- ندوات تلفزيونية / ٠04برنامج ديناً قيماً
- /
- ٠2ديناً قيماً 2 - تركيا
مقدمة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة المشاهدون؛ لازلنا في برنامج: " ديناً قيماً " ومع صحبة عالم جليل ومربّ قدير الدكتور عمر عبد الكافي، نرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بعلمه، والموضوع اليوم العدل، فماذا تتفضل في العدل؟
العدل :
الدكتور عمر عبد الكافي:
نحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد؛ الإنسان إذا تعلم قيم العدل في نفسه استطاع أن يتزن الكوكب الأرضي كله بميزان العدل، لأن الله سبحانه وتعالى وهو العدل وضع موازين في
الكون
إذا أقام الإنسان خللاً فيها في التعاملات، وفي التصرفات، و في الأفعال، يرتبك الكون، أي القوي إن لم يكن عادلاً فهو أهوج، متهور، والضعيف مع نفسه حتى إن لم يكن عادلاً صار إنساناً تافهاً لا قيمة له في الحياة، في عالم النحل خلية النحل والشغالة يقتلن الملكة الظالمة لأنها غير عادلة، ويستخرجن ملكة أخرى، سبحان الله في عالم النحل، وفي أي عالم من العوالم سبحان الله العظيم، الإنسان فضيلة الشيخ معذرة نحن نغفل الأطفال الصغار دون السابعة أن نعلمهم قيماً كبيرة منها قيمة العدل، كيف يكون عادلاً، فالمسألة حقيقة كما يقول ابن تيمية: إن الله ينصر الدولة العادلة حتى ولو كانت كافرة، ويهزم الدولة الظالمة حتى ولو كانت مسلمة، فالعدل هذا يعدل موازين الكون.
الدكتور راتب :
بكلامكم لفتة رائعة جداً وهي أن الطفل بعلم التربية يكتسب مهاراته وطباعه وخصائصه من يوم ولادته للسنة السابعة فقط، وهذه مهملة في العالم الإسلامي، من السنة الأولى للسابعة كل ما تتمناه من هذا الابن من مهارات، من خصائص، من صدق، من أخلاق يغرس فيه في هذا الوقت، المفروض أن يكون معلم الابتدائي في أعلى مستوى.
المعلم أساس العملية التربويّة و التعليميّة :
الدكتور عمر عبد الكافي:
وللأسف هذا المعلم وهو أساس ليس العملية التعليمية فقط، العملية التربوية، الولد يعيش مع المعلم من السابعة صباحاً إلى .. أكثر من أبيه، ويرى حركاته وسكناته، المعلم المقهور هذا بالله عليك هل من العدل أن نظلمه فيذهب إلى
المدرسة مقهوراً ويعود مقهوراً؟
ممنوع تقول للتلميذ، ممنوع تضرب التلميذ، الممنوعات كلها، وبعد ذلك تشترى ذمة المعلم بعد الظهر بالدرس الخصوصي، هذه كارثة أخرى، ليس من العدل أن نتعدى على الذين يديرون دفة المجتمع ويربون لنا أبناءنا، معذرة فضيلة الشيخ نحن كنا صغاراً كنا نقبّل يد المعلم كما نقبّل يد آبائنا وأمهاتنا، أين هذه القيم الآن؟ هل القيم تبخرت أم أن الآباء والأمهات يفهمون الحياة على غير أساسها؟
الدكتور راتب :
سيدي لعل آية فيها كلمتان فقط تنظم علاقة الله بعباده، قال تعالى:
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾
كأن الله يقول: يا عبادي؛ منكم الصدق ومني العدل، تتفاوتون عندي بصدقكم وأنا أعدل بينكم.
هناك رأي آخر؛ هذا القرآن الكريم بين دفتيه إما أمر فهو عادل، أو خبر فهو صادق.
صور من عدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
الدكتور عمر عبد الكافي:
لذلك قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾
هذه السداسية سبحان الله تقوم بها الأرض والسموات.
الدكتور راتب :
كلام جامع مانع.
الدكتور عمر عبد الكافي:
إن الله يأمر بالعدل كما يأمر بالصلاة والزكاة، يأمره بالعدل فأين العدل؟ سبحان الله! كان من عدل عمر رضي الله عنه أنه كان يحتسب عدله عند الله بأن يبعد آل الخطاب عن الإدارات، ويضم إبلاً لعبد الله بن عمر إلى بيت المال، يقول: يا أبت والله إنها من حر مالي، يقول: لا، الناس يقولون: اتركوها ترعى إنها إبل ابن أمير المؤمنين، اتركوها تشرب إنها إبل ابن أمير المؤمنين، ولما كان عبد الله بن عمر يعاتبه يوماً يقول: يا أبت تعطي أسامة بن زيد ثلاثة آلاف وتعطيني ألفين، وأنا وهو سواء في السن، يقول: لا، كان أبوه أحب إلى رسول الله من أبيك، وكان هو أحب إلى رسول الله منك، التفاضل الذي عمله عمر هذا العدل وهذا المنطق هذه القضية سبحان الله.
الدكتور راتب :
سيدنا عمر جاءه ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم مسلماً، وطاف حول الكعبة، يبدو أثناء طوافه حول الكعبة داس بدويٌّ من قبيلة فزارة دون قصد طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت إلى هذا الأعرابي ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا الأعرابي من الطبقة الدنيا بالتعبير المعاصر من عامة الناس، من سوقتهم، ليس له إلا سيدنا عمر يشتكي إليه، سيدنا عمر جاء بهذا الملك جبلة بن الأيهم، وهذا الأعرابي من عامة الناس، هناك شاعر معاصر صاغ الحوار شعراً فسأل سيدنا عمر جبلة: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ قال جبلة: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي. فقال عمر: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك و تنال ما فعلته كفك، صعق جبلة. قال: كيف ذلك يا أمير؟ هو سوقة، وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضا؟ قال عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً. فقال جبلة: كان وهماً ما جرى خلدي أنني عندك أقوى و أعز، أنا مرتد إذا أكرهتني. فقال عمر: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى. هذا العدل سيدي، ملك والثاني من عامة الناس والعدل فوق الجميع.
الدكتور عمر عبد الكافي:
تتمة القصة أن الرجل بعد أن ارتد ندم ندماً كبيراً وعاد إلى الإسلام، وقال: ليتني عدت إلى القول الذي قاله عمر، لأن العدل محبب للنفوس الكبيرة، أما النفوس الوضيعة فترى الظلمة أنفسهم وضيعة، لأنهم لا يقيمون قيم العدل في مكانه.
الدكتور راتب :
سيدي ملمح لطيف حينما يعدل الأب بين أولاده العدل التام لا أقول العدل المطلق، المطلق دخل فيه الشعور الداخلي، التام كلهم حوله، وأحياناً يوجد أسر فيها ظلم شديد، واحد يأخذ كل شيء والثاني لا يأخذ شيئاً، هناك مآس عندما الأب لا يتحقق من عدله مع أولاده.
العدل التام بين الأولاد :
الدكتور عمر عبد الكافي:
وبالتالي نضيف إلى هذا الأم، إن غاب زوجها بموته صارت إمبراطورة وأخطبوطاً في البيت بعدما كانت ممحوة الشخصية فإذا هي تفترس التركة وتضعها تحت يدها، لا أحد يأخذ، اسكتوا إن أخاكم الأكبر هو الذي يأمر وينهى، وهذه امرأة تأتي يوم القيامة مائلة أيضاً نفس القضية، فنحن نحذر الأسر من هذا البعد.
الدكتور راتب :
أنا أتمنى أن أقدم نصيحة للأخوة المشاهدين، إن الرجل ليعبد الله ستين عاماً ثم يضر في الوصية فتجب له النار، شيء مخيف، العدل أصل في الحياة.
العدل أصل في الحياة :
الدكتور عمر عبد الكافي:
يقال: من منع وارثاً من إرثه منعه الله من إرثه في الجنة يوم القيامة، لأن الإنسان بالعدل يصير إنساناً، وبالظلم وبنقيض العدل الناس تكرهه، الناس يحبون العدل ولو كان هذا الشخص على غير ملتهم.
امتحان كل شخص بقيمة العدل على قدر مسؤوليته :
الدكتور راتب :
لئلا يتوهم الناس أن العدل متعلق بالقضاة، لا الأب قاض، الأخ الأكبر قاض، المعلم في المدرسة قاض.
الدكتور عمر عبد الكافي:
مدير المستشفى، كل على قدر مسؤوليته.
الدكتور راتب :
كل واحد ممتحن بقيمة العدل، أما الحب الداخلي فموضوع ثان.
الدكتور عمر عبد الكافي:
حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا قسمي فيما أملك، لا تلمني فيما تملك ولا أملك، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل العدل، ويجعلنا من الذين يقيمون قيم العدل في الدنيا.
الأمم الآن لا نرى فيها عدلاً، هل هذا من صناعتنا نحن كمسلمين أننا ظلمنا أنفسنا فما عدل معنا أحد أو أننا اقتلعنا شجرة العدل فأثمرت ظلماً وقع علينا من غيرنا؟
الدكتور راتب :
والله أنا لا أستبعد أن يكون هناك معاملة خاصة لكل إنسان، ومعاملة لأمة معينة، حينما تطغى هذه الأمة أو تبغي على غيرها تعاقب عند الله، أو حينما نخضع لأمة ليست مؤمنة ونضحي بمبادئنا وقيمنا ندفع الثمن باهظاً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
قيم العدل هل هي محاضرات وندوات أم أن نغرسها؟
الدكتور راتب :
ممارسات سيدي.
الدكتور عمر عبد الكافي:
أي يراها الولد من صغره، تراه البنت من صغرها..
الدكتور راتب :
سيدي ممكن أب يقبّل ابناً ولا يقبّل الثاني هذه مشكلة كبيرة، مساواة سوف أقول تامة وليست مطلقة، تامة بالمعاملة للأولاد أما المحبة فشيء آخر، الإنسان هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك.
الاستشارة تقوي الشخصية و ترسخ قيم العدل :
الدكتور عمر عبد الكافي:
لماذا هذه القيم بهذا المفهوم أي لا تدرس في المدارس، من الواجب أن تفعّل، قضية التفعيل أن يمتحن الأب أبناءه في قضية عرضت عليّ كذا وكذا فما رأيكم يا أولاد؟
الدكتور راتب :
هذا سيدي ذكاء كبير جداً، هذا الطفل والابن حينما تستشيره تقوي شخصيته، الشيء دقيق جداً أحياناً الاستشارة تقوي الشخصية، لكن أنا لي رأي آخر؛ النبي صلى الله عليه وسلم لما استشار أصحابه ليست استشارة شكلية بل حقيقية، قال تعالى:
﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
أحياناً الإنسان سيدي تكون له رؤية من زاوية واحدة، فسأل إنساناً آخر عنده زاوية ثانية فتكاملوا، كما لو دخلنا إلى مدينة من الشمال لها منظر، ومن الجنوب منظر، ومن الشرق منظر، ومن الغرب منظر، لو جمعنا هذه المناظر يظهر الشكل الحقيقي.
الدكتور عمر عبد الكافي:
الصورة كاملة، قيم العدل هذه ترسخ بهدوء نفسي، وسكينة، وانشراح صدر عند الأسر، وعند المجتمعات..
الدكتور راتب :
واستقرار، ومحبة شاملة..
الدكتور عمر عبد الكافي:
في مصلحتنا وفي مصلحة بناء أمتنا، أما إذا ظهر الظلم سواء في تعدي الحدود، أو بالرشاوى، أو بالفساد، أو بأن إنساناً يستغل سلطته في إيذاء الناس، هذا إنسان بعيد عن قيم العدل.
قيمة الإنسان بأخلاقه :
الدكتور راتب :
سيدي أعرف امرأة تزوج عليها زوجها ولم يخبرها، ما أعلمته، لما توفي أرسلت إلى ضرتها المهر، قالت: أنا قبل أن يموت طلقني، ما هذه القيم؟
الدكتور عمر عبد الكافي:
هذه قيمة كبيرة، أنا أرى أن نختم بهذه القيمة الكبيرة قبل أن ندخل في مجالات أخرى.
الدكتور راتب :
سيدي الإنسان قيمته بأخلاقه، النبي صلى الله عليه وسلم أوتي مئات الخصائص التي ينفرد بها أما عندما مدح فقد قال تعالى:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
خاتمة و توديع :
الدكتور عمر عبد الكافي:
ولذلك وهذه نختم بها كان النبي صلى الله عليه وسلم في المعارك والغزوات في الغرم يقدم أهله وأقاربه، وفي الغنم يؤخرهم ويقدم الآخرين، وهذه قيم العدل الكبيرة، جزاك الله كل خير، بورك لنا بك، وأكرمك الله، شكر الله لكم جميعاً ولا تنسونا من صالح الدعاء، والحمد لله رب العالمين.