- التربية الإسلامية
- /
- ٠8الأخلاق المذمومة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، انطلاقاً من قول سيدنا حذيفة رضي الله عنه حينما قال :
(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه ))
كانت هذه السلسلة من الدروس حول الأخلاق المذمومة .
مِنَ الأخلاق المذمومة : أكْلُ الحرامِ :
والخلق المذموم اليوم أكلُ الحرام ، أن تأكل المال الحرام ، و:
(( ترْكُ دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام ))
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
1 – تعريف الحرام :
أيها الإخوة ، تعريف الحرام اصطلاحاً : الحرام ما استحق الذم على فعله ، وما يثاب على تركه بنية التقرب إلى الله .
(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
ترك الحرام عمل صالح .
وقيل : الحرام عام فيما كان ممنوعاً عنه .
له معنى عام فيما كان ممنوعاً عنه بالقهر والحكم .
وقيل : هو ما أثبت المنع عنه بلا أمر معارض له ، شيء ممنوع بالمعنى الواسع شيء ممنوع ، قد يمنعه حاكم ، لكن الحرام بالمصطلح الديني ، هو ما يثاب على تركه بنية التقرب إلى الله .
حُكم تناول الحرام :
أيها الإخوة ، حكم تناول الحرام هو العقاب بالفعل ، وترك الحرام قربة إلى الله ، وعملٌ تثاب عليه ، لكن فعل الحرام يستحق العقاب في الدنيا والآخرة ، فحكم تناول الحرام العقاب بالفعل والثواب بالترك ، إذا كان هذا الترك لله تعالى من أجل النية ، تركت هذا لله ، أما إذا منعت عنه فليس لك فيه أجر ، إن أردت شيئاً محرماً ، ومُنعت عنه فليس لك أجر ، أما إذا أردت شيئاً محرماً ، وبإمكانك أن تقترفه ، وتركته خوفاً من الله عز وجل فهو عمل صالح ، ولك به ثواب .
أنواع المحرمات :
المحرمات التي يمنع الشرع منها ، واستقر التكليف عقلاً أو شرعاً بالنهي عنها ، هذه المحرمات أنواع كثيرة منها :
ما تكون النفوس داعية إليها ، المعاصي محببة ، أمرك أن تغض البصر ، إطلاق البصر بالمقياس الحسي أمتع ، أنت أُمرت أن تغض البصر ، بل أمرت أن تعاكس طبعك ، و دائماً و أبداً أقول لكم : الطبع يتناقض مع التكليف ، ومن تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
هناك محرمات منهي عنها ، لكنها محببة إلى النفس ، وهناك محرمات مستقذرة يتركها الإنسان اشمئزازاً و تقززاً ، الأجر يكون المحرمات التي يتركها الإنسان تقرباً إلى الله عز وجل .
مواضعُ ورودِ لفظِ الحرام في القرآن الكريم ودلالاتُه :
أيها الإخوة الكرام ، لفظ الحرام ورد في القرآن في مواضع عديدة :
الموضع الأول : تحريم الزواج بأصناف معينة من النساء :
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾
تحريم الزواج :
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾
إلى آخر الآية .
الموضع الثاني : تحريم الفسق والفجور :
هناك تحريم الفسق والفجور :
﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾
الموضع الثالث : تحريمُ منعٍ :
هناك تحريم العجائب :
﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ﴾
تحريم منع لا تحريم تشريع :
﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ﴾
الموضع الرابع : تحريمُ عذابٍ :
هناك تحريم العذاب :
﴿ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾
حرم عليهم الجنة ، حرمها عليهم تعذيباً لهم .
الموضع الخامس : تحريمُ مطعوماتٍ مخصوصة :
هناك حرام فسخ الشريعة :
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾
الموضع السادس : تحريمُ الحرمان والهلكة :
الحرمان والهلكة :
﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾
الموضع السابع : تحريمُ الشهوة والهوى :
تحريم الشهوة والهوى :
﴿ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا ﴾
﴿ وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا ﴾
أحياناً التحريم تحريم عقاب .
الموضع الثامن : تحريمُ نذرٍ :
تحريم النذر :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾
الموضع التاسع : تحريمُ حظرٍ وإباحةٍ :
الحظر والإباحة :
﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ﴾
الموضع العاشر : التوقيرُ والحرمة والتعظيم :
التوقير و الحرمة :
﴿ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا ﴾
التوقير والتعظيم كبيت الله الحرام .
السنة بمنزلة القرآن في تحريم الحرام :
1 – السُّنةُ وحيٌ إلهيٍِ :
أيها الإخوة الكرام ، يعنينا من هذا الموضوع ما ورد في السنة من تحريم الحرام ، عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ ، وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ ، إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا ، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ ))
هناك وحيان : وحي متلو و وحي غير متلو ، الوحي المتلو هو القرآن الكريم ، والوحي غير المتلو هو السنة المطهرة ، أو ما صح من السنة ، والسنة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وإقراره .
(( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ ، وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ ، إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا ، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ ))
النبي صلى الله عليه وسلم مشرع ، دققوا : القرآن الكريم فيه تشريع ، والنبي مشرع مستقلاً عن القرآن ، لذلك قال تعالى :
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
2 – وجوب طاعة أمر النبي عليه الصلاة والسلام :
لما جاءت كلمة أطيعوا مرة ثانية ، أي أنك ينبغي أن تطيع رسول الله ، لقوله تعالى :
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
إنه أمر إلهي ، والنبي وحده ولا أحد سواه في عالمنا الإسلامي مسموح له أن يشرع .
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾
ما قال الله عز وجل : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، وأطيعوا أولي الأمر منكم ، قال :
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾
أولو الأمر هم العلماء والأمراء ، ولا طاعة لهم في معصية ، فإن أمروك بأمر فينبغي أن تقيس هذا الأمر بأمر الله ورسوله ، فإن وافقه فعلى العين والرأس ، وإن خالفه فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
3 – لا طاعة لمحلوق في معصية الخالق :
سيدنا الصديق رضي الله عنه وأرضاه في أول خطاب له قال : << أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم >> .
وأي إنسان في الأرض يطاع في طاعة الله ، ولا يطاع في معصية الله ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لذلك :
عَن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ))
ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح .
الكلام الذي لا أنساه أبداً أن والي البصرة كان عنده الإمام الجليل الحسن البصري ، وقد جاءه لتوه توجيه ، وأمر من يزيد الخليفة ، هذا التوجيه لو نفذه لأغضب الله عز وجل ، ولو لم ينفذه لأغضب الخليفة ، وربما عزله ، فوقع في حيرة من أمره ، وعنده الإمام الجليل الحسن البصري ، قال له : " ماذا أفعل يا إمام " ؟ الذي سيقوله الإمام منهج لكل واحد منا ، قال له : " إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله " .
إنه منهج ، إنسان قوي أمرك بمعصية فينبغي ألا تطيعه ، فإذا نازعتك نفسك أن تطيعه خوفاً منه فقل لها : إن الله يمنعني منه ، ولكنه إذا أرضيته في معصية الله لا يمنعني من الله ، هذا منهج أيها الإخوة الكرام .
أحاديث نبوية في تحريم الحرام :
الحديث الأول :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ :
(( إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ ، وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ ، فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ ؟ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ ـ يستخدمونها وقوداً لسروجهم ـ فَقَالَ : لَا ، هُوَ حَرَامٌ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ : قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ، ثُمَّ بَاعُوهُ ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ ))
الحرام حرام ، وانتهى الأمر .
الحديث الثاني :
ومن إشارات النبي صلى الله عليه وسلم لآخر الزمان : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ ))
في آخر الزمان تختلط الأمور ، المهم أن يأخذ المال ، بل الذي يُحصّل المال من طريق غير مشروع يعد عند الناس ذكيا ، طوبى لمن كانت مقاييسه وفق القرآن الكريم ، أما إن كانت مقاييس الإنسان وفق ما ألفه في مجتمعه فقد قال تعالى :
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
الحديث الثالث :
هناك من يتساءل : هؤلاء أنبياء ، نحن لسنا أنبياء ، الجواب :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ... ))
في شأن الاستقامة لا فرق بين أكبر مؤمن وأقلّ مؤمن ، أو في شأن إعطاء الحقنة للمريض لا فرق بين أن يكون من يعطي هذه الحقنة ممرض أو جراح قلب ، لا بد من تعقيمها ، لا بد من تعقيم مكان أخذها ، لا بد من تعقيم الإبرة ، لا بد من إعطائها بهدوء ، هناك تعليمات يطبقها أعلى طبيب ، وأدنى ممرض ، لذلك في شأن الاستقامةِ الاستقامةُ حدية ، أما العمل الصالح فنسبي ، طبعاً جراح القلب علمه غير علم الممرض ، أما حينما يعطي الممرض الحقنة فيجب أن يعقمها كما يعقمها أكبر طبيب ،
(( وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ))
وهذا يستدعي أن قصص الأنبياء تعليم لنا ، سيدنا يوسف قال :
﴿ مَعَاذَ اللهِ إِِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوًَايَ ﴾
وهذا الموقف يجب أن يقفه كل شاب في هذه الأيام .
نتابع الحديث :
(( أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ :
﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾
وَقَالَ :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾
ـ الآن دقق ـ
(( ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ ))
هذا كلام دقيق ، الإسلام عظمته أنه بسيط ، أطب مطعمك ، قد يفهم منها بسذاجة أنه ليكن طعامك طيباً ، لا ، اكسب رزقاً حلالاً ، هذا المال الذي تكسبه حلالاً إن اشتريت به طعاماً فالطعام طيب .
هناك عمل حلال مئة بالمئة ، فإذا أوهمت الموكل أن الدعوى ناجحة ، وتعلم علم اليقين أنها ليست ناجحة ، لكن القضية تمتد إلى ثماني سنوات ، تأجيل ، وتأجيل ، وتأجيل ، فأنت بهذه السنوات الثماني تأخذ منه ما فتح ورزق ، ثم يفاجأ في نهاية المطاف أن الدعوى خاسرة ، هذا المال الذي جمعته مال حرام ، إن اشتريت به طعاماً نفيساً جداً فهو عند الله طعام ليس طيباً ، أطب مطعمك ، لا توهم الآخرين ، وما مِن حرفة إلا وفيها غش ، وما مِن حرفة إلا ويمكن أن يكون الكسب منها حراماً ، إما بالإيهام ، أو بالخداع ، أو بالغش ، أو بالترويج الكاذب ، أو بنشر معلومات غير صحيحة ، هذه البضاعة عليها مسودة قرار بمنع استيرادها ، والقصة مفتعلة ، أو يدخل شريك موهوم بعقد صفقة فيرفع السعر ، والذي يحتاجها فعلاً يخشى أن تذهب منه فيدفع السعر الأعلى .
أذكر لك مليون طريق لكسب المال الحرام .
أيها الإخوة ، نتابع الحديث :
(( ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ ))
والله لي صديق له أب بلغ السادسة و التسعين ، زرته مرة في العيد ، و التقيت بأبيه ، و قال لي : ـ و الله لا أنسى كلماته ـ قال لي : البارحة أجرينا فحص دم عامًّا فالنتيجة كلها نسب طبيعية ، وهو في السادسة و التسعين ، ثم قال لي : و الله يا أستاذ ما أكلت حراماً في حياتي ، يقصد المال ، و لا أعرف الحرام ، ويقصد النساء .
ما أكل مالاً حراماً و لا يعرف الحرام ، و هذا الذي علّم أجيال هذه البلدة الطيبة تقريباً ثمانين سنة بدأ بالتعليم في السادسة عشر ، ومات في السادسة والتسعين ، و علّم ثمانين سنة ، و خرج أجيالاً تلو أجيال ، و كان في السادسة و التسعين يتمتع بأعلى درجات النشاط ، منتصب القامة ، أسنانه في فمه ، بصره حاد ، سمعه مرهف ، يُسأل أحياناً : يا سيدي ، ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟ يقول : " يا بني حفظناها في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً " .
إخواننا الكرام ، معظم الناس يتشابهون في الشباب ، لكن الافتراق الواضح في الشيخوخة ، فمن أمضى شبابه في طاعة الله كان له عند الله خريف عمر رائع .
والله هناكٍ أشخاص في سن التسعين ذاكرته قوية ، قوته قوية ، وشخصيته قوية ، وكل من حوله يحبه ، و يموت موتة رائعة من دون أن يكون عبئاً على أحد ، " يا بني ، حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً " .
الحديث الرابع :
وفي حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ ))
ومن هذا الحديث أخذ بعضهم الكبائر ، هذه من الكبائر : أكل السحت ، أي أكل المال الحرام .
الحديث الخامس :
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ :
(( اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ ، وَهَذَا لِي ، أُهْدِيَ لِي ، قَالَ : فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ : هَذَا لَكُمْ ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ، أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ ، أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا ؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ، مَرَّتَيْنِ ))
هذا أُهدي إلي ، لولا هذا المنصب هل يهدي لك أحد شيئاً ؟
الحديث السادس :
عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
الآن لو أنك عرضت على النبي الكريم قضية ، و كنت لسناً ذا حجة ، و استطعت بطلاقة لسانك ، و حسن بيانك أن تنتزع من فم النبي صلى الله عليه وسلم فتوى لصالحك ، ولست محقاً فاسمع ما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
الحديث السابع :
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))
أي إذا كان معك فتوى من سيد الخلق و حبيب الحق فلا تنجو من عذاب الله ، علاقتك مع من ؟ مع الله وحده .
و الله إنّ المسلمين يسأل إمام مسجد قد يكون إماماً مستجداً ، أي حديث عهد ، يسأله في موضوع ربوي قد يفتي له فيطمئن ، ينبغي ألا تطمئن ، لو انتزعت من فم النبي الكريم فتوى لصالحك و لست محقاً فلن تنجو .
الحديث الثامن :
أيها الإخوة الكرام ، يقول عليه الصلاة و السلام :
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَقَالَ : أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لِي يَا ابْنَ عُمَرَ ؟ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ ))
الغلول المال الذي يؤخذ قبل تقسيمه ، لو أن ابنا كبيرا توفي أبوه ، وهناك سجادة رائعة جداً غالية جداً ، فقال : هذه لي ، من رائحة أبي ، خصّ بها نفسه ، ثم وزعت التركة فهذه السجادة غلول ، فأيُّ مال يؤخذ قبل تقسيم التركة ، وقبل تقسيم الغنائم يُعد غلولاً .
أيها الإخوة الكرام ، قضية المال الحرام قضية خطيرة جداً ، وترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ، وأقول لكم : و الله الأمر ليس بالصلاة والحج والصيام فقط ، الأمر بالاستقامة ، والصلاة والصيام والحج والزكاة تصح و تقبل إن كنت مستقيماً ، فإن لم تكن مستقيماً فلا تصح و لا تقبل .
الحديث التاسع :
والحديث المعروف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))
هل تصدقون أن النبي الكريم وجد على سريره تمرة فقال :
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا فَوَجَدَ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِهِ ، فَأَخَذَهَا ، فَأَكَلَهَا ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَضَوَّرُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، وَفَزِعَ لِذَلِكَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ ، فَقَالَ : إِنِّي وَجَدْتُ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِي فَأَكَلْتُهَا ، فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ))
(( ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ))