الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
موقف الإنسان وحركته في الحياة وفق عقيدة يتمسك بها:
أيها الإخوة المؤمنون؛ بينت لكم في الدرس الماضي أن الإنسان حينما يتحرك في الحياة، حينما يفعل هذا الشيء أو لا يفعله، بكلمة أخرى مواقفه، الإنسان في حقيقته مجموعة مواقف، يقف من هذا الموضوع موقفاً معادياً، يقف من هذا الموضوع موقفاً مؤيداً، يمارس هذا الشيء، يمتنع عن هذا الشيء، هذه المواقف المتعددة المتنوعة المتباينة ما الذي يتحكم فيها؟ ما الذي يحركها؟ ما الذي يُسيرها؟ ما الذي يفرضها؟ شيء واحد خطير جداً في مصطلح الفقهاء: العقيدة، وفي مصطلح علماء النفس: المفاهيم، فإذا سرتم في الطريق وأنتم تركبون سيارة قد ترون إنساناً يجري في طرقات المدينة أو في طرقاتها الخارجية، أنت راكب في سيارة مستريح، إن كان الوقت بارداً أنت في جو معتدل، وإن كان الوقت حاراً في جوّ مكيف، وهذا يرتدي ثياباً خفيفةً ويجري، ما الذي يجعله يجري؟ طبعاً الجري في وقت باكر حيث البرد الشديد وحيث، هذا الجري لا يتوافق مع راحة الجسم، أن تبقى في الفراش تنعم بالدفء أطيب وأريح لهذا الجسم من أن تخرج وتجري، لماذا يجري؟ لأن في أعماقه مفهوماً أن الجري يُقوِّي القلب، وأن الجري يدفع عنه الآفات، وأن الجري يُلَيّن الشرايين، وأن الجري يُقوِّي العضلات، وأن الجري حسب تفكير بعض الناس يَمدّ في الحياة، إذاً هذا الذي يجري عنده مفهوم عن الجري هو الذي جعله يجري، وهذا الذي يمتنع عن هذه الأكلة لماذا امتنع عنها؟ لأن عنده قناعة أن هذا الطعام يُفسد عليه حياته، إذاً الذي تفعله أو الذي لا تفعله، مواقفك في الحياة المتعددة المتباينة المتناقضة المنوعة، مواقف التأييد من موضوع معين، مواقف المعارضة، الإقدام، الإحجام، الفعل، ردّ الفعل، عدم الفعل، هذا كله يُحرِّكه العقيدة، فالمؤمن يقوم ويصلي، وقد يمتنع عن شيء نهاه الله عنه.
مناط العقيدة في الإنسان هو العقل الذي مصبه في القلب:
بالدرس الماضي ذكرت لكم أن هذه العقيدة لها منافذ، هناك منافذ أو قنوات صحيحة تسلك منها الأفكار إلى هذه المنطقة العميقة في الإنسان التي إن صح التعبير نسميها منطقة العقل، وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)﴾
ومنطقة العقل في الإنسان هي القلب، وقد بيّنت في درس سابق أن هناك إحساساً، وأن هناك إدراكاً، وأن هناك مفهوماً، وأن هناك عقلاً، إحساس إدراك مفهوم عقل، فأنت تُحسّ أن الشمس ساطعة، العين شبكية العين تتأثر بضوء الشمس، ينتقل هذا الإحساس إلى الدماغ، الدماغ عنده ذاكرة، هذه الذاكرة تُنبِئه أنَّ الشمس ساطعة، هذا ينتقل إلى المفهوم، مفهوم الشمس عنده واضح، ثم ينتقل إلى المنطقة العميقة في الإنسان وهي العقل، لذلك حينما يسير في الصيف تحت أشعة الشمس المُحرقة يأخذ معه مظلة، أو يضع على رأسه كتاباً يخاف ضربة الشمس بحسب المفاهيم.
في الدرس الماضي تحدثت عن أن هناك يقيناً حسياً وعن أن هناك يقيناً استدلالياً، وعن أن هناك يقيناً إخبارياً، اليقين الحسي؛ شيء واضح جداً حينما تحس أن هذه المدفأة مشتعلة، حرارتها تستيقن من خلالها أنها مشتعلة، أما الاستدلالي هذا ينفرد بالإنسان، الحيوان يتعامل مع المحسوسات، الحيوان يخاف بعينه، أما الإنسان المفكر يخاف بفكره، لذلك الطالب في واحد أيلول يدرس، لا يوجد فحص، لا يوجد شيء يدعو للدراسة، لكنه يتصوّر الامتحان قبل سنة، يتصوّر الموقف العصيب، توزيع الأسئلة، لا يدري كيف يجيب، النتيجة السيئة، صَغَاره عند الناس، تحطيم آماله في الحياة، إذاً يدرس، فدراسته مبنية على يقين استدلالي، فالشيء الذي تبحث عنه، إما أنه ظاهر لحواسك، فيقينك به يقين إحساسي، يقين حسي، وإما أنه غاب عنك وبقيت آثاره، فإذا بقيت آثاره فاليقين به يقين قطعي مئة بالمئة، لكنه يقين استدلالي، كما تستدل على أن في الأسلاك كهرباء من تألق المصباح، وكما تستدل على أن في الأشرطة تياراً كهربائياً من حركة المروحة، وكما تستدل على أن الإنسان فيه روح من حركته، وكما تستدل على أن لهذا الكون خالقاً عظيماً من آثاره.
فالإيمان بالله إيمان تحقيقي، القناة الأولى اليقين الحسي عن طريق الحواس، القناة الثانية عن طريق الفكر، القناة الثالثة عن طريق الخبر الصحيح، والخبر الصحيح عند المسلم يرقى إلى مرتبة اليقين، بشرط أن يتحقق من صحته.
الفرق بين المؤمن وغير المؤمن الرؤية الصحيحة:
الدرس اليوم عن القناة الثالثة التي تصل إلى منطقة العقيدة أو إلى القلب الذي هو مناط العقل، والقلب هو الذي يحرك الإنسان نحو اتّخاذ مواقف معينة من موضوعات معينة، والإنسان مجموعة مواقف، أي لو أن أي إنسان على وجه الأرض يملك عقلاً لحقيقة الزنا كما ملكه سيدنا يوسف لأحجم كما أحجم، سؤال آخر؛ لو أنّ أي إنسان على وجه الأرض رأى من نِعم الله ومن كمالات الله ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم لحَمِد الله كما يحمد النبي ربه، فالأزمة أزمة رؤية، أي الفطرة واحدة، هؤلاء البشر على تعددهم، واختلاف مشاربهم، وتنوع بيئاتهم، وأصولهم، وفروعهم، وأجناسهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، إنهم جميعاً مفطورون فطرة واحدة، فلو أُتيح لأشقى الناس أن يرى ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم لحَمِدَ الله حمده، ولأحبّ الله حبه، ولكان ورعاً ورعه، ولعَمِلَ صالحات كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، فالأزمة كلها أزمة معرفة، وأعدى أعداء الإنسان الجهل، وخير أصدقائه المعرفة، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، أي هؤلاء المنحرفون، هؤلاء الفُجّار، هؤلاء الكفار، هؤلاء الفسقة، هؤلاء الملحدون، هؤلاء لو رأوا ما رأى المؤمنون لكانوا مثلهم، الفرق بينهم وبين المؤمنين هي الرؤية، إما أن تملك رؤية صحيحة وإما ألا تملكها، فإذا ملكت هذه الرؤية سعدت وأسعدت، وإن لم تملكها شقيت وأشقيت.
على مستوى حياتنا الاجتماعية، هذا الذي يأكل مالاً حراماً، اغتصب مالاً لأيتام، لو أيقن أن الله سبحانه وتعالى لابدّ من أن يدمره وماله، لا يأكل هذا المال، فالذي يأكل إذاً أعمى، والذي لا يأكل مبصر، وقال الله عز وجل:
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)﴾
فأنا أقول دائماً: لا تحب أحداً، أحبّ نفسك، من باب التجاوز أو من باب الأفكار الغريبة كن أنانياً، أحبّ نفسك فإذا أحببتها تخاف عليها من العطب والهلاك، تسعى إلى سلامتها، تبتغي سعادتها، إذاً تستقيم على أمر الله، لو أنك أحببت نفسك حبّاً مبصراً لاستقمت على أمر الله، أبداً:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)﴾
نحن جميعاً لنا فطرة واحدة، الخلافات بين البشر وبين الأفراد وبين الشعوب خلافات شكلية لا قيمة لها، يا داود ذكّر عبادي بإنعامي عليهم فإن النفوس جُبِلت على حبّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، قانون.
منطقة القلب أخطر منطقة في الإنسان:
أخطر منطقة في الإنسان منطقة القلب، الذي هو مناط العقيدة، إحساس، إدراك، عقل، العقل الذي مناطه القلب هو الذي يُحركك، هو الذي يجعلك تأكل أو لا تأكل، تمشي أو لا تمشي، تفعل أو لا تفعل، تقبض أو لا تقبض، تؤذي أو لا تؤذي، الذي يؤذي أعمى، لا يرى أن لهذا الذي يؤذيه رباً لن يفلت من يده، أعمى، أما المبصر يرى أن الله على كل شيء وكيل، الله وكيله، وسوف يدفع الثمن باهظاً، فالذي أرجوه وأرجو الله أن يتفضل به علينا هو هذه الرؤية الصحيحة، إذا رأيت رؤية صحيحة حُلّت كل المشكلات، وانتهى الأمر، فإن كان في القلب عمى وقع الإنسان في متاهات لا نهاية لها.
إذا توصلت إلى معرفة الله استقمت على أمره:
بعض الآيات التي تؤكد أن لهذه العقيدة الراسخة التي مناطها في القلب مسالك، من هذه المسالك قوله تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)﴾
من أعطى هذا الماء قوة الدفع نحو الأعلى؟ أمسك بوعاء ماء واغمسه في بحرة يذهب جزء كبير جداً من وزنه، أين ضاع هذا الوزن؟ في الماء قوة تدفع نحو الأعلى، لولا هذه القوة لما كان هناك ملاحة بحرية إطلاقاً، هذه الملاحة البحرية التي تنفع الناس، وتنقل حاجاتهم وبضائعهم وغذاءهم وحديدهم، وكل ما يحتاجونه من قارة إلى قارة بفضل هذه القوة التي أودعها الله عز وجل في الماء، قوة الدفع نحو الأعلى.
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ اختلاف الليل والنهار، هذا المحور المائل، ميل هذا المحور جعل هناك ليلاً، دوران الأرض حول نفسها جعل هناك ليلاً ونهاراً، لو أن المحور قائم على مستوي الدوران لما كان هناك اختلاف في طول الليل والنهار، النهار اثنتا عشرة ساعة، والليل كذلك إلى أبد الآبدين، ولولا ميل هذا المحور لما كان هناك فصول، فاختلاف الليل والنهار، اختلافه أي تعاقبه، أي دورة الأرض حول نفسها، واختلافه أي تباينه، ميل المحور من دورة الأرض حول نفسها ومن ميل المحور نشأ الليل والنهار، ونشأ اختلاف الليل والنهار، ونشأت الفصول، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ دقق ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ إذا عقلت أن هذه الآيات دالة على عظمة الله، وأن الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء، وأنه لا معبود سِواه، استقمت على أمره:
﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)﴾
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)﴾
أكثر الآيات تنتهي بقوله تعالى: أفلا تعقلون، لعلكم تعقلون، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ العين منفذ، والأذن منفذ، والقلب يعقِل الحقيقة.
الخبر المتواتر من مسالك الخبر الصادق:
الآن طريق الخبر الصادق، المسلك الثالث هو مسلك الخبر الصادق الذي يصل إلى مستوى اليقين، الخبر الصادق نحن قد نوقن بوجود شيء ولا نراه، وليس له في حياتنا آثار، بلاد الصين، كلنا نوقن بوجودها، لكن أحدنا قد لا يراها، لم يرها من قبل، وليس لها في بلادنا دليل، أن هذه قطعة من الصين، لا يوجد دليل يُثبت أن هناك بلاداً اسمها الصين، لكن الأخبار الصادقة، تواتر الأخبار، تصريحات زعماء الصين، أحداث بالصين، زلزال في الصين، كل هذه الأنباء، كل هذه الأخبار، كل هذه وكالات الأنباء تنقل لك أشياء عن الصين، فأنت من هذه الأخبار المتواترة التي ينقلها الجمع عن الجمع توقن أن هناك بلاداً اسمها الصين، وكذلك الحرب العالمية الأولى، من منا رآها؟ لم يرها أحد، لكن سمعنا عنها، هذا السماع الكثير، تواتر الأخبار عنها هذا يؤكد لك أن هناك حرباً عالمية أولى وقعت فعلاً، فالأخبار المتواترة، ومعنى المتواترة أن الجمع الغفير نَقَل عن الجمع الغفير عن الجمع الغفير، ويستحيل عقلاً تواطؤ الناس كلهم على الكذب.
جالس في بيتك، قال لك أحدهم: في المكان الفلاني حريق، بعد ساعة قالَ لكَ شخص ثان، شخص ثالث، شخص رابع، هذا مثقف، هذا غير مثقف، هذا قريبك، هذا جارك، هذا بالطريق، هذا صديقك، هذا زميلك، هذا شخص لا تعرفه قال لك: هناك حريق، هؤلاء الجمع الغفير مع اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم وألوان ثقافتهم وعقليتهم وأعمارهم ونواياهم وطيبهم، جميعاً قالوا لك: هناك حريق في المكان الفلاني، هذا اسمه: خبر متواتر، يستحيل عقلاً أن هؤلاء الجمع الغفير يتفقون على الكذب، فلذلك هذا المقياس الأول.
حجة الخبر الصادق هو وصول الباحث إلى تصديق نبوة الرسول المؤيد من السماء:
الأخبار المتواترة تفيدنا العلم اليقيني بداهة، لأنه يستقر في نفوسنا وفي عقولنا أنه لا يمكن عقلاً أن تتفق على الكذب هذه الكثرة الكاثرة من المخبرين، فإذا أنكرنا الخبر الصادق أنكرنا التاريخ، يوجد رومان ويوجد يونان ويوجد كنعانيون، ويوجد آراميون، ويوجد فينيقيون، ويوجد بلاد بأمريكا، ويوجد هنود حمر وتواريخ وحروب، من أنكر الخبر الصادق فقد أنكر التاريخ، التاريخ يثبت بالتواتر وبالخبر الصادق، هذا على مستوى الأخبار العادية، لكن بما أنه ثبت لدينا عقلاً صدق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يُخبر به عن الله تعالى من أحكام ومن أمور الغيب، وأن خبره صلى الله عليه وسلم يُفيدنا العلم اليقيني قطعاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مشهود له من قِبَل الله بلسان حال المعجزة التي يُجريها الله على يديه أنه صادق، أي لا يوجد إنسان بالأرض يُمسك العصا يلقيها فإذا هي ثعبان مبين، هذا العمل فوق طاقة البشر، فهذا الذي يفعلها إذاً هو رسول من خالق البشر، أيّده الله بهذه المعجزة، ومادام الله قد أيّده بهذه المعجزة إذاً خبره صادق، النبي عليه الصلاة والسلام المُؤيد بالمعجزة تُؤكد لنا أن هذا تأييد من الله لرسوله، وأن كلامه هو الخبر الصادق، وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
فيجب عقلاً تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يُخبر به من أحكام الشريعة ومن أمور الغيب.
القرآن الكريم من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام:
هناك عالم جيولوجي حينما سمع قولاً نُسِب إلى النبي عليه الصلاة والسلام كاد يصعق، بحسب علمه أن بلاد العرب من المستحاثات من بعض القرى التي كانت مغمورة بالرمال من بعض الآثار التي وجدوها في الربع الخالي، من دلائل يقينية، ثبت لديه أن بلاد العرب كانت جنات وأنهاراً:
(( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، المروج هي الجنات والبساتين الخضراء. ))
معنى ذلك أنها كانت، هذا الكلام الموجز كلمة ((تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)) هو من خلال مستحاثات، من خلال تنقيبات، من خلال دراسات طويلة، من خلال بحوث، من خلال مطالعات وصل إلى أن هذه البلاد كانت فيما مضى بساتين وجناناً وأنهاراً، وبحسب حركات الأرض غير المشهورة ميل المحور هناك حركات عديدة شرحتها لكم قبل سنوات في درس سابق، هناك اثنتا عشر حركة للأرض، نعرف منها نحن دورتها حول نفسها وحول الشمس، أما هناك عشر حركات، فنجم القطب مثلاً، هذا بعد خمسة وعشرين ألف عام لا يكون هذا النجم نجم الشمال، سوف يكون هناك نجم آخر اسمه: النسر الواقع هو نجم القطب، لأن ميل المحور، لأن المحور المائل يدور دورة كاملة فيرسم مخروطاً في خمسة وعشرين ألف سنة، هذه حركة، ومستوي الأرض الذي تدور وفقه حول الشمس يدور دورة كاملة، وموضوعات معقدة جداً في درس ماض فيما أذكر فصلتها، هذه الحركات استنبط منها العلماء تحوّل خطوط المطر من مكان إلى مكان، فلما قال عليه الصلاة والسلام: ((تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)) هذا مما يُثبت نبوة هذا النبي عليه الصلاة والسلام.
النبي عليه الصلاة والسلام ما رأى بطن الحوت، ما شرّح الحوت، لو أن هذا القرآن من عنده، لو أن الله عز وجل قال: فابتلعه الحوت، لسيدنا يونس، كلمة فابتلعه معنى هذا أن هذا الكتاب ليس كتاب الله عز وجل لأن مري الحوت لا يتسع لمرور إنسان، قال ربنا :
﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)﴾
لم يقل: فابتلعه، النبي عليه الصلاة والسلام ما رأى الحوت، ولا شرّح الحوت، ولا درس عن الحوت.
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)﴾
اتّخذت تاء التأنيث لماذا؟ لأن التي تنسج البيت هي الأنثى، من منا أخذ العنكبوت وعرف الذكر من الأنثى؟ وعرف أن التي تنسج هي الأنثى؟ الآن العلماء عرفوها، بعد دراسات ومخابر وتشريح عرفوا أن الأنثى هي التي تنسج البيت، لو كان القرآن من عند الرسول هو كتَبَهُ كان يقول لك: لاتّخذ بيتاً، ينسى التاء، إذا نسي التاء لم يعد هذا القرآن الكريم قرآناً كريماً.
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)﴾
ربنا عز وجل قال: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ لم يقل الزاني والزانية، قال: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا﴾ معنى ذلك أن المرأة أقدر على الزنا من الرجل.
﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)﴾
معنى ذلك أن الرجل أقدر من المرأة على السرقة.
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)﴾
الله بدأ بالجن، لأن الجن أقدر على النفوذ في السماوات من الإنس.
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)﴾
بدأ بالإنس لأن الإنس أقدر على البيان والفصاحة من الجن، كلام إله.
﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)﴾
بدأ الله بالتجارة وثنّى باللهو لأنه لا لهو بلا تجارة، أصحاب الدخل المحدود لا يستطيعون أن يفعلوا ما يفعل المترفون، فالتجارة أصل اللهو، ﴿قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ﴾ بدأ باللهو، لأن ترك صلاة الجمعة لِعلّة اللهو أفظع إثماً من تركها لعلة التجارة.
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾
هنا بدأ بالأب، قال تعالى:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾
بدأ بالمرأة، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)﴾
بدأ بالأخ، قال تعالى:
﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)﴾
بدأ بالابن، مرة بالابن، مرة بالأب، مرة بالزوجة، مرة بالأخ، قال: في موطن الاعتزاز الاجتماعي الأب يقع في الدرجة الأولى، أنا ابن فلان، ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ .
في موطن الشهوة بدأ بالمرأة، في موطن الفدية أغلى شيء الابن.
العلماء قالوا عنه كلمتان، لكن كلمتان خفيفتان في لفظيهما، عميقتان في مدلوليهما، قالوا: القرآن الكريم قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، أي إذا أنت قلت على ورقة: إذا قربت من البنزين ناراً فإنه يشتعل، بخط قلم رصاص، بخط سيئ، هذه الكلمة قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، تحب أن تجرب جرب، قرب عود كبريت من البنزين يلتهب فوراً، ينفجر.
القرآن الكريم قطعي الثبوت قطعي الدلالة:
القرآن الكريم إذا كان هناك قوانين، إذا ربنا عز وجل قال:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾
قطعي الثبوت أنه كلام الله عز وجل، قطعي الدلالة على أنه لابدّ من أن يمحق الله الربا، أبداً قولاً واحداً، إذا قال ربنا عز وجل:
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)﴾
إيجاز، الإعجاز بالإيجاز، بحياتك الزوجية، بحياتك الأسرية، بحياتك الاجتماعية، بصحتك، بطعامك، بشرابك، ببيعك، بشرائك، بأي مكان تريد، ﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ ، إذا الله عز وجل قال:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾
قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، أي أنا لا أرى في الأرض كلها كتاباً يستحق أن يُقرأ كلمة كلمة، حرفاً حرفاً، حركة حركة، وأن تقرأ ما بين السطور، وأن تَعدّ هذا الكلام مفتاح السعادة ككتاب الله عز وجل، أبداً.
حقيقة القرآن الكريم ساطعة في الكون:
قال لي أحدهم: أخذت أولادي على المستشفى، أكلوا فواكه قبل أوانها، قلت له: علّمهم القرآن؟ قال لي: ما علاقة القرآن بالموضوع؟ قلت: ربنا قال:
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)﴾
﴿إِذَا أَثْمَرَ﴾ أي إذا إنسان أكل الثمر قبل أن يُثمر، قبل أن ينضج يضرّ نفسه، إشارات دقيقة، أحدهم يسير شعر بحرّ شديد، وجد ماء عذباً فراتاً بارداً شرب حتى شبع، يقتل نفسه، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾
هذه إشارة إذا بذل الإنسان جهداً كبيراً جداً يجب أن يشرب شربة قليلة جداً حتى يتوازن.
كلام النبوة لا يتناقض مع العقل:
الآن يجب عقلاً تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يُخبر به من أحكام الشريعة ومن أمور الغيب، والاعتقاد به اعتقاداً جازماً، باعتباره يفيد العلم اليقيني، سواء أخبر به في نص آية من كتاب الله عز وجل أو أَخبر به بكلام من عنده، لا فرق في ذلك مُطلقاً لأن الله في كتابه شَهِد له بأنه لا ينطق عن الهوى، أبداً، الذي جاء في القرآن أو الذي جاء في السنة كلاهما يرقى إلى مستوى اليقين.
شخص وضّاع أحاديث، دجّال، عامل طريقة أنه هو ينام يرى رسول الله يقول له الحديث صحيح أم كذب، فجاء شخص ذكي امتحنه، قال له: هذان الحديثان انظر فيهما وغداً قل لنا ماذا يحصل معك؟ طبعاً الأحاديث من كتاب مكتوب عليه ضاد أي الحديث ضعيف، فهذا الدجال نام فقال له: هكذا قال لي رسول الله، قال لي: إنه ضعيف، رسول الله لا يقول: ضعيف، يقول: إما قلته أو لم أقله، نحن عندنا يوجد قوي ويوجد ضعيف أما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوجد قوي، قلته أم لم أقله، فالمشكلة مع رسول الله سهلة جداً.
الصحابة الكرام الذين عاصروه الذي قاله رأوه بعينهم يقوله وانتهى الأمر، الذي قاله لا ينطق عن الهوى، أما المؤمن بعد أن انتقل النبي الكريم إلى الرفيق الأعلى، هنا أصبح مشكلة، فأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الذين عاصروه ما كانوا يُفرقون قط في التسليم بما يبلغه النبي إليهم من أحكام وغيوب بين آية قرآنية يرويها وبين حديث يقوله من عنده، لأن كل أحاديثه تبيان لكتاب الله، القرآن موجز، والنبي صلى الله عليه وسلم فصّل، فكلامه تفسير، أخي رسول الله ما ترك تفسيراً؟ بلى ترك تفسيراً، أين هو؟ مطبوع؟ أحاديثه كلها تفسير لكتاب الله.
قال: وأما بالنسبة إلينا فحيث لم نسمع من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بل سمعنا ممن رووا عنه، والذين رووا عنه ليسوا بمعصومين، هنا يوجد نقطة دقيقة، وجدنا أنفسنا بحاجة إلى أن نُفَرّق بين ما نُقِل لنا عن النبي بطريق متواتر يفيد العلم اليقيني وبين ما نُقل إلينا بطريق الآحاد الذي لم يبلغ مبلغ التواتر، هذه نقطة مهمة جداً، أي ما بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث متواترة، أي الجمع الغفير رواها عن الجمع الغفير، هذا النوع من الأحاديث وهي قليلة لا يرقى إليها الشك، إنها تبلغ درجة اليقين.
أما أكثر الأحاديث مروية بطريق الآحاد، أنا معقول أن رسول الله في بعض الأحاديث التي رواها الآحاد أنه سُحِر؟ إذا سُحر أين قول الله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى﴾ ؟ في أثناء السحر ينطق عن الهوى، أين قوله تعالى؟
﴿ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)﴾
أين قوله تعالى؟
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)﴾
ثماني عشرة آية يَبْطل عملها إذا صدقنا أنه سُحِر، سحره مرويّ بحديث ليس متواتراً ولكن روي لنا بطريق الآحاد، حديث الآحاد لا قيمة له، لا نستطيع أن نُعَطل القرآن الكريم من أجل حديث رواه واحد، قد يكون غير موثوق، قد يكون أصابه تحريف، أشياء من هذا القبيل، فهنا نقطة دقيقة جداً، أما بالنسبة إلينا يجب أن نُفرّق بين ما نُقِل إلينا بطريق متواتر يفيد العلم اليقيني وبين ما نُقل إلينا بطريق الآحاد الذي لم يبلغ مبلغ التواتر، ولا يفيد العلم اليقيني، فكتاب الله عز وجل منقول إلينا بطريق التواتر، جمع عن جمع، وبعض الأحاديث الشريفة منقولة إلينا بطريق التواتر، وهناك أحاديث نَقَلها آحاد، وهذه الآحاد تُصَحح، ننظر إلى مضمونها، إلى متنها، هذا موضوع نأخذه إن شاء الله في وقت آخر، أكثر الأحاديث منقولة بطريق الآحاد فإن كانت صحيحة أفادتنا غلبة الظن في صدق نقلها، ومن ثم أفادتنا غلبة الظن في العلم بمضمونها القطعي، صار عندنا قطعي الثبوت قطعي الدلالة، ظني الثبوت ظني الدلالة، قطعي الثبوت ظني الدلالة، ظني الثبوت ظني الدلالة.
أي أرقى درجة قطعي الثبوت وهو كتاب الله، التواتر قطعي الثبوت، بعده بدرجة ظني الثبوت، إذا كان حديثاً نُقل إلينا من طريق آحاد عن طريق صحابي واحد هذا الحديث ظني الثبوت ظني الدلالة، فإذا تناقض مع آيات كثيرة عندئذ نلجأ إلى التأويل، إلا لا نضحي، شخص ركب سيارة، السيارة واقفة، صعد فوجد العداد على المئة والعشرة، السيارة واقفة، لا يوجد صوت، لا يوجد حركة، لا يوجد هواء، الأشجار واقفة، البيت واقف، لا يوجد شيء، يوجد عنده مليون دليل ودليل على أنها واقفة، فإذا قال: لعلها تسير العداد على المئة والعشرة يكون مختلاً، عندك أدلة كبيرة جداً تؤكد أنها واقفة.
وسوف نتابع هذا الموضوع إن شاء الله تعالى في درس آخر.
اليوم درسنا الخبر الصادق، معنى الخبر الصادق، وكيف أن التواتر شرط أساسي ليكون الخبر الصادق قطعي الثبوت قطعي الدلالة، لا يكون الخبر الصادق قطعي الثبوت قطعي الدلالة كالعلم اليقيني إلا إذا كان متواتراً، وكتاب الله هو الخبر الصادق وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي نُقِلت إلينا بطريق التواتر هي الخبر الصادق، أما أحاديث الآحاد فهي ظنيّة الثبوت ظنية الدلالة، نبحث لها عن أدلة أخرى، أما إذا ضربت وتناقضت مع آيات أساسية فلابد من التأويل أو لابد من الرفض.
الملف مدقق