- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم.
المذيع:
دكتورنا، مستمعينا الكرام حديثنا عن الأمانة، حينما نتذكر ما كان يوصف به عليه الصلاة والسلام حتى قبل البعثة الصادق الأمين، وحينما نتحدث عن الفتاة التي وصفت سيدنا موسى بأنه القوي الأمين، نتحدث عن الأمانة عن هذا السلوك الذي كان محبباً إلى الله و إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مدعاة لأن نكون من أهله في هذه الدنيا، لماذا الأمانة؟
الأمانة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين.
بادئ ذي بدء هناك معنى ضيق وهناك معنى واسع، فإذا قلنا سيارة بالمعنى الضيق أي مركبة تنطلق على محرك انفجاري، يوجد غلاف معدني ومقاعد ومقود وعجلات وبنزين وطريق، فكلمة مركبة أو سيارة بالمعنى الضيق هذا مفهومها، بالمعنى الواسع، قال تعالى:
﴿ يا وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ ﴾

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾
إن هنا ما، أي ما من شيء إلا يسبح، أية ذرة في الكون تسبح بحمد الله ولكن هذا التسبيح نحن لا نفهمه، لكن الله أخبرنا به، إذاً المخلوقات كلها جمعت في عالم الأزل والله عرض عليها الأمانة، أي أن تدير ذاتها، نفس الإنسان أمانة فإذا سلمه الله إدارتها فكان الجواب قال تعالى:﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
الأمانة بالمعنى الواسع شيء خطير جداً، أي أنت أيها الإنسان المخلوق الذي اخترته في عالم الأزل أن تقبل حمل الأمانة، فإذا حملتها ونجحت كنت أعلى مخلوق في الكون، رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، قال تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
أي خير ما برأ الله، قال تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾
فالإنسان بالأمانة يفوق الملائكة ويسقط أحقر حيوان، لا يوجد حل وسط، الله عز وجل أعطى كل مخلوق ما يريد، لكن عرض عرضاً متميزاً تماماً كما لو أن أباً عنده عشرة أولاد، أي ابن له عندي عشرة آلاف دينار بالشهر، وسيارة، وبيت، وزوجة، أما الذي يحصل على دكتوراه من أمريكا فأعطيه نصف المعمل، هذا عطاء استثنائي، فلأنك من بني البشر، ولأني من بني البشر نحن في عالم الأزل قبلنا حمل الأمانة، فلما قبلنا حمل الأمانة قال تعالى:﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

المذيع:
وإذا أدى الإنسان المهمة كاملة يكون قد أدى الأمانة..
الدكتور راتب :
حقق الهدف الذي خلق من أجله، وكان عند الله فالحاً.
المذيع:
لماذا حينما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين، لماذا كانت الأمانة من الصفات التي خص بها النبي رغم أن هناك صفات كثيرة طيبة للنبي؟
ارتباط القوة و الأمانة بالكرامة :
الدكتور راتب :
أحياناً تقول: لؤم، هذه صفة خسيسة بالإنسان، لكن اللئيم كذاب، اللئيم منافق، اللئيم وصولي، اللئيم عنده معياران، ممكن تستنبط من اللؤم مئة صفة، هذه كلها لؤم كلمة جامعة مانعة، فلان كريم، معدن ذهب، صديق كريم، علاقة نظيفة، كريمة، طاهرة، أيضاً كلمة كريم واسعة، الله عز وجل قال:
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
القوة والأمانة متعلقة بالكرامة.المذيع:
ما المقصود بالأمين بهذه الآية؟
الأمين هو من يحافظ على أداء العهود :
الدكتور راتب :
أنت عندما تكلف موظفاً بعمل، وأنت خارج المحل جاء زبون، وهذا الموظف يدير حديثاً مع صديقة له، قال لها: أختي لا يوجد عندنا هذه المادة، وهي موجودة، أنت لا يهمك الربح، أنت ما كنت أميناً، أنا أذكر إنساناً جاء لعند شيخ في الشام من العلماء الصادقين، قال له: أنا شاب لا يوجد عندي إمكان لأتزوج، ولا أسكن في بيت، ولا أشتري بيتاً، ولا أستأجر بيتاً، ماذا أفعل؟ قال له: اتق الله، قال له : هذا الكلام أين يصرف؟ قال له: هذا الذي عندي، أنا أقول لك تتقي
الله فقط، قال له بوقاحة: أين تصرف هذه الكلمة؟
هذا الشاب بعد يومين فكر بكلمة الشيخ، اتق الله، فبدأ يعتني بالزبائن، تأتي الزبونة يهتم بشأنها، يقنعها، يبيعها، صاحب المحل خلال فترة وجد الغلة تضاعفت، لم يكن هذا الوضع، هناك تطور نوعي، فأحب هذا الشاب وعرض عليه أن يزوجه ابنته، هذا الشاب تصور وتوهم أن البنت فيها علة كبيرة حتى عرضها عليه، فلما أرسل أمه لتراها وجدتها رائعة الجمال، جمال وكمال وثقافة وعلم فتزوجها، وصار شريك صاحب المحل، هذه الآية:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
عرف معنى كلمة الشيخ اتق الله، التقوى شيء كبيرة جداً، فأنت حينما تصطلح مع الله ترى النتائج صارخة كالشمس، إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله.المذيع:
كلمة الأمين في الآية هو الذي يحافظ على أداء العهود..
الدكتور راتب :
إن حدثكَ فهو صادق، أي حديث، وإن عاملك أي معاملة تجارية خيرية نفعية فهو أمين، وإن استثيرت شهوتهُ فهو عفيف..
سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام، فقال:
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه...))
إن حدثكَ فهو صادق، وإن عاملتهُ فهو أمين، وأن استثيرت شهوتهُ فهو عفيف، وفوق ذلك تاج يتوج، وهو ذو نسب.النسب مع المعصية لا قيمة له :
النسب أنا أقول للأخوة المستمعين والمشاهدين لا قيمة له إطلاقاً مع المعصية، لذلك:
(( نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه))
سلمان منا آل البيت، فارسي، صهيب رومي، أبو لهب عربي أصيل، قال تعالى:﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾
المذيع:أنت تقصد النسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن كان مع المعصية لا قيمة له.
الدكتور راتب :
النسب له علاقة بالاستقامة، إذا كان ذا نسب مستقيم، النسب تاج يتوج به، وإلا لا قيمة له، والدليل:
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾
عمه أبو لهب عربي قرشي هاشمي..(( نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه))
سلمان منا آل البيت، هذا الدين.المذيع:
حينما أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من صفات المنافق:
((... إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ..))
لماذا كانت خيانة الأمانة علامة للنفاق؟خيانة الأمانة علامة النفاق :
الدكتور راتب :
طبعاً الإيمان له علامات، أنا أتمنى على الأخوة المستمعين إذا قرأ القرآن الكريم، وقرأ صفات المؤمنين، هذه الصفات لها وظيفتان خطيرتان، هي هدف ومقياس، فإذا الله وصف المؤمنين بأنهم يطيعون الله ورسوله، فالطاعة هي هدف، والمقياس عند الله هو الطاعة، لذلك الإنسان حينما يرتكب المعصية يخرج عن هذه الآية قال تعالى:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
هذه العبارة متكررة جداً، لا خوف عليهم من المستقبل، لا تقلق، قال تعالى:﴿ قُل لَن يُصيبَنا إِلّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا ﴾
لنا لا علينا، والفرق كبير جداً، لن يصيبنا في المستقبل إلا ما كتب الله لنا لا تقلق، وتغطي الماضي لا خوف عليهم ولا هم يحزنون على ما فات، لذلك ورد أن سيدنا الصديق ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط، هذه العبارة تتكرر عليهم كثيراً في القرآن الكريم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون على ما فاتهم، لذلك قال تعالى:﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
فالذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى ما هو آت، ماذا بقي من السعادة؟ لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت.المذيع:
الأمانة تكون على شكل مسؤولية، فالأب راع لأبنائه وهو مؤتمن عند الله عز وجل، هل نوضح دور المسؤولية والرعاية؟
دور المسؤولية والرعاية :
الدكتور راتب :
فتاة تقف يوم القيامة تقف أمام رب العزة، تقول : يا رب، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، لأنه قصر في توجيهها، شيء مخيف جداً قضية مصيرية إذا إنسان أنجب أولاداً، المؤمن قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

يوجد كتاب قلت في مقدمته: لو بلغت منصباً أعلى منصب تتصوره، وجمعت أكبر ثروة تطمح إليها، وارتقيت إلى أعلى مرتبة تحبها، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس. كل إنسان في الأرض حريص على ثلاثة أشياء؛ على سلامته، وسعادته، واستمراره، سلامته بالاستقامة، وسعادته بالعمل الصالح، واستمراره بالحياة بأولاده، فالأولاد امتداد للأب، أما الإنسان عندما يهمل أولاده فتأتيه ساعة يصيبه من الألم ما لا يوصف، قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
المذيع:كيف يفرق صاحب الأمانة بين صلاحياته ورغباته؟ مثلاً أب يريد أن يمنع شيئاً عن أولاده، هل هذه رغبته وهو لا يريد لا تتوافق مع مزاجه أم هذا دوره أن يكون مربياً؟ كيف لي أن أكون مربياً دون أن أكون متجبراً في من أحكمهم؟
الفطرة و الطبع :
الدكتور راتب :
أنا عندي قاعدة قال تعالى:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
السبب الله عز وجل قال:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾
دقق:﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
فالإنسان عندما يتوب إلى الله يرتاح، أي هو اصطلح مع فطرته، الفطرة تتوافق مع المنهج، أي أمر أمرت به لو طبقته ترتاح، أي هذه السيارة التي هي مرسيدس موديل 2016، هي مصممة للطريق المعبد، فكل ميزاتها تكتشفها وتتمتع بها في الطريق المعبد، أما الطريق وعر والصخور تتكسر، فأنت مبرمج على الأمر والنهي، على الفطرة، الذي يخالف فطرته عنده ألم شخصي اسمه كآبة، دكتور في الجامعة من أكبر علماء النفس قال لنا: نسب الكآبة في العالم الغربي بالسنة مئة و اثنان و خمسون بالمئة، عجبنا لهذه النسبة، إما أن تقول ثلاثين أو أربعين أو تسعين أو مئة بالمئة قال: مئة معهم كآبة، واثنان وخمسون معهم كآبتان، مرض العصر هو الكآبة، ما الكآبة؟ السلوك عندما خرج عن منهج الله خرج عن فطرته، الفطرة مسعدة، قال تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
إذا أمرك بأمر هكذا برمجت عليه، نهاك عن شيء برمجت عليه، فطرك عليه، هذا موضوع.يوجد موضوع آخر، موضوع دقيق جداً، الطبع، الطبع غير الفطرة، أنت طبعت على حب المال، والتكليف أن تنفقه، طبعت على الغرق في فضائح الناس، والتكليف أن تصمت، أنت طبعت على أن تملأ عينك من محاسن المرأة، والتكليف أن تغض البصر، فمن تناقض الطبع مع التكليف كان ثمن الجنة، قال تعالى:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
فالطبع غير الفطرة، الطبع أشياء حسية مادية أنت فطرت عليها، حب المال طبع، تقصي فضائح الناس طبع، حب المرأة طبع، حب المال طبع، أنت مأمور أن تنفق المال، مأمور أن تغض البصر، مأمور أن تكف عن الخوض في مشكلات الناس، لذلك نرقى عند الله بما هو متناقض بين طبعنا وبين تكليفنا، أما الفطرة فموضوع ثان، الفطرة متوافقة مع المنهج، عندنا درجة ثالثة كبيرة جداً هي الصبغة، قال تعالى:﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾
المذيع:ما المقصود بها دكتور؟
الدكتور راتب :
الفطرة أن تحب الخير لا أن تكون خيراً، الفطرة أن تحب الاستقامة لا أن تكون مستقيماً، الفطرة ليست إيجابية بل سلبية، تحب العدل، إذا اللصوص سرقوا يقولون: اقسم بالعدل، كل السرقة خلاف الشرع لكن هذه الفطرة، الفطرة متوافقة مع الشرع، كل شيء أمرك الله به حببه إليك، وكل شيء نهاك الله عنه كرهك به، هذا أصل..
المذيع:
الطبائع مخالفة لهذا؟
الدكتور راتب :
الطبع شيء ثان، شخص أنيق هذا طبع، عنده أناقة زائدة، يسمى لبيس.
المذيع:
كل شيء حرم علينا نكرهه، لكن النفس تميل لهذه المعصية.
الصبغة هي فعل الخير دون أن ترجو ثواباً أو عقاباً :
الدكتور راتب :
هو بأصل الفطرة ثم تنطمس الفطرة، فإذا الإنسان ألف المعصية وتابعها تنطمس فطرته، أنا أتكلم على أول عمل، لا يوجد إنسان بالأرض لو لم يسمع أي كلمة توجيه في حياته إذا أحضر طعاماً للبيت وأكله لوحده وأمه جائعة يشعر بانقباض، أي إنسان لو كان ملحداً، أما الطبع طابعه مادي، الفطرة طابعها نفسي
الطبع تحب المال، أنت مأمور بإنفاقه، فإنفاق المال يتناقض مع محبتك لكنز المال، مثلاً أن تملأ عينك من محاسن المرأة هذا طبع، الله أودع فينا الشهوات الأمر أن تغض البصر، الله وضع فينا أن نخوض في مشاكل الناس، الله أمرك أن تصمت، عندنا طبع وعندنا شرع وعندنا فطرة وعندنا صبغة، الصبغة أن تفعل الخير لا ترجو منه ثواباً، ولا عقاباً، ولا درء عقاب، أن تفعل الخير لأنك عرفت الخير، هذا شيء كبير جداً، أحياناً إنسان يشاهد حادث سير، وهناك إنسان بالطريق مضطجع، والدم يسيل منه، لا يليق بالإنسان ألا يوصل الجريح إلى المستشفى، أما لو شاهد أن أحداً لم يشاهده يستمر بالسير، معنى هذا فطرته غير سليمة، أما الصبغة ففيه كمال، الصبغة أن تصطبغ بكمال الله، والله قال:
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾
المؤمن يصدق لا لأنه يرجو ثواب الصدق، لا، تجاوز هذه المرحلة، طبعه صار صادقاً، أرسلوا استبياناً لألف زوج لم لا تخون زوجتك؟ هناك جواب قال: لا أستطيع، هي معه في العمل، وهناك جواب أرقى: لا أتحمل الذنب على نفسي، والثالث أرقى شيء: لا أحب الخيانة.المذيع:
هل الخيانة الصفة التي تعاكس الأمانة.
الدكتور راتب :
شخص سافر أوصى جاره بزوجته فخان الزوج - القصة غريبة جداً - فأكله الكلب، فماذا قيل: خان صاحبه، والكلب قتله، والكلب خير منه، خيانة الأمانة شيء كبير جداً، لذلك الأمانة معناها واسع جداً، أوسع معنى للأمانة أن الله جعل نفسك عندك أمانة، فقد أفلحت إذا زكيتها، وقد خاب من دساها، الله عز وجل سلمك إدارتها، عندنا شيء اسمه: إدارة الذات.
المذيع:
طرحت فكرة عميقة النفس أمانة استودعها الله عز وجل عند الإنسان.
النفس أمانة استودعها الله عند الإنسان :
الدكتور راتب :
الله عز وجل خلق المخلوقات في مخلوق خلقه، وأودع فيه خصائص معينة، الملك خلقه آثر العقل فارتقى عند الله، والحيوان آثر الشهوة ليس مكلفاً، لا يحاسب، الدابة توضع أمام الحشيش طوال اليوم، هناك مخلوق آثر العقل، ومخلوق آثر الشهوة، والإنسان جمع فيه كلا الصفتين، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان. لا يوجد حل وسط، إما أنك فوق الملائكة، أو دون - لا سمح الله- الحيوان.
المذيع:
كيف جعل الهن النفس أمانة عندي وأثر ذلك على حياتي الواقعية؟
الإنسان هو المخلوق الأول المكلف و المكرم لأنه قبِل حمل الأمانة :
الدكتور راتب :
أنت مخلوق أولاً متميز، أنت المخلوق الأول عند الله لأنك قبِلت حمل الأمانة، كنت عنده المخلوق الأول، وأنت المخلوق المكرم، وأنت المخلوق المكلف، في عالم الأزل عرض الله على الخلائق كلها الأمانة، قال تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
فهو عند الله بهذا الخيار المخلوق الأول رتبة، لذلك سخر الله عز وجل لك ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، تسخير تعريف وتكريم، من البديهي أن المسخر له خير من المسخر، أي أنت أكرم مخلوق عند الله لأنك قبلت حمل الأمانة، لأن الذي قبل حمل الأمانة إما أن يرقى بهذا الاختيار إلى أعلى عليين، إلى فوق الملائكة، أو أن يهوي إلى أسفل سافلين.المذيع:
هل من رابط بين الأمانة والإيمان، الحروف متشابهة والدلالات على حد ما متشابهة؟
الترابط بين الإيمان و الأمانة ترابط عضوي :
الدكتور راتب :
((... لا إيمان لمن لا أمانة له..))
ترابط عضوي، أنت حينما تؤمن أن لهذا الكون إلهاً عظيماً، وأنه خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض، وأن ثمن هذه الجنة يدفع في الدنيا ويقال يوم القيامة:﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾
فأنا أقول دائماً في قوله تعالى:﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليّ مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب. هذا النجاح الحقيقي أن تعرف الله، أن تعرفه في الوقت المناسب، أنت في الدنيا أنا أقول لك كلاماً دقيقاً: معك مليون خيار رفض، هذه التجارة لم تعجبك، دخلها قليل، ولها متاعب كثيرة، هذه الفتاة التي تخطبها لم تعجبك، تدينها ضعيف، معك مليون خيار رفض إلا مع الإيمان معك خيار وقت، كيف؟ أكفر كفار الأرض الذي قال:﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
والذي قال :﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
فرعون حينما أدركه الغرق قال:﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
. فرعون نفسه آمن، لكن آمن بعد فوات الأوان، والآية تقول:﴿ يَومَ يَأتي بَعضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفسًا إيمانُها لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت في إيمانِها خَيرًا﴾
طالب لم يدرس دخل الامتحان ما قرأ قدم الورقة بيضاء، أخذ صفراً عن جدارة، رجع إلى البيت قرأ الكتاب فهمه، لكن انتهى، فهم بعد فوات الأوان، قال تعالى:﴿ يَومَ يَأتي بَعضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفسًا إيمانُها لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت في إيمانِها خَيرًا﴾
المذيع:ما هو جزاء من لا يصون الأمانة؟
جزاء من لا يصون الأمانة :
الدكتور راتب :
أريد أن أقول نقطة دقيقة أتمنى أن تكون واضحة:
بيت له بابان، إذا أعطى الأب توجيهاً لأولاده الخمس هذا الباب الذي ينقل الإنسان إلى غرفة الضيوف ممنوع استخدامه، وسمح بالباب الثاني الذي ينقل الإنسان إلى البيت، لو أن ابنه استخدم الباب الأول فعاقبه الأب، نقول: العلاقة بين المنع والعقاب علاقة وضعية، لأن الأب وضَعها، الآن الابن عندما يضع يده على المدفأة تحترق، احتراق اليد علاقة علمية، وضع اليد سبب احتراقها، أنا حينما أؤمن أن كل أمر إلهي علاقته بالنتائج علاقة علمية، إنسان راكب شاحنة، حمولته عشرون طناً، والطريق لا يوجد به أحد، وصل لجسر مكتوب: أقصى حمولة عشرة أطنان، فنظر يمنة ويسرة هل يوجد شرطة، ليس موضوع شرطة تقع في النهر، الجسر يعاقبك، أنت حينما تفهم الدين هذا الفهم لا تغلط أبداً، ليس موضوع عاقب أو لم يعاقب، المعصية فيها بذور نتائجها، وضع يدي على المدفأة إن كان حراماً أو حلالاً، أو الأب شاهدني أو لم يشاهدني، وضعت يدي تحترق، هذه أعمق بكثير، المعصية نفسها فيها بذور نتائجها والطاعة نفسها فيها بذور ثمارها، فالإنسان حينما يزداد عقله يطبق شرع الله بتطبيق عميق جداً، هذه مصلحته.
المذيع:
من المعروف أن خيانة الأمانة مرفوضة شرعاً هل هناك حالات استثنائية، مثلاً الكذب مرفوض هل من حالات استثنائية كالكذب على العدو يسمح به، إذا ائتمنت على سر أو قضية معينة ووجدت مصلحة أن أتكلم أو أن أخون؟
حالات استثنائية في الأمانة :
الدكتور راتب :
تحتاج جواباً إلى الله عز وجل، كيف؟ أنت عندك خمس بنات، أربع متزوجات وأزواجهم أغنياء، والخامسة لم تتزوج، وليس لها أحد، مصير هذه الخامسة أن تكون خادمة عند أحد أخوتها الذكور، فأنت اشتريت لها بيتاً تسكن بقسم منه، وتؤجر قسماً منه، من أجل أن تنتفع من بعدك، هذه الحالة معك جواب لله بأنك اشتريت لها لأن مستواها أقل بكثير من أن تخطب، أنت أردت أن تعزز كرامتها، فأنت حفظت لها ماء وجهها، حفظت لها كرامتها، أنت معك جواب لله لأنك غير عادل.
مثل آخر؛ عندك زوجة صالحة تقدمت بالسن، وعندك منها خمسة أولاد، وهناك زوجة شابة، عنده رغبة أن يتزوج زوجة ثانية، تزوجها ولها ابن، ألحت عليه أن يكتب لابنها بيتاً، أربعة أولاد من الأولى ما كتبت لأي ولد بيتاً، وهذه الشابة ضغطت عليك فكتبت لابنها، هذا ظلم، إذا أنت معك لله جواب هذا موضوع ثان، إذا ما معك جواب فالمشكلة كبيرة...
قال العلماء: أن تعطي لابنك شيئاً في حياتك فهو هدية، الأولى أن تعدل في الهدية، أخذت لكل بنت بيتاً..
المذيع:
العدل لا يعني التساوي، لكل شخص حاجته.
الدكتور راتب :
طبعاً إذا عندك ابن بالابتدائي يحتاج إلى مصروف سيارة، ومصروف كتب، شيء يغطي حاجته.
المذيع:
إذا أنا اؤتمنت على قضية معينة، وأنا وجدت أن هذه تضره وذهبت إلى أهله وأخبرتهم.
الدكتور راتب :
لا، هذا معفو عنه، أحياناً يكون هناك مصلحة أكبر، لك مع الله جواب، قال لك: لا تتكلم إذا ما تكلمت تنشأ مشكلة كبيرة .
المذيع:
أحياناً يكون بين الناس عقد للأمانة يشهد الله عز وجل فيقال: والله خير الشاهدين، خان أحدهم الأمانة هل مشكلته مع خيانة الأمانة..؟
الحقوق نوعان ؛ حق شخصي و حق الإله :
الدكتور راتب :
عندنا حق شخصي وحق الإله، أحياناً دعك من الشرع، القوانين هناك جرائم لو الطرف الآخر عفا عنك يوجد حق المجموع لا يسقط.
المذيع:
نختم حلقتنا بدعاء.
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.
خاتمة و توديع :
المذيع :
بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، إلى هنا تنتهي حلقتنا والتي كان محور حديثنا عن الأمانة جعلنا الله وإياكم من أهلها دائماً، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.