وضع داكن
24-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 067 - العمل الصالح
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 حياكم الله أما حديثنا فننطلق من قول الله عز وجل:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

 لعلي أعمل صالحاً هو عنواننا لليوم، ونتحدث عن العمل الصالح، ولماذا كانت له أهمية في شريعتنا الإسلامية، وعن درجات العمل الصالح، وعن علاقة العمل الصالح بعدة أشياء؛ بالنية، والإخلاص، والرياء، وعن أثره الاجتماعي بين الناس، نبدأ بالآية الكريمة:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

 لماذا كان هذا طلب الإنسان بعد الموت ولم يكن أي طلب آخر؟

 

العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
الحقيقة أريد أن أقدم بمثل؛ الله عز وجل في قرآنه الكريم ضرب الأمثال، إنسان أرسله والده إلى باريس لينال الدكتوراه من جامعة السوربون، في باريس حدائق، ملاعب، مسارح، دور سينما، دور لهو، جامعات، أسواق، نقول: ما علة وجود هذا الشاب الذي أرسله والده إلى هذه العاصمة لينال الدكتوراه من السوربون؟ طبعاً قد يدخل مطعماً ويأكل، قد يجلس بحديقة ويستمتع بمنظر الأزهار، قد يسهر مع صديق له في بيته، قد، قد.. لكن لو سألنا: ما علة وجود هذا الإنسان في هذه المدينة العملاقة؟ نقول: علة وجوده شيء واحد هو الدراسة، لكن ممكن أن يتناول طعامه في مطعم، ممكن أن يرافق صديقاً إلى حديقة، لكن علة وجود هذا الشاب في هذه العاصمة الفرنسية هي الدراسة، لو أردت أن أوسع هذا المثل؛ لماذا نحن في الأرض أصلاً؟ أي ما علة وجودنا في الدنيا؟ الجواب قرآني:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 والعبادة هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية. فالعبادة هي خضوع هذا الكائن المتحرك لمنهج الله التفصيلي في كسب رزقه، في إنفاق ماله، في اختيار زوجته، في تربية أولاده، في علاقته بوالديه، بجيرانه، بأقاربه، شبكة علاقات قد تصل إلى مئات الألوف، هناك منهج إلهي، هناك تعليمات الصانع افعل ولا تفعل، هناك كلام الخبير وهو الله عز وجل، الحقيقة علة وجود الإنسان في الدنيا العمل الصالح، هذا الذي تفضلت بمقدمته.
المذيع:
 هل علة وجودنا العمل الصالح أم العبادة؟

 

العبادة هي سبب العمل الصالح :

الدكتور راتب :
 الحقيقة العبادة سبب العمل الصالح، أنت حينما تعبد الله لماذا تعبده؟ لأنك ترجو جنته، ما ثمن جنته؟ العمل الصالح، أعبده كي أتقرب منه، أعبده كي أقوم بعمل يرضى عني، أعبده كي أدفع ثمن ما خلقني لأجله.
المذيع:
نعبد الله بالعمل الصالح، كلاهما مترادفات إن جاز التعبير.
الدكتور راتب :
 إلا أن هناك ملمحاً دقيقاً جداً أعلق عليه أهمية، عندنا بالدين شيء اسمه الاستقامة، الاستقامة طابعها سلبي، أنا ما أكلت مالاً حراماً، أنا ما كذبت، ما غششت، أنا ما ..هذه استقامة، ترك، ما كذبت، ولا غششت، ولا افتريت على إنسان، ولا ..العمل الصالح طابعه إيجابي، أنفقت من وقتي، من مالي، من علمي، من جاهي، من خبرتي، الاستقامة إذا ذكرت وحدها تغطي العمل الصالح، والعمل الصالح إذا ذكر وحده يغطي الاستقامة، إلا أنه إذا اجتمعا تفرقا، إذا قال الله: استقاموا وعملوا الصالحات صار وضع ثان، الاستقامة ترك، والعمل الصالح عطاء، واحدة سلبية والثانية إيجابية، أما كل واحدة منهما لو انفردت لغطت الثانية، هذا مصطلح فقهي، إذا اجتمعا تفرقا، وإن تفرقا اجتمعا.
المذيع:
 حينما نتحدث ونقول: لعلي أعمل صالحاً كما ورد في الآية الكريمة، ما معنى العمل الصالح، ما هو مفهوم العمل الصالح؟

 

مفهوم العمل الصالح :

الدكتور راتب :
 بأدق التعاريف الدقيقة جداً العمل الصالح الذي يصلح للعرض على الله، هل يستطيع أخ أن يعرض على أبيه فعلاً أجراه على أخيه بضربه، لا يقدر، أما إذا قدم له هدية، إذا شاطره طعامه في نزهة، فالعمل الصالح يصلح للعرض على الله..

((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً))

[مسلم عن أبي هريرة]

المذيع:
 لماذا حثنا الله عز وجل على العمل الصالح؟

 

الحث على العمل الصالح لأنه سبب دخول الجنة :

الدكتور راتب :
 لو تعمقنا في هذا الجواب لقلت لك: إن الله في عالم الذر، نحن عندنا عالمان، عالم الذر وعالم الصور، نحن الآن في عالم الصور، وكنا قبل ذلك في عالم الذر، عالم الذر تغطيه الآية الكريمة:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72]

يبدو من هذه الآية أن الله عز وجل عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال، على النفوس كلها في عالم الأزل، كأن السماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله، الله عز وجل عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال في عالم الأزل فأشفقن منها، وحملها الإنسان، قال تعالى:

﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾

[ سورة الأحزاب: 72]

 وكأنه قال: أنا لها يا رب، فلما قبِل الإنسان حمل الأمانة جيء به إلى الدنيا ليدفع ثمن الجنة، وثمن الجنة العمل الصالح، قال تعالى:

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 32]

 ولكن لئلا يفهم الأخوة الذين يستمعون هذا اللقاء الطيب أن العمل الصالح ثمن الجنة، الحقيقة العمل الصالح سبب دخول الجنة، لماذا؟ قد يكون القصر ثمنة مئة مليون، أما ثمن مفتاحه فخمسة دنانير، فالعمل الصالح كله لا يساوي ثمن الجنة، بل يساوي ثمن مفتاحها فقط.
المذيع:
 أما ثمن الجنة؟
الدكتور راتب :
 لا يستطيع إنسان أن يدفعه، سعادة أبدية إلى أبد الآبدين..

(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 لا يمكن لإنسان في الكون أن يدفع ثمن الجنة بل ندفع سبب دخولها، كما لو أنني وهب لي قصر كبير ثمنة مئة مليون، قيل لي: مفتاح هذا القصر تدفعه من جيبك، أنا أدفع سبب دخولي الجنة، ولا أدفع ثمنها.
المذيع:
 إذاً العمل الصالح هو مفتاح لدخول الجنة، دكتورنا لو قرأنا في قوله تعالى:

﴿ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾

[ سورة النمل:19 ]

 ما المقصود بهذه الآية؟

 

شروط العمل الصالح :

الدكتور راتب :
 قد يكون بمنظور أرضي، بمنظور بعيد عن القرآن والسنة، هناك مئات الأعمال الصالحة لكن العمل الذي يقبله الله له شرطان، قال تعالى:

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾

[ سورة النمل:19 ]

 العمل الصالح ينبغي أن يكون صالحاً وفق منهج الله، وينبغي أن يكون خالصاً، قال المفسرون عن هذه الآية:

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾

[ سورة النمل:19 ]

العمل الصالح ما كان خالصاً لله وصواباً، خالصاً لله ما ابتغي به وجه الله فقط، وصواباً ما وافق السنة، مثلاً يانصيب خيري، هو فعلاً خيري، أرباحه ترصد للفقراء، لكن اليانصيب أصله غير مقبول شرعاً، ما استكمل شروط العمل الصالح، ما أحسن عبد من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة.
 شخص قوي وينكر وجود الله عز وجل عمل في بلده تأميناً صحياً، الله يكافئه عليه في الدنيا، ما أحسن عبد من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة، لو إنسان خدم الناس، سهل لهم حاجاتهم، أمن لهم وقاية معينة، أمن لهم تأميناً صحياً، له أجر، والدليل إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة، والدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم.
المذيع:
 أساس صلاح الدنيا العدل، كان كلامك عن العمل الصالح الذي غير موافق لشرع الله، ماذا عن العمل الصالح من غير المسلم؟
الدكتور راتب :
 أي إنسان كائناً ما كان ولو كان ملحداً، إذا خدم خلق الله له عند الله مكافأة في الدنيا، هو كافر بالآخرة مؤمن بالدنيا، يعطيه أجره بما آمن به، مثلاً بيل غيتس ثلث ماله دفعه إلى أطفال إفريقيا، يملك تسعين ملياراً، ليس له شيء عند الله؟ مستحيل.
المذيع:
 نقول عنه وعن غيره إذا آمن بالله له أجر في الدنيا والآخرة، أما إذا لم يؤمن بالآخرة فأجره يقتصر على الدنيا، لا يستطيع أن يخصص باسم أحد لأنه لا يعلم نهايات أحد.
الدكتور راتب :
 هذا من علم الله عز وجل.
المذيع:
 نسأل الله أن يهدي الناس إلى الخير، والإسلام هو خير الخير، دكتورنا الكريم هل للعمل الصالح أشكال ونماذج حتى يكون واضحاً للأخوة؟

 

أشكال و نماذج العمل الصالح :

الدكتور راتب :
 تقريباً هذا الضعيف ينبغي أن تطعمه إن كان جائعاً، أن تكسوه إن كان عارياً، أن تؤويه إن كان مشرداً، أن تعلمه إن كان جاهلاً، أن ترقى به إن كان ضالاً، هذا العمل الصالح:

(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))

[ البخاري عن سهل بن سعد]

شيء لا يصدق، أحد أسباب النصر لأنك نصرته وهو أضعف منك، وبإمكانك ألا تنصره، ولا أحد يستمع إليه، فالله عز وجل كافأك بعمل من جنس عملك، نصرك على من هو أقوى منك، ورزقك رزقاً يفوق كدك وسعيك، فلذلك:

(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))

[ البخاري عن سهل بن سعد]

 والمسلمون حينما فتحوا البلاد فتحوا بلاداً بعيدة جداً، فلما فتحوها بغير ما أمر الله، عرف أهلها أن الفتح فيه مخالفة في سمرقند، فجاء وفد إلى سيدنا عمر بن عبد العزيز، فبلغوه أنها فتحت بغير تعاليم دينكم، بعث له على ورقة: انسحب من البلدة، فلما قرأها قبلها وبدأ ينسحب، قالوا له: لا تنسحب، أسلمنا جميعاً، شيء لا يصدق، الإسلام ينتشر بالعمل الصالح، هذا المسلم العمل الصالح أحد أكبر مرغبات الآخر للدخول في الدين.
المذيع:
 نصرة الضعيف وإغاثته، وتلبية حاجته، ما هو العمل الصالح في حياة الناس؟

 

أهم الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد لربه الدعوة بالمعاملة :

الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33 ]

 يبدو أن المؤمن يحتاج إلى استقامة، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾

[ سورة فصلت الآية : 30 ]

 أما الداعية:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

[ سورة فصلت : 33 ]

 فيجب أن يرى الناس أن بيته إسلامي، عمله إسلامي، خطابه إسلامي، قضاء وقت فراغه إسلامي، نشاطه إسلامي، حتى اللهو المباح له إسلامي، هذا الداعية دائرة معارف، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33 ]

 أي أنا هذا الذي فعلته، لو فرضنا شخصاً دعي إلى طعام عند أناس متفلتين، وضعوا خمراً، قال: أنا والله الخمر يؤذي معدتي، لا، أنا لا أشربها لأنني مسلم، لا تستح بدينك، أما يعتذر أن يشرب لأن معه قرحة في المعدة، قال تعالى:

﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33 ]

 يفتخر بإسلامه.
المذيع:
 ماذا أيضاً من نماذج الأعمال الصالحة تنصح مستمعينا الكرام؟
الدكتور راتب :
 الدعوة إلى الله واسعة جداً، حينما تكون صادقاً صدقك دعوة إلى الله، حينما تكون عادلاً عدلك دعوة إلى الله، شاهدك الآخر وجدك صادقاً، شاهدك الآخر أنك بعت بيعة وجاءك ضعف ثمنها فقلت: لا، أنا بعتها، تستطيع أن تقلب عليه البيع، عندما شاهدك بهذه الاستقامة فأحب دينك، أنا كنت في إندونيسيا هذه أكبر دولة إسلامية على الإطلاق، مئتان وخمسون مليوناً، سبب إسلام هؤلاء جميعاً تسعة تجار فقط، معنا أسباب للانتصار تفوق حدّ الخيال، تسعة تجار مسلمين سبب هداية مئتين وخمسين مليوناً، أكبر قطر إسلامي في العالم.
المذيع:
 من أهم الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد لربه الدعوة بالمعاملة، معنا مشاركات، معنا أبو خبيب تفضل..
 يوجد حديث: اللهم لا تجعل لكافر عليّ حسنة، ممكن تنورنا بإفادة حول هذا الحديث.

 

القلوب جبلت على حبّ من أحسن إليها :

الدكتور راتب :
 أنت حينما تتلقى عملاً طيباً من كافر دون أن تشعر بفطرتك السليمة تحبه، فإذا أحببته قد تحب تفلته، إن أحببته قد تحب معصيته، هذه المشكلة، لا تجعل لي خيراً على يد كافر أو منافق، لأنك أنت عندك فطرة سليمة.. يا داود ذكر عبادي بإحساني، فإن القلوب جبلت على حبِّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، هذا الدعاء دقيق، يا رب كافر لا يصلي، بعيد عن الدين، يمنحني منحة كبيرة لا أنساه، أحبه، أتغاضى عن سيئاته، لا أنصحه، أستحي منه، هذا الذي يحصل، لا تجعل لي خيراً على يد كافر أو منافق، لهذا أبعاد كبيرة جداً.
المذيع:
هيام تفضلي يا أختي..
 موقف صار معي أنا وأخي في المصعد، وكان هناك شاب، وكان أخي يحمل صحن كنافة، فآثر الشخص على نفسه وأعطاه الصحن، ثم عرفنا أن الشاب الذي كان في المصعد نصراني ثم أسلم.

العمل الصالح بوابة حقيقية للتقرب من الله :

الدكتور راتب :
تعليقي قصة تشبهها تماماً، أنا كنت في تركيا في منطقة جميلة جداً من أجمل مصايف تركيا، إنسان عنده بيت، وعنده زوجته وأولاده، طرق بابه الساعة الثانية عشرة ليلاً شخص من اليونان نصراني، سائح، قال له: ممكن أنام عندكم، لأنه ما ترك فندقاً و لم يجد مكاناً للنوم، قال له: على عيني، أنا يوجد عندي بيتان، تفضل غرفة الضيوف، ثلاث غرف، ومطبخ، البراد ممتلئ بالطعام والشراب والفواكه والحلويات، قال له: هذا كله لك، أنا عندي بيت ثان سوف أنام به، طار عقله، في اليوم الثاني استيقظ وجده نائماً أمام البيت تحت شجرة، ، كان هذا سبب إسلامه، سيدي تحتاج إلى إحسان فقط، الإحسان يذوب الناس، ذكر عبادي بإحساني، فإن القلوب جبلت على حبِّ من أحسن إليها، يوجد آلاف القصص شخص أسلم من استقامته.
المذيع:
 يبدو أن هذا العمل الصالح بوابة حقيقية للقرب من الله.
الدكتور راتب :
 مفتاح القلوب، مفتاحه الآخر.
المذيع:
 تفضل أخي عمر...
 سؤالي عن العمل الصالح قال تعالى:

﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾

[سورة هود: 45- 46]

 لماذا قال له: إنه عمل غير صالح؟

 

رحمة الله بأنبيائه :

الدكتور راتب :
 لأنه نبي كريم يجب أن يكون من حوله على منهجه، إنه ليس من أهلك، قال تعالى:

﴿ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾

[سورة هود: 43]

 ومن رحمة الله به.

﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾

[سورة هود: 43]

 لأن الأب لا يتحمل هذا المنظر.
المذيع:
 العمل غير الصالح عمل ابنه، بانشقاقه عن أبيه.
 في ظلّ حديثنا عن هذه التفاصيل وعن العمل الصالح ما هو أجر من يعمل عملاً صالحاً يوافق منهج الله ولا يبتغي به إلا وجه الله؟

 

الفوز العظيم لمن يعمل عملاً صالحاً ولا يبتغي به إلا وجه الله :

الدكتور راتب :
 له الدنيا والآخرة معاً، هذا الفوز العظيم، قال تعالى:

﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا ﴾

[سورة الأحزاب: ٧١]

 لو أن طفلاً صغيراً من أقربائك بعد العيد قال لك: أنا معي مبلغ عظيم، كم تقيّم هذا المبلغ؟ أنا أقول: مئة دينار فرضاً، إذا قال لك مسؤول في البنتاغون: أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً، كم تقدر هذا المبلغ؟ خمسمئة مليار، فإذا قال خالق الأكوان:

﴿ وَعَلَّمَكَ ما لَم تَكُن تَعلَمُ وَكانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظيمًا ﴾

[سورة النساء: ١١٣]

 عظيم تقدر المبلغ بحسب القائل، طفل مئة دينار، مسؤول في البنتاغون خمسمئة مليار، خالق السماوات والأرض:

﴿ وَعَلَّمَكَ ما لَم تَكُن تَعلَمُ وَكانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظيمًا ﴾

[سورة النساء: ١١٣]

المذيع:
 ما العلاقة التي تربط العمل الصالح بالنية؟

 

العلاقة بين النية و العمل الصالح :

الدكتور راتب :
 إن الذي يربط العمل الصالح بالنية هذا الحديث الأصيل:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ... ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

إنما أداة قصر وحصر، أي قيمة العمل تنطلق من نية صاحبه، لو أن إنساناً يعلم علم اليقين أن هذا الكأس من الليمون يؤذي معدة فلان، لأن معه التهاب معدة حاد، فقدمت له كأس ليمون بارد درجة أولى، هذا تحاسب عليه على أنه عمل سيئ، لو أنت تعلم أن هناك شيئاً ينفعه لكن لا يرضيه وفعلته له وغضب، لك أجر على هذا الغضب، فالعمل قيمته تحدد بنيته:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

المذيع:
 لو كان عملاً صالحاً لكن لم يبتغ به وجه الله، النية لينال إعجاب الناس ومدحهم، هل يكافأ عليه؟
الدكتور راتب :
 في الدنيا، ما أحسن عبد من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة. أراد السمعة نال السمعة، أراد أن يكون عالماً كبيراً ..

((...قال : تعلمت العلم وعلمته، وقرأت القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال هو عالم، وقرأت ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، حتى ألقي به في النار ))

[رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة]

المذيع:
 وهذه كلها من الأعمال الصالحة...
 تفضلي أختي ياسمين..
 إنسان نيته العمل الصالح، نيته أن يتعلم العلم الشرعي، وأهله لم يوافقوا، يسخطهم ويرضي ربه.

 

الإحسان مفتاح الإنسان :

الدكتور راتب :
 لو أن الابن يكرم والديه كثيراً، يتقرب إليهما، يخدمهما خدمات استثنائية، ثم طلب أن يدخل شريعة لن يقصرا، هناك نقطة دقيقة: مفتاح الإنسان الإحسان، أنت إذا أحسنت إلى الأم والأب إحساناً كبيراً ورغبتك كانت شريعة لا يتكلمون ولا كلمة.
المذيع:
 لو حصل هذا التعارض مجلس علم أو درس.
الدكتور راتب :
يوجد نقطة دقيقة أحب أن أقولها وأتمنى أن يكون فهمها محدوداً، امرأة قالت لسيدنا سعد بن أبي وقاص: يا بني لا آكل طعاماً حتى تكفر بمحمد، سيدنا سعد بن أبي وقاص قال لها: يا أماه لو أن لكِ مئة نفس فخرجت واحدة واحدة ما كفرت بمحمد فكلي إن شئت أو لا تأكلي، حينما يأتي الطلب بخلاف منهج الله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، تقول الأم مثلاً لابنها: قاطع بيت حميك لا تكلمهم، وهم لم يفعلوا له شيئاً إطلاقاً، قطيعة بلا مبرر، طلق زوجتك، قال لي شخص: أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، سألته قال: ممتازة محجبة، تحفظ كتاب الله، تحب الله كثيراً، لكن أبي لا يحبها، قلت له: لا تطلقها، فقال لي: سيدنا عمر ألم يأمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها؟ قلت له: أبوك عمر؟ إذا كان عمر فطلقها؟
المذيع:
 لو لم يكن مخالفاً لشرع الله، مخالفاً لرغبة الابن بمعنى بالنسبة للوالدين ممكن أن تحصل العلم من خلال المتابعة عبر الانترنيت، هي كفتاة تريد أن تذهب إلى مكان بعيد لتحضر مجلس علم، هل من حق الأهل أن يعترضوا؟
الدكتور راتب :
 إذا الأب معه حجة يجب أن يعطيها الحجة، دائماً أقنع ولا تقمع، يا بني المسافة بعيدة جداً والدرس نحضره من النت.
المذيع:
 نعود إلى حديثنا عن العمل الصالح هناك رابط عجيب بين كلمة العمل الصالح وكلمة الإيمان، آيات كثيرة تتحدث عن هذا المعنى، لو تحدثنا عن قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾

[ سورة الكهف: 30]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾

[ سورة الكهف: 107]

 ما الرابط بين الإيمان وبين العمل الصالح؟

 

الرابط بين الإيمان و العمل الصالح :

الدكتور راتب :
 الإيمان إدراك، الإيمان أيديولوجيا، الإيمان منطلقات نظرية، الإيمان فهم، كل شيء أيديولوجي؛ فكر، منطلقات نظرية، والعمل الصالح تنفيذ الإيمان، الإيمان والعمل الصالح متكاملان، لو انفصلا لا قيمة للإيمان بلا عمل صالح، بل لا قيمة للعمل الصالح بلا إيمان.
المذيع:
 تفسير كلمة إيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فهل الإيمان ما في القلب والعمل الصالح هو العمل؟

الإيمان اعتقاد وتوجه أما العمل الصالح فضمن إمكانيات الإنسان :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الإيمان اعتقاد وتوجه، والكفر إنكار وإعراض، أنكر فضل الله عليه، أنكر أسماءه الحسنى، أعرض عن الله، والإيمان اعتقاد وإقبال، الاعتقاد حدي لا يزداد ولا ينقص، لكن الإقبال متفاوت، الإقبال يتفاوت بين إنسان وآخر، مثلاً هذا البرميل ممكن أن نضع به عشرين لتراً أو أربعين أو خمسين، هو يسع مئتين، الامتلاء نسبي أما يا ترى هل البرميل محكم؟ الإحكام حدي، لا يوجد نصف محكم، إما محكم نملؤه، نتركه خمس سنوات مثلما هو، فالإحكام حدي، أما العمل الصالح فنسبي، فالاستقامة حدية، لا يوجد نصف استقامة، الكذب لا يجوز، ولا الغش، ولا .. أما العمل الصالح فضمن إمكانيتك.
المذيع:
 دكتور ماذا عن أثر العمل الصالح في حياة الناس الدنيوية؟ في علاقاتهم الاجتماعية؟ في تكوين وقوة المجتمع؟

 

أثر العمل الصالح في حياة الناس :

الدكتور راتب :
 مثلاً لو أخذنا الصدقة، المتصدق طبعاً هذا الذي تصدقت عليه يحبك، بل يحب دينك، دينك أمرك أن تعطيه مالاً، فهذا ينشأ منه محبة لك لأنك أنت أكرمته، لذلك الآن أذكر الآية الكريمة:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

أي العمل الصالح ومنه الصدقة تطهر الغني من الشح، الشح مرض، عندنا سرطان، هذا مرض الجسم، والله لا أبالغ الشح مرض يشبه السرطان يصيب النفس..

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 تطهر الغني من الشح، وتطهر الفقير من الحقد، وتطهر المال من تعلق حق الغير به، وتزكيهم، الغني عندما يذهب إلى بيت إنسان ويعطيه زكاة ماله، على العيد يلبسون ثياباً جديدة، يوجد حلويات في بيتهم، هم يفرحون ويرقصون من فرحهم، يشعر الغني بقيمة عمله، هذه آثار عملك، آثار زكاتك، آثار صدقتك:

﴿ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 الغني تزكو نفسه حينما يرى عمله، والفقير تزكو نفسه حينما يرى أن المجتمع لا ينساه، والمال يزداد، لأنك عندما تعطي فقيراً المال صار معه قوة شرائية اشترى من بضاعتك، أنت ربحت، إنفاق المال يطهر الغني من الشح، و الفقير من الحقد، والمال من تعلق حق الغير به، ويزكي نفس الغني، يرى نتائج عمله الطيبة، يزكي نفس الفقير، المجتمع ما نسيه، يزكي المال بالنمو الآلي، صار بيد الفقير قوة شرائية ارتفعت مبيعات التجار، الآن يزكي المال بطريقة استثنائية بخلاف القواعد..
المذيع:
 إن شاء الله نتحدث في حلقات قادمة عن موضوع الزكاة، كل البركات الاجتماعية التي تحدثت بها عن عمل صالح وهو التصدق فما بالنا بكل الأعمال الصالحة لو كانت جدولاً يومياً؟

 

الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :

الدكتور راتب :
 الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
المذيع:
 نختم لقاءنا بدعاء..

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، كان حديثنا معكم عن العمل الصالح، نسأل الله عز وجل أن يلهمنا أن نكون من أهله، الذين ينعمون ببركات الله في الدنيا، وبأجره العظيم في الآخرة، إلى هنا ينتهي المشوار، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور