الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الأربعين من دروس العقيدة.
أنهينا في الدرس الماضي موضوع الكرامات، واليوم ننتقل إلى موضوع الوحي، وقد عرفتم فيما سبق أن الرسل عليهم الصلاة والسلام يُبلّغون رسالات الله، وأوامره ونواهيه، وسائر ما يكلفهم به تبليغه للناس، ولكن لابدّ من سؤال، هؤلاء الرسل الكرام كيف يتلقون الرسالة عن الله؟ إلقاؤها واضح، يتكلمون، يشرحون، يُبينون، يُوضحون، يُحَذرون، يُنذرون، يتلون آيات الله، هذا هو الإلقاء، التلقي؛ كيف يتلقى الرسل عليهم الصلاة والسلام عن ربهم رسالات الله عز وجل؟ الإجابة الفاصلة هي عن طريق الوحي.
فالوحي بحسب اللغة يدل على الإيماء، وعلى الإشارة السريعة، وعلى الإعلام الخفي، وعلى الكلام الخفي، وعلى الكتابة، وعلى إلقاء المعنى في النفس، وعلى الإلهام، سواء أكان الإلهام بدافع الغريزة أم بإشراقات الفطرة، هذه تعريفات الوحي بحسب اللغة.
بالمناسبة دائماً يوجد عندنا لكل مصطلح تعريفان، تعريف لغوي وتعريف شرعي، فالتعريف اللغوي بحسب ما جاء في المعاجم وأمهات اللغة، وأما التعريف الشرعي فهو التعريف الذي اصطلح عليه العلماء والفقهاء، فالوحي بالتعريف اللغوي الإعلام الخفي السريع، وكذلك الإيماء والإشارة السريعة والكلام الخفي وإلقاء المعنى في النفس والإلهام سواء أكان بدافع الغريزة أم بإشراقات الفطرة.
أي لا يمكن أن نفسر الأعمال المعقدة بالغة التعقيد التي يفعلها الحيوان وهو حيوان لا يدرك ولا يعقل إلا عن طريق الغريزة، لذلك من معاني الوحي الإلهام، إلهام الغريزة، قال تعالى:
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)﴾
توجُّه سمك السلمون من سواحل أوروبا الغربية إلى مصبات الأنهار في أمريكا، وكل سمكة جاءت من هذا النهر، من أعالي هذا النهر تعود أدراجها إليه، هذا يستحيل على إنسان عاقل مختص بالبحار أن يفعله، لابدّ من الغريزة، لابدّ من وحي الغريزة، فالوحي كما قلنا بالمعنى اللغوي: الإعلام الخفي السريع، الإشارة السريعة، الإيماء، الكلام الخفي، إلقاء المعنى في النفس، الإلهام بدافع الغريزة، أو بدافع الفطرة.
الله عز وجل ورد هذا المعنى اللغوي في القرآن الكريم فقال تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ هناك حيوان نقّار الخشب، يقف على شجر السنديان، ويُدخل منقاره الذي يزيد عن عشرة سنتمتر في جذع الشجرة ليلتقط دودة في داخلها فيأكلها، مستحيل، كيف عرف أنها في هذا المكان؟ لابدّ من إلهام إلهي، كيف عرف هذا الطائر أن الدودة على ارتفاع متر وسبعين سنتمتراً؟ وقف في هذا المكان وأدخل منقاره في أقسى أنواع الخشب، طبعاً لابد من تفسير علمي لإدخال المنقار، مادة تذيب الخشب، يُدخل منقاره إلى داخل الجذع فيلتقط الدودة التي تعيش في داخل الجذع، هذه قضية وحي، بناء الأعشاش، اهتداء الحيوانات إلى طعامها، سيرها في أعماق البحار، الحيوان يقوم بأعمال بالغة التعقيد، هذا عن طريق الغريزة، أو عن طريق وحي الغريزة، أو كما قال الله عزّ وجل:
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)﴾
لا أريد أن نقف طويلاً عند هذا المعنى، هذا المعنى أكدته بعض الآيات الكريمة، حيث قال الله عز وجل: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ هناك آية أخرى تؤكد هذا المعنى، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)﴾
هذا معنى آخر، المعنى نفسه في آية أخرى أي الإيحاء الخفي، الإشارة الخفية، التوجيه النفسي، الإلقاء في النفس، هذا معنى الوحي لغة فما معناه شرعاً؟
معناها الشرعي الوحي إعلام الله رسولاً من رسله أو نبياً من أنبيائه ما يشاء من كلام أو معنى، هذا تعريف الوحي الشرعي بطريقة تفيد النبي أو الرسول العلم اليقيني القاطع بما أعلمه الله به، حتى الأحاديث الشريفة الصحيحة وحي غير متلو لقوله تعالى:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
في الأحاديث الشريفة أوحى الله لنبيه بالمعنى، أما في القرآن الكريم بالمعنى والمبنى، القرآن الكريم أوحاه الله إلى النبي عليه الصلاة والسلام معنىً ومبنىً، معنىً وصياغةً ولفظاً، بينما الأحاديث الشريفة المتواترة أجمع علماء الأصول على أنها وحي غير متلو استنباطاً من قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ لكن أحياناً قد تأتيك إشارة من إنسان أو إعلام خفي أو وحي بالمعنى اللغوي ولا تدري بالضبط ماذا يريد؟ هناك نقطة مهمة جداً في الوحي بطريقة تفيد النبي أو الرسول العلم اليقيني القاطع بما أعلمه الله به.
في العقيدة لا يُقبل من النصوص إلا ما كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة:
بالمناسبة موضوع العقيدة، موضوع التشريع والعقيدة هذه لا يمكن إلا أن تكون قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، عقيدة، لو أنّ الإنسان اعتقد خلاف ما يريد الله عزّ وجل لكفر، وإذا كفر دخل النار، لذلك في أمور العقيدة الأمر خطير جداً، لابد من أن تكون النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، ولا يقبل في العقيدة من النصوص إلا ما كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة، والقرآن الكريم قطعي الثبوت في كل آياته، قطعي الدلالة في آياته المحكمة، ظني الدلالة في آياته المتشابهة، فالقرآن تؤخذ العقيدة منه، وتبين لكم من دروسنا الماضية أن كل حقائق العقيدة إنما هي مأخوذة من آيات الله عزّ وجل، ماذا ينبغي أن تعتقد؟ هناك دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة من كتاب الله أولاً، ومن الأحاديث الشريفة الصحيحة المتواترة ثانياً، أحاديث الآحاد يُبنى عليها أحكام شرعية، ويُعمل بها، لكن العقيدة لا تثبت إلا بالأحاديث المتواترة، لأن الإنسان لو اعتقد خلاف ما أراده الله عزّ وجل لكفر.
المعنى الشرعي للوحي يتجلى فيه عدة أمور:
1- الوحي هو إعلام من الله المحيط علمه بكل شيء:
إذاً إعلام الله رسولاً من رسله أو نبياً من أنبيائه ما يشاء من كلام-الكلام يشمل المعنى والمبنى-أو معنى بطريقة تفيد النبي أو الرسول العلم اليقيني القاطع بما أعلمه الله، الوحي بهذا التعريف الدقيق يستجمع عدة عناصر ذات أهمية.
العنصر الأول: أنه إعلام من الله المحيط بكل شيء علماً، مادام الإعلام من الله اللهُ سبحانه وتعالى علمه مطلق، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)﴾
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)﴾
﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)﴾
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)﴾
﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)﴾
علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، علم الله مطلق، وما دام الوحي من عند الله ففيه الحقيقة المطلقة، مستحيل أن يكون في الوحي الإلهي سواء أكان نصاً ومعنى كالقرآن الكريم، أو معنى كالحديث الشريف، مستحيل إلا أن يكون هذا الكلام حقيقياً وحقاً مئة بالمئة، لأن الموحي هو الله وهو علام الغيوب.
2- حالة الرسول أثناء تلقي العلم من الوحي:
العنصر الثاني أن الرسول أو النبي يتلقف هذا العلم الإلهي تلقفاً، وهو مستجمع كامل شعوره الفكري والوجداني حول ما يلقى إليه من علم، الوحي ليس كل واحد نائم شاهد مناماً مصدقاً مكذباً، ليس متأكداً، المنام كان ضبابياً، هذا شيء يتنافى مع الوحي تنافياً كلياً، أي إنسان بكامل قواه العقلية والشعورية والوجدانية بكامل اليقظة والانتباه، والوعي والإدراك، والفهم والفطنة، يتلقى من الله عز وجل هذه الحقائق وهذا الكلام وهذه المعاني، يوجد شيئان؛ الوحي حقّ مطلق لأنه من عند المطلق، علم الله مطلق، علم الإنسان نسبي، تقول: فلان عالم كبير، ومع ذلك قد يغلط، قال بعضهم: لكل جواد كبوة، ولكل حسام نبوة، ولكل عالم هفوة، بعد الأنبياء لا يوجد إنسان معصوم، لا تلق هالة على المرشد كبيرة جداً، بعد الأنبياء لا يوجد إنسان معصوم، وربنا عزّ وجل قال:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)﴾
وأهل الذكر ليسوا أنبياء، هم العلماء، والعلماء غير معصومين، يتكلم تسعاً وتسعين حقيقة يغلط بواحدة، ممكن، الغلــط وارد، أما الأنبياء معصومون عصمة تبليغ، وعصمة فعل، في أفعالهم لا يغلطون، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)﴾
وفي أقوالهم التي يبلغونها عن الله عزّ وجل معصومون عصمة تامة، لأن هذا النبي قدوة، مُشرّع وقدوة بآن واحد، مُشرّع أقواله وأفعاله وإقراراته تشريع، يجب أن يأخذ بها الناس من بعده، وما يبلغه عن ربه أيضاً تشريع، أي ما يبلغه عن ربه قرآن، قال تعالى:
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾
فالنبي والأنبياء والرسل بنص القرآن الكريم معصومون عصمة تبليغ وعصمة فعل، أفعاله معصوم من أن يعصي الله بها، وأقواله التي يبلغها عن ربه معصوم من أن يزيغ بها، هذا شيء ثابت، ما سوى الأنبياء ليسوا معصومين، فإذا قال لك شخص: أنا لا أغلط، قُل له: أنت كاذب، بعد الأنبياء لا يوجد أحد لا يغلط، لكن غلط طفيف في الفروع، الإمام مالك رضي الله عنه كان يُسأل مئة سؤال، فيجيب عن عشرة، ويقول في الباقي: لا أدري، ونصف العلم لا أدري، هذا الذي يفتي بما لا يعلم، يجعل من نفسه جسراً إلى جهنم، إذا حرّم حلالاً أو حلل حراماً، أو أفتى بغير علم، أو قال في القرآن برأيه من دون أن يرجع إلى العلماء الكبار، فهذا يغرف بما لا يعرف لذلك يحاسبه الله حساباً شديداً، نصف العلم لا أدري، قل لا أدري وافتخر بها، هذا دين، سيدنا مالك رضي الله عنه له قول شهير: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، لا يوجد معه لعب، تسأل أي إنسان، أخي والله فلان قال لي: افعل هذا، من فلان؟ هل أنت متحقق من علمه؟ أعطاك الدليل؟ قال لك: افعل كذا وهذا هو الدليل؟ أعطاك دليلاً يقينياً دليلاً قطعي الثبوت أي قرآن؟ قطعي الدلالة آية محكمة أو حديث متواتر أي بالأفعال أحاديث آحاد أم قال لك هذا رأيي واعمل هكذا؟ عوّد نفسك الدليل، لا تقبل شيئاً بلا دليل، ولا ترفض شيئاً بلا دليل.
فأول عنصر أن مضمون هذا الوحي حقّ مئة بالمئة لأنه من عند الله علّام الغيوب، وهذا الذي يتلقى الوحي حتى أعداء المسلمين قد يكون في ساعة الذي يتلقى الوحي رسولاً كان أو نبياً يتلقاه وهو في كامل شعوره الفكري والوجداني، في كامل اليقظة والفهم والانتباه والفطنة، حول ما يُلقى إليه من علم ودون أن يكون لإرادته واختياره تدخُّل في مضمون ما يلقى إليه، لا يحور، ولا يعدل، وليس له موقف، ولا ينتقد، ولا يزيد، ولا ينقص، أبداً، إرادته، اختياره، لا دخل لهما في مضمون ما يلقى إليه، من أجل ان تطمئن أن هذا القرآن من عند الله الواحد الأحد، هذه الأحاديث الصحيحة وحي يوحى، إذا رجل طلب من آخر نقــل رسالة شفوية، يمكن أن يبالغ، أغلب الظن أن يبالغ، أو يقلل من أهمية بعض مضامينها، إما أن يقلل أو يبالغ أو يحذف أو بزيد أو يبدي لك عدم اهتمام، يقول لك: لا تهتم، بلغني بلغك، لكن لا تهتم، لا ينفذ كلامه، صار تدخلاً، فالنبي عليه الصلاة والسلام لا دخل لإرادته ولا لاختياره في تعديل أو زيادة أو حذف أو إنقاص ما يُوحى إليه، في المضمون وفي اللفظ إذا كان اللفظ معنياً بالوحي، إذا الوحي قرآن ولا حركة، ولا ضمة، ولا فتحة، ولا تاء، ولا واو أبداً، قال تعالى:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾
3- علم الوحي حينما يقع في نفس الرسول لا يتردد إليه أي شك:
الشيء الثالث أن ما يُلقى بالوحي من كلام أو معنى يحتل في ذات الرسول أو النبي مركز العلم اليقيني القاطع بصحة التلقي عن الله، معنى العلم اليقيني القاطع، لو فرضناه هناك آلة ضخمة تحتوي زراً مكتوب: التشغيل، فالتشغيل كلمة، يا ترى هل هذه الكلمة صحيحة؟ لعل أحداً قد يكون خطاط قد كتبها وليس لها علاقة بالتشغيل؟ إذا أنت كبست هذا الزر فاشتغلت الآلة والله ضخمة جداً، تشعر أن كلمة التشغيل يقينية، أي قطعية، صحيحة مئة في المئة.
فالعنصر الثالث أن ما يُلقى بالوحي من كلام أو معنى يحتل في ذات الرسول أو النبي مركز العلم اليقيني القاطع بصحة التلقي عن الله، فالنبي مؤمن أيضاً، معنى مؤمن أي مؤمن بأن هذا الذي أوحي إليه هو كلام الله عز وجل، قال تعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ موقن، مؤمن إيماناً قطعياً، بحيث لا يعتري نفسه أدنى شك أو تردد في ذلك، فالمضمون حق، وأثناء التلقي أعلى درجات الوعي واليقظة والتنبؤ فكرياً ووجدانياً، واعتقاد النبي والرسول أن هذا الكلام الذي يُوحى إليه أيضاً يقيني ثبوتاً ودلالة، لهذا يقول الله عزّ وجل مخاطباً سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم:
﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)﴾
أي هذا الوحي أيها النبي الكريم ليس بدعاً، هذا الوحي الذي جاءك جاء من قبل إلى الأنبياء التالية أسماؤهم، قال الله: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً﴾ وقوله تعالى في صفة نطق الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ من أجل أن أُؤكد لكم أن إرادة الرسول واختياره لا يتدخلان أبداً في الوحي قال تعالى:
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)﴾
أي هذه الآيات فيها تضييق لحريتنا، غيّرها لنا إياها، عدّلها، هذه الآية ألغها لنا: ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾ لا يمكنني أن أبدله، لا أقدر أن أزيد، ولا أحذف، ولا أُعدّل، ولا أبرز، ولا أخفي، أبداً، أنا وسيط أمين، ومن معاني أنه أمين أي أمين على وحي السماء: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ إذاً الآيات تؤكد ليس هناك تدخل في مضمون الوحي.
آية ثالثة:
﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)﴾
أي هذا الوحي للملائكة، الآن يُبين المؤلف أن الوحي الذي يوحي الله به إلى أنبيائه عن طريق الملائكة، هناك رسل وهناك رسل للرسل، سيدنا جبريل رسول لرسول الله من قِبَل الله، ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ .
وقول الله تعالى في حقّ جبريل عليه السلام:
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)﴾
أي فأوحى الله إلى عبده جبريل ملك الوحي الأمين الوحي نفسه الذي أوحاه جبريل إلى محمد خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، من هذا نستنبط أن الله هو الموحي، وأنَّ الموحى إليهم من البشر مصطفون بالنبوّة، وأن وسيلة الإعلام الإلهي للملائكة أو البشر إنما هو الوحي، ويقاس للملائكة والبشر غيرهم، وأما ظاهرة الوحي بوصفها ظاهرة إنسانية أمرٌ يشترك في الشعور به جميع الأنبياء والرسل، وعن طريقه يتلقون الإعلامات الإلهية، وليس محمد صلى الله عليه وسلم بدعاً فيهم كغيره، وأن ما يُلقى به قد يكون كلاماً ملفوظاً أو مكتوباً، وقد يكون معاني يمكن التصرف بأدائها بألفاظ من عند النبي، هذه الأحاديث القدسية والأحاديث الشريفة، وأنه لا تدخل لإرادة النبي، واختيار المصطفى في الوحي في مضمون أو لفظٍ ما يلقى إليه بالوحي.
كيفية نزول الوحي على رسول الله عليه الصلاة والسلام:
الآن كيف كان ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
(( عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ. ))
أي الله عزّ وجل لطيف، قال تعالى:
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)﴾
قبل أن ينزل جبريل عليه السلام فيراه النبي عليه الصلاة والسلام بأم عينه كان النبي عليه الصلاة والسلام يرى الرؤيا التي تأتي مثل فلق الصبح، هذه الرؤية إرهاص للوحي، تمهيد للوحي، وسرّ ذلك التمهيد لنزول الوحي بصورته الحقيقية لما له من وقع شديد على النفس البشرية، ثم أُنزل عليه المَلَك جبريل عن غير إرث سابق له، وذلك حين كان النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء يتعبّد الله، ويتأمل في عظيم ملكوته قبيل الرسالة فغطّه ثلاث مرات، وهو يقول له: اقرأ، ويجيبه النبي عليه الصلاة والسلام: ما أنا بقارئ، فقال له:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)﴾
ثم فتر عن النبي عليه الصلاة والسلام الوحي واشتد وَقْع ذلك عليه وكان لذلك حكمة عظيمة تتضمن إشعار النبي عليه الصلاة والسلام بأن الحادث الأول لم تجلبه الرياضة الروحية التي كان يمارسها في غار حراء، وإنما هو الاصطفاء الرباني، لو كانت قضية رياضة روحية، ورأى هذا المَلَك العظيم لظن أن هذا من كسبه، لا، جاء جبريل العظيم وانقطع الوحي سنوات ثلاثة، ثم جاء الوحي من دون ترقُّب وهو يسير في أحد شِعاب مكة، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد ِاللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) إِلَى (وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ) قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاةُ وَهِيَ الأَوْثَانُ. ))
إذاً النبي عليه الصلاة والسلام رأى سيدنا جبريل وقد ملأ ما بين السماوات والأرض.
أحوال نزول الوحي على رسول الله عليه الصلاة والسلام:
تتابع الوحي بعد ذلك بأحواله الهادئة نسبياً وإليكم أيها الإخوة؛ ما وصفه به النبي عليه الصلاة والسلام جاء في صحيح البخاري رضي الله عنه:
(( عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. ))
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الوحيّ كان ينفث في روعه صلى الله عليه وسلم فيعي رسول الله ما يقول، وورد أن الصحابة الكرام كانوا يسمعون للوحي عند نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم دويّاً كدوي النحل.
ويستخلص من هذه الأخبار الصحيحة أنّ من أحوال الوحي حينما يُنزل عليه أو يُلقى على قلبه قولاً شديداً ثقيلاً يسمع فيه الرسول صوتاً متعاقباً متداركاً كصوت الجرس في صلصلته، وأنّ من أحوال الوحي أن يأتيه المَلَك جبريل عليه السلام بصورة إنسانٍ فيكلمه بمثل كلام الناس إلى غير ذلك من أحوال، وأما حالة النبي عليه الصلاة والسلام فقد وصفتها لنا السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت: ((وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا)) وقد ورد أن راحلته صلى الله عليه وسلم كانت تبرك به إلى الأرض إذا نزل عليه الوحي وهو راكب، وقد نزل عليه الوحي مرة أي كانت رجله الشريفة قريبة من رجل سيدنا زيد فثقُلت عليه حتى كادت ترضّها، يبدو أن الوحي له وقع شديد على النبي عليه الصلاة والسلام، قال الله:
﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)﴾
في مضمونه، طبعاً شيء عظيم أن سيد الملائكة جبريل ينزل ليوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام بما يريد الله أن يوحي به إليه.
1- النوع الأول هو ما كان بلا وساطة وذلك بالإلقاء في القلب:
قال: أنواع الوحي، وينقسم الوحي إلى ثلاثة أنواع أخذاً من قوله تعالى في سورة الشورى، الملاحظ أن كل حقيقة تُلقى مأخوذة من آية كريمة أو من حديث صحيح:
﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)﴾
هذه الآية بينت أن هناك أنواعاً ثلاثاً للوحي: فالنوع الأول هو ما كان بلا وساطة، وذلك بالإلقاء في القلب، وهو يشمل ما كان كمثل صلصلة الجرس، والنفث في الروع، والإلهام، والرؤيا، وتحقيقه أن يَخْلِق الله في قلب الموحى إليه المعصوم علماً ضرورياً لإدراك ما شاء الله إدراكه من كلامه تعالى، هذا نوع مباشر، وهذا النوع هو ما أشار إليه بقوله في الآية: ﴿إلا وَحْيًا﴾ أي وحياً مجرداً عن الوساطة، ويكون ذلك بقذف الكلام أو المعاني في القلب قذفاً مباشراً، يفيد الرسول علماً قطعياً ضرورياً لأن ذلك من عند الله، ومن أمثلة هذا النوع ما كان لسيدنا إبراهيم عليه السلام في الرؤيا:
﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾
هذا وحي مباشر، وما كان لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في اليقظة، هذا هو النوع الأول وحي مباشر، إلقاء في القلب.
2- ما كان بسماع الكلام الإلهي ولكن من غير رؤية للمتكلم:
النوع الثاني ما كان بمثابة إسماع الكلام الإلهي من غير أن يرى السامع من يكلمه، كأن يخلق الله الأصوات، ومن هذا النوع ما كان لموسى عليه السلام حين مناجاته ربه في جانب الطور، وقد يشترك في سماع هذا النوع غير الموحى إليه كما سمع السبعون من بني إسرائيل حين مضوا إلى الميقات ما سمعه موسى عليه السلام، هذا الوحي من وراء حجاب، وهذا النوع الثاني هو ما أشار إليه الله تعالى بقوله: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ أي وحياً من وراء حجاب بوساطة خلق الله الأصوات كما ذكرنا، أو بصورة أخرى يختارها الله جلّ وعلا.
3- ما يكون بواسطة إرسال ملك تُرى صورته ويُسمع كلامه:
النوع الثالث ما كان بوساطة إرسال ملك تـــُرى صورته المعينة ويُسمع كلامه كجبريل عليه الصلاة والسلام فيوحي إلى النبي ما أمره الله أن يوحي إليه، وهذا النوع هو الغالب من أنواع الوحي بالنسبة إلى الأنبياء، فغالب أحوال الأنبياء عليهم السلام أن يكون الوحي إليهم بوساطة رسلٍ من الملائكــة، أكثر المثقفين يقولون: كلمة بواسطة هذه غلط، صوابها بوساطة، الشيء الواسط أي المتوسط بين شيئين، أما الأداة أو الوسيلة فيُقال لها بوساطة.
بهذا النوع الثالث ينتهي موضوع الوحي الذي تحدثنا عن أنواعه، نوع بلا وساطة، نوع من وراء حجاب، نوع وحي عن طريق سيدنا جبريل.
وتحدثنا عن حالة الوحي بالنسبة للنبي عليه الصلاة السلام، كيف جاءه أول ما جاءه ثم انقطع، ثم كيف كان يتتابع عليه، وكيف كانت أحوال النبي عليه الصلاة والسلام وأحوال صحابته وأحوال ناقته حينما الوحي إليه، وتحدثنا عن تعريف الوحي اللغوي، وعن تعريفه الشرعي، وكيف أن الوحيّ وسيلة إعلام من الله عزّ وجل لأنبيائه ورسله.
الملف مدقق