- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (029)سورة العنكبوت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
خُلِق الإنسان ضعيفًا لمصلحته:
أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الحادي عشر من سورة العنكبوت.
في الدرس الماضي وصلنا إلى قوله تعالى:
﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ
مِن جهلِ الإنسان لجوءه إلى إنسان ضعيف مثلِه:
الإنسان في جهله وضلاله بدل أن يلتجئ إلى خالق الكون، إلى مربيه، إلى مسيره، إلى صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض، إلى من بيده كل شيء، إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، إلى من يسمع سره ونجواه، إلى الحكيم العليم، إلى الغني القدير، إلى صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، اتجه الإنسان إلى غير الله عز وجل، بحسب رؤيته غير الصحيحة، رأى أن المال قوة فانكب على المال يسعى في جمعه وادخاره، وشعر أن المال قوة، وأنه يعصمه من كل البلايا والمحن، فالذي يركن إلى المال، ويعتمد عليه، ويلوذ به، ويراه حصناً له من كل مكروه إنسان جاهل، والعوام يقولون: الدراهم مراهم، أي هذا النظر، وهذا الفكر فيه إشراك بالله عز وجل، قد يكتشف الإنسان إن عاجلاً أو آجلاً أن المال ليس كل شيء، بل هو شيء، بل إن من مصائب الدنيا ما لا يستطيع المال أن يفعل بها شيئاً، لو أن هناك مرضاً عضالاً أصاب الإنسان ماذا يفعل المال؟
المعنى الواسع لقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ:
إذاً المعنى الواسع لقوله تعالى:
كنت عند طبيب، جاءته مكالمة هاتفية لذوي مريض، سمعت بأذني لشدة ارتفاع الصوت: أن يا طبيب، المبلغ الذي يحتاجه ندفعه في أي مكان في العالم، قال: لا والله، هذا الشيء ليس له حل، المرض مستفحل، وفي الدرجة الخامسة، ولو ذهبتم به إلى أي بلد في العالم النتيجة معروفة كما هي هنا، أدركت أن المال في بعض الحالات لا يفعل شيئاً، فمن اعتمد على المال كمن اتخذ بيت العنكبوت بيتاً له، مع أن بيت العنكبوت - كما قلنا في الدرس الماضي- لا يقي حراً، ولا يقي قراً، ولا يدفع عدواً، مجموعة خيوط ليس غير، إذاً لنعدَّ المال القوة التي يراها معظم الناس قوةً قوية، أنت إذا رضي الله عنك، وحفظك من كل مكروه تسعد في الدنيا، لا تسعد بكثرة مالك، لا يمنعك من الله إلا أن تكون في رضاه، فإن لم تكن في رضاه ومعك مالٌ وفير هناك مجموعة كبيرة جداً من المشكلات والأمراض لا يحلها المال، يحلها حفظ الله عز وجل وتوفيقه، لذلك الذي يعتمد على ماله فقط، ويستغني عن الله كمن يتخذ بيت العنكبوت مأوىً له.
من اعتمد على غير الله ضلّ وذلّ:
إذاً من يعتمد على صديق أو قريب له مركز، له قوة، له ترتيب معين، يعتمد عليه، ويطمئن إلى دعمه له، ويجامله، ويعصي الله من أجله، ويتملق له، ويتقرب إليه اعتماداً على قوته، وعلى كلمته النافذة فقد اتخذ بيت العنكبوت مأوىً له:
الابتعاد عن كل أنواع الشرك:
إذاً: أراد الله سبحانه وتعالى بهذه الآية الكريمة أن يبعدنا عن كل أنواع الشرك، وأن يبين لنا أن الذي يعتمد على غير الله عز وجل، القضية قضية نفسية، هناك من يأخذ بالأسباب، وهو مشرك، وهناك من يأخذ بالأسباب، وهو مؤمن، المؤمن مطالب أن يأخذ بالأسباب، والمشرك يأخذ بالأسباب، الفرق دقيق جداً، المؤمن يأخذ بالأسباب، ويعتمد على الله، المشرك يأخذ بالأسباب، ويعتمد عليها، لأنه اعتمد على الأسباب استحق من الله أن يتخلى عنه، وأن يريه ما الأسباب، وما تفعل الأسباب وحدها، لذلك:
وطبيب الجهاز الهضمي قد يصاب بقرحة في المعدة، حينما تعتمد على الأسباب، حينما تركن إليها، وتنسى الله عز وجل تؤتى منها، تؤتى من موقعك الحصين، تؤتى من هذا الموقع الذي تحصنت به، لأن الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء، وإرادته طليقة، أي على الرغم من أن لهذا الكون قوانين، وسنناً، وقواعد، وعلاقات، على الرغم من كل ذلك الله سبحانه وتعالى من قدرته أن يفاجئك بمشكلة أخذت أنت كل الاحتياطات لتلافيها، ومن قدرته أن يحميك من مشكلة نسيت أن تأخذ الاحتياطات لها، فالله خالق كل شيء، لا شيء قبله، ولا شيء بعده.
إذاً: نهاية العلم التوحيد، والتوحيد ليس كلمة تقولها، لو أنها كلمةً تقولها القضية سهلة جداً، أحياناً إنسان يسأل طبيباً قال له: يا طبيب، يا حكيم، علمني كيف أكتب الوصفة؟ ضحك الطبيب ملء فمه، قال: هذه الوصفة محصلة علم الطب كله، أي كل شيء درسته في كلية الطب، كل التدريبات، كل الملاحظات، كل التجارب، محصلتها كتابة هذه الوصفة، لذلك علمك كله، حضور مجالس العلم كله، صلواتك كلها، إقبالك كله، أعمالك الصالحة، استقامتك، محصلة هذا كله أن توحِّد الله عز وجل، ألا ترى مع الله أحداً، هذا المؤمن، ألا ترى غير الله، هناك في الحياة قوى كثيرة جداً، قوى كثيرة ومخيفة، مادمت ترى هذه القوى على أنها مستقلة عن إرادة الله عز وجل فهذا شرك خطير، إذا رأيت إنساناً أو جهةً تملك قوةً، وبإمكانها أن تفعل كل شيء، وهي مستقلة فيما يبدو لك عن الله عز وجل في أفعالها فهذا هو الشرك، أما إذا رأيت هذه القوة بيد الله وحده، وأن هذه القوة لا تستطيع أن تفعل شيئاً إلا إذا أراد الله عز وجل، لا يمكن أن تنفعك بشيء، ولا أن توقع فيك شيئاً إلا إذا أراد الله عز وجل فهذا هو التوحيد.
﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ
إلا إذا سمح الله لهذه القوة أن تطولك، لذلك قال تعالى:
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
إذاً عدّد ما شئت: قوى المال، قوى السلطان، قوى العلم، الصحة، الذكاء، المركز المرموق، هذه القوى التي تراها قوى حقيقية، وبيدها مقادير بعض الأمور، ولها إرادة مستقلة عن الله عز وجل، إذا كنت كذلك فإن صلاتك، وصيامك، وحجك، وزكاتك، وعقيدتك لم تستفد منها إطلاقاً، إنها مفرغة من مضمونها، هذا الدين الذي تعتنقه، وترى معه أن زيداً أو عبيداً، أو فلاناً أو علاناً بيده الأمر، وبيده أن ينفعك، أو يضرك، إذاً أنت اعتنقت ديناً مفرغاً من مضمونه، اعتقادك شكلي، لا يقدم ولا يؤخر، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والعجيب أن آيات القرآن الكريم كلها تدور حول هذه النقطة، كأن التوحيد محور كتاب الله.
الشرك عذاب نفسي:
وحينما قال الله عز وجل:
﴿
لخص الله عز وجل بهذه الآية القرآن كله،
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
تعذب نفسك، تشعر أن فلاناً بيده أمرك ولا يحبك، ويتمنى أن يحطمك، ولا حول لك ولا قوة، هنا المشكلة، أما إذا رأيت أن الأمر كله بيد الله، وأن الله يحب عباده جميعاً، بل:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
وأن المؤمن له حياة طيبة، وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا بأمر الله عز وجل، هذه العقيدة وحدها شفاء للنفوس، لذلك الأمراض النفسية قلّما تقع عند المؤمن لأنه موحد، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها، اعمل لوجه واحد يكفك الهموم كلها، المؤمن قضيته سهلة، المؤمن مجموع الشمل. عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(( من كانت الدُّنيا همَّه ، فرَّق اللهُ عليه أمرَه ، وجعل فقرَه بين عينَيْه ، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له ، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه ، جمع اللهُ له أمرَه ، وجعل غناه في قلبِه ، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ. ))
أي حينما تطيع الله عز وجل، حينما تصطلح مع الله عز وجل، حينما تستسلم لأمر الله عز وجل، حينما تنقاد لهذا المنهج الرباني هل تعرف ما تفعل؟ إنك تسعد نفسك إلى أبد الآبدين، لأن انتماء الإنسان إلى ربه، والتزامه بأمره شيء مسعد، مسعد لنفسه، وهناك آثار أخرى، موفق في عمله، سعيد في بيته، ناجح في عمله، لولا أن اللهُ سبحانه وتعالى وعد المؤمنين والمؤمنات بحياة طيبة، قال تعالى:
﴿
الحياة الطيبة أكبر دليل على صدق هذا الكتاب، وعلى صدق هذا الدين، وعلى أن هذا الدين منهج الله عز وجل.
الإعجاز العلمي في الآية التالية بيت العنكبوت:
وفي الآية أيضاً ملاحظة أخرى، وهي أن خيوط العنكبوت على ضعفها لو أمكننا أن نسحب معدن الفولاذ خيوطاً بقطر خيط العنكبوت لكان خيط العنكبوت أمتن من خيط الفولاذ.
أخ كريم أطلعني على ملاحظة قرأها في كتاب أردت أن أنقلها إليكم، وهي أن من خصائص بيت العنكبوت أن الأنثى تأكل الذكر، وتقضي عليه، وأن أولاد العنكبوت يأكل بعضهم بعضاً، فمن أسباب ضعف هذا البيت هذا العدوان الداخلي على الأفراد بعضهم بعضاً، إذاً هذا البيت ضعيف في بنيته خيوط، لا يقي حراً، ولا قراً، ولا عدواً، ضعيف في بنيته الاجتماعية، وكما قال الإمام علي كرم الله وجهه:
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا(109)﴾
ويجب أن تعلم أنه مهما أوتيت من علم أنت مشمول بقوله تعالى:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وجهُ التمثيل ببيت العنكبوت:
الأمر كله بيد الله:
لذلك آخر نقطة أقولها قبل أن أنتقل إلى آية ثانية: ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك إلى أن الأمر كله بيده، لو أن أمراً بيده، وأمراً بيد غيره أنت معذور أن تعبد غيره، ما أمرك أن تعبده وحده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله بيده، قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
كله، كله إعرابها توكيد، أي إليه يرجع الأمر، أي الأمر كله، أما حينما قال الله عز وجل:
حينما تصل إلى مرتبة أن تحاسب نفسك، وأن تتأمل لماذا فعل الله بك هكذا، إذا فهمت على الله أن هذه من أجل كذا، هذا الموقف الحرج الذي أصابك بسبب أنك أحرجت زيداً أو عبيداً، وهذا المال الذي تلف بين يديك بسبب أن في كسبه شبهة، وأن هذا الإنسان الذي تطاول عليك بسبب أنك تطاولت على زيد أو عبيد، إذا شعرت أن هناك حساباً دقيقاً، وإلهاً عادلاً، تعلم عندئذٍ حلاوة الإيمان،
﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا
يكشف أن كل شيء ساقه الله إليه محض فضل وإحسان، لذلك يلخص الإنسان حياته كلها بكلمة واحدة، قال تعالى:
﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ
هذا معنى قول الإمام علي كرم الله وجهه:
الغنى الحقيقي:
هناك نقطة مهمة جداً، أن الحياة فيها غني، والغنى معروف، يأكل ما يشاء، ويرتدي أجمل الثياب، ويتنقل بين أجمل الأماكن، والناس يحبونه، ويبجلونه، ويعظمونه، وبإمكانه أن يذهب إلى حيث يريد، وأن يفعل ما يشاء بحسب الظاهر، إنسان فقير لا يستطيع أن يفعل شيئاً، لو لم يكن هناك آخرة لن تستقيم الحياة هكذا، إنسان أعطي كل شيء، إنسان حرم من كل شيء، هذا قوي، وهذا ضعيف، هذا صحيح، وهذا مريض، هذا غني، وهذا فقير، لو لم يكن هناك دار آخرة تسوّى فيها الحسابات، وتعدل فيها الإمكانات، إذا أعطانا الله في الدنيا الحظوظ بتفاوت، حينما وزعت الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء فسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، فلذلك البطولة أن تكون في طاعة الله، أعطاك الله هذا أو لم يعطك، البطولة في الآخرة، لهذا يقول الإمام علي كرم الله وجهه:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إن الله يضرب من الأمثال ما يشاء:
﴿
بعوضة، لهوان شأنها على الناس، أي إذا وقعت على يدك بعوضة تقتلها، ولا تشعر بشيء إطلاقاً، لو قتلت بعض الحيوانات لشعرت بحرج، لشعرت بضيق، لعلني أخطأت، تقول: لعل الله يحاسبني، أما إذا قتلت فهي هينة.. لها ثلاثة قلوب، وجناحا البعوضة يرفان في الثانية الواحدة أربعة آلاف رفة إلى مستوى الطنين، وفيها جهاز رادار تتجه في الظلام الدامس إلى جبين النائم لا إلى الوسادة، ولا إلى قطعة الأثاث، إلى جبين النائم فيها جهاز رادار، فيها جهاز تحليل دم، دم يعجبها، ودم لا يعجبها، لذلك أخوان ناما على فراش واحد، الأول يصاب بلدغ البعوض، والثاني لا يصاب، جهاز رادار، وجهاز تحليل، وجهاز تخدير، فإذا لدغت الإنسانَ لا يشعر إلا بعد أن تغادره، وجهاز تمييع للدم، رادار، تحليل، تخدير، تمييع، ثلاثة قلوب، أربعة آلاف رفة في الثانية، لها أرجل فيها محاجم كي تقف على سطح أملس على ضغط الهواء، وبأرجلها مخالب تمكنها من أن تقف على سطح خشن،
لذلك:
﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا
أي عظمة خلق البعوضة لا تقلّ عن عظمة خلق المجرة، ولا عن عظمة خلق الفيل، ولا عن عظمة خلق الحوت، الحوت يصل وزنه في بعض الحالات إلى مئة وستين طناً، أنثى الحوت إذا أرضعت ابنتها في كل رضعة ثلاثمئة كيلو، ثلاث رضعات في اليوم طن من الحليب، إذا أراد الحوت أن يأكل وجبة سريعة كي يسد رمقه قليلاً كانت وجبته أربعة أطنان، يفتح فمه ويسير، فإذا تجمع في فمه أربعة أطنان من السمك يكتفي بها كوجبة سريعة تسد رمقه بعض الشيء.
والبعوضة على صغرها، والحوت على كبره، دماغ الحوت له وزن، فيه خمسون طن من الشحم- دهن الحوت- الحوت المتوسط ينتج تسعين برميل زيت حوت، الحوت عظيم، والبعوضة عظيمة،
﴿
من ازداد علمه بالله ازدادت خشيته له:
أي إذا أعْمل الإنسان فكره في خلق السماوات والأرض عرف الله عز وجل، وكلما ازداد علمك بالله عز وجل ازدادت خشيتك له، والدليل قوله تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ
الحق هو الشيء الثابت والدائم والباطل هو الشيء الزائل:
ماذا يقول ربنا؟
﴿
بل خلقهما بالحق، الشيء الباطل هو الشيء الزائل، أما بالحق فهو الشيء الثابت والدائم، أي أيها الإنسان خلقت لتبقى، خلقت لتبقى إلى أبد الآبدين، وما هذه الحياة الدنيا إلا إعداد لهذه الحياة الأخرى، توضح الأمر، مادام إعداداً إذاً هي مدرسة، إذاً هي دار ابتلاء، أروع كلمة قالها النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع قال: إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، إذاً:
الموت أخطر حَدَثٍ في الحياة:
إذاً قال تعالى:
﴿
تذوق الموت ولا تموت، تخلع عنها هذا الجسد الذي حملها في الدنيا، إذاً أنت مخلوق لا لحياة قصيرة، لحياة أبدية، إما في جنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفذ عذابها، فالقضية خطيرة، لذلك لما قال تعالى:
﴿
هنا سؤال، لماذا قدم الموت على الحياة؟ قال: لأنه تقديم أهمية، أنت حينما تحيا، حينما تولد، أمامك خيارات كثيرة، مؤمن، غير مؤمن، موحد، غير موحد، محسن، مسيء، أنت مخير، أما إذا جاء الموت ختم عملك، وانقضى أجلك، وانقلبت إلى ربك، ما لك من خيار، أصبحت في ممر إجباري.
الحق هو السمو في الهدف والثبات في الوجود:
المعنى الثاني قوله تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)﴾
إذاً الحق خلاف اللعب، والحق خلاف الفناء، باطلاً أي زائلاً، ما خلقناهما باطلاً، بل خلقناهما للاستمرار، وما خلقناهما لاعبين، بل خلقناهما لهدف كبير، لذلك كلمة الحق تعني السمو في الهدف، والثبات في الوجود، الشيء الثابت الهادف، أنت مخلوق بالحق أي خلقت لتبقى، وخلقت لهدف عظيم، خلقت السماوات والأرض فلا تتعب، وخلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك.
من صفات الإنسان الهلع والجزع:
إذاً حيثما وردت كلمة بالحق في القرآن الكريم، القرآن فسرها، أعلى أنواع التفسير ما فسره القرآن، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾
ما معنى هلوعا؟ الله فسرها قال:
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾
الإنسان خُلِق من نور الله عز وجل خُلِق ليبقى:
﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)﴾
ما اليقين؟ الله فسرها بآية ثانية:
﴿ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)﴾
الموت، إذاً أعلى أنواع التفسير ما فسره القرآن، في مكان الكلمة جاءت موجزة، وفي مكان آخر جاءت مفصلة، وهذه الكلمة بالحق بآيات أخرى نفى الله عز وجل أن يكون خلق السماوات والأرض باطلاً، والشيء الباطل هو الشيء الزائل، إن الباطل كان زهوقاً، الزاهق الزائل.
إذاً الحق عكس الباطل، الباطل شيء زائل، أحياناً ننشئ جناحاً في معرض، هذا الجناح يُبنى من قماش ليلغى بعد أسبوعين، من مواد خفيفة جداً، أما إذا وجد بناء ضخم فهذا البناء يبنى ليبقى، فالشيء الباطل الشيء الزائل، والحق باقٍ، الله عز وجل هو الحق، إذا
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)﴾
الإنسان خلق من نور الله عز وجل، خلق ليبقى، الكون كله باقٍ، طبعاً يختلف من شكل إلى شكل، من صورة إلى صورة:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)﴾
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)﴾
معنى لاعبين أي عابثين، فالحق عكس العبث:
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)﴾
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾
الحق أي الشيء الهادف، إذاً الشيء الثابت الهادف، كلمة الحق تعني أنك ثابت وهادف، لك هدف كبير خلقت له، فإذا غاب عنك هذا الهدف الكبير كان الضلال المبين.
الإنسان سافر إلى باريس مثلاً، استيقظ، أخطر سؤال يطرحه على نفسه: لماذا أنا هنا؟ إذا كنت تاجراً أين المؤسسات والمصانع؟ إذا كنت سائحاً أين المتنزهات والمقاصف؟ إذا كنت طالباً أين الجامعات والمعاهد؟ إذا كنت في مهمة أين اللقاءات والمباحثات؟ الحركة تتحدد إذا عرفت الهدف، إذا عرفت لماذا أنت في هذه المدينة تأتي حركتك صحيحةً موفقةً، فإذا كنت طالباً وانشغلت بالسياحة ضيعت السفر سدى، إذا كنت تاجراً، وانشغلت بلقاءات جانبية لا جدوى منها ضيعت التجارة، فالبطولة أن تعرف لماذا أنت في الدنيا من أجل أن يأتي عملك صحيحاً
فهمٌ مغلوطٌ:
الدرس القادم إن شاء الله تعالى إن أحيانا لهذا الدرس:
كلكم يعلم حديث النبي عليه الصلاة والسلام، عن عبد الله بن عمرو:
(( إن لَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَماءِ، حتَّى إذا لَمْ يَتْرُكْ عالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا. ))
عالم جليل من علماء دمشق من الرعيل الأول، عرف بسعة العلم، والزهد، والصلاح، والدأب على الدعوة إلى الله عز وجل، توفي منذ يومين، الشيخ لطفي الفيومي، والتعزية في جامع العثمان، من واجب المؤمن أن يساهم في التعزية، طبعاً لا يعزّى أهل العالم تعزّى الأمة بالعالم، أي الذين يقبلون العزاء كل المسلمين، فإذا ذهبتم بعد الدرس إلى جامع العثمان لتعزوا بوفاة هذا العالم الجليل فهذا من السنة المطهرة.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين