وضع داكن
27-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 131 - العاطفة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مرحباً بكم مستمعينا الكرام إلى مجلس علم جديد، نسير فيه في رحلتنا في طلب العلم مع فضيلة العلّامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا وأستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 أمد الله في علمكم وعمركم دكتور.
 دكتورنا الكريم؛ نتحدث في هذه الحلقة عن العاطفة التي خلقها الله سبحانه وتعالى في قلوبنا، وأبدأ هذه الحلقة بقول الله سبحانه وتعالى من سورة الروم في الآية الحادية و العشرين بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة الروم: 21]

 وأيضاً ما رواه سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه:

((قَبَّلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحسنَ بنَ عَليٍّ، وعنده الأقْرَعُ بنُ حابس التميميُّ، فقال الأقرعُ: إِن لي عَشْرة من الوَلَد ما قَبَّلْتُ منهم أحداً، فنظر إِليهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم قالَ: مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 دكتور نتحدث عن العاطفة التي أوجدها الله سبحانه وتعالى في قلوبنا، نتحدث عن أماكنها الصحيحة، نتحدث عن جفافها، هذا الجفاف العاطفي، وعن أثر ذلك، نبدأ مع فضيلتكم ما هي العاطفة؟ لماذا أوجدها الله في قلوبنا دكتور؟

الفلاح و النجاح :

الدكتور راتب :
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 ما رأيت تعريفاً جامعاً مانعاً قاطعاً رائعاً كتعريف الحسن البصري للإنسان: الإنسان بضعة أيام كلما انقضى منه يوم انقضى بضع منه، وهو عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب الذي يسمو بك، وغذاء الجسم الطعام والشراب، فإذا غذيت عقلك بالعلم، وقلبك بحبّ يسمو بك إلى الله، وجسمك بطعام وشراب مشترى بمال حلال، تفوقت، وارتقيت، وأقبلت، أما إذا لم تغذِ عقلك بالعلم، ولا قلبك بالحب، ولا جسمك بطعام من مال حلال تطرفت، وفرق كبير بين التفوق والتطرف.
يوجد فرق آخر دقيق جداً بين الحظوظ الأحادية والحظوظ المتنوعة، أي إنسان نجح في جمع المال، هذا ناجح، و النجاح ليس سهلاً، المال ليس من السهل جمعه.
 بيل غيتس يملك أربعة و ثمانين مليار دولار، نجح في جمع المال، بل نجح في اختيار زوجة صالحة، هذا نجاح ثان، نجح في تسلم منصب رفيع، مدير عام شركة، نجاح ثالث، فالنجاحات كثيرة لكنها أحادية، بينما الفلاح أن تنجح مع الله معرفةً، وطاعةً، وأداء للعبادات، وقرباً منه بالعمل الصالح، واتصالاً به، وأن تنجح في بيتك كأب، أو كأم، أو كابن، أو كأخت، أو كبنت، أو أداء حق الوالدين، أو أداء حق الأولاد، أو حق الزوجة، هذه الدائرة الثانية، وأن ينجح في عمله يكون العمل مشروعاً، لا يوجد عنده ملهى ليلي، عنده تجارة، تجارة شرعية، ليست بمواد لا ترضي الله عز وجل.
 فالعمل مشروع، والتعامل به بطرق مشروعة، لا يكفي أن يكون مشروعاً، أي يبيع الأقمشة لكن مكيال القماش فيه تساهل، إذا اشترى القماش يعمل خطاً منحنياً للمتر، فرق خمسة سانتمتر وإذا باع القماش يشده كثيراً حتى يكون أقل من متر.
 إذاً يوجد عندك علاقة حرفية، وعلاقة أسرية، وعلاقة مع الله عز وجل، فإذا نجحت مع الله معرفة، وعبادة، وطاعة، وتقرباً بالصلاة، ونجحت في بيتك كنت زوجاً صالحاً، أو امرأة صالحة، أو ابناً صالحاً، أو أباً صالحاً، ونجحت في عملك، أن يكون العمل مشروعاً، وفي إتقانه فأنت فالح، والفلاح مجموعة نجاحات، تتوج بكلمة الفلاح، أي حققت الهدف من وجودك.
المذيع:
 دكتور هذه المشاعر، هذه المحبة التي تسكن القلب هي من الله سبحانه وتعالى، وبالتالي الإنسان لا يأثم حينما يشعر بنوع من أنواع المشاعر نحو الطرف الآخر، مثلاً الرجل الذي يشعر بنوع من أنواع الإعجاب نحو امرأة، لكن المشكلة الآن بالتطبيق هل هذه هي القضية دكتور؟

محاسبة الإنسان على أفعاله لا على نيته :

الدكتور راتب :
 لا تحاسب على نيتك تحاسب على أفعالك، على كلامك، لا تحاسب على مشاعرك أي إذا شخص- أقول حالة نادرة، إن شاء الله تكون نادرة هذه الحالة- لا يحب زوجته، لم يوفق باختيارها، وعنده أولاد منها، والمصلحة تقتضي أن يبقى معها، وأن تبقى معه من أجل الأولاد.
المذيع:
 أي يتعايش معها.
الدكتور راتب :
 وقال لها: أنا أحبك، هذا كذب، أما الكذب هنا فهو جائز، جبر خاطرها، هي قلقة طمأنتها، تبقى شهراً مبسوطة، وكل هذا كلفك كلمة واحدة.
المذيع:
 بهذه القضية دكتور نتحدث عما تشتكيه كثير من النساء، أن الأزواج لديهم جفاف عاطفي، لا يتحدث، لا يتغزل بها.

الثناء على الزوجة غذاء لها :

الدكتور راتب :
الابتعاد عن الله خطير، الثناء على الزوجة أحياناً يكون غذاء لها، دخلت للبيت وجدته نظيفاً، الله يعطيكِ العافية، عملت لك طعاماً وقد تعبت به، ما هذا الطعام الطيب؟ لا حرمني الله منك، ماذا كلفته هذه؟ كلفته كلمة، والله تتكلم بهذه الكلمة مدة شهر لأخواتها ولأقاربها، زوجتك هذه من لها غيرك؟ من تستحق الوردة غيرها؟ تجده مع الأجنبية بمنتهى الأدب، بمنتهى التواضع، يثني على جمالها، وعلى لبسها، وعلى أناقتها، وزوجته قد تكون أجمل منها بكثير، ولا كلمة.
المذيع:
 أو لأنها أصبحت مألوفة في العشرة فلم يعد يلتفت إلى بيته، ولم يعد يتحدث معها.
 دكتور حينما يتحدث مع زوجته، ويعبر عن حبه كما تفضلت بالثناء عليها بأعباء البيت هل هو مأجور عند الله؟

ما عبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر :

الدكتور راتب :
 من دون مبالغة، طبعاً مأجور جبر خاطرها، اسمع الجواب: "ما عبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر" من لها غيرك؟ هل سيمدحها موظف بالوزارة؟ امدحها أنت، إذا هي لم تلق منك مديحاً أبداً يأتي شخص غريب يقول لها: ما شاء الله ما هذا الطول؟ هذا الطول نادر مثلاً، ما هذا اللون؟ يجب أن تسمع المدح منك، وليس من الغريب، يجب أن تلبي لها الحاجة.
المذيع:
 اسمح لي دكتور، هل نحن إيماننا هش لدرجة لو أنا مثلاً كنت سيدة، زوجي قصر ولم يعبر عن حبه لي، إذا جاء إنسان من الخارج وتحدث بكلمة معينة لهذه الدرجة ممكن فوراً أقع في الخطأ؟

من يكيل بمكيالين يسقط من عين الله :

الدكتور راتب :
 طبعاً هي أيضاً مقصرة، لكن عفواً، الحقيقة الإنسان إذا ما طلب العلم، وما انعقدت له صلة مع الله، يغلط كثيراً، تحركه شهواته فقط ومصالحه.

مثلاً إذا مواطن ببريطانيا أخذ أقل من حقه بواحد بالألف تقوم الدنيا ولا تقعد، جلعاد شاليط، هذا أسير عند المقاومة الفلسطينية، العالم قام ولم يقعد من أجل أسير واحد، جلعاد شاليط، ونحن لنا عند اليهود أحد عشر و ثمانمئة أسير ولا كلمة، ولا تعليق، ولا تنديد، ولا استنكار.
 أقول لك كلمة دقيقة: الإنسان عندما يكيل بمكيالين سقط من عين الله.

﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾

[ سورة الكهف: 105]

 عفواً، يأتي زوج قوي، جبار، غني، لا يوجد عنده علم، لم يدرس الفقه والإيمان، يسخر من أم زوجته طيلة السهرة، أمك لا تفهم، أمك لا يوجد عندها لبقاقة، وهي ساكتة، خوفاً من أن يطلقها، في اليوم الثاني تكلمت عن أمه كلمة، يا لطيف! يريد أن يطلقها، لماذا تكيل بمكيالين؟
 أذكر تماماً مرحلة صار فيها إحراق سيارات بفرنسا، من عشر سنوات تقريباً موجة حرق سيارات، يوجد كراج فيه حوالي ثلاثة و عشرين بولماناً، باصات كبيرة وغالية، كلها احترقت، طبعاً المتهم مسلم، إرهابي، هذا الخبر أذيع بالإذاعة الفرنسية، أنا لي طالب مقيم بفرنسا، بباريس، قال لي: أذيع هذا الخبر لسبعة أيام كل يوم يذاع أربعاً وعشرين مرة، كل ساعة يوجد أخبار، خبر حرق ثلاثة و عشرين باصاً، المتهم مسلم، لكن هو ليس مسلماً، ثم جاء موظف بالكراج بلغ الدولة أن الذي حرقهم هو صاحب الكراج، طمعاً بأن يستبدلهم بنوع جديد من الوكالة كلهم، الخبر أذيع مرة واحدة فقط، لي طالب بالطب مقيم بباريس، قال لي: الخبر الذي اتهم به المسلم يذاع سبعة أيام، وكل يوم أربع و عشرون مرة، عندما اكتشفوا أن المتهم هو فرنسي وهو الذي حرقهم حتى يستبدلهم بباصات جديدة أذيع الخبر مرة واحدة.
 أخي الكريم، عندما تكيل بمكيالين أنت لست من بني البشر، سقطت من عين الله يسخر من أمها طيلة السهرة، تكلمت عن أمه كلمة قام عليها الدنيا، وكل حياتنا يوجد فيها مكيالان.
المذيع:
 والعياذ بالله، دكتور، أعود أيضاً إلى قصة المشاعر، والتعبير عنها، وهي حلقتنا لليوم، أحياناً دكتور يكثر الخطاب الديني بالدعاء نحو المرأة، المرأة يجب أن تعتني بزوجها، المرأة يجب أن تتزين لزوجها، ويهمل جانب حق المرأة، أن زوجها يهتم بها.

 

وجوب تزين الرجل لامرأته كما تتزين هي له :

الدكتور راتب :
 هذا خطأ، إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي.
المذيع:
 هذا قول من دكتور؟
الدكتور راتب :
 أحد الصحابة، يمكن سيدنا عمر، إني أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي.
المذيع:
 يا سلام! فهو يعطيها حقها، هذا يفترض أن يكون في الخطاب الديني.
الدكتور راتب :
 والله أنا أحبك، ماذا تخسر، ماذا كلفتك هذه؟ أنا موفق بك، ماذا كلفته هذه؟
المذيع:
 دكتور، العموم يعيبون على الرجل العربي، ولم يكن سؤالاً شرعياً أنه لا يعبر كثيراً، بينما الرجل الغربي يعبر أكثر.

ضرورة تشجيع المرأة و الثناء عليها :

الدكتور راتب :
 سيدي الحقيقة أنه أحياناً تفوته الآخرة فيدرك الدنيا، أحياناً لا يدرك الدنيا ولا والآخرة، عندما كان فظاً ببيته خسر بيته، خسر أولاده، والابن نقاد كبير جداً.
المذيع:
إذاً يبدو كثير منا دكتور يبحث عن حقوقه هو فقط دون أن يقدم حقوق الآخر، هذه الزوجة مثلاً تريد فقط حقوقها ولا تهتم، الزوج يريد حقوقه ولا يهتم بالطرف الآخر، وقد يكون له تبعات، ومشكلات.
الدكتور راتب :
 طبعاً، دخل إلى البيت: السلام عليكم، ما شاء الله! أتعبناك اليوم.
المذيع:
 والله جزء كبير من الرجال دكتور يدخل ينتقد العيوب، لماذا الضوء مشتعل؟
الدكتور راتب :
 الطعام لذيذ جداً، ما شاء الله عندك نفس بالطبخ جيد.
المذيع:
 ولو كان يجامل مقبول و صحيح؟
الدكتور راتب :
 ماذا كلفتك هذه؟
المذيع:
 ولو لم يكن صادقاً.
الدكتور راتب :
 ليس من الضروري أن يكون هذا صحيح، إذا كانت الزوجة جديدة، وطبخها ليس جيداً، قل لها: والله طعامك لذيذ.
المذيع:
 من باب التشجيع.
الدكتور راتب :
 لكن تشجيع.
المذيع:
 جميل!، وقلت دكتور هو مأجور في تعبيره بالعبارات، لأنه جبر خاطر أهل بيته.
الدكتور راتب :
 "ما عبد الله في الأرض بأطيب من جبر الخواطر" سيدي المرأة إنسان ضعيف، ومفتاحها بيدك، مفتاحها تثني عليها بما فيها، وإلا يصير هذا كذباً، لكن فعلاً البيت نظيف، وفعلاً غرفة النوم مرتبة، وغرفة الجلوس مرتبة، وطبخها جيد و قد صنعت لك صحن سلطة، وصحن مقبلات، ويوجد كأس ماء بارد، وأنت تأكل قل لها: أعطاك الله العافية، أين سأجد مثل هذا الطعام؟
المذيع:
 علنا نجد أزواجاً رومانسيين بعد هذه الحلقة دكتور، شيخنا ما زال حديثنا عن العاطفة مع فضيلتكم، أذكر دكتور مقولة أن الإمام أحمد بن حنبل سُئل يوماً: أين تجد العافية؟ فكان جوابه: تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات، ثم قال: بل هي العافية كلها، نتحدث مع فضيلتكم عن فكرة التغافل دكتور.

المؤمن يعطي كل ذي حق حقه :

الدكتور راتب :
 ليس الغبي سيداً في قومه، لكن سيد قومه المتغابي، أي المتغافل، دخلت للبيت يوجد عشرة أخطاء، تكلم عن خطأ واحد فقط، وتغافل عن الباقي، بعد يومين أو ثلاثة تكلم عن الخطأ الثاني، بالنعومة، بالتدرج يصحح كل شيء، أما الطعام ليس طيباً، وذوقك غير جيد، والأثاث ليس مرتباً، أطل بالك، لأنها لازالت جديدة.

(( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ))

[ مسلم عن عائشة ]

المذيع:
 أحياناً دكتور تكون هي مثلاً لنفترض اهتمت بالأولاد، وطعامهم، ودراستهم، واهتمت مثلاً بطعام البيت لم يبقَ فيها طاقة مثلاً لتنظيف البيت.
الدكتور راتب :
 المؤمن يعطي كل ذي حق حقه، ليس من الضروري حقه الكامل، لكن بعض حقه، الزوج له حق بزوجته، أن تكون متزينة، ما الذي يحصل مع الزوج؟ يمشي بالطريق الكل متفلت، إذا غض بصره ضعيف سيرى مناظر مثيرة جداً، وزوجته بقميص النوم، الذي تفوح منه رائحة البصل، طبعاً زوجك يحتاج منك أناقة.
المذيع:
 اسمح لي أن أدافع عن السيدات في هذه الحلقة دكتور.
الدكتور راتب :

نحن نتعاون.
المذيع:
 أكرمكم الله سيدي، التلميذ أمام أستاذه، وكل الاحترام لكم سيدنا.
 دكتور، هي صحيح قميصها رائحته بصل لكن حتى تطبخ له ولأولاده الطعام، هكذا سيكون جوابها.
الدكتور راتب :
 الكلام الصحيح، عندما يأتي الزوج، أو الزوج له مواعيد منتظمة، هذه نقطة مهمة جداً، يأتي الساعة الثانية والنصف، هي انتهت من الطبخ الساعة الثانية، الطبخ جاهز، تذهب و ترتدي و تتزين وتتعطر، هذه الأصول، أن تستقبله بثوب، لذلك عند أحكام الفقه شيء لا تصدقه أنت، لا يجوز أن ترتدي ثوباً جديداً قبل أن يراه زوجها عليها.
المذيع:
 نوضحها أكثر دكتور؟
الدكتور راتب :
 الآن هي اشترت فستاناً جديداً للاستقبال، لا، يجب أن يراه أول إنسان عليك زوجك، هذا الأدب مع الله، من له غيرها؟ تهمل نفسها، فيطلق عينه، إذا لم يكن عنده استقامة قوية، إذا كان دينه وسطاً، يطلق عينه لجهة أخرى.
المذيع:
 دكتور، سأعود إلى فكرة أن أدافع عن السيدات في هذه الحلقة، تقول: مطلوب من الزوجة أن تلبس اللباس الجميل، ولا تلبس الفستان الجديد إلا أمامه، وتهتم به، وهو يدخل دكتور يأكل الطعام ولا تجد منه شكراً.

واجب الزوج تجاه زوجته :

الدكتور راتب :
 هو عليه مليون واجب تجاهها، أولاً يحترمها، ألا يعنفها أمام أولاده إطلاقاً.
المذيع:
 هل يعنفها أصلاً دكتور حتى بينه وبينها؟
الدكتور راتب :
 إذا كان هناك خطأ كبير يجب أن يقول لها: هذا غلط، تقول له: لا، ليس غلطاً، يقول لها: أنت غلطانة وهذا هو الدليل، لكن يترك الحوار السلبي بينه وبينها.
 عفواً لو فرضنا أراد أن يهجرها، ممنوع أن يهجرها إلا في الفراش فقط، حتى لا يعرف الأولاد ذلك، لو هجرها بغرفة ثانية، عنده ثلاثة أولاد، يا ترى ماذا حصل؟ البطولة ألا يكتشف الأولاد ما بين الزوجين.
المذيع:
 ولن يسأل الأولاد الأب لأنهم يخجلون منه، يسألون الأم، يعاتبوها.
الدكتور راتب :
 طبعاً، وهي تتكلم عن أبيهم أحياناً، صغرته، يتكلم عن أمهم يصغرها، هذا غلط كبير، القرآن قال:

﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾

[ سورة النساء: 34]

 قرآن، لماذا بالمضاجع؟ حتى لا يعرف الابن ماذا يوجد بينهما.
المذيع:
 سبحان الله! ما أجمل الدين دكتور، حتى في التطرق لهذه القضايا التي فيها جانب عال من الخصوصية لكن يعالجها بغاية الرقي.
الدكتور راتب :
 لا يوجد زوجان في الأرض إلا وهناك مشاكل بينهما، لكن خمسة بالمئة، عشرة مقبول.
المذيع:
 حتى النبي دكتور عليه الصلاة والسلام بينه وبين أزواجه كانت تحدث خلافات.
الدكتور راتب :
 أبداً، هو قدوة لنا، جاء صحن طعام للسيدة عائشة من ضرتها، فكسرت السيدة عائشة الصحن، كان يستطيع أن يوبخها، قال: غضبت أمكم، غضبت أمكم.
المذيع:
 صلى الله عليه وسلم، الله يفتح عليكم دكتور، الناس لا تحتمل مثل هذا، اليوم دكتور الرجال، طبعاً ليس الجميع البعض منهم دكتور كما تفضلت فضيلتك ممكن أن يدخل إلى البيت يأكل ولا يشكر، وينام، وإذا كان هناك ذرة خطأ يتكلم عنه طوال اليوم، وينسى عشرات الحسنات الموجودة، هذا المنهج دكتور أعتقد تشكو منه كثير من السيدات لأنه يؤذي نفسياً.

 

لكل إنسان حقوق و عليه واجبات :

الدكتور راتب :
 ظالم، أنت أعطيها حقها، أبين لها إيجابياتها، فتتلافى أخطاءها بنفسها.

أخ من أخواني تزوج امرأة سافرة ، هو لم يكن ديناً، فتاب إلى لله، قرر أن يطلقها، قلت له: لا تطلقها، أنا سأعطيك طريقة، عاملها بالإحسان، وهي سافرة، أقسم بالله، وهو صديقي الحميم، بعد شهر ونصف كان يريد الذهاب إلى بيت أهله رآها تلبس مانطو أسود ومنديلاً، بالإحسان.

((يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها))

[ ورد في الأثر]

المذيع:
 إذاً هذه فكرة التغافل دكتور أن يرى الإنسان خطأ ويتعمد أن يتغافل عنه، وكأنه غير موجود، حتى لا يؤذي الطرف الآخر، وتكون الحياة قابلة للتعايش، لكن ألا يكون دوره ناقداً يبحث عن الأخطاء.
الدكتور راتب :
 ممكن أن يكتب عنده عشرة أخطاء عن زوجته، كتبهم بدفتره الصغير، كل يوم أو كل يومين تكلم عن خطأ بنعومة.
المذيع:
 بالمقابل دكتور هل سيقبل هو أن تحدثه هي عن أخطائه، لا يلتزم بالمواعيد.
الدكتور راتب :
 هنا المشكلة، بطولتك أن تسمح لها أن تنتقدك.
المذيع:
 إذا كنت تريد أن تنتقدها يجب أن تسمع نقدها.
الدكتور راتب :
 طبعاً هذه بطولة، مثلما أنت لك حقوق، وعليك واجبات، أنا أقول، وهذا الكلام أقوله دائماً: المنصب القيادي، إن كنت معلم صف، أو مدير ثانوية، أو وزيراً وسمحت للموظف أن يعطيك وجهة نظره السلبية بيك تكون ذكياً جداً، تتلافى كل أخطائك.
 أنا عفواً علمت بالتعليم أربعين سنة، أعطي طلابي استمارة، قل لي ما المآخذ التي تجدها عليّ، أنا أتعب بالدرس كثيراً، أحضره كثيراً، ومعاملتي لطيفة، ولم أعنف طالباً بحياتي، ومع ذلك أريد أن أعرف أخطائي، أتلقى أشياء لم تخطر على بالي أبداً والله.
المذيع:
 يكتب الطالب بأسماء دكتور؟
الدكتور راتب :
 لا، من دون أسماء.
المذيع:
 حتى يكتب بحرية.
الدكتور راتب :
 بحرية، ومن دون أسماء.

 

رفع المعنويات لأن العنف لا يأتي إلا بالشر :

 هناك شيء ثان؛ كان عندنا ثانوية بالشام، يدخل الطالب إلى الثانوية، يوجد سؤال بالمدخل: هل صليت الفجر في وقته؟ يوجد في الأسفل نعم، أو لا، من دون أسماء، لا أحد يراه، ضغط لا، أنا أعرف، الثانوية أنا أسستها، أعرف أن عندك ستمئة طالب، ثلاثمئة صلوا الفجر بوقته، والباقي لم يصلوا، أعطي توجيهاً للمدرسين أن يتكلموا عن فضل صلاة الفجر، هل قدمت لأخوتك معونة؟ سؤال ثان في اليوم الثاني، كل يوم سؤال، فالطالب لا يوجد أسماء، يوجد زر نعم، وزر لا، أنا عرفت ما وضع الطلاب مع أهلهم.

مثلاً تطلب من الطالب السيرة الذاتية، إجباري أول يوم، يكتب حياته كلها، تجد هندامه غير معقول، لأن الأم مطلقة، لا أحد يحقد عليه، حذاؤه غير نظيف، لابسه المدرسي بلا أزرار، معنى هذا أن أمه مطلقة، عندما أرى السيرة الذاتية التي تخصه، عندما أراه ضعيفاً مثلاً بالإعراب ضعيف جداً، ويمكن أن يرسب، أنا كنت أعطيه بيت إعراب أنا أعربه له، أقول له: احفظه عن غيب بالبيت، بيني وبينه، في اليوم الثاني أكتبه على السبورة، نعربه، أطلب منه أن يعربه فيعربه كله، ما شاء الله! صفقوا له، ما الذي حصل؟ ارتفعت معنوياته، صار الأولي بعد ذلك، بنفس المادة.
 يجب أن ترفع معنوياته، أنا ضد العنف يا سيدي، العنف لا يأتي إلا بالشر.

(( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ))

[ مسلم عن عائشة ]

 بعلاقتك مع الزوجة، مع الأولاد، مع طلابك بالمدرسة، أنا أتبع طريقة بالتدريس نادرة جداً، أسماء الطلاب بدفتر، لم يكتب وظيفته، لا أضربه، ولا أسبه، ولا أتكلم مع أبيه، أضع إشارة عندي، أقول له: أنت لك عندي أن تغلط بالسنة خمس مرات، الآن أنت استهلكت فرصة، لا قتلت، ولا ضربت، ولا سببت، ولا رجفت.

((كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ))

[الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه]

 ممكن أن تغلط بالسنة خمس مرات، الآن أنت استنفذت فرصة، صاروا ثلاث مرات، أقول له: انتبه يا بني بقيت لك فرصتان، إذا صاروا خمس، السادسة فصل مدة أسبوعين من المدرسة، وأنا أنفذ العقوبة، فصل يجلس ببيته أسبوعين، يأكل ضرباً من أهله، هذا شيء ليس سهلاً، أنا أسمح لك أن تغلط بالسنة خمس مرات، لم يحضر معه كتاب المطالعة، إشارة، لم يكتب الوظيفة، إشارة، ضرب رفيقه إشارة، إما سلوك أو دراسة، مسموح له أن يغلط بكل أنواع الأغلاط خمس مرات بالسنة.
المذيع:
 هل هذا المنهج دكتور يمكن أن نتعامل به في التربية مع أولادنا؟
الدكتور راتب :
 مع أولادك تطبقه، أنا - وهذا اجتهاد مني - يوجد عندي درج فيه مال، مبلغ جيد، أقول لابني: خذ وسجل، يشعر أن عنده نقوداً.
المذيع:
 لأولادك دكتور يوجد درج مالي فيه نقود مسموح أن يأخذ ما يشاء!
 طبعاً، لكن عليه أن بسجل، أنا أضع مثلاً ألف ليرة، عبارة عن عدة قطع؛ خمس ليرات و عشر و غير ذلك، يأخذ خمس ليرات، يكتب: فلان أخذ خمس ليرات، لا يوجد عندي مشكلة، المبلغ دقيق، وهناك دفتر يشجل به، الذي يبقى يسمونه: فجعة عين.
المذيع:
 لا يوجد عنده قلق للحصول على المال.
الدكتور راتب :
 أبداً، المال موجود، لكن اكتب ماذا أخذت.
المذيع:
 هل يمكن أن يأخذ أخ أكثر من أخيه دكتور؟
الدكتور راتب :
 يكون هناك سبب، عندنا عدل وعندنا مساواة سيدي، عندك ابن بالجامعة، وعندك ابن بالابتدائية، ابن الجامعة يحتاج أربعة أضعاف، هذا عندك عدل ومساواة، العدل غير المساواة، العدل يتفاوت، شيء يكافئ حاجته، هذا العدل، المساواة بالتمام.
المذيع:
 هذا الإشباع العاطفي دكتور يغيب عن بيوتنا.

 

العطف غذاء القلب :

الدكتور راتب :
 والله دكتور بعلم النفس، يعد أحد خمسة علماء نفس بالشرق الأوسط، كان أستاذنا، علمنا مدة سنتين، له كتاب اسمه: علم النفس التربوي، يقول لنا كلمة من منطلق علمي فقط: إذا لم تضم ابنك باليوم عشرين مرة تكون قد قصرت بحقه، غير الأكل، والشرب، والنظافة، والترتيب، و النقود، يجب أن يشعر بالعطف، هذا غذاء القلب.
المذيع:
 لأي عمر هذا يبقى دكتور؟
الدكتور راتب :
 طبعاً لعمر صغير، "لاعبه سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً، ثم اترك حبله على غاربه" صار صديقك، من واحد لسبع سنوات فقط ملاعبة، لا يوجد ضرب حتى يحبك، من سبع سنوات و حتى أربع عشرة سنة كذب معنى هذا يوجد مشكلة، كذب عليك، حرمته من النقود يوماً بأكمله، ثم نصيحة صار صديقك، "لاعبه سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً" ثم انتهى، تعامله كصديق.
المذيع:
 كلام طيب وجميل، دكتور العاطفة بين الغرف والإشباع، نتواصل بحلقتنا لهذا اليوم، النماذج التي ذكرتها فضيلتك جميلة جداً، عندما يعتقد الأب دكتور أن دوره في الحياة لا يقتصر على الرعاية، وتأمين المستلزمات المالية، وإنما على جوانب كثيرة، جزء منها هذا الإشباع العاطفي، الابن يقلق من قلة المال، أنت وفرت له المال، يقلق من كذا.
 أنا سأعود إلى الحديث الذي بدأنا به الحلقة دكتور، النبي عليه الصلاة والسلام حينما رآه أحد الصحابة يقبل الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس جالساً، فقال الأقرع: عندي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه النبي عليه الصلاة والسلام فقال:

((مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ ))

[أخرجه زيادات رزين عن جابر بن عبد الله]

 تعليق فضيلتكم دكتور.

 

العطف على الصغير و الاستماع للكبير :

الدكتور راتب :
 التعليق: سيدنا محمد سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، يخطب على منبر يوم الجمعة، رأى ابن ابنته الحسن يمشي ويتعثر- يمكن لا يفعل هذا أي خطيب بالأرض- ينزل من منبره، يحمل الحسن على يديه، ويتابع الخطبة، من يفعل هذا الآن؟
 كان سيدنا عمر إذا رآه الأطفال يخافون ويتفرقون، كان مرة يمشي بالطريق، وهناك أطفال رأوه من بعيد فتفرقوا، إلا واحداً منهم، قال: يا غلام لِمَ لم تهرب مع من هرب؟ قال له: أيها الأمير، لست ظالماً لأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك.
دخل على عبد الملك بن مروان وفد الحجازيين، وفد الأمة الحجازيين، هو بالشام، والحجاز مكة والمدينة واليمن، تقدمهم غلام لا تزيد سنه عن عشر سنوات، فالملك انزعج جداً قال له: أيها الغلام اجلس، وليقم من هو أكبر منك سناً، فابتسم الغلام، قال له: أصلح الله الأمير المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً ذكراً، وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك في هذا المجلس.
 قال له: أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، ومعكم فضول أموال، إن كانت لله فنحن عباده، وإن كانت لكم فتصدقوا بها علينا، وإن كانت لنا فعلامَ تمنعوها منا؟ قال: والله ما ترك هذا الغلام لنا في واحدة عذراً.
 الطفل عندما يشعر أن له شخصية، الأب يسمع له، أنا أتمنى ألا يعاقب أب ابنه أمام أخوته، أمام أخوته مرة، وأمام أصدقائه مئة مرة لا يعاقبه، شيء خطير، رفيقه ضربه والده يتكلم بهذا لأهله، يذكره دائماً بهذا، إذا أردت أن تعاقبه فعاقبه بينك وبينه، على انفراد، والابن يحتاج إلى غير الأكل، والشراب، واللبس، يحتاج إلى عاطفة حارة، ضم الابن للصدر شيء لا يصدق قال هذا علماء النفس الذين لا علاقة لهم بالدين إطلاقاً- الصغير طبعاً حتى يشعر أن له أباً رحيماً.
المذيع:
 إذا الصغير يُضم دكتور، الكبير كيف نعبر عن محبتنا؟
الدكتور راتب :
 يقبّل من رأسه.
المذيع:
 يمكن بحاجة إلى جلسات نقاش مثلاً.
الدكتور راتب :
 طبعاً، يجب أن تسمع له، لي كلمة أقولها، لكن إن شاء الله أكون دقيقاً فيها: إذا الأب لا يوجد عنده وقت يجلس مع أولاده، إن ألبسهم أغلى اللباس، وأطعمهم أطيب طعام، هذا ليس أباً، أهم من كل اللباس والطعام والإنفاق والبذخ عليهم أن تجلس معهم، الحد الأدنى ساعة باليوم.
 أعرف أخاً وصل لمرتبة عالية جداً بالدولة، الساعة الثانية يكون الطعام جاهزاً من عشرين سنة لا يمكن يتخلف أحد عن الطعام، ساعة اعملها أنت أثناء الطعام.
 بابا حول ماذا تكلم الأستاذ اليوم؟ ماذا قال لكم بدرس الديانة مثلاً؟ حاور ابنك يسمع، اتركه يتكلم لك عن ماذا تحدث الأستاذ.
المذيع:
 دكتور، في قصة الأقرع بن حابس، النبي عليه الصلاة والسلام اعتبره لا يملك رحمة، وهو لم يرتكب سوءاً هو فقط كان جافاً إن جاز التعبير في تقبيل أولاده.
الدكتور راتب :
 الابن بحاجة إلى تقبيل أبيه كحاجته للطعام والشراب والنوم، حاجة أساسية، هذا الود.
المذيع:
 إذاً الدين يحث صاحب القلب القاسي أن يغيره، دكتورنا الكريم بعض الآباء كما كنا نقول قبل قليل دوره يقتصر فقط على الرعاية المالية، هل ترى أنه أدى رسالته كمالاً إذا أنفق فقط؟

تربية الأولاد و الحفاظ على أخلاقهم أهم من تأمين مستلزمات الحياة :

الدكتور راتب :
 ما أدى شيئاً.
المذيع:
 مع أنه أنفق دكتور، ويعمل ليلاً نهاراً من أجل أن يؤمن مستلزمات الحياة الصعبة؟
الدكتور راتب :
 يوجد كلمات قاسية جداً، قبل أن تعمل وتطعمهم، ربّ أخلاقهم، عرفهم بالله، عرفهم بالإسلام، اطرح السلام عندما تدخل للبيت.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، الله يفتح عليكم على هذا الكلام الطيب والجميل.
 دكتورنا الكريم أيضاً في قضية التعبير عن هذه المشاعر، وعن هذه العاطفة، الحديث عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:

(( إن أعظم صدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته ))

 لماذا لهذه الدرجة الدين يريد هذه المشاعر القريبة من الأبناء والعائلة؟

 

على الابن أن يرى محبة أمه لأبيه ومحبة أبيه لأمه :

الدكتور راتب :
 وأن تضع اللقمة في فم زوجتك هي لك صدقة، لقمة من يدك تضعها في فم زوجتك لا تنساها لشهر.
المذيع:
 هي من صنعت الطعام، لكن هو يطعمها بيده.
الدكتور راتب :
 مثلاً يوجد قطعتا لحم، أحدهما أكبر من الأخرى، أعطها الكبيرة، كلي هذه من أجلي، هو ماذا سيخسر؟
المذيع:
 ويضعها بيده في فمها.
الدكتور راتب :
 وأن تضع اللقمة في فم زوجتك هي لك صدقة.
المذيع:
 أمام الأولاد دكتور؟
الدكتور راتب :
 نعم أمام الأولاد، هنا النقطة دقيقة، يجب على الابن أن يرى أن والده يحب أمه.
المذيع:
 سيخجل الأب دكتور، وتخجل الأم؟
الدكتور راتب :
 لا، لا شيء فيها، بالعكس هذا خجل ليس له مبرر، هي أمكم، هي قرة عيني، أمل حياتي.
المذيع:
 لماذا الأمور لا تمشي مع الرجال هكذا دكتور، لا أحد يطعم زوجته.
الدكتور راتب :
 هناك خطأ كبير، يجب على الابن أن يرى محبة أمه لأبيه، ومحبة والده لأمه.
المذيع:
 هو اليوم يأكل طعامها دكتور بدل أن يطعمها، الله المستعان، ما أجمل الدين دكتور.
الدكتور راتب :
 والدنيا إذا اجتمعا.
المذيع:
 أقصد من ينظر إلى حقوق الرجل يشعر وكأن كل الحقوق له، من ينظر إلى حقوق المرأة يشعر أن الإسلام يهتم بها وحدها، هذا التمازج الجميل بين حقوق الرجل والمرأة في الإسلام دكتور يولد فعلاً عائلة مستقرة، مليئة بالعاطفة، لكن يبدو أننا بعيدون قليلاً دكتور عن الدين، وبعيدون حتى عن فهم هذه القضايا.

السعي لبناء عائلة مستقرة مليئة بالعاطفة :

الدكتور راتب :

امرأة تطبخ لزوجها خمسين سنة، لم تسمع كلمة ثناء إطلاقاً، فمرة فتح غطاء الوعاء فوجد تبناً، قالت له: ما سمعت منك كلمة بحياتي.
المذيع:
 لا تلام، يمكن عندما تموت يترحم عليها يقول كانت جيدة، لكن في حياتها لم يسمعها كلمة واحدة دكتور.
المذيع:
 أنا لي صديق توفيت والدته، الوالدة توفيت بالخامسة والثمانين، وقد كان والده بالخامسة والتسعين، أنا عزيته، طبعاً هو صديقي الحميم، لفت نظري أن الأب يبكي على امرأته الميتة بالخامسة و الثمانين، هل ماتت بسن السابعة عشر؟ فأنا كنت أحاول أن أخفف عنه فبكى، قال لي: والله خمس و خمسون سنة ما نمت يوماً و أنا حزين منها، هذا البيت الإسلامي.
المذيع:
 يا سلام! الله يفتح عليكم دكتور، دكتورنا الكريم، خطورة غياب هذا الإشباع العاطفي، ووجود البديل ألا وهو الفراغ العاطفي، خطورته على العائلة، على الأولاد، على الزوجة، على الزوج دكتور.

خطورة الفراغ العاطفي على العائلة :

الدكتور راتب :
 يصبح البيت لا يطاق سيدي، لكن يكون هناك بيت مادي إن أطعمته أطيب طعام، يجب أن تعلمه الآداب، لو ألبسته أجمل ثياب، يجب أن تعلمه الآداب، أدبوا أولادكم وأحسنوا تربيتهم، أدبوهم، الأدب شيء مهم، أحياناً الابن لا يتكلم أمام الكبير، لا يقعد، لا يمشي أمامه، ولا يجلس قبله، من آداب النبي الكريم للآباء.
المذيع:
 دكتور أيضاً أنتقل مع فضيلتكم لقضية مربوطة بعدم قناعة كل طرف من الأزواج بالطرف الآخر، وأعتقد جزءاً منها دكتور قد يكون مربوطاً بالبصر، أطرح هذه الفكرة انطلاقاً من قوله سبحانه وتعالى:

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة طه: 131]

دكتور الرجل الذي لا يرى بعيونه جمال زوجته، ما المشكلة؟

 

لغض البصر ثمار بالبيت لا تعد ولا تحصى :

الدكتور راتب :
 أنا والله عندي جواب لكن ليس مقنعاً، الرجل عندما يغض بصره عن امرأة لا تحل له يهبه الله محبة زوجته، والدليل يقول النبي الكريم:

(( الحمد لله الذي وهبني حبّ عائشة))

المذيع:
 أي هو رزق من الله.
الدكتور راتب :
 زرق من الله، هذا الرزق تحب زوجتك، حلالك.
المذيع:
 لكن الطريق له أن تبتعد عن الحرام وتغض بصرك؟
الدكتور راتب :
 أنا لا أصدق إنساناً غض بصره عن محارم الله ولم يكن محباً لزوجته، هذه مكافأة.
المذيع:
 والذي يطلق بصره دكتور لم يغض بصره؟
الدكتور راتب :
 لا تعجبه زوجته، أخذ من الأولى الطول، ومن الثانية اللون، ومن الثالثة الشعر، لن تعجبه زوجته، رسم صورة ليس لها وجود، أخذ من الأولى الطول، ومن الثانية اللون، ومن الثالثة الشعر، جمعهن بامرأة من خياله.
المذيع:
 أصبح يقارن لم يعد يقبل بما لديه، وبالتالي لديه جفاف عاطفي.
الدكتور راتب :
 غض البصر فيه آية قرآنية، ليس موضوع حديث شريف.

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾

[ سورة النور: 30]

 هذا غض البصر له ثمار بالبيت لا تعد ولا تحصى.
المذيع:
 في المقابل دكتور بعض الزوجات لا ترى من زوجها خيراً كما جاء في الحديث عن اللواتي:

(( يكفرن العشير، ما رأيت منك خيراً قط))

 

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن عبد الله بن عباس]

 مع أنه هو يقدم لها كل شيء دكتور لماذا؟ هل لأنها تنظر أيضاً لما عند غيرها من النساء؟
الدكتور راتب :
 ابن عباد كان ملك الأندلس، وكان من أقوى ملوكها، لكن عندما جاء ابن تاشفين نزع عنه الملك، فصار فقيراً، عندما كان ملكاً عنده زوجة اشتهت حياة الفقر، طلبت منه أن تدوس على الطين، أحضر لها مسكاً وعنبراً وماء زهر، جبلهم وقال لها: هذا الطين، افتقر ونزع منه الحكم، وصار فقيراً، فقالت له مرة: لم أرَ منك خيراً قط، فقال لها: ولا يوم الطين؟

(( يكفرن العشير))

 النساء العاديات ليس المؤمنات.
المذيع:
 الرجل الذي لا يقنع بزوجته أرشدتنا دكتور عنه من هو؟
الدكتور راتب :
 لن يقنع بامرأة أخرى.
المذيع:
 هو يطلق بصره دون ضبط.
الدكتور راتب :
 طبعاً.
المذيع:
 والمرأة التي لا تقنع بخير زوجها معنى هذا هي أيضاً تطلق بصرها على نعيم غيرها من النساء، وتقارن زوجها عمل لها كذا و زوجي لم يفعل ذلك.
الدكتور راتب :
 طبعاً، أحياناً يكون هناك حديث قد يكون ضعيفاً، نحن عندنا عن غض البصر آية وليس حديثاً.

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 30]

 ما علاقة الكلمتين؟ طريق حفظ الفرج غض البصر.

﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾

[ سورة النور: 30]

 نفس الآية سيدي.
المذيع:
 كلام طيب، وكلام جميل، الله يفتح عليكم دكتور.
 دكتور في نهاية هذه الحلقة ما هي رسالة فضيلتكم خاصة لمن يملك محبة لا يقبل أن يعبر عنها، ماذا تقول له دكتور؟ المحبة موجودة لكنه لا يتكلم؟

المحبة إن وجدت بالقلب فعلى الإنسان أن يفصح عنها :

الدكتور راتب :
 أقول له كلام النبي، النبي جالس مع أصحابه، مرّ شخص، قال أحد الصحابة: إني أحب هذا الرجل، قال له: هل أعلمته؟ قال له: لا، قال له: قُم فأعلمه.
المذيع:
 معنى هذا أن المحبة موجودة بالقلب، لكن يجب أن تتكلم.
الدكتور راتب :
 أسمعها كل يومين أو ثلاثة كلمة، أدامك الله لي، فقط هذه الكلمة.
المذيع:
 دكتور كثير على الرجال باليوم مرتين أو ثلاثة، أعطه واجباً أسبوعياً ثم واجباً يومياً.
الدكتور راتب :
 أقول كل يومين أو ثلاثة.
المذيع:
 رفع الله مقامكم دكتور، وزادكم علماً، وبارك في عمركم يا شيخنا الجليل.
 نختم حلقتنا بالدعاء ونسأل الله القبول.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، احقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات الطيبة عن العاطفة بين إشباعها وبين فراغها دارت حلقتنا لهذا اليوم.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور