- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (029)سورة العنكبوت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أهمية الصلاة في الإسلام:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني عشر من سورة العنكبوت.
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
الأمر الموجَّه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة أنواع:
الله سبحانه وتعالى يقول:
إذاً: الله سبحانه وتعالى يأمر الناس من خلال أمره للنبي عليه الصلاة والسلام، والأمر الموجه إلى النبي على أنواع ثلاث: نوع موجه إلى النبي خاصةً، وهذا ما اتفق عليه العلماء على أنه من خصوصيات النبي عليه الصلاة والسلام، وأمر موجه إلى المؤمنين من خلال أمر النبي، قال تعالى:
﴿
لا يوجد في الكون إنسان أشد تقوىً لله من النبي، إذاً: هذا الأمر موجه إلى المؤمنين من خلال أمر النبي، وأمر موجه إلى المؤمنين والنبي معاً.
الأمر بتلاوة القرآن:
حينما يقول الله عز وجل يخاطب رسول الله عليه وسلم:
(( أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ:
هذا الأمر موجه إلينا، إذاً أنت مأمور أن تتلو هذا الكتاب، لأن فيه تعريفاً لحقائق الكون والحياة وحقيقة الإنسان، هذا الكتاب تعليمات الصانع، هذا الكتاب نشرة إيضاحية لسر وجودك في الدنيا. إذاً: أيها المؤمن عليك أن تتلو هذا القرآن، لأنه خطاب خالق الأكوان لهذا الإنسان.
شيء عجيب جداً أن يعرض الإنسان عن تلاوة القرآن قبل أن يفهم مضمونه، هل تصدق أن إنساناً جاءته رسالة لم يفتحها، ولم يقرأها، بل نبذها؟ المنطق يقول: اقرأ ما في الرسالة، إن أعجبتك فخذ بها، وإن لم يكن كذلك فانبذها، أما أن تنبذها قبل أن تقرأها، قبل أن تقف على حقائقها، قبل أن تعرف مرسلها، قبل أن تعرف سرها، حكمتها، فهذا موقف فيه غباء شديد، أنت إنسان خاطبك الله سبحانه وتعالى بهذا القرآن:
﴿
يا أيها الذين آمنوا؛ افعل لا تفعل، أعطاك أمراً، أعطاك نهياً، ووعد وأوعد، بيَّن و فصّل، وذكّر الماضي والحاضر والمستقبل، إذاً: نحن المؤمنين مأمورون أن نتلو هذا الكتاب من خلال أمر الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن يتلو ما أوحي إليه.
أهمية تلاوة القرآن:
يجب أن نتلوه كي نعرف الله عز وجل، فإذا عرفناه فلابد من حركة، لابد من موقف، لابد من توجه، لابد من اتجاه إلى الله عز وجل. أنت أولاً تعرفه، وثانياً تتصل به، أولاً: تعرفه، وثانياً: تطيعه، تعرفه، تتقرب إليه، تعرفه تسعد بقربه. الآية منطقية:
لو تذوقنا معنى
منزلة الصلاة في الإسلام:
يا أيها الإخوة الأكارم؛ الصلاة كلها سرّ الدين، الصلاة وحدها، لا تنسى أن في الصلاة معنى الحج، وفي الصلاة معنى الصيام، وفي الصلاة معنى الزكاة، وفي الصلاة معنى الاتصال بالله عز وجل، توجهك إلى بيت الله الحرام أخذت الصلاة من الحج التوجه نحو الكعبة، وأخذت الصلاة من الصيام، وأنت في الصلاة ممتنع عن الطعام، والشراب، وكل حركة خارجة عن حركات الصلاة، وأخذت من الزكاة أن الوقت هو أصل المال، فإذا أنفقت الوقت في سبيل الله صليت الظهر سنة وفرضاً وسنةً فكأنما أنفقت مالك، لأن الوقت أصل المال، ولن تحصّل المال إلا بالوقت، وأخذت من الاتصال بالله جوهر هذه الصلة، إذاً الصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، ولا خير في دين لا صلاة فيه.
الصلاة هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحالٍ:
الشيء الثاني هو أن الصلاة هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، لا في سفر، ولا في حضر، ولا في صحة، ولا في مرض، ولا في قتال، ولا في خوف، ولا في شبع، ولا في جوع، الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، إنها الصلاة، الصيام يسقط عند السفر، وعند المرض، والحج يسقط عند عدم الاستطاعة، والزكاة تسقط عند الفقر، ولكن الصلاة هي الفرض المتكرر.
الصلاة ذكر:
الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي
هذه اللام أقِمها من أجل الذكر، أقمها من أجل أن تذكرني، إذاً ذكر الله هو جوهر الصلاة.
الصلاة قُرْب:
في آية أخرى يقول الله عز وجل:
﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ
الصلاة إذاً حالة قرب من الله عز وجل، الصلاة حالة ذكر، والصلاة حالة قرب، قال تعالى:
﴿
الصلاة حالة وعي.
حالة قرب، وحالة ذكر، وحالة وعي.
الصلاة حالةٌ أخلاقية:
يقول الله عز وجل:
الخشوع ليس من فضائل الصلاة بل من فرائضها:
الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾
قال بعض العلماء: الخشوع ليس من فضائل الصلاة، بل من فرائضها، لعظم الصلاة في الإسلام الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿
أي من صلى في البيت فعليه أن يصلي مع أهله، إذا صلى مع أهله، وضمن صلاتهم فكأنما نفذ هذه الآية الكريمة.
والصلاة أيها الإخوة، لا تعني أن تصلي خمس مرات، وأن تشرد بين الصلوات كما يشرد البعير عن صاحبه، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)﴾
﴿
وفي بعض تفسيرات هذه الآية بين الصلاتين لتكون ملتفتاً إلى الله عز وجل.
تاركُ الصلاة فيه ضعفٌ خُلقي هو الهَلع والجزع والمنع:
يجب أن تعلم علم اليقين أن كل إنسان لا يصلي فيه ضعف خلقي، من هذا الضعف قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20)﴾
ما إن يلمح شبح مشكلة، أو شبح مصيبة، أو يلمح نازلةً، أو رزيةً، أو مرضاً حتى تنهار قواه،
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)﴾
جزوع على وزن فعول، صيغة مبالغة، أي كثير الجزع، وكثير الهلع، وكثير المنع، جزوع ومنوع، قال:
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾
هؤلاء مستثنون من هذا الضعف الخُلقي:
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)﴾
إلى آخر الآيات، إذاً
ضعف المسلمين وذلهم بسبب ترك الصلاة والتهاون فيها:
شيء آخر؛ هل تصدقون أن كل ما تعانيه الأمة الإسلامية من مصائب، ومن رزايا، ومن مشكلات، ومن ضعف، ومن تفكك، ومن ومن، إلى ما لا نهاية:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾
أضاعوا الصلاة فاتبعوا الشهوات، أو اتبعوا الشهوات لأنهم أضاعوا الصلاة، بين إضاعة الصلاة واتباع الشهوات علاقة ترابطية، أضاعوا الصلاة فاتبعوا الشهوات، اتبعوا الشهوات فأضاعوا الصلاة، فسوف يلقون غياً، ولقد لقي المسلمون بعد أن أضاعوا الصلاة، وليست إضاعة الصلاة تركها، يا ليت، ولكن إضاعة الصلاة ترك موجباتها.
موجبات الصلاة:
من موجبات الصلاة الاستقامة على أمر الله، من موجبات الصلاة تحرير الدخل، من موجبات الصلاة إنفاق المال في وجوهه، من موجبات الصلاة ضبط الجوارح، وغض البصر، من موجبات الصلاة الكف عن سماع ما لا يرضي الله عز وجل، إذا ضبطت جوارحك كلها، وحررت دخلك، ونفذت كل الأوامر التعاملية فيما بينك وبين نفسك، وفيما بينك وبين الناس عندئذٍ تشعر بطعم الصلاة، تذوق حلاوة الإيمان، تشعر بطعم القرب،
خصائص الصلاة:
1 ـ الصلاة عقلٌ:
النبي عليه الصلاة والسلام وهو الصادق المصدوق، هو حبيب رب العالمين، سيد ولد آدم، هو المبلغ عن الله عز وجل ، ورد:"ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها"، ليس لك من هذه الصلاة إلا ما عقلت منها.
2 ـ الصلاة ميزان:
ويقال: "الصلاة ميزان"، ميزان لأعمالك، إذا فعلت هذا العمل، إن كنت تستطيع أن تصلي بعده صلاةً صحيحة تُقْبل بها على الله عز وجل فهذا دليل أن هذا العمل صحيح، أما إذا أوقعك هذا العمل في حالة خجل، وصار هذا العمل حجاباً بينك وبين الله عز وجل فهذا دليل أن صلاتك، وأن هذا العمل لا يرضي الله عز وجل: الصلاة ميزان، فمن وفى استوفى، من وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمارها، الصلاة ميزان فمن وفى استوفى، وفِّها حقها تستوفِ ثمراتها، وفِّها حقها تستوفِ ما أعدّ الله للمصلين من نعيم مقيم.
3 ـ الصلاة موعدٌ مع الله:
شيء آخر، النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا حضرته الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه لعظم هذا اللقاء، أنت على موعد مع الله عز وجل، أنت على موعد مع خالق الكون، وجعلت قرة عيني في الصلاة، إذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه إطلاقاً.
(( عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ، قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ: لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: عن سالم بن أبي الجعد: يا بلال أقمِ الصلاة، أرِحْنا بها. ))
ولسان حال بعض المصلين: أرحنا منها، صليت؟ نعم، الحمد لله، ارتحنا أننا صلينا، يجب أن ترتاح في الصلاة، لا أن ترتاح منها.
4 ـ الصلاة مناجاة:
شيء آخر؛ "لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل"، راقب نفسك وأنت عند عظيم في مكتبه هل تعبث بسبحة؟ هل تقرأ جريدة؟ هل تقرأ مجلةً؟ هل تنظر إلى السقف أو إلى قطع الأثاث أو إلى بعض الأشياء؟ هل تخرج دفتراً تتلهى به؟ أما إذا كنت عند إنسان تظنه عظيماً كلك التفات إليه، كلك توجه نحوه، تجلس في غاية الأدب، في غاية الإصغاء، في غاية الاهتمام، إذا كنت مع من تظنه عظيماً هكذا فكيف إذا كنت مع ملك الملوك ومالك الملوك؟ لذلك قيل: "لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل" ، لا يلتفت لشيء آخر لو يعلم من يناجي.
5 ـ الصلاة نورٌ:
و النبي عليه الصلاة و السلام يقول: عن أبي مالك الأشعري:
(( إسباغُ الوضوءِ شطرُ الإيمانِ و الحمدُ للهِ تملأ الميزانَ، وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ أو تملأ ما بين السماءِ والأرضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ برهانٌ، والصبرُ ضياءٌ، والقرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك، كلُّ الناسِ يَغدو، فبائعٌ نفسَه، فمُعتِقُها أو موبِقُها. ))
إذا صليت صلاة كما أراد الله، إذا صليت الصلاة التي أمر بها رسول الله، إذا صليت الصلاة التي وصفت في القرآن الكريم ألقى الله في قلبك نوراً فرّقت به بين الحق و الباطل، رأيت الخير خيراً، والشر شراً، هل تصدقون أن كل المآسي التي يعانيها الإنسان هي بسبب خطأ في رؤيته، يرى أن كسب هذا المال مغنم كبير يكسبه حراماً فيذيقه الله ألوان العقاب، ألوان العقاب سببها كسب هذا المال، و كسب هذا المال سببه خطأ في الرؤية. إذاً أعمالك كلها أيها الأخ الكبير أساسها رؤية، إما أن تكون هذه الرؤية صحيحة، وإما أن تكون غير صحيحةً، إن كانت صحيحةً وفقت وسعدت، وإن لم تكن صحيحة دفعت الثمن باهظاً، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
6 ـ الصلاة معراج المؤمن:
الصلاة معراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، وليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها، والصلاة ميزان فمن وفى استوفى، والصلاة قرب، قال تعالى:
7 ـ الصلاة ذِكرٌ:
الصلاة ذكر،
8 ـ الصلاة وعيٌّ:
الصلاة وعيّ،
نصيحة للآباء:
الآباء الذين يحرصون حرصاً لا حدود له على تقدم أبنائهم في الدراسة، وعلى مذاكراتهم، وعلى علاماتهم في المذاكرات، يعطونهم الجوائز إذا تفوقوا، ويعنفونهم إذا قصروا، ويهملون أمرهم بالصلاة مخالفون بهذا الأمر قول الله عز وجل:
