الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الله عز وجل يقول:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4) ﴾
يوجد الآن عشر مليارات إنسان على سطح الأرض بالتمام، أحدث إحصاء، هل يوجد أحد منهم يحب الفقر؟ لا أحد، هل يوجد أحد يحب القهر؟ لا أحد، المرض؟ لا أحد، يوجد إنسان لا يحب الغنى؟ بيت واسع، زوجة صالحة، أولاد أبرار، بنات محتشمات؟ كلنا، يوجد إنسان لا يحب أن يعيش 130 سنة؟ عاشها أحد علماء الأزهر 130 سنة.
الإنسان قبل حمل الأمانة فأصبح المخلوق المُكرَّم والمُفضَّل:
إذاً لدينا قواسم مشتركة لكل البشر، الإنسان عرض الله عليه الأمانة في عالم الأزل، فبعض الكائنات عرف هذه الأمانة، واستقام على أمر الله، والآخر ما انتبه:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾
فلما قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول، والمكرم، والمفضل، والمكلف، يعني أب عنده عشرة أولاد، وهو ميسور كثيراً، أعطى لكل ابن سيارة، وزوجة، وبيت، ودخل شهري، لكن قال لأولاده العشر: الذي يأتي بشهادة عليا من بلد بعيد أعطيه نصف المعمل، وإذا ما أحضر الشهادة أدعه متسولاً، لم يعد هناك حل وسط.
رُكّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
فالإنسان مخلوق مُكلَّف، معنى مكلف: مُحاسَب ومُعاقَب، فإما أن يكون فوق الملائكة، أو تحت أحقر حيوان. رُكّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
العبرة أن تعرف الله في الوقت المناسب:
فنحن مخلوقون خُلِقنا في عالم الأزل وقبلنا حمل الأمانة، صار هناك تشريع، افعل ولا تفعل، يوجد حلال، حرام، يجوز، لا يجوز، ممكن، غير ممكن، معه توجيه، لكن هذا التوجيه لو أنه أتقنه ونجح فيه مَلكَ الآخرة، الآخرة إلى أبد الآبدين، فالإنسان إذا عرف الله عرف كل شيء، وإن فاتته هذه المعرفة فاته كل شيء، فالعبرة أن الإنسان يعرف بالوقت المناسب، الدليل: فرعون آمن بالله، متى آمن؟ أثناء الغرق:
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158)﴾
إذاً الإيمان سيكون ولكن بعد فوات الأوان، إذاً أنا معي مليار خيار رفض، إلا الإيمان خيار وقت، فلابد من أن أُومن بعد فوات الأوان، فالبطولة أن أومن قبل فوات الأوان، طالب دخل للامتحان، الموضوع لم يدرسه إطلاقاً، فأخذ صفراً بجدارة، جاء إلى البيت قرأ البحث، رجع لمكان الامتحان ليعيد الامتحان، انتهى، لا تستطيع أن يقدم مرة ثانية ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ فنحن مكلفون بعبادة الله،
والعبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
هذه العبادة، أنت بالعبادة أقوى إنسان، إنسان موفق، الحقيقة إيجابيات الحياة الدنيا مذهلة:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾
﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) ﴾
وتأتيه السكينة، ذاقها النبي في الغار، وذاقها إبراهيم في النار، وذاقها يونس في بطن الحوت، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى* وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ﴾ يوجد 8 مليارات حركة، ولكن الله جمعها بنموذجين:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)﴾
الحسنى هي الجنة، والدليل:
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) ﴾
صدق بالحسنى، صدق بالجنة،
فاتقى أن يعصي الله، بنى حياته على العطاء.
﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) ﴾
لما كذب بالحسنى استغنى عن طاعة الله، بنى حياته على الأخذ، لذلك على رأس الهرم البشري زمرتان:
الأقوياء والأنبياء
• الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ،
• والأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ،
• الأقوياء يُمدَحون في حضرتهم ، والأنبياء في غيبتهم ،
• والمؤمن يجب أن يكون من أتباع الأنبياء، فإذا كان قوياً ينبغي أن يتخلق بأخلاق الأنبياء.
﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) ﴾
صليت الفجر دون موعد ولا اتصال هاتفي، ولا يوجد برنامج على الشاشة ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ لو يعلم المؤمنون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً،
(( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لأتوهما ولو حبواً. ))
هذه الساعات إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم نزولاً يليق بجلاله إلى السماء الدنيا فيقول: هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من طالب حاجة أقضيها له حتى ينفجر الفجر.
(( ينزلُ ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا حين يبقى ثلثُ الليلِ الآخرُ فيقولُ: من يدعوني فأستجيبَ له من يسألني فأعطيَه من يستغفِرُني فأغفرَ له وفي اللفظِ الآخرِ يقولُ جل وعلا: هل من تائبٍ فيتابَ عليه هل من سائلٍ فيعطى سؤلَه هل من مستغفرٍ فيغفرَ له؟ حتى ينفجرَ الفجرُ. ))
الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، هذه الصلاة.
هي عماد الدين، وعصام اليقين، هي العمود بالخيمة، الخيمة بلا عمود لم تعد خيمة، تصبح قماشاً، الذي يجعلها خيمة العماد، عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات.
أرجو الله أن يقوي إيماننا بهذه الحقائق القرآنية، وأن نعمل بها حتى نجمع بين الدنيا والآخرة.
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ﴾
جنة في الدنيا هي جنة القرب، وجنة في الآخرة هي جنة الخلد.
الملف مدقق