محاضرات خارجية - مقتطفات من برنامج سواعد الإخاء - الموسم 7 لعام 2019- تركيا : من الحلقة (08) - مقتطفات رائعة من حياة الفاروق رضي الله عنه
- محاضرات خارجية / ٠31مقتطفات من برنامج سواعد الإخاء
- /
- مقتطفات من الموسم السابع 2019 تركيا
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو
اضغط هنا
×
بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم.
سيدنا عمر هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين والدنيا، وسيدنا عمر أُدرِج اسمه في سجل الخالدين الذين حملوا أمانة التبيين بعد أمانة التبليغ التي حملها النبيُّ عليه أتمُّ الصلاة والتسليم، في تاريخ المسلمين ماضٍ عريق، فيه مُثُل عُليا، ومُثُلهم في أعلى مستوى.
فسيدنا عمر رضي الله عنه كان مثلاً أعلى لرعيته، مرّةً عيّن والياً، وأراد أن يمتحنه فسأله، ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارقٍ أو ناهب؟ قال: أقطع يده، بحسب أحكام الفقه التي لا مجال الآن إلى شرحها، فقال عمر: إذاً إن جاءني من رعيتك من هو جائعٌ أو عاطل فسأقطع يدك، إنَّ الله يا هذا قد استخلفنا عن خلقه لنسدَّ جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفِّر لهم حرفتهم، فإن وفيّنا لهم ذلك تقاضيناهم شُكرها، إنَّ هذه الأيدي خُلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
مرّةً مرَّ على بلدةٍ فإذا كل نشاطاتها الاقتصادية بيد غير المسلمين، فوبَّخهم سيدنا عمر توبيخاً شديداً، وقال: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟ أي أدرك هذا الخليفة الراشد أنَّ المُنتِج قوي، والمُستهلك ضعيف، و أنَّ المُنتِج يتحكم بالمُستهلك، فما لم تأكل الأمة مما تزرع، وما لم تلبس مما تنسُج، وما لم تصنع الآلات التي تحتاجها فإنَّ أعداءها يتحكمون بها، أرأيت إلى حربٍ جديدة لم تكن تخطر على بال، إنها حرب قطع الغيار، لذلك قال: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟ إدراك مُبكِّر جداً.
من أدعية النبيّ عليه الصلاة والسلام: اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، فنحن في مشكلةٍ كبيرة، فكان هذا الخليفة الراشد ذا بصيرةٍ نافذة وإدراكٍ عميق، عيّن والياً وأعطاه كتاب التعيين، وقال فيه: خُذ عهدك وانصرف إلى عملك، واعلم أنّك مصروفٌ رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خِلل، فاختر لنفسك: إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك لضعفك، وسلّمتك من معرَّتنا أمانتك، وإن وجدناك خائناً قويّاً استهنّا بقوتك وأوجعنا ظهرك وأحسنّا أدبك، وإن جمعت الجُرمين جمعنا عليك المضرَّتين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك ورفعنا لك ذكرك، وأوطأنا لك عَقبك، أخذ من قوله تعالى:
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) ﴾
مرّةً رأى إبلً سمينة قال: لِمَن هذه الإبل؟ قال: هي لابنك عبد الله، فغضب غضباً شديداً، واستدعى ابنه عبد الله وقال له بحدّة: لِمَن هذه الإبل؟ قال: لي، اشتريتها بمالي وبعثت بها إلى المرعى لتسمَن فماذا فعلت؟! أين المخالفة يا أبتِ؟ قال: و يقول الناس اسقوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، ارعوَّا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمَن إبلك يا ابن أمير المؤمنين، بِع هذه الإبل وخُذ رأس مالك، ورُدَّ الباقي لبيت مال المسلمين.
مرّةً أرسل كتاباً إلى أحد الولاة، قال له فيها: أما بعد فقد فشت لك فاشية، أي هيئةٌ حسنة في مسكنك ومطعمك ومشربك وملبسك، ليست لعامة المسلمين، احذر يا عبد الله أن تكون كالدابة مرّت بوادٍ خصب فجعلت همها في السِمَن وفي السِمَن حتفها، يعني حينما يتجه الإنسان إلى تحقيق مصالحه على حساب مصالح الأمة، فقال: احذر يا عبد الله أن تكون كالدّابة مرّت بوادٍ خصب فجعلت همّها في السِمَن وفي السِمَن حتفها.
سيدنا عمر كان يُقيم العدل، بل كانت إقامة العدل عنده فريضة، وربما ضحى بشيءٍ كبير من أجل إقامة العدل، فالأمة إما أن تتقوى بالمبادئ، أو بالأشخاص، أو بالأشياء.
فأمتنا مرّت بعصورٍ ثلاث، عصر المبادئ، وعصر الأشخاص، وعصر الأشياء، فإذا تفوقنا في المبادئ فنحن في خير.
ملك الغساسنة اسمه جَبَلة بن الأيهم، جاء عمر مسلماً، والنبيّ الكريم كان يطلب النُخبة من أصحابه:
(( اللَّهم أعزَّ الإسلام بأحد العُمرين ))
جاءه ملك الغساسنة مسلماً، رحّب به عمر ترحيباً شديداً، وفي أثناء طوافه حول الكعبة داس بدويٌ من فزارة طرف ردائه فانخلع ردائه عن كتفه، فالتفت إلى ذلك البدوي وضربه ضربةً هشّمت أنفه، فما كان من هذا الأعرابي البدوي إلا أن شكاه إلى عمر، هناك شاعر مُعاصر توفي قبل أعوام صاغ هذا الحوار شِعراً قال: أصحيح ما ادعى هذا الفزري الجريح، يُخاطب جَبَلة سيدنا عمر، القاضي سيدنا عمر، جَبَلة المُتهم، أصحيح ما ادعى هذا الفزري الجريح، قال: لست أنكر شيئاً، أنا أدَّبت الفتى أدركت حقّي بيديّ، قال: أرضِ الفتى لا بُدَّ مِن إرضاءه، ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمنَّ الآن أنفك وتنال ما فعلته كفّك! قال: كيف ذاك يا أمير؟ هو سوقةٌ وأنا عرشٌ وتاج! كيف ترضى أن يخرَّ النجم أرضاَ؟! قال: نزوات الجاهلية ورياح العُنجُهيّة قد دفنّاها، قد أقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً، قال: كان وهماً ما جرى في خَلدي، أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتدٌّ إذا أكرهتني، قال: عنق المُرتدّ بالسيف تُحزّ، عالمٌ نبنيه، كل صدع فيه يُداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
صحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
قال جبلة :
لست ممن ينكر شيئاً
أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيديا
قال سيدنا عمر:
أرضِ الفتى، لابدَّ من إرضائه
مازال ظفرك عالقاً بدمائه
أو يُهشمن الآن أنفك
و تنال ما فعلته كفك
قال :
كيف ذلك يا أمير ؟
هو سوقةٌ، وأنا عرش وتاج ؟
كيف ترضى أن يخرَّ النجم أرضاً ؟
قال سيدنا عمر :
نزوات الجاهلية، ورياح العُنجهية قد دفناها
أقمنا فوقها صرحاً جديداً
وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً
قال جبلة :
كان وهماً ما جرى خلدي أنني عندك أقوى و أعز
أنا مرتدٌ إذا أكرهتني
قال سيدنا عمر :
عُنق المُرتد بالسيف تُحزّ
عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى
وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزِدنا عِلماً، وأرِنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الملف مدقق