- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (026)سورة الشعراء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الوقت أثمن شيء يملكه الإنسان:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس السادس من سورة الشعراء.
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
مما يزيد السعادة سعادة أهل الجنة أن يكونوا على وشك الدخول فيها، ومما يزيد ألم أهل النار أن يكونوا على وشك الدخول فيها، فأزلفت أي قرُبت، والإمام علي كرم الله وجهه يقول: كل متوقع آت، وكل آت قريب. يدخل الصيف وينتهي، يدخل الشتاء وينتهي، يدخل العام وينتهي، تدخل المرحلة المعينة خمس سنوات وتنتهي، وليسأل أحدنا نفسه هذا السؤال: كيف مضت هذه السنون من عمري؟ كيف مضت هذه الأربعون أو هذه الثلاثون أو هذه العشرون أو هذه الخمسون؟ وليسأل نفسه سؤالاً آخر: هل بقي بقدر ما مضى؟ فإذا كان الذي مضى قد مضى فالذي بقي سيمضي، فكلمة كل متوقع آت، وكل آت قريب، أي الزمن حينما يمضي ليس في صالح الإنسان، لكنه في صالح المؤمن، مجرد مضي الزمن ليس في صالح الإنسان، كلما تحرك عقرب الثواني ثانية واحدة نقص العمر، كلما مضت ساعة، كلما مضت ليلة، كلما مضى يوم، كلما مضى شهر، وهكذا، لكن:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
أي الوقت إما أن يستهلك وإما أن يستثمر، كالمال تماماً ؛ المال قد تنفقه فتستهلكه، تشتري طعاماً وشراباً، وتصرف، وتنفق ثمن ألبسة، وحاجات، وألعاب انتهى، هذا مال مستهلَك، لكن المال قد يستثمر في مشروع يُدِّر أرباحاً طائلة، فإذا دفعت المال في مشروع استثماري فإنك بهذه الطريقة لا تستهلكه، وإنما تستثمره، والوقت أثمن من المال، فإما أن تستهلكه، وإما أن تستثمره، فمن تعرف إلى الله، وأخلص له، وجهد في طاعته، وبذل من أجله الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، وفي كل حركة وسكنة نوى أن يتقرب إلى الله عز وجل إما بالتفكر، وإما بالتذكر، وإما بالاعتبار، من جعل حياته كلها في حله وترحاله، في عمله، وفي بيته، في ليله، وفي نهاره ذاكراً لله عز وجل، إنه بهذا يستثمر الوقت، ولا يستهلكه، لأن الذي ورد في بعض الأحاديث أن ملك الموت ينبئ من حضرته الوفاة أنه يا فلان قد بقي لك من عمرك ساعة، فيبدي هذا العبد من الألم والحسرة ما لا يوصف، ويقول: يا ملك الموت من شدة حسرته على مضي حياته لو أن له الدنيا بحذافيرها لتخلَّى عنها نظير أن يُضمَّ إليه إلى هذه الساعة المتبقية ساعة أخرى، فلعله يعتذر، لعله يستغفر، لعله يتوب، لعله يعمل صالحاً، طبعاً ملك الموت يقول: فنيت الساعات فلا ساعة، لذلك كل يوم يخاطب ابن آدم ويقول: يا بن آدم ؛ أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود.
من عرف الله حركته اليومية تطابق عمله:
الفائدة من هذه الآية أن الوقت أثمن شيء تملكه، لأنك أنت كلك وقت، أنت وقت، مجموعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، فأنت بين أمرين ؛ إما أن تستهلك الوقت، وإما أن تستثمره، إن استهلكته جئت يوم القيامة صفر اليدين، وبدأت الحسرات والندم والألم.
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ
وإما أن تستثمره فتسكن نفسك، تستريح نفسك، ينشأ عندك حالة اسمها، التوازن، تتوازن، تشعر بالاستقرار، بالطمأنينة، تشعر أنك وفق الطريق الصحيح، تشعر أن حركتك اليومية مطابقة لهدفك، تشعر أن هذا الذي تفعله خلقت من أجله، هذا الذي يعرف الله، قال عليه الصلاة والسلام:
(( أوصاني الله بتسع أوصيكم بها: أوصاني بالإخلاص في السر و العلانية ، والعدل في الرضا و الغضب ، و القصد في الفقر والغنى ، وأن أعطي من حرمني ، و أعفو عمن ظلمني ، وأن يكون نطقي ذكرا ، وصمتي فكرا ، ونظري عبر. ))
صمتي فكراً أفكر، نطقي ذكراً، نظري عبرة، والمؤمن في علاقاته مع الناس كلها يبتغي وجه الله حتى لو جلس مع أهله، حتى لو داعب أبناءه، حتى لو أخذهم نزهة، إنما يفعل هذا ابتغاء مرضاة الله، حتى عمله الذي يكسب منه رزقه يُعد في ميزان الحساب يوم القيامة عبادة بمجموعة شروط تحدثنا عنها من قبل.
خمسة أيام في حياة الإنسان:
ويوم مشهود وهو أخطر أيام حياتك، في هذا اليوم يمكن أن تتوب، في هذا اليوم يمكن أن تعمل صالحاً، في هذا اليوم يمكن أن تأمر بالمعروف، أو أن تنهى عن المنكر، في هذا اليوم يمكن أن تحضر مجلس علم، في هذا اليوم يمكن أن تتقرب إلى الله، هذا اليوم المشهود أخطر أيام حياتك، بل إن الأيام اللاحقة إنما تتعلق بهذا اليوم، يوم مفقود، ويوم مشهود، ويوم مورود ساعة المنية، لا بدّ من ساعة يوضع الإنسان في قبره، كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت:
الليل مهما طال فلا بدّ من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بدّ من نزول القبر
* * *
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فـإذا حملت إلى القبور جنـــــــازة فـــــاعلم بأنك بعدهـا محـمول
* * *
ملك الموت تخطانا إلى غيرنا، فلان رحمة الله عليه، توفي والله شاب، فلان متى توفي؟ كلما تنقلت من مكان إلى مكان تطالع هذه النعوات، يجب أن تعلم علم اليقين أنه لا بدّ من يوم يطالع الناس فيه نعوة بعضهم بعضاً، اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا.
واليوم الموعود يوم القيامة، يوم الدين، يوم الحساب، يوم الجزاء، يوم الفصل، يوم تفنيد الأعمال، يوم الدينونة، يوم الطامة، هذا هو اليوم الذي يتحقق فيه اسم الله الحق، هذا الاسم يتحقق بشكل كامل يوم القيامة، لأن الحياة الدنيا دار ابتلاء، بينما الحياة الآخرة دار جزاء.
كل إنسان له مادة يُمتحن بها مع ربه، فالغني مادة امتحانه الغنى، هذا اسمه في الجامعة: مقرر، الغني عنده مقرر الغنى، والفقير يمتحن بالفقر، والقوي بالقوة، والضعيف بالضعف، والصحيح بالصحة، والسقيم بالمرض، وما شاكل ذلك، فإذا رسب الغني، ونجح الفقير انعكست الآية، إذا نجح الضعيف، ورسب القوي.
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)﴾
القوي صار ضعيفاً والضعيف صار قوياً:
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)﴾
فأنت بين خمسة أيام: يوم مفقود، ويوم مشهود، ويوم مورود، ويوم موعود، ويوم ممدود، وأنت بين أن تستهلك الوقت، وبين أن تستثمره، ابداً، والآية توضح هذه الحقيقة:
من عبد غير الله خسر خسارة لا حدود لها:
﴿
لا يصح أن تعبد غير الخالق، لأنك إذا عبدت غير الخالق خسرت خسارة لا حدود لها، لأن هذه الجهة التي تعبدها من دون الله لا تملك لك نفعاً ولا ضراً.
أندم الناس من باع آخرته بدنيا غيره:
﴿
أي هل هناك نسبة تجمع بينهما؟ أيوازى خالق الكون مع مخلوق ضعيف؟ لئيم أحياناً، أتوازى الذات الكاملة مع ذات طارئة؟ مع مخلوق طارئ؟
عجز المعبودات عن نصرة عابديها:
﴿
إلقاء المعبودات من دون الله مع عابديها في جهنم:
كُبكبوا فيها أي يندفعون إلى النار بعضهم فوق بعض من دون ترتيب، من دون عناية، من دون اهتمام
خطورة الشيطان:
﴿
إن الله عز وجل أمرنا أن نتخذه عدواً.
مزالق الشيطان:
1 ـ إبعاد الإنسان عن الدين:
يقول ربنا عز وجل في سورة يس:
هناك أشخاص لهم اطلاعهم، لهم ثقافتهم، لهم قراءاتهم، لهم تربيتهم، لهم بيئتهم، يرفضون هذه المقولة، الدين حق، هذا دين الله، وهذا كتاب الله، وهناك دليل قطعي على أن هذا القرآن كلام الله.
2 ـ مزلق البدعة في العقيدة والعبادة وخطورته:
إذاً الشيطان لا يستطيع أن يصل إلى الإنسان من خلال هذه الشبهة، يأتيه من شبهة ثانية ؛ شبهة البدعة في الاعتقاد وفي العبادة، أي قد يصبح الدين في الاعتقاد يعتقد أن أمة محمد مرحومة لا يوجد تكليف، أي الله عز وجل لن يحاسب أمة محمد، لأنها أمة اصطفاها الله عز وجل، يفعل ما يشاء، أو أن النبي عليه الصلاة والسلام بتفكير ساذج ضعيف سوف يسجد لله عز وجل، الحديث صحيح، ولكن له تفسير دقيق جداً، لأن شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام لا ينالها إلا من مات غير مشرك، والذي لا يشرك لا يعصي الله عز وجل، أما هذا الذي يفعل ما يشاء على أمل أن النبي عليه الصلاة والسلام يشفع له فهذه بدعة في العقيدة، هي الذي يتمناها الشيطان، يتمنى أن تعتقد مجموعة عقائد فاسدة، لأن العقيدة الفاسدة من لوازمها السلوك المنحرف، فإذا لم يستطع الشيطان أن يصل إلى الإنسان من خلال الكفر، أن يكفر بالدين، وأن يكفر باليوم الآخر، وأن يكفر بأسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، من أن يكفر بالكتب السماوية، والأنبياء، والمرسلين، إذا لم يتمكن الشيطان أن يقنع الإنسان بهذه الضلالات الفكرية يقنعه ببدع في الاعتقاد.
﴿
هذه بدعة من بدع الاعتقاد أملاها الشيطان على أهل الكتاب.
﴿
هذه بدعة ابتدعها أهل الكتاب بوحي من الشيطان، أي لو دخلت حتى في الأديان الأخرى ترى أن هناك بدعاً في الاعتقاد لا حدود لها لماذا؟ حينما يعجز الشيطان عن أن يلقي الضلال والكفر في الإنسان يهبط درجة، ينتقل إلى إلقاء البدع في الاعتقاد، الإنسان مجبور على أعماله كلها، تقول: لِمَ لا تصلي؟ يقول: ترتيب سيدك، حتى يأذن الله، هذه بدعة في الاعتقاد، بدعة خطيرة، أصبحت مشلولاً، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، أي إذا اعتقدت أن الإنسان كريشة في مهب الريح.
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال إيَّاك إيَّاكَ أن تبتلَّ بالـماء
* * *
الجبر هو الاعتقاد بأن الإنسان مجبور على كل أعماله، وليس مخيراً إطلاقاً، هذه بدعة تشل الإنسان، تشل حركته، يقعد، ينتظر أن يحدث شيء خارق للعادة، إذاً الشيطان إما أن يلقي الضلالة الكبرى وهي الكفر، وإما أن يلقي ابتداعاً في العقيدة.. انحراف في العقيدة، على مستوى الأنبياء مثلاً يقول تعالى في حق يوسف:
3 ـ الصغائر باب من أبواب الشيطان:
أحياناً الشيطان لا يستطيع أن يوسوس لهذا الإنسان الكفر والبهتان، ولا البدعة في الاعتقاد، وفي العبادة، ولا أن يحمله على الكبائر، يرضى الشيطان أن تقع في الصغائر، وأن تدوم عليها، وأن تستمر عليها، وقد قيل: " لا صغيرة مع الإصرار "، مادام الإنسان مقيمًا على صغيرة، وهو مرتاح لها، ويظن أنه لا يحاسب عليها، هذه أيضاً من العقبات الكؤود التي تقف بينك وبين الله عز وجل، الصغائر قال عليه الصلاة والسلام: عن سهل بن سعد الساعدي:
(( إياكم ومُحَقَّراتِ الذنوبِ ، فإِنَّما مثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذنوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نزلُوا بَطْنَ وادٍ ، فجاءَ ذَا بعودٍ ، و جاءَ ذَا بعودٍ ، حتى حمَلُوا ما أنضجُوا بِهِ خبزَهُم ، و إِنَّ مُحَقَّراتِ الذنوبِ متَى يُؤْخَذْ بِها صاحبُها تُهْلِكْهُ. ))
عودٌ وراء عود وراء عود أصبحوا حزمة، اشعلها صار هناك نار عظيمة، المصافحة، أكل لقمة من حرام، نظرة، سبحان الخالق ! نظر زيادة، هذه كلها صغائر، هذه إذا اجتمعت على الإنسان تهلكه، وإذا أصرّ عليها تنقلب إلى كبائر، أي الصغيرة انحراف بالمقود سنتمترًا واحدًا، سميت صغيرة لأن تلافيها سهل جداً، لكن لو أن هذا الانحراف استمر سنتمتراً آخرته بالوادي، كان الطريق طريقاً مستقيماً على يمينه واد سحيق، وحرف المقود سنتمترًا واحدًا، هي صغيرة لأنه بإمكانك أن تعيد المقود إلى ما كان عليه، أما لو أنك أصررت على هذا الانحراف فهذه الصغيرة لا بدّ من أن تلتقي مع الكبيرة في التدهور، لذلك لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
الشيطان أحياناً يعجز عن إيقاع الإنسان في الكفر، ويعجز عن إيقاعه في فساد العقيدة، ويعجز عن إيقاعه في بدع العبادة، ويعجز في الكبائر وقد يعجز عن إيقاعه في الصغائر.
4 ـ مزلق المباحات:
بقي مزلقان خطيران ؛ مزلق المباحات، الطعام والشراب مباح، الاعتناء بالبيت مباح، التنقل من مكان إلى مكان كله ضمن المباحات، إذا صرف الإنسان وقته في المباحات فوت عليه الطاعات، وهذا مزلق خطير من مزالق الشيطان ؛ أن تنصرف إلى المباحات، إلى الشيء الذي سمح الله به، تجعله أكبر همك، تجعله مبلغ علمك، تجعله كل شيء في حياتك، هذه المباحات إذا توسع الإنسان فيها، واهتم بها، وجعلها مبلغ علمه، ومنتهى آماله، هذه المباحات تفوّت عليه الشيء الكثير.
إذا أحبّ الإنسان أن ينام، والنوم مباح، وكنت في مكان بإمكانك أن تأخذ الجواهر الثمينة، بدلاً من أن تأخذ الجواهر في هذا الوقت نِمْتَ نوماً عميقاً، أنت لا سرقت، ولا زنيت، ولا فعلت شيئاً إطلاقاً، لكن نمت أما هذا النوم في مكان يسمح لك أن تأخذ الجواهر الثمينة فهذا النوم فيه خسارة كبيرة.
5 ـ مزلق الدفع إلى الطاعات المرجوحة:
إذا عجز الشيطان عن أن يحمل هذا الإنسان على أن يجعل هذه المباحات كل همه ومبلغ علمه، بقي هناك مزلق قبل الأخير، هذا المزلق أن يدفعه إلى الطاعات المرجوحة، هناك طاعة راجحة، وطاعة مرجوحة، أي يفضل عليها طاعة أخرى، أي كل حياته يمضيها في طاعة جزئية جداً جِداً، ويضيع عليه الشيء الكثير.
العبادات درجات وأنواع ؛ هناك عبادة أرقى من عبادة، وعمل أرقى من عمل، وطاعة أرقى من طاعة، طلب العلم أرقى شيء، هناك من يكتفي من الدين بشيء محدود جداً، فهذا أيضاً عقبة بينك وبين النجاة في هذه الدنيا، صار الكفر، والبدعة في الاعتقاد، والبدعة في العبادة، والكبائر، والصغائر، والمباحات، والأعمال المرجوحة أي الأعمال التي هناك أعمال أفضل منها، هذه كلها من فعل الشيطان، ولآتينهم عن أيمانهم، وعن شمائلهم، وأنت في طريق الإيمان هناك ألف وألف مدخل للشيطان.
