- التربية الإسلامية
- /
- ٠8الأخلاق المذمومة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من الأخلاق المذمومة : الأَثَرة ( الأنانية ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس الأخلاق المذمومة انطلاقاً من قول سيدنا حذيفة رضي الله عنه قال :
(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه))
1 – تعريف الأثرة :
والخلق المذموم اليوم الأثرة ، الأثرة بالتعبير المتداول الأنانية ، لكن لأن الأدوات لا ينسب إليها ، أنا أداة ، لا يقال : أناني ، يقال : يحب الأثرة ، يؤثر نفسه على من حوله .
أيها الإخوة ، من أدق تعريفات الأثرة : أن يختص الإنسان ، أو أن يخص الإنسان نفسه أو أتباعه بالمنافع من أموال ومصالح دنيوية ، ويستأثر بذلك فيحجبه عمن له فيه نصيب ، أو هو أولى به ، منافع ، مكاسب ، مراكز ، مكتسبات ، ميزات ، خصائص يخصها لنفسه ولمن حوله ، ويستحقها آخرون ، أو هي من حق الآخرين ، هذه هي الأثرة .
2 – صور للأثرة في واقع الناس :
المعلم يجب أن يعين في هذا الصف عريفاً ، فاختار أحد أقربائه ، وهو أقل الطلاب اجتهاداً ، وأكثرهم انحرافاً ، فلما خصه بهذا المنصب كان قد آثر قريبه على من هو أولى بهذا العمل .
الحقيقة أنه ما لم تكن هناك قواعد موضوعية في إعطاء المكاسب ينهار المجتمع ، من ولى واحداً على عشرة ، وفي الناس من هو أرضى منه لله عز وجل فقد خان الله ورسوله ، أنت حينما تؤثر منفعة لإنسان لا يستحقها أو لإنسان ترجو منه الخير ، وتخاف منه الشر ، وتمنعها من إنسان هو أحق بها فقد وقعت في خطر كبير ، بل ربما وقعت في خيانة .
3 – أضرار الأثرة على المجتمع :
إذا شاعت الأثرة في مجتمع تفتت ، وفقد تماسكه ، والحديث النبوي الشريف :
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
حينما تعطي الفقير حقه ، وتعطي المريض حقه ، وتعطي المظلوم حقه ، وتعطي المشرد حقه ، وتعطي الجاهل حقه تعلمه ، أنت حينئذٍ تسهم في بناء مجتمع ، في بناء مجتمع لا يخرق ، وخرق المجتمع سهل جداً إذا كان مفككاً ، إذا كان فيه ظلم اجتماعي ، إذا كان فيه حقوق لا تؤدى ، حاجات لا توفر ، فلذلك الأثرة أحد أكبر مظاهر العصر الذي نعيشه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَكُونُ مِنْ أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ ، فَإِنْ طَالَ عُمْرُهُ أَوْ قَصُرَ عُمْرُهُ عَاشَ سَبْعَ سِنِينَ ، أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ ، أَوْ تِسْعَ سِنِينَ ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا ... ))
تسعون بالمئة من ثروات الأرض بيد عشرة بالمئة من سكان الأرض ، عشرة بالمئة ينفقون نفقات تفوق حد الخيال ، وتسعون بالمئة يعانون من ألوان البؤس والفقر والقهر ، والمرض والجهل والجوع .
الطبع يتناقض مع التكليف :
كلكم يعلم أن الطبع يتناقض مع التكليف ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
آثر الحياة الدنيا .
بالمناسبة أيها الإخوة الكرام ، هناك آيات أنا أقول إنها قاصمة الظهر ، قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
لا مسامحة في حقوق العباد ، فاحذروا :
لمجرد أن تؤثر بيتاً مريحاً ، وأن تغتصبه بقوة القانون ، وأن تمنعه صاحبه فأنت قد وقعت في هذه الآية ، وصار الطرق إلى الله ليس سالكاً ، لمجرد أن تأخذ ما ليس لك ، أو أن تمنع الذي للآخرين فأنت متلبس بخلق الأثرة ، أدِ الذي عليك ، واطلب من الله الذي لك ، أدِ الحقوق .
أيها الإخوة الكرام ، إن إنسانا ضحى بحياته ، هل في الإنسان أغلى من حياته ؟ جاد بنفسه ، وقع شهيداً قي سبيل الله ، فكان عليه الصلاة والسلام يسأل أصحابه : أعليه دين ؟ فإن قالوا : نعم ، يقول : صلوا على صاحبكم ، يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة ، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة .
أنت بخير إن لم تغتصب مالاً ، أنت بخير إن لم تبنِ مجدك على أنقاض إنسان ، أنت بخير إن لم تبنِ غناك على إفقار إنسان ، أنت بخير إن لم تبنِ عزك على إذلال إنسان ، أنت بخير إن لم تبنِ أمنك على إخافة إنسان ، أنت بخير إن لم تبنِ حياتك على موت إنسان ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ))
قبل أن تعمل الصالحات ، وقبل أن تجتهد في الطريق إلى الله أدِ الذي عليك ، وترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام .
(( ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ))
قبل أن تفعل الخيرات أدِ الحقوق ، أحب ما تقرب العباد إلى ربهم أداء الحقوق ، أداء الفرائض ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))
الآيات القرآنية الواردة في موضوع الأثرة :
أيها الإخوة الكرام ، الآيات الواردة في الأثرة :
الآية الأولى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
أحياناً تكون في بيت ، والقانون إلى جانبك ، لكن الحق ليس إلى جانبك ، تعتمد على قوة القانون ، وتؤثر البقاء في هذا البيت على أن تعطيه لصاحبه الذي هو في أمس الحاجة إليه ، هذا من الأثرة .
الآية الثانية :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾
الأحاديث النبوية الواردة في موضوع الأثرة :
الحديث الأول :
عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ قَالَ : قُلْتُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟ قَالَ : أَيَّةُ آيَةٍ ؟ قُلْتُ :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾
قَالَ : سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
(( بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا ـ أثرة ـ وَهَوًى مُتَّبَعًا ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَانِ لَكَ بِهِ فَعَلَيْكَ خُوَيْصَةَ نَفْسِكَ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ ))
قد نعيش نحن في زمن صعب كهذا الزمن ، شح مطاع ، مادية مقيتة ، وهوىً متبع ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، مادية متعلقة بالمال ، وشهوة طاغية متعلقة بالجنس ، وكبر ، وصف جامع مانع لهذا العصر ،
(( إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا ، وَهَوًى مُتَّبَعًا ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ))
ـ لك موقف ، الزم بيتك ، عليك بخاصة نفسك ، خذ ما تعرف ، ودع ما تنكر ، دع عنك أمر العامة ، لأن النجاة أولى ، هذا معنى قول الله عز وجل
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾
الحديث الثاني :
عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي ؟ يعني عيّني بوظيفة ، كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا ، قَالَ :
(( سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ))
الحديث الثالث :
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا ، قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ ))
أسئلة كثيرة جداً تدور حول أبٍ خصّ ابنه فلانًا على بقية أبنائه ، يقول لي : ماذا أفعل ؟ أقول له : أدِ الذي عليك ، واطلب من الله الذي لك ، الأب يعامل بالبر ، أدِ الذي عليك ، واطلب من الله الذي لك .
لكن والله أيها الإخوة ، هناك مئات القصص أصابه بالإخفاق ، وجعل إخوته الذين حرمهم أغنياء ، بل في بعض الحالات عمل عندهم ، لذلك قال الله عز وجل :
﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾
لا تؤثر من لا يستحق على من يستحق .
بالمناسبة أيها الإخوة الكرام ، هذا الذي يخص بعض أولاده من دون الباقين تشمله أحاديث مخيفة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ ، فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ ، فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ ))
من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم زدنا ، ولا تنقصنا ، أكرمنا ، ولا تهنا ، أعطنا ، ولا تحرمنا ، آثرنا ، ولا تؤثر علينا ، أرضنا ، وارضَ عنا .
الحديث الرابع :
أيها الإخوة الكرام ، موضوع الأثرة موضوع خطير ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : كَانَ يَقُولُ :
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا ))
الإنسان يكون مؤثراً نفسه على من حوله ، يجمع الأموال فيفقدها في ثانية واحدة ، كل شيء تملكه متوقف على ضربات القلب ، فإذا وقف القلب ، وإيقافه سهل جداً ، بثانية يقول لك : سكتة قلبية ، كل أملاكه التي نالها بالحرام يتركها ، ويمضي إلى القبر ، لذلك ورد في بعض الآثار : إن روح الميت ترفرف فوق النعش ، تقول : يا أهلي ، يا والدي ، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حلّ وحرم ، فأنفقته في حله وفي غير حله ، فالهناء لكم والتبعة علي .
الحديث الخامس :
عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : قُلْتُ : لِعَائِشَةَ : هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ شَيْئًا إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ ؟ قَالَتْ : كَانَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ تَمَثَّلَ :
(( لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا ، وَلَا يَمْلَأُ فَمَهُ إِلَّا التُّرَابُ ، وَمَا جَعَلْنَا الْمَالَ إِلَّا لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ ))
كل أموالك المنقولة وغير المنقولة تنتهي إذا توقف القلب ، أو إذا تجمد الدم في بعض العروق فأصابته جلطة ، أو إذا نمت الخلايا نمواً عشوائياً فأصابه سرطان ، فانتهى الأمر به إلى الموت ، فهذا الذي لا يعد للقاء الله عدته ، لا يعد للحساب عدته إنسان أحمق ، قال تعالى :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
قَالَتْ عَائِشَةُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))
أي قاض ؟ القاضي العدل ،
(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))
لهول الموقف .
النبي صلى الله عليه وسلم رأى تمرة على السرير ، فاشتهى أن يأكلها ، لكنه قال :
(( لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لَأَكَلْتُهَا ))
لذلك الورع مطلوب .
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ))
حرص المرء على المال يذهب شرفه أحياناً ، كم أب ترك ثروة والابن الأكبر اغتصبها أخذ كل شيء وحرم أخوته من كل شيء ،
(( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ))
حرص المرء على المال واضح ،
(( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ))
أما على الشرف ، على مكانته ، لا يتراجع إذا أخطأ ، لا يعترف بخطئه ، هذا يفسد عليه دينه .
أضرار الأثرة :
أيها الإخوة ، من مضار الأثرة بها تحل النقم ، وتذهب النعم ، والظلم الاجتماعي يدمر المجتمع ، يمنع وعود الله عز وجل .
والأثرة دليل على دناءة النفس وخستها .
والأثرة معول هدام ، وشر مستطير .
والأثرة تؤذي وتضر ، وتجلب الخصام والنفور .
مشكلات الورثة في العالم الإسلامي تلخص في كلمة واحدة : بعض الورثة أحبوا أن يأخذوا ما ليس لهم ، تؤذي وتضر وتجلب الخصام والنفور ، تؤدي إلى انتفاء كمال الإيمان ، وقد تذهب بالإسلام ، تبث اليأس في نفوس ذوي الحقوق .
بالأثرة يضيع العدل ، وينتفي كرم الخلق .
والله سمعت قصة هي طبيعية جداً وفق منهج الله ، ولكن لندرتها هزت مشاعري ، عن إنسان توفيت زوجته ، وتزوج امرأة ثانية ، وله أولاد كبار من الأولى ، ثم توفاه الله عز وجل ، أولاده الكبار طرقوا باب زوجة أبيهم ، وقدموا لها المهر ، بالعقد المهر أذكر بالضبط خمسة عشر ألف ليرة ، قدموها لأمهم ، لزوجة أبيهم ، طيبة بها نفوسهم ، وبعد يوم طرقوا الباب ، وقالوا : هات المال ، سألنا بعض العلماء فقال يجب أن تعطوها مئة وخمسين ألفاً ، لأن العقد قديم جداً ، والمبلغ لا يساوي شيئاً ، بعد يومين أعطوها مئة وخمسين ألفاً ، قالت هذه الزوجة لأولاد زوجها : أبوكم له عند فلان خمسمئة ألف ، وقد قال لي : هي لك بعد موتي .
موضوع الحكم الشرعي موضع آخر ، فانطلقوا إلى من عنده هذا المبلغ ، وأبلغوه أن يعطي إيصالاً لزوجة أبيهم ، ثم أخذوا كل المبالغ منها ، واشتروا لها بيتاً صغيراً ، شيء طبيعي ، أكثر من ألف زوجة ـ زوجة أب ـ تطرد من البيت بعد موت زوجها ، فإذا كان الإنسان محسناً رفعه الله .
والله أنا أثنيت على هؤلاء الأولاد ، أعطوا زوجة أبيهم حقها كاملاً ، المفروض أن يعطي الإنسان الحقوق .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نتعلم من هذه الدروس كي نتقي أن نقع في شر العمل الذي يفضي إلى الدمار في الدنيا والآخرة .