وضع داكن
24-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 082 - إنما الأعمال بالنيات.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مرحباً بكم مستمعينا الكرام في مجلس علم وإيمان مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي مرحباً بكم شيخنا الكريم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 أهلاً وسهلاً بكم. حديثنا اليوم ننطلق فيه من قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 ما هي النية؟ وما هي قيمتها في حياة كل فرد منا؟ وهل النوايا الطيبة تجزئ عن الأعمال بغض النظر عن نتائجها؟ أسئلة كثيرة بمحاور متنوعة نتطرق إليها في نقاشنا من الدكتور محمد راتب النابلسي، شيخنا الفاضل أهلاً وسهلاً بكم.
 كل الأحاديث في الأربعين النووية، وعلى رأسها هذا الحديث دكتور:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 كانت من الأحاديث التي يتفق علماء الحديث على صحتها، وعلى أهميتها، وأولها:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 لماذا لهذا الحديث الذي يتحدث عن النوايا هذه المكانة في علم الحديث دكتورنا الكريم؟

 

أثمن شيء يملكه الإنسان هو الوقت :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارضَ عنا.
الحقيقة إنما أداة قصر وحصر، قد تقول فلان تاجر، وقد يكون أديب، وقد يكون شاعر، وقد يكون له علاقة بمشروع إنساني، قلت فلان تاجر، أما إذا قلت إنما فلان تاجر، تاجر فقط، كلمة إنما قصرت وحصرت ما بعدها على ما ذكرته فيه. فأولاً الإنسان هو المخلوق الأول عند الله، والمخلوق المكلف والمكرم.
 الآن بتعريف جامعٍ، مانعٍ، رائعٍ للإمام الجليل الحسن البصري، قال: الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم، انقضى بضع منه، إذاً هو وقت، أو رأس ماله الوقت، أو أثمن شيء يملكه هو الوقت، ولأنه وقت وهو زمن أقسم الله له بمطلق الزمن، قال له:

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر: 1 ]

 جواب القسم مخيف، جواب القسم:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 1 ـ 2]

 ما معنى خسر؟ مضي الزمن وحده يستهلكه، قبل أن تقول مؤمن، وغير مؤمن، قبل كل هذا، عندما نقول: سبت، أحد، اثنين، ثلاثاء، أربعاء، خميس، ذهب أسبوع، أربعة أسابيع أصبحت شهراً، أربعة أشهر فصل، أربعة فصول سنة، عشر سنوات عقد، الإنسان بضعة عقود. ما من تعريف جامع مانع للإنسان: إنه بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
 أين البطولة؟ هذا الوقت الذي هو أنت، والذي هو أنا، هذا الوقت ينفق بطريقتين ينفق إنفاقاً إستهلاكياً، وينفق إنفاقاً استثمارياً، الإنفاق الاستهلاكي كما يفعل بعض الناس، نأكل، ونشرب، ونسهر، ونتابع الأخبار، ويأتي اليوم الثاني نذهب إلى العمل، ونعود للبيت نأكل، ننام بعد الظهر، نسهر، ننام، فأنت تنفق الوقت استهلاكاً، فلذلك الموت يكون أخطر حدث، وأخطر خبر، من بيت إلى قبر، من زوجة تروق له، وأولاد، وأصهار، وكنائن، وبنات، إلى قبر، من سهرات، ولقاءات، ورحلات، وسياحة، وسفر إلى قبر، هذه النقلة المخيفة، أنا أقول كلمة: لا يوجد إنسان أغفل هذه النهاية إلا ويعد من أغبى الأغبياء، إذا ما أدخل الموت في حساباته.

 

الحياة الدنيا ممر و ليست مقراً :

 النبي الكريم قال:

(( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت، مفرق الجماعات))

[الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به))

[الحاكم في مستدركه]

 لذلك أقسم الله لهذا الإنسان بمطلق الزمن، وجاء جواب القسم:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 2]

 إلا أن الإمام الشافعي وقف عند إلا، أداة إستثناء، ما بعد إلا أركان النجاة:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة العصر: 3]

بحثوا عن الحقيقة، ما الإنسان؟ ما الدار الآخرة؟ ما الجنة؟ ما النار؟ لماذا أنا موجود؟ لذلك قيل: ما كل ذكي بعاقل، قد يحمل إنسان دكتوراه في الفيزياء النووية، ذكي جداً، لكن ليس عاقلاً، إن لم يعرف ربه، إن لم يعرف سر وجوده، غاية وجوده، إن لم يعرف حقيقة الحياة الدنيا أنها ممر، وليست مقراً، إن لم يعرف الموت، وماذا بعد الموت، إن لم يعرف الدار الآخرة لا يعد عاقلاً، يعد ذكياً، وما كل ذكي بعاقل.
 إذاً الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، فالآية الدقيقة:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 1 ـ 2]

 الآن؛ كيف ينفق الوقت؟ إنفاقاً استهلاكياً، أو إنفاقاً استثمارياً، مهما كانت المرحلة التي كنا نعيشها من مراحل حياتنا، فنصطر في النهاية لمواجهة اليوم الذي سيسدل فيه الستار لذلك اجمع كنزك من الحب، من حب عائلتك، من حب أصدقائك، اعتنِ بنفسك جيداً، اهتم بأقربائك، كن عطوفاً، كن كريماً، كن حليماً مع الآخرين، فلا تدري كم من الوقت بقي لك.
 أنا أرى أن الإنسان ما لم يصل بعقله إلى نهاية الحياة يتحرك حركة عشوائية أما الذي عرف الله، وعرف هذا المصير الذي لا بد منه، أنا أقول كلمة دقيقة جداً: الحياة ليس فيها تشاؤم فيها تفاؤل، هذه الصفيحة من البنزين، هذه إذا وضعت في السيارة في مكانها الصحيح، وسالت في الأنابيب الدقيقة، وانفجرت في الوقت المناسب هذه الصفيحة تولد حركة نافعة لك، قد تمضي فيها بالعيد إلى مكان جميل، هذه الصفيحة نفسها إذا صبت على المركبة، أعطيتها شرارة أحرقت المركبة ومن فيها.
 إذاً الشهوات، ما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، الشهوات نرقى بها.
المذيع:
 دكتورنا الكريم، أعود معكم إلى الحديث الذي بدأنا حلقتنا وحديثنا:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 هل النية عند الله سبحانه وتعالى أهم من ذات العمل دكتور؟

 

عادات المؤمن عبادات :

الدكتور راتب :
 أكبر عمل، مثلاً: إنسان فتح محله التجاري صباحاً، قال: نويت خدمة المسلمين، بيعه، وشراءه، وتسوقه، ودينه، وصبره، كلها أعمال صالحة، لذلك:

﴿ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾

[ سورة لقمان: 11]

 عادات المؤمن عبادات.
المذيع:
 وكيف ذلك دكتور؟
الدكتور راتب :
أخذ أهله مشوار، متّن علاقته مع أولاده.
المذيع:
 وقد تكون عادة كل جمعة مثلاً يخرجون فيه للتنزه.
الدكتور راتب :
 جاء لزوجته بهدية، متن علاقته معها، عادات المؤمن عبادات.
المذيع:
 بالنوايا؟
الدكتور راتب :
 وعبادات المنافق سيئات، لو قام ليصلي، يصلي أمام الناس ليثقوا به، فإذاً عادات المؤمن عبادات، وعبادات المنافق سيئات.
 أنا أقول كلمة دقيقة: والله لو أخذت أهلك نزهة، وأنت مؤمن وصادق، إن شاء الله نحن كذلك إن شاء الله، أقصد المستمعين، هذا الصدق، وهذه النزهة تكتب لك عملاً صالحاً، لو جئت بطعام يحبه الوالدان عمل صالح، هي الحياة كلها أعمال صالحة. لذلك هذه البغية التي سقت كلباً غفر لها.
المذيع:
 بهذه القصة تحديداً دكتور هل هي قامت بأعمال سيئة في حياتها، ثم أتبعتها بعمل صالح غفر كل شيء؟

 

ما أحسن عبد من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله :

الدكتور راتب :
 ليست هنا، هذه رأته يأكل الثرى من العطش، لا أحد يراها إطلاقاً، هذا العمل خالص 100% لا أحد يراها أبداً، الإنسان أحياناً يعمل عملاً صالحاً أمام الناس، يثنون عليه فيطرب بهذا الثناء، الله جاء بمثل لهذا الحديث أن إنسانة حظها من هذا العمل صفر، لا أحد شاهدها، ولا أحد سمعها، ولا تكلمت، رأت كلباً يأكل الثرى من العطش، هنا الزاوية ضيقة جداً، زاوية ما رغبت بالشهرة بقدر ما رغبت أن تسقي هذا الكلب.
الدكتور راتب :
فقبل منها هذا العمل على هذه النية الطيبة، دكتور عندما نقول: أن النية لمثل هذا العمل هي لله سبحانه وتعالى هل يعني هذا أن تتنافى مع نوايا أخرى، مثلاً: قد تكون هذه المرأة مثلاً أرادت العطف على هذا الحيوان، لكنها لم تقصد وجه الله هل يجزئ عمل صالح بنية العطف على الحيوان أن يكون أيضاً لله؟
الدكتور راتب :
 هناك جواب دقيق ومؤلم: ما أحسن عبد من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله، في الدنيا أم في الآخرة. مثلاً أنت قوي، تعمل تأمين صحي للمجتمع، الله يقويك.

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 105]

 يوجد ملمح دقيق في الآية، دقيق جداً: الصالحون؛ لإدارتها، أمة فيها تأمين صحي فيها تكافؤ فرص، القانون فوق الجميع، هذه أمة قوية جداً. لذلك قال ابن تيمية: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة، على الأمة المسلمة الظالمة، وقال: الدنيا تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم، فالعمل الصالح سواء من مؤمن أو من كافر له ثوابه في الدنيا أم في الآخرة، ما أحسن عبد من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله، في الدنيا أم في الآخرة.
 وأنا بتواضع أقول لك: إيجابياتهم كلها إسلامية، لا لأنهم يعبدون الله أبداً، لأنهم يعبدون الدولار من دون الله، هذه نيتهم، لكن هم أقوياء، لأنهم خدموا الإنسان طبعاً.
المذيع:
 إذاً دكتور، أنا ممكن أن يكون لدي نية طيبة، لو لم تكن ظاهرية لله لكنها تقبل، وجدت إنساناً يحتاج المساعدة، وعطفت عليه، وأردت مساعدته، هكذا تحسب أنها لله، لا يشترط أن أقول: نويت عملاً صالحاً لله تبارك وتعالى في مساعدة خلقه.

 

الدين يحتاج إلى أن نحسن فهمه وتطبيقه وعرضه على الناس :

الدكتور راتب :
 والله فيها شيء غير معقول، أنت عندما ربطت المنبه في رمضان، كي تستيقظ على صلاة الفجر، كي تتسحر، لا تقل: نويت صيام غدٍ لله تعالى أداء لشهر رمضان المبارك، النية عمل قلبي سيدي، الدين بسّطه، أنا أرى أن هذا الدين العظيم ينبغي أن يبسط، وأن يطبق، وأن يعقلن.
 رجل فرنسي، أسلم على يد شيخ أزهري في القاهرة، أبقاه في أحكام المياه ستة أشهر حتى خرج من جلده وترك الدين، التقى مع الإمام محمد عبده، قال له: الماء الذي تشربه توضأ منه، كلمة وحدة ستة أشهر.
 أنا أرى الدين يحتاج إلى عقلنة، وتطبيق، وحسن عرض، أن نحسن فهمه، أن نحسن تطبيقه، أن نحسن عرضه على الناس.
الدكتور راتب :
 دكتور هل يمكن أن نمزج بين النوايا المرتبطة لله ومصالحنا؟ يعني تفضلت وذكرت في مطلع الحلقة مثال، لذلك الرجل الذي يفتح محله ويقول: نويت خدمة المسلمين، هو أيضاً يريد الربح التجاري، هل يمكن أن نمزج النيتين معاً؟
الدكتور راتب :
 الربح مشروع، من أين سيأكل؟!!
المذيع:
 ألا يكون دكتور إشراك في النية بين الله وبين نفسه؟
الدكتور راتب :
 أبداً، أنا أجمع بين نية خدمة هذا الإنسان وبين طلب الرزق، ممكن أن تصيب عصفورين بحجر، وثلاثة، وأربعة، وعشرة، أنت مضطر أن تأكل، عندك أولاد وزوجة، تفتح محلك التجاري، خدمت إنساناً ضمن عملك التجاري، يوجد تنسيق بين النشاطات كلها.
المذيع:
 لا يشترط إذا كان لله بمعنى أنه لا يوجد فيه أي مصلحة دنيوية؟

نبل الأهداف من نبل الوسائل :

الدكتور راتب :
 عندما تكون لله، يحبك الناس، فإذا شعرت أنهم يحبوك هذا أيضاً إنجاز تسعد به، لذلك:

(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

 الخيرات.
المذيع:
ونعم بالله رب العالمين، دكتورنا، هل يمكن لي أن أقوم بشيء يعود عليّ بالربح المالي، مثلاً على سبيل المثال أفتح استديو وأسجل ختمة لكتاب الله تعالى، أستفيد مالياً من تأجير ذلك المقرئ، وأيضاً لدي نية أن ينشر كتاب الله صوتياً، هل يقبل هذا الأمر بالنيتين معاً؟
الدكتور راتب :
 إذا الله قال عن الحجاج:

﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾

[ سورة الحج: 28]

 ما قولك؟
المذيع:
 إذاً لا يتعارض دكتور؟ متى تصبح النية هنا فاسدة دكتور، إذا كان الهدف هو الربح فقط، هنا تصبح النية فاسدة؟
الدكتور راتب :
 حينما توصلت إلى مشروع بطريقة غير مشروعة.
المذيع:
 هنا يصبح في خلل.
الدكتور راتب :
 لأن نبل الأهداف من نبل الوسائل، الهدف النبيل يحتاج لوسيلة نبيلة، أنا لا أكذب، أنا لا أعمل يانصيباً خيرياً، اليانصيب فيه مشكلة.
المذيع:
 لا تقبل نيتها الطيبة لأن أصلها غير مشروع.

 

العمل لا يقبل إلا بشرطين أن يكون خالصاً وصواباً :

الدكتور راتب :
 لذلك قالوا: العمل لا يقبل إلا بشرطين، إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، العمل لا يقبل إلا بشرطين، إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً من ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، ويكرمكم يا رب.
 النوايا هو عنوان حلقتنا لهذا اليوم فأهلاً وسهلاً، ونسأل الله أن يجعل نوايا الخير من نصيب الجميع يا رب العالمين.
 دكتورنا الكريم، كنا نتحدث عن النوايا، وعن تعريفها، وعن قيمتها عند الله سبحانه وتعالى، وأنه لا مانع من دمج النوايا الطيبة إن كانت تشبك نية الخير للآخرة وللدنيا معاً. أسأل الآن حضرتكم دكتور بما بدأناه ولم نكمل الكلام فيه عن الأعمال وهو جزء من الحديث:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 هل الأعمال تحسب عند الله بنواياها أم بنتائجها؟
الدكتور راتب :
 بنواياها.

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 إنما أداة قصر وحصر، العمل يقيم حصراً وقصراً بنيته.
المذيع:
 حتى لو لم ينجز؟
الدكتور راتب :
 لو فرضنا إنساناً يعلم علم اليقين أن هذا الليمون يؤذي صديقه المريض، فقدم له كأس ليمون أمام الناس كلها، ضيافة، هو طبيب، وصديقه عنده مشكلة في معدته، والليمون يؤذي هذه القرحة، فأحب أن ينتقم منه، أمام الناس قدم له كأس ليمون.

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 يقابلها، لو إنسان تصور أن هذه المادة تنفع المريض، فآذته، هنا عمله طيب.
المذيع:
 لكن النتيجة كانت مؤذية للمريض دكتور؟

 

التوحيد لا يلغي المسؤولية :

الدكتور راتب :
 ما أرادها، لذلك قالوا: للمجتهد إذا أصاب أجران، وإذا أخطأ له أجر، إن اجتهدت فأخطأت لي أجر، فأنا بين الأجر والأجرين.
المذيع:
هل نفرق بين الاجتهاد بمعنى لم يكن هنالك غيره لمساعدة هذ المريض، وبين التقصير في الأخذ بالأسباب، أن يسأل الطبيب مثلاً هل الليمون جيد لصحته أم يؤذيه؟
الدكتور راتب :
 عندنا شيء اسمه قضاء وقدر، وعندنا شيء اسمه جزاء التقصير، عندما يترك الإنسان في الحمام مأخذاً كهربائياً مكشوفاً، ويدخل ابنه بلا حذاء، أو بلا شحاطة، ويده مبتلة يموت فوراً، لا تقل لي: جاء أجله، لا، هنا يوجد تقصير، ويوجد دليل قوي جداً.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ ﴾

[ سورة النور: 11]

 أن تتهم السيدة عائشة بالفاحشة شيء لا يصدق، عمل عظيم.

﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾

[ سورة النور: 11]

 الله كشف الناس، امتُحن الناس جميعاً، اسمع الآية:

﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة النور: 11]

 التوحيد لا يلغي المسؤولية.
 مثلاً جاء مريض إلى المستشفى، الطبيب المسعف يدير حديثاً مع ممرضة، قال له: سآتي بعد قليل، جاء بعد ربع ساعة فوجد المريض ميتاً، يحاسب كقاتل، هذا إيماني، التوحيد لا يلغي المسؤولية.
المذيع:
 وإن كانت نيته خير، لكنه إهمال متعمد.
الدكتور راتب :
 مثلاً طبيب لم يسأل مريضه: هل معك حساسية؟ ما سأله مستعجل، فمات المريض من هذا الدواء، هو محاسب.
المذيع:
 لو فاته السؤال دون قصد، ليس مستعجلاً لكن نسي مثلاً؟

 

نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله :

الدكتور راتب :
 إذا من دون قصد لا يوجد مشكلة.

(( وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ))

[الطبراني عن عبد الله بن عمر]

المذيع:
 إذاً هنا أصل الأعمال بنيتها لا بنتائجها، هل هذا يشمل الأعمال الصالحة والأعمال السيئة، إنسان نوى مثلاً أن يقوم الليل، فانشغل ولم يقم الليل؟
الدكتور راتب :
 هناك جواب دقيق: نية المؤمن خير من عمله، ونية الكافر شر من عمله.
المذيع:
 نوضحها دكتور؟
الدكتور راتب :
هو ينوي أن يؤذي، لكن ناوي الأذى أكثر من الذي أذى، نية الكافر شر من عمله.
 مثلاً: يوجد في الأطعمة المعبأة بعلب كونسروة مادة حافظة، هذه المادة الحافظة مادة مسرطنة، لكن نسبة ثلاثة بالألف لا تؤذي، حتى يضمن لبضاعته الاستمرار في البيع، وضع ستة بالألف، إذا أصاب أحد سرطان هو السبب، هناك شيء دقيق جداً، أحياناً بعض الأغذية يضاف لها مادة للدهان تدعى اسبداج، يصبح لونها ناصعاً، فيزيد سعرها عشر ليرات، هذا لو أنه يصلي ليلاً نهاراً عمله مرفوض عند الله، بنى مجده على أنقاض الناس، يوجد مليون طريق للغش بمواد غير صحيحة، مسرطنة أحياناً، في أسمدة مسرطنة الآن، أسمدة تُرش على الثمر فيكبر، تأخذ الثمرة حجماً أكبر، لون أصفر، تزداد صفاتها الفيزيائية، لكنه هرمون مسرطن أساساً، ممنوع استيراده، يأتوا به مهرباً، يرشوا النباتات، يصبح الإنتاج كبيراً، ولونه زاهي، يغير صفاته الفيزيائية، هذا الفلاح لا يعرف ما ينتظره من عقاب، أنت تسبب أمراضاً للمسلمين.

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

المذيع:
 حديث النبي عليه الصلاة والسلام دكتور:

(( من هَمّ بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة واحدة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات))

[الحارث عن أنس بن مالك]

 نية العمل الصالح هنا، ما النية التي ثبت أجرها إذا نسي أن يقوم بها؟

 

من نوى نية حسنة ولم يفعلها يكتب له الأجر لصدقه في النية :

الدكتور راتب :
 أو قصر، لكن ما دامت النية طيبة فله أجر.
المذيع:
 حتى لو قصر عن عمد؟
الدكتور راتب :
 عن عمد يوجد مشكلة.
المذيع:
 أضرب لحضرتك مثالاً: عدت إلى بيتي بعد صلاة العشاء، ونويت قيام الليل، ثم تكاسلت عنه، هل هنا أقول: آخذ الأجر عن النية، وأنا تكاسلت عمداً؟
الدكتور راتب :
 لا هذه ليست واردة.
المذيع:
 عدت إلى البيت ونويت قيام الليل، فاستلقيت على المقعد وذهبت في نوم دون قصد.
الدكتور راتب :

(( وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ))

[الطبراني عن عبد الله بن عمر]

المذيع:
 ويكتب له الأجر هنا لأنه صدق في النية، لكن حال النوم بينه وبين العبادة.
الدكتور راتب :
 أجره طبعاً أقل.
المذيع:
 والقاعدة في السيئة في تتمة الحديث دكتور:

(( من هَمّ بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة واحدة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات))

[الحارث عن أنس بن مالك]

 إذا لم يعملها توبة، وإذا لم يعملها حالت الظروف؟

 

محاسبة الإنسان عن عمله لا عن خواطره :

الدكتور راتب :
 إذا ما عملها خوفاً من الله، كتبت له حسنة.
المذيع:
 إذا لم يعملها لأن الظروف حالت دون ذلك، نوى المعصية ولم يتمكن من فعلها.
الدكتور راتب :
 لم يقدر، أعوذ بالله ليس له أجر إطلاقاً، وعليه إثم.
المذيع:
 وينذر عليه؟
الدكتور راتب :
 نوى العمل السيء لكنه ما تمكن من فعله، نية المؤمن خير من عمله، ونية الكافر شر من عمله.
المذيع:
 هذا الكافر، ماذا عن المؤمن إذا قصر ونوى السوء؟
الدكتور راتب :
 نوى السوء؟
المذيع:
 نعم، هو مسلم، نوى الشر وقصر عن ذلك.
الدكتور راتب :
 الذي أعرفه لا يحاسب الإنسان عن خواطره، مهما تكن سيئة، يحاسب عن العمل ولكن إن جاءته خواطر سيئة وأهملها قد تنقلب إلى عمل.
المذيع:
 نوضح دكتور، ما المقصود بالخواطر؟
الدكتور راتب :
 الخاطر فاحشة من الفواحش، رأى امرأة تصور وضعاً معيناً معها، لو استرسل بهذه الخواطر، وتابعها، وفكر بخواطر أخرى مشابهة، قد توقعه بالمصيبة الحقيقية.
المذيع:
 تسوقه إلى المحرمات.

حقوق العباد مبنية على المشاححة وحقوق الله مبنية على المسامحة :

الدكتور راتب :
 يقولوا: من غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها، مثلاً معصية في البرازيل ارتكبت والله شي حلو! ممتاز! دبر نفسه، قد تكون عملية زنا، أو عملية خطيرة جداً، ما دام غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها، ومن شهد معصية وأنكرها كان كمن غاب عنها، كلام دقيق: من غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها، ومن شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها، لأن الأعمال بالنيات.
المذيع:
 كلام جميل لأبعد الحدود، هل تجزئ دكتور النية الصالحة قيام الإنسان بالأخطاء المتكررة؟ مثلاً إنسان يريد أن يساعد الآخرين لكنه دائماً ما يوقع الأمور ببعضها، مثلاً شركة تجارية تسبب لها بخسارات، هل هذه النية الطيبة بتجارته؟
الدكتور راتب :
 يوجد جواب دقيق جداً: الأعمال لا تقبل إلا بشرطين، إذا كانت خالصة وصواباً، ليست صواباً، العمل الذي يعمله ليس صواباً.
المذيع:
 فلا نقول إن نيته الطيبة تجزئ عمله.
الدكتور راتب :
 لا، لا تكفي نيته، أعوذ بالله، لو إنسان نوى أن ينفع إنساناً وهو جاهل، فأعطاه مادة ضاعفت آلامه، يحاسب عليها، لذلك: من طبب ولم يعهد منه طب فهو آثم.
 تعرف هذا المريض علاجه ليس عندك، وإنما عند طبيب آخر معه بورد، وله دواء، تبقيه عندك وتبتز ماله هناك إثم كبير جداً.
 والله أعرف قصة والله مهمة جداً، طبيب يأتيه مريض من بلدة طرطوس عندنا في سوريا، يوجد آلام في كتف زوجته، فيركب السيارة العامة، ويأتي إلى الشام، يستأجر غرفة ليقضي ليله، وهو فقير، يقول له: هذا التهاب يحتاج كل أسبوعين إبرة، فأنزله من طرطوس إلى الشام ويجعله ينام ليلة في أسوأ فندق ويدفع مبلغاً ضخماً وثمن الإبرة، بعد سنتين لم تتحسن زوجته، التقى مع طبيب من أخواني، مشهور جداً، أخذه لغرفة ثانية، قال له: هذا ليس التهاب، هذا سرطان، أنا لا أعرف أنه سرطان يعرفه طالب طب، يقسم بذات الله هذا الطبيب المشهور المتفوق أن ذلك الطبيب أصيب بالمرض نفسه بعد أحد عشر شهراً، وقال: عمر الورم أحد عشر، الله كبير، كبير جداً الله عز وجل، إياك أن تغلط مع العباد، حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة.
 صحابي جليل خاض مع النبي حروب، أعليه دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أحدهم: عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه، سأله في اليوم التالي: هل أديت الدين؟ قال: لا، في اليوم الثالث، قال: لا، في الرابع قال له: أديت الدين. قال: الآن ابترد جلده.

(( يُغْفَرُ للشهيد كلُّ ذَنْب إلا الدَّيْنَ ))

[مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما]

المذيع:
 هذا الرجل دكتور الذي قال للنبي عليه الصلاة والسلام: عليّ دينه، نوى وأراد أن يخفف عن أخيه في قبره ليصلي عليه الرسول.

 

ترافق العمل والسعي مع النية :

الدكتور راتب :
 ما أدى الدين، ليس معه، لم يتأمن المبلغ، في اليوم التالي ما أداه، الثالث ما أداه، الرابع أداه، قال: الآن ابترد جلده.
المذيع:
 إذاً النية تحتاج إلى عمل، هي مترابطة مع بعضها البعض.
الدكتور راتب :
 قال له: ماذا تفعل يا أخا العرب بهذا الجمل الأجرب؟ قال له: أدعو الله أن يشفيه، قال له: هلا جعلت مع الدعاء قطراناً، لا يكفي الدعاء.
المذيع:
 هذه قضية حساسة لأبعد الحدود قضية النوايا. دكتورنا الكريم، لو أراد الإنسان في لحظة من اللحظات أن يدل الآخرين على الخير وهو لا يمكنه القيام به، مثلاً مشروع بحاجة إلى المال، وأنا فقير، لو دللت إنساناً ثرياً على المال، هل لي كأجره؟
الدكتور راتب :
 طبعاً.
المذيع:

(( الدَّال على الخير كفاعله ))

[الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ]

الدكتور راتب :
 لا أقول لك كأجره بالضبط، لكنه دل على الخير، أحياناً الشخص لا يكون معه، لكن يعرف أناساً معهم المال، سعى، عندهم إمكانيات جيدة، وهو موثوق عندهم، فقدموا، هو له أجر.

(( الدَّال على الخير كفاعله ))

[الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ]

 في الأجر، هذا تشجيع لنا، دل على الخير.
المذيع:

(( السَّاعي على الأرْمَلَةِ، والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله ))

[البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة]

 وقد يسعى ولا يمتلك مالاً لكن يدل الآخرين فهو يشمله هذا الكلام. وأيضاً دكتور قاعدة تقاس على الجانب الآخر من دل الناس على الآثام، ما جزاؤه؟

 

من نوى نية سيئة يبقى الإثم عليه دائماً :

الدكتور راتب :
 والله من فعل هذا الإثم حتى أمد بعيد في صحيفته، فتح ملهى، فيه كل الموبقات، بعد ثلاثة أيام مات، والملهى مفتوح حتى الآن، فتح ملهى، هناك أشياء يصعب تصديقها، مات بعد ثلاثة أيام، والملهى مفتوح، كل ما في الملهى من معاصي في صحيفة هذا الرجل.
المذيع:
 لكنه مات، ويبقى الإثم يجري عليه، لأنه هو السبب، وكذلك الصدقة الجارية في الأعمال الصالحة.
الدكتور راتب :
 إنسان آخر بدأ ببناء جامع ما أكمله، مات قبل أن يتمه، تمم من بعده، له أجر كبير.
المذيع:
 حتى أتمه إنسان آخر، لأنه نوى وسار في تنفيذ نيته، دكتور هذه نية صادقة بين العبد وبين الله، ويتبعها التنفيذ، لكن الله لا يريد التنفيذ يريد النوايا الصادقة، إذا أتممت وقبضت روحك في الطريق المهم أنك قرنت النية بالعمل.
الدكتور راتب :
 هذا شيء مشجع.

(( ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة ))

[الترمذي والنسائي والنسائي عن خريم بن فاتك الأسدي]

المذيع:
 كما تفضلتم إذا تركها لله.
الدكتور راتب :
 غير واردة إطلاقاً.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، ويجزيكم كل خير إن شاء الله.
 حديثنا عن ملف النوايا دكتورنا الكريم، وحديثنا عن هذه العبادات بين الإنسان وبين الله سبحانه وتعالى، الآن دكتور، إذا نوى الإنسان عملاً صالحاً لله سبحانه وتعالى لكن بعد ذلك دخل لنفسه السرور والإعجاب بأعماله، هل نقول: إنّ أساس العمل لله يجزئ أم هذه النية التي تغيرت يختلف بها العمل؟ أضرب لفضيلتكم مثالاً: أبني مسجداً لله، علم الناس ومدحوني، ودخل الكبر والعجب إلى قلبي، لكن في البداية نيتي لله.

 

ليست البطولة أن تدخل مدخل صدق لكن البطولة أن تخرج منه مخرج صدق :

الدكتور راتب :
 إذا قلت لي: دخل السرور لا يوجد مشكلة، أما الكبر، من أنت؟ أنا بنيت جامعاً، هذا أصبح كبر، أما إنسان عمل عملاً طيباً وأثنوا عليه، الإنسان يحب المديح، شيء فطري، لا مشكلة.
المذيع:
 لا يتعارض مع العمل الصالح.
الدكتور راتب :
 أبداً.
المذيع:
 إذا بدؤوا دكتور بنية طيبة، ثم اختلفت النية، أصبح يُتبع ذلك مناً وأذى، نعود إلى النية الأصل التي بدأ فيها أم إلى ما تغير؟
الدكتور راتب :
 أنا أذكر أن مستشفى أنشأت من محسنين، بتكلفة عالية جداً، يبدو أن هذه المستشفى بعد حين أصبح دخلها كبيراً، فرفعوا السعر، أنشئت للإحسان فأصبحت للربح، لذلك قال تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي ﴾

[ سورة الإسراء: 80]

 أحياناً تدخل مدخل صدق، لكن البطولة أن تخرج منه مخرج صدق، كلام دقيق، أنت أسست مستشفى للفقراء، بأسعار تكاد تكون بالتكلفة فقط، ثم بدأت تأخذ ربحاً مضاعفاً، رفعت السعر، أصبح للأغنياء فقط.
المذيع:
 كيف تكون وجهة النظر الشرعية لهذا المشروع دكتور هل هو صدقة أم عمل تجاري؟

 

التألي على الله :

الدكتور راتب :
 هذا من شأن الله وحده، أنا بعد أربعين سنة في الدعوة الشيء المتعلق بقبول العمل، أو عدم قبوله لا أعرفه، هذا من شأن الله وحده، تقولها وأنت مرتاح، أنا لا أستطيع شق صدر الناس.
 قال له: أشققت على صدره؟ ما قال له: تقية، قال له: أشققت على صدره؟!!
 يأتيني مليون سؤال فأقول: هذا من شأن الله وحده، ما دليله في القرآن:

﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾

[ سورة الإسراء: 17]

ما الذي يحدث مع المهاترات؟ هذا نيته ليست طيبة، هل أنت إله كشفت عن نيته؟ عندما يتهمك بالنية هذا غلط كبير، تطاول على الله عز وجل، الله هو وحده العليم والدليل:

﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾

[ سورة الإسراء: 17]

 هذا سماه التألي على الله.
المذيع:
 شيخنا، وضحتم في البداية أن النية لها شرطان: أن يكون خالصاً وصواباً يرضي الله سبحانه وتعالى، لو كان العمل تبتغي به الخير، ووجه الله، لكنه غير صواب، مثلاً لي زميل يتهرب من العمل، فأنا أريد أن أستر عليه، لعلمي بصعوبة ظرفه المالي، لكنني كذبت أنه يعمل اليوم وهو لم يأتِ إلى العمل.
الدكتور راتب :
 يقال: إن في المعاريض مندوحة عن الكذب، قال له: من هذا الرجل- بالهجرة-؟ قال له: هو رجل يهديني السبيل، ماذا فهم السائل؟ أنه يدله على الطريق، إن في المعاريض مندوحة عن الكذب، من أين أنت؟ قال له: من ماء، يوجد لطائف كثيرة في السنة والسيرة، لا تستطيع قول الحقيقة، ولا أن تكذب، ولا أن تسكت، هو رجل يهديني السبيل، ما كذب.
المذيع:
 إذا علمت أن إنساناً كذب أو زور حقيقة لأجل خير، هل يقبل؟

 

الأهداف النبيلة أسبابها نبيلة ووسائلها نبيلة :

الدكتور راتب :
 مقبولة، مثلاً زوجة تركت زوجها وذهبت إلى أهلها، جاء لعند أهلها شخص وتكلم عن الزوج كلاماً ما قاله، الكذب في الإصلاح جائز.
المذيع:
 في الإصلاح، في غير الإصلاح دكتور، هل يمكن لي أن أسرق بنية أن أساعد الفقراء؟
الدكتور راتب :
 أعوذ بالله، أبداً، لا تبنى طاعة على معصية، الأهداف النبيلة أسبابها نبيلة، الأهداف النبيلة وسائلها نبيلة.
المذيع:
 أما أن الغاية تبرر الوسيلة مرفوضة.
الدكتور راتب :
 أبداً مرفوضة، اركلها بقدمك هذه الفكرة، الأعمال النبيلة لها وسائل نبيلة.
المذيع:
 دكتورنا الكريم.
الدكتور راتب :
 ما الذي يحدث؟ فيلم ريعه خيري، فيه مليون مشهد لا يجوز، ريعه للأيتام، لا، هذه ليست واردة، الأهداف النبيلة وسائلها نبيلة، من جنسها.
المذيع:
 أما أن نأتي بنية طيبة، فنرتكب خطأ أو إثماً هذا غير مقبول.
الدكتور راتب :
 أخطاء، ومعاص، وآثام، واختلاط، وتفلت بنية هذا مشروع خيري، يرصد ريعه للمسلمين وللفقراء.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، دكتورنا الكريم، لو شعر الإنسان أن نيته تتبدل، وبات حظ النفس فيها موجوداً، كيف يمكن له أن يعيد نيته صافية لله؟
الدكتور راتب :
 بتوبة نصوح، إذا شعر أن التوبة لم تكفِ بصدقة معها، دائماً التوبة إذا تكررت ضعف تأثيرها عند التائب، لذلك أنا أقول: ادعمها بعمل صالح.
المذيع:
 هل تُعلن النوايا دكتور أم الأصل أن تبقى بين العبد وربه؟

إعلان الصدقات في المشاريع الخيرية يشجع الآخرين :

الدكتور راتب :
 ما من داع أن تعلن إطلاقاً.
المذيع:

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾

[ سورة الإسراء: 271]

الدكتور راتب :
هذا موضوع ثان، أنت تجمع لأسرة فقيرة، إذا أعلنت اسمها فضحتها، إن كان الجمع لمشروع خيري، لميتم، لجمعية خيرية لا مانع.
 أنا أذكر تماماً، كنا بمشروع ضخم جداً، فألقيت كلمة رائعة جداً، أول شخص قال: أنا مليون والله أذكر، مليون دولار، كنا بمكان، الثاني قال: أنا مثله، قال أحد العلماء: قليل، قال شخص آخر: أنا مليونين، والله بنصف ساعة ستة ملايين دولار، طبعاً هم أغنياء كبار، ولأمور المهجرين يحتاجون مدارس، الوضع صعب جداً، أنا والله بكيت، ستة ملايين دولار بنصف ساعة.
المذيع:
 هنا إعلان النية يشجع الآخرين.
الدكتور راتب :
 مشروع عام، إن كان متعلق بشخص فضحته، أعوذ بالله.

﴿ إِنْ تُبْدُوا ﴾

[ سورة الإسراء: 271]

 بمشروع عام، جمعية خيرية، ميتم، مدرسة شرعية، مشروع عام نفعه لكل المسلمين أعلن يا أخي.
 جاء مرة مسؤول، فمنع وضع إعلان، نزل الرقم والله من ستة ملايين لستمئة ألف، للعشر نزل، وزعوا أوراقاً وكل شخص يضع رقماً، هذا دفع خمسة وعشرين ألفاً، عند الإعلان قال: أنا مئة ألف، شريكه بجانبه قال: وأنا مئة أيضاً، لا يستطيع أن يدفع أقل.

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ ﴾

[ سورة الإسراء: 271]

التنافس الشريف يدعو إليه الإسلام ويشجعه :

الدكتور راتب :
 إذا كان في مشروع خيري، ميتم، مؤسسة، معهد شرعي، لجميع الناس يجب أن أعلن الرقم، لكن هذه منافسة شريفة.

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 26]

أما أريد أن أجمع لأسرة لا أفضحها.
المذيع:
 عفواً دكتور، أبقى في المشروع، هذا لا يتعارض مع النوايا، أن نتنافس، وأن نعلن أعمالنا.
الدكتور راتب :

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 26]

المذيع:
 حتى دكتور لو في جانب تجاري، أنا مالك شركة تجارية، نتبرع باسم شركتنا لا حرج.
الدكتور راتب :
 لا مانع.

﴿ إِنْ تُبْدُوا ﴾

[ سورة الإسراء: 271]

 إذا كان المشروع متعلق بمشروع خيري، للأمة كلها، أما لشخص، فضحته، قسمت ظهره.
المذيع:
 جميل جداً الله يفتح عليكم يا دكتور، دكتورنا الكريم، ربي يفتح عليك يا رب العالمين. دكتور، النية مكانها القلب، هل هي بحاجة أن يجددها الإنسان في كل فعل؟

 

النية من عمل القلب فقط :

الدكتور راتب :
 أنا لست من أنصار نويت صيام غد من شهر رمضان أداء واحتساباً، ما من داع لذلك، لماذا استيقظت على السحور؟ النية من عمل القلب، أنا هذا إيماني، لكن لا أمنع، ممكن.
المذيع:
 هل يمكن أن تكون النية دكتور للعمر كله أم يفترض في كل عمل نية؟
الدكتور راتب :
 لا يعقل العمر كله.
المذيع:
 ليس عن الصيام، أنا نويت في عملي كما تفضلت أن أخدم المسلمين، هل علي في كل صباح أن أجدد هذه النية؟
الدكتور راتب :
 لا حاجة لذلك.
المذيع:
 أم هي مع بداية العمل؟
الدكتور راتب :
 لا بأس بها مع بداية العمل، كلمة نية، هذا عمل قلب، الآن أنت برمضان ربطت المنبه على الساعة الثانية، لماذا ربطته الساعة الثانية؟ لا داعي لأن تقول: نويت صيام رمضان، غير واردة إطلاقاً، النية من عمل القلب فقط.
المذيع:
 والحج والعمرة هما العبادتان اللواتي يشترط بهما التلفظ بالنية.
الدكتور راتب :
 طبعاً.
المذيع:
 وبعد ذلك التلفظ في القلب. كيف يعرف الإنسان إذا كانت نيته صادقة أم لا؟

من عمل عملاً صالحاً يلقي الله في روعه أنه قبله :

الدكتور راتب :
 أنا لا أصدق أن تكون صادقاً في نيتك ولا يدع ربنا في قلبك أنه قبلك، من أين أخذتها؟ من وقف في عرفات، ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له.
 الله يلقي في روعه أن قبلتك يا عبدي، أبسط مثل: ابنك أحضر نتائجه كلها علامات تامة، وثناء على أخلاقه، ألا تتكلم إطلاقاً؟! ألا تعانقه وتقبّله؟! يلقي في روعه أنه قبله.
المذيع:
 يشعر في قلبه بحلاوة هذا العمل الصالح.
الدكتور راتب :
 هذه السعادة.
المذيع:
 سؤالنا الأخير قبل أن نختم اللقاء بدعاء: لو عمل عملاً لم يبتغِ به وجه الله سبحانه وتعالى هل يمكن أن تتبدل النية من ذاك الشر إلى الخير؟ أراد أن يساعد الناس، يتمنن عليهم ليقال: إنه رجل كريم، ومن ثم صدق النية مع الله، لكنه ما بدأ بخير، وفي الطريق أبدل إلى الخير أيقبل؟
الدكتور راتب :
 يمكن أن يتبدل من السلب إلى الإيجاب والعكس، أنشأ مستشفى خيري، بعد ذلك طمع بالأرباح رفع السعر.
المذيع:
 ولو كان العكس دكتور، لو كان مثلاً مستشفى تجارياً ثم أراد أن يجعله خيرياً؟
الدكتور راتب :
 ممكن.
المذيع:
 وتجاب لو كان قد أخطأ عن هذه النية الطيبة.
الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتورنا الكريم، نختم لقاءنا بالدعاء ونسأله أن يستجيب منا.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، صلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم أستاذنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي لهذه الكلمات الطيبة، جعلها الله نية عمل في ميزان حسناتكم، والشكر موصول لكم مستمعينا الكرام في حلقتنا مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وكان حديثنا فيها عن النوايا.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت،

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور