- التربية الإسلامية
- /
- ٠8الأخلاق المذمومة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس الأخلاق المذمومة ، لأن سيدنا حذيفة رضي الله عنه قال :
(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه ))
من الأخلاق المذمومة : الجهل :
1 – توطئة :
الخلق في درس اليوم الجهل ، وما من صفة تزري بالإنسان كالجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ، ولأن الإنسان أيها الإخوة أودع الله فيه قوة إدراكية ، لذلك إذا طلب العلم أكد إنسانيته ، فإن ترك العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .
الحقيقة أن الموضوع واسع جداً ، لكن أخذ القليل خير من ترك الكثير .
2 – تعريف الجهل والعلم :
أولاً : الجهل اصطلاحاً : أن تعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه ، هذا جهل ، تعريف العلم الوصف المطابق للواقع مع الدليل ، الوصف المطابق للواقع مع الدليل ، أما الجهل فأن تعتقد شيئاً فأن تتوهم شيئاً خلاف الواقع من هنا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :
(( اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ))
أوضحُ مثلٍ : تركب مركبتك فتألق ضوء أحمر ، إن فهمت هذا التألق تألقاً تحذيرياً فأنت مع العلم ، أما إن فهمته تألقاً تزييناً فأنت مع الجهل ، لأن هذا الضوء ضوء تحذيري ، فإن فهمته ضوءا تزيينيا كنت جاهلاً ، وإن فهمته فهماً تحذيرياً كنت عالماً .
من أدق تعريفات العلم : الوصف المطابق للواقع مع الدليل ، والجهل : وصف لا يطابق الواقع ، الواقع شيء ، والوصف شيء آخر ، إذاً : هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه ، لكن بعضهم قال : هو اعتقاد في الشيء على خلاف ما هو عليه .
أحياناً الجاهل يخترع شيئا لا وجود له أصلاً ، فأين الشيء ؟ العلماء ردوا على هذا الاعتراض بأنه شيء في ذهنه .
مثلاً :
﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
الجن : إذا اعتقدت أن الجن يفعلون ، ويعطون ، ويمنعون ، ويؤذون ، ويرفعون ، ويخفضون ، فهذا هو الجهل بعينه ، إن اعتقدت أن حروف اسمك مع حروف اسم خطيبتك ليسا متوافقين فهذا هو الجهل بعينه ، إذا أتيت عرافاً تسأله عن المستقبل هذا هو الجهل بعينه ، إذا اعتقدت أن ما سوى الله يمكن أن يعطيك أو أن يمنعك فهذا هو الجهل بعينه .
أيها الإخوة الكرام ، صدقوا حينما تعرف الحقيقة تركل بقدمك ألوف المعلومات الخاطئة ، وألوف التصورات ، ألوف الأوهام ، والجاهل عدو نفسه ، والجاهل يعيش في وهم ، وأنا من أدعيتي في كل درس : اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الجهل هو التقدم في الأمور المبهمة بغير علم ، قال تعالى :
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
لكن بعض العلماء قالوا : الجهل هو عدم العلم بما من شأنه أن يكون معلوماً ، فإن قارن اعتقاد النقيض أي الشعور بالشيء على خلاف ما هو به فهو الجهل المركب .
الإنسان الذي لا يعلم هذا جاهل بسيط ، أما الإنسان الذي يتوهم الشيء على خلاف ما هو عليه فهذا جاهل جهلاً مركبًا ، الذي لا يعلم جهله بسيط ، أما الذي يعلم معلومة خلاف الواقع هذا جهله مركب ، لذلك قال الله عز وجل :
﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾
أحياناً يكون مع إنسان أعلى شهادة ، لكنه لم يستنر بنور الله ، ولم يهتدِ بهدي الله ، فهو جاهل مع أنه متعلم ، من هنا قالوا : ما كل ذكي بعاقل ، فالذي لا يعرف الله عز وجل ، ولا يعرف سر وجوده ، ولا غاية وجوده هذا لو يحمل شهادات عليا هو ليس بعاقل ، هو ذكي ، لكنه ليس بعاقل .
مراتب الجهل :
1 – الجهل البسيط :
مرة ثانية : الجهل البسيط هو عدم العلم بالشيء إطلاقاً .
2 – الجهل المركب :
أما الجهل المركب فأن تعتقد اعتقاداً في شيء غير صحيح ، وبعضهم قال : الجهل على ثلاثة أضرب ، خلو النفس من العلم ، أو اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه ، لا زلنا في الاعتقاد ، مع العلم هو جهل بسيط ، ومع فهم خاطئ هو جهل مركب .
3 – الجهل بفعل الشيء بخلاف ما حقه أن يُفعَل :
أما الشيء الثالث فهو فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل ، كإنسان لا يعلم ما الذي يرفع الضغط ، هذا القاتل الصامت ، هذا جاهل جهلا بسيطا ، وكإنسان متوهم أنه كلما أكثر من الملح ينخفض ضغطه ، هذا يعتقد بخلاف الواقع ، هذا جاهل مركب ، لكن الجاهل الخطير أن يكثر من تناول الملح ومعه ضغط مرتفع جداً ، فهو يسعى لحتفه بيده ، الثالث فعل الشيء بخلاف ما ينبغي أن يفعل .
الجاهل أنواع ، دخلنا بالجهلاء ، أول نوع لا يعتقد اعتقاداً صالحاًُ ولا طالحاً خالي الذهن ، فأمره في إرشاده سهل جداً .
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً فارغاً فتمكنا
الإنسان خالي الذهن إقناعه سهل جداً ، ليس عنده تصور سابق ، ولا عنده اعتقاد سابق ، ولا عنده خط دفاع ، هذا الذي وعاءه فارغ من أية معلومة إقناعه سهل جداً ، طبعاً إذا أضيف إلى هذا الفراغ من المعلومات طبع سليم فهو كلوح أبيض يكتب به ببساطة من دون مشكلة ، أو أرض بيضاء تلقى فيها البذور ، وهذا اسمه غافل ، ولا نقول له : جاهل .
هناك جاهل آخر معتقد برأي فاسد ، لكنه لم ينشأ عليه ، ولم يتربَ به ، وإزالته سهلة أيضاً ، اعتقد اعتقاداً خاطئاً ، هذا يسميه العلماء صادقًا مع نفسه .
وهناك إنسان يعتقد اعتقاداً فاسداً ، لكن هذا الاعتقاد ران على قلبه ، وتراءت له صحته ، فركن إليه لجهله ، وضعف بصيرته ، فقد قال الله عز وجل :
﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾
4 – الجهل المكتسب :
الآن عندنا جاهل رابع اعتقد اعتقاداً فاسداً ، وعرف فساده ، أو تمكن من معرفته ، لكنه اكتسب هذا الشيء اكتساباً حقيقياً ، وتأثر به ، فهذا من الصعب جداً أن يدع هذا التشبث ، هذا ركوب الرأس هذا الكبر هذا الاستعلاء .
أهلُ الجهل والظلم :
أيها الإخوة الكرام ، أهل الجهل والظلم الذين جمعوا بين الجهل بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام والظلم باتباع أهواءهم ، قال تعالى :
﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾
أي أنه جاهل مسيء ، جاهل ظالم ، فهو مفتقر للعلم ، لكنه حجب بأعماله السيئة الناتجة عن الجهل .
وهناك قسم آخر منغمس في الظلمات التي بعضها فوق بعض ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ، أحياناً يكون الران على القلب فيحدِث حجبًا كثيفة جداً ، أحياناً يكون الإنسان قريبًا بكلمة مؤثرة يرجع إلى الله ، يتوب إليه ، لكن أحياناً تكون الحجب الكثيفة جداً ناتجة عن المعاصي والآثام .
الآيات القرآنية التي ذمّت الجهل والجاهلين :
الآية الأولى :
أيها الإخوة الكرام ، الآيات الكريمة الله عز وجل يقول :
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
أول إيجابية للجهل أنك إذا عملت السوء بجهالة فالتوبة سهلة جداً ، والفرق كبير بين من يخطئ وهو لا يعلم أنه يخطئ ، ثم نبه إلى ذلك ، فترك الخطأ ، وبين من يخطئ وهو يعلم أنه مخطئ ، لكنه مصر على رأيه .
الآية الثانية :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
حينما تتهم إنساناً ظلماً وعدواناً ، ثم تنكشف الحقيقة تتألم أشد الألم ، لذلك نبَّهنا الله عز وجل فقال :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
الآية الثالثة :
الآن أكبر أنواع الجهل أن تظن بالله ظن السوء ، قال تعالى :
﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾
حينما يعتقد الإنسان أن الله لن ينصر المسلمين ، فهذا ظن سوء ، وينطلق من جهل فاضح ، أو أن الله تخلى عنهم ، أو أن الله ينصر الكفار ، أو أن الله لن يحاسب ، وهذه الدنيا ليس بعدها شيء ، من كان غنياً فهو في جنة ، ومن كان فقيراً فهو في نار ، من ظن أن الدنيا هي كل شيء فهذا من أشد أنواع الجهل .
﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
الآية الرابعة :
يقول الله عز وجل بآيات كثيرة :
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾
ينبغي أن تكون ، مع القلة الواعية ، مع القلة العالمة ، مع القلة التي عرفت ربها ، ولا تكن مع الأكثرية ، قال تعالى :
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
الآية الخامسة :
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾
الآية السادسة :
﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
آية دقيقة جداً :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾
الأمور واضحة جداً ، التصور صحيح مئة في المئة ، عندي تصور صحيح عميق دقيق متناسق للكون ، والحياة ، والإنسان ، وما قبل الموت ، وما بعد الموت .
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾
الآية السابعة :
في النهاية يقول :
﴿ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ﴾
الآية الثامنة :
سيدنا يوسف لما قال :
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ﴾
أي : كيد النساء .
﴿ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الجَاهِلِينَ ﴾
معنى ذلك أن الإنسان إذا استهوته امرأة لا تحل له فهو عند الله جاهل ، لأنه سيحجب عن الله عز وجل ، وقد يتعلق الإنسان بزوجته الحلال ، ولكن يحمله هذا التعلق على معصية الله ، لذلك قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ ﴾
قال علماء التفسير : هذه عداوة مآل ، يعني أنّ زوجته حملته على أن يأكل المال الحرام ، فلما انتهى أجله ، ولاقى ربه ، وحاسبه على هذا المال الذي أكله بضغط شديد من زوجته ، عندئذ رآها عدو له .
الآية التاسعة :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾
إذا لم يحمل الإنسان الأمانة ، وإذا لم يعرف ربه ، إذا لم يحمل نفسه على طاعة الله فهو ظلوم وجهول .
الآية العاشرة :
قال تعالى :
﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴾
أقسام الناس من حيث العلم والجهل :
الحقيقة أن البشر علماء وجهلاء ، << يا بني ، الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، فاحذر أن تكون منهم >> .
الآية الحادية عشرة :
قال تعالى :
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
الجهلُ هو العدوُّ الأول للمسلمين :
ليس هناك من صفة تزري بالإنسان كالجهل ، والجاهل عدو نفسه ، والحقيقة أن العدو الأول للمسلمين ليس الغرب ولا اليهود ، العدو الأول جهلهم ، لأنهم لو عرفوا الحقيقة لتعاونوا ، ولاستفادوا من نصر الله لهم ، لأن الله عز وجل قال :
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
الآية الثانية عشرة :
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾
الآية الثالثة عشرة :
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾
المرأة التي تتبرج ، وتعرض مفاتنها على الناس ، وتبرز أجمل ما عندها في الطريق لمن هب ودب هي في جاهلية جهلاء .
الأحاديث النبوية التي ذمّت الجهل والجاهلين :
أيها الإخوة الكرام ، من الأحاديث الصحيحة التي تذم الجهل :
الحديث الأول :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه :
(( وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ، وإن الله نظر على أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب ))
إذاً : الشياطين اجتالتهم أخذتهم عن فطرتهم إلى الأعمال السيئة .
الحديث الثاني :
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( يكون بين يدي الساعة أيام ينزل فيها الجهل ، ويرفع فيها العلم ))
الحديث الثالث :
(( إذا رأيت شحاً مطاعاً ، وهوىً متبعاً ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فالزم بيتك ، وأمسك لسانك ، وخذ ما تعرف ، ودع ما تنكر ، وعليك بخاصة نفسك ، ودع عنك أمر العامة ))
الحديث الرابع :
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فسُئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلوا ، وأضلوا ))
لذلك يقول الإمام الغزالي : " لأن يرتكب العوام الكبائر أفضل من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون .
بل إن الله سبحانه وتعالى رتب المعاصي ترتيباً تصاعدياً ، فذكر الفحشاء والمنكر والإثم والعدوان ، وذكر الشرك ، وذكر الكفر ، وجعل على قمة هذه المعاصي الوبيلة :
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾
الحديث الخامس :
تقول أم سلمة رضي الله عنها :
(( ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال : اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل ، أو أزل أو أزل ، أو أظلم أو أظلم ، أو أجهل أو يجهل علي ))
هذا دعاء الخروج من البيت ، اسأل الله عز وجل ألا تقع في جهل ، ولا في ظلم ، ولا في تعسير ، ولا في ضلال ، ولا في زلة قدم ، هذا دعاء المؤمن قبل أن يخرج من بيته .
أقوال العلماء في ذم الجهل والجاهلين :
من أقوال العلماء والمفسرين في ذم الجهل :
القول الأول :
" لا تمنع العلم من أهله فتأثم ، ولا تنشره عند غير أهله فتجهل ، وكن طبيباً رفيقاً يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع " .
القول الثاني :
" اغدُ عالماً أو متعلماً ، ولا تغدُ فيما بين ذلك فإن ما بين ذلك جاهل " .
هناك عالم ، ومتعلم ، والثالث جاهل ، فالناس ثلاثة : عالم ومتعلم ، ولا خير في الثالث .
القول الثالث :
" علامة الجاهل ثلاثة : العجب بنفسه ، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه ، وأن ينهى عن شيء ويأتيه " .
لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
للعلم والجهل تعليم عملي واضح .
القول الرابع :
" كفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، وكفى به جهلاً أن يعجب بعمله ، وأن يعصيه " .
إن مستخدما لا يقرأ ولا يكتب ، لكنه يطيع الله عز وجل ، ويتحرى الحلال ، ولا يكذب ، ولا يملأ عينيه من محارم الله ، هو مستخدم ، وهناك إنسان موظف كبير يملأ عينيه من محارم الله ، الموظف الكبير معه شهادة عليا ، وهذا الآذن الحاجب جاهل ، عند الله من هو العالم ؟ قال : " كفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، وكفى به جهلاً أن يعجب بعمله ، وأن يعصيه .
القول الخامس :
لمجرد أن تعصي الله فأنت جاهل ، لذلك الإمام الغزالي حينما خاطب نفسه فقال : " يا نفس ، لو أن طبيباً منعك من أكلة تحبينها لا شك أنك تمتنعين ، أيكون الطبيب أشد عندك من وعيد الله ؟ أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟ إذاً ما أكفركِ ، أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله ؟ إذاً ما أجهلك " .
لما يعصي الإنسان الله فهو مدموغ بالجهل والكفر .
الناس أعداء ما جهلوا :
أيها الإخوة الكرام ، من جهل شيئاً عاداه ، ومن أحب شيئاً استعبده ، الناس أعداء ما جهلوا ، فالإنسان المؤمن عقله مفتوح .
أحياناًً يصاب الإنسان بمرض اسمه التكلس العقلي ، فلا يقبل أن يغير ، وقد يكون على خطأ ، وقد يكون على عادات سيئة في طعامه ، وفي شرابه ، ويتشبث بما ألفه ، ولا يقبل غيره ، هذه حالة خطيرة جداً .
إن المؤمن يسأل ويتعلم ، هل مِن الممكن أن تأتيك رسالة فتمزقها قبل أن تقرأها ؟ مستحيل اقرأها أولاً ، من علم ليس كمن لا يعلم .
لابد مِن طلب العلم :
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
هذه موازنات في القرآن الكريم :
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ *مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
أيها الإخوة الكرام ، طلب العلم طريق إلى الجنة والدليل :
(( من سلك طريق يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ))
ومن كلام سيدنا علي قال : << يا بني ، العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا بني ، مات خزان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة >> .
مَن منا لا يذكر الإمام أبا حنيفة ، الإمام الشافعي ، سيدنا خالد ، سيدنا صلاح الدين ، هؤلاء أعلام الأمة ، فلذلك المؤمن طموح ، الذي رفع ذكر الصحابة يرفع ذكرك ، الله موجود ، وأبواب البطولة مفتحة على مصارعها ، والأمر بيدك ، والكرة في ملعبك .
أيها الإخوة الكرام ، هذه السلسلة من الدروس الأخلاق المذمومة ، أول خلق كان ترك الصلاة ، والثاني إطلاق البصر ، والثالث الجهل ، فهذه الأشياء يجب أن نبتعد عنها بعداً شديداً لأنها وصمة عار بحق الإنسان .