- التربية الإسلامية
- /
- ٠8الأخلاق المذمومة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، في سلسلة دروس الأخلاق المذمومة التي بدأنها قبل حين انطلاقاً من قول سيدنا حذيفة رضي الله عنه حينما قال :
(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه ))
من الأخلاق المذمومة : التعاون على الإثم والعدوان :
ولكن من خلال هذه السلسلة ليس من خلق مذموم أخطر على المؤمن من هذا الخلق ، موضوع هذا الدرس إنه التعاون على الإثم والعدوان ، قال تعالى :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
1 – ما معنى الإثم ؟
فالإثم بالتعبير الاصطلاحي ما يجب التحرز منه شرعاً وطبعاً ، أما كلمة شرعاً وطبعاً فتعني أن هناك مطابقة تامة بين مفردات المنهج وخصائص النفس ، فكل شيء تتوق نفسك إليه أمرك الله به ، وكل شيء يزري بك نهاك الله عنه ، فما ينبغي أن تبتعد عنه شرعاً وطبعاً .
وقال بعضهم : الإثم والآثام هي الأفعال المبطئة للثواب التي تحمل صاحبها وصمة تجعله صغيراً عند الله وعند الناس .
والإثم هو الذنب الذي تستحق النفس العقوبة عليه ، ولا يصح أن يوصف به إلا المحرم ، وهذا التعريف أقسى التعريفات ، والإثم في هذا التعريف محرم .
2 – الفرق بين الإثم والذنب والوزر :
أما الفرق بين الإثم والذنب والوزر ، فإن الذنب هو مطلق الجرم عمداً كان أو سهواً ، فلمجرد أن تخرج عن منهج الله فهذا ذنب ، ويستحق صاحبه العقاب ، إلا أن الإثم ما كان عمداً ، قد يكون الذنب عفواً عن غير قصد ، إلا أن الإثم هو ذنب ارتكب عمداً .
أما الفرق بين الإثم والوزر فهما واحد ، وإن اختلفا في الوضع ، أي في أصل الاشتقاق ، فإن وضع الوزر للقوة ، لأنه من الإزار ، وهو ما يقوي الإنسان نفسه به ، ووضع الإثم للذة إنما خص به فعل الشر ، وفي الأعم الأغلب فعل بعض المعاصي مستلذ عند الإنسان ، الوزر فيه قوة ، والإثم فيه لذة ، وكلاهما ذنب .
3 – ما هو العدوان ؟
أيها الإخوة الكرام ، أما العدوان ، فهو الاعتداء في قول أو فعل أو حال ، عدوان قولي ، وعدوان فعلي ، وعدوان نفسي .
وقال بعضهم : العدوان تجاوز المقدار المأمور بالانتهاء إليه والوقوف عنده .
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
أحياناً يكيل الإنسان الصاع صاعين ، هذا عدوان ، الأصل لك أن تأخذ حقك ، أما أن تأخذ الحق وزيادة فهذا عدوان .
معنى الآية :
معنى قول الله عز وجل :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
قاعدة : إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا :
أن كلاً منهما الإثم والعدوان إذا أفرد فهذا موضوع لطيف له ما يشبهه في كتاب الله ، مثلاً : الفقراء والمساكين ، إذا قلت : الفقراء فيعني الفقراء والمساكين ، وإذا قلت : المساكين فيعني الفقراء والمساكين ، أما إذا قلت : الفقراء والمساكين الآن الفقير الذي لا يجد حاجته ، دخله أقلّ من حاجته ، لكنه ساكن في بيت ، ويرتدي ثياباً ، أما المسكين فهو العاجز عن أن يكسب المال ، معه عاهة ، فإذا اجتمعا تفرقا ، وإذا تفرقا اجتمعا ، والإثم والعدوان إذا اجتمعا تفرقا ، الإثم يغلب عليه المعصية التي فيها لذة ، والعدوان يغلب عليه الفعل الذي فيه تجاوز ، أما إذا قلت : الإثم فيشمل العدوان ، وإذا قلت : العدوان فيشمل الإثم .
قال القرطبي : " العدوان تجاوز الحد ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه " ,
على كل الشاهد القرآني الوحيد :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
لكن التفاصيل تأتي في السنة .
لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان والظلم :
أيها الإخوة الكرام ، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي :
(( اسمعوا ، هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء ، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ، و لست منهم ، و ليس بوارد عليّ الحوض ، و من لم يدخل عليهم ، ولم يعنهم على ظلمهم ، و لم يصدقهم بكذبهم فهو مني و أنا منه ، و هو وارد عليّ الحوض ))
من أعان ظالماً و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب على جبينه : آيس من رحمة الله .
1 – لا يجوز الإقرار على الذنب والمعصية :
لك صديق له منصب معين ، فدخلت عليه زائراً ، قال لك : فعلت كذا و كذا ، و العمل فيه ظلم ، فإذا جاريته ، و أمنت على كلامه بل ، و أثنيت عليه ، و قلت : هذا عين الحكمة هل تصدق أن الإثم الذي احتمله من هذا العدوان لك منه نصيب ، و لك منه وزر ، لذلك قالوا : من غاب عن معصية فأقر بها كان كمن شهدها ، ومن شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها .
لو أخذنا مثلاً فيه مبالغة : أنت بدمشق ، و إنسان ارتكب معصية كبيرة في كندا ، فأنت قلت في نفسك : و الله هذا ذكي ، لكنه ارتكب معصية ، أو عدوانا ، أو اختلس مالا، تزوير ، كذب ، قلت : و الله هو ذكي ، هل تصدق أن الإثم الذي سيتحمله تتحمله وأنت في الشام .
من أقر معصية غابت عنه كان كمن شهدها ، ومن شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها .
2 – لا تكن صاحبَ صاحبِ معصية :
هذا يذكرنا بأن الذنب شؤم على غير صاحبه ، على صاحبه من باب أولى قطعاً ، لكن الأثر الآن على صاحب صاحبِ الذنب ، الذنب شؤم على غير صاحبه ، أي على صاحب صاحبه .
وبالمناسبة ، هناك من يقول : لأن تكون صاحبَ صاحبِ مزرعة أفضل من أن تكون صاحب مزرعة ، ولأن تكون صاحبَ صاحبِ سيارة أفضل من أن تكون صاحب سيارة ، هنا إذا كنت صاحبَ صاحبِ مذنب فهناك مضاعفات .
3 – لا تعيِّر المذنب بذنبه :
أولاً : إن ذكرت هذا الذنب لكل من هبّ و دب فقد اغتبته ، وإن رضيته شاركته في الإثم ، وإن عيرته ابتليت به ، كم حالة ؟ إن ذكرته اغتبته ، إن أقررته عليه شاركته بالإثم ، إن عيرته به ابتليت به .
لك صديق ارتكب معصية معينة ، إذا قلت : دبّر أمْره فأنت شريكه في الإثم بكلمة ، و:
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
4 – لا تتكبر على المذنب :
وإذا قلت : أين عقله ؟ شامتاً به ، معيراً له فربما أدبك الله بأن تبتلى بهذا الذنب نفسه ، و هذا شيء يقع كثيراً .
أنت تترفع بكبر فتقول : أين عقلك ؟ أما سيدنا يوسف فكان أديبا جداً :
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
أي يا رب أنت حفظتني ، عفتي بفضلك ، أحياناً يكون الإنسان مستقيماً فعلاً ، لكن ينسى أن الله حفظه ، فيعتد باستقامته ، أنا عندي إرادة قوية ، أنا مربى من الصغر على طاعة الله ، هذا كبر ، سيدنا يوسف أكمل منك :
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
إنّ أبعد إنسان في تصورك عن أن يعبد غير الله الأنبياء ، ماذا دعا سيدنا إبراهيم ؟
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾
هذه العبودية ، أن ترى أن الله هو الحافظ ، على كل إن ذكرته لمن هب ودب فقد اغتبته ، وإن عيرته ، وشمت به ابتليت به ، وإن أقررته فقد شاركته في الإثم .
لك صديقك ارتكب ذنبا ينبغي أن تقول : غفر الله له ، يا رب احفظني من هذا الذنب ، بينك وبين الله ، أعني على طاعتك ، يا الله لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، فأنت حينما تدعو الله أن يعصمك ، وأن تدعو لأخيك بالتوبة فهذا الموقف الكامل .
قد يكون لك صديق بسلك معه قوة كبيرة جداً ، أحياناً بالجمارك يقول لك : أوقفته ودفعته مئتي ألف ، دفعهم وهو صاغر ، ماذا تقول له أنت : الله يعطيك العافية ، الله يعينك ، هناك إله سيحاسبك ، هذا عدوان طبعاً ، عود نفسك ألاّ تجامل أحداً بهذه الموضوعات ، لا تجامل الناس بأخطائهم ، إن جاملتهم بأخطائهم فأنت مخطئ .
والله لو أردت أن أدقق أكثر ، والله لو هززت برأسك لكنت مشاركاً له ، ما تكلمت ولا كلمة ، أليس معي حق ؟ تعمل له هكذا ، لا ليس معك حق .
مرة إنسان له منصب رفيع قال لي : والله أنا كنت في الحج يا أستاذ ، قلت له : مبارك ، قال لي : عندي ثلاثمئة موظفة ، قال : الكبار أخواتي ، وصافحتهم ، والصغار مثل بناتي ، ما قولك ؟ قلت له : غير صحيح ، هو فكره أن يأخذ مني فتوى ، الكبار أخواته والصغار بناته ، كلهم صافحهم بعد الحج .
خيرية الأمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
أنت لا تسكت ، لأن هذه الأمة خيريتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقدت خيريتها ، قال تعالى :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر ، بل إن أمرنا بالمنكر ونهينا عن المعروف ، بل إن أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً فقدنا خيريتنا ، وأصبحنا أمة كأي أمة خلقها الله ، مالنا شأن عند الله إطلاقاً ، وهذا هو الواقع ، كن جريئاً ، هناك إنسان يقفز على المشكلات ، هناك إنسان يواجه المشكلة ، أمتنا متخلفة دينياً ، لا تقل : نحن أمة محمد ، هو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، لكن نحن لسنا على سنته ، ولسنا على منهجه ، والدليل أننا نعذب كل يوم ، والله عز وجل يقول :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
يجب التمسكُ بالمضامين لا بالشكليات :
مستحيل وألف ألف مستحيل أن نعذب ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم فينا ، في بيوتنا ، فلذلك البطولة لا أن تكون مع الإطار الإسلامي ، بل أن تكون مع المضمون الإسلامي ، البطولة أن يكون بيتك إسلامياً ، لا أن يكون كلامك إسلامياً ، أن يكون عملك إسلامياً ، الأطر سهلة جداً ، وأبعد الناس عن الدين بإمكانه أن يتمسك بالأطر الإسلامية ، يصلي ، يحج يأتي بعمرة ، لكن كسب ماله غير إسلامي ، إنفاق ماله غير إسلامي ، احتفالاته غير إسلامية ، سفره غير إسلامي ، خروج بناته غير إسلامي ، لا تكن متعلقاً بالأطر ، كن متعلقاً بالمضمون ، نحن تعلقنا بالأطر ، لو ذهبت إلى كل بلاد العالم الإسلامي فيها مساجد وصلوات ومؤتمرات ، ومكتبات ، وبرامج دينية ، لكن المسلمين غير مطبقين ، لذلك الله عز وجل لم يعبأ بكل هذه المظاهر فعطل وعوده نحوهم .
أنا أذكر قبل الحرب الأخيرة في العراق ما مِن مسجد ما صلى صلاة بالقنوت ، والله ما استجاب ، والآن أقول لكم : لو أقمنا صلاة الاستسقاء ولم تكن لنا توبة فلن ينزل مطر ، نحن إنتاجنا بفضل الله ستة ملايين طن من القمح ، فلذلك القضية ليست قضية شكليات عند الله ، بل قضية مضامين ، يجب أن نحتفل بالمضامين لا بالعناوين ، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي أيضاً :
النصحَ النُّصحَ :
(( إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق ، إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء ، إن نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه ))
لذلك أخطر شيء من حولك هؤلاء ، يجب أن يكونوا نصحة ، وبطولتك أن تقرب من ينصحك ، وأن تبعد عنك من ينافقك ، قرب من ينصحك على مستوى أسرة ، على مستوى معمل ، على مستوى مدرسة ، على مستوى جامعة ، على مستوى مؤسسة ، الناصح قربه ، والمنافق أبعده .
(( إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق ، إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء ، إن نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه ))
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة :
(( أعاذك الله من إمارة السفهاء ، قال : وما إمارة السفهاء ؟ قال : أمراء يكونون بعدي ، لا يهتدون بهديي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ، ولست منهم ، ولا يردون علي حوضي ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ، ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني ، وأنا منهم ، وسيردون علي حوضي ، يا كعب ، الصيام جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، والصلاة برهان ، يا كعب ، الناس غاديان ، فمبتاع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فموبقها ))
أيها الإخوة الكرام ، لو أن شخصا الآن مقتنع أنه إنما جاء الغرب للعراق ليشيع فيه الحرية والديمقراطية ، مستحيل ، لأن الواقع عكس ذلك ، الواقع أن ثروات نهب ، الواقع إثارة فتن طائفية ، فلما يشيع الكذب ينشأ مجتمع على الكذب ، إذا تكلم إنسان كلمة غير صحيحة فأنت بأدب قل له : هذا الكلام غير صحيح ، فلما يجد الإنسان من ينتقضه ، ومن يصحح له يضبط نفسه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي سعيد رضي الله عنهما أنهما قالا : قال عليه الصلاة والسلام :
(( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ))
الله قال :
﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾
الذي عقرها واحد ، والآية :
﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾
يعني قومه أقروا الذي عقرها ، والآن أحياناً تعتدي دولة فتجد في الانتخابات هذا المعتدي يدعم في ، أنا رأيي الشخصي أن كل من انتخب وزارة بدولة كبيرة ظالمة تعتدي على الشعوب الأخرى المنتخب يحمل الإثم نفسه ، لأنك أنت الذي انتخبته ، في الدول الديمقراطية الإثم ينال جميع المجتمع ، لأن في انتخابات حرة هؤلاء الذي انتخبوا سيحاسبون .
(( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ))
وفي حديث آخر رواه الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : قال عليه الصلاة والسلام :
(( من أعان على خصومة ))
إيّاكم والتناقض والكيلَ بمكيالين :
أيها الإخوة الكرام ، والله الذي لا إله إلا هو تسعون بالمئة من الناس إذا أخطأ الابن تكون الأم مع ابنها ضد زوجته ، وإذا أخطأت البنت يكون أبو البنت مع ابنته ضد صهره ، وإذا أخطأ ابن الشريك ، الشريك الأول مع ابنه ضد شريكه وهكذا ، انحياز أعمى ، ولا إنصاف ، ولا عدل ، نحن نظن أن العدل للقاضي ، أنت قاضٍ بين أولادك ، قاضٍ بين أصهارك ، قاضٍ بين ابنتك وزوجها ، أنت قاضٍ ، معظم الناس ينحازون إلى من يلوذ بهم ، هذا انحياز أعمى ، وهذا فيه ظلم .
(( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ))
(( من أعان على خصومة لم يزل في سخط الله حتى ينزع ))
أعلم إنسانا شابا غنيا يريد الزواج ، اختار فتاة بارعة الجمال ، لكن لها بيئة دينية ، وهو اعتبر أن جمالها يكفي ، وأن له طريقة معينة يجعلها تتخلى عن التقاليد البالية ، فلما تزوجها إذا هي مؤمنة صدقاً ، فرفضت الاختلاط ، وأن تذهب معه إلى الملاهي والفنادق ، وأن تجلس مع أصدقائه ، ومهرها غال جداً ، فدبرت أمه خطة كي تسامحه بمهرها ، أعطته تعليمات معينة ، يأتي الساعة الثانية ، يبالغ في إهانتها بألوان الإيذاء والظلم ، لم تحتمل ، بعد حين طلبت الخلع مع مسامحته بكل مهرها ، وهذا الذي حصل ، وتزوج امرأة أخرى شاردة عن الله مثله ، فصار يتندر الشاب كلما وقع في مشكلة ، يقول : نفذنا منها كما نفذنا من مهر فلانة ، وحسب نفسه بطلا ، وعنده سيارة ، وله بيت في المصيف ، وفي أحد أيام الصيف ـ انظر الترتيب الإلهي ـ وهو يقود السيارة وزوجته الجديدة إلى جانبه ، ووراءه أمه ، ووراء زوجته أبوه في المقعد الخلفي ، الأب وراء زوجته ، والأم وراء ابنها ، ووقع حادث مروع في الصحراء ، قتل الشاب وأمه فوراً ، كان الأب يستنكر عمل زوجته لظلم هذه الزوجة ، الله كبير ، ومثل هذه القصة آلاف القصص .
لا تعِن ظالماً ، لا تعِن ظالماً ، أحياناً الابن يكون ظالما ، والأم تدعم ابنها ضد زوجته ، بطولة الأم أن تكون مع الحق .
أيها الإخوة الكرام ، عدل ساعة يعدل أن تعبد الله ثمانين عاماً ، كلمة إنصاف ترقى بها إلى أعلى عليين ، ولو أنك تنصف خصم ابنك .
توجيهات نبوية في بيان خطورة التعاون على العدوان :
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عمية ـ يعني ليس فيها وضوح ، تقاتل مع جهة الهدف غير واضح إطلاقاً ، العمية المراد بها الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه ـ يغضب لعصبة ، أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ، ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه ))
هذا القتل العشوائي مخالف للمنهج ، تقتل بريئاً ، تقتل طفلاً ، تقتل امرأة ، بلا دقة ، بلا توجيه معين ، بلا حكم شرعي ، هذه مشكلة كبيرة جداً ، طبعاً بالمقابل :
(( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ))
العصبية هنا أن تنحاز إلى قومك على حق أو على باطل ، أن تنحاز إلى ابنك ، أن تنحاز إلى ابنتها على حق أو على باطل ، أن تنحاز إلى شريكك على حق أو على باطل ، الانحياز الأعمى هو العصبية ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( ليس منا من قاتل على عصبية ، أو قتل على عصبية ))
لابد من عاطفة عميقة :
هناك توجيه لطيف لبعض العلماء ، سعيد بن المسيب هذا تابعي قال : " لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة " .
ترى إنساناً أعان ظالماً ، انظر سيارته فخمة ، بيته فخم ، لا ، لو دخلت إلى بيت تاجر مخدرات ، وكان بيته فخماً جداً هل تحترمه ؟ أعوذ بالله ، حتى يفرقوا بين العاطفة العميقة والسطحية ، الإنسان العميق المفكر يحتقر إنساناً غنياً جمع أمواله على أنقاض البشر ، تجار المخدرات جمعوا أموالهم على دمار الشباب .
يجب أن تملك عاطفة عميقة ، أنا رأيي لو كان له دخل فقير جداً ، ودخله هذا حلال مئة بالمئة ، ويعرف الله ، وملتزم ، ينبغي أن تحترمه ، وأن توقره ، وأن تحبه ، وأن تعرض عن هذا الذي امتلأ بيته بالتحف والأثاث والأناقة ، والجمال والولائم والفنادق والصالات ، هذا قد يكسب مالاً حراماً ، وذاك ماله حلال ، يجب أن تدعم الحق أن تدعم أهل الحق ، طبعاً يقاس على هذا إذا اشترى الرجل من رجل شيئاً وهو يعلم أنه سرقة فقد شاركه في السرقة ، حتى في القانون يحاسب كسارق .
وقال بعض السلف : " ما انتهك المرء من أخيه حرمة أعظم من أن يساعده على معصية ثم يهونها عليه " .
لا تساعد على معصية ، ولا تهون معصية على إنسان ، كن مع الحق ، ولا تخش في الله لومة لائم .
نتائج التعاون على الإثم والعدوان :
أيها الإخوة الكرام ، هذا الخلق الذميم خطير جداً ، هذا الخلق الذميم يكسبك آثام الآخرين ، تحمل أوزاراً كأوزارهم ، لأنك هززت رأسك ، أو أعطيته قلما ، حتى لو أعطيته قلما يوقع فلا تقبل ، لا أسمح لك أن توقع بقلمي قراراً ظالماً ، لذلك لما يكون في المجتمع أناس يقظون ونصحة وجريئون يتقدم المجتمع ، وطن نفسك ألاّ تجامل إنساناً على معصية ، ولا تعن على معصية ، ولا تعن على ظلم ، أما أخطر شيء فمن أعان ظالماً سلطه الله عليه ، وأكبر عقاب أنك إذا أعنت ظالماً كنت أول ضحية له ، من أعان ظالماً سلطه الله عليه .