عموم معنى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ:
أيها الإخوة الأكارم؛ آية اليوم:
الصلاة التي أرادها الله عز وجل تجعل الإنسان على صلة مع ربه:
قال:
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)﴾
معنى هذا أن هناك صلاة ما أرادها الله، كذب وصلاة، غش وصلاة، احتيال وصلاة، ظلم وصلاة، كِبْر وصلاة، هذه الصلاة التي معها الكبر، والغش، والحسد، والضغينة، والحقد، والاستعلاء، وكسب المال الحرام، هذه ليست صلاة، ورد: "ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي"، هل عرفت من تصلي له؟ هل عرفت من تقف بين يديه؟ هل عرفت من تقول له: الله أكبر، سمع الله لمن حمده؟ هل عرفت من تقول له: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى؟
الأعمال الصالحة من إقامة الصلاة:
دخلنا في موضوع جديد، كفّ الجوارح عن الشهوات المحرمة من إقامة الصلاة، والبذل، والتضحية، وإنفاق المال، وتقديم الخدمات، وتقديم الخبرات، ومعاونة المؤمنين، وغير المؤمنين، ورعاية اليتامى والأرامل، وإنفاق المال، هذا أيضاً من إقامة الصلاة، إقامة الصلاة بالكف عن المحارم، وبالبذل، كفّ وبذل، الكف سلبي والبذل إيجابي، إذاً حينما قال الله عز وجل:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
كيف تحتال كي تصل إلى قلب هذا الإنسان بهدية تزيل الضغن من قلبه؟ كيف تحتال إلى كسب ودّ هذا الإنسان بتقديم خدمة لأحد أولاده؟ كذلك إذا أردت أن تعقد مع الله صلةً، إذا أردت أن تتصل به، أن تنعم بقربه، أن يتجلى الله عليك:
الفحشاء والمنكر:
ثمرات الصلاة:
من أولى مكاسب الصلاة، من أولى ثمار الصلاة، من أولى نتائج الصلاة، من أولى مكتسبات الصلاة أنها تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، يصلي إذاً لسانه منضبط، هنا يوجد دقة، يوجد معنى دقيق؛ أنت قد تنضبط خارجياً، مثلاً لو أن إنساناً يحب الغناء، وسمع أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن سماع الغناء كفّ عن سماع الغناء، حينما يكف عن سماع الغناء انضبط خارجياً، لو أنه ركب مركبة، وأُطلق فيها المذياع على أغنية كان يحبها، وتجاوبت نفسه مع هذه الأغنية ما الذي يقال في هذا المقام؟ يقال: إنه انضبط خارجياً، لكن نفسه بقيت متعلقة بهذا الماضي الذي عاشه، ولكن المصلي إذا صلى صلاة صحيحة بعد حين، بعد وقت يطهر من الداخل، المؤمن في أول طريق الإيمان يشتهي المعاصي ولا يفعلها، ولكن بعد مرحلة من الزمن يمقت المعاصي ويكرهها، صار هناك تطور، هذه من آثار الصلاة، أنت إذا فكرت أن الله أمر بكذا، ونهى عن كذا، قضية سهلة، إذاً لا أفعل هذا الأمر، يا ترى لا تفعله وأنت مشتاق إليه؟ لا تفعله وأنت متمنٍّ أن تفعله؟ لا تفعله وأنت تغبط من يفعله؟ هذه مرتبة، أما إذا
(( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ. ))
من علامة صحة الإيمان أن الله سبحانه وتعالى إذا أنعم عليك بنعمة الإيمان، وانتقلت من حال إلى حال، لا شيء يزعجك، ويمقتك، ويحز في نفسك كأن تذكر حياة الجاهلية، كيف كنت متفلتاً، كيف كنت غير منضبط لا في أقوالك، ولا في أفعالك، ولا في شهواتك، لذلك علامة المصلي أن نفسه تتهذب من داخلها، لذلك كل حضارة الغرب قائمة على الردع الخارجي، وعظمة حضارة الدين أنها قائمة على الوازع الداخلي، وشتان بين إنسان يرتدع تحت سطوة السلاح، مثل بسيط، في بعض مدن أمريكا انقطعت الكهرباء قبل عدة أعوام، في ليلة واحدة تمت مئتا ألف سرقة، ما دام هناك ضبط خارجي، وكاميرات تلفزيونية، وحسابات دقيقة، وأجهزة إنذار مبكر، وطرق مراقبة كلها بالرادار، هناك انضباط، حضارة الغرب كلها قائمة على الردع الخارجي، وحضارة الدين قائمة على الوازع الداخلي.
قال ابن عمر لأحد الرعاة: بعني هذه الشاة، قال له: ليست لي، قال له: قل لصاحبها أنها ماتت- ماذا حصل؟ هل من الصعب أن تجد أية كذبة؟- قال له: ليست لي، قال له: قل لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب، قال له: ليست لي، قال له: خذ ثمنها، قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، أنا في أشدّ الحاجة لثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله؟ هذا هو الدين، هذا هو الإسلام، والله الذي لا إله إلا هو من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله، كل أعماله بلا جدوى، ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط.
حضارة الغرب قائمة على الرادع الخارجي، الانضباط السلوكي هناك بسبب أجهزة بالغة الدقة، لو أن إنساناً تجاوز السرعة المقررة التقطت لسيارته صورة مع لوحته الخلفية، ودفع الثمن الباهظ جزاء هذه المخالفة، إذاً لا خير في حضارة قائمة على الردع الخارجي، ونِعِمَّ حضارة قائمة على الوازع الداخلي، كلما ارتقينا كلما انتهينا من داخلنا لا من خارجنا، من دون رقابة، المؤمن لا يستطيع أن يأكل قرشاً من حرام لو قطعته إرباً إرباً، يقول لك: أين الله؟ ليس في إمكانه أن يكذب إطلاقاً.
لذلك أيها الإخوة الأكارم... هذه الآية من الآيات الدقيقة جداً:
لا طاعة في المعصية إنما الطاعة في المعروف:
هناك شيء؛ أخ كريم حدثني أن رجل دين في تركيا أمر تلميذاً له أن يقتل ابنه، خبر تناقلته الإذاعات قبل أيام، فقتله، ثم قال له: اصعد إلى الجبل تجده هناك، هذا صعد إلى الجبل فلم يجده، فقدم شكوى، فأودع هذا الرجل السجن، هذا الخبر استوضحت، أو تبين لي أن هناك حكماً شرعياً دقيقاً جداً في هذا الموضوع. عَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:
(( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا، وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا، أَبَدًا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. ))
انقسم أصحابه فريقين، فريق همّ أن يقتحمها تنفيذاً لأمر هذا الأمير، لأن هذا الأمير أمّره رسول الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
وفريق قال: لا، إنما آمنا بالله ورسوله فراراً من النار، أفنلقي أنفسنا بها؟ واختصموا، وتوجهوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، اسمعوا ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال عليه الصلاة والسلام للذين أرادوا أن يقتحموا النار:
﴿
سيدنا الصديق رضي الله عنه: ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر.
(( عن عُمرَ قال: لوْ وُزِنَ إيمانُ أبي بكرٍ وإيمانُ الناسِ لرجحَ إيمانُ أبي بكرٍ. ))
ما ساءني قط. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
(( خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ فِي خِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ. ))
ومع ذلك قال:
إذاً حينما قال عليه الصلاة والسلام: لا طاعة في معصية،
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين