وضع داكن
07-10-2024
Logo
تركيا - ديناً قيماً 2 - الحلقة : 06 - عباد الرحمن.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين.
 أيها الأخوة الأحباب؛ لازلنا في برنامج: " ديناً قيماً " وبصحبة شيخنا الجليل والعارف الكبير الدكتور عمر عبد الكافي، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بعلمه وبخبرته في الدعوة إلى الله، بارك الله بك.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 مرحباً أكرمك الله، فيم الحديث اليوم؟
الدكتور راتب :
 وعباد الرحمن.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 هذا صعب، أين نحن منهم؟
الدكتور راتب :
 أنا لفت نظري سيدي إن سمحت لي قوله تعالى:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾

[ سورة الفرقان: 63 ]

 كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار أسرع، وتقول السيدة عائشة عن سيدنا عمر: كان إذا أطعم أشبع، وإذا ضرب أوجع، وإذا سار أسرع، فكيف يمشون هوناً؟

 

صفات عباد الرحمن :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 أحمد الله، وأصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، يمشون هوناً بقلوبهم، وبمشاعرهم، وبأحاسيسهم، يعطفون على الصغير، ويوقرون الكبير، ويجلون العلماء، الرحمة في قلوبهم، والسكينة في أخلاقهم، هؤلاء موصولون بالله، بكّاؤون، العيون تدمع لأن القلب يهتز، هذا الطراز من عباد الرحمن عندما وصلوا قلوبهم بالله صارت الجوارح كلها في معية هذا القائد الرحيم الذي هو القلب الموصول برب العباد عز وجل:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾

[ سورة الفرقان: 63 ]

 عباد الرحمن الرحمة في قلوبهم والسكينة في أخلاقهم
ليست منظرة وإنما تواضع، هو في الأرض سيد فوق هذا الكون، ولكنه عبد لله سبحانه وتعالى، كفاني عزاً أن تكون أنت ربي، وكفاني فخراً أن أكون أنا عبدك، ومما زادني فخراً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي، وأن أرسلت أحمد لي نبياً، عباد الرحمن إذا رأى منظراً أمامه ليتيم، أو إنسان يعذب من تهجير، أو إيذاء من جهة أو أخرى يرق قلبه، ويبحث له عن مخرج، إن لم يجد يدع له بإخلاص، كأن هذا اتخذ كبير المؤمنين أباً، وأوسطهم أخاً، وأصغرهم ابناً، فبر أباه، ووصل أخاه، وعطف على ابنه، عباد الرحمن وصفهم رب العباد بمواصفات واضحة المعالم تخص عطر الإيمان، عباد الرحمن يعيشون في بساتين الرحمن من الأخلاق، قال تعالى:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾

[ سورة الفرقان: 63 ]

 ودائماً قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴾

[ سورة المطففين: 29-31]

 كان أحدهم يقول إذا سبه إنسان أو وصفه وصفاً بذيئاً: يا أخي الكريم إن كان هذا في فأسأل الله عز وجل أن يغفر لي، وإن لم يكن في أسأل الله أن يغفر لك، وكان أبو بكر يقول عندما يزكى أو يمدح: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيراً مما يظنون، عباد الرحمن أناس عاشوا في بوتقة التواضع والذلة لله فأعزهم الله عز وجل، أي جعل قلوب العارفين لها عيون، ترى ما لا يراه الناظرون، وأجنحة تطير بغير ريش إلى ملكوت رب العالمين، سبحان الله الوصول إليهم والكينونة في معيتهم حظ كبير لمن أراد الله به خيراً.

 

من أحبه الله منحه خلقاً حسناً :

الدكتور راتب :
 سيدي هناك شأن خاص وشأن عام، الإنسان حينما يهتم بشأنه الخاص فقط، بدخله، بأولاده، بصحته، بمتعه، بسفرياته، ولم يهتم بالشأن العام سقط من عين الله، ولأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله. المؤمن الحق يهتم بالشأن العام وليس فقط بنفسه
الإنسان بمجرد أنه يهتم بالشأن العام يفكر في هداية الخلق، في العمل الصالح، عنده رقة، عنده أحاسيس دقيقة جداً، عنده مبادئ ومثل، أنا أقول كلمة: هناك ذهب عيار أربعة وعشرين، أو عشرين، أو ثمانية عشر، أو ستة عشر، أو أحد عشر، كله ذهب، لكن الفرق بين الذهب و المعدن الخسيس فرق بالطبيعة لا بالدرجة، فالإيمان له خصائص، له صلة بالله، له تسليم لله، توكل على الله اشتق منه الكمال، إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 لذلك يبدو أن رحمة الله تتجلى على بعض من خلقه، الناس معادن، قد يكون هذا الإنسان وهو أخ شقيق لفلان، لكن هذا مخلوق من ذرة من ذهب خالص، وهذا مخلوق من ذرة رملية، كلما صنعت فيه الخير تسرب، وضعت فيه ماء البحر يتشرب ويتسرب، وهناك من خلق من حجر ساخن، إذا استثير - والعياذ بالله - فلا تقوم لأحد أمامه قائمة، وهناك من هو من تربة طينية إن زرعت فيه حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة، صنّاع المعروف وهم من عباد الرحمن الذي إذا صنعوا معروفاً عجلوه وصغروه وستروه، فإذا عجلوه هنؤوا صاحب من يستحق المعروف، وإذا صغروه عظموه، وإذا ستروه تمموه، فهناك أناس تصنع المعروف وهي تشعر أنها تأخذ الذي تعطيه.

 

قصة عن رجل من عباد الرحمن :

الدكتور راتب :
 سيدي رجل إمام مسجد، وأنا لا أريد المنامات، ولا أحب ذلك، لكن أنا مضطر لمرة واحدة، إمام مسجد رأى النبي عليه الصلاة والسلام، قال له النبي في الرؤيا: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، جاره بقال، إنسان بسيط جداً، طرق بابه، قال له: لك عندي بشارة، لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك؟ فامتنع، فبعد إلحاح شديد قال له: تزوجت إنسانة، بالشهر الخامس من زواجي كان حملها في الشهر التاسع، واضح أن هناك خطأ مرتكباً، قال له: بإمكاني أن أسحقها، وأن أفضحها، وأن أطلقها، والشرع معي، وأهلها معي، والمجتمع معي، والقانون معي، لكن أردت أن أعينها على التوبة، جاء لها بمن يولدها، ولدت، وحمل الجنين المولود تحت عباءته، وتوجه إلى باب الجامع، وبقي واقفاً أمام الباب حتى نوى الإمام الصلاة، قال: الله أكبر، دخل ووضعه إلى جانب الباب والتحق بالمصلين، فلما انتهت الصلاة بكى هذا الصغير، تحلق المصلون حوله، وتأخر هو حتى يكتمل تحلق المصلين حوله، ثم اقترب، قال: ما القصة؟ قالوا: تعال انظر! جنين مولود لقيط، قال: أنا أكفله، فأخذه، ودفعه إلى أمه من أجل أن تربيه، وسترها، قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 هذا من عباد الرحمن.
الدكتور راتب :
 أحياناً العدل مقبول لكن الإحسان فوق العدل، قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ ﴾

[ سورة النحل: ٩٠]

التذكير جزء من الدعوة إلى الله :

الدكتور عمر عبد الكافي:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾

[ سورة الفرقان: 63 ]

 أي إذا رأيت نباحين على الشاشات الفضائية يسبون أفراداً وجماعات ودولاً، ويفرقون بين المسلمين وبين اللحمة الواحدة وبين الناس في شرق الأرض وغربها، هؤلاء الناس هل يتركون هكذا يؤذون الناس؟ أما منا رجل رشيد يمسك على أيديهم؟
الدكتور راتب :
 الجواب الدقيق إن سمحت لي، قال تعالى:

﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾

[ سورة الأعلى:9 ]

 إن نفعت يجب أن تذكر، أن تذكر من حولهم أيضاً، أن تذكر من هم تحت قيادتهم، هذا التذكير جزء من الدعوة إلى الله، الدعوة إلى الله منوعة جداً في إلقاء الحق، في النصح، في التحذير، في التكريم، فالإنسان يلهم الحق.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 نحن علينا أن نذكر.

 

إلزام الله ذاته العلية بهداية الخلق :

الدكتور راتب : العباد تقدم الأسباب والله يهدي البشر

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

[ سورة الليل: 12 ]

 وحيثما جاءت كلمة على مع لفظ الجلالة فتعني أن الله ألزم ذاته العلية بهداية خلقه، فلما قال تعالى:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

[ سورة الليل: 12 ]

 هذا من إلزام الذات الإلهية ذاته العلية بهداية خلقه، نحن نقدم الأسباب، أما النتائج فلا نملكها، على الإنسان أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح.
الدكتور عمر عبد الكافي:

﴿ خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾

[ سورة الفرقان: 63 ]

 كيف يصل الإنسان إلى أن يشتم وينتهك عرضه ويتعدى عليه وتلوث سمعته وسمعة أسرته والناس تتناقل أخباراً كاذبة عنه ورغم ذلك هو مطالب أن يقول سلاماً؟

 

المؤمن باستقامته وعمله الصالح هو الرابح الأول :

الدكتور راتب :
 إذا كان إنسان معه كيلو من الذهب الخالص وتوهم الناس الجاهلون أنه معدن خسيس، من الرابح الأول؟
الدكتور عمر عبد الكافي:
 حامل الذهب.
الدكتور راتب :
 فإذا أقنع الناس أن معه معدناً خسيساً أقنع الناس أنه معدن ثمين – ذهب- من هو الخاسر؟ في الحقيقة هناك نقطة دقيقة جداً؛ المؤمن باستقامته وعمله الصالح هو الرابح الأول، وببعده عن مزالق المعصية هو الرابح الأول، والآخر هو الخاسر الأول.

 

ضرورة قيام الليل محبة لله :

الدكتور عمر عبد الكافي:

﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾

[ سورة الفرقان: 63 ]

 وصفهم رب العباد بأنهم: عباد الرحمن يقومون الليل طمعا برضى الله وحبا له

 

﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾

 

[ سورة الفرقان: 64 ]

 الكارثة الكبرى أنه لا أحد منا يسأل نفسه: متى قمت الليل آخر مرة؟ الصحابة كنت تسير في شوارع المدينة فتسمع لبيوتهم أزيزاً كأزيز النحل، وكالمرجل، كل البيوت تتلو و ترتل آيات الله عز وجل، موصولة برب العباد.
الدكتور راتب :

(( إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلي السماء الدنيا فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له؟ حتى يطلع الفجر))

[أحمد عن أبي هريرة]

 ساعات قبل الفجر الدعاء مقبول، والله أنا نصحت بها أخوان كثر ولقوا بها نتائج باهرة، ثلث الليل الأخير.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 لكن هو يقوم محبة بالله لا يقوم لقضاء حاجته المحدودة، من أجل أن ينجح الولد، ومن أجل عملية ما، ومن أجل أن يرزقنا الله بيتاً جديداً، وإنما يقوم ابتغاء مرضاة الله، يقوم بنية طيبة.

 

الإله العظيم ذات كاملة و الإنسان مفطور على الكمال :

الدكتور راتب :
 يعاني الغرب من الكآبة بسبب الخواء الروحي
طبعاً الإله العظيم ذات كاملة، يحب لذاته فقط، الإنسان مخلوق مفطور على الكمال، قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 30]

 أي أمر أمرك الله به برمجك وولفك على أن تحبه، قال تعالى:

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾

[ سورة الحجرات: 7]

 هذه الكآبة سيدي، عندنا أستاذ جامعي ذكر لنا أن العالم الغربي يعاني من كآبة نسبتها تقدر بمئة واثنين وخمسين بالمئة، سألناه: ما هذه النسبة؟ أي مئة بالمئة لديهم كآبة، واثنان وخمسون بالمئة يعانون من كآبتين، البعد عن الله يورث الكآبة، والمؤمن على تواضع حياته ودخله المحدود يعيش في جنة، لو علمها أهل الدنيا لنازعونا عليها بالسيوف.

 

خاتمة و توديع :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 نسأل ربنا أن يجعلنا من الراضين، ويجعلنا من عباد الرحمن، ويسلك بنا طريقهم، ومثواهم في الجنة إن شاء الله، بارك الله بك، ورضي عنك، أنرت لنا الطريق، ووضحت لنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، أنا معجب بتواضعكم الشديد.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 بارك الله بك، وشكر الله لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

إخفاء الصور