وضع داكن
25-04-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 10 - حملة حجابي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .

النوال و الكمال و الجمال مطلب كل إنسان على وجه الأرض :

أيها الشباب الكرام ، أيتها الشابات الكريمات ، بادئ ذي بدء الشباب قوام الأمة ، والشباب مستقبل الأمة ، وحينما يلبي أولو الأمر حاجاتهم الطبيعية والمحقة تنهض الأمة وكأن نهوض الأمة منوط بالشباب .
أيها الأخوة الكرام ، الحقيقة الدقيقة والثابتة أن أي إنسان على وجه الأرض يحب النوال و الكمال والجمال ، هكذا فطرنا وهكذا جبلنا ، نحب العطاء ، الذي يعطينا نحبه ، نحب الإنسان الكامل لو لم تكن لنا به علاقة ، نحب النوال والكمال ، ونحب الجمال ، لأن الله جميل يحب كل جميل ، ولكن هناك تحفظاً دقيقاً جداً حول الجمال البشري ، قد تنظر إلى وردة وتستمتع بها ولا تحتاج إلى شيء آخر ، إلا أن الجمال البشري فيه قوة جاذبة كالتيار عالي التوتر ، يمكن لهذا التيار أن يجذب ما حوله لثمانية أمتار ، فلئلا ينجذب الإنسان إلى تيار عالي التوتر ينهي حياته لا بد من هامش أمان بينك وبينه ، هامش الأمان يتمثل في هذا الدين العظيم ، بغض البصر للشباب ، والحجاب للشابات .
أيها الأخوة الكرام ، لذلك ليس في القرآن الكريم آية تنهى عن الزنا ، ولكن الآية تنهي عن الاقتراب من الزنا ، وهذا ملمح دقيق في القرآن الكريم :

﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى ﴾

[ سورة الإسراء: 32 ]

معنى هذا يوجد هامش أمان إذا تجاوزته قد لا تملك نفسك ، فالخلوة محرمة في الإسلام، الخلوة تزيل الحواجز ، إطلاق البصر محرم ، لو تتبعت أحكام الفقه لوجدت أن كل شيء يلغي هذا الهامش محرم ، لأن هذا الدين دين الله ، لكن أنا أقول لكم كلمة وأعني ما أقول تماماً ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري بها ، إذاً ليس هناك حرمان في الإسلام ، هناك تصعيد للميول .

 

طريق حفظ الله يبدأ بغض البصر :

أيها الأخوة الكرام ، الكلام الذي اتمنى أن يكون واضحاً أنني عثرت على كلمة للسيد المسيح يقول فيها : الشريف هو الذي يهرب من أسباب الخطيئة ، فلذلك هذا الهامش ، هامش الأمان الذي أراده الله عز وجل ورد في القرآن الكريم :

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 30]

وكأن بعض علماء التفسير فهم أن طريق الحفظ يبدأ بغض البصر ، غض البصر للمؤمنين والمؤمنات ، للشباب والشابات .
شيء آخر : ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ، في نص آخر :" إن الله يباهي الملائكة بالشاب التائب يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي" . وما الذي رفع هذا النبي الكريم سيدنا يوسف وقد دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين ؟ لأنه قال : معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي كان في أعلى عليين ، لكن أنا أطمئن أي شاب وشابة :

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

أذكر قصة قبل أربعين عاماً تقريباً ، مكتبة فيها شاب يديرها جاءته فتاة أشارت بعينيها أن يتبعها ، أخطأ وتبعها ثم تذكر أنه حج بيت الله الحرام في العام الماضي مع أبيه ، فعاد من توه ، يقسم بالله العظيم أن أحد وجهاء الحي في اليوم التالي قال له : يا بني هل أنت متزوج ؟ قال : لا ، قال له : عندي فتاة تناسبك جداً ، هو ظنّ أن بالفتاة شيئاً دون المستوى حتى عرضها عليه ، فلما أرسل أمه إلى هذا البيت ، وجدت شيئاً رائعاً جداً ، جمال وكمال و ثقافة ، و كانت زوجته ، هذه القصة أرويها لا أحد ينتظر ان يطرق عليه الباب لكن :

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

الإنتاج العقلي والشعوري للبشرية علم وفلسفة وفن :

أنا أقول كلمة لعلي أصيب أو لا أصيب : زوال الكون أهون على الله من أن تدع شيئاً لله ثم لا تجد خيراً منه في طاعة الله ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح ، ومستحيل وألف وألف مستحيل أن تطيعه وتخسر ، هذه حقيقة ، من مسلمات هذا الدين أنك تتعامل مع خالق السموات والأرض ، تتعامل مع رب العالمين ، تتعامل مع من بيده كل شيء ، الكبار والصغار ، والأقوياء والضعاف ، والأقرباء والأباعد ، كله بيده ، لذلك الآن سوف أدخل في بعض المقدمات التي لا بد منها ، الإنتاج العقلي والشعوري للبشرية هو في الحقيقة علم وفلسفة وفن ، العلم ما هو كائن ، والفلسفة ما يجب أن يكون ، والفن ما هو ممتع ، وهناك أشياء في الحياة الدنيا لا تعد ولا تحصى سمح الله لنا أن نستمتع بها من دون حرج ، من دون شعور بالخطأ ، وهناك نوع من الجمال هو الجمال البشري ، له قيود ، له قيود من أجل سعادة البشرية ، أفراداً ومجتمعات ، من أجل المستقبل ، للتقريب أية شهوة أودعها الله فينا لك أيها الإنسان وأنت مخير أن تستمتع بها مئة وثمانين درجة ، هذا الشرع العظيم سمح لك بمئة درجة، وبعد هذه المئة هناك تحريم ، سمح لك أن يكون لك زوجة ومحارم افتحوا كتب الفقه في باب المحارم ، هناك أبواب كثيرة تجد ما الذي سمح الله لك به في هذا الموضوع من الجمال البشري وما الذي نهاك عنه ، فالإنسان حينما يبقى في الشيء الذي سمح الله به هو في أمان.

من يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :

لذلك المعنى الدقيق الدقيق في قوله تعالى :

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص الآية : 50 ]

المعنى المخالف : الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، اشتهى المرأة فتزوج، اشتهى المال فعمل عملاً مشروعاً، ليس في الإسلام حرمان في الإسلام تنظيم، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة تسري خلالها. فالشهوات قوة دافعة أو قوة مدمرة، هي حيادية بحسب طريقة استخدامها، لو إنسان سأل هل المال نعمة أم نقمة ؟ نقول: ليس نعمة وليس نقمة، موقوف على طريقة كسبه وإنفاقه، لأن الإنسان يميل ميلاً فطرياً للمال، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص: 50 ]

هواه شهوته ، لعل بعضكم درس الشريعة أليس في هذه الآية معنى مخالف ؟ معنى عكسي ؟ نعم ، أي الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، وفي بلاد المسلمين يوم العرس تطلق المركبات أبواقها ، هذا الشيء وفق منهج الله ، وفق ما أراد الله عز وجل ، تتصور الله عز وجل أودع في الإنسان شهوة ومنعه منها ؟ مستحيل ، أودع فيه الشهوات وجعل لهذه الشهوات مصارف راقية ، قنوات راقية ، ففي أي مكان في العالم الإسلامي إن كان النكاح التغى السفاح ، وإذا وضع المجتمع قيوداً تعجيزية أمام النكاح كان السفاح :

(( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ... ))

[ الترمذي و ابن ماجه عن أبي هريرة ]

العمل على حلّ مشكلات الشباب لأنهم عماد الأمة و مستقبلها :

الآن دقق هذا النبي الكريم قبل ألف وأربعمئة عام قال :

(( ... إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ... ))

[ الترمذي و ابن ماجه عن أبي هريرة ]

هذه الحاجة تلغى ؟ لا ، لا تلغى تتحول إلى سفاح ، فإما أن ندعم النكاح بدءاً من أولي الأمر وانتهاءً بالشباب والشابات ، فإما أن ندعم النكاح أو يكون السفاح في المجتمع :

(( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ... ))

[ الترمذي و ابن ماجه عن أبي هريرة ]

والله في بلدة من بلدات الشام اجتمع وجهاؤها ، واتخذوا قراراً أن مهر الشاب خاتم سحب – من الذهب فقط - ويسروا الزواج ، وأنا أعرف مؤسسات كثيرة تقوم بتيسير الزواج إما بدعم مادي ، أو إقامة عرس جماعي لخمسمئة شاب ، أي هناك وسائل كثيرة حتى هذا المشروع بالشام توسع كثيراً ، صار هناك مؤسسات تقدم الأثاث ، تعطي خصماً بمقدار خمسين بالمئة لهذا العرس الجماعي .
الحقيقة ما لم تقف الأمة وقفة مشرفة في دعم هذا المشروع ، هل تصدقون أن في بعض البلاد نسب العنوسة بلغت خمسين بالمئة ؟ وهذه من أكبر المشكلات التي يعاني منها المجتمع العربي ، في بلاد خمسون بالمئة ، في بلاد ثمانية عشر بالمئة ، في بلاد عشرة بالمئة، هناك خطأ بالمجتمع ، فأنتم إن شاء الله حينما يبرمج الشاب نفسه على طاعة الله الشيء الطبيعي جداً أن يكافئه الله ، أنا بدأت بالشاب ، بزوجة صالحة تسره إن نظر إليها، تحفظه إذا غاب عنها ، تطيعه إن أمرها ، وكذلك الشابة حينما تستر مفاتنها عن الناس وتعبد الله عز وجل 

أيضاً هناك وعد لها بشاب مؤمن يعلي قدرها ، ويحفظ دينها ، أنت تعامل خالق السموات والأرض

أنا أمضيت حياتي في التعليم ، وعلمت في الجامعة ثلاثين عاماً تقريباً ، أنا مع الشباب ، الشباب عماد الأمة ، الشباب مستقبل الأمة ، الشباب القوة الفعالة في المجتمع ، هؤلاء اسمحوا لي أن أتحدث عنهم لهم ثلاثة طلبات ، مسكن متواضع ، زوجة ، فرصة عمل ، هل كلامي صحيح ؟ فإن وفرنا لهم هذه الطلبات أصبح الشباب قوة دافعة ، قوة بانية ، قوة تعيد لهذه الأمة إن شاء الله مجدها التاريخي ، وإذا لم نهتم بهذا الطلب المعقول نحن أمام تطرفين ، تطرف تفلتي وتطرف تشددي ، التفلتي إباحية ، والتشددي التكفير ثم التفجير ، والموضع خطير يمس حاضر الأمة ، يمس سلامة الأمة ، أحياناً أطلع على مشاريع للزواج أجد شيئاً لا يصدق، في بلاد الشام - والأدرن من بلاد الشام طبعاً ، بلاد الشام معروفة سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ، هذه بلاد الشام - مشاريع للزواج يفتخر الإنسان بها .

 

حاجة الإنتاج العقلي والشعوري للإنسانية إلى ضوابط :

لذلك الإنتاج العقلي والشعوري للإنسانية علم ما هو كائن ، فلسفة ما يجب أن يكون، فن ما هو ممتع ، نوع من الجمال البشري يحتاج إلى ضوابط ، وهذا سبب مجيئي إليكم لعرض هذه الضوابط ، أحياناً الذي يزيل هامش الأمان بعض أنواع الآداب الإباحية ، هذه آداب خطيرة جداً أنا ألّفت كتاباً درس في الشهادة الثانوية حوالي عشر سنوات بينت فيه أن الأدب والفن الذي يحرك المشاعر الدنيا يمكن أن يسبب انهياراً في المجتمع ، ويجوز للأديب أو الكاتب أو كاتب القصة أن يصور الرذيلة لكن على نحو نشمئز منها ، أما إذا صورها على نحو نعجب بها فوالله لا أبالغ إن مجتمعاً بأكمله قد يسقط بسبب هذا الأدب ، وهذا واقع الأمة الآن ، هناك مواقع إباحية في الانترنيت ، قصص إباحية ، علاقات إباحية ، هذا كله يضعف الأمة ويضعف تقدمها ونهضتها.
أيها الأخوة الكرام ، هناك ملاحظة دقيقة أحياناً أنت تهاجم عملاً فنياً على أن فيه إثارة للغرائز ، هذا شيء طبيعي ، الأخطر من هذا العمل الفني تبدل القيم ، مرة سيدنا عمر سجن شاعراً قال هذا البيت :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

هذا البيت دخل صاحبه السجن لأنه عدّ أهجا بيت قالته العرب ، ما قولكم هذا شعار كل إنسان الآن ؟؟ ما دامت أموره الشخصية ميسرة ، دخله كاف ، حاجاته الأساسية مؤمنة ، لا يعبأ بمن حوله ، والانسحاب من الشأن العام دفع بعض المسلمين ثمنه باهظاً ، وفي بلادنا ، الانسحاب من الشأن العام ليس لي علاقة ، ليس لي علاقة هذا خطأ كبير فلا بد من أن تهتم بأمر المسلمين ، من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .
أيها الأخوة الكرام ، خطورة الأعمال الفنية المتابعة في أي مكان في العالم الإسلامي ليس في الإثارة الجنسية فقط هناك خطر أكبر هو الطرح الثقافي ، هناك طرح ثقافي يغاير الدين ، أحياناً إنسان ماله حرام ، ماله غير مشروع ، يريك بيته الفخم ، مركبته الفارهة ، حياته الناعمة ، شخصيته القوية ، هذا عمل فني ، فأنت تشتهي هذا الدخل غير المشروع مع هذا الواقع الرائع ، هذا عمل فني ، فأحياناً يقال : كان الغرب يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون ، لكنهم الآن يجبروننا بالقوة الناعمة المرأة على أن نريد ما يريدون .
أنا أقول مرة ثانية : الأمل معقود على الشباب ، والله في هذا البلد الطيب أنا أثني على حشمة الفتيات ، ألقيت محاضرات كثيرة في الجامعات ، وقد تكون كليات غير الشريعة ، وجدت الأغلبية في حشمة بالغة جداً ، وهذا مما يمكن لكم أن تفتخروا به .

التقليد في العقيدة غير مقبول :

الآن لو دخلنا في بعض التفاصيل قالوا : العلم - ونحن في صرح علمي - علاقة بين متغيرين ، مقطوع بصحتها ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، إذا ألغينا من هذا التعريف الدليل كان التقليد ، ولا أكتمكم أن التقليد في العقيدة غير مقبول ولو كان صحيحاً لقول الله عز وجل :

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

أنا أتحدث الآن إلى الشباب والشابات ، في الدين بالعقيدة لا يوجد تقليد لكن من قلد عالماً في عاداته ، في سلوكه ، لقي الله سالماً هذا موضوع آخر ، أما في العقيدة الله ما قال فقل لا إله إلا الله ، قال :

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

أي ماذا أقصد من هذا الكلام ؟ أحدكم يحمل شهادة في الفيزياء ، في الكيمياء ، في الفلك ، في الجيولوجيا ، أنا أريده أن يكون موضوعياً ، أنت بهذا الاختصاص جيد ، وقد تكون أمياً في الدين ، أنا أقول عن نفسي : أعطني تخطيط قلب لا أرى فيه إلا خطوط متتابعة، فأنا أمي في فهم هذا التخطيط ، وقد يكون الطبيب المتألق الذكي جداً أمياً في الدين ، ماذا أريد من هذا الكلام ؟ أنت حينما تنال شهادة جامعية وقد تكون جديدة جداً ونادرة أنت قد تكون مع هذه الشهادة الراقية أمياً في الدين ، فلا بد من طلب العلم الشرعي ، لا بد من أن تعرف من أنت ، أنت المخلوق الأول عند الله ، أنت المخلوق المكلف ، أنت المخلوق المكرم ، وقد خلقك الله لعبادته ، ما العبادة ؟ فلا بد من أن تقف على كليات الدين ، حقيقة الدين ، لكن مثلاً للتقريب : هذا المظلي ألقى بنفسه من الطائرة ومعه مظلته ، قد يجهل هذا المظلي لون قماش المظلة ، هل يؤثر هذا على هبوطه سالماً ؟ لا ، قد يجهل هل هي من خيوط صناعية أم طبيعية ، لا يؤثر ، كم حبل للمظلة ؟ قد يجهل مئة نوع من خصائص المظلة إلا شيئاً واحداً إذا جهل طريقة فتح المظلة نزل ميتاً ، طريقة فتح المظلة عبر عنها العلماء ما يجب أن يعلم من الدين بالضرورة ، فأنت طالب علم طب ، هندسة ، علوم ، جيولوجيا ، شيء رائع جداً هذا علم حرفتك المستقبلية ، أما الدين فيحتاج إلى أن تطلب العلم الشرعي كي تعرف الحلال والحرام ، والخير والشر ، وما يجوز وما لا يجوز ، هذا عبر عنه العلماء ما ينبغي أن يعلم من الدين بالضرورة ، فإذا ألغينا الدليل كان التقليد ، والتقليد في العقيدة مرفوض، إذا ألغينا القطع كان الشك والوهم أو الظن ، الوهم ثلاثون بالمئة ، الشك خمسون ، الظن تسعون ، أما القطع فمئة بالمئة .
العلم علاقة بين متغيرين مقطوع بصحتها تطابق الواقع عليها دليل .

 

الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط :

شيء آخر : لعل الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، أنت مع الدين هناك نقل صحيح و نقل ضعيف ونقل غير صحيح و نقل موضوع فلا بد من أن تتعامل مع الدين بالنقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، هناك عقل تبريري ، قد يأتي بلد قوي جداً يستعمر بلداً نفطياً ويقول : جئنا من أجل الحرية ، كذب هذا تبرير ، جئنا من أجل النفط ، الحقيقة دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، أخطر موضوع في هذه المحاضرة خط النقل الصحيح، هناك نقل غير صحيح ، نقل موضوع ، وخط العقل الصريح هناك عقل تبريري، وخط الفطرة السليمة هناك فطرة منطمسة ، وخط الواقع الموضوعي هناك واقع مزور.
فإذا أردت الحقيقة فعليك بالنقل الصحيح ، والعقل الصريح ، والفطرة السليمة ، والواقع الموضوعي.

علة خلق الإنسان :

سألني إنسان لماذا خلقك الله ؟ أكثر العوام لهم كلمات صدقوا ولا أبالغ هي الكفر بعينه ، الله خلقنا حتى يعذبنا ، هكذا يقول الناس ، اسمعوا القرآن :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسعدهم ، خلقهم لجنتين ، جنة في الدنيا وجنة في الآخرة، هذه علة الخلق :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56 ]

والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، ما عبد الله من أحبه ولم يطعه، وما عبد الله من أطاعه ولم يحبه ، العبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
طاعة طوعية ، خلقنا ونحن في قبضته ، حياتنا بيده ، رزقنا بيده ، سعادتنا بيده ، شقاؤنا بيده ، من حولنا بيده ، من فوقنا بيده ، الأقوياء بيده ، ومع ذلك ما أراد أن تكون علاقتنا به علاقة إكراه : فقال تعالى :

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة: 256 ]

أراد أن تكون علاقة حب :

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة: 54 ]

أراد الله جل جلاله أن تكون العلاقة الوحيدة بينه وبين عباده علاقة الحب ، فلذلك: ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحبّ إليك من كل شيء . من أحبنا أحببناه ، ومن طلب منا أعطيناه ، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا.
إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ، التهنئة الحقيقة لشاب اصطلح مع الله .

 

الحكمة من خلق الشهوات :

أيها الأخوة الكرام ، الآن يقول أحدهم وسمعتها كثيراً : لماذا خلق الله فينا الشهوات؟ لو لم تكن فينا هذه الشهوات لما كانت المعاصي ، أنا أقول العكس لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسموات ، هذه الشهوات هي المحرك ، والعقل هو المقود ، والشرع هو الطريق ، وبلا محرك لا يوجد حركة ، لذلك قال تعالى :

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾

[ سورة آل عمران: 14 ]

مرة ثانية : ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، مرة كنت في تركيا وأنا في عودتي إلى المطار باستانبول كان معي مرافق يتكلم اللغة العربية ، السائق من طلاب العلم لكن لا يتكلم اللغة العربية قلت له : اسأل الأخ هل هو متزوج؟ قال : لا والله غير متزوج ، قلت له : قل له : الشيخ يدعو لك بزوجة صالحة تسرك إن نظرت إليها، و تحفظك إن غبت عنها ، و تطيعك إن أمرتها ، فقال له السائق : أتمنى أن أوصله إلى الشام لا إلى المطار ، الآن :

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾

[ سورة القصص : 50]

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص الآية : 50 ]

قلتها قبل قليل : فالذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، بالإسلام لا يوجد حرمان لكن هناك تصعيداً ، هناك نظافة و طهر و عفاف ، أي شيء من حياتكم اليومية ، يخطب الإنسان يكتب العقد الرسمي الشرعي ، لكن العرس بعد شهرين أن ثلاثة ، يزور بيت حميه يبقى للساعة الثالثة مع ابنتهم لا أحد يتكلم ، لماذا ؟ لأنه منهج الله ، ولكن لا تبقوا للساعة الثالثة .
لذلك ورد :

(( وأفضل شفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح ))

[الطبراني في الكبير عن أبي رهم السمعي ]

العوام لهم كلمات هي الكفر ، يقول : امش بجنازة ولا تمش بزواج ، لا امش بزواج، هذا الزواج في صحيفتك ، مبارك لكن المشكلة مع الشيوخ تدله على بيت يتزوج ويمضي خمس سنوات وهو في قمة السعادة ، ينزعج من زوجته مرة يأتي إلى الشيخ سيدي أنت دللتني عليها ، لماذا بالخمس سنوات ما شكرتني ؟ مع ذلك :

(( وأفضل شفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح ))

[الطبراني في الكبير عن أبي رهم السمعي ]

أي ممكن أن يقول شاب لصديقه : أنا عندي أخت مناسبة لك ، عيب ، لا ليس عيباً ، سيدنا شعيب :

﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ﴾

[ سورة القصص: 27 ]

أنا أريد أن أخالف التقاليد والعادات بهذا الموضوع ، لك صديق أخلاقه عالية ، ومؤمن ، وممتاز ، وعندك أخت ممتازة جداً ، قل له : عندي أخت تناسبك ابعت والدتك لتراها ، حاول ان تكون سبباً في زواج شرعي ، زواج مبارك .

 

الأوامر الإلهية التي توصل إلى الجنة :

أخواننا الكرام وأنتم أيها الشباب بكل سن هناك أمر إلهي مهم ، الغني أول عبادة له إنفاق المال ، ما جعله الله غنياً إلا ليصل بماله إلى أعلى درجات الجنة ، والقوي أول عبادة له إحقاق الحق ، بتوقيع يحل مشكلة ، وما جعل الله القوي قوياً إلا ليصل بقوته إلى أعلى درجات الجنة ، والعالم ما جعل العالم عالماً إلا ليصل بعلمه إلى أعلى درجات الجنة ، الآن والمرأة التي تقوم بواجبها تجاه زوجها وأولادها تصل إلى أعلى درجات الجنة .
أخواننا الكرام ، من غض بصره عن محارم الله ، الغني أول عبادة له إنفاق المال ، القوي إحقاق الحق ، والعالم تعليم العلم ، والشاب أنا أتصور أول عبادة له والتي يرقى بها عند الله ، حتى إن الله يباهي الملائكة بالشاب التائب يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي . أول عبادة لكم أيها الشباب إلى أن يتفضل الله عليكم بزوجة صالحة ، وكذلك الشابات غض البصر :

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 30]

وكأن غض البصر طريق إلى ما هو أكبر .
أيها الأخوة الكرام ، الرجال لهم عبادة أكبر عبادة وأرقى عبادة وهي ذروة سنام الإسلام ، ما هي العبادة ؟ الجهاد ، والله لا أبالغ ، والله لا أبالغ ، والله لا أبالغ ، وهناك عبادة للنساء لا تقل عن عبادة الجهاد ، أنا سميتها عبادة إعفاف الشباب ، فحينما تستر المرأة المؤمنة الطالبة المؤمنة كل مفاتنها فهي تعبد الله العبادة التي أقامها بها ، فلذلك غض البصر عند الشباب والحجاب عند الفتيات .

الشهوة حيادية إما أنها قوة دافعة أو قوة مدمرة :

أخواننا الكرام ، تعليق لطيف : الشهوة حيادية ، هي كصفيحة البنزين ، توضع في المركبة في المستودعات المحكَمة ، فإن سال البنزين في الأنابيب المحكَمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، ولَّدَ حركة نافعة تقلك أنت وأهلك إلى العقبة في العيد مثلاً ، ما الذي حدث ؟ انفجارات في السيارة ، هذه الصفيحة نفسها صبها على المركبة أعط شرارة تحرق المركبة ومَن فيها ، معنى هذا الشهوة حيادية ، إما أنها قوة دافعة أو قوة مدمرة ، لذلك الله عز وجل قال :

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

[سورة النازعات: 40-41 ]

أرجو الله لكم أن تسعدوا بحياتكم ، وأن يكرمكم الله بزوجة صالحة ، وأن يكرم الفتيات الطاهرات العفيفات بأزواج صالحين ، إنه نعم المولى ونعم النصير . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور