- ندوات تلفزيونية / ٠04برنامج ديناً قيماً
- /
- ٠2ديناً قيماً 2 - تركيا
مقدمة :
الدكتور عمر عبد الكافي:
أحمد الله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛ أحبتي في الله أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛ يسعدني أن أكون في معية شيخنا الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، ونحن نتحدث في هذه الحلقات من برنامج: " ديناً قيماً "، واليوم إن شاء الله يتحفنا شيخنا بإذن رب العالمين بحديثه عن التوكل، فضيلة الشيخ يقول تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾
كيف يتوكل على الله؟
كيفية التوكل على الله :
الدكتور راتب :
الحقيقة هذا المفهوم قد يفهم خطأ عند المسلمين، وقد يفهم كما أراد الله، المفهوم الدقيق لهذا المعنى تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، أنا أريد أن أسافر أراجع المركبة، العجلات، المحرك، الزيت، كل شيء أراجعه، وبعدئذ من أعماق أعماقي أنا مفتقر للسلامة، أما أن أهمل، أنا إذا وجدت أن هناك إهمالاً، لي كلمة أرجو أن تكون صحيحة هذا جزاء التقصير، لا تتهم القضاء والقدر بتقصيرك، ما درس فما نجح، فقال هكذا الله كتب لي، هذا غلط..
الدكتور عمر عبد الكافي:
حتى أن محمد إقبال يقول: المؤمن الضعيف يتعلل بالقضاء والقدر، والمؤمن القوي هو قضاء الله وقدره، بلا شك، حتى أذكر المتنبي كان يقول:
ما كُلُّ ما يَتَمَنَّى المَرءُ يُدرِكُـــــــه تجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ
***
ونحن نقول له:
تأتي الرياح كما شاءت سفينتنا نحن الرياح ونحن البحر والسفــن
***
فهكذا يكون الإنسان.
الدكتور راتب :
حينما يكون واثقاً من رحمة الله الله يحبه كذلك، سيدنا عمر مرّ بأعرابي معه جمل أجرب، قال: يا أخا العرب ما تفعل به؟ قال: أدعو الله أن يشفيه، قال: يا أخي هلا جعلت مع الدعاء قطراناً.
أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، لذلك نحن أشياء كثيرة جداً نعزوها إلى القضاء والقدر، نعزو تقصيرنا، نعزو كسلنا أحياناً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
لذلك أوك سقاءك، أغلق بيتك، أطفئ مسرجتك، كل هذا من اتخاذ الأسباب.
الدكتور راتب :
ولا يتناقض هذا مع التوكل.
الأخذ بالأسباب أولاً ثم التوكل على رب الأرباب :
الدكتور عمر عبد الكافي:
لذلك فضيلة الشيح نحن رأينا في السيرة أن رحلة رسول الله في الإسراء والمعراج هذه لتثبيت قلبه عليه الصلاة والسلام، في موضوع الهجرة، نتخيل أن الرسول يدعو الله عز وجل أن ينزل جبريل ليأخذه على جناحه، هو صاحبه، ولا داعي لعبد الله بن أريقط، ولا لعامر بن فهيرة، ولا لأسماء، ولا لعبد الرحمن بن أبي بكر، ولا للغار، ولا لغيره، لكنه طرق الأسباب ثم في بدر بعد أن رتب الجيش، وطمس كل الآبار التي حول بدر، أوقفهم صفاً واحداً من كان له مظلمة عندي فليأت، ثم بعد ذلك وقف يصلي ويدعو، جاء التوكل بعد استنفاذ الأسباب.
التواكل أكبر مشكلة يعاني منها العالم الإسلامي :
الدكتور راتب :
أنا أكاد أقول: أكبر مشكلة يعاني منها العالم الإسلامي هو التواكل، التواكل مرفوض، أما التوكل فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا ليس سهلاً، لأن الأخذ بالأسباب إذا بلغنا بها ننسى الله، نعتمد عليها، بشكل أو بآخر الغرب أخذ بالأسباب وألهها وقع في وادي الشرك، والمسلمون لم يأخذوا بالأسباب أصلاً فوقعوا في وادي المعصية.
الدكتور عمر عبد الكافي:
ولذلك سفينة الفضاء تشالنجر في آخر الثمانينات، قالوا: لماذا لم تضعوا كرسي الإنقاذ الذي يوضع في السفن؟ قالوا: هذا كان قديماً، هذه سفينة لا يحدث فيها خطأ ولا خلل. بعد سبع ثواني انفجرت في الجو، وكانت تسمى التحدي.
الدكتور راتب :
وتيتانك أيضاً، إن القدر لا يستطيع إغراق هذه السفينة، وزعوا على الركاب نشرة، غرقت في أول رحلة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
لأن الكون بيد مالكه سبحان الله، قضية التوكل التي ألقت أم الكليم ولدها في صندوق ثم قذفته في اليم، وبعد ذلك أبلغها رب العباد:
﴿أَنْ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ﴾
إذاً المسألة أسباب، سبحان الله! أصبح فؤاد أم موسى فارغاً، كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها، هذا الربط الصورة الأخرى للتوكل.
ضرورة التوكل الصادق على الله :
الدكتور راتب :
الحقيقة إن صح التعبير أنا مع مشكلة، أملك خيارين أو ثلاثة، لكن الذات الإلهية العلية مليار خيار، قال تعالى:
﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾
أخذه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً، فلذلك الخيارات الإلهية لا تعد ولا تحصى، هناك قصص كثيرة جداً، إنسان على وشك الهلاك أرسل الله عز وجل له من يعينه، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟
الدكتور عمر عبد الكافي:
ولذلك رب العباد سبحانه وتعالى النظرة، هناك من ينظر من ثقب عالم الشهادة الضيق، وهناك من ينظر من أفق عالم الغيب الواسع، الصديق في الغار نظر من ثقب عالم الشهادة الضيق، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، هذا ثقب وهو صادق، لو نظر أبو جهل ومن معه لرأى النبي صلى الله عليه وسلم ولرأوا أبا بكر، هنا النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم إيماناً وأكمل إيماناً يرى أفق عالم الغيب الواسع، لا تحزن إن الله معنا، شتان ما بين من ينظر من ثقب و من ينظر من أفق، سبحان الله! لذلك نحن ننصح أنفسنا أولاً ثم المشاهدين حتى في قضية التوكل الصادق، الطبيب عندما نذهب بولدنا أو عزيز علينا ليجري له عملية جراحية أو ليكشف عليه، ندعو الله ثلاثة أدعية، أن يوفق الله الطبيب للتشخيص الصحيح، وأن يوفقه للدواء والطريقة الصحيحة، وأن يضع الله سرّ الشفاء في هذا الدواء، هنا تكمل الأسباب مع التوكل.
الدكتور راتب :
أنا أقول: المؤمن وهو يعالج يد الطبيب بيد الله، أحياناً خطأ بسيط استأصل الكلية السليمة خسر الكليتين.
الدكتور عمر عبد الكافي:
ولذلك يجب أن ننبه أبناءنا الأطباء والطبيبات هم دائماً يجب أن يتلفظوا بالبسملة ليسمعها المريض فيستبشر، أنا لست شيئاً، أنا في معية الله، هو الشافي.
الدكتور راتب :
عندنا طبيب جراح متفوق جداً، جراح في المخ، قبل أن يبدأ العملية يصلي ركعتين أمام المريض يدعو الله، يشعره أن هناك عناية إلهية.
الدكتور عمر عبد الكافي:
ولذلك العبد في معية الله في توكله أرى والله أعلم أن بصيرته ترى لا بصره.
مغادرة الدنيا أخطر حدث في المستقبل :
الدكتور راتب :
سيدي أهل الإيمان حينما يردون على الآخرة يقولون: لم نر شراً قط، كل المصائب والمحن والبلاء، بينما أهل النار يقولون: لم نر خيراً قط، هذه النهاية، فالبطولة بالمستقبل، المشكلة معظم الناس يعيشون لحظتهم وماضيهم فقط، أما المستقبل فقد يغفل الإنسان عنه، عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
أنا أقول عندما أفكر بالمستقبل وأدخل المستقبل في حسابي: أخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا، من بيت إلى قبر، هذه زوجة وأولاد وكنائن وأصهار إلى قبر، فأنا حينما أعتني بالقبر، أحد الصالحين حفر في داره قبراً يتمدد به كل خميس يقرأ قوله تعالى:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِي لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
فيخاطب نفسه ويقول: قومي لقد أرجعناك.
الدكتور عمر عبد الكافي:
نعم نعم، ولذلك سالم بن عبد الله فيما أظن يقول: خيرت نفسي وقلت: يا نفس هذه هي الجنة وهذه هي النار أيهما تريدين؟ قالت لي النفس اللوامة أنا في الأمنية قد أعمل، والأمنية الآن موجودة، أمنية أنني موجود في الحياة، ونعمة الحياة، وكيف يتوكل الإنسان على الله، إذاً دكتور راتب الإنسان عندما يلجئ ظهره لله ويتوكل على الله بعد استنفاذ الأسباب ثم لم ينجح مسعاه، ماذا نقول له؟
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
الدكتور راتب :
والله أنا بإيماني أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، إلا أنه إذا كانت تقتضي مصلحة هذا المؤمن ألا يجاب لا يجاب، والمؤمن له ثقة بالله، المؤمن عرف الله فما ربط معرفته بحدث جزئي طارئ، ربما أعطاك فمنعك أو منعك فأعطاك.
الدكتور عمر عبد الكافي:
نعم الله عز وجل، إذا أنا توكلت عليه سبحان الله العظيم! كما قال الرجل المهاجر للرسول صلى الله عليه وسلم ومعه زوجته، قال: لقد قابلني عمر وكان عمر لم يسلم بعد، ودعا لي بالخير، في سلامة الله يا أم سلمة، قال لها: يا أمة الله يا امرأة لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر، ولكن أسلم عمر، ونبهنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للوليد بن المغيرة: ليس مثل خالد يجهل الإسلام يا وليد، قال: يأتي به الله يا رسول الله، هذا متوكل على الله ولكن طرقت الأسباب.
نريد أن نقول لأبنائنا من الطلبة والطالبات كلمة..
الفرق بين القضاء و القدر و بين التقصير :
الدكتور راتب :
أنا أتمنى على أبنائنا الطلبة والطالبات أن يأخذوا بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكلوا على الله وكأنها ليست بشيء.
الدكتور عمر عبد الكافي:
أي يدرس دروسه جيداً ويجتهد ويتقي الله ثم يتوكل على الله.
الدكتور راتب :
أنا لا أستطيع أن أقبل أن يعزو الإنسان خطأه للقضاء والقدر، أنا أسمي هذا: جزاء التقصير، شخص لم يدرس فيم ينجح فقال: هكذا الله كتب لي، لا، أنت عندما تدرس دراسة دقيقة ويوم الفحص صار عندك حادث سير، هذا قضاء وقدر.
خاتمة و توديع :
الدكتور عمر عبد الكافي:
أن يكون كما قال عمر كالغراب الصحيح ولا يكون كالغراب الكسيح، جزاك الله خيراً، وبارك الله فيك، وتقبل منا ومنك.
الدكتور راتب :
أنا شاكر أن أكون في معيتك.
الدكتور عمر عبد الكافي:
رضي الله عنكم جميعاً، أخواننا المشاهدون لا تنسوننا من صالح الدعاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.