وضع داكن
19-09-2024
Logo
ومضات في آيات الله - الدرس : 25 - إن عذاب ربك لواقع
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

سارع إلى التوبة قبل فوات أوانها:

 أيها الأخوة الكرام, نحن في تعاملنا مع بعضنا، لو أن جهة قوية لا ترحم، علمها يطولك، وقدرتها تطولك، هل تعصيها؟ مستحيل، دقق في هذه الكلمة:

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾

[سورة الطور الآية: 7-8]

 لعل عذاب البشر تتوسط لدى من هو أقوى من الذي أوقع العذاب فيسامحك، بضغط على من هو فوقك، لكن هذه الآية:

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾

[سورة الطور الآية: 7-8]

 فالأولى أن نتكيف مع هذا الحدث؛ الحدث الذي يأتي بعد الموت.
 يوجد حالة ثانية: إذا كان القوي علمه يطولك، وقدرته تطولك, فلا بد من أن تطيعه، وإلا يكون الإنسان منتحراً, هذا مع قوي الأرض، فكيف مع جبار السماء؟ قال تعالى:

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج الآية: 12]

 

 النقطة الثانية: لو أن إنسانًا ارتكب جريمة قتل وحكم, فحكم عليه بالإعدام، ومحكمة النقض صدقت هذا الحكم، ورئيس الجمهورية صدق هذا الحكم، وعين وقتًا للتنفيذ، هذا الذي صدر عليه, حكم بالإعدام قبل أن يصعد لخشبة المشنقة، لو أنه بكى هل ينجو؟ لو ضحك, لو انهار، لو تجلد، لو رجا، لو أنه لم يرج، لو أنه شتم أو مدح؟ افعل ما شئت، هذا الحكم لا بد من أن ينفذ، فالبطولة ألا تصل مع الله إلى طريق مسدود، إذا مات الإنسان عاصياً, كافراً, منحرفاً, مرتكباً للمعاصي والآثام, وصل إلى الله بطريق مسدود، دقق في هذه الآية:

﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا

 -إن صبرتم أو لم تصبروا فالأمر سيان-:

إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

[سورة الطور الآية: 16]

 ما دمنا أحياء، وما دام القلب ينبض، وما دام في العمر بقية, كل شيء يصحح:

﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾

[سورة طه الآية: 82]

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾

[سورة الزمر الآية: 53]

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾

[سورة الحجر الآية: 49]

 عبدي لو جئتني بملء السموات والأرض خطايا, غفرتها لك ولا أبالي.
 لكن البطولة: أن تتوب وأنت في الدنيا، أن تتوب في الوقت المناسب لا بعد فوات الأوان.
 قال تعالى:

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾

[سورة الطور الآية: 7-8]

﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

[سورة الطور الآية: 16]

الدنيا دار كدح والآخرة دار تكريم:

 معنى آخر لطيف: أعتقد في الخمسينيات حينما كنا طلاباً في هذا البلد الطيب، كرم الأوائل في الشهادات كلها، ودعوا للقصر الجمهوري، وقدمت لهم الهدايا، وغطتهم وسائل الإعلام، وكرموا تكريماً حافلاً، وكما أعلم هذا كل عام، لكن هذا الطالب الذي درس، وسهر الليالي، وبذل جهداً كبيراً, انتهى وقت التعب، وجاء وقت التكريم، إنسان يدرس في اختصاص نادر لا ينام الليل، يهمل كل نشاطاته الاجتماعية، يدرس، ويتابع، ويقرأ، ويترجم، ويؤلف، وداوم، ويتحمل ضغط المدرسين وشدتهم، بعد أن ينال الدرجة العلمية العالية انتهى التعب، وبدأ التكريم، دخله كبير، وقته محدود، مكانته كبيرة، بيته فخم حسب مواصفات الدنيا، الذي حصل علمًا من مستوى رفيع، وله دخل كبير، له طريقة خاصة في حياته، فالبطولة: أنك في الدنيا تتعب، لكن الآخرة دار تكريم في الدنيا:

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ﴾

[سورة الانشقاق الآية: 6]

 أما في الآخرة:

﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾

[سورة ق الآية: 35]

 لمجرد أن يخطر في بالك شيء هو أمامك:

﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾

[سورة الحاقة الآية: 23]

 انظر إلى هذه الصورة الثانية المعاكسة:

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾

[سورة الطور الآية: 17-21]

من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه:

 من يقتني الكمبيوتر في برنامج الكتابة, شيء اسمه: قص ولصق، ونسخ ولصق، إذا أردت نقل نص من مكان إلى مكان؛ تقص وتلصق، أما إن أردت أن تحتفظ بالنص الأول, تأخذ نسخة منه، وتنقلها إلى مكان آخر؛ تستخدم اللصق والنسخ، إذا آمن الإنسان, وربى ابنه تربية عالية، وهذا الابن كان صالحاً, كل أعماله في صحيفة والده، نسخ ولصق، نسخة تامة كاملة من أعمال الابن تلحق أعمال الأب، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((خير كسب الرجل ولده))

 إنه استمرار له، والذي عنده ولد يمكن أن يرقى به إلى أعلى عليين .
 البارحة كنا في طرابلس، وكنا في المسجد، ما وقعت عيني على مسجد فيه من الروعة, والدقة, والإتقان, وتلبية حاجات المصلين, والمسحة الجمالية كهذا المسجد, اسمه: مسجد الوفاء، لأن رجلاً صالحاً حفظ كتاب الله، وكان فقيراً، ربى ولدين تربية عالية، وأخذ الله بأيديهما، وأغناهما, فجاؤوا بأعلى مهندس في العالم، مركزه في لندن، وبنى لهم هذا المسجد من أجل أن يكون في صحيفة أبيهما، وسمي هذا المسجد: مسجد الوفاء:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾

[سورة الطور الآية: 21]

 إن ربيت ابنك، وكان عالماً كبيراً, فكل أعماله في صحيفتك.
 أحياناً الأب يفوته شيء من الدنيا، قد يفوته العلم، فإذا اعتنى بابنه، وجعله عالماً, فكل أجر ابنه في صحيفته، كل إنسان فاته من الدنيا شيء, لا يوجد واحد ما فاته شيء، لكن موضوع الابن: أنه يكمل نقصه بابنه، فأنت إذا ربيت ابنك، وكان أعلى منك، وما في الأرض إلا إنسان واحد هو الأب أو الأم، لو فاق الابن أباه, يكون هذا موضع امتنان من الأب، الأب يفتخر أن ابنه قد سبقه، وهو أعلى منه، آية دقيقة جداً للآباء:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾

[سورة الطور الآية: 21]

إذا كنت تؤمن بالآخرة فأعد لها الصالحات من الأعمال:

 القضية بحسب نظرية لا فوازيه شيء مقابل شيء، هؤلاء المتقون الذين دخلوا جنات النعيم، ونعموا بها، كيف كانوا في الدنيا؟ قال:

﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ

 -كان يخاف في الدنيا, فأمنه الله يوم القيامة، والذي لم يخف في الدنيا, متى خاف؟ يوم القيامة، فأنت مخير, تحب أن تخاف في وقت محدود، ثم يأتي بعده وقت كله رعب وخوف، أو أن تطمئن في الوقت المحدود، فيأتي بعد ذلك وقت مديد إلى ما لا نهاية، كله طمأنينة وسعادة-:

قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾

[سورة الطور الآية: 26-27]

((لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين؛ إن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة))

 قال تعالى:

﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾

[سورة الطور الآية: 40]

 ماذا تكلفك الصلاة؟ هل منعك الله أن تأكل, أن تشرب, أن تتزوج, أن تنام؟ تأكل, وتشرب، وتنام, وتتزوج، ولكن تصلي، وتصوم، وتصدق، وتكون أميناً، الله عز وجل يقول:

﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً

 -لهم رسم عال جداً، فمن أجل أن تنجو في الآخرة, يجب أن تدفع تسعين بالمئة من دخلك، لا اثنين ونصفًا فقط، هذا مبلغ زهيد جداً، الله عز وجل ما سألك شيئًا فوق طاقتك-:

أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾

[سورة الطور الآية: 40-41]

 أيها الأخوة الكرام, مشكلة سأقدمها بشكل مثل, قصة وقعت في هذا البلد: إنسان من كبار الأغنياء, ضاقت به الدنيا في بلده، وكره بلده، رسم خطة ذكية جداً، باع المعمل والمحلات التجارية، ومنزله في أرقى أحياء دمشق، ومركباته كلها، وحولها للخارج، مختصر القصة: ذهب إليه، فمن أجل أن يضع الثروة في مكان آمن, نقلها من مكان إلى مكان، المكان الثاني تنقصه بعض الوثائق، فسجل هذه الثروة باسم صديق له كي يقدم بعض الوثائق، بعد أن سجلها كلها باسم صديقه, تنكر له، وقال له: ليس لك عندي شيء.
 تصور إنسانًا يملك كتلة نقدية كبيرة جداً، خسرها في ثانية واحدة، مثل أقرب:
 بعت بيتك الوحيد الذي تملكه بعملة صعبة، وقبضت الثمن عداً ونقداً، وسافر الذي اشترى البيت، ثم اكتشفت أن العملة مزورة، ألا تصعق؟ ضريبة مالية يصعق بها جلطة ومات.
 دقق في هذه الآية:

﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾

[سورة الطور الآية: 45]

 صعق حينما يكتشف أنه خسر الآخرة، وجاء الموت، وخسر الدنيا، الدنيا مغادرتها شيء صعب جداً، بيت مئة وستون مترًا، أربعمئة متر، غرف كبيرة واسعة، فرش، أسرة، أدوات كهربائية، من هذا البيت إلى القبر، من زوجة، وأولاد، لقاءات، واجتماعات، ومكانة إلى القبر, فلذلك:

﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾

[سورة الزخرف الآية: 83]

﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾

[سورة الطور الآية: 45]

 أيها الأخوة, البطولة, والذكاء, والتوفيق, والنجاح, والفلاح: أن تعد لهذه الساعة التي لا بد منها، تعد لها بالأعمال الصالحة:

﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾

[سورة الطور الآية: 45]

 أيها الأخوة:

﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾

[سورة الطور الآية: 48]

 ولكل مؤمن من هذه الآية نصيب، أنت بعنايتنا، وبرعايتنا، وبحفظنا، وتوفيقنا، وكل مؤمن بقدر إيمانه, واستقامته, وحرصه, وإخلاصه، الله عز وجل يحفظه، ويؤيده، ويوفقه، وينصره، ويرعاه.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور