وضع داكن
26-04-2024
Logo
ومضات في آيات الله - الدرس : 06 - للذين أحسنوا الحسنى وزيادة..…
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الإنسان فيه دوافع ثلاثة لحاجات ثلاث ما هما؟ :

 أيها الأخوة الكرام, يقول الله جل جلاله في سورة يونس:

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

[سورة يونس الآية: 26-27]

 أيها الأخوة, الإنسان فيه دوافع ثلاثة لحاجات ثلاث؛ دافع إلى الطعام والشراب لحاجة بقاء الفرد، ودافع إلى الجنس لحاجة بقاء النوع، ودافع إلى تأكيد الذات لحاجة بقاء الذكر.
 ثلاث حاجات: أن يبقى الفرد بالطعام والشراب، وأن يبقى النوع بالزواج، وأن يبقى الذكر بتأكيد الذات.

من الدوافع الرئيسية عند الإنسان :

 نأخذ الدافع الثالث: أكلت وشربت وتزوجت لم تحل المشكلة، لا بد من أن تشعر من حولك أنك إنسان عالم مثلاً، قوي، تتقن حرفة، متفوق اختصاص، تلفت النظر إليك بعمل سلبي أو إيجابي، فما من واحد إلا وفيه حاجة إلى تأكيد الذات، من أجل بقاء الذكر، يقول: كرامتي، مكانتي، هيبتي، شعبيتي، من حولي، فالآيتان اللتان تلوتهما على مسامعكم, متعلقتان بتأكيد الذات، ما الذي يزعجك؟ أن تكون ذليلاً، ما الذي يؤلمك؟ أن يقهرك إنسان، أن يقلل من شأنك إنسان، أن ينال منك إنسان، أن يزدريك إنسان، ما الذي يسعدك؟ أن تكون محترماً، مبجلاً، موقراً، ذا هيبة.

 

هل تصدق أن لتأكيد الذات طريق يفضي إلى الجنة؟ :

 هل تصدقون: أن لتأكيد الذات طريق يفضي إلى الجنة، يقول الله عز وجل:

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾

 -المطلق على إطلاقه؛ أي أحسن في انتقاء زوجته، انتقاها ذات صلاح ودين، أحسن في تربية أولاده، أحسن في إتقان عمله، أحسن في علاقته بمن حوله-:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾

[سورة يونس الآية: 26]

 الحسنى هي الجنة؛ أي الحسنى ثمنها أن تحسن، الجنة ثمنها أن يكون عملك طيباً، هذا شيء بالفطرة، تجد إنساناً شريراً يؤذي، يبني مجده على أنقاض الناس، يبني حياته على موتهم أحياناً، يبني غناه على إفقارهم، يبني أمنه على خوفهم، يبني عزه على ذلهم، إنسان في خدمة الخلق، الخير بيده والشر بيده، فطوبى لمن قدرت على يده الخير، والويل لمن قدرت على يده الشر.
 إذاً: إن أحسنت فلك الجنة بمطلق الكلمة؛ إن أحسنت في صنعتك، إن أحسنت في طبك، في هندستك، في مرافعتك، في دفاعك عن موكل مظلوم، إن أحسنت في صنع هذه البضاعة، إن أحسنت في تصنيع هذه المواد الغذائية، أن أحسنت في علاقاتك مع الناس:

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾

 -والإحسان يدرك بالفطرة، والإساءة تدرك بالفطرة، الدليل: أن السيدة خديجة عندما جاءها النبي وقد جاءه الوحي، وكان النبي وجلاً, علمت وجله, قالت: والله لا يخزيك الله أبداً، -لماذا؟ من أعلمها بذلك؟-, والله لا يخزيك الله أبداً، إنك تقري الضيف، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر.

 

 إذاً: لن يخزيك الله أبداً.

قف عند هذا القول :

 أنا أقول لكم تقليداً: أي شخص منا إذا كان عمله جيداً محسناً، إن كان ابناً صالحاً، وإن كان شاباً مستقيماً، وإن كان أباً رحيماً، وإن كان زوجة ترعى زوجها وأولادها، وإن كان طبيباً مخلصاً، يحاول شفاء المريض دون أن يبتز ماله، وإن كان محاميا يدافع عن موكله بإخلاص دون أن يوهمه بنجاح الدعوة، وهي خاسرة سلفاً, إن كان بائعاً يبيع بضاعة جيدة بسعر معتدل وبمعاملة طيبة، وإن كان مدرساً يعلم طلابه لا على قدر المعاش، على قدر حاجتهم إلى العلم-:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾

[سورة يونس الآية: 26]

 الحسنى: الجنة، الزيادة: النظر إلى وجه الله تعالى.
 وقد ورد في بعض الآثار: أن المؤمنين يوم القيامة إذا نظروا إلى وجه الله الكريم, غابوا خمسين ألف عام من نشوة النظرة:

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾

[سورة القيامة الآية: 22-23]

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾

[سورة يونس الآية: 26]

متى يكون الإنسان عزيزاً؟ :

 متى تكون عزيزاً؟ في الدنيا إذا كنت محسناً، قد تجد حاجبًا عزيزا، لأنه يقوم بعمله قياماً صحيحاً، وتجد أكبر إنسان بالمؤسسة ذليلا, لأنه ملصقٌ بتهمة اختلاس، فأعضاؤه ترتعد خوفاً من كشف الاختلاس:
 لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾

 

[سورة يونس الآية: 26]

 أي إن أردت أن تكون عزيزاً، موقراً، محترماً، تنام مرتاح البال، تنام مطمئناً، لا تخاف من أحد، لا تحسب حساباً لأحد، رافع رأسك، فكن محسناً، ومن ضمن الإحسان الاستقامة، الاستقامة والعمل الصالح, إذا اجتمعتا تفرقتا، وإن افترقتا اجتمعتا، إذا قلنا: إحسان فقط؛ أي مستقيم، وله عمل صالح، إذا قلنا: مستقيم فقط؛ أي مستقيم، وله عمل صالح، إذا اجتمعتا تفرقتا، وإن افترقتا اجتمعتا، إذا قلنا: مستقيم، وله عمل صالح، مستقيم: ترك كل المنهيات وله عمل صالح, فعل كل شيء جيد، الاستقامة ترك، والعمل الصالح عطاء، إن اجتمعا تفرقا، وإن تفرقا اجتمعا:

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾

[سورة يونس الآية: 26]

 اجتمعا، أحسن؛ أي مستقيم، وعمله صالح، ثمن الجنة أن تنتهي عما عنه نهاك، وأن تأتمر بما أمر به، وأن تكمن محسناً للخلق.

من ثمار الاستقامة والعمل الصالح :

 من ثمار الاستقامة والعمل الصالح: أنك عزيز لا تهاب أحداً، ولا تخاف من أحد، لأنك واضح كالشمس، أمورك منضبطة، أما إذا وجد خطأ بالمال، خطأ بالعلاقات، يوجد خلوة، ثم كشفت هذه الخلوة خوف الفضيحة، خوف الافتضاح، عندئذ القضية تحتاج إلى تذلل, وإلى ترجٍّ وخنوع وخضوع، قانون العزة: أن تكون مستقيماً محسناً، قانون الذل: أن تكون منحرفاً مسيئاً:

 

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾

[سورة يونس الآية: 26]

قصة :

 كنت مرة عند صديق, يعمل قاضي تحقيق أول, فأنا جالس عنده, يحقق مع إنسان قاتل، شيء ممتع: كيف يسأله وكيف يستجوبه؟ وهذا القاتل يرهق وجهه كآبة وقتر وذل، فتح الباب, دخل شاب مشرق الوجه، مبتسم، كلفه القاضي بإصلاح ساعته.
 الفرق بين هذا وهذا كبير جداً، هذا مشرق الوجه يبدو أنه لا يوجد عليه مشكلة، وكل إنسان مستقيم وعمله صالح يشعر بثقة بنفسه، وينتزع إعجاب الناس:

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

 -في الدنيا عزيز، وفي الآخرة في الجنة، لذلك: سبحانك لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، العزة لله, ولرسوله, وللمؤمنين.
 القانون الثاني-:

 

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾

 

[سورة يونس الآية: 27]

 هذا قانون العزة، وقانون الذلة، إن كنت مستقيماً، ولك عمل طيب, فأنت عزيز عند كل الناس.

متى يلقي الله على العبد الهيبة؟ :

 حدثني إنسان في بلد آخر, يعمل في مؤسسة, له مدير عام منحرف انحرافاً مخيفاً، غارق بشرب الخمر والزنا وما إلى ذلك ....، هو يعمل معه بالمؤسسة، لكن هذا الموظف مستقيم تماماً, ومنضبط, ونزيه, ومحسن، وهذا الذي يعمل معه متفلت أبعد الحدود, وفاجر, وغارق بالزنا, وفي شرب الخمر، اقتضى العمل أن يكون هذا الموظف مع مديره في مهمة في سفر، يقول لي هذا الأخ: ذهبنا إلى بلد بعيد، ودخلنا إلى مطعم، والمفاجأة لم يطلب ما حرم الله من المشروبات، فبعد أن انتهى الطعام قال له بالحرف الواحد: أستاذ, لاحظت أنه لم نضع خمراً على الطاولة؟ قال له: لاحظت، قال له: هذا لأن دينك أصلي، ليس زعبرة، بالضبط؛ أي دينك أصلي، أي هذا الفاجر، هذا المنحرف الغارق في المعاصي: أدرك أن هذا مستقيم, فاحترمه إكراماً له, لم يضع على الطاولة شيئاً محرماً، وأنت حينما تكون مستقيماً, يلقي الله عليك هيبة، هيبة الله:

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾

[سورة يونس الآية: 26-27]

واقعة :

 حدثني أخ مقيم في واشنطن، بعد فضيحة مونيكا, جمع الرئيس كلينتون رجال الدين, والرجل كان حاضراً، وتكلم أمامه كلمات، هو رئيس الجالية الإسلامية في أمريكا، قال: بكى رئيس الجمهورية خجلاً من هذه الفضيحة، لأنه ارتكب سيئة بكل المقاييس، حتى بالمقاييس غير الإسلامية: ارتكب شيئاً ممنوعاً أن يرتكبه, فصار يبكي، ويعتذر، ويقول: اغفروا لي، ولتغفر لي زوجتي وابنتي، لماذا؟ وهو في أعلى مقام بالعالم؛ أي لا يوجد منصب أعلى منه بالعالم، أعلى منصب بأقوى دولة بالعالم, اضطر أن يبكي, وأن يكون ذليلاً، وأن يعتذر لمن حوله، أي أكبر موقف فيه ذل؟ أمام زوجته التي خانها, وأمام ابنته التي اقتنعت بالإسلام، فلذلك:

﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾

[سورة يونس الآية: 27]

 الإنسان إذا اختلس المال, سيقف صاغراً أمام المحقق، إذا ارتكب خيانة بعلاقة مع النساء, سيقف صاغراً, من يحقق معه في هذا الموضوع؟ إن أردت أن تكون عزيزاً فكن مستقيماً.

اعلم هذا :

 قد يكون الحاجب أشد عزة ممن يعمل عنده، لأنه مستقيم، فإذا سألتني عن قانون العزة والذل أقل لك: استقم وأحسن تكن عزيزاً، ولا سمح الله ولا قدر: من ينحرف ويسئ يكون ذليلاً، ولا بد من أن يفضحه الله على رؤوس الخلق، لأن الإنسان يتوهم أنه بذكائه ينجو، لكن الله سبحانه وتعالى إذا أراد إنفاذ أمر, أخذ من كل ذي لب لبه، ووقع في شر عمله.

 

من القوانين في القرآن الكريم :

 مثلاً قانون التيسير والتعسير:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾

[سورة الليل الآية: 5-7]

 قانون المحبة والعداوة:

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

[سورة المائدة الآية: 14]

 القرآن قوانين، قانون المحبة والبغضاء، إذا نسيت حظاً مما ذكرت به, أغريت بعداوة الآخرين، وإذا كنت مستقيماً أحببتهم.
 عن عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ, عَنِ الْحَسَنِ, حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِيطٍ, قَالَ:

((أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي أَزْفَلَةٍ مِنْ النَّاسِ, فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَمَا تَوَادَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إِلَّا حَدَثٌ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا ...))

 هذا قانون العزة والذلة: استقم واعمل صالحاً تكن عزيزاً، وقصر وانحرف تكن ذليلاً ولو كنت كبيراً، أكبر الكبراء يهان، توجه له أقسى الكلمات، لو كان مستقيماً ينتزع إعجاب الناس واحترامهم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور