- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صل وسلم ، وزد وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، أهلاً ومرحباً بكم أيها الأخوة والأخوات معنا في موعد إذاعي ولقاءٍ إيماني ، فحياكم الله شيخنا وأستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع:
أهلاً وسهلاً ، اللهم آمين نحن وإياكم ، حياكم الله ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج . فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج . ومن لم يستطع فعليه بالصوم . فإنه له وِجَاء))
صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، حياكم الله في حلقتنا لهذا اليوم مستمعينا ، لن نتحدث فيها عن الزواج ، ولا عن شروط اختيار شريك الحياة ، وإنما سنتحدث تحت عنوان هل أنا مؤهلٌ للزواج ؟ فكثيرٌ من الشباب يُقبلُ على الزواج ، ويرغب به ، لكن فعلاً هل هو مؤهل ؟ فإن كان فنعم بذلك ، وإن لم يكن فكيف يكون ؟
وكثيرٌ أيضاً من الفتيات ، ترى نفسها في سن الزواج ، وتنتظر خاطباً صالحاً يطرق باب بيت أهلها ، فهل هي مؤهلةٌ لتكون بيتاً ، ولتكون عروساً وزوجاً ، كيف تكون كذلك إن لم تكن ؟ هذا هو حوارنا مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، شيخنا الكريم ، نتحدث في هذه القضية الكبيرة ، وفي تأهيل الشباب والفتيات للزواج .
العنوسة أكبر مشكلة نعاني منها هذه الأيام :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحقيقة الدقيقة: أن هناك بلداً في آسيا هو ماليزيا ، تفاقمت فيه حالات الطلاق كثيراً ، الملفت للنظر أنه أسست مدرسة ، لا يمكن لشابٍ أن يعقد عقده على فتاةٍ ، إلا إذا خضع الزوج والزوجة ، الخاطب والخاطبة ، لدورة تثقيفية مدتها ستة أشهر ، هبطت مستويات الطلاق إلى العشر . والشيء بالشيء يذكر ، وأيضاً أنا رأيت بناء في ماليزيا ، ارتفاعه أربعون طابقاً ، الطفل من يوم ولادته يسجل في هذا البناء للحج ، يدفع مبلغاً مهما كان يسيراً ، يتراكم هذا المبلغ ويوظف في مشاريع إسلامية ، فإذا بلغ الوقت المناسب للحج معه المبلغ كاملاً ، وتقدم له خدمات مذهلة ، هاتان الخبرتان والتجربتان في ماليزيا ، تجربة الحج والزواج شيء لا يصدق ، يداوم في مدرسة مدة ستة أشهر ، يعرف الشاب حقوق الزوجة ، وحقوقه ، والوسائل ، والقصص، والآراء ، والبحوث العلمية إلى أن يصل الشاب إلى نضج كامل ، يؤهله أن يتزوج .
أقول لك كلمة دقيقة: إن نسب الطلاق الآن خمسون بالمئة ، خمسون بالمئة ، خمسون مشروع زواج ينتهي إلى الطلاق بعد فترة بسيطة ، لسوء فهم الطرفين لحقوق الآخر ، فهذا الشيء أنا أراه عظيماً جداً .
وأنا أكاد أقول كلمة : هناك مشكلات خطيرة جداً قد لا ننتبه إليها كالعنوسة ، العنوسة الآن خمسون في المئة ، مع فقد الزوج إمكانية إدارة البيت ، إدارة الزوجة ، هناك إدارة للذات ، الآن هذه مصطلحات حديثة ، إدارة الذات ، إدارة الزواج ، أحياناً ترى زوجاً لا يحسن إدارة بيته ، ينتهي بالطلاق ، ماذا أقول لك: هذه أكبر مأساة نعاني منها ، فالعنوسة مأساة كبيرة جداً ، وقد أقول وهذا اجتهاد مني ، أن الزواج هو أحد فصول الرجل ، أحد فصول حياته ، قد ينجح وقد لا ينجح ، لكن مع الأسف الشديد أن موضوع الزواج هو كل فصول حياة المرأة ، فإن نجحت به نجحت في الحياة ، وإن لم تنجح في هذا الزواج لم تنجح في الحياة أصلاً ، فلذلك قضية الزواج والعنوسة ، وتنوير الشباب والشابات ، شيء دقيق جداً ، وهي مهمات كبيرة جداً ، والمآسي كبيرة .
أنا مرة حضر درسي القاضي الأول الشرعي ، سألته أمام الأخوان جميعاً: كم نسب الطلاق في سوريا ؟ قال لي: قبل عشرين عاماً واحد بالألف ، الآن خمسون في المئة ، واضح تماماً أن هناك تقصير .
المذيع:
الله أكبر ، هذه مشكلة كبيرة .
الجهل أعدى أعداء الإنسان :
الدكتور راتب :
مشكلة كبيرة جداً ، ولعلها أكبر مشكلة عندنا في بلاد الشرق الأوسط ، خمسون في المئة ، في بلاد أخرى تتساهل بالزوجة الثانية ، النسبة ثمانية عشر في المئة ، هذا سبب العنوسة ، وفي بلاد أخرى عشرة في المئة ، فكلما ابتعدنا عن الشرع ، واجهنا مشاكل كبيرة جداً.
الآن أقول كلمة: أرددها آلاف المرات ، ما من مشكلةٍ في القارات الخمس ، من آدم إلى يوم القيامة ، إلا بسبب خروجٍ عن منهج الله ، وما من خروجٍ عن منهج الله ، إلا بسبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه مالا يستطيع عدوه أن يفعله به، الأصل هو الجهل .
المذيع:
الله يفتح عليكم يا دكتور ، حسناً دكتور ، بدايةً لو بدأنا في حديثنا عن الزواج ، هو حاجة نفسية ، وحاجة جسدية ، وحاجة لاستمرار النسل ، له مبررات كثيرة أوجدها الله لدى الذكور ، ولدى الإناث ، نبدأ دكتورنا الكريم ، بالحديث عن هذه الحاجة التي يحتاجها الشباب ؟
الدكتور راتب :
قبل ذلك ، أنت وأنا بحاجة إلى الطعام والشراب ، حفاظاً على بقائنا كأفراد ، وأنا وأنت بحاجة إلى الزواج ، حفاظاً على بقاء النوع ، لولا أن الله أودع في الإنسان رغبة في الزواج لانقرض النوع البشري ، الحاجة الثانية هي الحاجة إلى الزوجة ، هو الشريك إن كان زوجة أو زوج ، الحاجة إلى الشريك ، هذه الحاجة الثانية ، من أجل بقاء النوع ، انتهينا الآن ، أكل ، وشرب ، وسكن في بيت ، وتزوج ، وأنجب أولاداً ، عنده حاجة ثالثة ، والثالثة أخطر حاجة ، الحاجة إلى بقاء الذكر ، الطعام والشراب لبقاء الفرد ، والزواج لبقاء النوع ، والتفوق لبقاء الذكر ، فكل إنسان عنده حاجة ، أن يكون هو المهندس الأول ، الطبيب الأول ، الداعية الأول ، هذا التفوق حاجة أساسية ، والشيء الذي لا يصدق أن كل هذه الحاجات يمكن أن تتوافر في الدين في أعلى مستوى .
المذيع:
الله يفتح عليكم يا دكتور ، دكتورنا بدأنا بالحديث عن الشباب ، إذا أحد هؤلاء الشباب ، وخاصة ممن يستمعون إلينا الآن ، يرى في نفسه رغبةً ، للإقبال نحو مشروع الزواج ، كيف يعرف إذا كان مؤهلاً أم لا ؟ وما هي الجوانب التي يفترض أن يختبر نفسه فيها ؟
طلب العلم فريضة :
الدكتور راتب :
لا بد من طلب العلم ، سيدي هذه الطاولة جماد ، لها طول ، وعرض ، وأبعاد ثلاثة: طول ، عرض ، ارتفاع ، وتشغل حيزاً في الفراغ ، هذا جماد ، هذه صفة دقيقة جداً ، جامعة مانعة ، النبات له وزن ، وله حجم ، وأبعاد ثلاثة ، ويشغل حيزاً في الفراغ ، إلا أنه ينمو ، تميز النبات على الجماد بالنمو ، الحيوان وزن ، وحجم ، وأبعاد ثلاثة ، يشغل حيزاً في الفراغ ، وينمو كالنبات لكن الحيوان يتحرك ، الهرة تمشي ، أصبح عندنا جماد ، نبات ، حيوان ، والإنسان مثل الجماد له وزن وحجم ، وأبعاد ثلاثة ، ويشغل حيز الفراغ ، وينمو مثل النبات ، ومثل بقية المخلوقات يتحرك ، بماذا فُضّل ، بماذا فضّله الله ؟ بالقوة الإدراكية ، منحه قوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية ما لم تلبَّ بطلب العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .
والآن أيها الأخوة المستمعين ، آيات قرآنية حول إنسان ألغى الهدف الأخير ، أن يعرف الله عز وجل عن طريق طلب العلم ، قال:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
قد يكون نبضه مثالي ، وضغطه ممتاز ، لكنه عند الله ميت .
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
فطلب العلم ليس وردةً نتزين بها بل هواءً نستنشقه ، لو لم نستنشقه لفقدنا حياتنا .
المذيع:
الله يفتح عليكم يا دكتور ، ويكرمكم لهذا الكلام الطيب ، دكتور سنقف مع فضيلتكم ومع مستمعينا الكرام إلى فاصل ، ونعود لنكمل حلقتنا ، وحديثنا فيها مسترسلٌ معكم أيها الأحبة مستمعينا الكرام ، هل أنا مؤهلٌ للزواج ؟
حياكم الله دكتور محمد ، أهلاً وسهلاً بفضيلتكم معنا ، هل أنا مؤهلٌ للزواج ، هو عنواننا ، بدأنا فيه في المقطع الأول من الحلقة ، ومستمرين في هذا النقاش ، دكتور أريد من فضيلتك أن تعتبرني شاباً صغيراً في السن ، في بداية عمري ولم أرتبط بعد ، وأطرح على فضيلتك استشارة وسؤالاً ، بحكم علمكم الشرعي والتربوي ، وما فتحه الله عليكم ، هل أنا مؤهل للزواج أم لا ؟ بماذا سوف تجيبني شيخنا الكريم ؟
كل مؤمن عرف الله وعرف منهجه وحمل نفسه على طاعته مؤهل للزواج :
الدكتور راتب :
والله كل مؤمن مؤهل للزواج ، من هو المؤمن ؟ عرف الله ، وعرف منهجه ، وحمل نفسه على طاعته ، عندنا آيات متعلقة بالزواج ، وأحاديث كثيرة ، هي ضمن منهجه العلمي ، ضمن طلبه للعلم ، فإذا عرف حق الزوجة ، وعرف حقه على زوجته ، وحقها عليه ، هذا المركب سار بسلام ، أنا أقول: لماذا الزواج الإسلامي شيء رائع جداً ؟ لأن الله بين الزوجين ، ما معنى بين الزوجين ، كل طرفٍ يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر ، كل طرفٍ يتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر ، هذه المؤسسة وجدت لتبقى ، كما أن الله عز وجل ، حينما يقول:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
يقصد الكون ، من آياته:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾
ومن آياته الدالة على عظمته كالكون ، وكالشمس والقمر ، وكالليل والنهار .
﴿ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
المرأة إنسان ، مثلك تماماً ، مثلك بمعنى تحب كما تحب ، وتكره كما تكره ، لماذا يتمنى الزوج من زوجته أن تلبس له أجمل الثياب ، وأن تتزين ؟ هذا من حقه ، لماذا هو يهمل ثيابه ؟ وهو وقوة الشخصية في البيت ، مشكلة ، إني أتزين لزوجتي ، كما قال أحد الصحابة: كما أتمنى أن تتزين لي ، كما لك حقٌ عليها ، لها حقٌ عليك ، هذا الدين ، فكما أن الإنسان يتمنى أن تكون زوجته بأجمل وضع ، هو عليه أن يكون أيضاً بأجمل وضع .
المذيع:
إذاً هذا الفهم لمؤسسة الزواج ، كما أفدت دكتور ، يفترض أن يكون موجوداً لدي قبل أن أخطو أية خطوة .
الدكتور راتب :
قلت لك: في ماليزيا نسب الطلاق عالية جداً ، بعد تأسيس مدرستين ، ستة أشهر دوام لا يمكن أن يتم الزواج إلا إذا نجح الزوج والزوجة في هذه المدرسة ، نسب الطلاق هبطت للعشر .
المذيع:
دكتور ، أنت الآن ذكرت نقطتين في مقياس الإنسان لنفسه إذا كان مؤهلاً لدخول مؤسسة الزواج ، أما بعد ، النقطة الأولى تحدثت أن يطلب العلم ، والنقطة الثانية الدين ، هذه النقاط الأساسية التي يجب أن تتوافر عند الإنسان .
السعادة الزوجية منوطة بماضي الإنسان و باستقامته :
الدكتور راتب :
مثلاً ، لو إنسان دينه ضعيف جداً ، وأطلق بصره في الحرام ، سيرى امرأةً أطول من زوجته ، والثانية لونها أفتح من زوجته ، والثالثة شعرها أطول من زوجته ، يشكل من هذه الأنواع المتنوعة ، صورة غير واقعية ، فإذا نظر إلى زوجته من خلال هذا الخيال لا يحبها ، أما غض البصر ، أحد أكبر أسباب الرضى بزوجته .
المذيع:
وهذا ما يعد أساس الاستمرار .
الدكتور راتب :
أحد أكبر أسباب المودة بين الزوجين ، هو غض بصره ، أنا كنت أقول لإخواني في الشام: مثلاً إنسان كلما غض بصره عن امرأة لا تحل له ، وضع ليرة ذهب في وعاء ، خلال عشرين عاماً قبل الزواج ، كلما غض بصره عن امرأة ، وضع هذه الليرة من الذهب ، يوم عرسه سيجد عنده ما يقارب العشرة آلاف ليرة ذهب ، سعادته الزوجية منوطة بماضيه منوطة باستقامته ، لذلك:
((إن الله عز وجل لا يحب الذواقين ولا الذواقات ))
يقول لك: عنده تجارب ، أية تجارب ، هل تقصد زنى ؟! المؤمن عفيف لا يعرف إلا زوجته .
المذيع:
هو لا يصل إلى الزنى ، ولكن تكوين علاقات صداقة عابرة .
الدكتور راتب :
هل تقصد العلاقات بين الذكر والأنثى ، أنا عندي رأي دقيق ، وقد لا يرضي الجميع: لا يمكن أن تبقى هذه العلاقات بريئة ، ستتطور يا سيدي .
مثلاً صخرة في أعلى جبل متمكنة ، أنت أردت دفعها فقط حتى تنزل في المنحدر مسافة عشرة أمتار ، لن تستقر إلا في قعر الوادي ، لا يوجد في الاستقامة وضع وسط ، إنه حد.
الأشياء حدية و كمية :
الدكتور راتب :
ما معنى حدس ، مثلاً أنا عندي مستودع للوقود السائل ، إما أن يكون محكماً أو غير محكم ، لا يوجد حد وسط ، إذا كان يخسر كل شهر لتراً من الوقود السائل ، لم يعد محكماً، إذا خسر في السنة خمسة سنتيمتر ، ما عاد محكماً ، محكمٌ يعني لا يخسر ولا ميلي ، هذا المحكم ، أنا أحببت أن أضع فيه مئة لتر أو مئتين أو ثلاثمئة لتر ، فهناك أشياء حدية ، وأشياء كمية .
الاستقامة حدية ، في الزواج ما دام يوجد استقامة حدية فهناك سعادة زوجية ، والله السعادة يخلقها الله ، من خلق الله.
هناك نقطة دقيقة جداً: لو فرضنا أن شخصاً نزل بمظلة ، وجهل شكل المظلة ، وحجمها ، والحبال ، وأنواع الحبال ، وألوان الحبال ، ممكن أن أسجل لك خمسين معلومة يجهلها ، مع العلم أن معلومة واحدة إذا جهلها نزل ميتاً ، طريقة فتح المظلة ، طريقة فتح المظلة سماها العلماء في الدين: ما يجب أن يعلم بالضرورة .
فكل إنسان يتزوج ، هناك مجموعة حقائق ، آيات ، وأحاديث ، وشروحات متعلقة بالزواج ، هي زوجة أمامك ، إنسانة لها كرامتها .
فأنت مثلاً ، أنا أقول كلمة دقيقة: أن الإنسان إما أن يكون عنصرياً ، يسقط من عين الله ، أو يكون إنسانياً ، لو أن زوجاً أمضى مع زوجته السهرة بأكملها ساخراً من أمها ، وهي صامتة وخائفة ، في اليوم التالي تكلمت هذه الزوجة عن أمه كلمة ، أقام عليها الدنيا ، هذا الإنسان سقط من عين الله ، لأنه عنصري ، كما أن حق الفيتو عنصري .
بالمناسبة الشيء بالشيء يذكر ، الإنسان عندما يستخدم مكيالين انتهى عند الله ، ما مشكلتنا في العالم الآن ؟ مكيالين ، مثلاً يعطى المواطن في بلد كأمريكا حقوقاً تفوق حد الخيال، بينما تُقصَف أفغانستان فيموت خمسة آلاف إنسان أثناء الحرب ، ما هذا ؟ هذه هي العنصرية .
قتل امرئ في بلدةٍ جريمةٌ لا تغتفر وقتل شعبٍ مسلمٍ مسألةٌ فيها نظر
***
طالما هناك عنصرية بدلاً عن الإنسانية فالحروب لن تقف .
المذيع:
دكتور ، أعود من هذه النقاط المهمة في طلب العلم ، وفي وجود الدين ، ومخافة الله سبحانه وتعالى في قلب الإنسان ، كمؤهلات تدفعه إلى المضي قدماً في مشروع الزواج ، هل يطالب الشباب خاصةً ، نتحدث عن الذكور دكتور ، بمؤهلات أخرى ، من جانب مالي ، من جانب تعليمي ، من جانب نضوج فكري ؟
الدنيا كلها متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة :
الدكتور راتب :
أنا عندي شرط لكنه إيماني ، لا أستطيع أن أقنع فيه إلا نفسي ، يوجد في الجامع الصغير وهو كتاب أحاديث مشهور جداً ، ومرتب ترتيباً أبجدياً ، فيه جميع الحقوق ، فيه أربع أو خمس صفحات حق ، فيه حديث واحد تقرأه فيرجف بدنك:
(( حق المسلم على الله ، أن يعينه إذا طلب العفاف))
ومعي مئة قصة .
(( حق المسلم على الله ، أن يعينه إذا طلب العفاف))
أقول للشباب: حينما تغض بصرك عن محارم الله ، أنت تدفع ثمن زواجك الناجح دون أن تشعر ، تدفع ثمن زواج ناجح ، الله عز وجل قد يرزقك زوجةً تسرك إن نظرت إليها ، وتحفظك إذا غبت عنها ، وتطيعك إن أمرتها ، الدنيا كلها متاع ، وخير متاعها الزوجة الصالحة ، هذا إيماني والله ، لا يوجد في اعتقادي حدث أخطر من الزواج ، إنه شريك حياتك للأبد تقريباً ، للحياة كلها ، ليس شيئاً سهلاً ، فالذين ينجحون في الزواج ، ينجحون في الحياة .
المذيع:
جميل ، إذاً إذا انتظم الشاب في شرع الله ، وطلب العفة ، كان حقاً على الله ، والله لا يخلف الميعاد ، أن يعينه .
الدكتور راتب :
أقل جزاء من الله زواج ناجح ، الدنيا كلها متاع .
المذيع:
ومعونة الله دكتور ، تكون في تكاليف الزواج ، في اختيار الزوجة الجيدة ، في كل هذه التفاصيل ، عون الله يشملها جميعاً .
الدكتور راتب :
لأنه حقٌ:
(( حق المسلم على الله ))
هذه معكوسة سيدي:
(( أن يعينه إذا طلب العفاف))
ذات مرة سمعت حديثاً تأثرت فيه كثيراً ، سيدنا رسول الله أردف سيدنا سعد بن معاذ وراءه على الدابة ، فقال: يا معاذ ، ما حق الله على عباده ؟ فهو مؤدب جداً ، قال : الله ورسوله أعلم ؟ قال: يا معاذ حق العباد على الله ، أن يعبدوه ، وأن لا يشركوا به شيئاً ، سكت ، قال له : فما حق العباد على الله ؟ قال: الله ورسوله أعلم ، قال : حق العباد على الله ألا يعذبهم.
أي خطر خارجي لا يقابل إلا بالتغير الداخلي أولاً :
أنا أقول: يجد طمأنينة ، والدليل الأقوى:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا ﴾
لن: لتأبيد النفي ، لم: للماضي ، لما: للحاضر ، لن: للمستقبل .
﴿ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
لنا وليس علينا ، آية من أوضح الآيات ، لن: لتأبيد النفي .
﴿ لَنْ يُصِيبَنَا ﴾
في المستقبل .
﴿ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
مرة كنت في عمان راكباً سيارة إذ دخل إلى النافذة لاقط ، أعني ميكرفون ، شخص طلب مني أن أتكلم كلمتين في موضوع ما ، قلت: ماذا أقول ؟ قال لي: كلمتين أستاذ ، أياً يكن، الحقيقة أحرجني ، قلت له: أنت مرتاح ؟ قال: أنا! قلت له: ليس أنت بالضرورة ، أي إنسان مرتاح في بيته ، مرتاح بصحته ، مرتاح بدخله ، ما عنده ولا مشكلة ، أقول له: للمرتاح ، لا تغير لا يغير ، لا تقلق ، ما دمت تمشي مع الله بشكل صحيح ، مرتاح في بيتك ، مع زوجتك ، مع أولادك ، بحرفتك ، دخلك معقول ، مغطي كل حاجاتك ، لك مكانة اجتماعية ، لا تغير لا يغير ، ليس مرتاحاً ، عنده مشكلة اجتماعية ، مشكلة في بيته ، مشكلة أسرية ، مشكلة مع زوجته ، مشكلة مادية ، غير ليغير ، انظر لهذا الدين العظيم ؟ أربع كلمات ، لا تغير لا يغير، غير ليغير .
المذيع:
ونعم بالله .
الدكتور راتب :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ ﴾
دقق .
﴿ حَتَّى يُغَيِّرُوا ﴾
اثنين .
﴿ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
فأي خطر خارجي ، لا يقابل إلا بالتغير الداخلي أولاً ، أي خطر خارجي يصيب الأمة بسبب التغير الداخلي .
المصائب نقم الله تُرد بالتوبة إلى الله والصلح معه ثم بمقاومة هذا الظلم :
الحسن البصري مرة جاءه علية القوم يستأذنوه بالخروج على الحجاج ، قال: لا تخرجوا عليه ، قال: ألا تعلم من هو الحجاج ؟ قال: أعلم ، ولكن أقول لكم: لا تخرجوا عليه ، لأن ظلم الأقوياء نقم من الله عز وجل ، ونقم الله لا ترد بالسيوف وحدها ، ترد بالتوبة إلى الله ، فإن ردت بالسيوف وحدها ، كانت الفتنة أقطع .
المصائب نقم الله ، هذه ترد بالتوبة إلى الله أولاً ، والصلح معه ، ثم بمقاومة هذا الظلم ، هذا شيء خطير جداً سيدي ، ويوجد أدلة واقعية نعيشها .
المذيع:
دكتور ، نعود إلى الشباب الذين يستمعون إلينا ، ويرغبون بالزواج ، ماذا تنصحهم أن يؤهلوا من أنفسهم أكثر ، ليكونوا جاهزين لمؤسسة الزواج ، من ناحية التحصيل العلمي مثلاً ؟
الدكتور راتب :
أولاً سيدي ، الزواج فيه نفقة وعلى الزوج ، أنا أقول له: يجب أن يفكر تفكيراً جاداً بتأمين عمل ينفق منه على زواجه ، كأن يختار فرعاً جيداً في الجامعة ، أن عليه أن يبحث عن عمل له دخل ، يختار حرفة معقولة ، أما إذا ما فكر ، ما خطط ، وأنا أقول لإخوتي الشباب: إن لم تخطط يخطط لك ، إن لم تكن رقما ًصعباً في خطة عدوك ، تكن رقماً تافهاً .
المذيع:
إذاً جزء من مؤهلات الزواج الناجح دكتور ، أن يكون الشاب لديه مقدرة مالية على الإنفاق على البنت ، ما هو مقدار هذه النفقة لهذه الأيام ، أم أن هذه قضية نسبية دكتور ؟
الدكتور راتب :
والله يا سيدي يوجد قرية في ريف دمشق ، قرية أُكبرها إكباراً لا حدود له ، وجهاء القرية اجتمعوا ، وقالوا: المهر فقط خاتم وسوار واحد فقط ، هذا المهر ، ويأخذها لبيته لتعيش مع أهله إذا كان له جناح خاص أو غرفة خاصة وانتهى .
حينما تحل مشكلة الزواج تحل كل مشاكلنا ، هي حقيقة أكبر مشكلة ، لأن الإنسان في مقتبل الشباب ، مثلاً يوجد في أمريكا شيء عجيب ، أنا موافق عليه ، اسمه زواج الفرند ، هو اختار إنسانة قد تكون قريبته ، وعقد عقد زواج كامل شرعي من دون أي خلل ، ممكن أن يلتقي معها في بيته ، أو بيت عمه ، أخذ الشابان الشهادة الجامعية ، استأجروا بيتاً وتزوجوا ، وهم متزوجون من قبل أربع سنوات ، هذا اسمه زواج الفرند ، لكن ليس عليه ولا مأخذ شرعي .
المذيع:
ما الفكرة منه دكتور ، أن يبقى كل منهم في بيت أهله ؟
التبكير في الزواج ضمان لسلامة الشباب :
الدكتور راتب :
نحصنه سيدي ، ليس معه ثمن بيت الآن .
المذيع:
هذا عفواً للحد الأدنى مالياً من الناس ، لمن ليس عنده قدرة على فتح بيت .
الدكتور راتب :
نعم ، ممكن أن يتزوج .
المذيع:
هل يقوم مقام هذه الفكرة دكتور اليوم ، فكرة الخطبة الشرعية ، ما يعرف في الأردن مثلاً كتب الكتاب ، لأنه يتم فيه عقد قران شرعي ، في المحكمة مع شهود .
الدكتور راتب :
هذه هي سيدي .
المذيع:
وتبقى الخطيبة في بيت والدها .
الدكتور راتب :
هي زوجته ، زوجته بكل معاني الكلمة ، فأنا ماذا أقول: كلما بكرنا في الزواج ضمنا سلامة الشباب .
المذيع:
أنت مع تبكير الزواج دكتور .
الدكتور راتب :
أجل والله .
المذيع:
لكن دائماً نقول كلمة: كلما كبر سن الشباب والبنات ، كلما ازداد النضوج الفكري .
الدكتور راتب :
لكن يوجد مثيرات لا تحتمل سيدي ، هذا متى ؟ قبل خمسين سنة ، معظم النساء محجبات ومستورات ، الآن كل مفاتن المرأة في الطريق موجودة ، تفتح الصحيفة ، تفتح التلفزيون ، كل المفاتن موجودة ومبتذلة .
المذيع:
لا بد من أن نتوسع أكثر في هذه النقطة دكتور ، لأنه من الممكن أن يفتح باب التحصين دكتور ، لكن قد يكون هناك أبواب أخرى من عدم التأهيل تؤدي إلى مصائب في هذا الزواج ، نطرح هذه الأسئلة كلها على فضيلتكم ، لنستمع إلى إجابة شافية من خبرتكم وعلمكم دكتورنا الكريم ، لكن بعد فاصل قصير فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، ومعكم مستمعينا الكرام نعود لنتم حلقتنا مع الدكتور محمد راتب النابلسي ، وحديثنا فيها مسترسل وتحت عنوان هل أنا مؤهلٌ للزواج ؟
هل أنا مؤهلٌ للزواج ؟ هذه الأسئلة الكثيرة على لسان كثيرٍ من شبابنا وفتياتنا نطرحها من جديد على ضيفنا العزيز الدكتور الغالي محمد راتب النابلسي حياكم الله شيخنا وأستاذنا .
دكتورنا الكريم قبل قليل كنا نتحدث عن كثير من القضايا ، وكنا نتحدث عن المستوى المالي ، وكنا نتحدث عن التأهيل ، نكمل مع حضرتكم في هذه النقاط شيخنا الجليل .
أكبر عبادة تعبدها المرأة لربها رعاية زوجها وأولادها :
الدكتور راتب :
عندي نص دقيق جداً ، هذه المرأة التي اشتكت إلى الله ، فسمعها الله من فوق سبع سموات ، وورد ذكرها في القرآن ، امرأةٌ جاءت للنبي عليه الصلاة والسلام ، قالت: إن زوجي تزوجني وأنا شابة ، ذات أهل ، ومال ، وجمال ، فلما كبرت سني ، ونثر بطني ، وتفرق أهلي ، وذهب مالي ، قال: أنت علي كظهر أمي ، ولي منه أولاد ، إن تركتهم إليه ضاعوا ، أنا أربيهم، وإن ضممتهم إليّ جاعوا .
كأن النص الشرعي يبين أن مهمة الزوج الأولى كسب الرزق ، ومهمة الزوجة الأولى تربية الأولاد ، ويوجد نص في الأثر النبوي .
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا امرأة تنازعني ، تريد أن تدخل الجنة قبلي قلت: من هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاد ، فأبت الزواج من أجلهم))
أكبر عبادة تعبدها المرأة لربها رعاية زوجها وأولادها .
(( اعلمِي أيتها المرأة ، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله))
(( ذروة سنام الإسلام الجهاد ))
مثلاً امرأةٌ أنا أظن أنها تحب الله كثيراً ، قامت قيام الليل ، ومن الساعة الثانية حتى الساعة السادسة صلاة وبكاء ، الساعة السادسة تعبت ، عندها خمسة أولاد ، قالت لهم: دبروا أموركم ، هذا لم يكتب وظيفته ، فعوقب في المدرسة ، هذا حذاؤه غير نظيف ، هذا وضع شطيرة في المحفظة دون أن يغلفها ، فاتسخت كتبه ، الخمسة أولاد عوقبوا ، وهي كانت في عبادة ، أنا أقول وهناك من يقبل أو لا يقبل: لو استيقظت بعد أذان الفجر ، ودفأت الغرفة ، ووضعت طعاماً للأولاد ، راقبت وظائفهم ، وكتبهم ، وهندامهم ، وتعبت على إعدادهم للمدرسة ، وذهبوا للمدرسة ، هي أقرب إلى الله مئات المرات من الأولى التي أمضت أربع ساعات في قيام الليل .
المذيع:
لماذا ؟
عبادة الهوية :
الدكتور راتب :
لأنها عبدت ربها فيما أقامها ، الآن الغني ما عبادته الأولى ؟ إنفاق المال ، وما جعل الله الغني غنياً ، إلا ليصل بماله ، بإنفاق ماله إلى أعلى درجات الجنة ، والقوي ما عبادته ؟ إحقاق الحق ، إحقاق الحق العبادة الأولى للقوي ، والعالِم ؟ إلقاء العلم .
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
هذه العبادة اسمها عبادة الهوية ، أنت من ؟ قوي ؟ إحقاق الحق ، غني ؟ إنفاق المال ، عالم ؟ تعليم العلم ، امرأة ؟ رعاية الزوج والأولاد أول عبادة .
أنا أقول لأخواتي المستمعات: كيف أن المرأة التي تأخذ الدكتوراه وتعلقها في غرفة الضيوف ، أنا أرى أن أعلى شهادة تحملها المرأة أولادها ، أولادها الذين تربوا تربية صحيحة ، تربية إيمانية ، تربية أخلاقية ، وتربية علمية ، ونفسية ، واجتماعية ، وجسمية ، هذا الولد هو أكبر شهادة لأمه .
المذيع:
لو أن هذه المرأة دكتور ، حاولت أن تمزج بين الخيرين ، مثلاً قامت الساعة الرابعة قبل الفجر بساعة ، فصلت لربها وبكت ، ومن ثم بقيت في نشاطها ، في باكورة يومها ؟
الدكتور راتب :
لا مانع .
المذيع:
وأدت كل واجباتها ، هي خيرٌ من المثالين السابقين ، خيرٌ ممن صلت وأهملت أولادها .
الدكتور راتب :
جمعت بين الخيرين .
المذيع:
وممن اهتمت بأولادها ، فأهملت صلاتها .
الدكتور راتب :
نعم ، نعم .
المذيع:
جميل ، هذا شيء راق جداً ، دكتور كنت قبل الفاصل تحدثنا عن فكرة التحصن ، وأهمية الزواج المبكر في حياة الشباب ، كيف يمكن لنا أن ندمج الآن دكتور بين هذه النقطة المهمة في تحصن الشباب والفتيات على حدٍ سواء في زمن تُسهل وتنتشر فيه الفتن كالنار في الهشيم ، وبذات الوقت أن يكونوا مؤهلين حتى تستمر هذه المؤسسة ، لأن الخوف دكتور فقط من الاهتمام بجانب التحصن وحده دون أن يكون مؤهلاً ، سيتم الطلاق كما تفضلت بنسبة مرتفعة جداً ؟
الصفات التي يفترض أن تتوافر في الشاب المؤهل للزواج المبكر :
الدكتور راتب :
لي قريب ، أراد من ابنه أن يدرس في أمريكا ، أول شيء زوج ابنه في الشام ، وأرسل زوجته معه ، كيف الإنسان يكون بريئاً بأعلى مستوى ، رجع مثلما ذهب ، الزواج حصن يا سيدي ، فإنه أحصن للفرج ، وأغض للبصر ، الزواج حصن ، وأنا من أنصار الزواج المبكر .
المذيع:
على إطلاقه دكتور .
الدكتور راتب :
لا ، يجب أن يكون الشاب واعياً ، ينتبه أنه يؤمن دخلاً معقولاً ، أنا أقول: ألا يكون كبيراً .
المذيع:
دكتور أعطنا نقاطاً هامة ، من هو الشاب المؤهل للزواج المبكر ، وما المفترض أن يتصف به ، أي ما الصفات التي يفترض أن تتوافر فيه أولاً ؟
الدكتور راتب :
الإيمان سيدي .
المذيع:
الإيمان ، وأيضاً ؟
الدكتور راتب :
دخل معقول ، أن يستطيع الإنفاق على زوجته .
المذيع:
ولو بالحد الأدنى .
الدكتور راتب :
بالحد الأدنى مقبول .
المذيع:
هذه نقطتان سيدنا ، الإيمان ، وأن يكون ذا دخلٍ منطقي أيضاً .
الدكتور راتب :
أن يختار زوجة صالحة .
المذيع:
أن يكون قادراً على الاختيار .
الله تعالى يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين :
الدكتور راتب :
لأنه يمكن أن يختار لجمالها فقط ، أو لمالها ، أو لنسبها ، أو لحسبها ، النبي قال:
(( فعليك بذات الدين تَرِبت يداك ))
ليس الاختيار سهلاً ، لحكمة بالغة قد تكون جميلة جداً لكن دينها قليل ، فالإنسان قد يؤخذ بهذا الجمال لفترة بسيطة ، بعد ذلك تظهر له على حقيقتها ، فالبطولة أن تختار اختيار الله عز وجل .
(( فعليك بذات الدين تَرِبت يداك ))
أقسم لك بالله سعادة المؤمن الذي اختار زوجةً صالحة مليون ضعف عن سعادة إنسان اختارها جميلة فقط ، في حكمة بالغة ، أنا لا أملك الحكمة ، لا أملك سببها ، لكن عندما إنسان أطاع الله عز وجل ، الله عز وجل يسعده .
قال ابن تيمية: ماذا يفعل أعدائي بي ، بستاني في صدري ، إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، إن حبسوني فحبسي خلوة ، إن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟ أنا أقول: المؤمن الصادق ، المستقيم ، الورع ، في أي وضع هو سعيد .
دخلت لأحد البيوت مرة في الشام ، يمكن أفقر حي في الشام ، الجادة العاشرة ، جبل قاسيون فيه جادات ، فيه عشر جادات ، كل ما كانت الجادة أقرب للسكة ، للطريق العام ، يصبح البيت أغلى ، البيت العالي أرخص ، والبيت ليس فيه بلاط ، اسمنت فقط ، والبساط رخيص جداً ، شعرت هذا البيت قطعة من الجنة ، هكذا شعرت ، وهناك بيوت كالقصور ، وأثاث فخم ، ومركبات ، وصالونات ، قطعة من جهنم ، هذه السعادة من الله عز وجل .
لذلك إن الله يعطي الصحة ، والذكاء ، والمال ، والجمال ، للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين .
المذيع:
إذاً أعظم هذه العطاءات هي السكينة .
الدكتور راتب :
أكبر عطاء السكينة تسعد بها ، ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها لو ملكت كل شيء ، هذه السكينة نزلت على يونس في بطن الحوت ، بطن الحوت جنة صار ، وعلى إبراهيم في النار ، وعلى أهل الكهف بالكهف ، تسعد بها لو فقدت كل شيء .
المذيع:
وأعلاها مطلب الزواج الأول دكتور .
إذا بني الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين :
الدكتور راتب :
وتشقى بفقدها ، عندما الإنسان يبني زواجه على طاعة الله ، أنا أقولها بكل عقود القران: إذا بني الزواج على طاعة الله ، تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، وإذا بني على معصية الله ، يتولى الشيطان التفريق بينهم .
المذيع:
هل يكفي شيخنا ، البحث عن شاب صالح فقط ليكون شريكاً لفتاتي في المستقبل ، فقط أن يكون صالحاً ؟
الدكتور راتب :
(( فعليك بذات الدين))
المذيع:
هل يمكن أن يكون دكتور صاحب دين لكنه غير مؤهل ، غير مناسب لابنتي ، غير كفء لها ؟
الدكتور راتب :
كنت مرة أمشي في الطريق في دمشق ، خرج رجل من كبار تجار الحريقة ، الحريقة سوق مشهور جداً عندنا في الشام ، فطلب أن يدعوني لفنجان قهوة ، قبلت ، قال لي: جاءنا عريس أستاذ لا أستطيع أن أصفه لك ، شاب جميل جداً ، عنده معمل ، أخذ معملاً من والده ، يعني ورث معملاً ، عنده سيارة ، كل الصفات موجودة فيه ، قال لي: لكن دينه رقيق ، أي قليل الدين ، ما قولك ؟ قلت له: أنت تقرأ قرآن ؟ قال لي: طبعاً أقرأ القرآن ، قلت له: أنت حينما تقرأ القرآن ، ماذا تقول عندما تنتهي ؟ قال: أقول صدق الله العظيم ، حسناً الله يقول لك:
﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾
فأنت عندما زوجتها لإنسان دينه رقيق لكنه غني ، وعنده سيارة ، أنت لم تصدق ربنا عز وجل .
المذيع:
والعياذ بالله .
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
الدكتور راتب :
الذي حصل أنه أخذها على مصيف ، اختلف معها ، فتح الباب ، ركلها برجله ، ورجع لوحده ، بعد عدة أيام طلقها .
سيدي هذه قوانين ، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
المذيع:
إذاً دكتور ، النقطة الأولى التي يبحث عنها الدين ، لكن نتوقف .
الدكتور راتب :
(( فعليك بذات الدين))
وعليك يا ولي الأمر بذي الدين .
المذيع:
هل نبحث عن الدين ونتوقف ، أم أن الدين شرط أساسي ومن بعده نبحث عن إنسان كفء ومناسب ؟
الدكتور راتب :
يجب أن يكون لديه دخل ، وله حرفة كحد أدنى .
المذيع:
بعد الدين ، لكن أقصد إذا بحثنا عن الدين فقط وأهملنا باقي الجوانب قد يكون قصور .
الدكتور راتب :
تنشأ مشكلة .
المذيع:
نعم يكون لدينا مشاكل .
ملخص لما ورد في درس اليوم :
الدكتور راتب :
هي كفاءة سيدي ، موضوع كفاءة بالفقه هذا ، كأن يكون الزوج والزوجة بمستوى اجتماعي واحد ، بمستوى مالي واحد ، تقريباً ، بمستوى تعليمي واحد ، أناس كثر أخذوا فتاة معها إجازة أو ليسانس وهو غير متعلم ، ما استمر الزواج ، لا تحتمل سيدي ، الكفاءة أخطر موضوع في الزواج ، كفاءة علمية ، كفاءة مالية ، كفاءة اقتصادية ، اجتماعية ، دينية.
المذيع:
سيدنا ألخص ، وأتأكد من فضيلتكم ، إذا كان فهمي صواباً لكل ما ذكرتم ، شيخنا الجليل ، في ختام الحلقة: إذاً للشاب الذكر حتى يكون مؤهلاً للزواج بدايةً عليه أن يكون صاحب خلق ودين ، وأن يخشى الله سبحانه وتعالى في هذه الفتاة فلا يظلمها ، وأن يتقرب إلى الله بخدمتها ، يحمل هذا الفكر في داخله ، وأن يكون من الذين يطلبون العلم ، وأن يكون أيضاً صاحب شهادةٍ ، وصاحب حرفةٍ ، تؤمن له دخلاً مالياً يكفي زواجه ولو بالدرجات الدنيا فيه ، وكما تفضلتم ، أن يعرف حقوق الزوجة ، وخاصةً الدورات التأهيلية التي تؤهل لمثل هذا الشيء ، هذا الحد الأدنى حتى يرى نفسه مؤهلاً لمشروع الزواج ، يقاس عليه الفتاة ، لكن يمكن ألا نطالبها بحرفة بقدر ما أن تكون متقنة لأعمال البيت ، وأن تجيد واجباتها المنزلية .
الدكتور راتب :
لكن والله ، هناك أبواب للعمل الصالح لا تصدق ، أنا أعرف شخصاً في الشام وضعه المالي جيد جداً ، أنشأ بنائين ، كل بناء عشرة طوابق ، وكل طابق أربع شقق ، عشرة بأربع الناتج أربعين ، أربعون وأربعون ثمانون ، قال: كل شاب معه شهادة من عالم من علماء الشام سيقدمه له بأجرة زهيدة ، في الشهر حوالي ألف ليرة ، علماً أن أجرته عشرون ألفاً .
المذيع:
شيء رمزي جداً .
الدكتور راتب :
رمزي ، لكنه يدفع أجرة ألف ليرة فقط ، بشهادة من أحد علماء دمشق ، هذا طالب عندي ، لم يبق غير أشياء بسيطة جداً .
المذيع:
يسهل على الناس .
الدكتور راتب :
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، أنا لا أنسى هذا الفضل له ، بناءان كل بناء عشرة طوابق ، كل طابق عشر شقق ، أي ثمانون عائلة ، لكن عليه أن يحضر وثيقة من عالم رباني محترم في الشام ، أن هذا طالب علم عندي ، وسيعطيه البيت بألف ليرة في الشهر وهو يكلف عشرين ألف أجرة .
المذيع:
الله يجزيك الخير ، ويكثر من أمثالك يا رب العالمين ، أكرمكم الله دكتورنا الجليل ونختم لقاءنا بالدعاء ، ونسأل الله أن يستجيب منكم ومنا دكتورنا الكريم .
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في الشام ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .
خاتمة و توديع :
المذيع:
الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، جزاكم الله عنا وعن مستمعينا الكرام كل خير ، إلى هنا مستمعينا الكرام نصل معكم إلى ختام برنامجنا مع الدكتور محمد راتب النابلسي .
هل أنا مؤهل للزواج ؟ سؤال مهم أجاب عليه فضيلة الدكتور في هذه الحلقة .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته