الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون؛ لازلنا في موضوع العقائد، ولازلنا في موضوع دقيق وهو أن الإنسان في تحركاته، وفي مواقفه، وفي حركاته وسكناته إنما ينطلق من قناعات، أو من مفاهيم، أو من معتقدات، وهذه العقيدة إن صح التعبير لها مسالك.
المسلك الأول:
أن تتيقن عن طريق الحواس، وهذا هو اليقين الحسي، وقد تحدثنا عنه من قبل.
والمسلك الثاني:
أن تتيقن عن طريق الاستدلال الفكري، اليقين الاستدلالي، أي إذا ظهرت ذات الشيء فالإدراك الحسي، وإذا غابت ذاته وبقيت آثاره فالاستدلال الفكري، فإذا غاب الشيء وغابت آثاره لابد من الخبر الصادق، والخبر الصادق مسلك ثالث من مسالك العقيدة، وقد ذكرنا أنه يستحيل على الجمع الغفير أن يتواطؤوا على الكذب، فإذا روى الجمع الغفير عن الجمع الغفير فهذا تواتر، والتواتر أحد مسالك اليقين.
كيف تقنع الملحد بأن القرآن كتاب الله؟
يوجد نقطة دقيقة جداً في الدرس الماضي لم تكن واضحة وهي كيف نؤمن بالقرآن الكريم؟ هذا سؤال مهم، أي فيما بين المسلمين لا أحد يقول: هذا الكتاب ليس كتاب الله، لكنك لو جلست أمام ملحد وقال لك: أثبت لي أن هذا الكتاب هو كتاب الله؟ فيما بين المؤمنين وفي نطاق المسلمين هذا الطرح لا يُطرح، لذلك الإنسان مطمئن لكن لو جَمَعتك الصدف بإنسان ملحد وقال لك: أنا أؤمن بالواقع والمنطق، أثبت لي أن هذا الكتاب كتاب الله؟ هنا المِحَك، إما أن تقول: والله هذا كتاب الله يا أخي، لا يكفي، قد تكون قانعاً بأنه كتاب الله، ولكنك لن تستطيع أن تُقْنع أحداً أنه كتاب الله إلا إذا ملكت الحجة والدليل.
أنت تقول: هذا كتاب الله، هل تملك الدليل؟ لذلك لابدّ من تَدَبُر هذا القرآن، إذا تدبرته، والموضوع بدأته في الدرس الماضي بشكل مختصر، إذا تدبرت هذا الكتاب توصلت إلى أنه يستحيل على بشر أن يصوغه، كان هذا الكتاب معجزة، إذا بدا لك إعجازه، إعجازه اللغوي، وإعجازه البياني، وإعجازه التشريعي، وإعجازه التاريخي، وإعجازه الرياضي، وإعجازه الحسابي، إذا بدا لك أنه كتاب معجز، وأن كائناً ما كان من البشر لا يستطيع أن يأتي به من عنده، إذاً هذا الذي أتى به هو رسول الله، مِن أين نستنبط أن هذا الكتاب هو كتاب الله؟ مِن إعجازه، وكيف نعرف إعجازه؟ مِن تدبره، لذلك قال الله سبحانه وتعالى:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)﴾
حينما قال الرسول في قوله تعالى:
﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)﴾
فسّر المفسّرون هذه الآية على وجوه عديدة، بعضهم فسرها أن هجر القرآن هو هجر سماعه، أو هجر تلاوته، أو هجر العمل به، أو هجر الاحتكام إليه، أو هجر تدبره، فإذا هجر الإنسان تدبر القرآن، وتلاه ليلاً نهاراً، قد يسأله سائل كلمة: هل معك دليل على أن هذا القرآن كلام الله؟ فإذا وقفت ساكتاً كأن أسفيناً دُكّ أو وُضِع في إيمانك، ما الدليل؟
ينبغي على المسلم ألا يكون ساذجاً في فهم كتاب الله:
لذلك أن تصدق الناس في شيء قالوه لك من دون تحقق، من دون تَبَصُّر، من دون تعمق، هذا التصديق الساذج العفوي غير المُجهد، هذا التصديق لا يصمد أمام الشهوات، ولا يصمد أمام الضغوط، ولا أمام المغريات، لذلك ينتكس الإنسان، لماذا؟ لأن شخصاُ زلزله، سأله سؤالاً زلزله، ما لم يُبنَ الإيمان على بحث، وفهم، وتدبر، وعقل، ومناقشة، ومذاكرة، واستدلال، وتحقُق، فإن الإيمان لا يصمد في الشدائد، في الرخاء لابأس، أما إذا ضُغِط عليك وقيل لك: افعل كذا وإلا، تقول له: أفعل، أما إذا كنت متأكداً وموقناً أن هذا القرآن كلام الله، وأنه قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، وأن الله إذا قال في القرآن:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾
تستطيع أن تواجه الجبال الراسيات بإيمانك بهذا الكتاب، إذا قرأت هذا الكتاب وتيقنت أنه كلام الله وقرأت قوله تعالى:
﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾
تبقى متفائلاً حينما ييأس الناس، لو أن اليأس أطبق على الناس جميعاً تبقى وحدك متفائلاً، هكذا قال الله لك، فالموضوع موضوع خطير جداً.
سؤال؛ هل تملك دليلاً على أن هذا القرآن كلام الله؟ إذا كنت بين المسلمين لا أحد يطرح عليك هذا السؤال، ولكنك إذا جلست إلى مُنْكِر وقال لك: ما الدليل؟ هذا الكلام من كلام محمد؟ كان إنساناً عبقرياً فذّاً، استطاع أن يُوهِم الناس أنه من عند الله من السماء، وصاغه بأسلوبه البلاغي الرفيع، وهذا هو الأمر، كيف تَرُدّ عليه؟ فالإيمان يجب أن يُبنى على البحث العلمي، والتحقق والتدقيق، والمناقشة والحوار، القضية، أخطر قضية يواجهها المسلم في هذه الأيام، إذا كان هذا القرآن قطعي الثبوت قطعي الدلالة انتهى الأمر:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾
يصدق هذه الآية، مطمئن، له معاملة خاصة، مهما ضاقت الأمور له معاملة خاصة، مهما ضيّق الله على عباده الفجّار، يقول: أنا مؤمن، أنا وَعَدَني الله أن يعاملني معاملة خاصة، ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أبداً، القضية قضية إيمان أن هذا الكلام من عند خالق الأكوان، وأنّ زوال الكون أهون من عدم تحققه، فإذا ثبت لك أن هذا القرآن كلام الله، أي قطعي الثبوت، وإذا ثبت لك أن ما فيه قطعي الدلالة وأنك إذا قرأته بثَّ في نفسك الأمن والطمأنينة، انتهت، قطعت العلائق مع الخلق ووصلتها مع الحق، إذا تدبرت هذا القرآن درست ما فيه من تشريع، درست آيات المواريث، آيات الأحوال الشخصية، درست الآيات الكونية.
آيات الله الكونية والتشريعية دليل على صدق القرآن:
اليوم سبحان الله! كنت مع أخ كريم، قال لي: فكرت في الليل وفي النهار فتأملت أنه لو أن الليل دائم، أو النهار دائم، لاستحالت الحياة على وجه الأرض، أولاً: هناك أسباب جغرافية، لو أن الليل دائم تصبح الأرض كوكباً جليدياً لا حياة عليه، ولو أنه نهار دائم لكانت الحرارة 350 درجة فوق الصفر، مستحيلة، لو تصورنا ليلاً دائماً بحرارة معتدلة، فوضى، هذا الآن انتهى من عمله، الثاني جاء لعنده أخي الآن ذهب، كان هنا موجوداً منذ اثنتي عشرة ساعة تعب فذهب، هذا يريد أن ينام والثاني يشتغل، لا يوجد حياة، أخي أنت كم عمرك؟ لا يوجد عمر، وُلِد وإلى الآن يعيش، لأنه لا يوجد أيام، أخي هذا عمره ثلاث وعشرون سنة وثمانية أشهر، قال الله عز وجل:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)﴾
لو أن الليل سرمداً إلى يوم القيامة مَن إله غير الله يأتيكم بنهار؟
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)﴾
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)﴾
قال تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)﴾
جعل لك وقتاً لا يوجد فيه عمل للتأمل، للعبادة، للصلاة، وقت فيه نهار وفيه ضياء للعمل، أي إذا تدبرت آيات القرآن الكونية، والآيات التشريعية، وآيات الأحوال الشخصية، وآيات المواريث، وآيات التاريخ، وآيات الأخبار المستقبلية، إذا تدبرتها، إذا درست إعجازه اللغوي، إعجازه البياني، إعجازه الرياضي، إعجازه الحسابي، شيء لا يصدق، أن كلمة يوم مثلاً وَرَدَتْ ثلاثمئة وخمساً وستين مرة بالعد الدقيق، وأن كلمة شهر وردت اثنتي عشرة مرة، إذا تدبرت القرآن الكريم تيقنت أنه يستحيل على بشر أن يأتي به، إذاً هو من عند الله، وهذا الذي جاء به هو رسول الله.
إذاً الإيمان بالقرآن قبل الإيمان بالرسول، تؤمن بالقرآن عن طريق مضمونه، ثم تؤمن بالرسول عن طريق الاستنتاج، هذا الذي جاء بالعصا فإذا هي ثعبان مبين قطعاً رسول الله لأن هذا الشيء فوق طاقة البشر، هذا الذي أحيا الميت قطعاً رسول الله لأن هذا فوق طاقة البشر، هذا الذي جعل البحر طريقاً يبساً هو قطعاً رسول الله.
مصادر التشريع القرآن وما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام من الحديث:
إذاً إذا تأملت في كتاب الله، تأملت في مضامينه، تأملت في تشريعاته، تأملت في آياته، في أخباره، في آياته الكونية، في قوانينه توصلت إلى أنه كلام الله، لأن هذا فوق طاقة البشر، وهذا الذي جاء به هو رسول الله.
الآن يوجد عندنا شيء بالعقيدة مهم جداً، الآن تستنتج أن هذا الكتاب قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وما قاله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بناءً على هذا كلامه أيضاً قطعي الثبوت قطعي الدلالة، لو أنك عاصرت النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعت من لسانه، من فمه، فهذا الذي قاله استناداً إلى كتاب الله قطعي الثبوت قطعي الدلالة، لأنه:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
هناك وحيٌ متلوٌّ وهو القرآن الكريم ووحي غير متلو وهو السنة المطهرة، إذا التقيت مع النبي وسمعت من فمه حديثاً فهو أيضاً قطعي الثبوت قطعي الدلالة، إذاً يوجد عندنا مصدران إخباريان من أعلى مستوى، القرآن، وما صحّ عن النبي العدنان.
هذا بالنسبة إلى الذين سمعوا من النبي، أما بالنسبة إلينا فالأمر مختلف، القرآن تولى الله حفظه بنص القرآن:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾
أما الحديث الشريف فهناك الصحيح، وهناك الضعيف، وهناك الحسن، وهناك الموضوع، هناك حديث صحَّ عن رسول الله، وهناك حديث لم يصح سنده إلى رسول الله.
الآن دخل علم الحديث، ليمحص ما روي عن رسول الله، هذا صحيح، هذا حسن، هذا ضعيف، هذا موضوع.
الآن لازلنا في موضوع المسلك الثالث من مسالك اليقين القطعي وهو مسلك الخبر الصحيح، أول خبر هو كلام الله، لأنه ثبت لدينا بعد التدبر وبعد التفهم أنه معجزة النبي عليه الصلاة والسلام، وأن الذي جاء به هو نبي ورسول، إذاً ما قاله القرآن فهو حق، وما قاله النبي فهو حق، أو الأصح ما صحّ أنه قاله النبي فهو حق.
أما نحن علينا أن نُقسّم ما رُوي عن النبي إلى أقسام، أول قسم هو التواتر اللفظي، قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ. ))
هذا حديث متواتر تواتراً لفظياً، أي رواه الجمع الغفير، عن الجمع الغفير، عن الجمع الغفير، ويستحيل تواطؤ هؤلاء جميعاً على الكذب، لاختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم وعصورهم وما شاكَلَ ذلك.
أما إذا روى الحديث الشريف رجل واحد، فهذا الحديث الشريف اسمه: أحاديث الآحاد، أحاديث الآحاد لا ترقى إلى مرتبة قطعي الثبوت قطعي الدلالة، أحاديث الآحاد تُصَنف عند علماء الحديث ظنيّة الثبوت، ظنية الدلالة، لكن بعض الأحاديث التي رواها الآحاد رويت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقتها الأمة جميعاً بالقبول دون أن تُنكِر ذلك، فسمّى العلماء هذا النوع من الأحاديث التي رواها الآحاد والتي لم ينكرها أحد تواتراً معنوياً، فالتواتر المعنوي له حكم التواتر اللفظي، إذاً صار عندنا القرآن: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ الأحاديث المتواترة باللفظ، والأحاديث المتواترة بالمعنى، هذه مصادر صحيحة يمكن أن نسلك بها إلى اليقين القطعي.
حكم القرآن والسنة الصحيحة من حيث مفهوم التكفير:
1- من أنكر حجة القرآن والحديث المتواتر قطعي الدلالة والثبوت يعتبر كافراً بإجماع الأمة:
الآن مَن أنكر عقيدة قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، أي جاءت في كتاب الله، أو مَن أنكر حديثاً متواتراً قطعي الثبوت قطعي الدلالة، فهو كافر، إذا أنكرت شيئاً قاله الله عز وجل، إذا قلت: إذا قال الله عزَّ وجل:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾
ليس من المعقول يا أخي، هذا عصر حديثٌ مبني على البنوك والفوائد، ليس معقولاً، هذا الكلام كفْر، إذا أنكرت آية قرآنية قطعية الثبوت قطعية الدلالة فهو كُفر صريح.
2- من أنكر حديثاً قطعي الدلالة ظني الثبوت أو العكس لا يعتبر كافراً بإجماع الأمة:
أما من أنكر شيئاً ورد في السنة المطهرة لكن رواه الآحاد، أي روى حديثاً قطعي الثبوت ظني الدلالة، أو ظني الثبوت قطعي الدلالة، أو ظني الثبوت ظني الدلالة، فهذا لا يُكَفّر جاحده، لأن هذا الشيء ظني وليس قطعياً، ما دام ظنياً لا يكفّر جاحده، إذا جاء الحديث الشريف، طبعاً نحن في المستقبل إن شاء الله مع كل تعريف من هذه التعريفات لنا جولات ولنا شواهد لكن مثلاً إذا جاء في الحديث الشريف عن طريق الآحاد،
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ. ))
أنا لست مُلزماً أن آخذ هذا الحديث على ظاهره من أنك إذا لم تذنب أهلكك الله عز وجل، أنا عندئذ أضطر إلى التأويل حتى ينسجم هذا الأثر النبوي مع روح الدين، ومع روح الآيات القرآنية.
شيء آخر علينا أن نأتي ببعض الشواهد، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾
أي ربنا عز وجل جعل الخبر الصادق مسلكاً أساسياً للعقيدة الصحيحة، في الدرس الماضي جئنا بآيات على مسلك الاستدلال العقلي، وعلى مسلك الإدراك الحسي، واليوم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ هذا الخبر الصادق مسلك ثالث.
شاهد آخر:
﴿ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)﴾
وهذه الآية شاهد على التواتر، ﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِك﴾ إذا كان هؤلاء جميعاً تكلموا بكلام واحد فهذا الكلام الواحد أيضاً يرقى إلى مرتبة اليقين.
حجة تصديق الأنبياء العصمة والمعجزة:
الآن حتمية الخبر الصادق، مِن أين تأتي حتمية الخبر الصادق؟ تأتي حتمية الخبر الصادق إذا ورد هذا الخبر على لسان النبي عليه الصلاة والسلام، لماذا نعتقد أنّه ورد على لسان النبي أنه صادق؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام مُؤيّد بالمعجزات، معصوم عن الكذب، يوجد عندنا دليلان، مؤيد بمعجزة وهي الكتاب، معصوم عن الكذب بنص الكتاب:
﴿ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)﴾
لسيدنا صالح.
﴿ مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)﴾
أنت بشر، خرجت من الجبل ناقة، جاء بآية لأنه مِن الصادقين، فالأنبياء لماذا نُصَدقهم؟ لأنهم مؤيدون بمعجزة، معصومون عن الكذب.
دليل من القرآن جمع فيه اليقين الحسي والاستدلالي والإخباري:
المسلك الأول: كلام الأنبياء يرقى إلى مستوى الخبر الصادق، هناك شاهد دقيق جداً هذا الشاهد في المسلك الأول وهو الإدراك الحسي، والمسلك الثاني الاستدلال العقلي، والثالث الخبر اليقيني:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)﴾
﴿أَرُونِي﴾ إدراكاً حسي، ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ هل هناك دليل على أنهم شركاء لله عز وجل؟ هذا المسلك الثاني، ﴿اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ هذه الأخبار ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ إما اليقين الحسي، أو اليقين الاستدلالي، أو اليقين الإخباري، جُمِعتْ كلها في هذه الآية.
المسلك الثاني في حتمية الخبر الصادق، أن يُخبر به جمع من الناس يستحيل في مقياس العقل السليم اتفاقهم على الكذب، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ من تعاريف القرآن الكريم: الكلام المعجز، المتعبد بتلاوته، الذي رواه الجمع الغفير عن الجمع الغفير.
الآن فيما سوى ذلك، فيما سوى التواتر وفيما سوى أقوال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كيف نرجح الخبر الصادق؟ وضع العلماء شرطين، الشرط الأول: العدالة، والشرط الثاني: الضبط أي الأهلية.
شرط العدالة العلماء رووا: "من عامَلَ الناس فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوَّتُه، وحرمت غيبته" فإذا أخلف وعده، أو ظلمهم، أو كذبهم، حدثهم فلم يكذبهم، عامَلَهم فلم يظلمهم، وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوَّتُه، وحَرُمت غيبته، فإذا ظلمهم أو كذب عليهم أو أخلف وعده معهم فقد سقطت عدالته، هذا الإنسان لا يؤخذ منه شيئاً، صار كاذباً.
أما هناك أشياء كثيرة ذكرتها كثيراً، لو فعل الإنسان أحدها جُرِحت عدالته، أي روايته غير صادقة، مَن أكل في الطريق، مَن بال في الطريق، مَن مشى حافياً، من قاد برزوناً، أي بغلاً أو كلباً عقوراً خوّف الناس فيه، من أطلق لفرسه العِنان، أسرع في قيادة السيارة يفقد عدالته، تُجْرَح عدالته، من تنزّه في الطرقات تُجرح عدالته، من أكل لقمة من حرام تُجرح عدالته، من طفف بتمرة، وزن وخفّف الوزن مقدارَ تمرةٍ تُجرح عدالته، مَن علا صياحه في البيت حتى يسمعه مَن في الطريق تُجرح عدالته، من صَحِب الأراذل تُجرح عدالته، من كان حديثه عن النساء تُجرح عدالته، ثلاث وثلاثون نقطة، إذا فعل المسلم أحدها جُرِحت عدالته، فأصبحتْ روايته غير صادقة ولا تُقبل، شهادته غير صادقة، ويوجد عندنا صفة ثالثة غير متهم.
ذكر مثال على صفة الراوي غير المتهم:
حدثني رجل صالح جداً مِن المؤمنين الطيبين الطاهرين، يسكن في بيت، وطلب أصحاب البيت منه بيتَهم، ليس بإمكانه أن يخرج منه، رفع الأجرة مرة، مرتين، ثلاثاً إلى أن بلغت الأجرة نصف راتبه، فأصحاب البيت اتفقوا مع أحد المحامين على تلفيق تهمة لهذا الرجل بالإفساد الأخلاقي، وفي قانون الإيجار هذه التهمة تُخلي المستأجر، فأقيمت عليه دعوى أنه كان يكشف عورته أمام جارته، والرجل كان يغض بصره عن محارم الله، ولا ينظر إلى امرأة في الطريق، هكذا إيمانه، فلما رُفِعت القضية إلى القاضي، طلب القاضي شاهداً، فالشاهد بنت صاحبة البيت، هذه متهمة بأنها تشهد لصالح أمها، هذه معروفة في القضاء، الأصول والفروع لا تُقبل شهادتهم، فلما جاءت بشاهدة ثانية، وهي طالبة تسكن عندهم، طالبة جامعية، وعرفت أن هناك تلفيقاً قالت: أنا أشهد معكم، فلما كان يوم الدعوى طلبها القاضي، فقالت: إنني أعرف هذا الرجل من سنوات عدة، إنه إذا لَمَحَنِي عن بُعْدِ خمسين متراً غضَّ بصره عني، فسقطت الدعوى، قد يكون شاهد له مصلحة يكذب لمصلحة أبيه أو أخيه، فهنا عندنا عدالة وضبط وغير اتهام ألا يكون له مصلحة بالشهادة، لو أنه شهد بهذه الطريقة لكان لصالح أخيه أو أبيه أو زوجته.
شروط صحة الخبر وصدق الخبر والاحتياطات العدالة وهي ألا يُعْهد على الراوي الكذب والمعصية، وكلكم يذكر القصة الشهيرة أن أحد رواة الحديث جاء من المدينة إلى البصرى ليُتابع أحد الرواة، فلما رآه يضع ثوبه هكذا موهماً فرسه أن فيه علفاً، فلما جاء الفرس إليه ليس في الثوب شيء، لم يكلمه وعاد إلى المدينة، مثل هذا الرجل لا يُقبل منه الحديث، لأنه دلّس على فرسه، مجروحة عدالته، إذا شخص مؤمن وعدالته صحيحة لو أكلت شطيرة في الطريق جُرحت عدالتك، شيء دقيق، معنى ذلك أن المسلم إنسان عظيم، المسلم مظنة صلاح، المسلم داعية إلى الله عز وجل.
الآن هناك ست مراتب في الأخبار الصحيحة؛ المرتبة الأولى: أن تنقل عن الوحي، ولا يجوز أن ينقل عن الوحي إلا النبي حصراً، لا يوجد غير النبي أُوحِي إليه، من أنت؟ لا ينقل عن الوحي إلا النبي والنبي مؤيّد بالمعجزة، معصوم عن الكذب، انتهى الأمر، هذه أول مرتبة.
المرتبة الثانية: أن تنقل عن الرسول، عقيدة أو أصلاً في الدين أو سورة في القرآن، وهذا لا يصح إلا بالتواتر اللفظي أو المعنوي، عقيدة يُكفَّر جاحدها، لا تصح إلا بالتواتر اللفظي أو المعنوي، تُكفّر إنساناً بخبر آحاد لا يجوز، لا يُكفّر جاحد عقيدة ما إلا إذا ثبتت بالتواتر اللفظي، هذه المرتبة الثانية.
المرتبة الثالثة: الاتهام بالزنا، لا يصح إلا بأربعة شهود، قيل: قَذْفُ مُحْصَنَةٍ يَهْدِمُ عَمَلَ مَائَةِ سَنَةٍ.
ويبدو أن طبيعة النفوس ميَّالة إلى تصديق أخبار الزنا، لأنها ميَّالة إلى تصديق أخبار الزنا، ولأن في أخبار الزنا فضيحة كبيرة جداً، وتحطيماً لمعنويات الإنسان لذلك قيل: قَذْفُ مُحْصَنَةٍ يَهْدِمُ عَمَلَ مَائَةِ سَنَةٍ، والله سبحانه وتعالى ما قَبِل إلا أربعة شهداء:
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)﴾
حتى تُروَى قصة، والله أعلم بصحتها، لكن لها مغزى، أن مغسلة كانت تُغَسل ميتة، وقد اتهمتها بالزنا في قلبها، وفي أثناء التغسيل التصقت يدها بجسم الميتة، ولم تجدِ أية محاولة في رفعها عنها، حتى خُيّر أهل الميت بين قطع قطعة من جسد الميتة كي تنزع يدها أو قطع يد المرأة، إلى أن رُفِع الأمر إلى الإمام مالك وهو من أكابر التابعين، كان يقال: لا يُفتى ومالك في المدينة، فقال: هذه المرأة ربما اتهمت الميتة بالزنا فاجلدوها ثمانين جلدة، مع الضربة الثمانين رُفِعَت اليد عن جسدها، أي هذه إذا اتهمت إنساناً في قلبك، في القلب، لذلك: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ إذا شخص هزّ قميصه الله لا ينجيه من العقاب، إذا تكلم القصة ثم قال: الله أعلم يا أخي وهزّ قميصه ما انتهت القضية، يجب أن يُقَام عليه حد البهتان: ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ .
4- إثبات الحقوق بين الناس:
المرتبة الرابعة: الحقوق بين الناس، سند، دين، قضية، بيع بيت يلزمه شاهدا عدل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)﴾
إذاً صار عندنا نقل الوحي من اختصاص الأنبياء المؤيدين بالمعجزة المعصومين عن الكذب، نقل أقوال الأنبياء فيما يتعلق بالمعتقدات والأصول تحتاج إلى تواتر لفظي ومعنوي، إثبات تهمة الزنا أربعة شهداء، إثبات الحقوق بين الناس هذه تحتاج إلى شاهدين، سند، بيع، شراء، حقوق، وصية، إرث، شاهدان، في الأمور العادية جداً شاهد واحد.
قال: إنه حدث زلزال ومات فيه خمسة وثلاثين ألف شخص، أنت سمعت الخبر؟ نعم أنا سمعته بأذني، إذًا الخبر صحيح، إن كانوا خمسة وثلاثين أو أربعة وثلاثين لا يوجد حقوق هنا في النصف، يكفي شاهد واحد، أخي أنت سمعت؟ نعم، انتهى أنا سمعت، في الأمور غير العادية، أخبار جغرافية، كسوف، شروق مثلاً، زلزال، ضحايا، كارثة، نقل خبر، أخي أنت قرأت أنهم سيسمحون بالاستيراد؟ نعم، أنا قرأت بنفسي، هذا الخبر يكفي فيه شاهدٌ واحد، إذا كان شيء ليس له علاقة بالحقوق واحد.
أما يوجد حالة سادسة مِن أغرب الحالات، أحياناً يكون هؤلاء السائقون يركبون سياراتهم، السائق الزميل يؤشِّر له بتألقِ بالمصباح، انتبه هناك دورية في الأمام، يُصدقه رأساً، أخي أنت عندك عدالة وضبط؟ لا يوجد حاجة لذلك أبداً، إذا كانت القضية تمس مصلحة إنسان من دون تحقق ليكن كاذباً على كل حال خذ احتياطك أنت، أحياناً يأتي خبر أن هذه الطائرة فيها قنبلة يوقفون الرحلة كلها، خبر بالهاتف من دون تحقق، إذا كانت القضية لها علاقة بمصلحة الإنسان ما من حاجة ليتحقق أبداً، أي خبر لو كان من كاذب نصدقه ونأخذ احتياطاً.
صار عندنا ست مراتب، النقل عن الوحي يحتاج إلى نبوة وعصمة ومعجزة، والنقل عن النبي يحتاج إلى تواتر لفظي او معنوي، والاتهام بالزنا أربعة شهداء، والحقوق؛ بيع، شراء، سند، دين، قرض، وصية، شاهدان، والأخبار العادية تحتاج إلى شاهد واحد متّسم بالعدالة والضبط، وغير متهم.
أما إذا كان الأمر متعلقاً بمصلحة ما فأي إشارة ومضة من ضوء يأخذ الإنسان احتياطه، اعتبره خبراً وصدّقه وليس محتاجاً أن يسأل صاحبه عن كون الخبر صحيحاً وأنت عدل وضبط لا يوجد حاجة، إذا القضية متعلقة بمصلحة، يكفي أي إشارة الإنسان يأخذ احتياطه، هذه المراتب الستة التي يمكن أن تكون مُرتبة بحسب أهميتها.
صار عندنا اليوم ثلاثة مسالك للعقيدة الصحيحة؛ أول مسلك: اليقين الحسي، المسلك الثاني: اليقين الاستدلالي، المسلك الثالث: الخبر الصادق، وأخذنا التفصيلات كلها، شروط صحة الخبر: أن يرويه العدل الإنسان المتصف بالعدالة والضبط وغير متهم، وصحة الأخبار مسلسلة على ست مراتب أيضاً أخذناها، ثم أول درجة في الخبر الصادق القرآنُ الكريم، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم المتواتر، وما رواه الجمع عن الجمع، هذا كله متعلق بالعقيدة، بقي علينا مسلك رابع وأخيراً، مسلك رابع وخامس، الرابع هو الإضاءة الفطرية والإشراق الروحي، هذا مسلك مهم جداً لكن له شروط، إذا كان بدون شروط صار هناك شطحات تسبب خللاً في الدين، أما إذا كان هناك شروط صعبة توافرت فهو مسلك رابع، يقول لك: أنا شعرت، أدركت، أشرق بنفسي هذا المعنى، هذا صحيح لكن ليس لكل الناس، هذا للدرس القادم إن شاء الله تعالى.
الملف مدقق