بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدْنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الحقيقة هذا اللقاء الطيب فيه موضوع مهم جداً وخطير؛ ألا وهو معنى النذير، قال تعالى:
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَٰلِحًا غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ ۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37) ﴾
جاءكم فعل ماضٍ، ما هو النذير؟ الإنذار يعني إنسان راكب سيارته الحديثة والغالية جداً، تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات، إذا فهم هذا التألق تألقاً تزينياً احترق المحرك، ويحتاج إلى مئة ألف أحياناً، أما إذا فهمه في ضوء تعليمات الصانع أنه ضوء تحذيري، أوقف المركبة، وأضاف الزيت إلى المحرك، فسلم المحرك. فالإنسان حينما يشرد عن الله يأتيه النذير.
نذير: رسالة من الله: أنواع منوعة. هذا اللقاء الطيب عن النذير.
المعنى الأول: القرآن الكريم:
القرآن الكريم هو: النذير. الله سرّب لنا بالتعبير المعاصر، سرّب لنا ما يقوله أهل النار في النار:
﴿ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىٓ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ(10) ﴾
معنى ذلك، الأزمة أزمة علم؛ لأن كل البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم،
وأنسابهم، هؤلاء البشر لهم خصائص واحدة.
فالإنسان حريص على سلامته، وعلى سعادته، وعلى استمراره. سلامته بالاستقامة، بتطبيق تعليمات الصانع، وسعادته بالإقبال على الله أصل الجمال، والكمال، والنوال، واستمراره بتربية أولاده.
فلو أخذنا الآن بالأرض ثماني مليارات إنسان بالتمام والكمال. لا يوجد أحد يتمنى الفقر، ولا المرض، ولا القهر، لا يوجد فيهم أحد إلا ويتمنى أن يكون زواجه ناجحاً، وعمله مريحاً، ومكانته الاجتماعية عاليةً، وأولاده أبراراً، وبناته محتشماتٍ، له مكانة اجتماعية، كل إنسان، ولا يوجد إنسان لا يتمنى أن يعيش عمراً مديداً؛ أحد شيوخ الأزهر عاش مئة وثلاثون سنة.
فالسلامة والسعادة والاستمرار أمنية ثماني مليارات إنسان الآن، لكن البطولة انطلاقاً من حرصي على سلامتي، وحرصي على سعادتي، وحرصي على استمراري، ينبغي أن أتّبع تعليمات الصانع. الله عز وجل يقول: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ) النذير هو القرآن، القرآن سرّب لنا كثيراً من أحوال أهل النار، هذا تسريب. نبهنا سوف يقول الإنسان هكذا، هذا التسريب من قبل الله عز وجل رحمة كبيرة. الشيء الآخر، الآيات التي نقرأها يومياً يوجد فيها الكثير من النذير: أحوال أهل النار، ندمهم الشديد.
الأحاديث النبوية أيضاً نذير، إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليّ مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب، ولذلك موضوع النذير دقيق جداً، وهذا القرآن الكريم هو نذير. أي آية تصف أهل النار و تصف عذاب أهل النار تصف مصير الظالمين كل هذه الآيات تنضوي تحت كلمة نذير (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ)
لذلك نحن في موضوع النذير ننتقل إلى سيدنا محمد عليه أتم الصلاة والسلام.
المعنى الثاني: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
سيدنا محمد عليه أتم الصلاة والسلام هو النذير. هذا المعنى الثاني أنذر من حوله من عذاب مقيم، وعذاب أليم، وعذاب مهين، وعذاب دائم وأليم لا يُحتمل؛ فلذلك القرآن هو النذير والسنة النبوية هي النذير.
المعنى الثالث: سن الأربعين :
الآن عندنا شيء أدق من ذلك، سن الأربعين هي النذير، عبدي كبرت سنك، وشاب شعرك وانحنى ظهرك،
وضعف بصرك، فاستحِ مني فأنا أستحي منك.
إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ
تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ ذاك لعمري في المقالِ شنيع
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
يعني الإنسان يأكل، ويشرب، وينام، ويعمل، ألا يفكر ما هو الموت؟ الموت ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، ينهي وسامة الوسيم، دمامة الدميم، ينهي غنى الغني، وفقر الفقير،الموت ينهي كل شيء، يا ترى ماذا بعد الموت؟ يا ترى الموت فناء، أو بداية لحياة أخرى؟
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) ﴾
يعني هذا القرآن كلام خالق الأكوان، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، لابد من قراءة القرآن كل يوم. يعني جزء، أقل، عُشر، خمس صفحات. هذا فضل كلام الله على خلقه كفضل الله على خلقه. كل إنسان عنده منافذ إلى الهدى، الله عزو جل قال:
﴿ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ ۖ فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤْمِنُونَ (6)﴾
[ سورة الجاثية ]
معنى ذلك الآيات هي القنوات الوحيدة الفريدة السالكة لمعرفة الله -عزو جل-، آيات كونية الموقف منها التفكر، والدليل:
﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَءَايَٰتٍۢ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191) ﴾
كنت من يومين في لقاء عامر...
يوجد خاصّة بالماء، هذه الخاصّة لولاها لما كان إنسان على وجه الأرض، من مسلمات العلم أن كل شيء يتمدد بالحرارة، وينكمش بالبرودة، كل شيء؛ الأجسام الصلبة، والسائلة، والغازية. نظام التمدد بالحرارة
والانكماش بالتبريد، هذا نظام ينطبق على كل شيء في الأرض، من مواد صلبة صخور، إلى مواد سائلة ماء، إلى مواد غازية، إلا أن للماء استثناءً يلفت النظر.
لو أن الماء سخناه للأربعين درجة، بردناه من أربعين للخمس وثلاثين، للثلاثين، لخمس وعشرين، لعشرين، لخمسة عشر، لعشرة، لخمسة، لزائد أربعة (+4 ) الذي يحدث لا يصدق: تنعكس الآية، الماء بهذه الدرجة تقل كثافته فيطفو، فلما طفا؛ الحياة تستمر، أما لو زادت كثافته غاص في أعماق البحار هذه طبقات المياه كلما غاصت انعدم التبخر وانعدمت الأمطار، ومات النبات، ومات الحيوان، ومات الإنسان.
الماء بدرجة (+4) بدل أن ينكمش يزداد حجمه، وإذا أردنا أن نقلع صخرة كبيرة جداً، نجعل أربع حفر و نملؤها بالماء، ونبرد الماء، يُقلع الصخر، إذاً هذا الاستثناء بنظام التمدد وعدم التمدد، لولاه لا يوجد حياة إذاً: عبدي كبرت سنك، وشاب شعرك، هذه بالأربعين.
أول نقطة القرآن الكريم هو النذير. كل آيات جهنم، والعذاب، والبرزخ، والمصائب، والزلازل، والبراكين. كل آيات التهديد هي نذير للإنسان.
لو فرضنا أنه للتقريب، أن ابناً قال لأبيه: أريد ألا أدرس، فالأب استجاب له، وقال له: كما تريد. فهذا التغى الدوام، التغت الدراسة، التغت المسؤولية، نام للساعة العاشرة، راح مع رفاقه. ظن نفسه أسعد شاب، فلما كبر رفاقه أطباء، ومهندسون، وتجار أحياناً، ومحامون، وهو لا بيت، ولا زواج، ولا سيارة ولا شيء؛ نقم على أبيه، وقال له يا أبتي: لما قلت لك: لا أريد ألّا أدرس لمَ لمْ تؤدبني؟ لمَ لمْ تهددني؟ القرآن يقول:
﴿ وَلَوْلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌۢ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلَآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ(47) ﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَٰهُم بِعَذَابٍۢ مِّن قَبْلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلَآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ (134)﴾
إذاً القرآن نذير. القرآن نفسه نذير. ولابد من أن نقرأ القرآن كل يوم.
فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه. وقراءة القرآن بتدبر. أن هذه الآية أمر، أين أنا من هذا الأمر؟ الآية فيها نهي، أين أنا من هذه الآية؟ الآية فيها قصة، ما مغزى هذه القصة؟
لابد من أن نقرأ القرآن كل يوم. فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه.
﴿ ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ ٱلْكِتَٰبَ يَتْلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِۦ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ(121) ﴾
وحق التلاوة أن تقرأه كل يوم، أن تقرأ جزءاً، أو نصف جزء، أو حزباً، أو الخ.........
لابد من قراءة القرآن كل يوم، هذا فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، هناك آية أمر، فأين أنا من هذا الأمر؟ طبعاً قال تعالى: (يَتْلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦ)
حق التلاوة أن تقرأه وفق قواعد اللغة العربية. إذا قرأ أحدهم في الصلاة:" إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ" الصلاة باطلة.
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلْأَنْعَٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَٰٓؤُاْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(28) ﴾
(اللهَ) مفعول به مقدم (من عباده العلماء)، من هنا يقول سيدنا عمر:" تعلموا العربية فإنها من الدين" .
إذا القرآن هو النذير، وكلام النبي عيه الصلاة والسلام هو النذير. قال عليه الصلاة والسلام:
((تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، فيأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً، موت كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لِمَ يقتل، ولا المقتول فيمَ قُتل؟))
.
إذاً نحن لابد من أن نقرأ القرآن (يَتْلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦ)
حق التلاوة:
1-أن تقرأه وفق قواعد اللغة العربية أولاً.
2-ويمكن أن تقيم أحكام التجويد ثانياً إن أمكن.
3-أما ثالثاً ينبغي أن تفهمه.
﴿ فَفَهَّمْنَٰهَا سُلَيْمَٰنَ ۚ وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَٰعِلِينَ(79) ﴾
ماذا أراد الله بهذه الآية؟ لذلك قال:
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ ۚ فَسْـَٔلُوٓاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) ﴾
لابد من طلب العلم، يعني إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم. والعلم لا يعطيك بعضَه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك ل يعطكَ شيئاً.
ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم، فقد جهل. طالب العلم يوثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
خطر في بالي مثل؛ أنا أمامي طاولة، هذه الطاولة جماد له وزن وحجم وطول وعرض وارتفاع، النبات بماذا يزيد عليه؟ بالنمو. حسناً، الحيوان بماذا يزيد عليهما؟ بالحركة، القطة تمشي، والحصان يمشي.
أما الإنسان المخلوق الأول، المفضل المكرم، المكلف، المُحاسَب، المُعاقَب، بماذا يزيد على الجماد والنبات وبقية المخلوقات؟ بقوة إدراكية أودعها الله فيه، هذه القوة الإدراكية تُلبى بطلب العلم، والعلم ميسور.
هذا طلب العلم ينقلك من صفات الجماد، والنبات، والحيوان إلى صفات الإنسان. القوة الإدراكية تُلبى بطلب العلم.
مرة ثانية إذا أردت الدنيا فعليك بطلب العلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.
والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطكَ شيئاً. ويظل المرء عالماً ما
طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل. طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا، فيربحهما معاً.
إذاً النذير القرآن، والنذير أحاديث النبي العدنان، والنذير سن الأربعين.
إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُول
تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ ذاك لعمري في المقالِ شنيع
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِـبُّ يطيـعُ
المعنى الرابع: سن الستين :
بعضهم قال: سن الستين أيضاً نذير. القرآن نذير، الأحاديث النبوية نذير، سن الأربعين نذير، سن الستين نذير.
الحقيقة الدقيقة أن الإنسان أي شيء أول استخدامه، هناك سرور بالغ، اشترى بيتاً ،أول أسبوع أسبوعين كلما جاءه ضيف يريه غرف البيت، إطلالة البيت، مطبخ البيت، الصالون. بعد حين يمل من ذلك.
الله ما سمح للدنيا أن تُمدَّ الإنسان بسعادة، إطلاقاً. الدنيا تُمدُّ الإنسان بلذة. واللذة لحكمة بالغة بالغة تحتاج إلى شروط ثلاثة:
تحتاج إلى صحة، وإلى وقت، وإلى مال. ولحكمة بالغة بالغة بالغة في البداية هناك صحة، وهناك وقت، لكن لا يوجد مال، في المنتصف هناك مال، وهناك صحة، لكن لا يوجد وقت، في خاتمة المطاف هناك وقت، وهناك مال، لكن لا يوجد صحة.
يعني ما سمح الله للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة بل سمح لها أن تمده باللذة، واللذة كما قلت قبل قليل: دائماً ينقصك أحد شروطها.
بالبداية هناك صحة، وهناك وقت، لا يوجد مال، في الوسط هناك صحة، وهناك مال، لكن لا يوجد
وقت، في النهاية هناك وقت، وهناك مال، لا يوجد صحة.
أما السعادة لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة، ولا تقول: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني، إلا أن يكون أتقى مني.
النقطة الدقيقة أن الله لم يسمح للدنيا أن تمدك بالسعادة، بل تمدك بلذة آنية؛ لذلك المشكلة الكبيرة الإنسان بعد حين يُصاب بمرض اسمه (الكآبة) . والكآبة نسبتها بالعالم الغربي بالمئة مئة واثنان وخمسون، يعني مئة إنسان معهم كآبة، واثنان وخمسون معهم كآبتان.
الكآبة ملل، سأم، ضجر. الإنسان الذي هو مخلوق بمعرفة الله، والإله لا نهائي، فإذا اختار شيئاً دون إله يمل هذا الشيء، الإنسان حين يصل لمبتغاه من الدنيا يمل من هذه الدنيا.
لا يسمح الله للدنيا أن تمدك بسعادة متنامية، بل ولا مستمرة، بل متناقصة، هذه عبّر عنها العلماء الغربيون
-أنا معي دكتوراة بالتربية-بالكآبة.
الكآبة مرض العصر، يعني إنسان أكل وشرب، وتزوج، واشترى بيتاً، واشترى سيارة، وبعد ذلك، ثم ماذا؟
إلا المؤمن؛ معه منهج، عندما اختار أن يعرف الله، الله لا نهائي.
الآن سأدخل بموضوع دقيق؛ من هو الشاب؟ الشاب بما نعرف نحن، من الخامسة عشر إلى الخامسة والعشرين، والثلاثين. هناك رأي دقيق خطير جداً، الإنسان مادام له هدف أكبر منه فهو شاب دائماً.
عندنا كان هناك عالم (بدر الدين الحسني) عاش سبع وتسعين سنة، كان إذا رأى شاباً يقول له: يا بني، أنت كنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي. بدأ بالتعليم في الثامنة عشر، مات في الثامنة والتسعين. تُوفي بالشام، له مكانة كبيرة.
كان إذا رأى شاباً يقول له: يا بني، أنت كنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي. هذا العالم الجليل، الشيخ (بدر الدين الحسني). سُئل: يا سيدي، ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني، حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً، عاش قوياً.
إذاً الكآبة، الإنسان إذا غابت عنه حقيقة الدين، ولم يفكر أن يتعرف إلى الله، ولم يفكر أن يبحث عن منهجه، ولم يفكر أن يطيعه، ولا أن يتقرب إليه بالعمل الصالح؛ الحياة مملة، مملة وأنا أعني ما أقول، لذلك هناك أناس أعدادهم كبيرة جداً انتحروا، وهم بأعلى درجة من الغنى.
فلابد من أن تعرف الله في الوقت المناسب، معرفة الله تعمل لك هدفاً، بذلك يصبح العمر لا علاقة له.
الحياة مرتبطة بالعمر الإيماني فقط. من دون عمر إيماني مملة. ومرة أذكر تماماً، هناك محل بالحميدية،
محل كبير جداً، وفيه موظف عنده رغبة ببعض الدعابات، يكنس المحل، يكنسه، يضعه بعلبة فخمة، ويغلّف العلبة بورق هدايا غالٍ، وشريط، يضعه على الرصيف، ويأتي إنسان يحمل هذه العلبة، ويظن أن فيها عقد ألماس، أو فيها شيء غالٍ جداً، يأخذها ويسرع في المشي، ويتبعه، بعد مئة متر ينزع الشريط الأحمر، بعد مئة ثانية ينزع الغلاف، بعد مئة ثالثة يفتح العلبة، فإذا بها قمامة المحل، يعني يُفاجأ مفاجأة كبيرة.
أنا أعني ما أقول، هذا الوضع يصيب كل إنسان نسي الله في حياته، لذك لابد من أن تعرف الله، لابد من
أن تعرف سر وجودك، وغاية وجودك، لابد من أن تدخل الموت في حساباتك.
والله أعرف إنسان عنده رفاه بحياته يفوق حد الخيال. صاحب معمل كبير، وعنده أذواق عالية جداً، وبيته أربعمئة وخمسون متراً في المالكي، وسيارتان، ثلاثة. يعني يعيش رفاهاً العقل لا يستوعبه، والوالد صديقي.
فتوفي فجأة في أيام مطيرة جداً، فاشتروا له قبراً في (باب الصغير) . الجنازة جاءت، فُتح القبر؛ فإذا بهذا القبر فيه مياه سوداء، يعني مياه المجاري مفتوحة عليه، ولا يوجد حل ثانٍ. فقال: ضعوه، فأنا إنسان أعيش برفاه العقل لا يصدقه، أكون بقبر فيه مياه سوداء!!
لذلك أي شيء من شهوات الدنيا، بالبداية تلفت النظر، اشتريت سيارة أول جمعتين لا تنام الليل من مكان لمكان، بعدها تصبح عادية، اشتريت بيتاً، عادي، تعينت بوظيفة، عادي.
ما سمح الله إطلاقا للدنيا أن تمدك بلذة مستمرة، متنامية مستحيل، ومستمرة مستحيل؛ متناقصة، إلا إذا عرفت الله أنت أسعد إنسان، والله -لا أبالغ-إن عرفت الله، ولا تقول: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني، إلا أن يكون أتقى مني.
تعرفت إلى أصل الجمال والكمال والنوال، تعرفت إلى الذات الكاملة، تعرفت إلى صاحب الأسماء الحسنى والصفات العُلا، تعرفت إلى الحي الذي لا يموت:
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لمــــــا وليت عنا لغيرنا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنا خلـعـت عنك ثيـاب العجب وجئتنـا
ولـــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الــذي أضحى قتيـلاً بحبنـا
ولـــو نسمت من قربنا لك نسمة لــــمت غريباً واشتياقاً لقربنا
ولـــــو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جمـــيع الكائنات لأجلنـا
فما حبنا سهـلٌ وكل مـن ادَّعـى ســهـولته قلنـا لـه قـد جهـلتنـا
فأيسر ما في الحب للصب قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
لذلك أرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، واستقرار بلادكم. مرة ثانية، أن يحفظ لكم إيمانكم.
الإنسان يتفاوق مع الآخر بإيمان، والإيمان يحتاج إلى طلب. يعني حتى تقدر أن تضع بجانب اسمك
(د. فلان) يعني دكتور، ثلاث وعشرون سنة دراسة حتى تكتب قبل اسمك(د).
كي تستحق جنة الله التي فيها.
(( أعددتُ لعبادي الصالحينَ ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ ))
ألا ينبغي أن تطلب العلم؟ أن تستمع إلى درس علم؟ أن تقرأ القرآن كل يوم؟ أن تصغي إلى حديث في الشاشة عن الإيمان؟ وعن العرفان، وعن طاعة الواحد الديان، ألا ينبغي أن تبحث عن الحقيقة؟ فلذلك حينما تصل إلى الله، وصلت إلى كل شيء، وإذا فاتتك هذه المعرفة، فاتك كل شيء.
فلذلك أنا أشكر الإخوة الكرام؛ المستمعين والمستمعات؛ أن هذا الدرس يمكن يحفزنا جميعاً إلى طاعة الله، إلى الصلح مع الله، إلى الإقبال على الله، إلى اقتطاع وقت من أوقاتنا المهدورة بلا طائل، أن نعرف الله، أن نقرأ القرآن، أن نتدبر القرآن، أن نعمل بالقرآن، أن نسعد بالقرآن.
فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه
فأرجو الله عز وجل أن يديم علينا نعمة الإيمان، ونعمة الأمن والإيمان، ونعمة الكفاية، والحمد لله رب العالمين.
المذيعة
جزاك الله خيراً، وبارك الله بوجودك معنا دائماً. يعني نحتاج إلى المزيد من المحاضرات. والبعض يطالب بمحاضرتين في الشهر بدل محاضرة واحدة. ونحن نتمنى هذا، لكن لا نريد أن نتعبك أكثر معنا، ونطيل الوقت عليك.
الدكتور النابلسي
في الشهر يكون هناك شوق، أما بالشهر مرتان يضعف الشوق.
المذيعة
لا، أبداً. نحتاج يومياً إلى المزيد من الجرعات.
الدكتور النابلسي
والله، على كلٍّ موقعي بالأنترنت، هوالأول بالعالم، يدخله باليوم مليوني زائر. بين أيديكم كله. على أي أيباد، بأي تلفون، هذا كله بين أيديكم.
المذيعة
نعم، لكن هنا الآن بث مباشر وحي، فتقع من القلب إلى القلب، إن شاء الله.
الدكتور النابلسي
تريدون حياً.
المذيعة
وهناك البعض يريد أن يستفسر. هل معك الوقت يا شيخنا الفاضل؟ بعض الأخوات تحتاج إلى سؤال، نأخذ خمسة أسئلة فقط.
الدكتور النابلسي
لا، سؤالان فقط.
المذيعة
سؤالان، حاضر، حسناً، أخت عائشة تفضلي.
السائلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيعة
تفضلي عائشة، تفضلي.
السائلة
كيف حالكم شيخنا.
الدكتور النابلسي
الحمد لله. تفضلي أختي، أهلاً وسهلاً.
السائلة
هناك سؤال، هو أن أهل الإيمان مثلاَ في قلوبهم نور، هم يرون الأمور على حقيقتها. يرون الأمور الساذجة ساذجة، والأمور النيرة نيرة كذلك. لكن أهل الضلال لا يرون ذلك، أهل الأهواء إذا ما خاطبنا أحد من أهل الأهواء، مثلاً لا يفهمون على الشيء الذي نفكر فيه
هل نقطة اتصال مشتركة؟ مثلاً نوصل لهم الفكرة على حقيقتها، يعني الآية التي يقرأها المؤمن نورها يحس به عن أي شخص آخر، فكيف ممكن أن نوصل له الفكرة؟
الدكتور النابلسي
قبل هذه النقطة، أنا إذا إنسان يتمتع بعين بأعلى درجة من الدقة، لكن لا يوجد ضوء كهرباء، أو ضوء
شمس، مالها قيمة. فمعنى هذا العين البشرية بأعلى درجة من دقة، إذا لم يكن هناك وسيط نور كهربائي، أو شمسي، لا ترى. العقل نفس الشيء.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِۦ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِۦ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(28) ﴾
فإذا الإنسان ما أخذ قرار أن يؤمن، يجب أن يأخذ قراراً أساساً.
﴿ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍۢ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًا(29) ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3) ﴾
فلابد من أن يتخذ قراراً أن يعرف الله، عندما يتخذ قراراً أن يطلب الهدى. لذلك الله عزو جل، الآية دقيقة:
﴿ قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًۢا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123)﴾
﴿ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38) ﴾
اجمعوا الآيتين: الذي يتبع هدى الله لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، ونحن حينما نعرف الله نعرف كل شيء، ولا تستطيعين أن تدخلي عند طبيب إذا لم يكن في جيبك يوجد مال، والمحامي كذلك، والمهندس كذلك، إلا الجامع وعلوم الدين كله مجاني، فشيء متاح لكل إنسان، فلذلك الإنسان إذا ما عرف الله يكون أحمق إنسان.
الذكاء والنجاح والفلاح يقتضي أن نعرف الله قبل فوات الأوان، أما هذه النقطة الدقيقة؛ أكفر كفار الأرض
(فرعون) آمن لكن بعد فوات الأوان، قال:
﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ(90)﴾
أثناء غرقه. إذاً خياري مع الإيمان، خيار وقت فقط. إما أن أؤمن في الوقت المناسب، أو أن أؤمن بعد فوات الأوان. لذلك الآية تقول:
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ(158) ﴾
فالإنسان يفكر، الإنسان كائن أُودع فيه العقل. ما الذي أمامي؟ الكافر يعيش لحظته فقط، المستقبل ما دخل بحسابه إطلاقاً، فأرجو الله أن يجعل الإيمان قوياً يحمل على طاعة الله، وعلى التقرب إليه، وعلى تطبيق منهجه في التفاصيل، وعندئذٍ يقول إنسان: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني.
أرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، واستقرار بلادكم. والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق