الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما من تعريف جامع مانع قاطع رائع للإنسان كتعريف سيد التابعين الحسن البصري، قال: "الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك" .
ما هو اليوم؟ أو ما هو الزمن؟ هو البعد الرابع للأشياء، هذه الطاولة لها وزن، ولها حجم، ولها طول، ولها عرض، ولها ارتفاع، هذا الجماد.
النبات يزيد عليه بالنمو.
بقية المخلوقات المتحركة تزيد عليهما بالحركة.
والإنسان له من الجماد وزن حجم طول عرض ارتفاع، ومن النبات النمو، ومن بقية المخلوقات المتحركة الحركة.
بماذا فُضّل الإنسان؟ بالعقل، قوة إدراكية أودعها الله في الإنسان، هذه القوة الإدراكية يمكن أن يصل بها إلى المستقبل قبل أن يصل إليها، آمن بالآخرة، بالقرآن الكريم، آمن بالجنة والنار، وآمن بالحساب والعقاب، هذا القرآن الكريم وحي الله، كلام الله عز وجل، فيه خبر من قبلكم، ومن بعدكم، هذا الإنسان إذا عرف الله استقام على أمره، يعني المحرمات 3% فقط، لك أن تأكل، ولك أن تشرب، ولك أن تتزوج، ولك أن تسافر، أما الخمر مثلاً محرمة، الزنا محرم، أشياء محدودة جداً، فلابد من أن نعرف الله في الوقت المناسب، لذلك الإنسان إذا عرف الله عرف كل شيء، وإن فاتته معرفة الله فاته كل شيء.
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
ما ادّعى أنه الوحيد، الحقيقة أن هذه السورة جامعة مانعة قاطعة، الله عز وجل أقسم لهذا الإنسان بالزمن لأنه زمن، بضعة أيام، الحسن البصري، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
مضي الزمن يستهلك الإنسان:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2 ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
جواب القسم مخيف ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ لماذا يارب؟ لأن مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان، الإنسان كائن متحرك، له جسم وعقل وروح، إلا أن هذا الوجود مؤقت، الحقيقة هناك موت، والموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي وضعف الضعيف، ووسامة الوسيم ودمامة الدميم، وغنى الغني وفقر الفقير، فالإنسان إذا آمن باليوم الآخر، والذي يلفت النظر أن أكثر الآيات التي ورد بها الإيمان بالله معها واليوم الآخر، المصير، فإذا عرف الإنسان من هو، هو المخلوق الأول والمُكرَّم، والمُفضَّل، والمكلف، لذلك:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾
في عالم الأزل، فلما قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبة، والمُفضل تكرُّماً، والمحاسَب والمعاقَب، ﴿وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْر﴾ إله يقسم، الواو واو القسم ﴿وَالْعَصْر﴾ جواب القسم ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْر﴾ يعني مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان، لأنه مؤقت ﴿إِلَّا﴾ رحمة الله بعد إلا ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال عنها الشافعي أسس النجاة ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ آمنوا بالله واحداً، وكاملاً، وموجوداً، آمنوا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ هذا الإيمان نتج عنه سلوك، حركة ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ وعلة وجود الإنسان العمل الصالح:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
علة وجودنا بعد الإيمان بالله واليوم الآخر العمل الصالح:
إذاً العمل الصالح بعد الإيمان بالله واليوم الآخر علة وجودنا، بل إن حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح،
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) ﴾
﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
فالموضوع العمل الصالح هو علة وجودنا بعد الإيمان بالله، وحجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح، وهذا العمل الصالح هو نور له يوم القيامة، لذلك إذا أردنا الدنيا فعلينا بالعلم، لأن هذا الجماد ليس فيه عقل، الإنسان عنده عقل، العقل قوة إضاءة كبيرة جداً، فإذا عرف الله عرف كل شيء، وإن فاتته معرفة الله فاته كل شيء.
وأرجو الله عز وجل أن يكون الإخوة المستمعون والمشاهدون على علم بهذه الحقيقة الخطيرة، الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه. هذا الإنسان، فالعمل الصالح زاده في الآخرة، والغنى والفقر بعد العرض على الله، والعمل الصالح بعد الإيمان بالله، واليوم الآخر هو الهدف الوحيد من حياتنا.
الحقيقة هناك الكثير من الأحاديث أن أحياناً يكون هناك وقت مريح صباحاً ومساء،هذا الفرض قد يكون معه راحة، إذا الإنسان كان متنبّه لدينه، متنبّه لهدفه الإلهي يقدم هذه الصلاة على غيرها.
أركان النجاة: أولاً الإيمان، والحركة، والعلاقة.
1. الإيمان: آمنا بالله رباً وخالقاً وإلهاً عظيماً، وصاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا.
2. الحركة: يريد أن يأكل، الحاجة إلى الطعام تدعوه إلى الحركة، والحركة طبعاً لها مآل، يحتاج إلى عمل، إلى مال.
3. الثمرة:
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾
هذه الثمرة، إنك إن استقمت على أمر الله استطعت أن تقبل على الله لذكري، لكن إن ذكرت الله يذكرك الله، كيف يذكرك؟
السكينة: يذكرك ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ بالسكينة، السكينة حالة ينالها المصلي من الله، يسعد بها ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء، هذه السكينة.
والحفظ:
﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) ﴾
والتوفيق:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾
فالإنسان مخلوق أول، مفضل، مكرم، مكلف، فإذا طبّق تكليفه سعد في الدنيا والآخرة.
الملف مدقق