- محاضرات خارجية
- /
- ٠23ندوات مختلفة - الأردن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.
ما من طاغية على وجه الأرض إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين :
أيها الأخوة الكرام؛ في القرآن الكريم قصص، وفيه وصف لأفراد، فالسورة الأولى:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
وقال:
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
من خلال استقرائي لقصص الطغاة في الأرض يتبين أنه ما من طاغية على وجه الأرض من آدم حتى الى يوم القيامة إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه ولخدمة المؤمنين، من دون أن يشعر، ومن دون أن يريد، وبلا أجر، وبلا ثمن، لأن الطغاة عصي بيد الله، أي يربي بهم عباده، فالآية واضحة، والقرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي علية الصلاة والسلام قرآن يمشي، فالقران لم يغادر صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها، معنى ذلك أن مشكلاتنا الى يوم القيامة تجدها مصورة في القرآن ونجد حلها في القرآن.
مشكلاتنا مهما عظمت وصفها وعلاجها في القرآن الكريم :
الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾
من هم أولو الأمر عند الإمام الشافعي؟ قال: هم العلماء والأمراء معاً، العلماء يعلمون الأمر والأمراء ينفذون الأمر، في التعبير المعاصر سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية، فأولو الأمر العلماء والأمراء، الآن الآية دقيقة جداً:
﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾
مع من؟ مع العلماء أو الأمراء، فهل يعقل أن يقول خالق السموات والأرض: إذا كان عندكم شيء غير واضح فارجعوا فيه لكتابي ولسنة رسولي ولا نجد فيه شيئاً!؟ مستحيل هذا كلام خالق السموات والأرض، إذاً كل مشكلاتنا مهما عظمت، الصغيرة والكبيرة، القريبة والبعيدة، مع عدو قريب، مع عدو بعيد، المشكلة وصفها في القرآن وعلاجها في القرآن، هو شفاء للناس، لذلك الله عز وجل قال:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾
وقال:
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾
هذه الآية في التعبير اليومي جبر خاطر لكل المستضعفين.
تفوق قوم عاد في كل المجالات :
قد يكون الفرد قوياً، وقد يكون طاغياً، وقد تكون جماعة، الله عز وجل ضرب مثلاً قوم عاد، فقال:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾
أي عاد تفوقت في شتى الميادين، تفوق صناعي، تفوق زراعي، تفوق علمي، قال الله تعالى:
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾
تفوق عمراني:
﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾
تفوق صناعي:
﴿ بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾
تفوق عسكري:
﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾
تفوق علمي، فقوم عاد في القرآن تفوقت علمياً وعسكرياً وعمرانياً وصناعياً، وما كان فوقها إلا الله، الدليل قال الله تعالى:
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾
الله عز وجل فوق الجميع :
ما كان فوق عاد إلا الله، تفوق عمراني وصناعي وعلمي وفي شتى الميادين، ماذا فعلت عاد؟ قال: طغوا في البلاد، لا في بلدهم بل في كل البلاد.
مرة زعيم في دولة غربية كبيرة جداً، قال: نحن سياستنا الخارجية كسياستنا الداخلية، نحن لا نتحاور، لا نتناقش، نعمل أمراً فقط، الدول الكبرى لا تتحاور من الضعفاء، تعطي أوامر فقط، فما كان فوق عاد إلا الله، وقد تفوقت عمرانياً وصناعياً وما الى ذلك، قال الله تعالى:
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى﴾
إذا أنت قلت لأحدهم: هذه دفعة أولى، إذا قلت: أولى، إذاً هناك دفعة ثانية، أما إذا قلت: هذه دفعتك؛ معنى هذا أنه لا يوجد غيرها، لما قال الله أنه أهلك عاداً الأولى معنى هذا أن هناك عاداً ثانية.
كنت مرة في أمريكا لما رجعت للشام قال لي أحدهم: أين كنت؟ قلت له: في عاد الثانية، عاد مثل دولة كبيرة عملاقة تفوقت علمياً و صناعياً و عسكرياً إلخ، لكن الله فوق الجميع.
إلزام الله ذاته العلية بالاستقامة :
الحقيقة أحياناً تجد عشرة وحوش كاسرة، وكل وحش أوحش من الثاني، لكنهم مربوطون جميعاً بأزمة محكمة، بيد جهة حكيمة، الإنسان أمام هذه الوحوش علاقته مع الوحوش أم مع الذي يمسكها؟ مع الذي يمسك بها، لذلك الآية الدقيقة:
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
الذات الكاملة الله جل جلاله، قال العلماء: ألزم ذاته بالاستقامة، فحرف الجر على مع الذات الإلهية يعني الإلزام الذاتي، أي أن الله عز وجل مع أنه قوي، مع أنه لا يسأل عما يفعل، لكن الله سبحانه وتعالى ألزم ذاته بالاستقامة:
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
انعدام القهر و اليأس و التشاؤم مع التوحيد :
الحقيقة أيها الأخوة، الإنسان إذا سمع خبراً أو سمع تحليلاً، وما ربطه بالتوحيد يقع بإشكال كبير، لذلك:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
هذه تكفي، حينما ترى أشخاصاً أقوياء جداً لا يرحمون، ولا تُدخل الموضوع مع التوحيد تقع في إشكال كبير:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
حتى لا تتعذب مع التوحيد لا يوجد قهر، مع التوحيد لا يوجد يأس، مع التوحيد لا يوجد تشاؤم، لكن هناك موقفاً شرعياً، إنسان لص دخل للبيت تقول: ترتيب الله؟ ألا تفعل شيئاً؟ يجب أن تقاومه وتقبض عليه وتسلمه للشرطة، لكن عندما تعرف أن هناك جهة عليا سمحت له فهذه حكمة بالغة، فالمؤمن دائماً متفائل لا يتشاءم.
الدنيا دار ابتلاء و امتحان :
أيها الأخوة؛
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾
يقول سيدنا علي رضي الله عنه: "الغنى والفقر بعد العرض على الله" أي قبل العرض على الله ليس الغني غنياً ولا الفقير فقيراً، فمن خطب النبي عليه الصلاة والسلام:
((عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا دَارُ الْتِوَاءٍ ، لا دَارُ اسْتِوَاءٍ ، وَمَنْزِلُ تَرَحٍ ، لا مَنْزِلُ فَرَحٍ ، فَمَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْرَحْ لِرَجَاءٍ ، وَلَمْ يَحْزَنْ لِشَقَاءٍ ، أَلا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الدُّنْيَا دَارَ بَلْوَى ، وَالآخِرَةَ دَارَ عُقْبَى ، فَجَعَلَ بَلْوَى الدُّنْيَا لِثَوَابِ الآخِرَةِ سَبَبًا ، وَثَوَابَ الآخِرَةِ مِنْ بَلْوَى الدُّنْيَا عِوَضًا، فَيَأْخُذُ لِيُعْطِيَ ، وَيَبْتَلِي لِيَجْزِيَ ، وَإِنَّهَا لَسَرِيعَةُ الذَّهَابِ ، وَشِيكَةُ الانْقِلابِ ، فَاحْذَرُوا حَلاوَةَ رَضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا ، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِهَا ، لِكَرِيهِ آجِلِهَا ، وَلا تَسْعُوا فِي عُمْرَانِ دَارٍ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ خَرَابَهَا ، وَلا تُوَاصِلُوهَا وَقَدْ أَرَادَ اللَّهُ مِنْكُمُ اجْتِنَابَهَا ، فَتَكُونُوا لِسَخَطِهِ مُتَعَرِّضِينَ ، وَلِعُقُوبَتِهِ مُسْتَحِقِّينَ))
أي الصحة طيبة لكن لا يوجد عنده أولاد، عنده أولاده و لكنه يعاني من مشكلة صحية، أولاده جيدون زوجنه عندها مشكلة، زوجته جيدة المشكلة في عمله، هذه الدنيا مؤقتة لو جاءت كما تتمنى لكرهت لقاء الله، فربنا عز وجل لحكمة بالغة يرسل لعباده معالجات.
بربكم لو أحدهم معه التهاب معدة حاد، وذهب الى الطبيب فأخضعه لحمية شديدة جداً أفضل أم من يكون معه ورم خبيث منتشر ويسأل الطبيب: ماذا آكل؟ يقول له: كُلْ ما شئت؟ إذا اخضعك الطبيب لحمية قاسية أفضل أم يقول لك كُل ما شئت؟ حمية قاسية، كأن العالم الإسلامي يخضع لحمية قاسية الآن، قال الله تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
الغرب، بلاد جميلة، غابات، أموال طائلة، فساد لا ينتهي، كل أنواع الانحلال موجودة، أي شيء عجيب وهم أقوياء، لكن لأن الدنيا محدودة، فالدنيا دار ابتلاء.
إذاً البطولة أن تأتي الى الدنيا، وأن تتحرك وفق منهج الله، أنت الغني، أنت القوي، أنت الآمن.
وعد الله الإلهي فوق الظروف كلها :
لذلك الله عز وجل قال في آية خاطب بها الشباب:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
هذا الوعد الإلهي فوق الظروف كلها، فوق كل مشاكل الحياة.
الإله يعد المؤمنين بحياة طيبة، كيف؟ لا أعرف، لكن الله وعدهم بحياة طيبة، أي إذا لم تقل: أنا أسعد إنسان يكون عندك مشكلة، بأي ظرف، فقير، غني، بيتك ملكك، بيتك مستأجر، زوجتك تروق لك أو لا تروق، عندك أولاد، ما عندك أولاد، أنت عرفت الله عز وجل:
(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليَّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي، وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليَّ بالمعاصي، وهم أفقر شيءٍ إليَّ، من أقبل عليَّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها))
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته