- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صلِ وسلم ، وزد وبارك على سيدنا محمد الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الأكارم في مجلس العلم والإيمان مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا وأستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
أهلاً وسهلاً بكم يا دكتورنا الفاضل . في الحلقة الماضية من أسبوعنا المنصرم كان حديثنا عن فلسفة الموت بجزئه الأول ، واليوم نتم هذا الحديث بالجزء الثاني عن أهمية هذا الموضوع ، يقول الله سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
صدق الله العظيم ، هذه الآية من سورة الجمعة . دكتور محمد راتب النابلسي نلخص لمستمعينا بشكل سريع جداً ما كان في المرة الماضية أن الإنسان يتكون من جسد ، ومن نفس ، ومن روح ؟
الموت نوم دائم والنوم موت مؤقت :
الدكتور راتب :
من نفس هي ذاته ، والجسد هو وعاؤه ، والروح هي قوته .
المذيع :
والموت يعني انقطاع الروح وهي مدد من الله عن الجسد .
الدكتور راتب :
انقطاع النفس عن الجسد ، لأن الإمداد توقف .
المذيع :
وهو الروح التي توقفت وبالتالي يتلاشى الجسد وتبقى النفس وتحاسب بعد ذلك ، هي التي تحاسب .
وأوضحت أن حكمة الله في إخفاء الموت بموعده ومكانه حتى يبقى الإنسان مستعداً ومتأهباً للقاء الله عز وجل بأفضل شكل كان ، وأن الإنسان ما عاش عليه في الدنيا فإن الله يقبض روحه عليه ، فمن كان طائعاً فإن عدل الله يحميه بهذا الجانب .
بهذه النقطة دكتور تحديداً ألم يستعذ النبي عليه الصلاة والسلام من فتنة أن يصبح الإنسان مؤمناً ، ويمسي كافراً ، إذا كان في حياته وكأنه عاش على الإيمان ، هل يمكن في آخر لحظة أن تزل قدمه وإيمانه ؟
الدكتور راتب :
هذا موضوع ثان سيدي ، الإنسان حينما يكون في مجتمع ، والمجتمع يطبق الإسلام ، وهو بعيد عن الدين كلياً يضطر أن يصلي ، لكن صلاته شكلية ، فإذا كان يصلي مضطراً ، صلاة شكليةً ، إرضاءً لجهة قوية ، هذا الإنسان ولو كان يصلي له مصير آخر .
المذيع :
واضحة الفكرة . دكتور ، هل يعد النوم يعد موتاً أصغر ؟
الدكتور راتب :
موت صغير .
المذيع :
نوضحها دكتور ما المقصود بذلك ؟
الدكتور راتب :
الإنسان حينما تتعطل محاكمته ، وعقله ، وإرادته ، وحركته ، هذا الموت ، الموت هو نوم دائم ، والنوم موت مؤقت .
المذيع :
فلذلك كان الدعاء عند الاستيقاظ : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور.
في الآخرة عالم الأنفس :
الدكتور راتب :
الميت لا يحاسب .
المذيع :
وكأن الإنسان حينما ينام يفقد سيطرته على جسده .
الدكتور راتب :
تفسيرها العلمي ؛ يوجد في الإنسان شبكة أعصاب ، لكن الشيء اللطيف أن الخلية العصبية لها نواة ، مثل نجمة ولها استطالة طويلة ، الخلايا العصبية متباعدة فيما بينها ، في النوم تتباعد أكثر ، صدور الأمر الكهربائي لا يقطعها ، إذا صدر صوت عال جداً يستيقظ على الفور ، وأنت نائم تكون الخلايا مثل نواة كبيرة مع نجمة ، واستطالة طويلة ، هنا النجمة الثانية ، الموت باعد الخلايا العصبية عن بعضها ، فما عاد الصوت يصل للثانية ، أصبحت المسافة أطول ، إلا إذا كان الصوت غير معقول ، يصل الصوت للثانية ، عندها يستيقظ الإنسان .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور ، دكتورنا الكريم أيضاً في الحلقة الماضية تحدثنا أن بعد الموت الآخرة ، والآخرة إما جنة ، وإما نار ، وهذه قضية حساسة .
الدكتور راتب :
والذي نفس محمد بيده ، ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار .
المذيع :
لو تحدثنا عنها من الذي يذهب إلى الجنة والنار ، يعود الجسد من جديد ، يعود الإنسان بنفس شكله أم تعود النفس بشكل جديد ؟
الدكتور راتب :
في الآخرة عالم الأنفس .
المذيع :
لكن النفس شيء معنوي ، كيف تتنعم أو تتعذب ؟
الدكتور راتب :
﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ ﴾
يوجد أرض في الآخرة لكن من نوع ثان ، ويوجد جسم من نوع ثان ، العلماء استنبطوا استنباطاً أنه كما الشمعة محيطة بالفتيل في الدنيا الجسم محيط بالنفس ، والنفس ترى بالعينين وتسمع بالأذنين ، أما في الآخرة مثل لهب الشمعة محيطة بالفتيل ، النفس كلها أعين .
﴿ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾
﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾
في الدنيا أنت محدود بالزمان والمكان ، والجسم حواجز ، ترَى بالعينين ، وتسمع بالأذنين ، تشم بالأنف ، في الآخرة الأمر ليس هكذا ، النفس كلها أعين ، تستطيع أكل مليون تفاحة ما دخلوا لجوفك ، أخذت الطعم من الخارج ، أي الفواكه قريبة من الإنسان ، يأكلها ويأخذ طعمها الكامل دون أن تدخل لجوفه ، تحليلات لطيفة من بعض العلماء .
المذيع :
وقد يكون هنالك أوجه أخرى لهذه التحليلات كلها يقيناً هكذا ؟
من الأدب مع الله أن نسكت حيث سكت الله :
الدكتور راتب :
لا ليس يقيناً ، بل اجتهاد . نحن بالمناسبة عالم الغيب عدة آيات تحدثت عنه ، فنحن من الأدب مع الله أن نسكت حيث سكت الله .
مثلاً ، يا ترى هل هناك تفاصيل ، يجب علينا ألا نخترع تفاصيل من عندنا ، حكمة الله تقتضي أن يكون هناك ثماني عشرة آية عن الآخرة ، وحوالي ثلاثين حديثاً فقط ، لا نضيف شيئاً عليهم من تحليلاتنا ، ولا من تصوراتنا ، هذا الأدب مع الله ، عالم الشهادة بيدنا ، أما عالم الغيب فيه آيات محددة من الأفضل أن نبقى في حدودها .
المذيع :
الموت هو قبض الله عز وجل للروح التي أودعها في جسد الإنسان .
الدكتور راتب :
لا ، قطع الإمداد ، النفس قبضت ، أُخذت إلى الدار الآخرة .
المذيع :
من خلال ملك الموت .
الدكتور راتب :
من خلال ملك الموت :
﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾
أما النوم :
﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾
وفاة النوم بيد الله ، أما الموت النهائي بيد ملك الموت .
﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾
أما :
﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾
المذيع :
سبحان الله! إذا كان أمر الموت وهو دائماً بأمر الله سبحانه وتعالى لكنه وكل لملك الموت في الموت الحقيقي ، كيف يمكن لإنسان أن يقتل إنساناً ، ما هو دور الإنسان ؟ نقول : فلان قتله أزهق روحه .
الرزق والأجل بيد الله وحده :
الدكتور راتب :
لكن العلماء أجمعوا بالعقيدة أن المقتول مات بأجله ، الموت له وسيلة ، أنت في المطار يوجد بوابات خروج ، فالموت بوابة خروج ، أما القتل بوابة ثانية ، الموت على الفراش بوابة ، والقتل بوابة ثانية .
المذيع :
أي مكان وموعد وكيفية وفاته هذه محددة من الله مسبقاً .
الدكتور راتب :
لا يتبدل إطلاقاً ، أما الطريقة لحكمة بالغة ، الشهيد يموت في المعركة .
المذيع :
لكن لا يستطيع إنسان أن يزهق روح إنسان آخر إلا بإذن الله .
الدكتور راتب :
أبداً ، مستحيل ، الرزق والأجل بيد الله وحده ، هذه من المسلمات في حياتنا الإسلامية ، رزق الإنسان وأجله لا يستطيع مخلوق أن يعدلهم .
مثلاً أنا أقول : لك عند الله ثمانين سنة ، بيدك إما تقضيها وأنت واقف نشيط أو في الفراش ، إذا أهمل طعامه وشرابه وزاد وزنه ، تعطلت بعض الأجهزة فمرض ، لك عنده ثمانين سنة ، تقضيها كيفما تشاء .
أنا أعرف شخصاً في حمص بقي لسبع وثلاثين سنة طريح الفراش. إما مستلق على الفراش أو واقف ، هذا الأمر بيدك ، من خلال العناية بالصحة ، بالعناية بالنظام الغذائي ، بالرياضة .
المذيع :
أو أن يكون ابتلاءً من الله ، يعني أخذ بالأسباب ولله شأن في حادث ، أو في عارض صحي في هذا الجانب .
الدكتور راتب :
هناك ملمح دقيق :
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾
ما قال أمرضني ، ملمح دقيق في الآية ، أنت مصمم ألا تمرض ، أما هناك تقصير في الأكل والشرب ، عدم النوم الكافي مثلاً ، فهناك مشكلات نفسية صعبة جداً تأتي من المعاصي ، هذه تسبب عدة مشاكل ، تعمل جلطات .
المذيع :
أما الأصل في خلق الإنسان ألا يمرض هذا الجسد إلا بسبب تقصير صحي من طرفنا أو حكمة الله بالابتلاء .
إلغاء الاختيار إلغاء للدين كله :
الدكتور راتب :
والدليل :
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾
ما قال والذي أمرضي ، قال :
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
المذيع :
سبحان الله رب العالمين! إذاً لا يستطيع إنسان دكتور أن يزهق روح إنسان إلا بأمر الله ، لكن ربنا جعل هذه الطريقة .
الدكتور راتب :
نعم على يد فلان ، والمقتول مات بأجله .
المذيع :
هل في اللوح المحفوظ لكل نفس منا قبل أن يخلق الإنسان متى يموت ؟ وكيف يموت؟ وأين يموت ؟
الدكتور راتب :
والله القضاء والقدر لا يعني الجبر ، نحن عندنا مشكلة كبيرة جداً ، حينما نتوهم أن الإنسان كتب الله عليه الشقاء ، كتب عليه شرب الخمر ، هذه كلمات تقترب من الكفر ، يقول العوام : كاسات معدودة بأماكن محدودة ، فالذي شرب الخمر الله قدر عليه ، كيف قدر عليه ويحاسبه ؟ مستحيلة . إن الله أمر عباده تخيراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً وأعطى على القليل كثيراً . عندما تلغي الاختيار تلغي الدين كله ، إذا التغى الاختيار صار الدين تمثيلية سمجة .
قضاء الله لم يخرجنا من الاختيار إلى الاضطرار :
لو فرضنا مثلاً مدير مدرسة ، أول يوم في العام الدراسي ، الطلاب في الباحة ، قال: سأتلو عليكم أسماء الناجحين في آخر العام ، وأسماء الراسبين ، لم يدرسوا بعد ، أول يوم في العام الدراسي تليت عليهم أسماء الناجحين والراسبين ، ادرسوا ، ليس للدراسة لزوم .
عندما تلغي الاختيار ألغيت الدين ، ألغيت الثواب ، والعقاب ، والجنة ، والنار، ألغيت الفضائل كلها .
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا ﴾
كلام من هذا ؟ كلام المشركين ، أقوى آية في الموضوع :
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
تكذبون . سيدنا عمر جيء له بشارب خمر ، قال : أقيموا عليه الحد ، قال : والله إن الله كتب عليّ ذلك ، قال : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة افترى على الله قال : ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار .
المذيع :
فلسفة الموت ، الجزء الثاني هذا الدرس العلمي مع شيخنا الكريم ، شيخنا الفاضل يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
((مَن سَرّه أن يَبْسُط الله له في رزقه ، وأن يَنْسَأ له في أَثَره ، فلْيَصِلْ رحمه ))
هل صلة الرحم يمكن أن تزيد في العمر ؟ أم ما المقصود في هذا ؟
البركة في العمر والرزق :
الدكتور راتب :
العلماء أجابوا عن هذا السؤال ، الحقيقة أن العمر لا يزيد ولا ينقص ، لكن تصور دكاناً فتحت ساعة باعت بمليون ، ودكاناً ثانية فتحت اثنتي عشرة ساعة باعت بمئة ليرة ، فالإرجاء في الأجل أي يرزق بعمل صالح يحتاج لأجل طويل ، أما الأجل لا يتبدل .
(( يَنْسَأ له في أَثَره ))
أي يعطى عملاً صالحاً وكأنه عاش مئة عام .
المذيع :
وكأننا نتحدث عن البركة ، العمر كأيام محسومة من الله .
الدكتور راتب :
محسومة .
(( يَنْسَأ له في أَثَره ))
أي كأنه عاش مئة سنة ، والمئة سنة فيهم أعمال كثيرة ، الله رزقه الأعمال نفسها في سبعين سنة .
المذيع :
هذه فكرة البركة دكتور .
الدكتور راتب :
النبي مات في التالثة والستين ، اللهم صلِ عليه ، البشر كلهم اهتدوا عن طريقه .
المذيع :
وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كانت مختلفة ، استأذنه ملك الموت ، وأظن أنه هو الوحيد عليه الصلاة والسلام من استؤذن .
الدكتور راتب :
هو تكريماً له ، لكرامته عند الله ، بل إلى الرفيق الأعلى .
المذيع :
اختار الله عز وجل ورفقة الله سبحانه وتعالى ، ونعم بالله رب العالمين . دكتورنا الكريم ، وفي حديثنا عن الموت حرمة الميت هي من القضايا التي نصت عليها الشريعة في كثير من النصوص ، فالميت يكرم ، يعجل دفنه ، يغسل ، يعطر .
من السُّنة تعظيم حرمة الميت :
الدكتور راتب :
الماء الساخن جداً ممنوع أن تغسل فيه الميت ، أدباً مع الميت .
المذيع :
رغم أن جسده لم يعد يشعر بالألم .
الدكتور راتب :
والعورة مستورة ، لا يوجد عورة مكشوفة .
المذيع :
لماذا للميت هذه الحرمة وقد بقي الجسد ، ذهبت منه الروح ؟
الدكتور راتب :
مكانته في الحياة كبيرة ، الإنسان ولو مات تنسحب عليه مكانته في الحياة ، عالم جليل ، إنسان عظيم ، خدم الأمة ، هل يعقل أن يموت متعرياً كلياً ؟
المذيع :
لكن هذه القاعدة للكل ، للعالم وللفاسق .
الدكتور راتب :
هي للإنسان ، الإنسان بالأصل مكرم ، فمن السُّنة ألا تكون عورته مكشوفة ويكون الماء معتدلاً .
المذيع :
ويكرم حتى في غسله ، والسنة حثت الناس على الخروج في الجنازة ، وفي دفنه ، وفي تشييعه .
الدكتور راتب :
أيضاً يوجد عطر خاص للأموات .
المذيع :
سبحان الله ، تعظيم حرمة الميت . دكتورنا الكريم ، في قضية الحزن على الميت هي قضية فطرية إنسان تربطك به صلة قرابة أو محبة ، أو نسب ، والله سبحانه وتعالى أخذ أمانته فالإنسان يشعر بالحزن .
الحزن في القلب لا نستطيع أن نضع له معياراً :
الدكتور راتب :
هذه عادة من العادات السيئة جداً ، أحياناً الحزن يبقى أربعة أشهر ، أحياناً أربع سنوات ، ثلاثة أيام فقط ، وبعد ذلك تصبح الحياة عادية ، مات بأجله .
المذيع :
العزاء ثلاثة أيام أم الحزن ثلاثة أيام ؟
الدكتور راتب :
كله سواء ، نحن عندنا في بلادنا له أربعين ، وبعد ذلك ستين ، وستينية ، شيء غير معقول ، مثلاً مات يوم الثلاثاء كل ثلاثاء حوالي سنتين ثلاثة ، لهم ترتيبات معينة .
المذيع :
هذه لم ترد بالسُّنة .
الدكتور راتب :
أبداً هذه كلها بدع .
المذيع :
ما النهج النبوي في قضية الحزن ؟
الدكتور راتب :
ثلاثة أيام فقط .
المذيع :
وهو مجلس العزاء ، الناس يستقبلون من يعزيهم ، لكن الحزن في القلب لا نستطيع أن نضع له معياراً .
الدكتور راتب :
هذا ليس بيدك . قد أبقى عام وأنا حزين .
الدكتور راتب :
ليس هناك داع أن تلبس أسود ، مات والدها ، عندها زوج ، له حقوق عليها ، فهذا للمرأة .
المذيع :
إذاً العزاء والتعطل عن الدنيا لثلاثة أيام ، بعد ذلك لا تتعطل لكن يبقى ما في القلب في القلب .
ثلاثة أعمال تبقى بعد الموت :
الدكتور راتب :
الحزن حزن .
المذيع :
لا يستطع الإنسان أن يحددها ، لكن يبقى عند الله سبحانه وتعالى .
الدكتور راتب :
(( إن القلب ليحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب))
أما جسر بيتنا انهدم! أين الله ؟ هناك كلمات فيها خطأ كبير جداً ، انهدم بيتنا بموته، لا .
المذيع :
إذا مات الإنسان انقطع عمله الدنيوي لكن النهج النبوي أرشدنا إلى بعض القضايا التي يبقى عمله فيها مسترسلاً .
الدكتور راتب :
((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم يُنْتَفَعُ به ، أو ولد صالح يدعو له))
المذيع :
لماذا هذه الثلاث التي تبقى ، والأعمال الأخرى لا تبقى .
الدكتور راتب :
لأن أثرها مستمر ، أسس معهداً ، مات والمعهد بقي بعد موته مئة سنة ، عمل مستشفى ، عمل معهداً شرعياً ، دعا لله ، ألف كتاباً .
المذيع :
فطالما بقي نفع هذا العلم منتشراً فله أجره . هل يشترط أن يكون هذا العلم علم شرعي ، أما أنا مثلاً ألفت كتاباً في الطب نفعت الناس فيه ؟
أكبر تجارة مع الله عز وجل أن تربي ابنك تربية دينية :
الدكتور راتب :
علم نافع ، الشيء الأدق أنه :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
العلماء قالوا : ألحقنا بهم أعمال ذريتهم ، فإذا الواحد اعتنى بأولاده ، الأولاد تزوجوا نساء صالحات ، أنجبوا أولاداً أطهار ، قد يكون الأمر لمئة سنة قادمة ، كل هؤلاء في صحيفة المتوفى .
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾
أنا أرى أن أكبر تجارة مع الله عز وجل أن تربي ابنك ، لذلك قالوا : خير كسب الرجل ولده ، أعظم كسب له ، لأنه استمرار له ، الإنسان يحب السلامة والسعادة والاستمرار .
المذيع :
ما شروط ذلك حتى أتحقق أنا من أجر ابني طول العمر ويبقى في صحيفتي ؟
الدكتور راتب :
أن تربيه تربية عالية جداً ، يحتاج جهداً كبيراً ، أنت تستطيع أن تطعمه وتلبسه وتدرسه أما :
(( كفى بالمرء إِثما أن يُضَيِّع مَن يقوتُ ))
هو يطعمه ، ويسقيه ، ويلبسه ثياباً فخمة ، ونجح في البكالوريا ، لكن نحن نريد دينه ، التضييع تضييع الدين .
المذيع :
الرعاية موجودة ، من طعام ، ودراسة ، لكن التربية الدينية والخلقية غير موجودة .
الدكتور راتب :
((كفى بالمرء إِثما أن يُضَيِّع مَن يقوتُ))
هو يطعمه ، ويسقيه ، ويشتري له الثياب الفاخرة .
المذيع :
لذلك كان الحديث :
((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية))
الدكتور راتب :
أي مؤسسة ، معهد شرعي ، كتاب مؤلف له أثر كبير .
المذيع :
أيضاً أسأل فضيلتكم الصدقة الجارية تقتصر على أبواب العبادة ؟ مثلاً بنى مسجداً ، مركزاً قرآنياً ، لو بنى حديقة وأحسن إنشاءها ليرفه عن العائلات .
دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب لا ترد :
الدكتور راتب :
أي شيء ينتفع به .
المذيع :
فهو صدقة جارية .
(( وولد صالح يدعو له))
لماذا دعاء الولد ، وليس دعاء الأخ ، أو الزوجة ، وكذا لماذا :
(( وولد صالح يدعو له))
الدكتور راتب :
لأن الولد ند ، والأخ ند ، أما الابن تربية أبوه ، لذلك لا تجوز الزكاة على الأصول والفروع ، الأصل مكلف بالفرع ، والفرع مكلف بفرع الفرع .
المذيع :
الميت ينتفع بدعاء الأحياء ؟
الدكتور راتب :
طبعاً ، دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب لا ترد ، لماذا في ظهر الغيب ؟ بوجوده قد يكون قوياً فيخاف منه ، أما في غيبته يوجد إحسان حقيقي ، أنت تجلس بجلسة ، تحكي عن شخص أكرمك ، كنت بضائقة شديدة أمدك بالمال ، من محبتك له تتحدث في غيابه ، فدعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب لا ترد ، أما بحضرته قد تكون خوفاً منه .
المذيع :
سبحان الله! هل يمكن للإنسان أن يقوم ببعض الأعمال التي تنفعه بعد الموت ، أضرب لفضيلتك مثالاً : الناس اعتادت إذا مات إنسان مثلاً يشترون ثلاجة ماء على روحه وتوضع في المسجد ، هل يمكن وأنا على قيد الحياة أن أشتري ثلاجة عن نفسي وأضعها ، ويصلني أجرها في الحياة وبعد الموت ؟
على المؤمن ألا يعلق عمله الصالح على أحد :
الدكتور راتب :
أنا لي رأي للأخوة المستمعين ، أنا عندي في البيت حوالي أربعين أو خمسين وصية، لم تنفذ واحدة .
المذيع :
لفضيلتك ؟
الدكتور راتب :
لا ، ليست لي ، معي وصايا من أخواني ، مثلاً واحد عنده أربع بنايات ، وكل بناية أربعة طوابق ، وكل طابق أربع شقق ، ترك لأولاده أربع بنايات ، بأربعة طوابق ، بأربع شقق ، ووصاهم عن طريقي بخمسة وعشرين ألفاً فقط ، لطلاب علم ما نفذوها ، قالوا : نحن أولى بها ، أنصح الأخوة المستمعين لا تعلق عملك الصالح على يد إنسان ، أنا معي خمسين وصية ، لم تنفذ ولا واحدة نحن أولى ، ترك أربع بنايات .
المذيع :
شرعاً ألا يلزم الورثة بهذه الوصية ؟
الدكتور راتب :
طبعاً ، لكن يجب أن تكون عند القاضي الشرعي ، تتوثق ، إذا أردت عمل وصية يجب أن توثقها عند كاتب العدل .
المذيع :
وأيضاً لو من البداية أسس جيلاً وأبناء يحملون نفس الهم فهم يسيرون على درب الوالد بالاجتهاد ، بالصدقة وما شابه .
الدكتور راتب :
لذلك الحج لا يقبل إلا من الابن ، الحج لا يقبل وصية إلا من الابن فقط من دون وصية ، فأنا قد أوصي أخي ، وصية رسمية في الحج ، يحج عني ، هذا حج بدل ، إلا الابن إذا حج عن والده من دون وصية مقبول ، إذا رباه والده تربية إسلامية .
المذيع :
دكتور ، قضية الدفن للميت ، هنالك من يموت ولا يدفن ، يغرق في البحر أو يحرق في نار ، أو يقطع ، أو كذا ، ما قضية ارتباط الدفن في الموت والحساب دكتور ؟
كل إنسان له ساعة يغادر فيها الدنيا وعليه أن يعمل من أجل هذه الساعة :
الدكتور راتب :
الغراب هو الذي علم بني آدم الدفن .
﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ ﴾
أنا أرى أن الدفن إكرام للإنسان .
المذيع :
لكن الحساب ليس مرتبطاً بالدفن في القبر ، لو إنسان مات غرقاً ، أو حرقاً فحسابه يقوم حتى لو لم يكن له قبر .
الدكتور راتب :
في أي مكان يوجد ملائكة سيدي ، مأمنين لا مشكلة .
المذيع :
هل يمكن أن نقول : إن يوم القيامة والحساب وهو اليوم المشهود يوم الحشر هنالك نسخة مصغرة تكون لكل فرد منا بلحظة وفاته ، أي قيامته الخاصة به ؟
الدكتور راتب :
قيام الساعة قبل قيام القيامة ، القيامة الآخرة ، أما قيام الساعة مع مجيء سيدنا عيسى والمهدي ، هذه ثابتة فيها النصوص ، أنا لي رأي خاص : أنت عندك ساعة وفاتك هذه أهم ساعة اعمل لهذه الساعة ، لا تهتم بالساعات الأخرى ، كل إنسان له ساعة يغادر فيها الدنيا ، يعتني باستقامته وعمله الصالح حتى يلقى الله وهو راضٍ عنه .
المذيع :
دكتور في حديثنا عن الموت ، وفلسفة الموت هل يدرك الميت الأحياء من بعده ؟ أقصد سواء من يزوره ، أو من يحسن إليه .
الدكتور راتب :
هذا موضوع خلافي ، لكن هناك شي ثابت فيه وهو أن النبي الكريم عندما رأى قتلى بدر خاطبهم واحداً واحداً قتلى بدر أي الكفار ، خاطبهم واحداً واحداً :
((هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟ قال عمر : يا نبي الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها ؟ قال : والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يجيبونني))
هناك علماء اعتبروها من خصوصيات النبي فقط ، وعلماء عمموها ، والقضية خلافية .
المذيع :
لو أخذنا جانب أن الميت يسمع الحي إذا ناداه ، يشترط أن يكون على باب قبره ويحدثه ، لو فتاة توفي والدها عنها مثلاً وذكرته في الليل واشتاقت إليه هل يشعر بها ؟
الرؤيا تحدث بسبب كرامة المؤمن عند الله :
الدكتور راتب :
ما هي الرؤيا من الله ؟ أن ترى الميت أحياناً ، أنا أذكر تماماً أخ من أخوتي الكرام قريب جداً مني ، توفي بحادث ، وهو مهندس ، وترك زوجة من حلب وأولاداً ، فهو ملتزم التزاماً من أعلى مستوى ، بعد وفاته بثلاثين سنة ما تغير شيء في البيت ، ما خرجوا سافرات بناته ، مثلما رباهم ، حتى أنه لم يكن عنده جهاز تلفاز ، ورع ، ولم يشتروا ، الآن ابنه يرى أباه في المنام ، وهو يشكره على متابعة دراسته وعمله الطيب .
المذيع :
كيف تفسر هذه الرؤيا ؟
الدكتور راتب :
هذه كرامة ، حق ، لكنها كرامة .
المذيع :
من الذي يراه في المنام نفس والده أم والده ؟
الدكتور راتب :
هو لم يتمكن من إخبار والده بتفوقه بالدراسي ، والده كان يطمح أن يكون ابنه متعلماً، فأخذ شهادة وأتم البكلوريا بنجاح ، وأنا درسته ، رأى أباه في المنام مبتسماً لنجاحه في هذه الشهادة ، صدق ولا أبلغ ، يوجد أشياء في الرؤيا تلفت النظر ، أب حريص على نجاح ابنه وتوفي بحادث ، فنجح ابنه ، وأنا درسته ، قال لي : والله رأيت والدي في المنام وهو يبتسم فرحاً بنجاحي .
المذيع :
الأموات يعرفون أخبار الأحياء ؟
الدكتور راتب :
لا ، من إعلام الله لهم ، هذا الكلام الأدق ، هم لا يعرفون وحدهم ، لكن لكرامة الميت عند الله .
المذيع :
سبحان الله! هذه تكون لكل الأموات دكتور أم لأموات أكرمهم الله بها ؟
الإنسان كلما علا مقامه عند الله يصبح أمة :
الدكتور راتب :
لا ، تكريم من الله ، لخاصة فيهم .
المذيع :
هذه قضية خاصة . دكتورنا الكريم ، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم ، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
ما الرابط بين هذه الآية وفكرة الموت :
﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
ما المقصود بها دكتور ؟
الدكتور راتب :
كل إنسان له أولاد ، وإذا كان له عمل دعوي كبير ، له أخوة كرام ، طلاب علم ، فالإنسان كلما علا مقامه عند الله يصبح أمة .
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾
تجد إنساناً يولد ويموت ولا أحد يعلم متى جاء ومتى غادر ، وإنسان تهتز الأرض لموته ، العظام ، القادة العظام ، الصحابة الكرام ، فهذا بقلوب الآخرين ، عندما ربنا يقول لنا :
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾
كل الصفات المتعلقة بالأنبياء لكل مؤمن منها نصيب بقدر إيمانه وإخلاصه ، فأحياناً موت إنسان يسبب ضجة كبيرة جداً ، بسبب مكانته الكبيرة ، وأعماله الطيبة .
أنا أذكر أحد العلماء في مدينة بدوما قرب الشام ، كان يفتي بفتوى ابن تيمية بالطلاق، مشى في جنازته خمسة آلاف امرأة ، كلهن كانوا مطلقات ، بفتواه رجعوا لأزواجهن ، ابن تيمية له رأي في الطلاق رائع جداً .
من حلف يمين طلاق ، وفي نيته أن يحمل امرأته على فعل ما ، أو أن يمنعها من فعل ما وهو يكره فراقها كفراقه دينه ، هذا الطلاق لا يقع ، طلاق قسمي ، بهذه الطريقة كان يفتي على رأي ابن تيمية ، والآن أنا مع هذه الفتوى ، والعالم الإسلامي بأكمله يفتي بهذه الفتوى، لم ينو الطلاق ، لكنه ينوي فقط أن يجبرها على عمل ما .
المذيع :
سبحان الله! دكتور ، ما المقصود بها :
﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
الشعور بدنو الأجل من كرامة المؤمن عند الله :
الدكتور راتب :
من قتل نفساً بنفس ، هذا سمح الله به ، القاتل يقتل ، أما بغير نفس ، إنسان بريء قتله ؟
﴿ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
أقرباءه ، أولاده ، وأحفاده ، وأقرانه ، وعمومه ، وأخواله ، بدائرة ، مدير عام ، محسن كبير ، له أعمال بطولية كلهم يتألمون .
﴿ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا ﴾
أنت علمت إنساناً فعلم الآخرين ، عنده ألف مريد ، ألف تلميذ .
﴿ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
المؤمن حجمه كبير في الحياة ، يوجد محسن كبير في مصر ، من حوالي شهرين ثلاثة مشى بجنازته الملايين ، من حوالي شهرين أو ثلاثة ، فهذا له أعمال كبيرة جداً في الحياة.
المذيع :
دكتور ، يقول ، أو يتداول بين العامة : أن الإنسان قبل أن يموت يشعر بذلك ، هل العلم الشرعي يؤكدها أم ينفيها ؟
الدكتور راتب :
هذه من كرامة المؤمن عند الله ، واردة ، مصنفة مع الكرامات ، الأنبياء لهم معجزات، والمؤمنون لهم كرامات ، أي خرق النواميس ، أنا أعرف قصصاً كثيرة جداً ، كأنه شعر أنه ميت بعد يومين ، وجمع أهله .
أحد أقربائي ، جمع أولاده بأكملهم ، ولقن أولاده ، وأعطاهم وصايا ، وكل شيء تم وبعد نصف ساعة توفي .
المذيع :
هل تعدها علامة خير دكتور ؟
سكرات الموت تختلف بين العبد المؤمن والعبد العاصي :
الدكتور راتب :
هذه كرامة .
المذيع :
لكن ليست قاعدة ، ليس كل إنسان قبل أن يموت يشعر بها ، بعض الناس يشعر بها والبعض لا .
الدكتور راتب :
الأنبياء لهم معجزات ، والأولياء لهم كرامات ، لكن الكرامات ليس فيها خرق للعادات، حتى لا ندخل في متاهة الشطحات .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور ، ماذا عن سكرات الموت ؟ ما هي دكتور ؟
الدكتور راتب :
هي نقلة من الدنيا إلى الآخرة ، ليست سهلة .
((إنَّ للموتِ سَكَرات))
يكون قد ألف زوجته ، وأولاده ، وبناته ، وأصهاره ، وكنائنه ، وله مكانته ، وأخوانه ، وجيرانه ، وتلاميذه مثلاً ، سينتقل إلى الدار الآخرة ، هذه المغادرة نوع من سكرات الموت .
((إنَّ للموتِ سَكَرات))
أي نقلة نوعية في حياته ، نقلة نوعية كبيرة جداً .
المذيع :
وهذه السكرات تختلف بين العبد المؤمن والعبد العاصي ؟
الدكتور راتب :
تأتي للمؤمن خفيفة جداً ، خفيفة جداً جداً ، حتى في بعض الآثار المؤمن يقول : لم أرَ شراً قط ، وغير المؤمن لم أرَ خيراً قط .
المذيع :
هل يمكن لبعض الأشخاص قبل أن يموت أن يرى غير ما يرى الناس العاديين ، مما يتداول لأحد الأئمة والعلماء الصالحين ، حينما كانوا يلقنهم تلاميذهم الشهادة ؟
قصص عن كرامة الأولياء :
الدكتور راتب :
والله أنا سمعت من أناس صادقين ولا أشك بصدقهم ، إنسان على فراش الموت يقول لأولاده : سلموا على عمكم ، عمهم متوفى ، عم الأولاد توفى قبل أبيهم ، سلموا على عمكم ، قم قبل يده يا بني ، قم وقبل يده .
المذيع :
هو يكون مهيأ له ؟
الدكتور راتب :
هو يهيأ له ، هذه الآلية لا أحد يعرفها ، لكن يوجد قصص كثيرة جداً .
المذيع :
قيل عن أحد الأئمة ، وكبار العلماء دكتور حينما كان يذكره بالشهادتين تلاميذه لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، هل يمكن أن يرى النبي عليه الصلاة والسلام من كان مثلاً حاله العلم والصلاح ؟
الدكتور راتب :
هذه كرامة استثنائية . أحد كبار العلماء في مصر أعلى مرتبة إسلامية في العالم الإسلامي على فراش الموت ، أحد أخوتي الكرام وأستاذ في الشريعة ، حضر وفاة هذا الشيخ شيخ الأزهر ، ورفع يديه هكذا وقال : أنا بريء من كل فتاوى المصارف ، أدرك الخطأ وهو على فراش الموت .
المذيع :
هل تقبل هنا دكتور ؟
الدكتور راتب :
الله يعلم ، هذا من شأن الله وحده ، أما هذا الدكتور هذا الدكتور سعيد رمضان البوطي كان أستاذه في مصر ، حضر وفاته .
المذيع :
كان يفتي في بعض المعاملات المصرفية ، وعند وفاته تراجع عنها .
وجوب التفكر بالموت في كل لحظة :
الدكتور راتب :
أقسم بالله ، رحم الله الدكتور سعيد ، أقسم بالله ورفع يديه هكذا قال : يارب أنا بريء من كل فتاوى المصارف ، لكنني أفتيت وخلصت .
يوجد مشكلة دقيقة سأقولها لك : تفسير الزمخشري تفسير مهم جداً ، لكن صاحبه كان معتزلي ، الاعتزال يعني إنحراف عن العقيدة السليمة ، فهو قبل أن يموت تاب من اعتزاليته، فعلّق تعليقاً دقيقاً ، قال : هو تاب من اعتزاله لكن تفسيره لم يتب ، عندما تطبع كتاباً فقد انتشر ، إذا وجد خطأ في الكتاب شفهي ينساه الناس فتستطيع تعديله ، أما إذا طبع ، أخطر شي طبع باطل في الكتاب .
المذيع :
لكن رغم ذلك لو أراد أن يصوّب فالباب مفتوح ، يستطيع أن ينزل كتاباً آخر ، وباب التوبة مفتوح .
الدكتور راتب :
يستطيع سحب الكتاب من الناس ؟ ألا يستطيع سحبه ؟
المذيع :
دكتور في ختام هذه الحلقة ، هل من همسة ؟ هل من نصيحة ؟ في حديثنا عن ملف الموت ، تحب أن تنقلها إلى المستمعين الكرام عبر حياة إف إم .
الدكتور راتب :
والله الذي لا إله إلا هو ، سألوا طالباً نال الدرجة الأولى في سوريا على القطر كله في الشهادة الثانوية ، أجروا معه لقاء صحفياً ، أنا قرأت اللقاء ، أنه : بمَ نلت هذا التفوق ؟ اسمع ماذا أجاب ، قال : لأن لحظة الامتحان لم تغادر ذهني ولا ثانية طوال العام الدراسي . وأنا اجتهادي هذا الموت مصير كل مؤمن يدخله في حسابه اليومي .
حتى أن النبي الكريم كان يتمنى علينا أن نضطجع ونتفكر بالموت كل يوم صباحاً ، سأغادر ، بيت أنيق سأغادره ، سيارة فارهة سأتركها ، منصب رفيع سأتركه ، هناك مغادرة والمغادرة ليست سهلة ، يدخل الإنسان إلى بيته ثمانين سنة ويخرج قائماً ، إلا في مرة وحدة يخرج أفقياً .
فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من دار إلا الجنة أو النار .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور ، جعلنا الله وإياكم من أهل جنته ، ووقانا عذابه وناره ، نختم حلقتنا بالدعاء ونسأل الله الأجابة .
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، ارضنا وارضَ عنا ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي في معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، احقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في الشام .
خاتمة و توديع :
المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، أطال الله في عمركم ، وبارك لكم في علمكم ، وجعل هذا المجلس في ميزان حسناتكم ، فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
والدعاء لكم مستمعينا الكرام أينما كنتم "فلسفة الموت" بجزئه الثاني نصل إلى ختام هذه الحلقة . يقول ابن عمر رضي الله عنه قال :
((أخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْكبي ، فقال : كُنْ في الدنيا كأنك غَريبٌ أو عابِرُ سَبيلٍ))
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته