وضع داكن
26-04-2024
Logo
تركيا - ديناً قيماً 2 - الحلقة : 13 - الأمن في الاسلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور عمر عبد الكافي:
  أحمد الله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛ أحبتي في الله أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفي معية شيخنا الجليل وعالمنا الرباني فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي بورك لنا في عمره وعلمه، نتحدث فضيلة الشيخ عن مفهوم الأمن في الإسلام، الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، قال تعالى:

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 82]

 فمن أحق بالأمن؟ أي الفريقين؟

 

الأمن في الإسلام :

الدكتور راتب :
 لو أن الآية تقول: أولئك الأمن لهم ولغيرهم، كإياك نعبد، لو قلت: نعبد إياك، لا تمنع أن نعبد غيرك، عندما قال تعالى:

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 82]

لهم وحدهم، ولا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن، أما الطرف الآخر فقد قال تعالى:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

[ سورة آل عمران: 151]

 عندنا حالة رعب وأمن، المؤمن يتمتع بالأمن، هذه نعمة خاصة به، ليس هناك إنسان يشركه بها.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 ولذلك أهل العلم الكبار يقولون: الذي يستشعر الأمن الحقيقي يجب أن يكون قلبه طفلاً مع الله عز وجل، والطفل لا يحمل همّ الرضاعة بعد ساعتين، ولا همّ أن أباه أو أمه سوف يشتري له كسوة العيد أو لا، المسألة ليس مسألة طفولة وإنما نقاء قلب.
الدكتور راتب :
 بعضهم قال: المؤمن طفل كبير. نفس المعنى..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 صح، ونتعجب من الذي يقولون: رزقت بطفل جميل، هل يوجد طفل غير جميل؟ طالما هو بريء، هو جميل لبراءته.

 

المحبة بين الآباء و الأبناء رحمة من الله سبحانه :

الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾

[سورة طه:39]

هذه النقطة أتأثر بها كثيراً، لو أن الأب أو الأم لا يحبان الأولاد فإن الأولاد سيموتون، الأم لا تنام الليل من أجل ابنها.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 حتى أن الأم الكارهة لما في بطنها، كارهة الزوج وتريد الطلاق، والانفصال، أو لسبب أو لآخر، يأتي الولد ليس بينه وبين أمه عاطفة قوية، الأولاد الذين تمنعهم الأم وهي غير مضطرة إلى أن ترضعه من ثديها، يكون ابن الصفيحة أو العلبة، وتكون عاطفته معلبة..
الدكتور راتب :
 يوجد شيء قرأته بكتاب أن أماً تخبز على التنور، ووضعت ابنها على طرف التنور، كلما وضعت رغيفاً في التنور تمسك ابنها تقبّله وتشمه، مرّ إنسان قال: يا رب ما هذه الرحمة؟ وقع في قلبه أن يا عبدي هذه رحمتي أودعتها في قلب أمه، وسأنزعها، فلما نزعها ربنا عز وجل بكى طفلها فألقته في التنور، فهذه المحبة رحمة الله، قال تعالى:

﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾

[سورة طه:39]

الدكتور عمر عبد الكافي:
 يوجد قلب أغلب حياته يعيش في أمن وطمأنينة، ويوجد قلب متوتر صاحبه، قلق، منزعج، الأحداث الصغيرة تهزه، الثاني كما قالت عائشة عن أبيها يوم موته رضي الله عنهما سيدنا أبو بكر، قالت: كنت كالجبل الأشم لا تزيلك القواصف، ولا تزحزحك العواصف، كنت كالبحر تهدأ حتى يلعب الطفل فيه بحجر، وتثور حتى لا يقف أمامك شيء، قلت: سبحان الله! هذه الشخصيات الآمنة المطمئنة من أين منابعها بعد معرفة أنه عبد لله؟

 

الإيمان وطاعة الله منابع الشخصيات الآمنة المطمئنة :

الدكتور راتب :
 أنا أرى أنها مكافأة خاصة بالمؤمن، قال تعالى:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة الأنعام : 81-82]

 لكن:

﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة: 82]

 لا بد من الإيمان وطاعة الواحد الديان.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 الظالم لا أمن له؟
الدكتور راتب :
 طبعاً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 نحن لا نؤمن بتناسخ الأرواح كما تؤمن بعض المذاهب الأخرى، لكن يبدو فضيلة الدكتور الإنسان يستقرئ التاريخ، يوجد تناسخ أرواح بين الطغاة وبعضهم على مرّ التاريخ، أي فيهم صفات معينة، التكبر، الجهل المطبق، الكلام غير المفهوم، الأوامر المطلقة، هذا كيف له أمن؟

من لم يدخل الله في حسابه فهو أغبى الناس :

الدكتور راتب :
 أنا أرى هناك تعريف للطغاة، أحياناً إنسان يجلس في جلسة، يوجد شخص يخاف أن يتكلم كلمة عن الحكومة، فلا يتكلم، هذا الشخص أدخل هذا المخبر في حسابه فما تكلم ولا كلمة، أما من هم الطغاة؟ هم الذين ما أدخلوا محاسبة الله لهم في حسابهم، هم أغبى خلق الله.
الدكتور عمر عبد الكافي:
هم نسوا الله فأنساهم.
الدكتور راتب :
 ما دام الطغاة ما أدخلوا محاسبة الله لهم في حسابهم فهم أغبى الناس.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 ولذلك أحد الطغاة أمير دخل على إمام المسجد في عصر الدولة العباسية وقال له: أنت تطيل في صلاة المغرب، يا رجل آية واحدة بعد الفاتحة في الركعة الأولى، وآية في الركعة الثانية وكفى، فالإمام سبحان الله بعد ولا الضالين آمين قرأ: ربنا إننا أطعنا ساداتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل، الله أكبر في الركعة الأولى، أما في الركعة الثانية فقرأ: ربنا فآتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا، بعد أن انتهى قال: يا رجل، قال: أنت الذي أمرت سبحان الله! هذا الرجل معذرة أو غيره ماذا يكسب الطاغية إذا لم يؤمن الناس؟ المدير في مؤسسة، المسؤول في البيت، أحدهم قال لعمر: أنا إذ دخلت وقف الجالس، واستيقظ النائم، وفر الواقف، أي رجل أنت؟

 

السكينة أكبر عطاء إلهي للمؤمن :

الدكتور راتب :
 والله يا سيدي فيما أتصور أن المؤمن الذي أطاع الله عز وجل يرزقه الله من السكينة، السكينة تسعد بها و لو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، أكاد أقول: أكبر عطاء إلهي السكينة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 وهي تتنزل من السماء؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، لذلك سيدنا يونس في بطن حوت ألقى الله بقلبه السكينة، الأنبياء سيدنا إبراهيم في النار، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟
الدكتور عمر عبد الكافي:
 إذاً هل الأمن يستجلبه الإنسان؟

 

الفرق بين السلامة و الأمن :

الدكتور راتب :
 دقيقة، السلامة عدم حصول مشكلة فقط، الأمن عدم توقع المشكلة، أنت من خوف الفقر في فقر، وأنت من خوف المرض في مرض، هناك أمراض قلب سببها الخوف من أمراض القلب.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 لما ذهبوا لعزاء امرأة عندها ستة يتامى بنات صغيرات، ومات زوجها، وكان نجاراً بسيطاً، لما مات ذهب الجيران من أين تأكلين؟ قالت: عهدت زوجي أكّالاً لا رزاقاً، فإن ذهب الأكّال بقي الرزاق، بنت حاتم الأصم لما قالت:

نظرة من مخلوق أغنتنا  فما بالكم لو نظر إلينا الخالق؟
* * *

 الطبيعة تضج من حولنا بالأمن.
الدكتور راتب :
 سيدنا الصديق له جارة، كان يحلب لها الشياه كل يوم، فلما أصبح أمير المؤمنين، صار في قمة الهرم الإسلامي، دخل إلى هذا البيت الحزن، ففي صبيحة تسلمه منصب الخلافة طُرق باب العجوز، صاحبة البيت قالت لحفيدتها: يا بنيتي افتحي الباب، فلما فتحت الباب قالت: من الطارق؟ قالت: جاء حالب الشاة يا أماه.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 لا إله إلا الله، هناك أمن مستحب يطمئن، وهناك أمن مذموم، الإنسان هل يأمن مكر الله؟ كيف يأتي الأمن لهؤلاء المنحرفين؟ أم أن الله عز وجل سوف يكرمه كما قال الرجل: ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً؟

 

أحبّ الناس إلى الله أنفعهم لعياله :

الدكتور راتب :
 يوجد غباء شديد:

(( الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ))

[ أبو يعلى والبزار عن أنس بن مالك ]

 أن تؤذي عياله، أن تفقر عياله، ثم تتوقع الأمن؟ مستحيل، قال تعالى:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾

[سورة الأنعام81-82]

 وكلما اقترب الإنسان من الله كبرت عنده الصغائر، وكلما بعد عن الله هانت عنده الكبائر.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 قضية الأمن هي قضية قلبية؟

 

الأمن قضية قلبية :

الدكتور راتب :
 طبعاً، طريق عريض، عرضه ستون متراً، عن اليمن واد سحيق، وعن اليسار واد سحيق، والإنسان يمشي بسيارته في المنتصف تماماً، لو حرف المقود سنتمتراً واحداً وثبته وصل إلى الوادي، لو حرفه تسعين درجة وأرجعه يسلم، لذلك:

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار ))

[ الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

الدكتور عمر عبد الكافي:
 لا صغيرة إن قابلك عدله، ولا كبيرة إن واجهك فضله، اللهم أعطنا من فضلك، ونسأل الله عز وجل الأمن للمسلمين جميعاً في ربوع العالم الإسلامي، أن يؤمن الله خائفهم، وأن يطعم جائعهم، وأن ينصر مظلومهم، وأن يهدي ظالمهم، أو يقصمه، نسأل الله الرحمة لنا جميعاً، شكر الله لك فضيلة الدكتور سعدنا بكم، نشعر معك في هذه الحلقات بالأمن.
الدكتور راتب :
 وأنا أيضاً، لكنك متواضع جداً.

 

خاتمة و توديع :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 بارك الله بكم، وشكر الله لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

إخفاء الصور