6 ـ عقبة الامتحان:
إذا نجوت من كل هذه العقبات فهناك عقبة أخيرة، هذه العقبة لا بدّ منها، عقبة الامتحان، لأن الله عز وجل يحب أن يرى من يحبه لذاته، ومن يحبه لما عنده، ومع أنك مستقيم على أمر الله، ومع أنك خاضع له، ومع أنك محب له، قد تأتي الأمور على خلاف ما تشتهي، ماذا تقول؟ هل تجعل النبي عليه الصلاة والسلام قدوة لك؟ النبي عليه الصلاة والسلام كانت إذا جاءت الأمور كما يشتهي يقول: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا جاءت الأمور على خلاف ما يتمنى كان يقول: الحمد لله على كل حال. وأنت في استقامتك التامة، وأنت في ورعك، وأنت في محبتك لله، وأنت في اندفاعك إلى الله، قد تأتي الأمور على خلاف ما تريد ماذا تفعل؟ أنت متّبع للدين مشارطة، أنا مستقيم فيجب أن تكون الأمور كلها كما أريد، هذا صار شرطاً، الله عز وجل لا يشارط، ولا يجرب، أنت عبد، ومع أنك تسير كما يريد الله عز وجل اختار لك أن يفعل معك هكذا، ماذا تقول؟ الحمد لله رب العالمين، يوجد صحابة تحملوا من الشدائد ما تحملوا، النبي عليه الصلاة والسلام قال: أوذيت وما أوذي أحد مثلي، ماذا فعل النبي حتى يستحق هذا الأذى؟ هذه عقبة لابد منها، لم ينجُ منها الأنبياء، لماذا؟ الله عز وجل امتحنهم، في الطائف ذهب إليها ماشياً تلقاه أهلها بالكفر، والصدّ، والعدوان، والاستهزاء، والسخرية، والأذى، ألجؤوه إلى حائط فوقف النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى.
أريد من الإخوة الكرام أن يوطن كل واحد منكم نفسه حتى لا يفاجأ، الله يحب أن يمتحنك أحياناً، يحب أن يمتحن صبرك، يمتحن عبوديتك، يمتحن محبتك له، مادامت الأمور ميسرة، صحة طيبة، دخل كبير، سرور، بسط، أولاد، زوجة، كل شيء مرتب، الحمد لله، ثلاثة طيات تعمل القبلة، الله يريد أن يراك في المصيبة ماذا تفعل؟ تبربر، ماذا يتكلم الإنسان؟ المؤمن يقول: الحمد لله رب العالمين، والله يوجد سعادة، يهبط على قلب المؤمن من السعادة إذا جاءه شيء يكرهه حينما يقول: الحمد لله رب العالمين، يا رب أنا عبدك وابن عبدك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدلٌ في قضاؤك، يا رب لك الحمد على كل شيء، هذه عقبة لا بدّ منها، لا ينجو منها مؤمن، الأنبياء تحملوا هذه الشدائد، الإنسان أحياناً وهو في قمة تألقه يفتقر ماذا يفعل؟ يسرق؟ لا يسرق، يأكل مالاً حراماً؟ لا والله، يضغط على نفسه، ويضغط، ويضغط، ولا يأكل درهماً حراماً، هذا امتحان، هذه مصائب الامتحان، مصائب الابتلاء، أحياناً يمرض الإنسان، تمرض زوجته، يمرض ابنه، تنشأ مشكلة، ربنا عز وجل يحب أن يرى موقفك منها، ينظر ماذا تفعل، ماذا تقول، القضية دقيقة جداً. فالشيطان هذا الذي ساقنا لهذا المعنى كلمة:
الخصومات يوم القيامة:
لا شفيع للمجرمين ولا صديق حميم يوم القيامة:
إن شاء الله تعالى في الدرس القادم ننتقل إلى قصة نوح عليه السلام.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين