وضع داكن
20-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 40 - من سور يس والصافات وص - الشجر الأخضر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الكافر يوم القيامة يُحرم لسانه و منطقه :

 أيها الأخوة الكرام؛ الكافر أحياناً يتفلسف على الناس، وقد يؤتى حجة، وطلاقة لسان، فيقلب الحق إلى باطل، والباطل إلى حق، وقد يكون عمله إجرامياً، ومع ذلك يفلسف هذه الجريمة، فيجعلها عملاً إنسانياً، قوته في حجته، ولسانه، ومنطقه، إلا أن هذا الكافر يوم القيامة يحرمه الله هذه الميزة، قال تعالى:

﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[سورة يس : 65]

 فالإنسان قد يكون ذكياً مع الناس، لكن مع الله لا يوجد ذكاء أبداً، الله عز وجل كاشف هذا الإنسان، وسوف يحجمه، وسوف يجازيه بعمله، ولا قيمة لدعواه، وفلسفته، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

.

 

الشجر الأخضر من آيات الله في الكون :

 أما هذا الشجر الأخضر فالإنسان بإدراكه البسيط البدائي لا يستسيغ أن الشجر الأخضر يحترق، قال تعالى:

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً ﴾

[سورة يس : 80]

 لو لم يكن هناك كلمة أخضر لكانت الآية واضحة، من الشجر ناراً، أما:

﴿ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ﴾

  الأخضر لا يشعل، لكن بعض العلماء قالوا: هذه آية البترول، فالبترول تفسيره أن في عصور مطيرة جداً كان هناك نباتات عملاقة، كلها دفنت بباطن الأرض وأصبحت بترولاً، فمن هذا الشجر الأخضر صار هذا الشجر ناراً، فإذا هم

﴿ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾

  فهذه إشارة إلى هذه الطاقة التي أودعها الله في الأرض، أما الشجر الأخضر فلا يحترق:

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾

[سورة يس : 80]

الفرق بين نظام الدنيا و نظام الآخرة :

 أيها الأخوة؛ الإنسان إذا آمن أن كل هذا الكون يشهد بعظمة الله، يجب أن يأخذ كل كلمة في هذا الكتاب بشكلٍ دقيق، فربنا عز وجل يقول:

﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ* قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾

[سورة الصافات: 50-51]

 إنسان، قد يكون بحيه، بحرفته، زميل، جار، قريب، صديق، منحرف، شارد، غارق في الدنيا، يرفض الدين، يرفض الآخرة، فهذا وهو في الجنة قال:

﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾

[ سورة الصافات : 51]

 هذا القرين يقول مستخفاً، مستهزئاً:

﴿ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾

[ سورة الصافات : 52-53]

 بالجنة لا يوجد حواجز مكان، ولا حواجز زمان، في الجنة لك ما تريد، أي أنت بالدنيا لو خطر ابنك على بالك وهو في بريطانيا، لا بد أن تشتغل سنة بالفيزا، وتدفع مبلغاً ضخماً، وتركب طائرة سبع ساعات، من أجل أن ترى ابنك، هذا في نظام الدنيا، أما في نظام الآخرة فيكفي أن يخطر ببالك إنسان تراه رأي العين، قال:

﴿ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ* يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ* قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ* فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾

[ سورة الصافات : 51-55]

اسم العدل محقق في الآخرة تحقيقاً مطلقاً :

 اسم العدل في الدنيا محقق جزئياً، أما اسم العدل فسوف يحقق في الآخرة تحقيقاً مطلقاً، فكل واحد منا في الدنيا الأوراق مختلطة، الآن حي، يوجد إنسان ملحد، وإنسان فاجر، وإنسان زان، وإنسان تقي، وإنسان ولي، كلنا نسكن في بيوت، ونأكل، ونشرب، وننام، ونتمتع، الأوراق مختلطة في الدنيا، لكن عندما يرى المؤمن من كان منحرفاً هو في النار، من كان آكلاً مالاً حراماً هو في النار، من اعتدى على أعراض الناس هو في النار، هنا تتحقق عدالة الله المطلقة، قال:

﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ* قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ* وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

  فالإنسان قال تعالى:

﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[سورة الكهف : 28]

 أي إياك أن تصاحب إنساناً شريراً، إنساناً عقيدته فاسدة، إنساناً سلوكه سيئ:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

﴿ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة الصافات : 57]

الفوز العظيم هو الفوز بالآخرة :

 ثم يقول الله عز وجل: إن هذا أن تكون في الجنة إلى أبد الآبدين:

﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾

[ سورة الصافات : 60-61]

 الآن انظر الناس يعملون لماذا؟ للدنيا، مبلغ علمهم، نهاية آمالهم، محط رحالهم، يعمل للدنيا فقط، كل تخيلاته، وتصوراته في الدنيا، يقول الله عز وجل:

﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾

﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

 أما هذه الآية:

﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴾

[ سورة الصافات : 75]

 أنت تصور إنساناً تناديه، قد يقول لك: والله معك حق، لكن ليس الأمر بيدي، أريدك أن تعذرني، قد يقول لك: والله نقدي لا يوجد معي، أنا أموالي كلها مجمدة بالبيوت، أتمنى أن أساعدك، قد يكون الإنسان بمركز حساس، يقول لك: عدا هذا الموضوع، هذا فوق طاقتي، يوجد تعليمات من المدير العام، أي كلما ناديت إنساناً، وسألت إنساناً يضع عقبة، أما ربنا عز وجل فيقول:

﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴾

  إذاً أنت ناد الله عز وجل، لا يوجد جهة تمنعه من أن يعطيك سؤلك.

 

نجاة سيدنا نوح من الكرب العظيم :

 ثم يقول تعالى:

﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ* وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الصافات : 75-76]

 إذا الله عز وجل يقول:

﴿ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾

  معنى هذا أنه كرب عظيم جداً، إذا العظيم قال: عظيم، انظر، دقق، إذا قال لك طفل صغير عمره أربع سنوات: معي مبلغ كبير، مادام المتكلم صغيراً فالمبلغ صغير ولو قال: معي مبلغ كبير، أما إذا قال لك شخص معه ألوف الملايين: أنا عندي مبالغ طائلة، إذا كان فعلاً فهو غني، و معنى هذا أن أرقامه كلها فلكية، فالعظيم إذا قال عن شيء عظيم فهو عظيم حقاً.
 الإنسان إذا تقوقع يؤله نفسه، إذا تقوقع، أما إذا نظر في النجوم قال:

﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾

[ سورة الصافات : 102]

 حينما يتفكر في خلق السماوات والأرض، السقم هنا افتقار إلى الله عز وجل، كلما رأيت العظيم صغرت بنفسك، وعظمت عند العظيم، أما كلما عزلت نفسك عن الآيات الكونية توهمت أنك في مقامٍ كبير، وأنت لست كذلك.

 

الغاية من مصائب التعبد أن يرى الله ثقتك به :

 الحقيقة الأوامر الإلهية أيها الأخوة كلما اتضحت علتها وحكمتها هبط فيها القسم التعبدي، وكلما كانت غامضة ارتفع فيها العنصر التعبدي، الشيء الدقيق أن أكبر أمر تعبدي أن يذبح إبراهيم ابنه، الله أمرك بالصدق، أمرك بالأمانة، أمرك بغض البصر، أمرك بأن يكون مالك حلالاً، أوامر كلها سهلة، ومعقولة، ولمصلحتك، الصدق يرفع شأنك، والأمانة يثق الناس بك، وغض البصر يريح نفسك، فكل أمر إلهي يعود عليك مئةً بالمئة، أما حينما الإنسان يبتلى بمصيبة صعب تفسيرها، فهذه مصيبة تعبد، ليمتحن ثقتك به، أي إذا أب أكرم ابنه إكراماً منقطع النظير، وطلب منه مرة أمراً غير معقول، الابن جائع، والطعام طيب، وهو طعام والده، وهو أحد أفراد الأسرة، قال له والده: لا تأكل، أي هذا الأب الذي قدم لابنه خيرات لا يعلمها إلا الله، لا يجوز له مرة واحدة أن يعطي أمراً غير واضح؟! يقول له الابن: حاضر بابا، كما تريد، أما إذا كان كل هذا الإحسان، وتمرد الابن على أمر غير معقول معنى ذلك ثقته بوالده ضعيفة جداً، فهذا لو كبّرنا المثل، ربنا عز وجل عندما يبتلي الإنسان بشيء وقد يبدو غير معقول، وهو مستقيم، وطاهر، والله أتلف له ماله مثلاً، يكون هذا الشخص دافعاً زكاة ماله، متمسكاً بالدين، يضيع كل دخله مثلاً، يضيع راتبه، هذه مصيبة تعبد، ليرى الله ثقتك به، ثقتك بحكمته، ثقتك بعلمه، فما كل مصيبة واضحة، إذا المصيبة غير واضحة، وأنت مستقيم، هذه مصيبة تعبد، كما قال الله لهذا النبي العظيم: اذبح ابنك:

﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾

[ سورة الصافات : 102]

 والله إن قالها أب لابنه يهجم عليه، أما الله عز وجل:

﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾

[ سورة الصافات : 102]

 يا لطيف، انظر كيف العلم:

﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾

[ سورة الصافات : 102]

 قال:

﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾

  نحن عرفنا القصة، ونهايتها، والعقدة، وكيف حلت، فهذه القصة عندنا عادية، لكن تصور سيدنا إبراهيم قبل أن يعلمه الله أنه سيفديه:

﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾

 قال:

﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾

 بعد ذلك قال:

﴿ فَآمَنُوا ﴾

 هؤلاء قوم سيدنا يونس:

﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ* فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾

[ سورة الصافات : 147-148]

 أي مستحيل الله عز وجل أن يضيعك، المؤمن عندما يصطلح مع الله، يستقيم على أمره، له عند الله في الدنيا شيء نظير طاعته لله:

﴿ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾

  يجب أن تتفاءل لا تتشاءم، ما دمت أنت تمشي مع الله، الله عز وجل لن يتخلى عنك، طبعاً يؤدب الله، ويبتلي، ويمتحن، لكن الحياة تستقر على التكريم.

أسعد إنسان من تطابقت رؤيته مع ما سيكون :

 أما قول الله تعالى:

﴿ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾

  العلماء قالوا: من هو العاقل؟ هو الذي لا يندم، أما لمجرد أن تندم معنى هذا أن رؤيتك غير صحيحة:

﴿ وَأَبْصِرْهُمْ﴾

  هم الآن لا يرون الحقيقة، ولكن:

﴿ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾

  من هو أسعد إنسان؟ من تطابقت رؤيته مع ما سيكون، لأن مشكلة الناس، واقعه غير ما سيكون، أما إذا الإنسان إيمانه قوي جداً، رؤيته تتناسب مع ما سيكون، تتناسب مع الموت، فالموت مستعدٌ له، والجنة عمل لها، واتقى النار بطاعته لله، وبكل أعماله الصالحة، المؤمن يصل إلى الجنة يكون شيء مخطط له، لا يوجد عنده مفاجأة، لكن أين المفاجأة الصاعقة؟ إنسان خطط للدنيا فقط، فإذا جاء الموت، وانكشف الغطاء، علم حجم خسارته:

﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾

[سورة الحج : 11]

التوازن بين العبادة و العمل الصالح :

 آخر شيء؛ في قصة سيدنا داود وسليمان ملمحان دقيقان، سيدنا داود آثر مناجاة الله عز وجل، والإقبال عليه، والنعيم بقربه على العمل الصالح، فعاتبه الله، وسيدنا سليمان آثر العمل الصالح على عبادته، فعاتبه الله، الحل الوسط، أو الحل الأمثل التوازن بين عبادتك وعملك الصالح، أحياناً العمل الصالح يأخذ الإنسان، وهو ينوي دخول الجنة، لكن ضعفت عبادته، لما ضعفت عبادته قلّ شحنه، عندما قلّ شحنه، صار كلامه غير مؤثر، إنسان رفع مستوى عبادته لكنه خفف عمله، ما نفع الناس، جاء يوم القيامة عابداً، ضعيف الزاد، فلابد من أن تجمع بين العمل الصالح، وبين العبادة، إتقان العبادة، والعمل الصالح هو أكمل شيء.
 الآن اقتراح شخصي، لما ربنا عز وجل قال:

﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾

[سورة ص: 34 ]

 الآن نحن في الدنيا بهذا الظرف العصيب، ظرف التفوق، إن لم تتفوق باختصاصك، لا يحترم دينك، أي إذا إنسان تفوق باختصاصه، وكان قمة، وصلى أمام الناس تحترم صلاته، أما إذا كان هناك تقصير، وعدم دقة، وعدم إتقان، وتأجيل، وأساليب كلها ملتوية وصلى، يكره الناس صلاته، الآن حتى يحترم دينك ينبغي أن تكون مستقيماً، صادقاً، متفوقاً في اختصاصك، هذا معنى قول سيدنا سليمان:

﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾

[سورة ص: 34 ]

الحيل الشرعية الإيجابية لصالح المؤمن :

 وقبل آخر آية كانت على قضية:

﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ﴾

[سورة ص: 44 ]

 هذه الحيل شرعية ولكنها إيجابية لصالح المؤمن، يوجد الكثير من الأساليب، مرة قال لي أخ يبيع أقمشة جاءه أخ فقير جداً، وعزيز النفس، قال لي: أوهمته أن عندي رخصة، والأسعار كلها قد هبطت للمنتصف، فبعته بمبلغ ضخم، وأخذت منه ربع القيمة، دون أن يشعر، احتال عليه، وأوهمه أنه دفع ثمن بضاعته بكاملها، فالأخ رافع رأسه، هو قال له: أنا عندي رخصة، والأسعار كلها مخفضة، هو لم يكن عنده رخصة، و لكن ساعده دون أن يشعر، هذا استخدم حيلة لصالح من؟ لصالح هذا الأخ، مرة قال لي أخ: أب تارك وصية، مبلغ بسيط عبارة عن ثلاثين ألفاً للفقراء، وله ابن و هو أفقر من الفقراء، وهذا الابن يتلوى، هو أولى الناس بهذا المبلغ، أما الوصية فليست له، فأنا كلمت أخاً محسناً، قلت له: ادفع لهذا الأخ المبلغ، وخذ مقابله، فأخذه ودفع لأناس آخرين، عملية تبادل، فالوصية نُفذت، مبلغ ذهب إلى فقراء مستحقين، والأخ الذي كان سيعطي الفقراء دفع لهذا الأخ، والعملية حُلت، فممكن أن تعمل طريقة تنفع بها الناس دون أن تخدش شعورهم، انظر إلى دقة الشرع، هذا معنى:

﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾

[سورة ص: 44 ]

أنواع المعاصي :

 آخر آيةٍ؛ المعاصي نوعان، معاصي استكبار، ومعاصي غلبة، معاصي الاستكبار أشد أنواع المعاصي، معصية إبليس:

﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾

[سورة ص: 74 ]

 أما الإنسان أحياناً فيغلب على أمره، بساعة غفلة يُغلب، معصية الغلبة توبتها سهلة جداً، لكن معصية الاستكبار هذه يصعب التوبة منها، فنعوذ بالله من معاصي الاستكبار، استنكف أن يعبد الله، رفض الحق، أما معاصي الغلبة فيا رب لقد تبت، يقول لك: عبدي وأنا قد قبلت.

 

تحميل النص

إخفاء الصور