؟ ما هو مقياسي ؟ ما هو المسموح لي دكتور ؟

 

الاختلاف لا يفسد للود قضية :

الدكتور راتب :
 إن شاء الله يكون كلامي دقيق: عندما تنتبه لابنك في سن مبكرة ، تنبهه ، لن تختلف معه ، إن أهملته في السبع سنوات ، والسبع الثانية ، فنشأ على أشياء خلاف الدين ، فأنت اكتشفتها في وقت متأخر ، وألفها ، وأعجبته ، وسعد بها ، هنا المشكلة ، فكلما أخرنا التوجيه الصحيح تزداد المشكلة تعقيداً .

عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى  فصادف قلباً فارغاً فتمكنا
***

المذيع :
 كلما أخرنا توجيه الأولاد ازدادت المشكلة تعقيدا
لكن الخلاف هو سنة من سنن الحياة ، يختلف الابن مع والده ، مع والدته في قضايا معينة ؟
الدكتور راتب :
 لا مشكلة .
المذيع :
 ما هي نصائحك للأبناء والبنات دكتور عند هذا الاختلاف ؟
الدكتور راتب :
 الاختلاف لا يفسد للود قضية .
المذيع :
 ماذا تنصح الشباب والبنات عندما يختلفون مع عائلاتهم دكتور ؟
الدكتور راتب :
 أنا أنصحهم أن يتلطفوا بشرح وجهة نظرهم ، والأب يتساهل قليلاً ، إذا رأى أن الابن معه وجهة نظر متمكن منها ، يتساهل معه ، الموضوع أن الأب هنا والابن هنا ، قد لا يستطيع الأب أن يحضر الابن لعنده ، وقد يرفض الأب أن يذهب لوجهة نظر ابنه ، هذا الكلام بين الزوجين ، ممكن أن يلتقوا في المنتصف ، حل وسط .
 أحياناً أنا أحكم بهذا الشيء ، اشترى شيئاً بالدين ، ثمنها ألف ليرة سورية ، كان الدولار بخمسين ليرة ، سيدفعها على ثمن الدولار الذي أصبح خمسمئة ليرة ، أي يدفع له عشر أضعاف المبلغ ، فأنا كنت أعطي فتوى: اجعله مناصفة ، هذا فيه رحمة للاثنين ، لا يعقل أن يأخذ كل شيء تملكه من أجل فرق العملة ، أخذت قرضاً بعشرة آلاف لمدة سنة كان الدولار بخمسين ليرة ، الآن بخمسمئة ليرة .
المذيع :
 دكتور أيضاً في مثل هذه القضايا أحياناً بعض الأبناء يجدون أن آباءهم يعيشون في اهتمامات مختلفة عنهم تماماً ، فلا يحبون قضاء وقت معهم ، هل هذا حق لي كابن أم لا أنت ملزم أن تبقى في فلك العائلة خاصة الوالدين ؟

 

واجب الأهل التوجيه فقط عندما يكبر أولادهم :

الدكتور راتب :
 حتى سن معين ، له أصدقاء ، فأنت يجب أن تراعي أنه بحاجة لإنسان قريب منه ، يجب أن تسمح لصديق ، هذا شيء لا بد منه ، أو يختار هو صديقاً من وراء ظهرك ، من سنة الله في الخلق أنه بحاجة صديق من سنه ، الأب ليس من جيله ، موضوعاتهم ليس له علاقة بها .
 أعرف أخاً هو يختار أصدقاء ابنه ، يوجد مثلاً في هذا الحي عشر أسر منضبطين تماماً ، يقيم الأب علاقات معهم ، يسهرون سهرة ، بعد ذلك يسمح لابنه أن يصادق ابن أحد من نفس الزمرة .
المذيع :
 يمكن هذا في سن صغيرة دكتور ، تستطيع أن توفر هذه الصداقة للأولاد ، لكن عندما يكبر الأولاد دكتور هم يبحثون بذاتهم .
الدكتور راتب :
 هل هناك غير التوجيه ، ماذا تملك مع ابنك غير التوجيه ، سيدنا نوح ابنه ما آمن معه ، سيدنا إبراهيم ، سيدنا لوط زوجته .
المذيع :
 أنت ستتألم إن خرج ابنك عن طريق الصواب ، في هذه القضية دكتور أنا أسأل حضرتك: كيف لي أن أشعر باطمئنان على أولادي خاصة لمن لم يتزوج بعد ويفكر بالمستقبل في زمن الفتن ، الكل يخاف على أولاده دكتور ؟
الدكتور راتب :
 أدِ الذي عليك ، واطلب من الله الذي لك .
المذيع :
 وما الذي عليّ دكتور ؟

 

أهم وصية للآباء والأمهات في تعاملهم مع أولادهم هي العدل :

الدكتور راتب :
 عليّ أن أوجهه ، وأن أرعاه ، وأن أبين له الحقيقة مع الأدلة والشواهد والقصص ، وأن أجلس معه أقلها يومين أو ثلاثة ، لا بد من جلسة مع الابن للحوار ، الآن أنت عندما تحاوره عملت له مكانة ، عرض وجهة نظره أعطيته أنت دفعاً ، لا يوجد غير الحوار ، نحن ليس عندنا قمع ، عندنا أقنع ولا تقمع ، حاوره ، ما اقتنع مرة ثانية ، مرة ثالثة ، مرة رابعة ، اللين يجلب .

(( فَإِنَّ الرِّفق لم يكن في شيء قطُّ إِلا زَانَهُ ، ولا نُزِعَ من شيء إِلا شانَهُ ))

[مسلم وأبو داود عن عائشة أم المؤمنين]

المذيع :
 أقنع ابنك بدل أن تقمعه
ما هي أيضاً أهم وصية توصي بها الآباء والأمهات في تعاملهم مع أولادهم ؟
الدكتور راتب :
 أول شيء العدل ، حتى في القبلة ، في نقطة دقيقة ، عندما النبي الكريم قال:

(( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك . فلا تَلُمني فيما تَملك ولا أَملك))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها]

 قد يكون الابن أذكى من أبيه ، ووجهه صبوح أكثر ، بطولتك ألا تفرق بينهم ولا بقبلة ، ولا بكلمة ، ولا تخصه بشيء استثنائي أبداً ، بالعدل التام ، لا أقول مطلق ، المطلق يشبه القلب ، بالعدل التام ، عندما يرَ أن هناك عدل يطمئن ، حتى لو أقل درجة من أخيه الأول ، رأى أنه سيأخذ منك قدر ما تعطي أخاه الأول .
 أنا أعرف شخصاً أعطى ابنه مبلغاً فلكياً ، والأخ الثاني يعمل على سوزوكي ، أعطاه مئات الملايين ، هذا ظلم ما بعده ظلم . أعرف شخصاً آخر كتب كل أمواله لابنه وحرم الأسرة ، والابن بعدما مات والده وزع الإرث جسب الحكم الشرعي تماماً .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور ، نختم لقاءنا بدعاء وأسأل الله الإجابة .

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يارب العالمين ، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في الشام ، واجعل هذا اللقاء الطيب إن شاء الله مثمراً للأخوة المستمعين .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 الحمد لله رب العالمين ، أكرمكم الله عز وجل فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لكلماتكم القلبية ، جعله الله في ميزان حسناتكم يوم القيامة ، وبركات في الدنيا ، ونحن سعداء جداً بهذا الكلام الطيب ، جزاكم الله عنا كل خير ، وشكراً جزيلاً فضيلة العلامة الدكتور محمد راتب النابلسي لهذا الكلام الطيب .
 نلخص ما قاله الدكتور أن هذه رسالة الأبوة والأمومة ، وعلى كل أب وأم أن يرعى أولاده في تفاصيل الدنيا والآخرة معاً ، وأن يكون رحيماً ، لا يوبخ ولا يعنف ، لا ضرب ، لا شتم ، لا إساءة ، لا تعنيف ، وإنما إقناع ، وحوار ، وإرشاد ، وعلى كل ابن وبنت أن يكسبا بر والديهما ، من حقهما أن يعترضا بأدب ، بصوت منخفض ، مع الإقناع ، وإن لم يلتقِ الطرفان فمن الجميل أن يقتربا بالمنتصف ردعاً للخلافات الأسرية .
 سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
 والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور