وضع داكن
28-03-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 133 - الخوف من المستقبل والمجهول.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام، أرحب بفضيلة العلّامة محمد، أهلاً وسهلاً بكم دكتورنا .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 حديثنا اليوم دكتور عن الخوف من المستقبل ومن المجهول، ونبدأ مع فضيلتكم بالمقدمة العامة لهذا الموضوع.

الله تعالى خلق الإنسان ضعيفاً ليفتقر إليه و يدخل الجنة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 الله عز وجل يقول:

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾

[ سورة النساء: 28 ]

 لو تصورنا العكس، لو خلقه قوياً لاستغنى بقوته عن الله، فلما استغنى بقوته عن الله شذ وانحرف، واستحق النار، أما خلق ضعيفاً ليفتقر إلى الله في ضعفه، فإذا افتقر إلى الله في ضعفه سعد بافتقاره، وسلمت نفسه ودخل الجنة.
 أحياناً السلبيات لها أدوار إيجابية خطيرة جداً، الإنسان خلق ضعيفاً، يخاف من مرض، من فقر، من عدو غاشم، هذا الخوف يلجئه إلى الله عز وجل، لو خلقه قوياً لاستغنى بقوته عن الله، فشقي باستغنائه، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، ليسعد بافتقاره، والقضية دقيقة جداً.

أنواع المصائب :

 أنا أقول: كل المصائب من دون استثناء تمثل في السيارة بالمكبح، السيارة صنعت كي تسير، أما هذا السير إذا كان هناك منحرف شديد، ولا يوجد مكبح هذا السير ينتهي إلى الموت، فالمصائب تشبه المكبح، ولحكمة بالغةٍ بالغة ولكن لابد من شرح: الحقيقة أن المصائب أنواع، النوع الأول الراقي مصائب الأنبياء، هذه المصائب مصائب كشف، هذا النبي عنده كمالات، وعنده رقي نفسي، وعنده رحمة بقلبه، وعنده عدل مطلق، هذه الكمالات الراقية جداً لا تظهر بالأحوال العادية، تظهر في الأزمات، لذلك:

((أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))

[الترمذي عن أنس بن مالك ]

الحكمة من أن النبي الكريم ذاق كل أصناف المتاعب في حياته :

 الشيء الآخر الملمح الدقيق جداً أن هذا النبي لو كان غنياً الفقراء يقولون: لأنه نبي غني، لكن لحكمة بالغةٍ بالغة هذا النبي ذاق كل أصناف المتاعب في حياته، ومع ذلك كان نبياً، أي انتصر على بشريته، فاستحق النبوة، ذاق الفقر.

((أوذيت في الله))

 ذاق الأذى في الله.

((أوذيت في الله وما يؤذى أحد مثلي))

((أيُّ الناس أشَدُّ بلاء ؟ قال: الأنبياءُ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ))

[الترمذي عن مصعب بن سعد رحمه الله ]

 هذا جبر - بالتعبير الدارج - لخاطر المستضعفين في الأرض.

((ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))

المذيع:
 دكتور هذا الخوف من المستقبل، وهذا الخوف من المجهول، هل هو شيء فطري أم أنه علامة ضعف بالإيمان؟

تعلق الخوف من المجهول بالحالة النفسية للإنسان :

الدكتور راتب :
 دائماً وأبداً الأحوال النفسية، تصورة عموداً، وعليه خطان أحمران صغيران، خط أدنى، وخط أعلى، ما دام الخوف ضمن هذين الخطين طبيعي، صحي، شيء متعلق بالفطرة، بالتصميم، بالخلق، عندما يتجاوز الخوف الخط الأحمر الأعلى صار هذا وضعاً مرضياً، يخاف من لا شيء، يخاف من وهم، هذه حالة مرضية، وعندما لا يخاف يكون أحمق.
المذيع:
 كيف يدرك الإنسان ما هما هذا الخطان دكتور الذي بينهما يكون خوف منطقي وفطري؟

تطابق الدين مع الفطرة :

الدكتور راتب :
 الحقيقة عظمة هذا الدين- والكلمة دقيقة جداً- أنه متطابق تطابقاً تاماً مع الفطرة، أي أمر أمرك الله به إذا طبقته تسعد بطبيقه، وأي نهي نهاك الله عنه إن تركته تسعد بتركه، لذلك ما من شيء أمرك الله به إلا فطرك عليه.

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 30]

 سآتي بمثل دقيق جداً: إذا إنسان أمه طلبت منه الساعة الواحدة ليلاً أن يأتيها بدواء من الصيدلية، فإذا قال لها: الصيدليات مغلقة يا أمي، فسكتت، وهو يعلم أن هناك صيدلية تفتح أبوابها للمضطرين، هنا ليس له مفتاح إطلاقاً، أي كذب عليها، أو هي تعلم الحقيقة، لكن لا تريد أن تحرجه، لو انطلق الساعة الواحدة ليلاً إلى عدة صيدليات مناوبة، والدواء غير موجود، يرجع مرتاحاً، وبالحالتين الأم ما أخذت الدواء.
 النفس دقيقة جداً، عندما ينحرف الإنسان يحس بنخزة، بتأنيب، ثم عنده هذا القلب، هو نعمة كبيرة جداً، فالذي يحاسب نفسه دائماً هو في بحر الأمان، أما الشيء الخطير أنه يرتكب أكبر الأخطاء ويقول: ماذا فعلنا؟

﴿ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 14]

المذيع:
 دكتور، هل ورد في بعض النصوص الشرعية من القرآن من الأحاديث ما تحدث عن هذا المستقبل، عن هذا المجهول، سواء كان في الرزق، في يوم القيامة، في الخوف مما هو قادم من الأيام.

الغيب لا يعلمه إلا الله وما يعلمه النبي هو وحي من الله :

الدكتور راتب :
 الحقيقة النبي الكريم من مسلمات العقيدة أنه لا يعلم الغيب، الدليل:

(( قل لا أعلم الغيب))

المذيع:
 وهو نبي.
الدكتور راتب :
 وهو سيد الخلق، إلا أن الله أطلعه على ما سيكون، فكل أحاديث النبي عن قيام الساعة، وعن أشراط الساعة، وعن المستقبل، هذا ليس من علم النبي، من إعلام الله له.
المذيع:
 وحي من الله، إذاً الغيب لا يعلمه إلا الله.
الدكتور راتب :
 أبداً، في آخر الزمان:

(( إن الإِسلامَ بَدَأَ غريباً؛ وسيعودُ غريباً كما بدأَ، فطوبَى للغرباء))

[الترمذيّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ]

((أناس صالحون في أناس سوء كثير))

[أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ]

 يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه.

(( موت كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لمَ يقتل، ولا المقتول فيمَ قُتل))

 هذه كلها من أشراط الساعة، يكون أسعد الناس في الدنيا لكع ابن لكع، إنسان ما قدم شيئاً لكن معه مال، معه مال وفير.
 فأكثر أشراط الساعة الصغرى وقعت.
المذيع:
 دكتورنا، إذاً الخوف الذي يمكن أن ينتاب الإنسان خوفه على رزقه، خوفه على أيامه، خوفه على صحته.

ضعف الإنسان باعث له على الحركة و العمل :

الدكتور راتب :
 هذه حالة صحية، أي :

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾

[ سورة النساء: 28 ]

 هذا الضعف باعث له على الحركة والعمل، أما إذا بلغ حداً أعلى صار حالة مرضية.
 الحديث هو أثر قدسي، أثر قدسي أي معزو إلى الله عز وجل:

(( يا بن آدم لا تخف من ذي سلطان ما دام سلطاني باقياً))

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 الأقوياء يستمدون قوتهم من الله، في أي لحظة تحجب عنهم القوة، لذلك:

(( يا بن آدم لا تخف من ذي سلطان، ما دام سلطاني باقياً، وسلطاني لا ينفذ أبداً))

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ ﴾

 أل الجنس، أي أمر في الأرض، بدءاً من الحرب العالمية الثالثة إلى:

(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم))

[ ابن عساكر عن البراء ]

 أنت حينما توحد ترتاح، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، أنه حينما ترى أنه لا معطي، ولا مانع، ولا خافض، ولا رافع، ولا معز، ولا مذل، ولا مغني إلا الله جمعت كل علاقاتك مع جهة واحدة، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
 يوجد رئيس لك بالدائرة ظالم، وزوجة متعبة، وحرفة قاسية، ودخل قليل، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

(( ما من مخلوق يعتصم بي من خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيدوه أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، ما من مخلوق يعتصم بمحلوق من دوني أعرف هذا من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه))

[ ورد في الأثر]

أنواع الشرك :

 والآن أنا مضطر- جاء السياق كذلك- عندنا شرك خفي، و شرك جلي، الشرك الجلي انتهى مع مجيء سيدنا محمد، والرسالة، والقرآن، شرك جلي لا يوجد ، نحن لا يوجد عندنا بديننا إله مثل بوذا يعبد، الشرك الجلي انتهى، أما:

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي))

[أحمد عن شداد بن أوس ]

 غير ظاهر.
المذيع:
 وما هو الشرك الظاهر دكتور؟
الدكتور راتب :

((أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية، وأعمال لغير الله))

 الإنسان عندما يحدث نفسه، يجلس منفرداً مع امرأة لا تحل له دخل بالشرك الخفي، عندما يحاول أن يطلع على كل من حوله من النساء بشهوة طاغية دخل بالشرك الخفي.

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية، وأعمال لغير الله))

من أيقن أن علم الله و قدرته تطوله لا يمكن أن يعصيه :

 أحياناً يكون معك شريك، والشريك واثق منك، وأنت معك الحسابات، ممكن أن تسحب مبالغ طائلة دون أن يشعر، ولا يشعر بذلك، من يراقبك؟
 أخي الكريم حينما يغفل عن مراقبة الله له انتهى، آتي بمثلين بسيطين: أنت راكب سيارتك، وتمشي بالطريق، والإشارة حمراء، أو يوجد كاميرا، قديماً إشارة حمراء، الآن يوجد كاميرا، لماذا تقف؟ لأنك موقن يقيناً قطعياً أن واضع نظام السير وزير الداخلية علمه بالمخالفة يطولك من خلال هذا الشرطي، أو من خلال هذه الكاميرا، وقدرته تطولك، يوجد سحب إجازة، وتجميد السيارة سنة بأكملها، هنا بالأردن عندكم يوجد تجميد السيارة سنة بأكملها، فأنت لأنك موقن أن علم واضع القانون علمه يطولك، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه، بالحياة المدنية، القرآن:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق: 12]

 علمه يطولك، وقدرته تطولك، الآن يطولك كيف؟ أحياناً نقطة دم لا ترى بالعين، إلا بالمجهر، تتجمد في أحد شرايين الدماغ، بمكان فقد ذاكرة، لا يعرف ابنه، بابا أنا ابنك، من أنت؟ كان هناك شخص بمنصب رفيع بسوريا، رئيس وزارة، يخرج ولا يعود، يبحثون عنه بالشام كلها، لأنه فقد ذاكرته، إذاً تنقلب الحياة لجحيم بفقد الذاكرة، أو بفقد الحركة، أصبح يحتاج إلى من يعتني به، سبحان الله!
 أعرف عالماً جليلاً بالشام، الشيخ بدر الدين الحسني، بلغ سبعة و تسعين عاماً من عمره، وكان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، إذا رأى شاباً يقول له: يا بني أنت كنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي، علم ثمانين سنة، وكان منتصب القامة، حاد البصر، يا سيدي! ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
 أنا أطمئن أخواننا الكرام، بالبدايات الشباب كلهم صحتهم طيبة، أين البطولة؟ بخريف العمر، المستقيم يتمتع بصحته الكاملة إن شاء الله إلى نهاية حياته.
المذيع:
 الخوف من المستقبل والخوف من المجهول هو عنواننا، دكتور قلت في الحديث القدسي، نتمم الحديث دكتور.

الرزق بيد الله وحده :

الدكتور راتب :

(( يا بن آدم لا تخش من ضيق الرزق، وخزائني مليئة، وخزائني لا تنفذ أبداً))

 الرزق بيد الله.
المذيع:
 والإنسان الخائف من المستقبل في الرزق يقول: ماذا سيحصل لي؟ ماذا سيحصل لأولادي؟

الحكمة من ثبات القوانين ما عدا الصحة و الرزق :

الدكتور راتب :
 الحقيقة الله ثبت مليون قانون، مليار قانون، قانون التبخر، قانون المطر، كله مثبت، إلا موضوع الصحة والرزق هذه متغيرة، وكأن الله أراد من خلال هذين الموضوعين المتبدلين أن يعالجنا بهما.
المذيع:
 نشرحها دكتور، كيف عفواً القوانين ثابتة عدا الصحة والرزق؟
الدكتور راتب :
 ليس كل إنسان صحيح، الله عز وجل يمتحن الإنسان بالمرض، قد يعطل عليه حياته، قد ينغص عليه هناءته، المرض صعب جداً، والأمراض لا تعد ولا تحصى، بالملايين، ذرة دم لا ترى بالعين تفقد الإنسان ذاكرته.
المذيع:
 دكتور، في الحديث القدسي الذي حضرتك ذكرته دكتورنا عن الرزق، حينما يخاف الواحد منا من المجهول، ألا وهو عفواً دكتورنا في المستقبل، هل هذا الأمر يخيف؟ هل هذا الأمر مرفوض دكتور؟

تمتع المؤمن بالأمن :

الدكتور راتب :
 لا.

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا ﴾

[ سورة التوبة: 51 ]

 لن، لتأبيد نفي المستقبل.

﴿ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

[ سورة التوبة: 51 ]

 هذه نقطة مهمة جداً، يتمتع المؤمن بثقة برضوان الله، يتمتع بحالة أمن لا يملكها إنسان آخر، الدليل:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ﴾

[ سورة الأنعام: 81 ]

 الأمن غير السلامة، السلامة ما وقع معك شيء سلبي، الأمن عدم التوقع، لأنك من خوف الفقر في فقر، ومن خوف المرض في مرض.
المذيع:
 دكتور، من منا لا يخاف المرض والفقر دكتور؟
الدكتور راتب :
 هو يخاف، لكن طمعه برحمة الله، أي غال على الله، ما الدليل؟ يوجد دليل، أعطي النبي الكريم دواء لذات الجنب، فغضب، قال: ذلك المرض ما كان الله ليصيبني به.
 وأنت يا مؤمن تصيبك أشياء خفيفة للفت نظرك إلى الله، أما تحطيم كامل فهذا مستحيل.

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ﴾

 عدم توقع المصيبة أمن، ليس عدم حدوثها، عدم حدوثها سلامة.
المذيع:
 هذا الشيء دكتور قد يكون فوق طاقة البشر أم لا؟ مثلاً إنسان يعمل.
الدكتور راتب :
 ضمن طاقة المؤمن.
المذيع:
 أنا أعمل فصلت من عملي، لن أخشى ما سيأتي في الأيام القادمة؟

الإيمان بالله و الابتعاد عن الظلم ضروريان لنيل الأمن من الله :

الدكتور راتب :
 إذا ما كان بين الإيمان وعدم الإيمان فرق شكلي هذا ليس إيماناً، فرق عميق جداً، يرى الله من خلال القرآن والسنة، يرى عدله، يرى حكمته، يرى لطفه، ليس هناك مؤمن لا يوجد عنده مئة قصة عن لطف الله به، لا، مستحيل.

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 81- 82 ]

 جاء الجواب:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 81- 82 ]

 لكن ليس فقط آمنوا:

﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾

[ سورة الأنعام: 81- 82 ]

 إذا كان هناك ظلم للأولاد، ولد مقرب، آخذ كل شيء، وولد لا يوجد معه شيء، هذا ظلم شديد، ظلم بين الأولاد.
المذيع:
 أفهم من فضيلتك دكتور أن الإنسان لا يفترض أن يخاف في المستقبل، أخطاؤه هي الظلم وليس ما يخفيه القدر؟

على الإنسان ألا يخافن إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه :

الدكتور راتب :
 لا أبداً لا يوجد قدر، لا يوجد قدر بالمعنى هذا.

(( لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ))

[سعيد بن منصور في سننه عن علي]

 الدين مضغوط كله بكلمتين.

(( لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه ))

[سعيد بن منصور في سننه عن علي]

 مهما كان صديقك قوياً. أعرف شخصاً له صديق صار وزيراً، قال: صديقي سيحل لي كل مشاكلي، ذهب لعنده، ما قال له: تفضل اقعد، لأنه عندما وضع الآمال كلها بإنسان الله خيب له أمله.
 هذا الشرك الخفي سيدي، أن تتجه إلى غير الله، أن تثق بغير الله، أن تعتمد على غير نصر الله لك.
المذيع:
 لكن إذا الإنسان كان عنده هذا الخوف الفطري للمجهول وما تحمله الأيام القادمة هذا خوف لا يتنافى مع الإيمان؟

السلوك الذي يؤدي إلى المحرمات سلوك يتنافى مع الإيمان :

الدكتور راتب :
 بعلم النفس الخوف حالة، نرسم خطاً عامودياً، على هذا الخط العامودي نقطتان حمراوتان، دنيا وعليا، ما دام الخوف ضمن الإشارتين فهو صحي، وطبيعي، ولا يوجد مشكلة أبداً، لكن عندما يتجاوز الخوف الخط الأعلى وسوسة.
المذيع:
 متى أعرف دكتور أني خرجت من خانة الخوف الفطري إلى الخوف الذي يتنافى مع صدق الإيمان.
الدكتور راتب :
 أنت عندما يعدك الله بالرحمة في الدنيا، ولا تصدقه، وتخاف، هنا يوجد مشكلة.
المذيع:
 إذاً دكتور عفواً، لكن لو أنا قلقت قليلاً فصرت أبحث عن عمل.
الدكتور راتب :
 هذا جيد جداً، كل شيء بحدوده الطبيعية مقبول، وضروري.
المذيع:
 دكتور مثلاً كان دخلي مئة دينار في الشهر، لما فصلت من عملي صرت أقتر في النفقة خوفاً من أن تقل، هذا أيضاً مقبول، لكن عندما أصل إلى مرحلة أقبل عملاً بالحرام خوفاً من الجوع هنا يتنافى مع الإيمان.
الدكتور راتب :
 أعوذ بالله ، يتناقض.
المذيع:
 إذاً سلوكنا العادي مقبول، لكن السلوك الذي يؤدي إلى خوف حقيقي، وكأنك ترتكب محرمات هنا يصبح هناك شك بالإيمان.
 الآية الكريمة دكتور، تقول:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

[ سورة التوبة: 51 ]

 ممكن أن تشرح كلمة لنا؟

المؤمن لا ينتظر من الله إلا الخير :

الدكتور راتب :
 لنا، لام الملكية، علينا فيها قوة المصيبة، المصيبة قاهرة، أما لنا فملكية.
المذيع:
 أي كل ما كتب هو لنا؟
الدكتور راتب :
 لنا.
المذيع:
 لخيره وشره دكتور؟
الدكتور راتب :
 أبداً، المؤمن لا ينتظر من الله إلا الخير.
المذيع:
 بالضراء والسراء.

ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه :

الدكتور راتب :
 أبداً، الضراء قد تكون مفتاحاً للخير، أي طُلب منه عمل بوظيفته يتناقض مع دينه فرفضه، فعزلوه من وظيفته فجاءته وظيفة أحسن، والله يوجد نص أقسم بالله لا يصدق من عظمته:

(( ما ترك عبد شيئاً لله))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

 بالخمس قارات، ومن آدم إلى يوم القيامة.

(( إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

المذيع:
 لكن هل يشترط أن يكون التعويض مباشرة دكتور؟

الحكمة من تأخير الله مكافأة الإنسان :

الدكتور راتب :
 لا، ليس شرطاً، إن كان مباشراً لا يستقيم أحد، إذا مباشر نصف مليون شخص دينهم قليل يريدون مالاً، أحياناً الله يؤخر المكافأة.
المذيع:
 هذا الذي يحصل دكتور أي يكون الإنسان مثلاً ذهب ليجاهد لراية لا إله إلا الله.
الدكتور راتب :
 مثل تقريبي: كل إنسان دفع ألف دينار يأتيه عشرة آلاف فوراً، ستجد أعداداً كبيرة، أما أنت تدفع ممكن ألا يأتيك شيء، التأخر فيه حكمة بالغة.
المذيع:
 كيف يؤمن الإنسان دكتور إذا لم يرَ أثر هذه الوعود في هذه الدنيا؟
الدكتور راتب :
 عليه أن يصبر، عندك نص قرآني، إذا ما تحقق فيه حكمة بالغة، الإنسان يؤمن بحكمة الله، وإذا ما وجدها يؤمن بها وهي غائبة عنه.
المذيع:
 يشعرها بقلبه دكتور، يلقي الله في روعه.
الدكتور راتب :
 إذا شخص مثلاً جاء من أب فقير، درس، درس، درس، لا يوجد دخل ثان غير الدراسة، أخذ دكتوراه، أصبح طبيباً باختصاص نادر، جاءه دخل كبير، اشترى بيتاً وسيارة، خدم أمه وأباه ورعاهما، تألق تألقاً مذهلاً، ما هو دافعه للدراسة؟ لماذا ابن الغني أحياناً لا يدرس؟ كل شيء أمامه مؤمّن، يموت الأب انتهى كل شيء، رب ضارة نافعة.
المذيع:
 إذا أنا قمت بعمل صالح دكتور، يفترض أن أكافأ، إذا ربنا قدر ألا أكافأ الآن أو لا أكافأ هل سيلقي الله في روعي، في قلبي إحساس أن هذا العمل قُبل أو له علامة لقبوله؟

الله رب الأرباب يجازي كل إنسان على عمله :

الدكتور راتب :
 أنا أقول كلمة دقيقة: أنا سأبدأ من مثل بسيط: جاء ابنك آخر السنة معه الجلاء، أخذ علامات تامة، وثناء على أخلاقه، ألا تقبله؟ ألا تأخذ له دراجة؟ طبيعي.
 الله هو رب الأرباب، هو الحكيم، كلما الإنسان تقدم منه خطوة يأتي من الله خطوات نحوه.
المذيع:
 دكتور نعود إلى قضيتنا الخوف من المستقبل، الخوف من المجهول، الخوف من القضايا الغير واضحة بالنسبة للإنسان، وذكرت فضيلتك أن هذا شيء فطري طالما لن يكون مبالغاً فيه، ويؤدي لارتكاب المحرمات.

الدنيا دار عمل و الآخرة دار جزاء :

الدكتور راتب :
 النبي قال:

(( لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))

[الترمذي عن أنس بن مالك ]

المذيع:
 دكتور جزء من الخوف المرتبط في ملف المستقبل، وفي ملف المجهول أنه هل أنا قبلت أم لم أقبل عند الله؟ مرات الإنسان دكتور يعمل عملاً لا يحس مثلاً بالتوفيق، أي هو عمله بنية أن ربنا يوفقه فلا يوفق، يخشى من أن هذا العمل هل قُبل أم لا يقبل؟ هذا المجهول دكتور.
الدكتور راتب :
 المؤمن واثق من الله.
المذيع:
 كيف نتعامل معه؟
الدكتور راتب :
 هو يعامل الله لا ليأخد نتيجة بالدنيا، بالأساس النقطة الخطأ أن الإنسان عندما يتوهم أن الدنيا دار جزاء يكون مخطئاً، هي بالأصل دار عمل، لكن ربنا لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة يكافئ بعض المحسنين في الدنيا تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، أما نحن فبالأساس في دار عمل، والآخرة دار عطاء، دار جزاء.
المذيع:
 هذه الملفات المرتبطة دكتور بقدرتنا على استمرار الحياة كالرزق، كالصحة والعافية، كالأمان، هل الخوف من غيابها مقبول أم يعتبر قلة يقين؟ هذه اليوميات التي نعيشها.
الدكتور راتب :
 إذا كان القلق بحده الطبيعي، ضمن نقطتين، كل إنسان منا يقلق، النبي قال: خفت في الله.
المذيع:
 أما الإنسان دكتور لو مثلاً كان يخشى المرض، لو كان يخشى الفقر.
الدكتور راتب :
 فعصى الله من أجل أن يكسب كسباً حراماً، هنا المشكلة.
المذيع:
 أما لو كان يخشى المرض فيهتم بصحته زيادة، هذا يعد خوف طبيعي.
الدكتور راتب :
 وهذا الخوف صحي، وباعث على العناية بالصحة.
المذيع:
 جميل، دكتورنا حديثنا عن الخوف من المستقبل، وخاصة المجهول الموجود في هذا المستقبل، علاقته دكتور بصلاة الاستخارة، الاستخارة أن يصلي الإنسان ركعتين ويسأل الله تعالى الذي يعلم الغيب بما فيه من خير وشر، أن يعين ربنا الإنسان، هل صلاة الاستخارة يمكن أن تكون علاجاً لهذا الخوف من المجهول في المستقبل؟

الاستخارة دليل أن الإنسان مستسلم لله عز وجل في كل أموره :

الدكتور راتب :
 هذا موضوع ثان، أحياناً أنت يوجد عندك شيئان، وظيفة أعلى من وظيفتك، دخلها أكبر، لكن يبدو فيها مزالق أكبر من وظيفتك، تحتار أقبل بالوظيفة ذات الدخل الأدنى، مع سلامة إيماني واستقامتي أم أطلب الأعلى؟ هنا أنت شعرت بقلق، واحترت فيما تفعل، هنا تأتي الاستخارة، الاستخارة كل ما يقال عن الجواب الإلهي أنه يفتح المصحف لا على التعيين كله لا أصل له.
 " إن كان في هذا الأمر صلاح لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري، فيسره لي، معنى هذا أن التيسير وحده هو الرد الإلهي، والتعسير رد سلبي.
المذيع:
 إذاً دكتور يصلي الإنسان الاستخارة، ويأخذ ما يظن فيه صالحه ويسير.
الدكتور راتب :
 يقول: "يا رب هذا الأمر إن كان فيه خير لي في ديني، ودنياي، وعاقبة أمري، فقدره لي، ويسره لي، وإن كان فيه شر في ديني، ودنياي، وعاقبة أمره، فاصرفه عني" الملمح الدقيق: "واصرفني عنه" ألا أتعلق به.
المذيع:
 جميل، إذاً أنت تصلي الاستخارة وتسير فيما ترى فيه الصواب، إذا ربنا تمم جهدك بالتيسير معنى هذا أن الجواب نعم، إذا أغلقت من الله تعالى معنى هذا أن الجواب لا.
 جميل، صلاة الاستخارة دكتور ممكن أن تكون سكناً للنفس من قضية الخوف من المجهول الموجود في المستقبل؟
الدكتور راتب :
 طبعاً لأن المؤمن مستسلم لله عز وجل، يا رب أنا لا أعلم أنت تعلم، إن كان هذا الأمر لصالح ديني ودنياي وآخرتي، يسره لي، وإذا ما تيسر يكون الله يعلم الناحية السلبية بالأمر.
المذيع:
 دكتور اليقين، كيف يكون اليقين بالله تبارك وتعالى فيما لم يأتِ بعد – للمستقبل- حتى تسكن النفس وتشعر بالطمأنينة، كيف يكون اليقين دكتور؟

أنواع اليقين :

الدكتور راتب :
 اليقين ثلاثة أنواع سيدي:

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾

[ سورة التكاثر: 5]

 نحن أقل مستوى معرفة الوهم 30%، يأتي الشك 50%، يأتي الظن 70%، تأتي غلبة الظن 90%، يأتي اليقين 100%.

﴿ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾

.
 أخي الكريم بارك الله بك، أسئلتك دقيقة جداً، الشيء الدقيق في الموضوع أن ديننا دين يقيني، يوجد مليون مذهب لا يوجد به يقينيات، ديننا كله يقينيات، وجود الله يقيني، ورحمته يقينية.
المذيع:
 دكتور، لو نبسط مفهوم اليقين، ما هو اليقين؟
الدكتور راتب :
 لو فرضنا ابنك دخل امتحان الثانوية، أو التوجيه، احتمال نجاحه خمسون بالمئة، يمكن أن يحصل ستين بالمئة من المجموع، أوسبعين، هذه كلها ظنون، أحياناً الابن يتوهم أنه سينجح، فلا ينجح، أما علم اليقين فقطعي، مئة بالمئة ناجح، فجاءت علاماته مئة بالمئة بمادة معينة دقيقة جداً، عندما أخد علامة تامة معنى هذا أن يقينه الظني انقلب ليقين واقعي.
المذيع:
 وكيف يكون يقيننا دكتور بالعلاقة مع الله سبحانه وتعالى.

حسن الظن بالله ثمن الجنة :

الدكتور راتب :
 حسن الظن بالله ثمن الجنة.

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

 حسن الظن بالله ثمن الجنة، ذاك مرض ما كان الله ليصيبني به.
 لي صديق أظنه صالحاً جداً، استيقظ صباحاً وجد ابنته مشلولة، فالزوجة رفعت صوتها، وضربت حالها، قال لها: الله عز وجل سيرحمني، بعد يومين شفيت من كل شيء، كانت مصابة بمرض يشبه الشلل، عياره أربع و عشرون ساعة، ثقته بالله، عنده ميزان أنا ما عملت شيئاً أستحق هذا المرض.
 الآن المؤمن واثق من الله عز وجل، يطيعه، يغض بصره، دخله حلال، بيته إسلامي.
المذيع:
 هذا لا يعفيه دكتور من الابتلاءات؟

الرضا عن الله قمة الإيمان :

الدكتور راتب :
 هناك ابتلاءات امتحان هذه ترقى بها، وابتلاءات عقوبات، أنا أتكلم عن ابتلاء العقوبة.
المذيع:
 مثل هذا الشلل المرضي الذي جاء للفتاة أليس من الممكن أن يكون والدها صالحاً دكتور، وربنا لحكمه منه يبتليه، ويكون رفع درجات، وتصاب بالشلل الحقيقي.
الدكتور راتب :
 الإنسان يصاب بشيء سلبي، وراض عن الله.
المذيع:
 لكن هنا عندما نقول: حسن الظن يقيني أي كان أمله بالله.
الدكتور راتب :
 رجل يطوف حول الكعبة، قال: يا رب هل أنت راضٍ عني؟ وراءه أحد الأئمة الكبار، قال له: يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال له: يا سبحان الله! كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
 الكلام الدقيق والعميق: علامة إيمانك أن ترضى عن الله في كل أحوالك، بدخل محدود، هذه أنسب شيء لي، بمنصب رفيع، أنسب شيء لي، منصب ضعيف، معلم مدرسة، الرضا عن الله قمة الإيمان، هل أنت راضٍ عني حتى أرضى عنك؟
المذيع:
 اليقين شيخنا هو إحساس بالقلب، ممزوج بحسن الظن أن القادم هو الأجمل.
الدكتور راتب :
 يعمل قوة شخصية، يعمل تفاؤلاً، يعمل ثقة بالله، يعمل فرحة.
المذيع:
 قد يكون هو الذي يجعل الإنسان يتحمل المصائب؟

من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها :

الدكتور راتب :
 طبعاً، والله بيته صغير عبارة عن ستين متراً مثلاً، ودخله محدود، لا يوجد عنده أولاد، تجده مرتاحاً، أنا أقول لك كلمة لكن ليس قصدي المبالغة، أنا مؤمن بها: إذا لم يقل المؤمن المستقيم ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، عنده مع الله مشكلة، لماذا؟ الله بيده كل شيء، صحتنا بيده، زوجاتنا بيده، أولادنا بيده، من حولنا بيده، الأقوياء بيده، الطغاة بيده، كل شيء بيده، وأنا علاقتي مع واحد، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها، اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها.
المذيع:
 دكتور، يوم القيامة بالنسبة لنا هو مستقبل مجهول، يقيناً هو قادم لأن الله أخبر بذلك لكن أقصد وضعنا فيه هو المجهول، يا ترى نكون من أهل الجنة؟ من أهل النار؟ تحبط الأعمال أم يقبلها الله؟ أتشملنا رحمته أو يطردنا من جنابه؟ كيف للإنسان أن تسكن نفسه الطمأنينة.

المؤمن ثقته بربه كبيرة أنه لن يسلمه لغيره :

الدكتور راتب :
 هذا القلق بحدود عشرة بالمئة مقبول، أكثر غير مقبول، أنت تمشي بشكل صحيح، ما أكلت مالاً حراماً، ومتزوج زوجة مؤمنة، ومحجبة، وربيت بناتك على الصلاة، والحجاب، وعندك أولاد درسوا دراسة جيدة جداً، وأخلاقهم عالية، أي أنت تمشي بكل شيء، معقول يصير معك شيء خلاف الفطرة؟ حسن الظن بالله ثمن الجنة، المؤمن عنده ثقة بأن الله عز وجل لن يسلمه لغيره.
المذيع:
 دكتورنا لما طُعن سيدنا عمر رضي الله عنه وكان خليفة المؤمنين، دخل عليه أحد الشباب وقال له: أبشر يا أمير المؤمنين بنصر الله فقد كان لك من القدم في الإسلام، والصحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم ما قد علمت، ثم استخلفت فعدلت، ثم الشهادة، فقال له الفاروق عمر بن الخطاب: يا بن أخي لوددت أني تركت كفافاً لا لي ولا علي، يخشى سيدنا عمر من القادم دكتور؟

التوحيد و التواضع من سمات المؤمن :

الدكتور راتب :
 سيدي هذا من التوحيد العالي، التوحيد والتواضع، الإنسان كلما ارتقى عند الله يحجز لنفسه مكانة معينة، يعيش بالرجاء.
 عفواً، النبي الكريم زار أحد أصحابه، وأحد أصحابه قد توفاه الله، أبو السائب سمع امرأة تقول: هنيئاً لك أبا السائب فقد أكرمك الله، النبي نبي، لو سكت كان كلامها صحيحاً، قال لها: من أدراكِ أن الله أكرمه؟ هنا أخلاق المؤمن، أن يحكم على المستقبل يقيناً، يحكم على المستقبل رجاءً، قال لها: قولي أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم، هذا مقام المؤمن، عندما يحكم بالمستقبل قطعاً صار إلهاً.
المذيع:
 دكتور، خوف الإنسان من بعض القضايا التي ينتظرها في المستقبل، مثلاً مريض عمل فحصاً بالمختبر والنتيجة ستظهر بعد ثلاثة أيام، لا يعيش ثلاثة أيام بطمأنينة، لا ينام الليل.

المؤمن المستقيم بعيد عن الخوف المرضي :

الدكتور راتب :

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾

[ سورة النساء: 28 ]

المذيع:
 نفس الشيء عند الطالب، عندما تظهر نتائج امتحانه يجلس أسبابيع من الضغط على الأعصاب.
الدكتور راتب :
 لكن أعتقد وهذا إيماني المؤمن المستقيم عنده حد أدنى من اليقين الإيجابي ببعده عن الخوف المرضي، عنده تفاؤل إيجابي يبعده عن الخوف المرضي.
المذيع:
 أما هذا الخوف من الامتحان نتيجة المختبر فخوف فطري طبيعي.
الدكتور راتب :

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾

[ سورة النساء: 28 ]

المذيع:
 دكتور، ملفنا الأخير قضية القضاء والقدر، عندما نتكلم دكتورنا عن المستقبل، المستقبل ما نعرفه نحن أن ربنا قبل أن يخلقنا يعلم سبحانه وتعالى ما الذي ستؤول إليه المآل، ومتى يعيش، ومتى يموت الإنسان، وأين، هل المستقبل كله مكتوب مسبقاً وبالتالي لا أشقى؟ لا أتعب؟

القضاء حكم والقدر علاج :

الدكتور راتب :
 أولاً سيدي القضاء والقدر، القضاء حكم، والقدر تقدير، علاج، بالضبط طبيب زار مريضاً، رأى معه التهاب معدة حاد، رؤيته قضاء، أمر بحمية ستة أشهر على الحليب، الأمر بالحمية قدر، قضاء وقدر، القضاء حكم أن معه التهاب معدة حاد فقدر له حمية كاملة.
المذيع:
 دكتور عندما أتكلم الآن عن المستقبل، ربنا سبحانه وتعالى هذا قضاؤه وقدره، إنسان صار معه حادث مثلاً أو شيء معين هل فعلاً كل شيء مكتوب مسبقاً؟

الفرق بين جزاء التقصير والقضاء والقدر :

الدكتور راتب :
 عندما يكون مكبح السيارة غير جيد، وأعمل حادثاً، هذا ليس قضاء وقدراً، هذا جزاء التقصير، أخطر نقطة بهذا اللقاء؛ يوجد فرق بين جزاء التقصير والقضاء والقدر، القضاء والقدر أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، عندك سفر للعقبة تراجع الزيت، القشط، المحرك، تراجع كل شيء في السيارة، الذي يقع الآن لا سمح الله هذا قضاء وقدر، أما لا يوجد بالسيارة زيت فاحترق المحرك.
المذيع:
 أو تجاوز السعة التي فيها.
الدكتور راتب :
 طبعاً، جزاء التقصير ألغى القضاء والقدر، تسعون بالمئة من مصائبنا ليست قضاء وقدراً، جزاء التقصير.
المذيع:
 عفواً دكتور سامحني على سؤالي: لو أنا أخذت بالأسباب وما كنت مقصراً كان يفترض هذا الحادث ألا يقع، أي ليس مقدراً.
الدكتور راتب :
 بسهرة مختلطة شخص أحب زوجة الثاني فأخبرها في اليوم التالي، الأمور تطورت، أنت عندما قبلت بالاختلاط ادفع الثمن.
المذيع:
 أعود دكتورنا لمثال ذكرته حضرتك، الإنسان بسفره الذي لم يأخذ بأسباب الأمان، نحن نقول دكتور: بغض النظر تفقد ما تفقد السيارة، مكتوب له أن يموت بالطريق، أما أفهم الآن من كلامك دكتور لو تفقد وأخذ بالأسباب كان يمكن لهذا الحادث بالبداية ألا يقع، لكن علم الله المسبق للغيب.

علم الله علم كشف لا علم جبر :

الدكتور راتب :
 علمه ليس علم جبر علم كشف، شخص يسكن بالطابق العاشر، ويوجد طريقان، الجامع بطريق، مشى بطريق الجامع، هذا علم الله المسبق.
المذيع:
 دكتور إذاً نلخص نقاط الحلقة: الخوف من المجهول الذي في المستقبل هو خوف فطري، إذا كان منطقياً فهو مقبول، ولا إثم عليه، إذا اختفى الخوف بشكل كامل فهو شيء مرفوض لأنه فقد الدافعية، إذا زاد الخوف عن حده يصبح قلة يقين بالله سبحانه وتعالى ومرض.
 القضاء والقدر هو شيء ربنا كتبه على الإنسان، بعد أن يأخذ بالأسباب الكاملة.

تلخيص لما سبق :

الدكتور راتب :
 علم وتقدير، علم بوضع الحالة، وتقدير علاج لها.
المذيع:
 أما تقصيرنا بالأخذ بالأسباب ثم نضعها بجملة القضاء والقدر فهذا مرفوض.
الدكتور راتب :
 أكبر مشكلة بالعالم الإسلامي.
 شخص قال: إن الله قدر عليّ ذلك، قال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور، نختم حلقتنا بالدعاء ونسأل الله تعالى القبول.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين،اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وااَ عنا، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، أعلِ كلمة الحق والدين، انصر من نصر الدين يا رب العالمين، احقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 صلى الله عليه وسلم، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات الطيبة، كان فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي يحدثنا عن الخوف من المستقبل، والخوف من المجهول، دمتم بحفظ الله ورعايته.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور