وضع داكن
26-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 068 - السنن الكونية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام نتواصل في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 مستمعينا الكرام يقول الله عز وجل:

﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبديلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحويلًا ﴾

[سورة فاطر: ٤٣]

 نتحدث عن سنن الله في هذا الكون، عن السنن الكونية، ونبدأ معكم شيخنا هل لنا أن نوضح بهذا المصطلح الشرعي سنة الله أو سنن الله الكونية؟

 

الوصول إلى القانون هو هدف العلم الأخير :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
العلوم الوضعية الأرضية ما هدفها الأول؟ الوصول إلى القانون، كل البحوث والتجارب والدراسات والسفر، كل هذا النشاط اللامتناهي، الهدف الوحيد أن نصل من خلال هذا العلم إلى القانون، ما القانون؟ علاقة بين متغيرين مقطوع بها تطابق الواقع عليها دليل. لو ألغينا الدليل لكان هذا النشاط تقليداً، والتقليد في العقيدة الإسلامية مرفوض ولو نطقت بما ينبغي أن تنطق به، إن كان تقليداً غير مطلوب والدليل قال تعالى:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

 ما قال: فقل، لا بد من الدليل، إن لم تطابق الواقع فهي الجهل بعينه، إن لم يكن مقطوع بها فهذه وهم، بالمئة ثلاثون وهم، بالمئة خمسون شك، بالمئة سبعون ظن، بالمئة تسعون غلبة ظن، كل هذا مرفوض بالقوانين، مقطوع بها مئة في المئة، بأي مكان في الأرض المعادن تتمدد بالحرارة، هدف العلم الأخير الوصول إلى القانون، وهدف هذا الدين العظيم أن نصل إلى السنن، السنن مصطلح قرآني يعني القانون، للتمثيل قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾

[ سورة فصلت: 46 ]

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 69 ]

﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾

[ سورة النحل: 128 ]

 أي يوجد مئات القوانين في القرآن الكريم، معنى قانون أي علاقة بين متغيرين مقطوع بها تطابق الواقع عليها دليل. لذلك يوجد مؤلفات، أحد هذه المؤلفات قوانين القرآن الكريم، هذا بالموقع يؤخذ بكامله بدون مقابل، بضغطة زر، قوانين القرآن يوجد أربعة وستون كتباً بضغطة زر تحمل الكتاب بكامله.
المذيع:
 هذه القوانين القرآنية مثل ماذا؟

 

إلزام الله ذاته العلية بهداية خلقه :

الدكتور راتب :

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 69 ]

 شخص بألاسكا ما سمع بحياته كلمة دين، لا إسلام، ولا مسيحية، ولا يهودية، ولا أي توجيه أيديولوجي، نظر إلى النجوم في الليل قال: يا ترى هل هناك إله؟ فقط، هذا الإنسان بحث عن الحقيقة، ولأن الله عز وجل ألزم ذاته العلية، دقق قال تعالى:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

[ سورة الليل: 12 ]

على إذا جاءت مع لفظ الجلالة تفيد أن الله ألزم ذاته العلية بهداية خلقه، قال تعالى:

﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾

[سورة النحل: 9]

 فلو أن شخصاً يسكن بألاسكا وسأل عن هذا الكون، قد يجد عملاً في أمريكا، يقدم الأوراق يقبل، ترسله الشركة إلى الخليج، يسكن في بيت جاره داعية إسلامي، لأنه سأل في ألاسكا يا ترى هذا الكون له إله؟

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 69 ]

المذيع:
 هذا قانون.
الدكتور راتب :

﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾

[سورة النحل: 9]

 أي على الله أن يبين لك سبيل القصد، أنت قاصد الهداية، الهداية لها سبل:

﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾

[سورة النحل: 9]

 أي على الله أن يبين لك سبيل القصد..
المذيع:
 لكن هذا بشرط لمن قصد الهداية، لذلك النقطة الدقيقة جداً وهناك ملمح دقيق جداً.

 

محبة الله علامة إيمان العبد :

الدكتور راتب :

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾

[سورة القصص: 56]

 الهداية، أي أنت حينما تطلب الهداية قال تعالى:

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾

[سورة النجم:39]

ليس له إلا ما كان من ثمار سعيه الشخصي، فأنت إذا آمنت أن الله ينتظرنا، لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين، فكيف بالمقبلين؟ الله ينتظرنا، إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، الإنسان إذا اصطلح مع الله الله يفرح..

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))

[ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

 الظمآن يكاد يموت عطشاً، فوجد نبع ماء، عقيم يئس من الإنجاب ثم أنجب ولداً، ضيع سنداً بمئة ألف دولار فوجده، أنت إذا آمنت أن الله ينتظرنا، وأن الله يحبنا، وأن الله يحب هدايتنا، والله عز وجل خالقنا ومربينا ومسيرنا، بيده حياتنا، موتنا، الكبير، الصغير، الأقوياء، الضعفاء، ومع كل ذلك ما أراد أن نعبده إكراهاً، قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

 أراد أن تكون علاقة عباده به علاقة حب، قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54 ]

﴿ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾

[سورة البقرة: ١٦٥]

 هي الأزمة كلها..
المذيع:
 هل هذا دكتور قانون جديد؟
الدكتور راتب :
 من علامات الإيمان أن تحب الله، هذا دليل على صدق الإيمان، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعرفه ثم لا تحبه، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تحبه ثم لا تطيعه، من سابع المستحيلات أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن سابع المستحيلات أن تحبه ثم لا تطيعه، فهذا الذي يرفع الإنسان إلى أعلى عليين، لذلك إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله.
المذيع:
 دكتور هل قوانين الهأ في الكون مرتبطة فقط بالجوانب الدينية فيما يربط علاقة الفرد بربه أم هذه القوانين الكونية امتدت لحياة الإنسان الاجتماعية والاقتصادية ومختلف جوانب الحياة؟

 

للإنسان حركتان حركة نحو الخالق وحركة نحو المخلوق :

الدكتور راتب :
 أنا أرى أن الدين يشمل كل شيء، من الخطأ الكبير أن نقصر الدين على علاقة الإنسان بربه فقط، الله ماذا قال على لسان سيدنا عيسى؟

﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾

[سورة مريم:31]

 أوصاني بالصلاة ،علاقة مع الله، وبالزكاة، أنت لك حركتان حركة نحو الخالق عبادة، وحركة نحو المخلوق إحساناً، يا داود ذكر عبادي بإحساني، فإن القلوب جبلت على حبِّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
المذيع:
 هذا قانون اجتماعي وليس قانوناً دينياً أن الإنسان يحب أي شخص يحسن إليه.

 

الفرق بين المقياس الانتمائي و المقياس الموضوعي :

الدكتور راتب :
 مثلاً لو فرضنا سلمنا معملاً لمدير يحمل أعلى شهادة في إدارة الأعمال، وراقبناه ستة أشهر، قراراته، خطاباته، 

توصياته، مواقفه، سلوكه، قرب من، أبعد من، عاقب من، كافأ من، درسناه بشكل دقيق

لو أتينا بمدير عام مؤمن نفاجأ مفاجأة كبيرة أن سلوك الثاني كسلوك الأول بمعنى أن العمل العبادي يلتقي مع العمل الذكي في النتائج ويختلفان بالبواعث، أنت تذهب إلى أوروبا تجد لا يوجد مثلاً، قديماً حتى لا أقول الآن، الكذب قليل جداً، والإنسان آخذ حاجاته كاملة، هناك تكافؤ فرص، القانون فوق الجميع، هذه كلها إيجابيات أوروبا، أنا أقول لك من أعماق أعماقي: إيجابيات الغرب كلها إسلامية، لا لأنهم يعبدون الله أبداً، لأنهم يعبدون الدولار من دون الله، مصلحته تقتضي أن يكون مستقيماً حتى يبقى بوظيفته، فإذا كان هناك قوانين صارمة، و متابعة دقيقة للموظفين فالموظف سبب بقائه بوظيفته أن يستقيم، لذلك كل إيجابيات الغرب إسلامية دون أن يشعروا، لأنهم هم أرادوا النجاح، أرادوا التفوق، أرادوا أن تكون لهم الغلبة، يغلبون بمبدأين؛ أنت إما أن تقيّم الإنسان بانتمائه، أو تقيّمه تقييماً موضوعياً، الانتماء إذا تحكم بحياة الناس انتهت الأمة، وانتهى تقدمها، ولم تتألق، ما الانتماء؟ هذا من جماعتنا، نضعه بمنصب رفيع وهو جاهل لا يحسن التصرف، شخص ليس منا نبعده، فحينما تعتمد في العلاقة مع الآخرين المقياس الانتمائي الأمة سوف تنهار، وحينما تعتمد المقياس الموضوعي الأمة سوف ترتقي.
 كطرفة كنت في أمريكا، دعاني أخ كريم لزيارة المعمل الأول في العالم جينرال موتورز، أنا زرته، الذي دعاني شكله إسلامي صارخ، لحيته إلى سرته، وثوبه قصير، شكله صارخ إسلامي، وهو مكلف أن يصمم سيارة بعد عشرين عاماً، أنا لفت نظري أن هذا بهذا المظهر الإسلامي الصارخ يحتل منصباً رفيعاً في شركة جينرال موتورز، اعتمدوا ماذا؟ اعتمدوا المقياس الموضوعي لا المقياس الانتمائي، وأي أمة تعتمد المقياس الانتمائي لا الموضوعي مصيرها الهلاك.
المذيع:
 وهل لدينا قانون ينص على هذا في القرآن الكريم؟

الدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم :

الدكتور راتب :
 يوجد عندنا نص لابن تيمية، قال: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة. الدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم. قال تعالى:

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 105]

 هنا المعنى دقيق جداً، ليس صلاح ديني أبداً، الصالحون في إدارتها، القوي عمل تأميناً صحياً، هذا قوي عند الله لأنه نفع عباد الله، لا تهمنا نيته، طالما عمل تأميناً صحياً، عمل تكافؤ فرص، عمل القانون فوق الجميع، إنسان كافر يفعل هذا فهذا أقرب إلى الله من المؤمن الظالم، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة.
المذيع:
 معيار النصر هو العدل والظلم، لو كانت الأمة كافرة وعادلة تنتصر ماذا إن كانت أمة مؤمنة بالله وعادلة؟

 

معيار النصر الإيمان و العدل :

الدكتور راتب :
 يا الله تحكم الأرض، هذا الذي فعله المسلمون، وصلت جيوشهم إلى مشارف باريس، أنا كنت في فرنسا وصلت إلى بواتييه، هنا وصلت جيوش طارق بن زياد، وكنت بالصين وذكروا لي أنه جاء وفد صيني وصل إلى الصين، أن تصل الدعوة إلى الصين وإلى مشارف باريس من دون تطبيق للدين مستحيل، أقسم لك بالله لو فهم الصحابة الدين كما نفهمه اليوم أقسم لك بالله الإسلام لن يخرج من مكة، هذا الدين العظيم الذي وصل إلى مشارف الصين ومشارف باريس لو فهم الصحابة الدين كما نفهمه اليوم لما خرج من مكة، نحن عندنا الإسلام فولكلور، نحن عندنا عيد مولد نحضر زينة.
المذيع:
 هذه قضية بالغة الأهمية، لو فهم الصحابة الدين كما نفهمه اليوم لما خرج من مكة، ما الفرق بين فهمنا وفهمهم، وهذا سيكون حوارنا مع فضيلتكم ..

العبادة الشعائرية لا تقبل ولا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :

الدكتور راتب :
 فهموه منهجاً تفصيلياً، يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان من العلاقات الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج تفصيلي، فإذا فهمناه نحن عبادات شعائرية فقط؛ صيام، وصلاة، وحج، وزكاة، ودخله غير إسلامي، وإنفاقه غير إسلامي، وعلاقاته غير إسلامية، ونشاطه غير إسلامي، يتحرك حركة عشوائية بلا ضوابط، لكن هو صلى الصلوات الخمسة، وحج، و دفع الزكاة، لو فهمناه فهماً شعائرياً تخلفنا، لذلك عندنا عبادة شعائرية هي الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادة، هذه عبادة شعائرية، وعندنا عبادة تعاملية، ولن تقبل العبادة الشعائرية إلا إذا صحت العبادة التعاملية، أقول لك بأدلة قطعية..

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]

 انتهت صلاتهم..الصوم:

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))

[البخاري عن أبي هريرة ]

الحج:
 " من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب ونادى: لبيك اللهم لبيك نودي أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك".
الزكاة:

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 53 ]

 العبادة الشعائرية كلامي دقيق جداً لا تقبل ولا تصح ولا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية.
المذيع:
 وهذا يعد من قوانين الله؟
الدكتور راتب :

((ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط))

[الجامع الصغير عن أنس]

 ذكرت خمسة أدلة؛ الحج، والصوم، والصلاة، والشهادة، والزكاة، ما لم نلتزم بالعبادة التعاملية أين نصوصها؟ النجاشي عندما سأل سيدنا جعفر عن الإسلام فقال:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 ما لم تحقق العبادة التعاملية لا تقبل العبادة الشعائرية..
المذيع:
 هذا قانون من قوانين الله عز وجل.
الدكتور راتب :
 من قوانين الله عز وجل، الله يريد منا أن نعبده، نخضع لمنهجه التفصيلي، الذي يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، فإذا خضعنا لهذا المنهج الآن العبادات الشعائرية قبلت منا.
المذيع:
 هل تتشابه القوانين الدنيوية مع القوانين الإلهية مثلاً الدنيا من قوانينها إن تدرس تنجح، إن تزرع تحصد، من طلب العلا سهر الليالي.

 

تشابه القوانين الدنيوية مع القوانين الإلهية :

الدكتور راتب :
 معظمها، مع فساد المجتمع إذا لم ترش لا تأخذ الموافقة مثلاً، هذا ليس قانوناً

هذا غلط، هذا استنباط خاطئ قادم من حركة الحياة، حركة الحياة قد تكون غير صحيحة، من حركة الحياة استنبط ما لم تقدم رشوة للموظف لا يوافق على طلبك.
المذيع:
 لكن قد يصبح قانوناً حقيقياً في مجتمع فاسد هل يبرر التعامل فيه؟
الدكتور راتب :
 سيدي لو أن أهل الأرض بأكملهم سبعة مليارات ومئتا مليون فعلوا شيئاً بخلاف المنهج لا يعد عذراً لك أيها الإنسان، سبعة مليارات ومئتا مليون لو أكلوا مالاً حراماً، انتشار المعصية لا يبررها.
المذيع:
 دكتورنا الكريم عندما تحدثت قبل قليل عن قوله تعالى:

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 105]

 وقلت: الصالحون الأصلح كفاءة لإدارتها.

 

العدل و الإيمان مقياس كل موظف في أي دولة :

الدكتور راتب :
 شرحها ابن تيمية فقال: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة، الدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم..
المذيع:
 أعلى المراتب أن يكون العدل والإيمان.
الدكتور راتب :
 لذلك قال أحد الخلفاء لأحد الولاة: خذ عهدك وانصرف إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك، هذا كتاب تعيين، تعيين محافظ، وال، إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك لضعفك، وسلمتك من معرتنا أمانتك، أمين ضعيف، وإن وجدناك خائناً قوياً- عكسها- استهنا بقوتك، وأوجعنا ظهرك، وأحسنا أدبك، وإن جمعت الجرمين، الضعف والخيانة، جمعنا عليك المضرتين العزل والتأديب، وإن وجدناك أميناً قوياً، زدناك في عملك، صار هناك تمديد، وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك، ورفعنا لك ذكرك، وأوطأنا لك عقبك، استنبط هذا النص من قول الله عز وجل:

﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص: 26]

 هذا مقياس لكل موظف في أي دولة.
المذيع:
 من هو القوي الأمين؟

 

القوي الأمين هو المتفوق في اختصاصه و المؤتمن على ما تسلم :

الدكتور راتب :
 المتفوق في اختصاصه، المؤتمن على ما تسلم

أنت ممكن لو فرضنا هناك جريمة قتل، ويستطيع طبيب التشريح أن يكتب: هذا الشخص مات بجلطة دماغية، ممكن أن يدفع له على هذا التقرير خمسة ملايين ليرة، لأن الميت ترك مئة مليون، لكنه قتل، إذا كتب في التقرير أنه مات موتاً طبيعياً بخثرة دماغية معنى هذا أن الورثة أخذوا مئة مليون، مهما كان الرقم كبيراً عندما تتكلم بغير قناعتك سقطت من عين الله، ولئن يسقط الإنسان من عين الله أصعب، لو أن الإنسان سقط من السماء حتى انحطمت أعضاؤه أهون من أن يسقط من عين الله، قال تعالى:

﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾

[ سورة الكهف: 105 ]

﴿ صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ ﴾

[سورة الأنعام: 124]

 العبرة أن تكون لك مكانة عند الله.
المذيع:
 لماذا هذا ليس واقعنا؟ لماذا عندما يؤمر أحدنا لا تراعى تلك الضوابط الذي تحدثت عنها لا من الوالي ولا من المستخدم؟

 

الدين توقيفي :

الدكتور راتب :
 لأن الحقيقة الدين توقيفي لا يضاف عليه ولا يحذف منه، إن أضفت عليه اتهمته بالنقص، وإن حذفت منه اتهمته بالزيادة، فالدين توقيفي، أين التجديد؟ في الخطاب الديني، أين الخلل؟ في الخطاب الديني، أين الخطأ؟ في الخطاب الديني، البطولة أن ينجح خطابك الديني، إذا نجح خطابك الديني قبله غير المسلم، وإن لم ينجح رفضه المسلم.
المذيع:
 ما المقصود بالخطاب الديني؟

العناية بالخطاب الديني :

الدكتور راتب :
 الدعوة، خطبة الجامع، درس الدين، أقصد المضمون، أنا أذكر مرة والله لا أذيعها افتخاراً لا والله، بعد أن قدمت إلى عمان قبل خمس سنوات، قال لي أحدهم: إنسان ركب سيارة أجرة وقال للسائق أن يوصله إلى دوار الداخلية، وصل قال له: تفضل، قال له: ألم تقل لي إلى دوار الداخلية يبدو أن السائق فضولي، قال له: أنت ما شأنك ألا يوجد عداد يعمل، أكمل، هذا أكمل طريقه، ثم قال له: توقف، ارجع إلى دوار الداخلية، قال له: ألم نكن الآن هناك؟ قال له: أنا أسمع درس الدكتور- كان هذا السائق يفتح الإذاعة على درسي- وأنا رجل لست مسلماً، خلال أيام سوف أسلم على يديه، هذا السائق من فرحه جاء إلى الإذاعة وتكلم عن هذه القصة في هذه الإذاعة، أنا ماذا استنبطت؟ استنبطت أن الخطاب الديني إذا نجح يقبله غير المسلم، وإن لم ينجح يرفضه المسلم، فالأزمة في الخطاب الديني، يجب أن تغذي عقله بخطابك، وأن تغذي قلبه بخطابك، وأن تغذي جسمه بخطابك، كيف؟ دله على عمل يعمله، لا تكون يده السفلى، يكون عزيز النفس، دله على عمل يكسب منه رافع الرأس، دله على علاقته بربه تكون ناجحة جداً، دله على منهج الله عز وجل.
المذيع:
 حينما طلب أبو ذر الولاية من النبي صلى الله عليه وسلم لم يعطه..

حاجة الأمانة إلى قدرات خاصة :

الدكتور راتب :
 إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها خزي وندامة يوم القيامة..
المذيع:
 لكن هذا أبو ذر.
الدكتور راتب :
 ليس لها علاقة، هذه قدرات خاصة، أنا لا أشك بإيمان أبي ذر، بالعكس نحن جميعاً نتمنى أن نكون واحداً بالمليون منه، أي غبار حذائه يشرفنا، لكن الولاية تحتاج إلى قدرات خاصة، عندنا قدرات عامة وقدرات خاصة، هناك إنسان لا يصلح أن يكون أميراً، قال له: ولني، قال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها خزي وندامة يوم القيامة.
المذيع:
 إذا أنا احتجت أن أعمل صيانة في المنزل بالنجارة، أبحث عن نجار ملتزم متدين أم عن نجار جيد بغض النظر عن دينه وإيمانه، ماذا تفعل دكتور؟

تقديم إتقان العمل و الكفاءة في العلاج و الأمور الحساسة :

الدكتور راتب :
 أنا أحاول أن أبحث عن إنسان متفوق وهو مسلم..
المذيع:
 المعيار الأول عندك الإتقان ثم؟
الدكتور راتب :
 دفن صحابي وبقي فرجة في القبر – فتحة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه ))

[الجامع الصغير عن عائشة]

إتقان العمل رقم واحد، بعد الإتقان أنت تريد طبيباً يحمل بورداً، هناك طبيب واحد ينتمي إليك وآخر لا ينتمي إليك، الأولى أن تكون عند من ينتمي إليك.
المذيع:
 هذا بشرط أن يتساووا بالكفاءة.
الدكتور راتب :
 أنا آخذ طبعاً الذي ينتمي إلي لأنه يدفع زكاة ماله للناس، والذي لا ينتمي غلي قد يسهر في سهرة لا ترضي الله عز وجل.
المذيع:
 لو اضطررت أن أراجع طبيب في قضية علاجية أحدهم كفء لكنه دينياً بعيد والآخر غير كفؤ لكنه متدين.
الدكتور راتب :
 لا، آخذ الكفء، الكفاءة مقدمة في الصحة، فإذا أضيف إلى الكفاءة الصلاح أولى، الأقربون أولى بالمعروف، أنت تريد أن تنفق مال زكاتك، ما المبدأ؟ الأقربون أولى، قال العلماء: الأقربون إلى الدين أولى، هذا إذا أنفقت زكاة مالك هناك من ينفقها بشراء خمر، هذه واحدة، الأقربون ديناً، والأقربون نسباً، والأقربون إلى الفقر، ثلاثة عوامل تحقق عاملان من ثلاثة تعطي زكاتك من يستحقها.
المذيع:
 من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله..
 دكتور لماذا كانت هذه السنن الكونية؟ ما الرسالة التي يجب أن أفهمها من هذه القوانين والسنن الإلهية في الكون؟

 

القوانين قواعد ثابتة :

الدكتور راتب :
 القوانين كما قلت قبل قليل قواعد ثابتة، الله عز وجل لا يعبد مزاجياً، أحياناً تجد على رأس شركة مدير عام مزاجي، يرضى بلا سبب، أحياناً يكافئ مكافأة غير عادية بلا سبب، يعاقب بلا سبب، هذا نمطه اسمه مزاجي، بتعبير آخر سويعاتي، وهناك مدير عام عنده مبادئ، الذي لم يأخذ إجازة له ترقية، لا يوجد عليه أية شكوى له ترقية، يضع قواعد، البطولة أن أتعامل مع الآخر بقواعد، بقوانين، بمبادئ، هذه مريحة للقائد وللمقود، للقوي وللضعيف، أنا أعرف أني لا آخذ إجازة أبداً، أنا لي مكانة، أخذت رقماً، لا يوجد شكوى عليّ إطلاقاً أخذت رقماً ثانياً، البطولة أن يكون هناك قواعد وخصائص لتعامل الضعيف مع القوي، أو القوي مع الضعيف، الله عز وجل في آية دقيقة جداً:

﴿ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾

[ سورة النساء: 144]

 المعنى الدقيق جداً أنت إذا استقمت تماماً ليس من المعقول أن يعاقبك الله عز وجل بلا سبب، يرسل لك مصيبة بلا سبب، كأن أنت حميت نفسك من الله، ألجأ منه إليه، لا يوجد إلا جهة واحدة في الكون تفر منها إليها، الله عز وجل.
المذيع:
 معنا الأخت أم محمود من السويد تفضلي..
 أنا جئت إلى السويد منذ سنتين، وأريد أن أدرس وأهلي لم يساعدوني بالمال، هل أستطيع أن آخذ قرضاً طلابياً ومنحة دراسية؟
 نحن بعيدون عن الفتاوى الفقهية نعتذر منك..
 معنا أم نزار تفضلي..
 أريد أن أعود للنقطة الأولى التي تقول: لو نحن فهمنا الإسلام كما فهمه الصحابة، نحن لنا مبررات، هم كانوا بين يدي الرسول، والقرآن ينزل عليهم، والمعجزات تحصل أمامهم، وما كان هناك مغريات بالحياة، هم استوعبوه أكثر.

 

الأجر الكبير لمن تبع النبي في آخر الزمان :

الدكتور راتب :
 اسمعي الجواب يا أختي، كلام النبي صلى الله عليه وسلم:

((اشتقت لأحبابي، قالوا: لسنا أحبابك؟ قال : لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))

[ورد في الأثر]

 الذي جاء في آخر الزمان له سبعين ضعفاً على من جلس مع النبي صلى الله عليه وسلم.
المذيع:
 دكتورنا الكريم حينما نتحدث عن هذه القوانين والسنن، كيف لي أن أعرفها وأن أتتبعها؟

 

من خطب ودّ الله ألقى الله في روعه أنه يحبه :

الدكتور راتب :
 أنا أصدقك لا يمكن أن يخطب العبد ود ربه إلا والله يخطب وده، أي يلقي في روعه أنني أحبك، من وقف في عرفات، ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له، الأب يأتي ابنه معه جلاء متفوق، يضمه، ويعانقه، ويقبله، ويكرمه بهدية، أب عادي، إنسان يخطب ود الله يستقيم ولا يرى من الله ما يشجعه على ذلك مستحيل، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 69 ]

المذيع:
 دكتور هل لنا أن نختم لقاءنا بدعاء.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، نصل إلى ختام حلقتنا، وكان حديثنا فيها تحت عنوان: سنن الله في الكون، نسأل الله عز وجل أن يدلنا على سننه، وقوانينه، وأن نكون من الذين يتبعونها بخير وجه يرضيه عنا وعنكم يا رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور