وضع داكن
27-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 093 - النفاق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صلِ وسلم ، وزد وبارك على سيدنا محمد الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، فتحية أهل الدنيا ، وتحية أهل الجنة فمرحباً بكم مستمعينا الكرام وأهلاً وسهلاً معنا فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أهلاً وسهلاً يا دكتور .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
 حياكم الله ، مستمعينا الكرام حديثنا لهذه الحلقة مستمعينا الكرام سوف يكون بمشيئة الله عن النفاق ، يقول ربنا سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 8 ـ 9]

 حياكم الله دكتور ، نتحدث عن النفاق ، عن هذه القضية الخطيرة التي يسعى كل مسلم ألا يقع فيها ، وكل أقوال النبي عليه الصلاة والسلام ، وجمع من أقوال العلماء ومعنا في هذه الحلقة ليكون الإنسان في منأى وفي ابتعاد عن النفاق ، معكم دكتور ، ما هو النفاق ؟

 

ازدواجية المعايير :

الدكتور راتب :
 بارك الله بكم .
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين . الحقيقة أن الله عز وجل حينما أنزل البقرة ، قال :

﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾

[ سورة البقرة :1 ـ 5]

 هذا أول صنف ، صنف المؤمنين ، عرف ربه ، عرف سر وجوده ، عرف منهج ربه، تحرك وفق المنهج فهو الناجح ، وهو الفالح ، والفرق كبير بينهما ، الناجح جزئي ، قد تنجح في جمع المال ، أما الفلاح فأن تحقق الهدف الذي خلقت من أجله .

﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة البقرة :5]

 هذا أول صنف ، هذا الذي عرف الله ، واستقام على أمره ، وأحسن إلى خلقه ، عرفه واستقام على أمره ، وأحسن إلى خلقه .
 الآن هناك إنسان غفل عن الله ، أساء إلى الخلق ، عرفه ، فاستقام على أمره ، هنا ما عرفه وتفلت من منهجه ، هذا كافر ، فالكافر واضح ، والمؤمن واضح ، الصنف الثالث :

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة البقرة :8]

 الآن دخلنا بحالة حالة بين بينْ ، الإيمان واضح والكفر واضح ، فالإنسان لا يخشى أن يغش بالكفر ، الكفر واضح؛ لا يوجد إله ، دول كثيرة اعتنقت الإلحاد ، واضحة ، أما دول ترفع شعار إسلامي وهي ضد الإسلام ؟ هذه مشكلة ، هذه على مستوى دول ، تتملق شعبها بأشياء إسلامية وهي تحارب الإسلام ضمناً .
 الموقف الثالث إظهار شيء وإخفاء شيء ، يظهر شيء ويبطن شيء ، يعلن شيء ويخفي شيء ، يوجد ازدواجية في المعايير .
 مثل بسيط : إنسان جلس سهرة بأكملها يسخر من أم زوجته ، غير الملتزم ، غير المستقيم ، لا مانع ، في اليوم التالي تكلمت زوجته كلمة عن أمه ، أقام عليها الدنيا ، اتخذ معيارين ، على أمه يوجد معيار ، على غير أمه يوجد معيار ثان ، وأنا أقول وأعني ما أقول : وحق الفيتو حق عنصري ، لأن خمس دول إن قالوا : لا ، التغى القرار ، وقد يكون القرار إنسانياً .
المذيع :
 وبعيد عن سيطرة الحق .

معنى النفاق :

الدكتور راتب :
 أبداً ، فلذلك ما دام هناك عنصرية الحروب لن تتوقف في العالم ، ما دام يوجد مقياسيان ومكيالان ، موقف معلن ، موقف غير معلن ، مبطن ، ما دام هناك ظاهر وباطن ، معلن وغير معلن ، هذا الموقف الازدواجي هذا هو النفاق ، مظهره إسلام ، يصلي .

﴿ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى ﴾

[ سورة التوبة :54]

 يصلون أي أنه ضمن مجتمع الإسلام ، قوي به .
المذيع :
 نحن سنأتي لأشكال النفاق دكتور لكن لتوضيحها ، هل الكسل عن الصلاة يعد علامة من النفاق ؟
الدكتور راتب :
 طبعاً .
المذيع :
 كثير من الناس يقع فيها ليس من باب ترك الصلاة ولكن كسل .
الدكتور راتب :
 سُئل الإمام الغزالي : ما حكم تارك الصلاة ؟ قال : أن تأخذه معك إلى المسجد ، جواب لبق ، إنساني ، حضاري ، يوجد سلام ، يوجد جمع ، لا يوجد تفرقة . الآية تقول :

﴿ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى ﴾

[ سورة التوبة :54]

 لهم ظاهر لميزات يكتسبونها في الظاهر ، ولهم باطن حقيقي .
 مثلاً الدولة العظمى دائماً الرؤساء السابقون عتموا على حقيقتها ، آخر رئيس تكلم عن حقيقتها ، فالأول تحت الطاولة ، الأخير فوق الطاولة .
المذيع :
 جميل! دكتور عندما نقول النفاق إذا أردنا أن نوضحه للمستمعين الكرام ، هل النفاق مرتبط فقط بالملف الديني في علاقة الإنسان بالله عز وجل ؟
الدكتور راتب :
 قد يكون مواطن له رتبة ، إذا كان عليه ضريبة يتهرب منها ، ويظهر للناس أنه مواطن صالح ، هو أن تقف موقفين متناقضين ، وتحركهم وفق مصالحك ، هذا النفاق ، أن تركب على موجتين معاً ، أن تنتفع من اتجاهين معاً .
المذيع :
 لماذا قلت دكتور في بداية الحلقة أن النفاق هو أخطر من الكفر الصريح ؟

 

خطورة النفاق :

الدكتور راتب :
 لأنه خفي ، الكفر صارخ ، أنت تجلس مع إنسان ملحد ، الملحد واضح ، أما إنسان يبدو لك أنه مسلم ، وفي الحقيقة يحارب الدين ، من هنا جاءت خطورته . لذلك قالوا : نحن لا نخاف على الإسلام من أعدائه ، بل نخاف عليه من أدعيائه ، لا نخاف عليه من أعدائه ، أعداؤه ظاهرون ، من أدعيائه ، يدّعي الإسلام وهو غير مسلم .
المذيع :
 وهذا يسيء للإسلام أكثر من العدو بكثير .
الدكتور راتب :
 يركب الموجتين معاً ، ويأخذ ميزات الطرفين ، هو متفلت بالاستقامة لأنه كافر ، وهو أمام الناس ملتزم ، شيء خطير .

﴿ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾

[ سورة التوبة :54]

المذيع :
 حتى ينتبه المستمعون الكرام جميعاً ألا يقع أحد منا بالنفاق وهو لا يدري ، أو في بعض خصاله ، النفاق إذاً هو أن يكون لك موقفان متناقضان في نفس القضية ، أو تبدي وجهين .
الدكتور راتب :
 أو مقياسان للموضوع نفسه .
المذيع :
 وذلك وفق مصلحتك أحياناً تغلب الأول أو تغلب الثاني .
الدكتور راتب :
 أو أنه أنت يكون إعلانك غير ما تخفي ، ظاهرك غير باطنك ، أي يوجد إعلان ويوجد حقيقة ، يوجد ظاهر و باطن ، إذا اتحد الظاهر مع الباطن هذا إيمان أو كفر ، واحد ملحد إذا اتحد ظاهره مع الباطن ، إذا اختلف الظاهر مع الباطن نفاق ، اتحاد الظاهر مع الباطن إيمان ، واتحاد الكفر في ظاهره وباطنه إلحاد ، أما المنافق فركب الموجتين معاً .
المذيع :
 يكفر في داخله ، ويدعي الإيمان في خارجه .

 

العبادة أن تعبد الله وأن تتوجه إليه بإخلاص وتعمل عملاً ابتغاء وجهه :

الدكتور راتب :
 يظهر شيئاً ويخفي شيئاً .
المذيع :
 لماذا ينافق الناس دكتور ؟
الدكتور راتب :
 أنا مرة كنت في جدة ، وسأسافر إلى دمشق ، امرأة في الدرجة الأولى ، وأنا في دعوة لمؤتمر عام درجة أولى ، عباءة ، وحجاب كامل ، خلعت العباءة ، رأيت تفلتاً في ثيابها غير معقول إطلاقاً في الطائرة ، فهذه إسلامها جغرافي ، في بلدها لا تستطيع أن تبرز مفاتنها في الطريق ، النظام العام في السعودية هكذا ، أما عندما سافرت اختلف الموضوع .
المذيع :
 يعد هذا شكلاً من أشكال النفاق دكتور ؟
الدكتور راتب :
 نعم ، ازدواجية في المعايير ، أو إسلام جغرافي ، هذا االمكان لغير المسلم .
المذيع :
 هل يمكن أن أقول دكتور مثلاً كانت تراعي البيئة والعادات التي هي موجودة فيها بالسعودية ، ولما خرجت منها ، أو في غير السعودية مثلاً كانت على واقعها .
الدكتور راتب :
 حينما تحجبت في السعودية هذا ذكاء منها ، راعت العادات والتقاليد ، راعت أن هذا البلد لا يسمح بالسفور ، بالتفلت ، راعته لمصلحتها ، لكن لا نقول عن هذا عبادة .
المذيع :
 وأيضاً يعد هذا نفاق ؟
الدكتور راتب :
 نفاق طبعاً ، العبادة أن تعبد الله ، أن تتوجه إلى الله بإخلاص شديد ، أن تعمل عملاً ابتغاء وجه الله .
المذيع :
 لكن أحياناً يضطر مثلاً الإنسان أن يساير .

الأحكام المتعلقة بالنفس الإنسانية لا يمكن أن تكون قطعية :

الدكتور راتب :
 أقول كلمة دقيقة جداً : تعلمنا في الجامعة أن هناك أحكاماً قطعية في المادة ، المعادن تتمدد في الحرارة ، إلا الأحكام المتعلقة بالنفس الإنسانية لا يمكن أن تكون قطعية ، إلا أن تقول في الأعم الأغلب .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور . ما الفرق بين النفاق وبين المداراة والمجاملة ؟ هذا محور حديثنا معكم دكتور .
الدكتور راتب :
 بعثت لمداراة الناس .
المذيع :
 كنا نوضح ما المقصود بالنفاق ، ولماذا له هذه الخطورة ، كما تفضلت كالذي يطعنك من الخلف ، الكافر أو العدو هو مباشر ، فأنت تحذره ، أما المنافق يدعي أنه معك لكنه يطعنك بظهرك وهو أخطر على الإسلام كما تفضلت دكتور . الآن دكتور يشكل على البعض الفرق ما بين النفاق وما بين المداراة أو المجاملة ؟ أحياناً البعض دكتور يجامل من باب مسايرة الناس .
الدكتور راتب :
 هناك مداراة ، وهناك مداهنة ، فالمداراة بذل الدنيا من أجل الدين .
المذيع :
 ممكن نوضح دكتور المقصود بهذا ؟
الدكتور راتب :
 مثلاً إنسان لك معه مبلغ من المال ، وهو بخيل جداً ، ويريد أن يأكل عليك قسماً من المبلغ ، فأنت من أجل أن تستجلبه أحياناً تسامحه ببعض المبلغ ، بذلت المال وهو مالك ومن حقك من أجل أن يبقى على مودة معك ، لعلك تصل في المستقبل .
المذيع :
 هذه تعد مداراة ، وهي محمودة دكتور ؟

الفرق بين المداراة والمداهنة :

الدكتور راتب :
 محمودة ، عمل طيب ، فأنت أحياناً شخص لك معه مبلغ ، وأنت تستطيع أن ترفع عليه دعوى وتأخذها منه ، لكنك تطمع أن يصبح في المستقبل قريب من المؤمنين ، فأنت بذلت شيئاً من حقك من أجل استجلابه .

(( بعثت لمداراة الناس))

 من أجل أن يميل نحوك .
المذيع :
 يا سلام! لكن ليس لغاية شخصية ، الهدف لله تعالى .
الدكتور راتب :
 هو شخص عنده بوادر طيبة ، فأنت إذا سامحته بهذا المبلغ ، هو مادي بشكل غريب ، سامحته بالمبلغ يمكن في المستقبل أن تعينه على أن ينتصر على نفسه هذه اسمها مداراة .

(( بعثت لمداراة الناس))

المذيع :
 صلى الله عليه وسلم .
الدكتور راتب :
 الآن المداهنة بذل الدين من أجل الدنيا ، إنسان بإفتاء مثلاً ، يفتي لا بجهل بل بخلاف ما يعلم ، من أجل مصالحه ، في فتوى إذا أصدرها بشكل رسمي يكسب مكاسب دنيوية كبيرة جداً.
المذيع :
 لكنها تخالف الشرع .
الدكتور راتب :
 تخالف الشرع ، يفتي بخلاف ما يعلم ، هناك من يفتي بما يعلم ، نافذ ، هناك من يفتي بما لا يعلم ، معصية كبيرة ، أما يفتي بخلاف ما يعلم جريمة .
المذيع :
 ماذا يسمى هذا دكتور ؟

 

الفتوى في الإسلام :

الدكتور راتب :
 اشترى الخسيس بالنفيس .
المذيع :
 هذا يعد نفاقاً ، لأنه يعلم الصواب ، لمصلحة دنيوية .
الدكتور راتب :
 إن أفتى بما يعلم نجا ، إن أفتى بما لا يعلم أثم ، إن افتى بخلاف ما يعلم مجرم بخلاف ما يعلم ، يعلم الحق أفتى بخلافه ، من أجل مصالحه .
 أخ عالم له قامة علمية كبيرة ، كان في بلد عربي ، وكان يزور مريضاً هو أعلى منصب ديني في هذا البلد ، قال لي من فمه إلى أذني : وهو على فراش الموت ، رفع يديه هكذا بسبابتيه ، وقال : يا رب أنا بريء من كل فتاوى المصارف ، أفتى بخلاف ما يعلم ، في حياته .
المذيع :
 وعند الوفاة .
الدكتور راتب :
 شعر بجريمته ، يا رب أنا بريء من كل فتاوى المصارف ، بلد إسلامي عربي .
المذيع :
 للتوضيح دكتور ، كل من أخذ بهذه الفتاوى في صحيفة سيئاته لأنه أفتاها عمداً بخلاف شرع الله .
الدكتور راتب :
 يوجد كتاب تفسير مشهور جداً للزمخشري ، الزمخشري لم يكُ على ما ينبغي في عقيدته ، كان معتزلياً ، قيل إنه تاب في آخر حياته ، فجاء من علق وقال : هو تاب لكن تفسيره لم يتب ، التفسير مطبوع .
المذيع :
 للتوضيح دكتور : لو أنا أخذت فتوى المصارف التي أطلقها ذلك العالم ، ولا أعلم انها تخالف الشرع ، هل أنا كإنسان آثم ؟
الدكتور راتب :
 آثم ، الدليل ، طبعاً دين هذا ، لعل أحدكم ألحن بحجته من الآخر ، طليق اللسان ، مقنع ، قضيت له بشيء ، من قضى له ؟ النبي ، المعصوم ، سيد الخلق ، حبيب الحق ، فإنما أقضي له بقطعة من النار .
المذيع :
 لكن هذا لمن تعمد أن يزيف الحق دكتور باللسان ، لو أني سألت عالماً وأفتاني كما تفضلت دكتور أنه كان يغير فتوى لمصلحة دنيوية ، أنا لا أعلم الحكم استفتيه ، هل أنا كإنسان آثم ؟ ظننته عالماً ويفتي بحق .

المداراة أن تبذل دنياك من أجل دين غيرك :

الدكتور راتب :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة : 14ـ 15]

 أنت يمكن أن تخدع بعض الناس لكل الوقت ، أو أن تخدع كل الناس لبعض الوقت ، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت هذا مستحيل ، أما أن تخدع نفسك وربك ولا ثانية .
المذيع :
 الله يعلم صدقه .
الدكتور راتب :
 ولا ثانية .
المذيع :
 واضحة تماماً دكتورنا ، الله يبارك فيك ، ورد في الرواية عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث :

((رأس العقل بعد الإيمان بالله ، التودد إلى الناس))

[البزار والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 ما المقصود بهذا دكتور ؟
الدكتور راتب :
 المداراة أن تبذل دنياك من أجل دينهم ، أنت لك مع إنسان مبلغ ، وتستطيع أن تقيم عليه دعوى ، وتربح الدعوى وتأخذها منه ، لكنك رأيت أنك إذا أخذت منه المبلغ سيكون عدواً ، فأنت من أجل أن يبقى لك ود معه ، عفيته من بعض المبلغ ، فأنت هنا بذلت دنياك ، مالك من أجل دينه .
المذيع :
 لو أنا فعلت هذا دكتور ، وحينما انتهت هذه القضية تحدثت للناس عنه بسوء ، وقلت : هذا الإنسان أكل حقي ، وأكل مالي ، والله لا أسامحه ، وأمامه أظهرت أني عفوت عنه ، هل هذا يبقى مداراة أم يتحول إلى شيء آخر ؟

 

النبي الكريم يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد :

الدكتور راتب :
 ماذا يكسب الإنسان لو تحدث عن إنسان أكل ماله ، وانتهى الأمر ، هو كسب العداوة فقط ، الإنسان العاقل لا ينشئ عداوة لسبب تافه .
المذيع :
 دكتور ، أحياناً يجامل بعض الناس مثلاً مديره في العمل ، بعض الاقارب والأنسباء هل هذا يعد مجاملة .
الدكتور راتب :
 يا سيدي! الناس جميعاً يعذرون الصامت ، لا يعذرون المادح ، إنسان مجرم ، إن سكتّ ، أنت لا تستطيع أن تهاجمه ، تنتهي ، فالصامت يعذر ، أما المادح ترى أعماله السيئة وتمدحه ؟ أنا أقول دائماً : شارع يوجد فيه خمسون بيتاً ، فيه بيت لامرأة ساقطة ، هي ساقطة لو أثنيت عليها سقطت معها . فالناس يعذرون الصامت ، أما المادح لا يعذرونه ، تمدح امرأة عاهرة؟ هذه مشكلة كبيرة جداً ، عملت اضطراباً بالقيم .
المذيع :
 لو لم يكن المدح مبنياً على هذه القيم ، مثل هذه النقاط ، مثلاً يكون لي قريب ظالم ، وأنا أمدحه باعتباره عادل ، لا ، مثلاً تجامله وأنت لا تكن له مودة في قلبك ، تقول : أهلاً وسهلاً ، سعيد برؤيتك ، وأنت حقيقة غير سعيد برؤيته .
الدكتور راتب :
 كان النبي الكريم يحذر الناس ، ويحترس منهم ، من غير أن يطوي بشره عن أحد ، كان يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره؛ طلاقة لسانه عن أحد ، قد يجامله ، أهلاً وسهلاً ، نحن في شوق لك .
المذيع :
 إذاً هذه الكلمات مقبولة حتى لو لم تكن من الأعماق ، على اعتبار أنها لا تعطي أحكاماً في تنزيه الآخرين .
الدكتور راتب :
 لا يوجد أحكام ، لكن يوجد مداراة ، يوجد كسب ود الآخرين .
المذيع :
 يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث دكتور :

((تجِدُونَ من شَرِّ الناس عند الله تعالى يومَ القيامة ذا الوجهين : الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ ، وهؤلاء بوجه ))

[البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة]

الحق يُعرَف بالبديهة :

الدكتور راتب :
 ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً ، ومن أرضى الناس جميعاً فهو منافق ، لابد من أن يكون لك طرف آخر عكسك .
الدكتور راتب :
 دكتور ذو الوجهين يعد منافقاً ؟
الدكتور راتب :
 ذو الوجهين لا يعد عند الله وجيهاً ، هبط مستواه ، هذا مع الكل .
المذيع :
 أمام المدير في العمل يمدحه كأفضل مدير في العالم ، وفي ظهره بين باقي الزملاء يذمه ، هذا نفاق .
الدكتور راتب :
 طبعاً نفاق .
المذيع :
 لو لم يكن راضٍ عنه يسكت .
الدكتور راتب :
 لو بقيت صامتاً لا أحد يلومك ، أحياناً الأقوياء أنت لا تقدر أن تذمهم ، لن تقدر عليهم فتسكت .
المذيع :
 هذه قضية مهمة في حياة الإنسان ، دكتور بعض الاشكال من النفاق قد يقع فيها الإنسان وهو لا يعلم ، مثلاً أنت نقلت لنا شكلين أو ثلاثة أشكال من النفاق ، هل لك أن تزيدنا من هذا حتى يحترس الإنسان من أن يقع في النفاق ؟
الدكتور راتب :
 الحق قديم للإنسان ، وقلت لك كلمة دقيقة جداً : الحق يُعرَف بالبديهة .
"استفتِ قلبك وإن أفتاك المفتون وأفتوك"
 أذكر أخاً كريماً يعمل في الألبسة النسائية ، والموديلات دائماً فيها تفلت ، وفيها تضييق الثياب ، وتقصير الثياب ، فالثياب تظهر كل مفاتن المرأة ، أقسم لي بالله هذا الأخ : إن رأى فتاةً ترتدي ثياباً هو صنعها ضيقة يحس بانقباض ، قال لي : ومعي تسع فتاوى لصالحي لكني لست مقتنعاً بها ، فتاة ترتدي ثياباً من صنعي ، كل مفاتنها ظاهرة في الطريق ، شعر أنه ساهم بهذه الفتنة ، قال لي : والله معي تسع فتاوى من علماء ، ومع ذلك لست قانعاً بكل هذه الفتاوى ، هنا جاء النص :
 "استفتِ قلبك وإن أفتاك المفتون وأفتوك"
المذيع :
 في هذه الحالات ، أليس الإنسان أن يستفتي قلبه دون أن يسأل العلماء ؟

المنافق في الدرك الأسفل من النار :

الدكتور راتب :
 شرط أن يكون له قلب سليم ، إذا ما كان له قلب سليم هذا لا نعبأ بفتوى قلبه .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور ، ويكرمكم يا رب العالمين . لا بد من أن نتوسع في هذه القضية وأهميتها دكتور ، وما جزاء المنافقين عند الله ؟ النفاق خطير ، النفاق هو أخطر من الكفر لأنه عدو يطعنك من الظهر ولا يواجهك من الأمام ، تحدثنا عن بعض الأشكال من النفاق ، والفرق ما بينه وبين المداراة والمجاملة ، وما حكم المنافقين عند الله سبحانه وتعالى دكتور ؟
الدكتور راتب :
 في الدرك الأسفل من النار .

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾

[ سورة النساء : 145]

 إن المنافقين هم الكافرون ، الكافر واضح ، أنا ضد الدين ، لا مشكلة أبداً ، أما المنافق ، أخذ ميزات المؤمنين ، وأخذ تفلت الآخرين .
المذيع :
 لهذه الدرجة لهم هذا الشأن ؟
الدكتور راتب :

﴿ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾

[ سورة النساء : 145]

 وإن المنافقين هم الكافرون .
المذيع :
 هل مرض القلب يعد نفاقاً ؟ الآيات أحياناً تربط قضية النفاق بمرض القلب ، مثلاً :

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً ِ﴾

[ سورة البقرة : 11]

 وفي الآية مثلاً :

﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ِ﴾

[ سورة الأحزاب : 32]

 هل خضوع بعض النساء بالقول ، من يخضع لهن يعد هناك مرض بقلبه ؟

 

المؤمن بالكون يعرف الله وبالشرع يعبده :

الدكتور راتب :
 الحقيقة ، هناك نقطة مهمة جداً ، الإنسان ينضبط ظاهرياً بمصلحته ، مثلاً لبس ثياباً أنيقة ، تعطر ، انحنى لضيفه ، ابتسم ، أنا اجتهادي ، وأرجو أن أكون على صواب ، هذا كله تحت عنوان بزنس ، مصلحته تقتضي أن يستقبل مندوب الشركة ، وأن يرحب به ويدعوه إلى الطعام ، وأن يقدم له هدية ، مصلحته مرتبطة بهذه الشركة ، لو أن الشركة سحبت منه التوكيل لا ينظر إليه ، فمودته وإكرامه وابتسامته وأناقته هذه مصلحة ، أما المؤمن فمبادئه هي الثابتة ، المؤمن لا يغير ، فعندنا عمل مصلحي ، وعندنا عمل حقيقي ، المؤمن حقيقة صادق وأمين وعفيف ، مثلاً يمكن لإنسان أن يرتكب معصية على انفراد .
 من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله .

(( ليس كل مصلّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممَّن تواضع لعظمتي ، وكفَّ شهواته عن محارمي ، ولم يصرَّ على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العُريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي))

[ حديث قدسي]

 فالعبرة بالاستقامة ، أنت بالكون تعرفه ، وبالشرع تعبده .
المذيع :
 دكتورنا الكريم ، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم :

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ِ ﴾

[ سورة البقرة : 11 ـ 12]

 هل هذه الآية تتحدث أيضاً عن المنافقين دكتور ؟
الدكتور راتب :
 طبعاً .
المذيع :
 هل يمكن للإنسان أن يعتقد أنه يصحح حقيقة ويكون الحال بعكس ذلك ، هل يمكن أن نفسرها ونوضحها دكتورنا ؟

 

الحكمة من عدم معرفة النبي لأسماء المنافقين :

الدكتور راتب :
 إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل ، هو يدعي أنه يصلح ، لكن بعد حين ، بعد الممارسة المستمرة لهذا النفاق يغدو النفاق طبعاً في حياته ، أصبح شيئاً ثابتاً .
المذيع :
 دكتور ، النبي عليه الصلاة والسلام في حادثة حدد جمعاً من الأشخاص في زمنه أنهم من المنافقين ، لكنه لم يعلم بأسمائهم ، ما الحكمة من ذلك دكتور ؟
الدكتور راتب :
 لعله تاب ، الإنسان إذا مات ختم عمله ، ما دام حياً لم يختم عمله ، فإن أعلن عنهم حال بينهم وبين التوبة ، فضحهم .
المذيع :
 دكتور تحدثنا أنه من علامات النفاق أن يظهر الإنسان عكس ما يبطن في داخله ، هل كثرة الشك والأسئلة تدل على النفاق ؟ أنه إنسان يبحث عن العلم .
الدكتور راتب :
 نحن عندما نريد أن نشارك شخصاً نسأل عنه كثيراً ، وأنت إذا ذكرت له سلبياته لست مغتاباً ، نجوت من معصية الغيبة .
المذيع :
 يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ِ﴾

[ سورة التوبة : 45]

 هل كثرة هذا الريب والشك تدل على خصلة من خصل النفاق ؟
الدكتور راتب :
 طبعاً لأنه ليس متأكداً ، المؤمن لو أن العالم كله قد كفر يبقى مؤمناً ، أما الآخر يراعي الجو العام ، يراعي الأكثرية ، أن تكون من الأقلية المؤمنة الصادقة الصامدة ، لا تكون مع الأكثرية المتردية .
المذيع :
 دكتور ، بعض الناس يتراخى في بعض القضايا الدينية ، وفي تعظيم شعائر الله الآية الكريمة تتحدث :

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ِ﴾

[ سورة التوبة : 65]

 هل هذه القضية عبارة عن سيئة يقع فيها بعض الناس أم علامة نفاق ؟

 

من أراد إنفاذ أمر فليتدبر عاقبته :

الدكتور راتب :
 سيئة كبيرة جداً ، السبب : لو وجدت على الطاولة ورقة مستطيلة فارغة ، فظننتها ورقة عادية كتبت عليها بعض العلاقات ومزقتها ، فإذا هي شيك بمئة ألف ، وانتهى الأمر ، خسرتها ، فالإنسان أحياناً يرتكب خطأ كبيراً جداً ، لكنه لا يدري في حينه ، فالبطولة : من أراد إنفاذ أمر فليتدبر عاقبته .
المذيع :
 دكتور ، تثبيط عزائم الآخرين أيضاً كما وصفهم القرآن :

﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ِ﴾

[ سورة آل عمران : 168]

 هذا الشيء يثبط العزائم ، يثير الحسرات في القلوب هل هذه علامة النفاق ؟
الدكتور راتب :
 علامة النفاق الواضحة ، المؤمن يشجع الآخرين ، يقوي عزيمتهم ، يعطيهم التفاؤل ، يشرح لهم أن موقفهم صحيح ، هنا تكون أرضيت الله ، أما المنافق ، لماذا هو منافق ؟ كلما كثر المنافقون ارتاحت نفسه . أحياناً أستاذ مدرسة يقول للطلاب : افتحوا الوظائف ، أين وظيفتك يا بني ؟ لم نكتبها أستاذ ، كم واحد أنت ؟ قل لم أكتب ، وليس لم نكتب . الإنسان عندما يغلط ، عندما يتفلت من منهج الله ، يحب أن يكون المتفلتون كثر ، حتى يستأنس بهم .
المذيع :
 ولا يحاسَب وحده . ما المطلوب منا بحق هؤلاء المنافقين دكتور ؟
الدكتور راتب :
 والله أنا أقول : لو أحدهم سألك عن إنسان منافق ليشاركه يجب عليك أن تقول الحقيقة ، لو أحدهم أراد أن يزوجه ابنته قل الحقيقة .
المذيع :
 ولا يعد هذا استغابة .

 

البيئة هي التي تفرض على الإنسان بعض المواقف :

الدكتور راتب :
 لا أبداً ، هذه نصيحة .

(( الدين النصيحة ))

[الترمذي عن أبي هريرة]

المذيع :
 إخفاؤها دكتور لا يجوز ، هنا يكون كتم حقاً ، اعلم أن ذمته المادية غير نظيفة .
الدكتور راتب :
 يجب أن تقول الحقيقة .
المذيع :
 ولا يجوز إخفاؤها .
الدكتور راتب :
 أبداً ولست آثماً إطلاقاً ، لكن بلا سبب وبدون داعٍ تزم شخصاً للتسلية هذا ليس وارداً.
المذيع :
 ربنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ِ﴾

[ سورة التوبة : 73]

 هل نحن مأمورون أيضاً كما جاء الخطاب للنبي أن نجاهدهم ، وأن نغلظ عليهم ؟
الدكتور راتب :
 هنا لدي جواب دقيق جداً : لو أن إنساناً في مسبح مع أصدقائه ، قال لأحدهم : رش فلاناً ، بماذا يرشه ؟ بالماء ، البيئة مسبح ، لو كان ساحة معركة وقال له : رشه بالرصاص ، من حدد معنى رشه مرة بالماء مرة بالرصاص ؟ البيئة ، فالبيئة هي تفرض على الإنسان بعض المواقف .
المذيع :
 دكتورنا الكريم ، قضية الرياء هل هي تعد علامة للنفاق ؟

 

من ترك عملاً صالحاً خوف الرياء فهو قمة الرياء :

الدكتور راتب :
 طبعاً ، من ترك عملاً صالحاً خوف الرياء فهو قمة الرياء .
المذيع :
 نحن دائماً نعرف أن الرياء أن نفعل عبادة لأجل الناس ، اليوم تتحدث دكتور عن ترك العبادة .
الدكتور راتب :
 هذه أشد من الرياء ، من ترك عملاً صالحاً خوف الرياء فهو قمة الرياء .
المذيع :
 أحياناً دكتور في المسجد لا تحب أن تتصدق أمام الآخرين .
الدكتور راتب :
 هذا موضوع ثان ، هذه فيها آية :

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ ِ﴾

[ سورة البقرة : 271]

 أنا أذكر قصة ، عندنا في الشام جمعية خيرية كبيرة جداً تجمع أغنياء البلد كي تأخذ التبرعات لميتم من أضخم المياتم في سورية ، فنحن حينما نجتمع يقول شخص : مئة ألف ، له شريك ، وأنا مئة ألف ، مجموع التبرعات أحياناً تصل لستة ملايين دولار في ساعة ، ذات مرة توجيه معين من جهة قوية من دون إعلان أرقام ، وزعوا أوراقاً فجمعوا ستمئة ألف ، العشر ، أنا أقول : إذا كان التبرع يتجه لمؤسسة ، لميتم ، لجمعية خيرية ، للتعليم ، لمستشفى خيرية ، أعلن الرقم.

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ِ﴾

[ سورة البقرة : 271]

 أما إذا كان رقم موجه لفقير اكتم هذه الصدقة ، فلتعلن إذا كانت لمشروع خيري ، مؤسسة ، ميتم ، جمعية خيرية ، وتكتم إذا كانت لشخص .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور ، لكن إن سعى الإنسان أحياناً أن يبقى على عبادته دون أن يظهر للناس محاولة لصيانة إخلاصه لا بأس في ذلك ؟
الدكتور راتب :
 مثلاً صلى قيام الليل ، لا تقل لأحد ، خذها بموضوع ثان ، صلى قيام الليل ، واليوم صليت قيام الليل ، كم شعرت بسعادة ، هذه أصبحت نفاقاً .
المذيع :
 للتوضيح عفواً دكتورنا ، لو أن عادته أن يقوم يومياً إلى قيام الليل ، فجاءه ابن عمه ليبيت في بيته ، في ذلك اليوم امتنع عن قيام الليل حتى لا يعلم هذا السر ابن عمه .

 

الحكمة أكبر عطاء إلهي وهي لا تؤخذ لكنها تؤتى :

الدكتور راتب :
 لا ، ليست واردة إطلاقاً .
المذيع :
 هذا يعد رياءً ، لأنه ترك العبادة من أجل الناس .
الدكتور راتب :
 ترك العمل الصالح خوف الرياء هو رياء ، كلام دقيق ، ترك فعل العمل الصالح خوف الرياء فهو رياء .
المذيع :
 ما هي نصيحتك دكتور في ختام هذه الحلقة للمستمعين الكرام خوفاً من أن يقع أحدنا في باب من أبواب النفاق وهو لا يدري ؟
الدكتور راتب :
 والله إذا كانت أعماله الصالحة متجهة إلى مشاريع وذكرها ، وحفز الناس إليها له أجر وإذا كان مشاريعه تتجه إلى أشخاص وستر هذا العطاء له أجر ثانٍ ، هذه الحكمة .

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة : 269]

 أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة ، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، من دون حكمة تجعل الصديق عدواً ، أنت بالحكمة تتدبر أمورك بالمال المحدود ، من دون حكمة تتلف المال الكثير ، لذلك الحكمة أكبر عطاء إلهي ، وهي لا تؤخذ لكنها تؤتى .

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ ﴾

[ سورة البقرة : 269]

المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور ، نحتم لقاءنا بالدعاء ، ونسأل الله الإجابة .

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في الشام .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي جزاكم الله خيراً لكلامكم الطيب .
 سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .

 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور