- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠1العقيدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
السبب الرئيسي في شقاء الإنسان في الوسيلة التي اختارها لسعادته:
أيها الأخوة, هنالك موضوع عن أعظم مطالب الإنسان في الحياة، لو سألت أيَّ رجل على وجه الأرض كائناً من كان، مِن أي عرق، ومن أي جنس، ومن أي قوم، ومن أية ملّة، ومن أية نحلة، ومن أي دين، عن هدفه في هذه الحياة لقال لك: أنْ أسعد فيها، هذا الجواب الجامع المانع المشترك بين جميع البشر على اختلاف أنواعهم، وألوانهم، وأجناسهم، ومِلَلهم، ونِحَلهم، فمِن أين يأتي الخطأ ؟ إذاً ما دام الهدف واحداً، لماذا في الحياة أناس يَشْقَوْن ؟ ولماذا في الحياة أناس معذَّبون ؟ ولماذا في الحياة أناس هالكون ؟ ما دام هدفهم جميعاً هو السعادة، الجواب عن هذا السؤال: إنهم أخطؤوا في تصور الوسيلة التي تُفضي إلى هذه السعادة.
نموذج من البشر الذين أخطؤوا في اختيار الوسيلة:
بعض الناس رأى السعادة كلها في جمع المال, وكسب المال غير جمع المال, لأنَّ المال كما قال الله عز وجل: قوام الحياة، جعله الله لنا قياماً، فكسبُ المال من أجل أن ينفق على نفسه وعلى عياله، وأن يتقرب به إلى ربه، وأن يصون به أهله من التطلع إلى غيره، هذا هو كسب المال، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
((مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا))
يتوهم أو يتصور الإنسان أن سعادته في جمع المال فيسعى إلى جمعه ليلاً و نهاراً، سراً وعلانية في كل أوقاته، و خواطره، وهواجسه، ومشاعره، و طاقاته، وجهده، و إمكاناته، وتفكيره, وساحة نفسه ليس فيها إلا المال, وتأتيه المتاعب، والهموم، والأزمات إلى أن يكتشف في وقت متأخر وبعد فوات الأوان أن المال شيء لكنه ليس كل شيء، بل ربما كان جمع المال سبباً للشقاء في الدنيا والآخرة، وعلى هذه الحقيقة ألف قصة وقصة تعرفونها جميعاً, هذا يصاب بمرض عضال، وهذا بأزمة قلبية، وهذا يقول لك: إن الدنيا أطبقت عليّ، وكاد قلبي ينفطر من شدة الألم، وله محضر ثمنه ستون مليوناً أُخذ منه، كل ذلك بسبب تصوره الخاطئ.
متى يكتشف الإنسان خطيئته ؟
أيها الأخوة, أنا أخشى أن يكتشف أحدكم هذه الحقيقة في وقت متأخر، لو ملكت مال قارون لم يسعدك إلا أن يشاء الله أن يسعدك، و قد تخيم على بيت سعادة لو يعلمها الأغنياء لَتَخَلَّوا عن ثرواتهم كلها، ليكونوا في مصاف هذا الذي أسعده الله.
قد يتوهم الإنسان أن السعادة في أن يكون له مركز مرموق، وهذا إما أن يحصِّله بالقوة أو بالعلم، فيسعى لنيل أعلى الشهادات لا لشيء إلا لتدغدغ نفسه كلمة دكتور مثلاً، وقد يسعى لمرتبة عالية كي يشعر أنه فوق الناس، ويتوهم أنه إذا نال هذه الشهادة العليا، وكتبها على مدخل بيته, ورحب الناس بها, ونظروا إليه نظرة إكبار، وتبجيل، وتعظيم روّى عن نفسه في حب العظمة، لكنه يكتشف بعد فوات الأوان وفي خريف العمر أن الوجاهة زائلة وليست كل شيء، بل ربما كان سعيه لهذه الوجاهة سبباً لشقاوته، وكلمة " آه " يتلفظ بها الإنسان في خريف العمر وكأن نفسه تذوب فيها لقد عرف ولكن بعد فوات الأوان، وقد يتوهم الإنسان السعادة في اقتناص الملذات من نادٍ ليلي إلى نادٍ ليلي آخر، ومن سهرة حمراء إلى سهرة خضراء، و من مكان إلى آخر، ومن فندق إلى فندق، ومن بلد إلى بلد، أموال طائلة وشباب وفير، فها هو ذا ينفق أمواله على ملذاته، ما قولكم ؟ إن هذا الذي يسعى للذاته قد ينتحر في ربيع العمر، الآن يكشف الإنسان إذا تبع لذته صار حقيراً، وبذيئاً، و تافهاً، و هامشيّاً بل نوعاً من الحيوان، وقد كشفت بعض الدول التي قطعت مراحل طويلة في التصنيع وفي إحلال العلم محل الإنسان أن أثمن ما في الحياة هو الإنسان، وأننا من أجل أن نحقق بعض الأهداف الحضارية نضحي به، فإذا ضحينا به ضحينا بكل شيء، وهناك شعوب وأمم وأناس لا يعرفون شيئاً فهم كالآلات، يعملون ليأكلوا في مشارق الأرض ومغاربها، إنهم أناس ليس بينهم وبين البهائم فرق أبداً، لا يعرفون إلا العمل المضني، واقتناص اللذائذ كالبهائم، والاستمتاع بالطعام والشراب لا قيم، ولا فكر، ولا مبدأ، ولا هدف، أموات غير أحياء:
﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾
أقول لكم كلاماً واضحاً كالشمس: ما من مخلوق على وجه الأرض إلا ويسعى لسعادته ولكن الخطأ الفاحش الكبير الفادح يتأتّى من سوء تصور الوسيلة المفضية إلى هذه السعادة، إذا توهمتها في المال فأنت مخطئ، إذا توهمتها في القوة والعز والسلطان فأنت مخطئ، وإذا توهمتها في اقتناص الملذات في الفن وفي السياحة فأنت مخطئ، وهذا الخطأ خطأ مصيري لا يصحح بعد فوات الأوان و لا يعدَّل ولا يتلافى، إنه خطأ مدمر يسبب شقاوةً إلى الأبد.
لماذا المؤمن لم يتعثر في اختيار الطريق ؟
أما المؤمن فليس كغيره من بني البشر، يسعى لهذه السعادة، و عرف الطريق الصحيح الموصل إليها، عرفها في معرفة الله، وفي طاعته، وفي القرب منه، ولذلك خط المؤمن البياني في صعود دائم أبداً بعد أن عرف الله فهو ينتقل مِن خير إلى خير، ومن سعادة إلى سعادة أكبر، ومن عقل إلى عقل، و من رفعة إلى رفعة، ومن طمأنينة إلى أمن، ولو جاء الموت يتابع خطه البياني في الصعود، لأنه تعرّف إلى الأبدي السرمدي، الحي الذي لا يموت، الذي سيكون معه إلى أبد الآبدين، تعرّف إلى الذات الكاملة، إلى من بيده ملكوت كل شيء كان الله ولم يكن معه شيء:
﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾
خط الإيمان:
1- الفرق بين المؤمن وغيره في الحياة:
هذا المؤمن الذي سعد بربه قد يفتقر إلى المال، وقد يكون دخله لا يكفيه إلى آخر الشهر، ومع ذلك فهو أسعد السعداء، وقد تكون في جسده علة مَرَضية مزمنة، أو يكون ذا شأن يسير فلا أحد يعرفه، أو تكون حياته خشنة، ومع ذلك فهو مِن أسعد السعداء، ما هذه المفارقة ؟ تملك المال، و القوة، وعز الدنيا، وتُمضي العمر كله في اللذائذ وتشقى، هذا هو سر الإيمان، إنه السر العظيم.
" ابن أدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتَّك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء "
2- لن تسعد إلا بمعرفة الله عن طريق دينه:
لن يتحقق مطلبكم جميعاً في الدنيا والآخرة إلا عن طريق الدين، لن يتحقق مطلبكم الأسمى وهو أن تسعدوا في الدنيا والآخرة إلا عن طريق معرفة الله عز وجل و التقرب إليه، وخدمة خلقه ومحبته، والتضحية بكل نفس ونفيس، وغال ورخيص، من أجل هذا القرب وهذا ملخص الدين، أي أن الله سبحانه وتعالى هو الحقيقة الكبرى في الكون ولا حقيقة سواها:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
وأي شيء يقربك من الله فهو الحق، وأي شيء يبعدك عن الله فهو باطل، والباطل له معنى آخر فأي شيء استهلك وقتك، ومنعك أن تكون مع الله في هذا الوقت فهو باطل، فهذا الذي يجلس ويلعب النرد مع أصدقائه من أجل التسلية فهذا باطل، لأن الإنسان مخلوق لهدف ثمين، وها أنت ذا تستهلك الوقت في هدف تافهٍ لا جدوى منه.
﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾
كيف يفكر الإنسان ؟
1- عن طريق المصورة:
من أجل أن يبلغ هذا المطلب لا بد من التعرّف على طبيعة تحركه في الدنيا، وما الذي يؤثر في تحركاته ؟ فالموضوع الآن يتسم بطابع علمي نشترك فيه، وسوف نأخذ منه بعض اللمسات، فنحن في حياتنا اليومية عندنا بصر، وسمع، وذوق، و شم، و إحساس بالحرارة والبرودة، وإحساس بالنعومة والخشونة والضغط بالجلد، فسمعُنا، وبصرُنا، وذوقُنا، وشمُّنا، وجلدنا ينقل لنا أحاسيس العالم الخارجي، والإنسان ينطوي على نفسه التي تفرح، وتحزن، وتغضب، وتحب، وتبغض، وتخاف، وتتألم، وتتشوق، وتكره، فهناك مشاعر داخلية وأحاسيس خارجية وكلها تنتقل إلى مركز في الدماغ, تستطيع أن تسميه " مركز الإدراك " والعلماء القدامى سموه " المصورة " أي مكان تجميع الصور، فعندنا صور بصرية، و شمِّية، وسمعية، وداخلية، وذوقية، فهذا المركز يتلقى صوراً خارجية وداخلية واسمه المصورة.
2- الخيال:
المصورة: مركز تجميع معلومات إن صح التعبير هذا المركز يرسل إلى مركز آخر وهو مركز التخيل، فالذي اخترع الطائرة، أو السيارة، أو كشف الكهرباء، أو هذه المخترعات، استعان بمصورته أو بمركز الإدراك وألّف من هذه التي يعرفها شيئاً جديداً فهذا هو التخيل، فكيف يتخيل الإنسان ؟ يأخذ من معلوماته، ومبصراته، و مسموعاته، و أذواقه، وأحاسيسه، ومشاعره الداخلية شيئاً جديداً وليس كلياً لكن مواده الأولية قديمة و شكله جديد، فهذه المصورة أو مركز الإدراك بالتعريف الحديث يُعَدُّ مركز التخيل بالمواد الأولية.
فالمهندس عندما يرسم بناء يعمل في هذا الرسم عن طريق مركز المخيلة، وما من إنسان يبدع، فالشاعر الذي ينظم الشعر يأخذه من مركز المخيلة، فالخيال الخلاق يسمى شعرياً، أو فنياً، أو علمياً، أو فلسفياً، فهو أنواع يعتمد على المعلومات، والصور، والأحاسيس التي يتلقاها الإنسان من محيطه الخارجي والداخلي، وهذه الصور النفسية والحسية تخزّن أيضاً في الذاكرة.
3- التفكير:
هناك مركز في الدماغ هو الذاكرة، وقد تحدثنا في مناسبات عدة عنها، وأنها تحتوي على مليون مليار معلومة، فهذه المدركات، أو هذه الصور، أو هذه المصورة، تنتقل إلى مركز آخر اسمه مركز البحث العلمي أو يسمونه التفكير.
سمعت قصة فتفكر فيها هل هي صحيحة ؟ وهل عندك مقاييس فتقيسها ببعض هذه المقاييس إما بمقاييس قرآنية، أو عقلية، أو واقعية ؟ على كلٍ إذا سمعت قصة، أو شاهدت مشهداً، أو رأيت ساحراً أمسك بسكين ووضعها في بطنه، فهذه صور نقلت إلى مركز البحث العلمي، فتقول مثلاً: إن نَصْلَ السكين يدخل في مقبضها فقد تكون حيلة، فالتفكير عملية تحليل وتركيب وقياس وتمحيص وتدقيق، ودراسة المقدمات والنتائج، فمركز البحث العلمي يتناول هذه الصور وهذه المشاعر فيحللها ويركبها.
عملية تحليل البحث العلمي عن طريق التفكير:
يصنف البحث العلمي الأشياء إلى أربعة أصناف: فأول صنف وَهْمٌ والوهم لا أساس له من الصحة، فهناك دواء إذا مات رجل وشربه يحيا، نقول له: هذا خلط، فالمركز العلمي يرفض هذه الفكرة، لأن رفض هذا المبدأ، وهناك دواء يطيل العمر فهذا غير صحيح، فمركز البحث العلمي يصنف الأشياء تصنيفاً آخر على مستوى للشك، إذا كان برهان الإثبات في مستوى برهان النفي فهو شيء يُحيّر، وهذه القصة من جهة صحيحة ومن جهة غير صحيحة، فهذه توضيح في تصنيف الشك، فالشك يعاد النظر فيها إذا تخزن في الذاكرة ريثما يتم التحقق منها، ولدينا قسم ينتقل إلى غلبة الظن إنه صحيح، ولدينا قسم رابع خطير جداً إنه قسم اليقين.
فالبحث العلمي أو مركز التفكير يصنف كل الصور، والمشاعر، والمشاهدات، والمسموعات، والمبصرات، والقصص، والأفكار، وكل شيء يصنفه على أنه وهْم، أو شك، أو غلبة الظن، أو اليقين، فاليقين قطعي، وغلبة الظن أمر قريب من القطعي، والشك يخزّن ريثما يثبت فيه إذ يتساوى نقصه مع ثباته و الوهم يلغى، ومركز البحث العلمي يزوّد الذاكرة بنتائج بحوثه.
التحصيل الحاصل من عملية التفكير هو الوصول إلى نتائج حتمية بأن العقل السليم لا يتعارض مع الدين:
فمركز اليقين الذي توصلت إليه عملية التفكير ينطبق على الشرائع السماوية تماما هذا هو الحق الصحيح، هناك تطابق بين العلم وبين الدين الذي جاء من السماء من خالق الكون، ينطبق مع النتائج التي توصل إليها العقل عن طريق منهجه الصحيح، لذلك لابد من تطابق العلم والدين، وما عُهِدَ أن في كتاب الله حقيقة تُناقض حقيقة علمية، وما عُهِدَ في العلم الصحيح أن فيه شيئاً يُناقض كتاب الله وهنا حصل لقاء حتمي، بأن مقياس العقل السليم تجد تطابقه مع ما جاء في الشرع الحكيم, هذه القاعدة: " أي فكرة تقرؤها صحيحة إذا تطابقت مع آية كريمة وباطلة إذا تناقضت معها "، فلو أنك قرأت مقالاً عن الربا، وأقنعك الكاتب بأن الربا ضروري لهذا المجتمع والله عز وجل يقول:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾
فإن هذه المقالة باطلة، لأن العقل لا يمكن أن يصل إلى نتيجة تخالف الشرع الذي هو من عند خالق العقل فمستحيل ذلك، فأنا أعطيك قماشاً وأقول لك: هذه تسعة أمتار، ثم أعطيك مقياساً وأقول لك: قِسها بهذا المقياس فإذا هي ثمانية أمتار، فأنا أعطي مقياساً ينقض كلامي، وهل يعقل بالمقياس الصحيح أن نصل إلى شيء مخالف لكتاب الله فهذا مستحيل ؟
وظيفة اليقينيات والظنيات في العقل:
الآن مركز اليقين ينقلب بعد الرضا والتسليم وبعد الطمأنينة القلبية إلى عقيدة راسخة في المسموعات، والمبصرات، والمشمومات، والمشاعر الداخلية إلى مركز الإدراك، ومن مركز الإدراك إلى الذاكرة, وإلى المخيلة، وإلى مركز البحث العلمي، وإلى مركز التنسيق، أخرجنا المعلومات من موادها الأولية إلى وهم رفضناه، وإلى شك أوقفناه، وإلى غلبة ظن اعتقدنا بها، وإلى يقين آمنا به، أما الشك فلابد أن يُصنّف إما مع غلبة الظن أو مع الوهم، بقي شيئان: شيء جازم يقيني، وشيء يغلب عليه الظن، فالجازم هو العقيدة والذي يغلب عليه الظن ينقلب إلى إرادة وهو الذي يوجه الإرادة، والإرادة توجه السلوك، فما الذي يوجه الإرادة ؟ الأشياء التي اعتقدت صحتها, والإرادة توجه ماذا ؟ السلوك، فلماذا أطلق بصره في الحرام ؟ لأنه اعتقد خطأ أن هذا الشيء لا قيمة له، ولماذا غضَّ فلان بصره ؟ لأن هذه الحقيقة انتقلت إلى مركز الظن، واليقين نُقل إلى الإرادة، والإرادة وجهت السلوك، فإذا هو يغض بصره، لماذا يمتنع هذا الإنسان عن أكل مال الحرام ؟ لأنه بمجمل بحثه العلمي وصل إلى أن هذا يغضب الله، وفي غضب الله خسارة كبيرة في الدنيا والآخرة، وهذا انتقل إلى مركز اليقين، واليقين إلى مركز الاعتقاد، والاعتقاد وجه الإرادة، والإرادة وجهت السلوك
دور العاطفة بأنها تحرك مشاعر الإنسان والعقل يقودها إلى المسار الصحيح:
عندنا مركز آخر يضفي على هذه المعتقدات حيوية ألا وهو مركز العواطف، فالإنسان عقل وعاطفة، بالعاطفة نغذي المعلومات ونشحنها بطاقة انفعالية، فالإنسان بالعاطفة يضاعف سلوكه، فالقناعات شيء والعواطف شيء آخر، أنت بحاجة إلى شيئين: إلى قناعة وانفعال، انفعال الحب مع الله عز وجل وهذا يضاعف طاقتك في السير إليه, الإنسان إذا وصل إلى مراتب عليا تأتي العاطفة وتزيد حماسه وتضاعف طاقاته إلى الله عز وجل، وبعد هذا كله الآن يتحدد سلوكه, كيف يكسب المال, و يحدد علاقاته مع الآخرين الخارجية والداخلية، ويحدد مسار انفعالاته و أغراضه ؟ البحث العلمي عن طريق العقل.
إذا توصلت إلى المنهج الصحيح وفق تسلسل عملية التفكير حصلت على السعادة:
كل الصحة، والسلامة، والسعادة بعد أن مرت الأمور بهذا الطريق, وربما لا يكون هذا المكان ملائماً للتعمق فيه، ولكن أخذ القليل خير من ترك الكثير، فأنت سعيد بقدر ما تسلك المعلومات المسار الصحيح، رسّخ في بالك هذه الفكرة المعلومات إذا سارت وفق المنهج الصحيح, من الحواس إلى المصورة، إلى المخيلة، إلى الذاكرة، إلى مركز البحث العلمي، إلى مركز التنسيق العلمي، إلى اليقينيات، إلى غلبة الظن، إلى الإرادة، إلى السلوك، إذًا أنت في طريق الجنة تَسَعَد و تُسعد.
ينبغي على المسلم أن يكون حذراً من تلقي المعلومات الخاطئة من دون تمحيص لأن ذلك يشل معتقداته:
رجائي ألاّ تسمحوا لمراكز الدماغ أن تأتيها معلومات مغلوطة، أو أن تعطلّوا مركز البحث العلمي أو مركز التفكير، أو أن تحلّوا عقيدة في محل اليقين وهي عقيدة خرافية، فأحدهم سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يدع أمته تدخل النار هكذا ببساطة وسذاجة، فالشفاعة لها معنى قيّم ومعنى سامٍ، أما على معناها الساذج للشفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يدع أحداً من أمته يدخل النار ويصر على الله عز وجل بأنه لا يدخل الجنة إلا إذا دخلت أمته معه، هذه إذا اعتقد بها الإنسان اعتقادًا راسخاً، ووضعها مكان اليقينيات فلن يعمل شيئاً أبداً، يأكل المال الحرام، وينظر إلى النساء, ويقول: نحن أمة محمد المرحومة، اللهم صلِ على سيدنا محمد، ويصلي هذا عليه زوراً، من أجل أن يمنِّيَ نفسه بأنه لن يدخل إلى النار، إذا اعتقدت أنك ليس لك اختيار، شقي شقي، سعيد سعيد، فالفكرة إذا وضعها مكان اليقينيات، وحركت سلوكه سوف يخرب بيته، ويمشي في طريق الضلال.
كيف تصحح المعلومات المغلوطة ؟
فمركز اليقين بضاعته اليقينيات، فإذا كان هناك خرافات في هذا المركز فما الذي يحصل ؟ يحدث خلل في السلوك، فالله عز وجل وهبنا أثمن شيء في الكون وهو الفكر، وقد قرأت في كتاب أنه إذا خلق الله عز وجل الإنسان شقياً من الأزل، وكتب عليه أن يكون شقياً، فسيأتي إلى الدنيا فلو أطاع الله انقلب علم الله جهلاً، إذًا يجب أن يبقى عاصياً، هكذا شاء الله له، ثم يموت كافراً، ويستحق الخلود في النار وهذا محض العدل لماذا ؟ لأن الله عز وجل لا أحد يسأله، فإذا انتفت المسؤولية فهل ينقلب الظلم عدلاً، الله أعطاك مركز بحث علمي، و مركز تفكير حر، فلا تقبل قصة غير صحيحة قسها بمقياس القرآن.
قرأت مقالة تزعم أن مهمة النحل الأولى ليست إنتاج العسل بل تلقيح الأزهار وإنتاج العسل شيء ثانوي، فقبلت هذه الفكرة إلى أن قرأت قوله تعالى:
﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
يخرج منه شراب أي الأصل إنتاج العسل، والقرآن مقياس دقيق جداً في البيع والشراء، و الزواج والطلاق وفي كل شيء، فعندما يسمح الإنسان لمراكز عقيدته أن يدخل إليها خرافات، وأشياء باطلة، وأفكار غير صحيحة، وقد يقال لك: إذا نظرت فلا إثم عليك لأنك متزوج ومحصن، وإذا شاهدت الجمال فقل: سبحان الله تزدد قرباً من الله, إنها أفكار تسير بك في طريق الهاوية، فلذلك يجب أن يمحص الإنسان عقيدته والخطأ في السلوك سهل لأن الإصلاح سهل، أما الخطأ في العقيدة فمدمر، لأن صاحبه لا يفكر في إصلاح خطئه، ويظن أنه على حق وهو على باطل, فهذا الذي سوف نتابعه إن شاء الله في درس قادم.