- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (029)سورة العنكبوت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
القرآن الكريم كله ودعوة الأنبياء كلها قائمة على تذكير الإنسان بفطرته:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث عشر من سورة العنكبوت.
في الدرس الماضي وصلنا إلى قوله تعالى:
أيها الإخوة الأكارم؛ الذكر، والذكرى، والتذكر، من اشتقاق واحد، تذكُّر الشيء أي أن تستعيده، أن تستحضره، والله سبحانه وتعالى يصف القرآن الكريم كله بأنه ذكرى، قال تعالى:
﴿ كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) ﴾
معنى ذلك أن الإنسان فُطِر على أن يعرف الله، فُطِر على أن يستقيم على أمره، فُطِر على أن يسعى للتقرب منه، فُطِر على أنه لا يرتاح إلا بالإقبال عليه، هذه فطرة الله عز وجل، فالقرآن الكريم كله، ودعوة الأنبياء كلها إنما قائمة على تذكير الإنسان بفطرته، وحينما يهتدي الإنسان إلى فطرته يسعد في الدنيا والآخرة، لذلك يفيدنا في هذه الآية آية أخرى يقول الله فيها سبحانه وتعالى:
﴿
الوجهة الخالصة والاستقامة التامة: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا:
أقم وجهك أي أن يقيم الإنسان وجهته الخالصة في استقامة تامة إلى الله، وأن يقوِّمها كلما انحرف عن طريق معرفة الله أولاً، وطاعته ثانياً، والتقرب إليه ثالثاً، إنه إن فعل هذا مائلاً إلى الله، تاركاً كل ما سواه،
بطولة الإنسان أن يعرف الله في الوقت المناسب:
كلمات قليلة أنقلها لكم من كلمات بعض العارفين بالله، يقول:
إذاً حينما قال الله عز وجل:
تفصيلات ذكر الله:
الآن ندخل في تفصيلات معنى ذكر الله أكبر؛ قال: الذكر حالة نفسية تحفظ النفس ما يلقى إليها من معرفة، الإنسان في حالة ذكر أو في حالة نسيان.
قال: والذكر نوعان، ذكر عن نسيان وذكر عن حضور، فلان يذكر إما أنه ذكر بعد أن نسي، وإما أنه دائم الحضور.
أنواع الذكر؛ ذكر بالقلب وذكر باللسان:
يا أيها الإخوة الأكارم؛ والذكر نوعان أيضاً، ذكر لسان وذكر قلب، وربما كان ذكر القلب هو المعني، هو المقصود، قال الله سبحانه وتعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً(43)﴾
أيضاً هذه الآية تلقي ضوءاً كاشفاً على قوله تعالى:
ماذا يقول عليه الصلاة والسلام؟ أيها الإخوة الأكارم؛ اقتدوا بسيدنا سعد بن أبي وقاص الذي كان يقول:
﴿
أي أبطال، كلمة رجل:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾
يقول سيدنا سعد:
أحاديث في فضل الذكر:
الحديث الأول:
ماذا يقول عليه الصلاة والسلام في شأن الذكر؟
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: حِلَقُ الذِّكْرِ. ))
وهذا المجلس إن شاء الله تعالى من حلق الذكر، نذكر فيه الله سبحانه وتعالى،
الحديث الثاني:
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ. ))
إذاً: أن تذكر الله عز وجل ذكراً خفياً عقب صلاة الفجر، وأن تصلي ركعتي الضحى، كانت لك هذه الصلاة، وهذا الذكر، وتلك صلاة الضحى كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة، هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي.
الحديث الثالث:
(( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى. ))
أن تذكر الله عز وجل، هذا الحديث أيضاً رواه الإمام أحمد في مسنده.
الحديث الرابع:
(( روى البخاري مسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ. ))
قال تعالى:
﴿
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ
ليس مـن مات فـاســـتراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
* * *
أصحاب النبي عليهم رضوان الله سألوا النبي عليه الصلاة السلام، قالوا: يا رسول الله: أي جلسائنا خير؟ - نجلس مع من؟ نلتقي مع من؟ نخاطب من؟ نصاحب من؟ نحب من؟- أي جلسائنا خير؟ فقال عليه الصلاة والسلام: من ذكركم الله رؤيته، أي إذا رأيتموه تذكرتم ربكم، هناك إنسان إذا رأيته تذكرت الدنيا، إذا رأيته تذكرت الشهوات، إذا رأيته تذكرت الموبقات، وأما الذي يجب أن تجلسْ معه فهو من ذكركم الله رؤيته، وزاد في عملكم منطقه، يعطيك حجة قوية، يحاصرك، فإذا أنت مضطر أن تسير في طريق الإيمان، وذكركم في الآخرة عمله، هناك من يدعو إلى الزهد، وليس زاهداً، هناك من ترى عمله مخالفاً لقوله، عمله في وادٍ، وقوله في واد، فهذا الذي ذكّركم الله رؤيته، وزاد في عملكم منطقه، وذكركم في الآخرة عمله، هذا اجلسوا إليه، وصاحبوه، فالمؤمن عليه أن يختار مؤمناً يصحبه، أن يختار أخاً في الله يتصل به، يمحضه وده، يمحضه محبته، لا أن يوزع قلبه بين أناس غافلين:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
(( الإمام مسلم في صحيحه يروي من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يذكر الله في كل أحيانه. ))
في السراء وفي الضراء، في إقبال الدنيا، في إدبار الدنيا، في الشدائد، في الرخاء، في الصحة، في المرض، في الليل، في النهار، في السفر، في الحضر، في الأزمات، في حالات الراحة، النبي عليه الصلاة السلام كان يذكر الله في كل أحيانه، وإن الله أمر المؤمنين ما أمر به المرسلين.
الحديث الخامس:
ورد:
وهذا من تمام الأدب مع الله عز وجل،
الحديث السادس:
الحديث الأخير: عَنْ جابر بن عبدالله قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( ما اجتمع قومٌ ثمَّ تفرَّقوا عن غيرِ ذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ وصلاةٍ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا قاموا عن أنتنِ جِيفةٍ. ))
بوجد رواية أخرى: عَنْ أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( ما اجتمعَ قومٌ في مجلسٍ فتفرَّقوا، ولم يذكروا اللهَ ويُصلُّون على النبيِّ، إلا كان مَجْلسُهم تِرَةً عليهم يومَ القيامة.ِ ))
وفي رواية ثالثة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلا رَأَوْهُ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ))
أن تجلس مجلساً لا تذكر الله فيه.
معاني قوله تعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ:
1 ـ ذكر الله أكبر ما في الصلاة:
الآن نعود إلى قوله تعالى:
يا أيها الإخوة الأكارم؛ آية دقيقة جداً هذه تمهيدات لهذه الآية، يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي
هدف الصلاة أن تذكر الله.
السؤال: أن تذكره بلسانك أم بقلبك؟ بلسانك وبقلبك، إن ذكرته بلسانك، ولم يكن الذكر في قلبك هذا الذكر الظاهري لا يكفي، المعول عليه هو القلب، والقلب مفتاحه اللسان، لذلك:
المعنى الأول إذاً:
2 ـ ذكر الله للعبد أكبر من ذكر العبد لربه:
الآن عندنا معنى آخر، يا ترى ذكر الله للعبد أم ذكر العبد لربه؟ القرآن حمّال أوجه. المعنى الأول: ذكر الله لعبده، والدليل قال تعالى:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾
يـنادى لـه فـي الكـون أنّا نحـبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
* * *
3 ـ ذكر الله أكبر من أن تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر:
هناك معنى كان يجب أن أقوله أول المعاني، وهو أن الله سبحانه وتعالى حينما يقول:
4 ـ ذكر العبد لربه أكبر من كل أركان الصلاة:
الآن المعنى الرابع:
5 ـ الصلاة ذكر:
بعضهم قال:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾
هذا ذكر لله عز وجل.
﴿
الله أكبر، سبحان ربي العظيم، قال: الصلاة فيها أذكار قولية، ولكن هذه الأذكار القولية مقصدُها وهدفها أن يصل هذا الذكر إلى القلب، اللسان يفنى، أما القلب فيبقى، يقول تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
فكلما انتقلت هذه الأذكار من اللسان إلى الجَنان كنت قد أفلحت ونجوت.
شيء آخر؛ الصلاة ذكر بمعنى أنك إذا صليت فأنت ذاكر لربك. قد تجلس مع إنسان تراه نسي الصلاة، هو يصلي، لكن إذا كان هناك حديث مُمتع، أو كان هناك قضية، أو حلّ مشكلة، أو اجتماع ينسى الصلاة، لمجرد أن تنسى الصلاة فأنت ضعيف الاهتمام بربك، لكن الإنسان إذا بادر إلى الصلاة في وقتها، ولم تشغله أعماله عن صلاته، فمجرد أن تأتي الصلاة فأنت ذاكر لله عز وجل،
(( سَأَلْتُ عَائِشَةَ ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم َيَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ. ))
لشدة تعظيمه للصلاة،
علاقة الآية: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ بختامها: وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ:
لكن لو تساءلتَ أيها الأخ الكريم؛ ما علاقة قول الله عز وجل:
إذاً: أن يأتي الله عز وجل بقوله:
كل إنسان بإمكانه أن يدخل إلى قاعة الامتحان، ويجلس على كرسي، وأن يمسك بقلم، وأمامه ورقة، أما إذا لم يكن قد درس فما قيمة هذا الجلوس؟ وما قيمة هذه الأقلام؟ وما قيمة هذه الأوراق والمسودات؟ فالقضية قضية عمل، فمن كان عمله طيباً رأى أن الطريق إلى الله سالك، وأن إقباله على الله سهل، وأن اتصاله بالله محقق، وأنه يكتشف أن الصلاة أسعد ما في الحياة، ومن كان عمله سيئاً، من ظلم الناس، واعتدى عليهم، وأكل أموالهم، وغشهم، واحتال عليهم، واستعلى عليهم، وأهانهم، إن هذا الإنسان لا يستطيع أن يذكر الله عز وجل، فلذلك إذا أردت أن تقيم الصلاة فافحص عملك.
الإعداد لكل صلاة بالاستقامة الكاملة:
الصلاة يجب أن تُعدّ لها بعد أن تنتهي من إقامتها للصلاة القادمة، انتهيت من صلاة الفجر، الآن من صلاة الفجر وحتى صلاة الظهر يجب أن تُعِدّ لصلاة الظهر، تُعِدّ غض البصر، تُعِدّ الصدق، تُعِدّ استقامة اللسان، تُعِدّ ضبط الجوارح، تُعِدّ ألا تقع في غيبة، ولا نميمة، ولا بهتان، ولا فحش، ولا كذب، ولا تدليس، ولا كِبر، ولا استعلاء، ولا طغيان، ولا عدوان، ولا مجاوزة، ولا احتقار، ولا سخرية، هكذا، مادام هناك ضبط للجوارح، وضبط اللسان، وضبط للقلب، إذا أذن الظهر أنت أقمت الصلاة، هذه الساعات الطويلة التي أمضيتها في طاعة الله وخدمة خلقه تعينك على أن تصلي.
أذن الظهر، وصليت الظهر، الآن تهيئ لصلاة العصر عن طريق الضبط، والخدمة، والعمل الصالح، فلذلك ما من كلمة أروع أن تكون ذيلاً لهذه الآية من كلمة:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)﴾
إنك مكشوف أمام نفسك، فكيف أمام الله عز وجل؟ يعلم السر وأخفى، يعلم ما خفي عنك، يعلم السر، ويعلم ما يخفى عنك.
أيها الإخوة الأكارم؛ الصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، كل ثمار الدين تجنونها في الصلاة،
(( عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: قَالَ: مِسْعَرٌ أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ: لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
يَا بِلَالُ، أَقِمْ الصَّلَاةَ، أَرِحْنَا بِهَا. ))
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ. ))
في الصلاة اشتقاقُ مسحةٍ من الجمال الإلهي:
أنت إذا اتصلت بمخلوق؛ التفاحة مخلوقة، أعطاها الله شيئاً من جماله، طعمها خاص، إذا تناولت ما لذّ من الطعام والشراب هذا اتصال، لنوع ما حينما تبلع هذه اللقمة ما الذي يحصل؟ يدفع اللسان هذه اللقمة إلى سقف الحلق، هناك أعصاب الذوق والحس، تشعر بالطعم حينما تحاول أن تبتلع هذه اللقمة، اتصال، إذا ألقيت نظرةً على مكان جميل تشعر براحة، إذا ألقيت نظرةً على جبل أخضر، أو على بحر أزرق، أو على طفل وديع، أو على شيء نفيس، هناك تناسق بالألوان، تشعر بشيء من السرور والراحة، ما قولك إنك إذا وقفت بين يدي الله عز وجل تتصل بمنبع الجمال، بأصل الجمال، كل ما في الكون من جمال هو مسحة من جمال الله عز وجل، فلذلك الصلاة هي القصد، قال تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
حالة الاستغراق في الله، الاستغراق في محبته، وفي الإقبال عليه، وفي القرب منه:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾
لذلك:
الحكمة من إفراد النور وجمع الظلمات:
آيات الذكر كثيرة جداً من أبرزها:
﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)﴾
فمن ثمار الصلاة أن الله سبحانه وتعالى:
أساليب الدعوة إلى الله:
ثم يقول الله عز وجل:
هدف الدعوة هداية الناس لا الاستعلاء عليهم:
أنت ليس هدفك أن تقيم عليه الحجة، أن تحقره، أن تصغره، أن تسحقه، أن تنتصر عليه، أن تستعلي عليه، لا، ليس هذا من أهداف المؤمن، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أدبه الله عز وجل قال تعالى:
﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)﴾
من يصدق هذا الكلام؟ كلام الله، قال له: يا محمد قل لهم:
﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ
أي الحق إما معنا أو معكم، ونحن إما على خطأ أو على صواب، يوجد تسوية كاملة، هذا من أدب المناقشة.
طريق عرض الحق:
لذلك الله عز وجل يقول:
﴿
إن دعوت إلى الله، إن دعوت إخوانك، أصدقاءك، أصحابك، تلامذتك، هناك محبة، وثقة، ومودة، ورحمة، بالموعظة الحسنة، أما:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
أي وأنت رسول، وأنت نبي، وأنت يوحى إليك، وأنت المعصوم، وأنت سيد ولد آدم، لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فكيف إذا كنت لا نبياً؟ ولا رسولاً؟ ولا يوحى إليك؟ ولا معصوماً؟ وإنسان عادي؟ إذا كان النبي على كماله، وعلى رفعة شأنه، وعلى عصمته، وعلى انفراده بالمقام العالي، وعلى أنه يوحى إليه مأمور أن يكون لطيفاً مع أصحابه،
على الإنسان أن يعمل عملاً صالحاّ وفق ما يريد الله لا وفق مزاجه واجتهاده:
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ
يجب أن تعمل صالحاً لا وفق مزاجك، ولا وفق اجتهادك، ولكن وفق ما يريد الله سبحانه وتعالى.
إن شاء الله تعالى في درس قادم نصل إلى الآيات التالية وهي قوله تعالى:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين