- أحاديث رمضان
- /
- ٠06رمضان 1420 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء :
أيها الأخوة الكرام؛ في هذه الآيات التي تُليت اليوم آيات الإنفاق، والإنفاق ينقُلُنا إلى موضوع أنَّ الحياة الدنيا دارُ ابتلاء بينما الآخرة دارُ جزاء، والحياةُ الدنيا دارُ تكليف بينما الآخرة دارُ تشريف، وحينما تعتقدُ أنَّ هذهِ الحياة الدنيا دارُ ابتلاء لقولِهِ تعالى:
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
موازين الحياة تختلف عن موازين الآخرة، موازين الدنيا يُقيّمُ الإنسان بقدرِ إنفاقِهِ، أمّا في الآخرة فلهم ما يشاؤون فيها، لمجرّدِ أن تشتهي شيئاً فهو أمامك لأنها دار تكريم، دار تشريف، دار عطاء، دار نعيم مُقيم، الدنيا دار ابتلاء، فالحظوظ أيها الأخوة، كلمة حظوظ؛ المال حظ، الذكاء حظ، الوسامة حظ، القوة حظ، القدرات العامة التي يمنحُها اللهُ للإنسان هذهِ حظوظ، الحظوظ في الدنيا موزعةٌ توزيعَ ابتلاء، أنتَ مُمتحن، وأنتَ لا تشعُر ممتحن كُل يوم مئات المرات، ممتحن في مادتين؛ المادة الأولى فيما أعطاك، والمادة الثانية فيما منعك، الذي أعطاكَ اللهُ إياه ممتحنٌ بِهِ هل تشكُرُ اللهَ عليه؟ هل ترى نفسكَ مفتقراً إلى اللهِ بهِ؟ هل تتواضعُ وهوَ في حوزتِك؟ هل تُنفِقُ منهُ في سبيل الله؟ والذي مُنِعتَ منهُ أنتَ ممتحنٌ بِهِ، هل أنتَ راضٍ عن اللهِ وقد مَنَعَك؟ هل أنتَ صابر؟ هل أنتَ متجمّل؟ هل أنتَ راض؟ فأنتَ ممتحنٌ فيما أعطاك، وممتحنٌ فيما مَنَعَك، ولا يوجد شخص من أخواننا الحاضرين ولا من أي إنسان في الأرض إلا ويتمنى شيئاً حصّلَهُ وشيئاً لم يُحصِّلهُ، قد يمنحُه اللهُ النجاحَ في زواجِهِ ولا يمنحه النجاحَ في عَمَلِهِ، قد يمنحُ النجاحَ في عَمَلِهِ ولا يمنحُ النجاحَ التام في زواجِهِ، وقد يأتيهِ أولادٌ أبرار وقد تأتيه ذُريّةٌ شريرة، هوَ ممتحن فيما أعطاهُ الله، وممتحنٌ فيما مَنَعَهُ، البطولة أن تنجَحَ في الامتحان.النقطة الدقيقة جداً بطولة المؤمن لا أن ينالَ ما يُريد، بل أن يَقِفَ الموقِفَ الكامل فيما أرادَهُ اللهُ لَه، لا أن ينالَ ما يُريد، لا أن يُحقِقَ كُلَّ أمانيهِ في الدنيا، بطولة المؤمن أن يكونَ كاملاً فيما أرادَهُ اللهُ لَهُ.
النبيُ عليهِ الصلاةُ والسلام ذاقَ النصرَ في مكة، عِندَ فتحِ مكة دخلها مُطأطِئ الرأسِ تواضُعاً للهِ عزّ وجل، شاكراً لله، ولم تأخُذهُ عِزّةُ الفاتحين، ولا غطرستُهُم، ولا علوُهم في الأرض، أمّا في الطائف فقُهِر، فلما قُهِر قال: " ربي إن لم يكُن بِكَ غضبٌ عليَّ فلا أُبالي ولكَ العُتبى حتى ترضى "، في موقف افتقر؛ أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم، في موقف اغتنى؛ لمن هذا الوادي؟ قالَ: هوَ لَكَ، قال: أتهزأُ بي؟ امتحن بالفقر فنَجَح، امتحن بالغِنى فنَجَح، امتحن بالقهر فنَجَح، امتحن بالنصر فنَجَح، امتحن بموت الولد، امتحن بمشكلةٍ زوجيةٍ عويصةٍ جداً أن يقولَ الناسُ عن زوجتِهِ إنها زانية - حديث الإفك - امتحن بأنّهُ أُجتُثَّ من جذورِهِ، وهاجَرَ إلى المدينة، امتحن ببعض المشكلات الزوجية في حياتِهِ اليومية، فالحياة امتحان، حينما تنطلق من أنَّ الحياة الدنيا دار ابتلاء عَرَفتَ حقيقتها: " إنَّ هذه الدنيا داء التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزلُ فرح، فمن عَرَفَها لم يفرح لِرخاء ".
فالموضوع الأول موضوع الابتلاء، الحظوظ موزّعة في الدنيا توزيع ابتلاء، لكنّها سوفَ توزّعُ في الآخرة توزيعَ جزاء، أي ليسَ الغني في الدنيا هو الغني، الإمام علي يقول: " الغِنى والفقر بعدَ العرضِ على الله "، لا يُسمّى الغنيُ غنياً إلا في الآخرة، ولا يسمى الفقير فقيراً إلا في الآخرة، أمّا قد يكونُ غني الدنيا فقير الآخرة، وقد يكونُ غني الدنيا غني الآخرة، وقد يكونُ غني الدنيا فقيرَ الآخرة، فالعِبرةُ أن تنجَحَ في الامتحان هُنا، والعِبرةُ أن تُحصِّلَ مقعدَ صِدقٍ عِنَدَ مليكٍ مقتدر غداً، أن تُحصِّلَ هذا المقعد مقعدَ الصِدق عِندَ مليكٍ مقتدر، يكونُ بِنجاحِكَ في الامتحان لا بأن تنالَ ما تشتهي، الآن مقياس الناس: فُلان حصّل مالاً هنيئاً لَهُ، فلان حصّل جاهاً هنيئاً لَهُ، مقياس الدُنيا فُلان امتحن فنَجح، لا تقُل هنيئاً إلا لمن امتحن فنَجَح، أنتَ ممتحن فيما أعطاك، ممتحن فيما مَنَعَك، هذهِ أول حقيقة.
لو ضربنا مثلاً بسيطاً، أوضح مثل مثل المال، لو أنَّ رجلين عاشا ثمانينَ عاماً، امتحنا بحظ المال، الغني رسب، والفقير نجح، الفقير سوفَ ينعُمُ بعطاءِ اللهِ في الجنةِ إلى أبد الآبدين، والغني سوفَ تمضي أيامُ غِناهُ سريعاً وسوفَ يقعُ في شرِ عملِهِ إلى أبد الآبدين، فالعِبرةُ كما قالَ الإمام علي: " الغِنى والفقر بعدَ العرضِ على الله "، البطولة لا أن تنالَ من الدنيا ما تشتهي، بل أن تَقِفَ الموقِفَ الكامل فيما أرادَهُ اللهُ لَك، في الغِنى شاكر، في الفقر صابر، في القوة متواضع، في القهر ترجو رحمة الله، في كُل مصيبة تصبِرُ عليها، هذهِ ناحية.
أيّ إنفاق ينفقه الإنسان يعلمه الله عز وجل :
أيها الأخوة؛ الناحية الثانية: يوجد بالدنيا ما يُسمى بالاثنينيّة أي يوجد حق ويوجد باطل، يوجد خير ويوجد شر، يوجد إنسان رباني وإنسان شهواني، إنسان يأتمر بإلهام الملائكة و إنسان يأتمر بوسوسة الشيطان، لذلك الله عزّ وجل يأمُرُنا أن نُنفق، الطرف الثاني والشيطاني:
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾
كُنا في حفل خيري فأحد المتكلمين قال: أنا والدي علّمني درساً، هذا الدرس أنّهُ كلما أردتَ أن تُنفِقَ نفقةً وجاءتك نفُسُكَ متلبسةً بالشيطان، وخوّفتكَ من هذا الإنفاق، أي وعدتك الفقر:﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾
فعاقِبها، قال لَهُ: يا أبت كيفَ أُعاقِبُها؟ قال: ضاعف المبلغ، كلما أردتَ أن تُنفِقَ نفقةً وقالت لَكَ نفسُكَ: كيفَ وكيف فضاعف المبلغ تأديباً لها، لأنَّ الله عزّ وجل واسعٌ عليم.في موضوع الإنفاق يوجد نقطة دقيقة، الإنسان عندما يُقدم هدية لإنسان يحرص على كتابة بطاقة واحدة داخلية، وواحدة خارجية، أنَّ فلاناً الفلاني يتمنى لكم دوام الصحة والعافية إذا كان بمناسبة مرض، فأنتَ إذا قدمت هدية ثمينة عندك حِرص كبير جداً أن يعلمَ الذي قدمت لَهُ هذه الهدية أنها مِنك، أحياناً يدخل اثنان لِعند مريض، واحد معهُ هدية و الثاني لا، فالأول حريص على أن يقول: والله لا يوجد شيء من واجبك، فكل إنسان يُنفق هو حريص أن يعلمَ الطرف الثاني أنّهُ أنفق، دقق، ربنا عزّ وجل قال:
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾
أي لا تحتاج إلى وصل، ولا إلى شاهد، عِندَ الله:﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾
هذه أول نقطة، أي لو أنفقتَ نفقةً سِراً، لو أنَّ يدكَ اليمنى أنفقت واليُسرى لم تعلم فإنَّ الله يعلم، ليس فقط يعلم أي أنتَ أنفقت درهماً وهناك إنسان أنفق ألف درهم، لعلَّ هذا الدرهم سَبَقَ ألف درهم، أي إنسان ميسور جداً يتكلم بالملايين أحب أن يُعمر مسجداً، فاختار أرضاً وكلّف مهندساً من أخواننا أن يشتري لَهُ أرضاً، ويُعمّرها له، فالأرض مناسبة جداً، وصاحِبُها ورثها من شهر، هو إنسان فقير جداً يعمل مستخدماً في مدرسة، ومعاشُهُ أربعة آلاف ليرة، وعنده ثمانية أولاد، فالسعر كان مناسباً، ثلاثة ملايين و خمسمئة مليون، والقصة وقعت قبلَ سنوات، والجامع قائم، فجاء صاحب المشروع الخيري ليرى الأرض، والتقى بصاحب الأرض، والسعر مناسب جداً، واتفقوا، قالَ لَهُ: هذه مليونا ليرة دفعة أولى، والمليون والنصف عِندَ التنازل، فسألَهُ الآذن: أيُّ تنازل؟ فقال صاحب المشروع: للأوقاف، فسأل صاحب الأرض: لماذا؟ فأجاب صاحب المشروع: من أجل أن يكونَ هنا مسجد، كان كاتب الشيك بمليونين فأمسكَ الآذن الشيك ومزّقَهُ وقال: أنا أولى أن أُقدِمَها للهِ مِنك وقدّمها.الذي يملك مئتي مليون ودفع ثلاثة ملايين و نصف، هذا الآذن لا يملك من هذهِ الدنيا إلا هذه الأرض، وهوَ في فقرٍ مُدقع، يقول الرجل الغني: في حياتي لم أصغُر أمام شخص كما صَغُرت أمام هذا المستخدم الذي قدّمَ هذهِ الأرض ولا يملِكُ غيرَها للهِ عزّ وجل، والآن المسجد من أروع المساجد في أحد أحياء دمشق.
أول شيء: أي شيء تُنفِقُهُ اللهُ يعلَمُهُ.
البحث عن الفقير المتعفف للإنفاق عليه و مساعدته :
لكن يوجد نقطة ثانية مهمة جداً:
﴿ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾
تأخذون أضعافاً مضاعفة وأنتم لا تُظلمون، والله شيء رائع، يعلَمُهُ وسوفَ يُرّدُ لكم أضعافاً مضاعفة وهذا معنى قولِهِ تعالى:﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
ونحنُ في شهرِ رمضان، شهرِ الإنفاق، ومادامَ الحديثُ عن الإنفاق، الذين يستحقونَ الإنفاق هم الذين يحسبهم الجاهِلُ أغنياء من التعفف:﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
إذاً الذي ينبغي أن تُعطيَهُ لا يسألُكَ وتظنُهُ غنياً، وأنَّ الذي ينبغي ألا تعطيَهُ يُثقِلُ عليك، ويُلِحُّ عليك، وتراهُ فقيراً وقد يكونُ غنياً، والله أنا أحد أخواننا – جزاه الله خيراً - ساهم بمكافحة التسول في البلدة، قال لي: جمعنا ألفاً وخمسمئة متسول وحققنا معهم واحداً واحداً، الشيء الذي لا يُصدق أنَّ خمسةً منهم كانوا فقراء، وأنَّ أحدهم يملك أربعين مليون ليرة، وآخر يملك سبعمئة ألف، والثالث يملك مليونين، وكلها حسابات في البنوك، أمّا منظرهُ فتقول: يموت من شدة الجوع، من هذا الذي ينبغي أن تُعطيَهُ؟ الذي لا يسألُك والذي تحسَبُهُ غنياً هكذا قالَ اللهُ عزّ وجل:﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
ماذا يُستنبط من هذهِ الآية؟ أنَّ الذي ينبغي أن تُعطِيَهُ لا يسألُك، ولا تراهُ فقيراً تراهُ غنياً، ينبغي أن تبحَثَ أنتَ عنه، ينبغي أنتَ أن تُحقق، ينبغي أنتَ أن تستحصي الحقائق، ينبغي أنتَ أن تسعى إليه، إنهُ لا يسعى إليك، إنهُ عفيفٌ عن أن يسألَك، إنهُ متجملٌ لا يشكو، هناك شخص إذا جلست معهُ دقيقة تتحطم من همومِهِ، مباشرةً وضعُهُ ومنزِلُه، عليكَ بطول البال، فالله هوَ الغني، أي:ملكُ الملوكِ إذا وهب قُم فاسألن عن السبب
اللهُ يُعطي من يشاءُ فقِف علـــــــى حدِّ الأدب
* * *
القرض الربوي ممحوق والقرض الحسن مُبارك فيه :
أيها الأخوة؛ هناك نقطة دقيقة جداً في الإنفاق، نحنُ عندنا قوانين رياضية، أنتَ أقرضتَ مئة ألف قرضاً حسناً، هذا القرض بسحب القوانين المستنبطة من حركة الحياة خاسر، يوجد تضخم نقدي بالسنة سبعة عشر بالمئة، أنتَ أقرضت مئة ألف وتسلمتها بعد عام، أي كأنك قبضت ثلاثة و ثمانين ألفاً، كقوة شرائية قد تكون قد أخذتها مئة ألف أمّا قوتها الشرائية فثلاثة و ثمانون ألفاً، فأنتَ خاسر، على الآلات الحاسبة أنتَ خاسر، على قوانين حركة الحياة أنتَ خاسر، أمّا في القرآن فرابح، قال:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾
القرض الربوي ممحوق، والقرض الحسن مُبارك فيه، معنى ذلك عندنا قوانين مرئية، وعندنا قوانين لا تراها أنت، أي اللهُ عزّ وجل قادر إذا أنت أقرضت قرضاً حسناً وعاد لكَ بعد سنة ناقصاً سبعة عشر بالمئة قام بتيسير رِزق لا تحلم بِهِ من دون جُهد منِك، هذا مكافأة على هذا القرض، دائماً عندك مشكلة لأنك ذو رؤية محدودة، ترى أنَّ طاعة الله عزّ وجل فيها خسارة، والقرض الربوي، واستثمار المال بالبنوك، والدخول في هذهِ المضاربات العالية في العالم، والسندات العالمية، والاستثمارات أربح، أي ربح مضمون، لا يدعونك تخسر، بالعكس دائماً يجعلونك الرابح، لِحكمةٍ بالغةٍ بالغة أرادها الله عزّ وجل قد تجد أنَّ مصلحتكَ في المعصية، وأنَّ الطاعة فيها خسارة، هذا ثمن الجنة، حينما تجد ذلك وتؤثر طاعةَ اللهِ، وتضعُ مصلحَتَكَ تحتَ قدمك، فأنتَ الآن على خطوات أهلِ الجنة، هذا الذي يقولُ اللهُ عنه:﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
معالم شهر رمضان :
إذاً: موضوع اليوم موضوع الإنفاق لمن؟ اللهُ يعلَمُهُ، واللهُ عزّ وجل سيُعوِّضُهُ عليكَ أضعافاً مضاعفة، وينبغي أن تبحثَ أنتَ عن الفقير المتعفف الذي تحسَبُهُ غنياً، والذي لا يسألُ الناسَ إلحافاً، وينبغي أن تعلمَ أنَّ الإنفاقَ متناقِضٌ مع الطبع، وأنَّ تناقُضَ الإنفاقِ مع الطبع هوَ ثمنُ الجنة، وكانَ عليهِ الصلاة والسلام في رمضان سخيّاً جواداً كالريحِ المرسلة، أي رمضان فيه معالم: أول معلم الإنفاق، ثاني معلم القرآن، فرمضان شهرُ القرآن، ثالث معلم المبالغة في غضِّ البصر، رابع شيء ضبط اللِسان، ضبط الجوارح، ضبط الإنفاق، ضبط الدخل، خامس شيء قيامُ الليل وصيام النهار:
((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))
رمضان شحنةُ العام، صلاة الجمعة شُحنة الأسبوع، الصلوات الخمس كُلُّ صلاة شحنةٌ إلى الصلاة التالية، أمّا الجمعة فشُحنةُ الأسبوع، أما رمضان فشُحنةُ العام، ثلاثون يوماً دورة تدريبية مكثّفة، هناك ما يُسمّى بالتعليم دورات مكثّفة، أي ممكن كل يوم يوجد قيام الليل، ساعة ونصف تقريباً بين صلاة ودرس، وبالنهار امتناع كامل عن الطعام والشراب وسائر المنهيات، وهناك غض بصر، وضبط لسان، وضبط جوارح، وإنفاق، وتعلّم القرآن، هذهِ معالم رمضان، فإذا اللهُ عزّ وجل سَمَحَ لَلإنسان أن يصومَ هذا الشهر صياماً صحيحاً غَفَرَ اللهُ لَهُ ما تَقدّمَ من ذنبه، ونحنُ أمام فرصةٍ ذهبية لا تُعوّض، أنّهُ إذا جاءَ العيد فأنتَ عتيقٌ من النار، والماضي يُطوى في ثانية، الماضي يُطوى هكذا، فنحنُ ننتظرُ رحمة اللهِ في رمضان، والعِتق من النار.