وضع داكن
26-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 060 - ليكون رمضان التغيير.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرةً عبر أثير إذاعتكم حياة FM، نتواصل في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 رمضان كريم وتقبل الله طاعتكم.
الدكتور راتب :
 شكراً جزيلاً.
المذيع:
 حلقتنا الأولى من حلقات شهر رمضان المبارك، شيخنا الكريم أشكو لك هماً ومشكلة يعاني منها كثير منا، أننا في كل رمضان نقول: يا رب نوينا أن يكون رمضان هذا مختلفاً، رمضان التغيير، لكن الواقع يقول إن عاماً يتبعه عام ونبقى نحن كما نحن، لا نتحسن في رمضان، ولا قبل، ولا بعد، ما الذي يحصل معنا؟ لماذا نخسر رمضان؟ هو عنوان حلقتنا لهذا اليوم، كيف يبدأ التغيير وكيف يكون التغيير؟

رمضان فتح صفحة جديدة مع الله :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 هذا الكلام الطيب وهذا الموضوع المهم ملخص عند النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة واحدة:

((رغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى؟))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

 فكان هذا الشهر مناسبة سنوية، دورة مكثفة، عملية تغيير، عملية فتح صفحة مع الله جديدة، عملية انتقال من عبادة لا معنى لها إلى عبادة ذات معنى دقيق، من ضياع إلى وجود، من تشتت إلى إقبال، لا بد من أن يكون هذا الشهر فيه تغير جذري نوعي للمسلم، فإن لم يكن هذا التغيير، فهذه هي المشكلة الأولى في العالم الإسلامي، العبادات فرغت من مضمونها وأصبحت طقوساً لا معنى لها، أنا أرى في مجتمعات كثيرة إسلامية هذا الشهر شهر ولائم، الإنسان في هذا الشهر مفروض أن يستفيد من جانب من جوانب حكمته بتجديد نشاطه الصحي عبر ترك الطعام والشراب فترة طويلة، إذا هو يقلب هذه الوجبات من النهار إلى الليل، والسهرات لا ترضي الله، وعلى مسلسلات، وكل ما يطرح بالمسلسلات يتناقض مع الدين، خطورة المسلسل- وأنا أعني ما أقول- ليس في المناظر المثيرة، هذا موضوع ثان دعك منه مبدئياً، الطرح المناقض للدين، أنت حينما تصور إنساناً متديناً، بيته صغير، زوجته غير منضبطة، أولاده بالطريق، متخلفون بالدراسة، الزوجة لا تعتني بصحتها، يريك بيتاً آخر كأنه قصر، والزوجة أنيقة جداً، وكل مفاتنها ظاهرة، وعندها روح رياضية تستقبل أصدقاء زوجها في النهار، هذا التصوير شيء خطير جداً، أنا أرى أن الأفلام تطرح قيمتي الإباحية والإلحاد، وأنا أعني ما أقول، بل إن الأفلام الكرتونية التي لا ننتبه أن أطفالنا متعلقون بها هذه الأفلام الكرتونية يوجد دراسة موثقة وعميقة أنها تؤكد الإلحاد والإباحية، هذه مشكلة كبيرة جداً، نحن ننتبه فجأة إلى أن الابن يرفض الإسلام، والبنت ترفض الإسلام، هذا الرفض رفض لمعطيات يراها بين يديه، لذلك الله عز وجل يقول:

﴿ َقَدْ مَكَرُوا مَكْرُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 46 ]

 العالم بأكمله بكل إمكاناته المادية، والعسكرية، والتقنية، والمدنية، هل بإمكانه نقل جبل قاسيون هذه التلة الصغيرة في الشام إلى درعا؟ خالق السماوات والأرض يصف مكر هؤلاء بأنه تزول منه الجبال، لكن الشيء الذي لا يصدق أن نجاة العالم الإسلامي بكلمتين فقط، قال تعالى:

﴿ َقَدْ مَكَرُوا مَكْرُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

[ سورة آل عمران: 120 ٍ]

 فنحن محصنون بهذا.

جوهر الدين هو خضوع لمنهج الله :

 الذي ينبغي في هذا الشهر أن نرجع إلى الله، أن نرجع إلى ديننا، إلى منهج السماء، إلى الوحي، إلى منهج النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 أي من سابع المستحيلات،

﴿ مَا كَانَ ﴾

 أشدّ أنواع النفي في اللغة، قد تنفي عشرة أفعال، قد تقول لإنسان: هل أنت جائع؟ يقول: لا، وهذه تكفي لنفي الحدث، لكن إنساناً محترماً تقول له: هل أنت سارق؟ ليس معقول أن يقول لك: لا، يقول لك: ما كان لي أن أسرق، هذه الصيغة في اللغة تعني نفي الشأن لا نفي الحدث، لا أسمح، ولا أبارك، ولا أسكت، الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 فكيف إذا كان هناك أربع عواصم إسلامية محتلة الآن؟! حالة صعبة جداً، شيء يفوق حدّ الوصف، هذا ما نحن عليه بسبب التقصير، بسبب عدم الاستقامة، هذا الدين فهمناه ديناً فولكلورياً، ممكن نضع آية الكرسي في الغرفة، ممكن نضع مصحفاً في السيارة، ممكن نقوم بأشياء كثيرة جداً لا تقدم ولا تؤخر، أما جوهر الدين فهو خضوع لمنهج الله، هذا الخضوع يحتاج إلى جهد فكري ونفسي واجتماعي.
المذيع:
 إذاً مشكلتنا بالتعامل مع هذا الضيف العزيز شهر رمضان، أن بعضنا اعتبر رمضان فولكلوراً، هو تزيين، هو بطاقات تهنئة، لا تزيد عن ذلك، هذا لا يغير شيئاً.

إن لم نغير ما بأنفسنا فالله لا يغير معاملته لنا :

الدكتور راتب :
 المقدمات إذا تكررت لن تطمح بنتائج أخرى، هذه المقدمات لها هذه النتائج الرتيبة التي لا معنى لها، إن لم نغير أنا أقول آية قرآنية جامعة مانعة:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد: 11 ]

 إذا غيرنا ما بأنفسنا ننتظر تغير الله لمعاملتنا، وإن لم نغير لا يوجد أمل.
المذيع:
 كيف نسقطها على رمضان، أنا أنوي أن أكون إنساناً أقرب إلى الله ولا يتحقق، كيف أربط الآية؟

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور راتب :
 هناك عدة إجابات، أحد هذه الإجابات: ما لم تعش بحاضنة إسلامية، أقرباؤك، أصدقاؤك، أخوانك، أحبابك مؤمنون مثلك، هذه اسمها: الحاضنة الإسلامية، إذا لم يكن هناك حاضنة إسلامية لا تستطيع أن تقاوم، والدليل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119 ]

 أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية تعينك على الدين، تدعوك إلى العمل الصالح، إلى الاستقامة، إلى إحكام الصلة مع الله، لذلك التغيير لا يكون إلا بالتغيير، التغيير الذي تتمناه من الله لا يمكن إلا أن يبدأ بتغيير النفس، قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد: 11 ]

 مرة كنت في السيارة أدخل أحدهم لاقطاً من النافذة ماذا أقول له؟ قلت له: أنت مرتاح في بيتك؟ قال: أنا؟ قلت له: ليس من الضروري أن تكون أنت، مرتاح في بيتك، في عملك، بصحتك، مع أولادك، مع زوجتك، لا يوجد عندك مشكلة، لا تغير لا يغير، لا تقلق من المستقبل، عندك مشكلة كبيرة أسرية، اجتماعية، نفسية، غير ليغير، ترى هذا الدين فيه مليون مجلد، أنا ضغطته بأربع كلمات؛ لا تغير لا يغير، غير ليغير، هذا هو الدين، فأي طمع بالتغيير الإلهي من دون تغيير من قبل الإنسان سذاجة وحمق وغباء.
المذيع:
 حتى نشخص المشكلة ونجد لها حلاً بعضنا يرى الدين فولكلوراً ليس إلا هذا والبعض يراه منهجاً.

طلب الجنة من دون عمل ذنب من الذنوب :

الدكتور راتب :
 أنت تستطيع أن تكتب جانب اسمك حرف الدال وأنت أمي؟ مستحيل، أي بدءاً من الابتدائي، والإعدادي، والثانوي، والليسانس، والدبلوم العام والخاص، والماجستير، والدكتوراه، أنت تقول: مؤمن، مؤمن تريد مكاسب دنيوية تحتاج إلى جهد كبير، أن تربح الآخرة، أن تربح الجنة بلا سبب، مستحيل، لذلك طلب الجنة من دون عمل ذنب من الذنوب، هل تستطيع أن تطلب من جامعة عريقة تعطيك دكتوراه وأنت أمي أي من دون عمل؟
الدكتور راتب :
 من زاوية أخرى بعض الناس يحاول حقيقة أن يغير ما بنفسه وينوي أن يكون أقرب ولكن لا يحصل التغيير في رمضان..

ارتباط استقامة الإنسان بعلاقته مع من حوله :

المذيع:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 بحاجة إلى حاضنة إيمانية اجتماعية، بحاجة إلى أقرباء مؤمنين، بحاجة إلى أصدقاء، عندنا فرق كبير بين علاقات العمل والعلاقات الحميمة، علاقات العمل لا يوجد مشكلة، أنت موظف بدائرة، المدير العام ليس ديناً، لا يهمك، عندك دوام تداومه، عندك عمل تنهيه، تنال ثقة من حولك، علاقات العمل لا يوجد بها أية مشكلة، أين المشكلة؟ بالعلاقات الحميمة، تسهر مع شخص للساعة الواحدة ليلاً يكون هناك تطابق عجيب بينك وبينه، بالمبادئ، بالقيم، الإنسان عندما يقيم علاقات حميمة مع أناس لا يعرفون الله لا يستطيع أن يستقيم، قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

المذيع:
 إذا انعزلنا عن هؤلاء الأشخاص الذين يحيطون بنا لفساد سلوكهم أو عقيدتهم، كيف يصل نور الهداية لهم؟

الإنسان هو المخلوق الأول عند الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 طلب العلم، أنت الكائن الأول عند الله، المكلف، المكرم، الذي جعلك الله عز وجل الكائن الأول، لما قبلت حمل الأمانة في عالم الأزل كنت المخلوق الأول.
المذيع:
 هم لا يريدون طلب العلم ولا يأبهون به، أناس يرتكبون خطأ وهم مستمرون عليه أليس بعدي عنهم يحرم فرصة الهداية أن تصل إليهم؟

الابتعاد عن الأشخاص السيئين الذين يبعدون عن الدين :

الدكتور راتب :
 يوجد جواب دقيق، لعبة شد الحبل لو أن ثلاثة أشخاص يمسكون حبلاً، إذا أمكنك حينما تخالطهم أن تشدهم إليك فخالطهم، وإذا شدوك إليهم فابتعد عنهم، هذا الجواب الدقيق لعبة شد الحبل، تجلس معهم، إن لم تعد تصلي مثلاً، تجلس معهم تسمع طرفاً فاحشة استمرأتها، ضحكت منها، جلست معهم غيبة ونميمة، إذا جلست معهم واستمرأت أحاديثهم، وتوجهاتهم، وسحبوك إليهم، وانتهيت، هنا لا بد من أن تبتعد عنهم، إذا جلست معهم يحترمون لك مكانتك، تكلمت عن قضية في الدين واضحة جداً مع الدليل تأثروا، بعضهم بدأ يصلي، يلتزم، مادمت قادراً على أن تشدهم إليك، الزمهم، فإذا شدوك إليهم ابتعد عنهم.
المذيع:
 بين أن يؤمن الإنسان أن الإسلام منهج حياة وليس فولكلوراً وبين أن يكون في حاضنة اجتماعية، وأن يطلب العلم، يوجد مشكلة رابعة بعضنا يبدأ أول يوم الختمة والتراويح، في اليوم الثاني الثماني ركعات تصبح أربع، في اليوم الثالث ينسلخ عن العبادة، ما الذي يحصل معنا؟

القرار الذي يتخذه الإنسان يحققه إذا كان صادراً عن إرادة و إيمان :

الدكتور راتب :
 الإنسان عندما لا يعقد العزم على طلب العلم، ولا على طلب مرضاة الله عز وجل، أنا أقول كلمة دقيقة: القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان.
 عالم جليل في الشام ذكر لي قصة لا تصدق، إنسان أرسل ابنه إلى الأزهر ليتعلم، بعد سبع سنوات عاد يحمل الشهادة، وعيّن خطيباً في قريته، فلما ألقى خطبة أمام أبيه الأمي، بكى الأب بكاء مراً، كل من حول الأب توهموا أنه بكى فرحاً بابنه، والحقيقة خلاف ذلك، هو بكى أسفاً على نفسه، والقصة كما يلي.. ركب دابته هو في صعيد مصر- وبين صعيد مصر و القاهرة حوالي ألف كيلو متر- واتجه نحو القاهرة، وبقي يمشي شهراً إلى أن وصل إلى القاهرة، عندما وصل إلى القاهرة، قال: أين الأزعر؟ لا يحفظ اسمه، قالوا له: ما الأزعر؟ قال: مكان التعلم، قالوا: اسمه الأزهر، النتيجة أوصلوه إلى الأزهر، وفي الخامسة والخمسين بدأ بتعلم القراءة والكتابة، وتابع وما مات إلا شيخ الأزهر، هذا أعلى منصب ديني في العالم الإسلامي، القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان.
المذيع:
 ماذا عن دنو الهمة؟

الابتعاد عن دنو الهمة :

الدكتور راتب :
 إذا جلست مع أناس عندهم همة عالية تشتق منهم الهمة العالية، وإذا جلست مع أناس لا يوجد عندهم همة إطلاقاً، تفقد همتك القليلة، الصاحب ساحب.
المذيع:
 ومجاهدة النفس، أحياناً النفس تميل إلى الراحة.
الدكتور راتب :
 أنت حينما يكون حولك أناس متفوقون، ورعون، مطبقون، طائعون لله، هذه حاضنة اجتماعية تدعوك إلى أن تكون مثلهم، لذلك لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ولا يدلك على الله مقاله.
المذيع:
 أسأل حضرتك في البداية تحدثنا عن الناس الذين لا يوجد عندهم منهج رمضان، يجب أن يعظموا شعائر الله ويعرفوا قيمة رمضان و يبدؤوا، ثم تحدثنا عن الناس الذين عندهم رمضان عبارة عن فولكلور وتزيين فاقرأ لتعلم، تحدثنا عن الحاضنة التي تدل على الله عز وجل، وأهمية طلب العلم، تبقى قضية هامة لمن سار في كل هذا وبدأ يجاهد نفسه ولكن قلبه قاس لا يشعر بشيء، يصلي ويصوم، ولا تنزل منه دمعة واحدة، ما الذي يحصل؟

قانون الالتفاف و الانفضاض :

الدكتور راتب :
 لو كان الجواب قاسياً، قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً معهم، فلما كنت ليناً معهم التفوا حولك، وأحبوك، وبذلوا الغالي والرخيص من أجلك، و لو كنت منقطعاً عنا، يمتلئ القلب قسوة، وهذه القسوة تنعكس على الناس غلظة وفظاظة، عندئذ ينفض الناس من حولك، أنا سميت هذه الآية: قانون الالتفاف والانفضاض، يحتاجه الأب، تحتاجه الأم، يحتاجه المعلم، يحتاجه أستاذ الجامعة، ورئيس الدائرة، يحتاجه الخفير وحتى الأمير، يحتاج أن يكون متصلاً بالله، في قلبه رحمة، الرحمة انعكست ليناً في التعامل، اللين سبب التفاف الناس حولك، أما إن كان هناك بعد عن الله فيوجد قسوة، قال تعالى:

﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الزمر: 22 ]

 القسوة ليست شيئاً قدرياً بل شيئاً كسبياً، من البعد عن الله صار هناك قسوة في القلب.
المذيع:
 ليس الله رزق فلاناً قلباً ليناً للطاعة، والآخر قاسياً.

الفكر الجبري أخطر عقيدة تشل المسلمين :

الدكتور راتب :
 حينما يتوهم متوهم أن الإنسان مجبر على أعماله ألغي الدين، ألغي الثواب، ألغي العقاب، ألغيت الجنة، ألغيت النار، لثانية واحدة إذا توهم الإنسان أنه مسير انتهى الدين كله، دقق قال تعالى:

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف : 29 ]

 واضحة مثل الشمس، قال تعالى:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[سورة الإنسان: 3]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 148]

 لمجرد أن تلغي اختيار الإنسان ألغيت الدين، ألغيت العقيدة، ألغيت الجنة، ألغيت النار، ألغيت الثواب، ألغيت العقاب، انتهى الدين كله، لمجرد أن يقف مدير الثانوية في أول يوم من العام الدراسي ويقرأ على مسامع الطلاب أسماء الناجحين آخر العام، وأسماء الراسبين، هذا الفكر القدري ألغيت الدراسة كلها، لماذا يدرس هو راسب؟ هذا الفكر الجبري أخطر عقيدة تشل المسلمين، الفكر الجبري أن الله كتب عليك أن تزني.
المذيع:
 طالما الله يحاسبنا إذاً بيدي أن أفعل تغيرات وهذا عدل الله عز وجل.
الدكتور راتب :
 لكن أنت لست مخيراً في اختيار أمك وأبيك، ولا اختيار بلدتك، ولا عصرك، ولا كونك ذكراً أو أنثى، ولا قدراتك، حينما تنكشف الحقيقة يوم القيامة هذه الأشياء لصالحك، عبر عنها الإمام الغزالي: ليس في الإمكان أبدع مما كان.
المذيع:
 معنا اتصال جديد الأخ راتب ..
 ما أجمل الإنسان عندما يصوم أو يتعبد أن يكون سعيداً بهذا العمل مهما كان شاقاً، فالمجاهد يسعد بجهاده، والصائم يجب عليه أن يسعد بصيامه، كثير من الناس - نسأل الله لهم الهداية- يأتي رمضان وهو عبء مالي ونفسي عليه كأنه ذاهب إلى الإعدام، نريد كلمة منك ليكون رمضان جميلاً، وشعارنا يكون: رمضان ما بين التقييم والتقويم، جميل أن يقيّم الإنسان نفسه..
ياسر تفضل..
 كيف نستطيع أن نحارب الفتور الذي يصير معنا بعد شهر رمضان؟
 أبو عبيدة تفضل..
 أن تدعو لنا بالفرج ...
 أخي يحيى تفضل ..
 الإنسان برمضان يجب أن يكون مسروراً بالعبادة، لو ذهب إلى بلد غير مسلم، ولا أحد يصوم يجب أن يكون فخوراً بصيامه، كيف يكون بهذه النفسية بعد رمضان؟
أختي أم محمد تفضلي..
 رمضان هو مدرسة إيمانية كبيرة ويجب على الإنسان أن يستغلها وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، أريد أن أحيي فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي وأسأل الله أن يطيل عمره، سيدي يقولون: كلما ازددنا شعوراً بعظمة الله زدنا نحن أنفسنا عظمة لأننا من صنع إله عظيم، ما ردك على هذه العبارة سيدي؟

العظمة هي الشعور بالتفوق و معرفة الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 إن كانت العظمة هي الكبر فهذا الكلام غير صحيح، أما العظمة فهي الشعور بالتفوق، وهذا شعور صحي طبيعي، الإنسان عندما عرف الله عز وجل يرى نفسه أنه حقق الهدف من وجوده، هذا هو النجاح الحقيقي، الإنسان أحياناً يغفل عن سرّ وجوده، يهتم بجمع المال بساعة واحدة يقترب أجله يرى المال لا شيء، المنصب لا شيء، المتع لا شيء، أما الشيء الحقيقي فأن نعرف الله.

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء..))

[ تفسير ابن كثير]

المذيع:
 أخي يزن تفضل ..
 الذي يضيع وقت رمضان من أجل العمل ..

العمل في رمضان :

الدكتور راتب :
 إذا أنت موظف ليس لك خيار والله يكافئك مكافأة غير متوقعة، أما إذا كان العمل بيدك، أحببت أن تعمل راحة نصف دوام، وتكلف موظفيك أن يتابعوا الدوام وأنت واثق منهم، لا يوجد مشكلة، هذه مثل غار حراء خلوة للتعبد.
المذيع:
 أخي محمد تفضل...
 أنا كل شيء أعمله أرجو أن يكون في ميزان حسناتك، أنا كنت واقع في معصية كبيرة، وسمعت درس دين، والحمد لله اهتديت على يدك، الذي يترك شيئاً لله يعوضه الله أفضل منه. أهل زوجتي يوجد مشاكل بيننا، يريدون أن يدعوني في رمضان للإفطار عندهم وأنا لا أحب أن أذهب لعندهم، وأنا ما حرمت ابنتهم منهم.
الدكتور راتب :

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

المذيع:
أبو أسامة تفضل...
 عندنا مذياع في السيارة، وأستمع إلى أسلوبك الجميل، التغيير جميل في حياتنا، أعتب على المشايخ لأنه لا يوجد تغيير، نفس الروتين في رمضان.
أخ جميل تفضل..
 أنا أريد توجيهاً من فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي للمصلين في أثناء التراويح..
المذيع:
 الأخ جميل يطلب نصيحة عن التعاون..

التعاون حضارة و قوة :

الدكتور راتب :
 الإنسان يرتقي عند الله إذا تعاون مع أخوانه، وأحياناً التعاون له ثمن، التعاون فضيلة، والتعاون حضارة، والتعاون قوة، ما معنى تعاون؟ أي إنسان تنازل عن شيء من حقوقه مقابل إتمام العمل، هذا التعاون هذا اسمه فريق العمل الآن، مادام هناك تعاون فهناك حضارة وقوة.
المذيع:
 الأخ محمد يوجد إشكال بينه وبين أهل زوجته..

للتقارب بين الأهل ثمار إيجابية :

الدكتور راتب :
 أنا أقول: لو فرضنا زرتهم، وعبرت عن وجهة نظرك بلطف وذكاء، فمالوا نحوك بعد حين تقطف زوجتك الثمار، الزوجة عندما يكون زوجها ضد أهلها تتمزق، هذا زوجها غال عليها، وهذا أبوها، إذا كان هناك تقارب، إذا اللقاء خفف البعد، خفف الجفاء، له ثمار إيجابية.
المذيع:
 أخونا ياسر عن الفتور بعد رمضان.

الفتور بعد رمضان :

الدكتور راتب :
 أنت في رمضان صليت التراويح، وبرمضان صليت الفجر في الجامع، لو تابعت صلاة الفجر بعد رمضان:

(( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[سنن ابن ماجة عَنْ سَمُرَةَ ابْنِ جُنْدَبٍ ]

 وتابعت قيام الليل قبل الفجر، عندما تابعت النوافل التي في رمضان بعد رمضان قطفت ثمارها بعد رمضان.
المذيع:
 أخونا راتب سرّ السعادة في العبادة ، لماذا نعبد ولا نشعر بالسعادة؟

من يحكم صلته بالله يتصل بأصل الجمال و الكمال و النوال :

الدكتور راتب :
 لأن الله عز وجل أصل الجمال والكمال والنوال عنده، كل جمال في الأرض مسحة من جمال الله عز وجل، أنت عندما تحكم الصلة مع الله أنت اتصلت بأصل الجمال، لذلك:

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

 الجمال كله عند الله، والنوال كله عند الله، والكمال كله عند الله.
المذيع:
 كيف نشعر بجمال العبادة؟
الدكتور راتب :
 مستحيل أن تخطب وده، وأن تخلص، ولا يلقي في روعك أنه يحبك، هذا شيء ثابت، ابنك عندما يأتي آخر السنة معه جلاء وعلاماته تامة ألا تقبّله وتضمه إلى صدرك؟ مستحيل..
المذيع:
 نختم بدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم صن وجوهنا باليسار، و لا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، و نبتلى بحمد من أعطى، و ذم من منع، و أنت من فوقهم ولي العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 شيخنا نحن في اليوم الثاني من رمضان، حتى يكون رمضان أجمل رمضان بثلاثين ثانية انصح أخوانك عبر حياة fm.
الدكتور راتب :
 الحقيقة مادام هناك استقامة، الاستقامة سلبية، أنا ما أكلت مالاً حراماً، أنا ما كذبت، أنا ما غششت، يكملها العمل الصالح، لأن العمل الصالح إيجابي، أعطيت من وقتي، من مالي، من خبرتي، من علمي، فإذا جمعت بين الاستقامة والعمل الصالح هذه بعد رمضان تجعل العام كله رمضان.
المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور