وضع داكن
27-04-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 08 - الهجرة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

مقدمة :

قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :

﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾

[ سورة التوبة الآية : 40 ]

والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي ، العنوان : "لا هجرة بعد الفتح" .
أيها الأخوة الكرام : يسعدني ويشرفني ونحن نحتفل في هذه الأيام المباركة أن أرحب بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن أهلي بفضيلة الشيخ العالم الكبير محمد راتب النابلسي، والذي أمضى حياته وهو في طاعة الله عز وجل، مدافعاً عن الدين الإسلامي الحنيف ، ومنتصراً لقضاياه العادلة ، فكان نعم السفير ، وخير من ينطق بلسان الحق أمام تلك الهجمة الشرسة التي يتعرض لها ديننا الحنيف.
الأهل والأحبة : قبل أن نستمع معاً لفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ندعو السيد يوسف العجايمة أن يتفضل .
بسم الله الرحمن الرحيم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، قال تعالى :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾

[ سورة الأنبياء الآية : 106]

صدق الله العظيم ، اللهم صلِّ على سيدنا محمد ، قال صلى الله عليه وسلم :

((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))

[ أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة ]

أيها الأخوة الكرام بمناسبة عيد رأس السنة الهجرية أتقدم لمقام صاحب الجلالة عبد الله الثاني بن الحسين بآيات التحية والتبريك ، وأهنئكم والشعب العربي والإسلامي وكل عام وأنتم بخير ، أرحب بالأستاذ العلامة محمد راتب النابلسي على حضوره لإلقاء محاضرة بهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا في مجلس عشائر العجايمة ، نحن نحمد الله على ما نحن به من نعمة الأمن والأمان ، فلننظر حولنا كيف يعيش أخواننا في الدول المجاورة الشقيقة من انفلات أمني وحروب أهلية ، من قبل بعض الجماعات المتطرفة التي تدّعي الإسلام وهي بعيدة عنه ، نحمد الله على المحبة والألفة بين أبناء هذا الوطن ، والله ولي التوفيق ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نستمع إلى الشيخ الآن ليتحفنا بما منّ الله عليه ، بارك الله فيك تفضل .

 

معنى الهجرة :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنها وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الأحباب : بمناسبة عيد الهجرة هجرة النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة يكون محور هذا اللقاء الطيب .
أولاً : النبي عليه الصلاة والسلام هاجر من مكة إلى المدينة ، هذه الهجرة انتقال من مكان إلى مكان ، ومن مجتمع إلى مجتمع ، ومن بيئة إلى بيئة ، من أجل الحفاظ على تطبيق منهج الله عز وجل ، معنى ذلك أن الإنسان إذا كان في مكان ما ، وهذا المكان لسبب أو لآخر حال بينه وبين علة وجوده ، علة وجوده عبادة الله ، أي مكان يحول بينك وبين علة وجودك ينبغي أن تغادره .
كما لو أرسنا طالباً إلى جامعة السوربون في باريس ، فلم يقبل فيها ، قولاً واحداً ينبغي أن يغادر هذه المدينة ، لأن علة وجوده في هذه المدينة لم تتحقق .
فلذلك الهجرة في الأساس معناها أن طاعة الله وطاعة رسوله والفوز بالجنة والنجاة من النار مقدمة على أي اعتبار .
الشيء الآخر : هناك هجرة بعد رسول الله بين أية مدينتين تشبهان مكة والمدينة، أية مدينتين في المستقبل ، في مستقبل الحياة تشبهان مكة والمدينة ينبغي أن تغادرها ، أي إذا كان البلد متقدماً جداً والدخل وفيراً جداً ولكن لا تستطيع أن تنشئ أولادك على طاعة الله ، ينبغي أن تغادرها .

تلبية حاجات الجيل الصاعد في أيّ بلد عربي مقدم على كل شيء :

أقول دائماً : لو بلغت أعلى منصب في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة ، وارتقيت إلى أعلى مقام ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، ولا أبالغ ، يعيش بعض الأخوة من بلادنا في أمريكا حياةً تفوق حياة الملوك ، ولكنهم عادوا إلى بلدهم حفاظاً على أولادهم ، قضية الأولاد امتدادك ، مستقبلك ، مصيرك .

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

[ سورة الليل الآيات : 1 ـ 4 ]

بمعنى أن قضية الأولاد قضية مهمة جداً، وأقول لكم هذا على مستوى الأب والأم ، أما على مستوى الأمة فهذا الجيل الصاعد في أي بلد عربي أو إسلامي يحتاج إلى ماذا ؟ 

يحتاج إلى فرصة عمل ، وإلى زوجة ، وإلى مأوى فأية أمة تهيئ لشبابها فرصة عمل ، وزواج ، ومسكن ، شبابها لها ، شبابها قوة لها ، أما إذا افتقد الشاب فرصة العمل ، وافتقد المأوى ، وبالتالي الزواج فسيهاجر ، وهل تصدقون أن الغرب يعمل ليلاً نهاراً على استقدام الأدمغة العربية، بكل مجتمع هناك عدد محدود من العباقرة والمتفوقين ، الأمة نهضتها بهؤلاء ، تقدمها بهؤلاء ، رقيها بهؤلاء فهؤلاء إذا نفرناهم خسرنا خسارة كبيرة ، لذلك العالم الغربي لمجرد أن طالباً ألمعيناً يعطيه الجنسية فوراً ، يعطيه إقامة ، يعطيه منصباً رفيعاً ، دخلاً وفيراً ، لأنه بحساب التقدم هؤلاء القلة من المتفوقين هم الأمة في تقدمها .

فلذلك أخوة الإيمان قد يبدو لكم أن موضوع الهجرة موضوع تاريخي ، موضوع نعانيه كل يوم في أي بلد إسلامي ، فحينما يذهب الإنسان إلى بلاد الغرب يرى الحياة مريحة ، هناك نظام ، هناك كذا ، هو عنده عزيمة مطلقة أن يعود ، حينما يرى ما في الغرب من إيجابيات يبقى هناك .
مثل بسيط : هناك ولاية بأمريكا ، اسمها ديترويت ، فيها خمسة آلاف طبيب سوري أقاموا فيها نهائياً ، خمسة آلاف طبيب إذا عادوا إلى بلدهم ، أي أمريكا في بلدنا ، بالجراحة بالأعصاب ، بالهضم ، هؤلاء استقروا هناك ، فنحن حينما نعتني ببلادنا ، ونقدم المتفوق نحافظ على أذكياء أمتنا .
أنا أريد أن أعالج الهجرة من مشكلات معاصرة ، طبعاً أحداث الهجرة كلكم تعرفونها، وفي كل سنة في مناسبة الهجرة الخطباء والمتكلمون يتحدثون عن هجرة النبي ، وكيف هاجر ، ومع من هاجر ، وأي طريق سلك ، وماذا فعل قبل أن يهاجر ، هذه أشياء بين أيديكم جميعاً ، لكن مفهوم الهجرة بالجو المعاصر مفهوم خطير جداً ، فالبطولة أن تبقى في بلدك، أنا أقول لبعض الأخوة الذين أقاموا في أمريكا : هل تصدق أن لحم كتفك من خيرات أمتك ؟ تركتها وسخرت علمك لأعداء الأمة ، هذا خطأ كبير .
لذلك من مفرزات أو من نتائج هذه الكلمات أن نحافظ على شبابنا ولاسيما المتفوقون، الحفاظ عليهم حفاظ على مستقبل الأمة .

 

الإسلام ليس إعجاباً سلبياً :

أيها الأخوة ، إذاً الهجرة هي هجرة النبي عليه الصلاة والسلام ، الهجرة تعني انتقالاً من مكان إلى مكان ، أي حركة ، الإسلام ليس إعجاباً سلبياً ، لا يوجد مسلم بالأرض إلا ويقول لك : الإسلام عظيم ، دين عظيم معنا وحي السماء ، معنا سيد الخلق ، وحبيب الحق ، هذا الإعجاب السلبي لا يقدم ولا يؤخر ، لابد من التطبيق العملي ، هذا الدين لا تقطف ثماره إلا بالتطبيق ، أما الكلام النظري ، أو الإعجاب السلبي ، أو مديح الدين من دون أن نلتزم به فلا يقدم ولا يؤخر .
أخوتنا الكرام ، يقول سيدنا سعد بن أبي وقاص : " ثلاثة أنا فيهن رجل - ما معنى رجل ؟ أي بطل ، كلمة رجل في القرآن الكريم لا تعني أنه ذكر تعني أنه بطل - ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما ما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ، ما صليت صلاةً فشغلت نفسي يغيرها حتى أنصرف منها ، أو حتى أقضيها ، ولا سرت في جنازة وحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها - الشاهد بالثالثة- ولا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى " النبي الكريم يأمرنا أن نعمل صالحاً .

حجم الإنسان بحجم عمله الصالح :

بالمناسبة : حجم عملنا بحجم عملنا الصالح ، شاهد آخر قال تعالى :

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 132]

فالنبي هاجر من مكة التي كذبته ، ونكلت بأصحابه ، وقتلت بعض أصحابه ، إلى المدينة التي رأى فيها قبولاً لدعوته ، معنى ذلك المكان في خدمة الرسالة ، وأنا أقول لكم بشكل صريح : إما أنهم مرتزقون يبحثون عن المال أو هم أصحاب رسالة ، فلابد للمؤمن الصادق أن يكون صاحب رسالة يؤديها ، أما أن يعيش الإنسان على هامش الحياة ، أنا أقول : لا تكن رقماً سهلاً ، كن رقماً صعباً ، اترك بصمة في حياتك لما بعد مماتك ، اجعل نفسك من المتفوقين لأن الله عز وجل أعطى الناس قدرات متشابهة ، لكن هناك من يسخر هذه القدرات ، وهناك من يقصر في تسخيرها .
فلذلك النبي هاجر من مكة إلى المدينة ، لكن باب الهجرة أُغلق بعد فتح مكة .

((لا هجرة بعد الفتح))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عباس ]

لكن ماذا بقي ؟ بقي أن الهجرة مشروعة بين كل مدينتين إلى يوم القيامة تشبهان مكة والمدينة .

هجرة ما نهى الله عنه :

الشيء الثالث ، والمعنى الواسع ، والمعنى اليومي ، والمعنى الحركي ، والمعنى القريب منا الهجرة بأوسع معانيها : أن تهجر ما نهى الله عنه .
أي صديق بذيء اللسان ، خبيث الجنان ، ينبغي أن تبتعد عنه لئلا يسحبك إلى طريق الباطل ، يجب أن تبتعد عن كل شيء له أثر سلبي في حياتك ، هذه هجرة أن تهجر ما نهى الله عنه .
لذلك أيها الأخوة ، الإنسان حينما يسأل نفسه هذا السؤال : أنا لماذا في الدنيا ؟ هناك فكرة دقيقة أنك في الأساس كائن متحرك ، ما الذي يحركك ؟ ثلاث حاجات ، الحاجة إلى الطعام والشراب تدفعك إلى العمل ، والحاجة إلى الزواج تدفعك إلى العمل ، والحاجة إلى التفوق أو تأكيد الذات تدفعك إلى العمل ، هذه الحاجات متوفرة في الدين ، لك أن تعمل وأن ترتزق من أجل أن تنفق على أهلك وأولادك ، ولك أن تعمل من أجل رسالتك ، ولك أن تعمل من أجل بقاء ذكرك .

معاني الرزق :

لذلك الإنسان حينما يرتزق ينبغي أن يرقى بهذا الرزق ، لكن الرزق بالقرآن له معاني كثيرة ، قال تعالى :

﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة الآية : 82]

معنى هذا أن الإيمان رزق ، والطاعة رزق ، والصلة بالله رزق ، والأولاد الصالحين رزق ، هذا المعنى الواسع للرزق ، فلذلك ينبغي أن تبحث عن رزق ترتزقه لترقى عند الله ، فإذا مكان ما حال بينك وبين الرزق الذي تبحث عنه ينبغي أن تغادره لأن علة وجودك تحقيق هذا الهدف .

 

عبادة الله علة وجود الإنسان في الدنيا :

السؤال : قال تعالى :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

[ سورة الذاريات الآية : 56]

علة وجودك في الدنيا أن تعبد الله ، أي أنت حينما تذهب إلى باريس وتقول : إلى أين أذهب ؟ نقول لك نحن : لماذا جئت إلى هنا ؟ إن جئت طالب علم فاذهب إلى الجامعات، إن جئت سائحاً فاذهب إلى المتنزهات ، إن جئت تاجراً فاذهب إلى المعامل والمؤسسات ، فالذي يحدد حركتك هدفك ، أول سؤال في هذا اللقاء الطيب : لماذا نحن في الدنيا ؟ يقول بعض العوام : سبحان الله ! الله خلقنا للعذاب ، أيضاً يسبح الله عليها .

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات الآية : 56]

اسمعوا الآية الثانية :

﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود الآية : 119]

خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسعدهم ، ولكن هذه السعادة والرحمة مشروطة بطاعة الله عز وجل .

 

الحقيقة المرة أفضل من الوهم المريح :

لذلك قال الله تعالى ودققوا في هذا الكلام :

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور الآية : 55]

أنا أقول لكم : زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور الآية : 55]

بربكم اعتمدوا في تقييم من حولكم وما حولكم هذه الحقيقة و هي : الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، لا تعش في الأوهام ، عش في الحقائق .
أي إذا معك شيك مزور بمئة ألف دولار ، إن علمته مزوراً أليس أفضل ألف مرة من أن تتجاهل أنه مزور فإن ذهبت لتقبضه أودعت بالسجن .
الحقيقة المرة ينبغي أن نعلمها ، أنا ممكن أن أتكلم الآن كلاماً أدغدغ مشاعركم : نحن أمة عظيمة ، أمة التوحيد ، أمة الوحيين ، أمة الأنبياء ، كلام سهل ، لكن هناك وعوداً إلهية .

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور الآية : 55]

هل نحن مستخلفون ؟ لا والله .

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ﴾

[ سورة النور الآية : 55]

هل هذا الدين العظيم ممكن في العالم ؟ لا والله محارب ، أقول لكم بملء فمي : هناك حرب عالمية ثالثة كانت تحت الطاولة ، والآن فوق الطاولة ، حرب عالمية ثالثة معلنة نهاراً جهاراً على الإسلام ، الجماعة يريدون الديمقراطية ، بمصر هناك ديمقراطية، انتخابات نزيهة ، هي انتخابات نزيهة ، لما نجح شخص إسلامي أودعوه في السجن ، هناك حرب عالمية ثالثة معلنة على الإسلام ، هذه حقيقة مرة ، والحقيقة هناك كلمة دقيقة : الله ما كلفنا أن نعد للطرف الآخر القوة المكافئة ، بماذا كلفنا ؟ أن نعد القوة المتاحة فقط ، قال :

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 60]

وعلى الله الباقي ، ليس وارداً أبداً أن أتحرك إذا كنت مكافئاً للآخر ، لا .

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 60]

فنحن بإمكاننا أن ننهض بهذه الأمة ، وأن نعلي لها قدرها ، وأن نعلي لها قدرها المجيد ، و أن نعيد لها مهمتها التي أناطها الله بها .

 

علة خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾

[ سورة البقرة الآية : 143]

وكأن الله يقول : يا أيتها الأمة أنتم وسطاء بيني وبين خلقي ، لذلك قال الله تعالى :

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 110]

من أدق إعرابات أو معاني كنتم أي أصبحتم ، أصبحتم بهذه البعثة :

﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 110]

ولكن هذه الخيرية لها سبب ، قال العلماء : علة الخيرية ماذا ؟ قال :

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 110]

النبي الكريم يقول مخاطباً أصحابه :

(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر ؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟- كأنهم صعقوا - قال : نعم ، وأشدُ ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف ؟ - صعقوا صعقة أشد - قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم - الثالثة ما هي ؟ - وأَشدُّ ، كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً ))

[ أخرجه زيادات رزين عن علي بن ابي طالب ]

صدقوا ولا أبالغ أحياناً المنكرات يفتخر بها في بعض المجتمعات ، يفتخر بالمعاصي والآثام ، فالأمة في خطر ، في خطر بعدها عن منهج الله عز وجل ، ولا ينجينا من عقاب الله عز وجل إلا الصلح معه ، لذلك الآية :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 33]

قال علماء التفسير : أنت فيهم ما دامت سنتك قائمة في حياتهم ، هم في مأمن من عذاب الله .

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 33]

لذلك :

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

علة خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أي أنت ماذا تفعل لو رأيت صديقاً أو أخاً أو جاراً ارتكب معصية ؟ بلطف بالغ بينك وبينه ، من دون أن تذيع ذلك للناس انصحه ، مادام هناك نصيحة هناك أمة .

((الدِّينُ النصيحة ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري ]

هذا من تعريفات النبي الجامعة المانعة للدين .

((الدِّينُ النصيحة لِمَنْ يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأَئمة المسلمين وعامتهم))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري ]

هذه النصيحة .

 

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

لذلك الدعوة إلى الله واجب ، وهل تصدقون أن الدعوة إلى الله هي فرض عين على كل مسلم ، اسألني عن الدليل ، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، ألم يقل الله عز وجل :

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف الآية : 180]

فالذي لا يدعو على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله ، لن تكون متبعاً إلا إذا دعوت إلى الله على بصيرة ، يقول لك : أنا لست متعلماً ، أنا لا يوجد معي شهادة شرعية عليا ، أنا ليس لي خطيب مسجد ، من قال لك ذلك ؟

((بلِّغُوا عني ولو آية))

[ أخرجه الترمذي والبخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

حضرت خطبة جمعة الخطيب شرح آية شرحاً رائعاً تأثرت فيه ، هذا الذي سمعته من الخطيب بلغه لزوجتك ، لأولادك ، لجيرانك ، لأقربائك ، لشريكك بالمحل ، هذه الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط ، أما الدعوة إلى الله كفرض كفاية فتحتاج إلى تعمق في الدين ، وإلى تبحر ، وإلى تفرغ ، هذه فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل ، أما فرض العين لو سمعت حديثاً واحداً من خطيب مسجد وتأثرت فيه فهذا ينبغي أن تنقله لمن حولك ، ما الذي يمنع أن تحضر درس علم وتسجل عدداً من الكلمات ؟ الآن عندما نجلس مع الأهل ، مع الأقارب ، مع الأحفاد ، مع الأخوة ، مع الأخوات ، نجعل حديثنا بهذه المعلومات الدقيقة ، بهذه الطريقة تكون قد نفذت الدعوة إلى الله كفرض عين .
إذا أيها الأخوة الكرام :

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾

فإذا تخلى المسلمون عن النهي عن المنكر سقطوا من عين الله جميعاً .

﴿وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

إذاً الهجرة نقلة ، حركة ، اتصال ، بذل ، منع ، المؤمن يمنع لله ، و يعطي لله ، يصل لله ، و يقطع لله ، يغضب لله ، و يرضى لله ، ما لم تكن هكذا فلابد من أن تتحرك نحو هذا الهدف .

 

المناسبات الإسلامية تغير مجرى حياة الإنسان :

أيها الأخوة الكرام ، شيء جميل جداً ، ورائع جداً هذه المناسبات الإسلامية قد تمر مرور الكرام ، أي هناك كلمات تقال في الهجرة وهذا الموسم الديني لا يستمر إلا لأيام معدودة ، ما قولك إن هذه المناسبة تغير مجرى حياتنا ؟ الأمر بيدنا .

(( إني والإنسان والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إليّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنتهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عند بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم لولدها))

[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

الذكر في الصلاة أعظم ما فيها :

أخوتنا الكرام حينما قال الله عز وجل :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه الآية : 14 ]

العلماء قالوا : الذكر في الصلاة أعظم ما فيها ، هناك آية ثانية :

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 152 ]

ابن عباس يقول : " إنكم إن صليتم تكونوا قد ذكرتم ربكم ، وأديتم واجب العبودية ، لكن الله إذا ذكركم - هنا الشاهد - منحكم نعمة الأمن ، وهذه أثمن نعمة على وجه الأرض وهذه النعمة خاصة بالمؤمنين ، والدليل :

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 81 ـ 82 ]

أي الإنسان تقدمت به السن ، تجاوز الخامسة والخمسين ما الذي ينتظره ؟ مغادرة الدنيا .

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت))

العاقل من أدخل الآخرة في حساباته :

ببعض البرامج العصبية ، البرمجة العصبية ، يقول : ابدأ من الآخر ، الآخر قبر، عفواً كل منا له بيت ، فيه غرفتان أو ثلاث ، و زوجة ، و أولاد ، و أصهار ، و كنائن ، و أحفاد ، و ولائم ، و سهرات ، لكن ماذا بعد البيت ؟ القبر ، ماذا بعد الغنى ؟ القبر ، ماذا بعد المنصب الرفيع ؟ القبر ، ماذا بعد مباهج الدنيا ؟ القبر ، ماذا بعد ألذ أنواع الطعام ؟ القبر ، ماذا بعد المودة البالغة ؟ القبر ، أين البطولة ؟ أن تدخل هذا الحدث الخطير في حساباتك ، ذلك أن معظم الناس يتحدثون عن يومهم وماضيهم ، لكن قلة قليلة تتحدث عن مستقبلها ، فأنا حينما أتفكر بالموت والنبي الكريم يقول :

(( أكثروا ذكر هادم اللذات ، مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات ))

[ رواه الديلمي عن أنس ]

((عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))

[ أخرجه الحاكم عن سهل عن سعد أبو عبد الله بن عمر ]

الإنسان خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه :

أنا ما سمعت تعريفاً للإنسان جامعاً ، مانعاً ، رائعاً كهذا التعريف : الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، بضعة أيام ، لذلك أنت زمن ، من ذلك أقسم الله بمطلق الزمن لك ، لأنك زمن قال :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر الآية : 1 ـ 2]

خاسر ، لماذا ؟ لأن مضي الزمن يستهلك الإنسان ، كيف تنجو من هذه الخسارة ؟ قال :

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر الآية : 3]

الإمام الشافعي قال : " هذه أركان النجاة " في اليوم الواحد ينبغي أن تؤمن أو أن يزداد إيمانك ، في اليوم الواحد ينبغي أن تعمل عملاً صالحاً ، في اليوم الواجد ينبغي أن تدعو إلى الله ، في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، في اليوم الواحد ينبغي أن تصبر للبحث عن الحقيقة ، والعمل بها ، والدعوة إليها .

 

بطولة الإنسان أن يصطلح مع الله عز وجل :

لذلك أيها الأخوة ، هذا كلام مصيري متعلق بسعادتنا في الدنيا والآخرة ، فالإنسان بطولته أن يصطلح مع الله ، وأن يصل إلى ما ينبغي أن يصل إليه قبل أن يصل إليه ، كيف ؟ الموت ، قد نصل إلى الموت ، بطولتك أن تصل إليه بفكرك قبل أن تصل إليه بجسمك .
سألوا طالباً نال الدرجة الأولى في الشهادة الثانوية ، بمَ نلت هذه الشهادة ؟ قال : لأن ساعة الامتحان لم تغادر ذهني طوال العام ، والمؤمن الصادق المغادرة لا تغادر ذهنه إطلاقاً ، المغادرة تعني الطاعة ، تعني أداء الصلوات بإتقان ، تعني بذل المال ، تعني تربية الأولاد ، تعني حفظ البنات من التبرج الذي لا يرضي الله ، تعني إكرام الزوجة بحيث لا تعصي الله معها ، هناك أشياء كثيرة في المنهج ، أنا أحياناً أتألم حينما أرى أن الناس يفهمون الدين بخمسة أشياء ؛ صوم ، وصلاة ، وحج ، وزكاة ، ونطق بالشهادة ، الدين منهج تفصيلي قد يصل إلى خمسمئة بند ، كسب أموالك ، إنفاق أموالك ، علاقاتك بجيرانك ، علاقتك بأولادك ، بآبائك ، بأجدادك ، بمن دونك ، بأحفادك ، علاقتك بالعمل ، مع شركائك ، منهج تفصيلي ، يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية .

خاتمة و توديع :

أيها الأخوة الكرام ، أرجو لكم التوفيق والنجاح ، وان يحفظ الله لكم جميعاً إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، وفي دعوة سادسة واستقرار بلادكم ، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور