وضع داكن
20-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 111 - فضل العشر من ذي الحجة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، وزد وبارك وأنعم وأكرم على نبينا محمد وعلى آله أصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحباً بكم أيها الأخوة والأخوات في حلقة جديدة مع فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا وأستاذنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 شيخنا الكريم يقول الله عز وجل في القرآن الكريم:

﴿ وَالْفَجْرِ * ولَيَالٍ عَشْرٍ ﴾

[ سورة الفجر: 1-2]

 قال ابن كثير في تفسيرها: المراد بها عشر ذي الحجة. وأيضاً قوله تعالى:

﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾

[ سورة البقرة:203]

 وقال ابن عباس وابن كثير: هي أيام العشر. والحديث الشهير عن النبي صلى الله عليه وسلم:

(( مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ))

[أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ]

 عن عشر ذي الحجة التي تبدأ غداً تدور أحداث حلقتنا لهذا اليوم.

ضرورة استقامة المسلم و زيادة عبادته في المواسم الدينية :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا.
 أخي الكريم؛ بارك الله بك، ونفع بك، الله عز وجل له اصطفاءات، اصطفى من الأنبياء النبي صلى الله عليه وسلم، اصطفى من الشهور رمضان، اصطفى من الليالي ليلة القدر، اصطفى من الأيام الأيام العشر من ذي الحجة، الاصطفاءات أنا أفسرها باجتهاد مني، يكون هناك تجلّ من الله أو سكينة استثنائية في هذه الأيام، لها تميز، لها خصوصية، هذه الخصوصية من فعل الله عز وجل، كيف إذا كان إنسان في البيت يعيش حياة عادية، في يوم من الأيام احتفل بنجاح ابنه مثلاً، كان هناك ضيوف، طعام، هدايا، فهناك أيام استثنائية، تصور أن الإنسان كما أنه بحاجة أن يكون مستقيماً طوال حياته ليلاً نهاراً، صيفاً شتاءً، بحاجة إلى مناسبات دينية، لكن أنا أتمنى أن يكون واضحاً لدى الأخوة المستمعين والمشاهدين أنه أنا غير مطلوب مني أن أعيش على راحتي في أيام السنة كلها، وأضبط نفسي في أيام المناسبات، هذه غير واردة إطلاقاً، الإسلام منهج حياة، الإسلام سلوك، منهج إلهي يطبق ليلاً ونهاراً، صباحاً ومساءً، صيفاً وشتاءً، بكل المناسبات، أما المناسبات الاستثنائية فهذه فيها سعادة مكثفة من الله، الله عز وجل بالتعبير القديم يتجلى، بالتعبير الحديث أو القرآني تتنزل السكينة على قلوب المؤمنين في هذه الأيام، ليست قضية عادية جداً، لكن الله عز وجل من خلال النبي صلى الله عليه وسلم طلب منا أن نعتكف بأيام معينة في رمضان، وطلب منا أن نضاعف صلواتنا وأعمالنا الطيبة والصلاة والصوم بأيام ذي الحجة، هذا الذي أفهمه من الاستثناءات، هناك استثناء من الله عز وجل في هذه الأيام، والمؤمن يستجيب لهذه الدعوات.
المذيع:
 إذاً الأصل أن المسلم في حالة استقامة دائمة لكن يزيد من حالة العبادة في المواسم الدينية.

أعظم شيء في الإسلام أن المناسبات الدينية عبادات راقية جداً :

الدكتور راتب :
 الزيادة من قبله، لكن يقابلها من الله زيادة بالسكينة التي تتنزل على قلبه، هناك سعادة، لو افترضنا هذه الأسرة احتفلت بنجاح ابنها، هذا اليوم فيه طعام طيب، فيه فواكه زيادة، فيه حلويات، فيه تكريم، فيه ثياب جديدة، هذه المناسبات لها استثناءات، والإنسان بحاجة إلى الأعياد، الإنسان بحاجة إلى العيد كيوم استثنائي، الحياة لها رتابة مملة يأتي العيد يعمل تجديداً، عيد الفطر مثلاً كل واحد يلبس بذلة جديدة، هناك حلويات في العيد، وفواكه، وعطلة، وزيارات، هذا الشيء يبدو أن الله عز وجل هو الخبير، الإنسان بحاجة إلى هذه المناسبات، فأعظم شيء في الإسلام أن المناسبات الدينية عبادات راقية جداً، والعياذ بالله في المجتمعات الأخرى المناسبات هي مناسبات معصية وفجور وانهماك بالملذات، هناك مناسبات عند أمم أخرى تتمثل بالمعاصي الشديدة جداً، والفجور، والانحراف، نحن مناسباتنا دينية، والمناسبة مزيد من الطاعة لله، مزيد من التجلي من الله.
المذيع:
 أستاذنا وأين يكون جانب الترفيه عن النفس؟

 

العيد هو المناسبة الوحيدة لصلة الرحم :

الدكتور راتب :
 يوجد عطلة، لي رأي دقيق، كل واحد منا في علاقاته اليومية السنوية له علاقة مع عدة أقارب يراهم أسبوعياً تقريباً، لكن عنده مئة قريب، المناسبة الوحيدة لصلة الرحم في العيد، أنا أتمنى على الأخوة المستمعين والمشاهدين في العيد الزيارات يجب أن تتجه أولاً إلى هذا القريب الذي لا يتاح لك أن تزوره إلا في العيد، أما أخوك، عمك مثلاً يسكن إلى جانبك، علاقات يومية، هذا القريب لا يتاح من طبيعة الحياة، وكثافة العمل، والأوقات ضيقة جداً، والمسافات بعيدة، والمواصلات صعبة مثلاً، عامة الناس يأتي العيد فالعيد مناسبة لصلة الرحم، لكن أنا أتصور أن هناك فهماً سقيماً مضحكاً أنك أنت مكلف في العيد أن تزور أقرباءك زيارة وتتمنى ألا يكونوا في البيت، ومعك بطاقة تضعها، سقط الوجوب وإن لم يحصل المطلوب، ليس هذا الموضوع، أنا أفهم أن زيارة العيد زرت هذا الأخ، ابنه يتعثر في دراسته وأنت ميسور يمكن أن تحضر له أستاذاً خاصاً مثلاً يقويه في الرياضيات، زرته وجدت دخله محدوداً جداً ووجدت وضعه المادي صعباً تعطيه دفعه هدية، والإنسان أحياناً يكون غير حكيم بتقديم الهدية أو بتقديم الزكاة، هذه زكاة مالي، أنا أقول: لا يجوز أن تصرح بهذا، أقترح على الأخوة المستمعين عندك زكاة مال، وعندك أقرباء فقراء جداً، العيد مناسبة معينة أحضر له ألبسة جديدة، مناسبة تغطي موضوع الزكاة.
المذيع:
 أستاذنا أنا نيتي الزكاة لكن أقدمها له وأقول..
الدكتور راتب :
 هذه هدية في العيد، تحفظ كرامته، الإنسان لا يكفي أن يخرج منه المبلغ، يجب أن يكون لطيفاً بتقديمه، حتى كان السلف الصالح يضع يده من تحت ويجعل يد الآخذ هي العليا، أدباً مع الله عز وجل، أحياناً تقدم هدايا أساسية، شخص أحياناً يحضر مؤونة لسنة، هي زكاة، إذا هو مثلاً عنده تجارة بهذه المواد يقدم لأقربائه مؤونة لسنة هي من الزكاة، ممكن تكون بهذا الشكل، يقدم حاجات أساسية.
المذيع:
 هذا مفهوم صلة الرحم التي تحث الناس عليه في العيد ليس فقط تزاوراً.

العيد عودة إلى الله و صلة رحم :

الدكتور راتب :
 والله أنا أنكر إنكاراً ليس له حدود أن فقط تزوره، وتتمنى ألا تجده، عندك قائمة طويلة، إذا ما وجدته تضع له بطاقة فقط، ليس هذا الرحم، أنا كان لي اجتهاد في العيد أدعو أقرباءنا إلى الجامع، يكونون مئتين أو ثلاثمئة، نسهر سهرة طويلة مع أولادهم، وهناك ضيافة درجة أولى، هذا العيد ما من داع أنا أزورك وأنت تزورني، أنا أتمنى على الأخوة الكرام في العيد ممكن أن يجتمعوا في بيت واحد كل يوم في بيت سهرة طويلة من المغرب حتى الحادية عشرة ليلاً، تحادثوا، أنسوا ببعضهم البعض، هذا الموضوع عندما تعطيه زيارة فقط يصبح ليس له معنى، العيد هو في الحقيقة عودة إلى الله، العيد ليس مناسبة للتفلت من منهج الله، العيد عودة إلى الله، والعيد معناه صلة رحم، والرحم من أعظم الأعمال بعد الفرائض، الإنسان بهذه الصلة يتماسك المجتمع، أنا أذكر مرة عملت درساً عن صلة الرحم، وكان الدرس مؤثراً جداً في الشام، يقول لي شخص من كبار الأغنياء: أنا لي ابن عم بحياتي ما زرته حسب درسك بحثت عن عنوانه بدقة وزرته، قال لي: ساكن في بيت تحت الأرض، قبو ثان، كله رطوبة، وأولاده مرضى من هذه الرطوبة، اشترى له بيتاً، هذا الرحم الحقيقي، يريد عملاً لأولاده أمنت له عملاً، يريد أن يدرس يحتاج إلى قسط جامعة، أكله قليل أمنت له وجبة سنوية للمواد الأولية.
المذيع:
 لذلك كانت هذه المناسبات الدينية كالعيد ورمضان حتى نقترب من الله.

 

التعاون بين المؤمنين قوة و حضارة :

الدكتور راتب :
 هناك فكرة دقيقة جداً أنت حينما تعمل عملاً، يا ترى تعمل عملاً يتناسب مع حاجاتك؟ أنا أقول ممنوع، يجب أن تعمل عملاً يزيد من حاجاتك، لماذا؟
المذيع:
توضح أكثر.
الدكتور راتب :
 لك عمل تجاري، ممكن أن يكون عملك راقياً جداً، فيه دوام منضبط، فيه بضاعة جيدة، فيه جهد، أنت جمعت أرباحاً أكثر من حاجتك ومصروفك، أنا أقول: يجب على المؤمن أن يسعى لدخل أكبر من حاجاته، لماذا؟ هذا المعاق لا يوجد عنده من يطعمه، إذاً هو بحاجة للزكاة، شخص لا يوجد عنده إمكان أن يشتغل، إذا اشتغل المؤمن وحصّل دخلاً أكبر من حاجته هذا الفائض حتى يلبي حاجات الآخرين، هذا هو التعاون، والتعاون حضارة، والتعاون قوة، والتعاون دين، قال تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾

[ سورة المائدة :2]

المذيع:
 أستاذنا العشر من ذي الحجة لماذا كان لها هذه المكانة العظيمة عند الله عز وجل؟

 

العبادات معللة بمصالح الخلق :

الدكتور راتب :
 أنا خطر في بالي أن العبادات دائماً تسبقها ممهدات، عيد الأضحى الوقوف بعرفة، العيد حسب فهمي لهذا المصطلح العيد عند المسلمين عودة إلى الله، العيد صلة مكثفة مع الله، العيد حل نسبي لبعض مشكلات المسلمين، أما أن نأكل الحلوى، وأن نلبس الجديد، وأن نتزاور بحديث أهل الدنيا، ليس هذا العيد الذي أراده الله عز وجل، نحن لو توسعنا قليلاً برمضان شهر العبادة، ما قولك أن ينقلب هذا الشهر لشهر ولائم ومسلسلات؟ انتهى رمضان، يوجد مليار وثمانمئة مليون مسلم إذا صاموا وكان رمضان مناسبة ولائم، ومسلسلات،انتهى هذا الشهر، رمضان شهر القيام، شهر التراويح، شهر قيام الليل، شهر الإنفاق، شهر الزكاة، يوجد معاني للمناسبات الدينية كبيرة جداً، فإذا غيبت عن المسلمين أصبحت طقوساً، انتقلنا من عبادة إلى طقوس، الطقوس بالديانات الأرضية ليس لها معنى، حركات، وسكنات، وتمتمات لا تعني شيئاً، هذه اسمها طقوساً، نحن لا يوجد عندنا طقوس، نحن عندنا عبادات.
العبادات هادفة لصلاح المجتمع لا يوجد عبادة بلا سبب، نحن دائماً عندنا فهم للدين غير إسلامي، فهم طقوسي، عمل تؤديه فقط ما فهمته وليس له معنى بالنسبة لك، الإسلام لا يوجد به عمل طقوس، الأعمال معللة بمصالح الخلق، هذه كلمة الإمام الشافعي: العبادات معللة بمصالح الخلق.
المذيع:
 أستاذنا إلى فاصل قصير.. مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حلقتنا عن ذي الحجة، وعن العشر المباركات، من الجميل أن يعيش الإنسان باستقامة طوال العام ويزيدها في هذه المناسبات الدينية، لكن المشكلة من يغيب عن الله ويأتي فقط لهذه المناسبات..
الدكتور راتب :
 لا تقدم ولا تؤخر.
المذيع:
 أستاذنا لدي سؤال من أبي عاصم يقول: هل اقتناص المواسم في الاجتهاد في العبادات فيها يعد نوعاً من أنواع النفاق؟

 

من ترك العمل الصالح خوف الرياء فهو في رياء :

الدكتور راتب :
 لا ما دامت النية طيبة، أساساً دائماً الشيطان يأتي المؤمن من هذا الباب، أنت مهمتك الدعاية، أن يكون لك مكانة في المجتمع، من اتهم بالرياء فهو بريء منه، عندما يترك الإنسان العمل الصالح خوف أن يتهم بالرياء هذا أكبر رياء، إذا ترك العمل الصالح لئلا يتهم بالرياء فعمله أكبر رياء، لا يتصدق، أذكر مرة عندنا ميتم بحاجة إلى نفقات كثيرة، نجمع الأغنياء، أنا أتكلم كلمة وهناك عالم ثان وثالث يدفعون، هذا يدفع مئة ألف، والثاني مثله، لأنه شريكه، نجمع ستة ملايين تكفي مصروف الميتم طوال السنة، جاءت مناسبة منع إعلان الرقم، جمعنا المبلغ فكان ستمئة ألف عوض ستة ملايين، ما الدليل؟ قال تعالى:

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾

[ سورة البقرة:271 ]

 إذا أبديتها صار هناك تنافس وإذا لم تبدها لم يبق هناك تنافس..
المذيع:
 أستاذنا هنا نعود للقلب والنية، اعتدنا الرياء أن تقوم بالعمل من أجل الناس، وأن تترك العبادة من أجل الناس هذا أيضاً يدخل بالرياء؟
الدكتور راتب :
 أو أدق من هذا، من ترك العمل الصالح، من ترك معاونة الناس، من ترك إنفاق ماله خوف الرياء فهو أكبر رياء.
المذيع:
 سؤال أخونا الدكتور، إذا الإنسان كان على عبادة طوال العام واجتهد في هذه المناسبات فهو خير؟
الدكتور راتب :
 خير كبير، هذا تصبح تعويضاً.
المذيع:
 أستاذنا في الآية الكريمة:

﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾

[ سورة الحج:28 ]

 فأكثروا فيه من التهليل والتحميد أي يجب أن يذكر اسم الله في هذه الأيام، لماذا ذكر الله كان محبباً في هذه الأيام العشر؟

 

الاتصال بالله يطمئن القلب :

الدكتور راتب :
 سيدي الله عز وجل قال:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

[سورة طه:14]

 الحقيقة العبادات كلها ذكر لله عز وجل، والإنسان يطمئن قلبه، قال تعالى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

[سورة طه:14]

 فالصلاة ذكر، وحمد، وتسبيح، واستغفار، وفي آية أخرى قال تعالى:

﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

[سورة الرعد: 28]

 لماذا؟ الإنسان ضعيف، فقير، وجاهل، عندما يكون له اتصال مع الله كان جاهلاً فأصبح عالماً، كان ضعيفاً صار قوياً، كان فقيراً صار غنياً، فالذكر أنت تأخذ المخلوق الضعيف المنقطع يتصل بالمطلق الذات الكاملة، عندما اتصل بالمطلق أخذ من رحمته، لذلك:

(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))

[ الديلمي عن أبي بكر]

 أنا أقول لك كلاماً دقيقاً: المؤمن عندما يتصل بالله يشتق منه الكمال، إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، يوجد خلق ذكي وخلق حقيقي، الاتصال بالله يعمل خلقاً حقيقياً.
المذيع:
 دكتور في هذه الأيام المباركات ما هي العبادات التي تنصح الأخوة المستمعين بها؟

 

أهم العبادات في هذه الأيام المباركة :

الدكتور راتب :
 الصيام، إذا كان الصيام صعباً على الإنسان فيصوم يوم عرفة، أما إذا كان نشيطاً، وصحته طيبة، والصيام عنده لا يسبب له مشاكل صحية، الأصل أن يصوم عشرة أيام، يجزئ عنه لمن لا يستطيع صيام يوم عرفة، وتلاوة القرآن الكريم، والصلوات النافلة الضحى، الأوابين، قيام الليل.
المذيع:
 في العشر الأواخر من رمضان كان التركيز على الليالي أكثر من الأيام، والإنسان يلتمس بها ليلة القدر أما هنا في العشر من ذي الحجة فالتركيز الأكبر على الأيام، هل يعني أن ليالي العشر من ذي الحجة لها بركة خاصة؟

 

أفضل الأيام في العام :

الدكتور راتب :
 استمرار أما الأصل فهو النهار، أفضل أيام العام العشر من ذي الحجة إطلاقاً، وأفضل الليالي ليلة القدر، وأفضل الأيام يوم الجمعة.
المذيع:
 أستاذنا هل يمكن أن نقول: وأفضل أيام عشر ذي الحجة يوم عرفة؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، هو الحج الأكبر.
المذيع:
 بارك الله بك دكتور، معنا أبو أسامة: ما هو أفضل الذكر والأدعية، وماذا نفعل في يوم عرفة؟
 معنا الأخ يوسف: أيهما أفضل العشر الأواخر من رمضان أم العشر من ذي الحجة، وبالنسبة للأضحية، ما الحكمة من إمساك المضحي عن قص أظافره وحلق رأسه؟
الدكتور راتب :
 هكذا ورد في السنة.
المذيع:
 أنتقل إلى أبي بلال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، صيام العشرة من ذي الحجة هل يشمل ذلك أول أيام العيد؟

 

النهي عن صوم أول أيام العيد :

الدكتور راتب :
 لا يجوز أن تصوم يوم العيد، يوم أكل وشرب وبعال، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم.
المذيع:
 أنتقل إلى أبي بلال: ليس لي قدرة أن أضحي، هل أنا مؤاخذ؟

ذبح الأضحية لمن استطاع :

الدكتور راتب :
 لا لمن يستطيع فقط.
المذيع:
 أنتقل إلى أبي بلال: أنا عندما أسمع إنساناً ذاهباً إلى الحج أؤمنه أن يدعو لي دعوة خاصة، فهل أنا أخالف شرع الله عز وجل؟
الدكتور راتب :
 لا لست مخالفاً.
المذيع:
 أستاذنا دعاء الحجيج يلتمس هل هذا صحيح؟
الدكتور راتب :
 سلوا الله له العافية.
المذيع:
 أستاذنا إذا أراد الأضحية وليس بإمكانه، هل يؤجر على نيته؟
الدكتور راتب :
 أي عمل صالح الظروف المالية لا تسمح لك أن تؤديه يحسب لك أجره كما لو أديته.
المذيع:
 لو لم يملك وأثقل على نفسه تدين هل هذا مناسب؟
الدكتور راتب :
 لا غير مطلوب منه، عنده أولاد ومصروف نفقات وطعام وشراب، وسوف يصبح خلل في مصروفه في البيت، غير مكلف، أنا عفواً لا أعبد الله إلا وفق منهج الله، أنا غير مكلف أن أحج كل سنة، غير مكلف أن أدفع كل ما أملك، الإسلام متوازن.
المذيع:
 أخ يوسف طرح أيهما أفضل العشر الأواخر من رمضان أم العشر من ذي الحجة؟

 

أفضل الأيام في رمضان و في ذي الحجة :

الدكتور راتب :
 كلاهما، في رمضان أفضل شيء الأيام الأخيرة، وفي شهر ذي الحجة أفضل الأيام الأولى.
المذيع:
 ما الحكمة من إمساك المضحي عن قص أظافره وحلق رأسه؟

 

الحكمة من إمساك المضحي عن قص أظافره وحلق رأسه :

الدكتور راتب :
 كأنه جالس في الحج، في الحج عنده نسك معين لا يستطيع أن يحلق، ولا يتعطر، كأنه في الحج، وعاش جو الحج، وكأن الله رفع له هذه الأيام العشرة إلى مستوى متميز من الحج.
المذيع:
 أول أيام العيد لا يصام؟
الدكتور راتب :
 حديث شريف:" يوم العيد يوم أكل وشرب وبعال".
المذيع:
 ما هو أفضل ذكر تنصح المستمعين؟

 

الذكر هو أي نشاط ديني متميز :

الدكتور راتب :
 أوسع كلمة في الإسلام هي الذكر، إذا قرأت القرآن فأنت ذاكر، إذا صليت فأنت ذاكر، إذا صليت قيام الليل فأنت ذاكر، أي نشاط ديني متميز فهو ذكر، قال تعالى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

[سورة طه:14]

المذيع:
 أستاذنا يوم عرفة يصادف يوم الخميس بعد تسعة أيام هل من نصيحة؟

 

الاحتفال بالعيد مهما كان بالأمة من مصاب :

الدكتور راتب :
 تقريباً بكل العالم الإسلامي يوم عرفة فيه عطلة، فأنت معطل، أنا أتمنى على أخواننا ألا تكون أعمال الصيانة يوم العطلة، بشكل عام يوم الجمعة مثلاً يوم عيد، نعمل صيانة يوم الخميس، أحياناً ترى العيد عبارة عن غسل الثياب، تنظيف البيت، هذا خلاف الأصول، هذا عيد فيه فرح، والإنسان بحاجة إلى الأعياد، حتى هناك رأي مهما كان بالأمة من مصاب فالعيد لا يقف، وإفراح الأطفال بالعيد يجب ألا يقف، حتى لو كان هناك أكبر مأساة بالأمة، الفرح حاجة إنسانية، والعيد له أساليب، يكون هناك مودة بالغة مع الأهل، وثياب جديدة، وحلويات استثنائية، هذا يعطي العيد ميزة كبيرة جداً.
المذيع:
أستاذنا فاصل ونعود..
 دكتورنا يشعر الإنسان في هذه الأيام بنفحات تتجلى في قلبه أن لديه رغبة أكثر للعبادة كيف يمكن أن يحافظ الإنسان على هذا؟

 

الاتصال بالله يعطي السكينة و السعادة :

الدكتور راتب :
 هذا شعور صحي، وشعور مطلوب، وشعور يعد مكافأة لمن يلتزم في هذه الأيام.
المذيع:
 ممكن تشرح هذه الثالثة؟
الدكتور راتب :
 أولاً إنسان عندما يتصل بالله يتقرب إليه، يتودد إليه بعبادة استثنائية، أنا أقول لك من أعماقي: هذا العمل صعد إلى الله، قال تعالى:

﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾

[سورة فاطر: 10]

 هل تعتقد أن هذا صعد إلى الله و لا يوجد مقابل؟ هناك مقابل من الله، أحد أكبر المقابلات من الله السكينة، أي السعادة، يسعد بها و لو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء، السكينة أكبر عطاء إلهي، صعب شرحها، هي سعادة؟ سعادة، طمأنينة؟ طمأنينة، لا يوجد قلق، لا يوجد تشاؤم، لا يوجد إنسان بعيد عن الله عز وجل كلما تقدم سنه سنة إلا وتزداد كآبته، لماذا؟ هناك موت، سوف يترك بيتاً، زوجة، شباباً، عملاً، سيارات، نزهات، ولائم، إلى القبر، فهناك إنسان عنده كآبة تنمو مع دنو أجله، إلا المؤمن، المؤمن الموت عنده عرس، ورد في بعض الآثار النبوية:

(( الموت عرس المؤمن ))

[رواه ابن المبارك والبيهقي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ]

المذيع:
 أستاذنا من لا يخاف الموت منا مؤمناً أم كافراً؟

 

خوف المؤمن من الموت خوف طبيعي معتدل :

الدكتور راتب :
 يوجد خوف طبيعي معتدل، أما الفزع غير المعقول إذا إنسان ليس له أي عمل صالح، ولم يؤد واجباته، فالموت شيء مخيف، يقضي عليه، شخص يمشي مع اللهبشطل صحيح موعود بالجنة، المؤمن يقينه بوعد الله كيقينه بوجوده، أنا أقول: زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، أنا أقول فقط المؤمن الموت عنده مقبول ومعقول، أما غير المؤمن فهو نهاية كل شيء.
المذيع:
 أستاذنا معنا أبو عمر تفضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الله اصطفى الأماكن والأزمان والأشخاص، وأتم لنا ديننا، وقال: اذكروا، فهل علماؤنا على قدر من المسؤولية أما يحتاجون إلى إعادة برمجة، سيدنا يونس عندما لم يفهم على الله نزله في بطن الحوت.

الإخلاص من لوازم تمام الدعوة والتكليف :

الدكتور راتب :
 أنا أقول أولاً: التعميم من العمى، حقيقة مذهلة، ممنوع التعميم، العلماء كلهم هكذا؟ لا، إلا من رحم ربك، الله عز وجل قال:

﴿ وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ ﴾

[سورة آل عمران: ١٩٩]

 ما قال: وإن أهل الكتاب، القرآن لا يعمم، أن تقول: كل العلماء، هذا لا يمكن، لأنه يوجد عالم في كل بلد صادق، مستقيم، يرقى بالناس، هذا من لوازم تمام الدعوة والتكليف، أنا أولاً من أدبي مع الله لا أعمم، دائماً التعميم يضع وضعاً استثنائياً، هناك مدينة فيها نزعة مادية قاسية، تقول: كل أهل هذه المدينة سيئون، لا، مستحيل، والله ما عمم.
 كلمة أخرى؛ الله عز وجل وزع العلماء في الأرض توزيعاً جغرافياً حكيماً جداً، بكل بلد يوجد عالم صادق قطعاً، ومن يطلب يصل إليه.
المذيع:
 أستاذنا بعض الأشخاص الذين يتبعون هوى النفس تأتي هذه المناسبات يرق قلبهم، ثم يعودون بعض مضي هذه المناسبات ما هي نصيحتكم؟

 

من ذاق طعم القرب من الله حنّ إليه :

الدكتور راتب :
 الإنسان حينما يذوق طعم القرب من الله إن ذاقه فعلاً لو فرضنا شخصاً متفلتاً، جاء في رمضان ضبط أموره، غض بصره، ضبط لسانه، سهر سهرات مع العلماء، صلى التراويح، الإنسان عندما ينضبط انضباطاً تاماً يذوق طعم القرب من الله، وإذا ذاقه حنّ إليه، لو كان الصيام شكلياً كصيام معظم الناس ما اتصل بالله، النفس لها قوانين دقيقة جداً، لو فرضنا بائع أقمشة جاءته امرأة وضيئة، أدار معها حديثاً لا يرضي الله، وتأمل في محاسنها، ثم أذن الظهر ذهب ليصلي، هل يستطيع أن يقيم علاقة مع الله بعد هذا الموقف؟ لا يقدر، أخي الكريم المعاصي والآثام حجاب عن الله عز وجل، بالاستقامة الصلاة لها معنى، الحج له معنى، القيام له معنى، الذكر له معنى، القرآن له معنى، كل ثمار الدين لا يمكن أن نصل إليها إلا بالاستقامة، بلا استقامة الدين يصبح فلكلوراً، هذا اسمه عند الغرب فلكلوراً أو تراثاً أو عادات أو تقاليد، أو هذا تاريخ الأمة، الدين يوصف بشيء تاريخي، أما أنظمة الدين فقائمة بكل لحظة، والذي ذاقه الأصحاب الكرام يذوقه المؤمن آخر الزمان، إلههم إلهنا، هذه القضية قوانين، أتمنى إذا شخص قرأ القرآن هناك قوانين قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

[ سورة الطلاق : 2]

 يوجد آلاف القوانين، في موقعي في موضوع قوانين القرآن الكريم، هذا القانون شيء ثابت، الإنسان لا يستطيع أن يعمم، وهناك شيء آخر؛ يذوق طعم القرب مرة، إذا طفل لا يريد أن يأكل موزاً فرضاً، وهو لم يأكله لو ذاقه يصبح كل يوم يريد أن يأكله، يذوق طعم القرب.
المذيع:
 الإنسان البعيد عن الله لو ذاق قربه من الله لحن إليه.
الدكتور راتب :
 شخص متفلت جداً جاءه مرض عضال فألزمه أن يستقيم على أمر الله فذاق طعم القرب بشكل غير معقول، قال له: يا رب - بمناجاته - لمَ لم ترسل لي هذا المرض قبل عشر سنوات؟ إذا شخص اتصل بالله فالله أصل الجمال والكمال والنوال.
المذيع:
 أن يبدأ..
الدكتور راتب :
 هذا قراره، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف: 29 ]

 أخطر قرار بحياة الإنسان أن يتخذ قرار معرفة الله وطاعته.
المذيع:
 بارك الله بكم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، نختم بالدعاء.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، والحمد لله رب العالمين، وكل عام وأنتم بخير سلفاً.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 بارك الله بكم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، شكراً لكم، نصل بحلقتنا إلى الختام، وكان حديثنا عن عشر ذي الحجة واستغلالها وفضلها، نلقاكم دائماً في موعد جديد، سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور