وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 39 - محاضرة في الجامعة الأردنية عن القرآن الكريم .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيتها الأخوات الفضليات ؛ أيها الحضور الكريم ؛ بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وحفظ لكم إيمانكم جميعاً ، ومن يلوذ بكم ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون القرآن ربيع قلوبنا .

حرص الإنسان على سلامته و سعادته و استمراره :

 أيتها الأخوات الفضليات ؛ القرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة و السلام قرآن يمشي ، لي تعليق على هذه المقولة الجامعة المانعة ، الآن ما لم ير الناس مسلماً يمشي أمامهم، إن حدثهم فهو صادق ، إن عاملهم فهو أمين ، إن استثيرت شهوتهُ فهو عفيف ، لن يدخلوا في دين الله ، لأن النجاشي لما التقى به سيدنا جعفر رضي الله عنه قال : حدثني عن الإسلام فقال :

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ....))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 أي إن حدثنا فهو صادق ، إن عاملنا فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، ويأتي النسب تاجاً على رأسي ، لذلك أيتها الأخوات الفضليات ؛ هذا الدين العظيم منهج الإنسان في الأرض ، هذا الدين العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، لأن الإنسان أعقد آلة في الكون ، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، أعقد آلة في الكون ، ولهذه الآلة صانع عظيم ، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، فانطلاقاً من حرصنا جميعاً بدون استثناء على سلامتنا ، وعلى سعادتنا ، وعلى استمرارنا ، أي يوجد في الأرض سبعة مليارات ومئتا مليون إنسان ، وأنا أجزم بأنه ما من واحد من هؤلاء جميعاً إلا و هو حريص حرصاً لا حدود له على سلامته ، من يحب المرض ؟ من يحب القهر ؟ من يحب الفقر ؟ لا أحد ، من منا لا يتمنى أن يكون زواجه ناجحاً وسعيداً وبيته واسعاً ودخله معقولاً ؟ هذه حاجات أساسية بالبشر كلهم ، إذاً الإنسان حريص على سلامته من أن تصاب بشيء يعرقل سلامته في الدنيا ، وعلى سعادته ، وعلى استمراره ، الاستمرار بتربية الأولاد .

 

استمرار الإنسان بتربية أولاده :

 كنت أقول لأخوتنا المسلمين في بلاد الغرب : لو بلغت أعلى منصب في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة في الأرض ، واعتليت إلى أعلى مقام في الأرض ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، لذلك الآية تقول :

﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾

[ سورة طه : 177]

 السياق اللغوي : فتشقيا ، لماذا جاءت هذه النكتة البلاغية في القرآن

﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾

 استنبط العلماء أن شقاء الرجل شقاء حكمي لامرأته ، بل شقاء المرأة شقاء حكمي لزوجها ، بل شقاء الأولاد شقاء حكمي للأب والأم ، فلذلك الذي يعتني بأولاده يعتني بنفسه ، وكنت أقول : لو بلغت أعلى منصب في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة في الأرض ، واعتليت إلى أعلى مقام في الأرض ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس .

 

النجاح و الفلاح في معرفة الإنسان سرّ و غاية وجوده :

 لذلك يستنبط من هذا الكلام أن النجاح غير الفلاح ، قد تنجح بجمع المال ، أنت ناجح بتجميع ثروة طائلة ، وقد تنجح في تسلم منصب رفيع ، لكن الفلاح أن تحقق سرّ وجودك وغاية وجودك ، لذلك في القرآن :

﴿فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون﴾

[ سورة الحشر: 9]

 أنت حينما تحقق علة وجودك وهي أن تعرف الله أولاً من خلال آياته ، وأن تخضع لمنهجه ، وأن تتحرك لخدمة عباده ، عندئذ تكون فالحاً : وقال بعضهم في الدعاء : يا رب لا يحلو الليل إلا بمناجاتك ، إلا بخدمة عبادك ، فهذا الإنسان الذي نذر نفسه لله يأكل ويشرب ويسكن ويتقن عمله لكن هدفه كبير ، دائماً وأبداً هناك حقيقة كبيرة لأن الإنسان في الأصل خلق ليعرف الله ويسعد به نفسه ، أنا أصفها لا نهائية ، بمعنى أنه إذا اختار هدفاً نهائياً محدوداً كالمال ، كالمنصب ، كالتمتع بالحياة ، إذا اختار هدفاً نهائياً قبل أن يصل إليه هو سعيد بانتظاره ، فإذا وصل إليه صغر هذا الهدف واكتشف حقيقة مرة ، هذه الحقيقة أن الله لم يسمح للدنيا مهما عظمت أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة ، طبعاً مستحيل متنامية ، مستحيل مستمرة أيضاً إلا متناقصة ، فلذلك الإنسان إذا بلغ أهدافه المادية له حالة لا تحتمل ، لا يعجبه شيء ، ملّ من حياته ، أما إذا عرفت الله بمجرد أن تعقد العزم على معرفته ، أنا لا أبالغ أنت أسعد إنسان بالأرض ، وقد تكون بأبسط وظيفة في الأرض مثلاً وينقصك أشياء كثيرة .

(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

 أكاد أقول : لا يوجد على وجه الأرض إنسان إلا ويبحث عن سلامته ، سلامته باتباع تعليمات الصانع ، سلامته بالاستقامة ، مثلاً لو أن الطريق إلى الله طريق مادي ، فيه أكمات وصخور وعقبات وحفر وما إلى ذلك ، هذا الطريق غير سالك ، لن يكون سالكاً إلا إذا أزحت كل العقبات ، والعقبات هي الذنوب و الآثام .
 السؤال الثاني : لو أنك أزحتها كلها هل حققت الهدف ؟ الجواب المؤسف : لا ، بقي أن تتحرك ، أنت أزحت العقبات ، جعلت الطريق إلى الله سالكاً ، أنت ألغيت المعاصي ، أي معصية حجاب ، أكل المال الحرام ، التطلع إلى غير ما سمح الله به ، أي مخالفة شرعية تغدو حجاباً بينك وبين الله ، اقرأ هذه الآية التي يقشعر البدن منها :

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين : 15]

 المعاصي حجاب ، الآن بعد أن تزيل العقبات ، أزحت كل العقبات والصخور والحفر بقي عليك أن تتحرك والحركة هي العمل الصالح ، علة وجودك وغاية وجودك :

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :

 حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح ، أكاد أقول لكم كلمة : نحن نتصور في الثقافة الدينية العادية الشائعة إذا إنسان دعي إلى عمل صالح ينبغي أن يلبي هذا شيء ، وأن تشعر كل يوم أن علة وجودك في الدنيا العمل الصالح ، لذلك : ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم ! أنا خلق جديد, وعلى عملك شهيد ؛ فتزود مني , فإني لا أعود إلى يوم القيامة . أنت قيمتك بالوقت .
 والله أيتها الأخوات الفضليات ؛ ما من تعريف جامع مانع محدد للإنسان كهذا التعريف ، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك ، أنت زمن ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن ، وجاء جواب القسم أنك خاسر ، إله ، خالق الأكوان يقسم لك ويقول :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 1-2]

 لماذا يا رب أنا خاسر ؟ قال : لأن مضي الزمن وحده يستهلكك فقط ، قبل أن تؤمن ، قبل أن تعمل الصالحات ، قبل أن تقول أي شيء مضي الزمن يستهلكك .

 

أركان النجاة :

 لكن ربنا جلت حكمته وعظمت مودته قال : إلا ، رحمة الله في إلا :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾

[ سورة العصر: 1-3]

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

 سماها الإمام الشافعي : أركان النجاة ، أي يوم لا بد أن تزداد معرفتك بالله ، ولا بد من أن يزداد عملك الصالح ، ولا بد من أن تدعو إلى الله وتواصوا بالحق ، هذه الدعوة إلى الله كفرض عين ، في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، وأن تصبر على معرفة الله أولاً ، وعلى تنفيذ أمره ثانياً ، وعلى الدعوة إلى الله ثالثاً ، هذه الآية جامعة مانعة ، لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

.
 أنت زمن أي هذا الشيء له أبعاد ثلاثة ، له طول وعرض وارتفاع ، هذا الشيء المادي ، لكن هذا الشيء إذا تحرك شكل بعداً رابعاً هو الزمن ، فالإنسان له وزن كأي شيء مادي ، وله حجم ، وله أبعاد ثلاثة إذا تحرك ، فإذا تحرك له بعد رابع هو الزمن ، فلذلك الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، فبطولتك أن تفعل في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن .
 إذاً نعيد الآية :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 1-2]

 أي مضي الزمن وحده يستهلكك فقط ، تتلافى هذه الخسارة إذا فعلت في هذا الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن ، إذاً الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، ولن تنجح الدعوة إلى الله إلا إذا رأى الناس إسلاماً يمشي أمامهم ، هذا له أثر بليغ ، أبلغ من أي دعوة نصية ، أبلغ من أي دعوة بيانية .

 

من اتبع أمر الله فلا خوف عليه :

 الآن من آيات هذه القرآن الكريم :

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 38]

 هذا كلام خالق السموات والأرض ، دققوا هذه العبارة متكررة في القرآن ،

﴿ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

 أي لا خوف عليهم في المستقبل ولا هم يحزنون على ما مضى، ماذا بقي ؟ أنت الآن في لحظة مثلاً دقيقة فلانية ، بعد الثانية عشرة دقيقة ، الماضي مضى والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها ، هذه اللحظة لا بد من أن تنفق فيما يرضي الله ، إما في مزيد من طلب العلم ، أو في العمل ، أو في الأمر الذي أوكلك الله به ، فالإنسان في عبادة والآية تقول :

﴿ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾

[ سورة التوبة : 120]

العبادة نوعان ؛ شعائرية و تعاملية :

 نحن عندنا عبادة شعائرية مألوفة هي الصلاة والصوم والحج والزكاة والنطق بالشهادة ، هذه العبادة الشعائرية ليست هي الإسلام وحدها لأن :

((بني الإسلام على خمس))

[البخاري وابن خزيمة عن عبد الله بن عمر ]

 الخمس غير الإسلام ؛ الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان و ينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج تفصيلي ، الإنسان يتوهم أن الإسلام صوم وصلاة وحج وزكاة ، يا أخي هذه عبادة شعائرية ، عبادة هدفها أن تقبض ثمن عبادتك التعاملية ، هناك عبادة تعاملية و عبادة شعائرية ، أنت في الصلاة ، لماذا تصلي ؟ لتقبض ثمن استقامتك ، سكينة تتنزل على قلبك :

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 38]

من عاش تقياً عاش قوياً :

 أخواننا الكرام ؛ درسنا في علم النفس عن مرض عصري وهو مستمر في الحياة مرض الكآبة ، والكآبة تزداد مع تقدم السن ، الإنسان إذا عاش لحظته وعاش لشهواته ولحظوظه كلما تقدمت به السن ضعف جسمه ، انحنى ظهره ، ضعف بصره ، عنده علل كثيرة و هذه العلل تصحبها الكآبة ، أما الذي اختار الله ، والله أيها الأخوة كلما تقدمت به السن ازداد نشاطاً وتألقاً ، أحد علماء دمشق ، وصل إلى الثامنة و التسعين ، قامته منتصبة ، حاد البصر، مرهف السمع ، أسنانه في فمه ، حينما يُسأل : يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟ قال: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً .
 هذه القصة أروي معها قصة ثانية ، زرت صديقي في العيد استقبلني والده قال لي: محمد ليس موجوداً هل تسمح لنا بأن نجلس معك خمس دقائق ، قال لي : عمري سبع وتسعون سنة ، والبارحة أجريت تحاليل كاملة ، قال لي : الفضل لله كله طبيعي ، ثم قال لي : والله ما عرفت الحرام في حياتي ، لا حرام المال ، ولا حرام النساء . ربط هذه الصحة بهذه الحياة ، لذلك من عاش تقياً عاش قوياً ، أنا والله أتأمل بالشباب والشابات ، صحة جيدة في طاعة الله ، الصحة شيء ثمين جداً ، ما دام الشاب نشأ في طاعة الله حفظ جوارحه من أن تعصي ، حفظ لسانه ، حفظ عينيه ، له عند الله مكافأة كبيرة أساساً هناك عدة آيات مذهلة :

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 18 ]

تكفل الله عز وجل بالسلامة و السعادة للإنسان في الدنيا و الآخرة :

 والله أنا أقول تعليقاً على هذه الآية : لو يستوي المؤمن مع الكافر ، والشاب التائب مع الشاب العاصي ، والشاب الذي دخله حرام مع الشاب الذي دخله حلال ، الشاب المنضبط مع المتفلت ، والله استواء هذين النموذجين المتكررين يتناقض مع وجود الله ، مستحيل وألف ألف مستحيل :

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 18 ]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

[ سورة الجاثية: 21 ]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص: 61 ]

 أذكر مرة إنساناً قال لي كلمة ؛ قال : تقول : المؤمن سعيد - ويبدو أن هذا الشخص علماني - قال : لا ، ليس سعيداً ، لا يملك أية ميزة عن غير المؤمن ، قلت له : اشرح ؟ قال : إذا كان هناك موجة حر يتحملها ولو كان مؤمناً ، إذا كان هناك غلاء في الأسعار يتحمل ، قلت له : مثلاً إذا إنسان فقير جداً جداً ، يسكن بكوخ أجرته لا يملكها كلها ، عنده خمسة أولاد ، عنده دعوى إخلاء ، جمعت مصائب كثيرة ، قال لي : وضعه لا يحتمل ، و لكن هذا الشخص له عم ، معه خمسمئة مليون ، مات بحادث وهو وريثه الوحيد ، خلال ثانية امتلك خمسمئة مليون ، إلا أن أنظمة المواريث وحصر الإرث بمعظم الدول فيها روتين طويل لمدة سنة ، لماذا خلال هذا العام الذي سبق تسلم المبلغ ما أكل لقمة زيادة ، ما اشترى معطفاً خاصاً ، لماذا هو أسعد الناس ؟ لأنه دخل في الوعد الإلهي :

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص: 61 ]

 يا أيتها الأخوات الفضليات ؛ الله عز وجل عندما يعدك بحياة طيبة في الدنيا والآخرة يعدك أن يحفظك ، يحفظ كل ما تخافين عليه ، هذا الوعد الإلهي أثمن من أي شيء في الدنيا:

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص: 61 ]

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 38]

 لا خوف عليهم من المستقبل ، قال تعالى :

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

[ سورة التوبة: 51 ]

 اللغة دقيقة جداً ، لنا ما قال علينا ، كتب لنا :

﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾

[ سورة البقرة : 286]

 هذا الشعور بالأمن للمؤمن يفوق حدّ الخيال ، المؤمن يشعر أن الله عز وجل تكفل له بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة .

 

من يتبع هدى الله لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :

 الآن :

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 38]

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

[ سورة طه: 123 ]

 الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ، لنجمع الآيتين معاً : الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت ، ولا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ماذا بقي من السعادة ؟ لذلك :

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

 الخيرات .
 أخواننا الكرام ؛ نحن نتوهم أن الدين صلاة وصوم وحج وزكاة وشهادة ، صح ، هذه عبادات شعائرية ، أما الدين كمنهج والله لا أبالغ فقد يصل إلى خمسمئة ألف بند ، كسب المال، إنفاق المال ، اختيار الزوجة ، معاملة الزوجة ، معاملة الأم والأب ، تربية الأولاد ، اختيار الحرفة ، أمور كثيرة ، هذه البنود تحتاج إلى متابعة ، تحتاج إلى طلب العلم ، طلب العلم أخواتنا الفضليات ؛ ليس وردة توضع على الصدر ، طلب العلم هواء نستنشقه ليس لك خيار إطلاقاً ، فالذي لم يستقم على أمر الله في الباطل قطعاً ، هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم .

 

آيات الله ثلاث ؛ كونيّة و قرآنيّة و تكوينيّة :

 الآن قال تعالى :

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾

[سورة الجاثية: 6]

 الله له آيات كونية وتكوينية وقرآنية :

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾

[سورة الجاثية: 6]

 أي لا يوجد غير ثلاث قنوات سالكة لمعرفة الله ، آياته الكونية خلقه ، والتكوينية أفعاله ، والقرآنية كلامه ، نأخذ واحدة كونية فقط ، الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي يدخل إلى جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، عندما يقول الله في القرآن الكريم :

﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾

[ سورة البروج : 1]

 أحد أبراج السماء برج العقرب ، أنا كنت في أمريكا ودخلت إلى قبة سماوية ، ولكن بين النجوم يوجد خطوط ، لما وصلوا بين النجوم ظهر قلب عقرب و كأنه عقرب حقيقي ، هذا النجم الصغير أحمر اللون ، متألق ، اسمه قلب العقرب ، يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ هذه آياته الكونية ، التكوينية أفعاله ، أي قصة تسمعونها من أفعال الله عز وجل ، هناك دراسة دقيقة لما يجري مع الناس ، نحن نشهد آخر فصل من حياته ، هذا الإنسان فلس ، هذا صار عنده مشكلة ، لكن الحقيقة الدقيقة ما من نتيجة إلا لها مقدمات ، فإذا رجعنا إلى المقدمات رأينا انسجاماً دقيقاً بين المقدمات وبين النتائج ، لذلك من المستحيلات في المنطق أن تتوقع نتائج مختلفة بمقدمات ثابتة ، لا نشتغل ، لا نطلب العلم ، لا نضبط بيوتنا ، و لا نضبط دخلنا ، وننتظر سعادة من الله !! و ننتظر توفيقاً من الله !! هذا نوع من الغباء ، هذا الغباء بعينه ، أن تنتظر نتائج مذهلة من مقدمات ثابتة إذا أنت ما غيرت المقدمات لا يوجد نتائج .
 أخواننا الكرام ، الحقيقة الخيار صعب جداً ، لا يوجد حلّ ثالث ، إما أن تكون وفق منهج الله ، أو انتظر كل شيء ، يا رسول الله عظني ولا تطل ؟ قال : قل : آمنت بالله ثمَّ استقم، قال : أريد أخفَّ من ذلك قال : إذاً فاستعدّ للبلاء .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور