- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، في مجلس علم وإيمان، نرتحل فيه مع فضيلة العلّامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا وأستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
أكرمكم الله دكتور، مرحباً بكم شيخنا الكريم حديثنا عن "يوم القيامة"، نبدأ هذه الحلقة بقول الله سبحانه وتعالى:
﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾
نبدأ مع فضيلتكم بتأسيس هذا المفهوم شيخنا الكريم، ونتحدث عن يوم القيامة لماذا كان هنالك يوم للحساب ألا وهو يوم القيامة؟
الإنسان هو المخلوق الأول رتبة عند الله عز وجل :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الحقيقة الدقيقة أن الإنسان هو المخلوق الأول عند الله، لِمَ هو أول؟ لأن الله عز وجل خلق الخلائق كلها كأنفس لا كصور، الخلائق جميعاً خلقت في عالم الأزل، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾
والسماوات والأرض والجبال مصطلح يعني الكون، والكون ما سوى الله.
﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
هذا الإنسان هو المخلوق الذي قبِل حمل الأمانة، وقال: أنا لها، فلما قبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبةً.
مقومات التكليف :
وبناءً على هذا الترتيب أعطاه مقومات التكليف، كلفه أن يعبده.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
كلفه أن يعبده أعطاه مقومات هذا التكليف، ما مقوماته؟ الكون، الثابت الأول الذي يشف عن وجود الله، ووحدانيته، وكماله، أعطاه الشهوة، ولولا الشهوات لما ارتقينا بها إلى رب الأرض والسماوات، أعطاه الحرية.
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
أعطاه العقل، فالكون، والعقل، والشهوة، والحرية، هذه مقومات التكليف، كلفه أن يعبده، وأعطاه أن يكون الإنسان الأول في الدنيا والآخرة، أعطاه هذه المقومات، أعطاه عقلاً، هذا العقل أحد أكبر المقومات، أعطاه نفساً، أعطاه شهوة، أعطاه حرية، هذه الأشياء الأربعة هي أصل هذا التكليف، فأنا بالأصل مخلوق للجنة، لكن الجنة لها ثمن، بُعث بي إلى الدنيا كي أدفع ثمنها.
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
مثلاً: أب عنده عشرة أولاد، الأب غني كبير، قال: لكل واحد منكم بيت، ومركبة، وزوجة، أنا أزوجه، وله بيت، وله مركبة، إلا أن الذي يأتي بدكتوراه من بلد متقدم جداً أكتب له نصف المعمل، هذا الذي قال: أنا لها، كان طموحاً، فإذا ذهب إلى أوروبا لينال الدكتوراه، وانشغل بالملذات والشهوات، والسقوط، والانحطاط، خسر كل شيء.
الذي أبى أن يحمل الأمانة له عند الله شيء؟ عذاب شديد، لأن الملك الله أعطاه عقلاً دون شهوة، وأعطى الحيوان شهوة دون عقل، وأعطى الإنسان كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
المذيع:
إذاً مسؤولية كبيرة.
الدكتور راتب :
لأننا من بني البشر فنحن عند الله في المرتبة الأولى، لذلك يقول سيدنا علي: "ركب الملك من عقل بلا شهوة، والحيوان من شهوة بلا عقل، والإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان".
والإنسان يرتفع، ويرتفع، ويرتفع، ولا ترى ارتفاعه، ويتضائل أمامه كل عظيم، ويسقط ويسقط، ويسقط، ولا ترى سقوطه فيتعاظم عليه كل حقير.
المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور، كلام بغاية الأهمية، هذا إذاً كلام يقود الإنسان دكتور إلى فهم أنه مسؤول مسؤولية كاملة أمام الله في هذه الدنيا عن كل شيء يتصرفه في هذه الحياة، هل المسؤولية ستكون في الدنيا أم في الآخرة أم في كليهما؟
الإنسان مسؤول مسؤولية كاملة أمام الله في الدنيا و الآخرة :
الدكتور راتب :
في الدنيا والآخرة.
المذيع:
كيف تكون مسؤوليتنا عن تصرفاتنا في الدنيا، هل نحاسب في الدنيا دكتور؟
الدكتور راتب :
الله رب و هذه الكلمة جاءت من التربية، لو طالب رأى أنه أخذ صفراً بالرياضيات، وله أب حكيم، وعالم كبير، ومربّ قدير، هل يدعه على هذا الصفر أم يضيق عليه قليلاً أم يشجعه؟ يضيق من جهة، ويمنيه بجائزة لو تفوق بالدراسة، هذه اسمها تربية.
فالله أخذ موقفاً في عالم الأزل، في الدنيا يستطيع أن يصحح الموقف الذي أخذه هو بعالم الأزل، لذلك الدعاء يمنع القضاء، المعالجة التي كانت مكتوبة عليه ألغيت.
تماماً كطبيب فحص مريضاً، فوجد أن الكلية لا تعمل، فاتخذ الطبيب قراراً باستئصالها، أعطاه موعداً بعد ثمانية أيام، مضت الأيام الثمانية عمل فحصاً ثانياً فوجد أنها عملت، هل يستأصلها؟ لا، السبب الذي كان من أجله الاستئصال ألغي.
لذلك الدعاء يرد القضاء، مشى بطريق غلط، فالله قيد له معالجة، فلما تاب ألغيت هذه المعالجة.
المذيع:
كلام مهم، إذاً الإنسان يحاسب دكتور في الدنيا، ويحاسب في الآخرة، لكن في الدنيا يشترط أن يكون الحساب على كل شيء، وإنما هو بحكمة الله عز وجل.
الله مربّ و حكيم :
الدكتور راتب :
الله مربّ، فإذا كانت المحاسبة يمكن أن تأخذه إلى باب الله، يحاسبه في الدنيا، أما:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
عندما تكون المحاسبة مجدية، الله ماذا قال أساساً؟
﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾
أحياناً الذكرى لا تنفع، ما دامت لا تنفع:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
المذيع:
أما يوم القيامة فيكون الحساب الكامل:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾
يحاسب الإنسان على كل ذرة خير، أو على كل ذرة شر، أو قول، أو فعل، أو سلوك.
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء :
الدكتور راتب :
من خلال الحظوظ، أنا أقول: إنسان ذكي حظ، إنسان أقل ذكاء حظه أقل، إنسان غني حظه أنه ابن غني، ابن ملك
مثلاً، لا يوجد عنده مشكلة فقر، أو ابن إنسان فقير، إنسان فكره نام جداً، إنسان أقل نماء
فالحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء، الفقير ممتحن بالفقر، والقوي ممتحن بالقوة، والضعيف ممتحن بالضعف، والذي أعطاه الله وسامة عالية ممتحن بها، والذي حجب عنه هذه الوسامة ممتحن بها، فالبطولة ليست ألا نبتلى، البطولة أن ننجح في الابتلاء.
لو فرضنا إنسانين عاشا ستين عاماً، الأول غني والثاني فقير، الفقير نجح بامتحان الفقر، فكان صابراً، ومتعففاً، والغني لم ينجح بامتحان الغنى، ماتا بعد ستين عاماً، الآن الجنة للفقير، وذاك يدفع الثمن باهظاً.
﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
لكن يجب أن يقول الإنسان يوم القيامة: ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني.
المذيع:
ما معنى هذا الكلام شيخنا؟
حكمة الله تُرى يوم القيامة لكل البشر :
الدكتور راتب :
الله يعرض له ما ساقه له، من متاعب، من مكافآة، من فرص نجاح، من فرص عدم نجاح، يرى في النهاية أن الذي ساقه الله له منتهى الرحمة والعدل، والذي حرمه منه منتهى الحكمة، هذه تُرى يوم القيامة.
المذيع:
هذه للمسلم ولغير المسلم؟
الدكتور راتب :
للبشر كلهم.
﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
المذيع:
يحمدون الله على مجهول القدر الذي لم يكونوا يعلمونه.
دكتور، عندما نتحدث ونقول: يوم القيامة هو يوم الحساب، لماذا جعل الله يوماً للحساب؟
الحكمة من يوم الحساب تشجيع الإنسان على العمل الصالح :
الدكتور راتب :
لأن الإنسان- كما قلت قبل قليل- عنده عشرة أولاد، أعطى كل ابن سيارة، وبيتاً، وزوجة، لكن قال: أنا أتمنى أن يكون ابني معه دكتوراه من أمريكا مثلاً، دكتوراه بإدارة الأعمال فرضاً، والذي يأتي بهذه الشهادة له مكافأة كبيرة جداً.
المذيع:
فصارت تشجيعاً للعمل.
الدكتور راتب :
تشجيعاً، فالذي نال هذه الدرجة نال الجائزة، أما إذا لم يأتِ بهذه الشهادة فليس له شيء إطلاقاً، لم يعد هناك حل وسط، إما أن تحقق الهدف الذي خلقت من أجله، فأنت أسعد الناس قاطبة، وإما أن تخفق والعياذ بالله، صار الذي ما قبِل حمل الأمانة مثله مثل بقية المخلوقات.
﴿ َأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
المذيع:
كلام جميل، هل شيخنا يوم القيامة، أو يوم الحساب هو النهاية، هل الجنة والنار جزء من أحداث يوم القيامة؟
الجنة أو النار مصير كل إنسان :
الدكتور راتب :
هي الهدف، هي المصير.
﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾
المذيع:
هذا من بعد يوم القيامة، بعد الحساب، إذاً آخر شيء هو الجنة والنار؟
الدكتور راتب :
آخر شيء يوم القيامة، التي ينفرز الناس من خلاله إلى الجنة أو إلى النار.
(( والذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار))
المذيع:
جميل، إذاً شيخنا إن تحدثنا عن حياتنا هنا لن نتحدث عن الحياة السابقة كما تفضلت في عالم الأزل، وعالم الصور.
كل شيء نفس و النفس هي مخلوق إلهي :
الدكتور راتب :
الأول اسمه عالم الذر، نحن عالم الصور.
المذيع:
عالم الصورة هو الحياة البشرية؟
الدكتور راتب :
ليس للبشر، هذا حصان، هو نفس، هذا خشب، هو نفس، والدليل:
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾
المذيع:
هل الجمادات فيها أنفس دكتور، وتسبح وإن كانت جمادات؟
الدكتور راتب :
كل شيء نفس، والنفس يعني مخلوق إلهي.
المذيع:
كيف؟ بمعنى أنها كالنفس البشرية تتعذب؟
الدكتور راتب :
لا، لا، لكن هي نفس.
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾
المذيع:
المقصود أنها من خلق الله.
شيخ، نحن الآن في هذه الدنيا بعدما تنتهي الدنيا سواء نهاية كاملة لكل البشر، أو نهاية فردية للإنسان بوفاته، يأتي بعدها دار البرزخ الذي هو القبر، ومن بعدها شيخنا يوم الحساب، ومن ثم الجنة أو النار، هذه هي المراحل التي تمر فيها الحياة في هذا الكون؟
حال الإنسان في القبر :
الدكتور راتب :
آية البرزخ:
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾
كشخص محكوم بالإعدام، كلما وضع المفتاح في الزنزانة ظن أنه سيعدم الآن.
المذيع:
وهذا يكون حال الإنسان في القبر أن يرى مقعده من النار أو الجنة؟
الدكتور راتب :
﴿ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾
المذيع:
لدينا سؤال سأطرحه على فضيلتكم، هل يعتبر القبر باباً من أبواب يوم القيامة؟ هل يبدأ فيه الحساب أم أنه يكون فصلاً؟
أنواع اليقين :
الدكتور راتب :
أريد أن أقول لك كلمة قبل أن نبدأ المرحلة الثانية، نحن أمام عالمين؛ عالم الغيب وعالم الشهادة، نحن في عالم الشهادة، عالم الغيب الله عز وجل لحكمة بالغة بالغة بالغة ذكر لنا منه بعض الآيات، والنبي الكريم بعض الأحاديث، أنا لا أستطيع أن أضيف إلى هذه الآيات والأحاديث شيئاً، هذا أمر بعيد عني.
كما قلت مرةً: هناك يقين حسي، ويقين عقلي، ويقين إخباري، الحسي هذا آيباد، هذا لاقط، هذا فنجان شاي، هذا اليقين الحسي.
العقلي: أنا أرى دخاناً وراء الجدار، النار ما رأيتها رأيت آثارها، فالذي ظهرت عينه وآثاره أداة اليقين به الحواس الحمس واستطالاتها، والذي غابت عينه وبقيت آثاره أداة اليقين به العقل، أنا أقول: لا دخان بلا نار، أنا النار ما رأيتها، إذا الشيء ظهرت عينه وآثاره أداة اليقين به الحواس الخمس، الشيء الذي غابت عينه وبقيت آثاره أداة اليقين به العقل، فإذا غابت عين الشيء وآثاره بقي الإخبار، أداة اليقين الإخبار، والإخبار متعلق بالمخبر، فإذا كان الله هو المخبر، يجب أن نأخذ إخبار الله لنا وكأننا نراه، والدليل:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾
مع أننا ما رأيناهم، يجب أن تأخذ إخبار الله لنا وكأنك تراه.
المذيع:
من لا يؤمن بالخالق دكتور كيف سيصدق هذه الأحداث التي ذكرها القرآن الكريم عن الماضي؟
الدكتور راتب :
الآن الله هو أخبرنا عنها، أما اليقين فأبلغ، كشخص ذُكر أن هناك ناراً، أكيد أم لا، الخبر صادق، ليس صادقاً، أحد ما قام بتزويره، أما حينما يدخل النار:
﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾
المذيع:
الحكمة أن ندركها قبل أن يقع بها.
الدكتور راتب :
يدركها بعقله، أما إذا لم يدركها بعقله فسيقع بها يقيناً.
المذيع:
نحن كمسلمين شيخنا نؤمن بوجود يوم القيامة، وأن يوم القيامة هو يوم الحساب، ويوم العدل المطلق، ومن لا يؤمن بوجود الله، هذا الملحد الذي لا يؤمن أصلاً بوجود الخالق، ولا بوجود الأديان، كيف نقنعه شيخنا بوجود يوم القيامة؟
عبادة التفكر أرقى عبادة على الإطلاق :
الدكتور راتب :
نقنعه بطريقة ذكية جداً: كمال الخلق يدل على كمال التصرف، معقول أن يكون بالعين مليون وثلاثمئة ألف مأخذ ضوئي من الشبكية التي تزن ميليمتراً وربعاً تكون قد خلقت لوحدها؟ ولماذا يوجد عينان؟ من أجل البعد الثالث، أنت بعين واحدة لا تستطيع أن تضم إبرة، تضع الخيط بعد ثلاثة سنتمترات عن الإبرة، بالعينين صار هناك بعد ثالث.
العين ممكن أن نمضي فيها بضع سنوات، بالعين فقط، والأذن، والأنف، واللسان، والقلب مضخة تضخ أربعاً وثمانين سنة لا كلل ولا ملل.
الشعر لا يوجد به أعصاب حس، لو كان فيه أعصاب حس كنا كلما أردنا أن نحلق نجري عملية حلاقة في المستشفى بتخدير كامل.
مليار آية من جسمنا فقط، بطعامنا، بشرابنا، بحياتنا الزوجية، بأولادنا، بنقطة ماء بحوين منوي لا يرى بالعين، يرى بالمكبر فقط، و بويضة، البويضة ترى بالعين، لقح الحوين البويضة وصار طفلاً، في دماغه مليار وأربعمئة ألف خلية عصبية استنادية سمراء، بعينه، بأنفه، بأسنانه، بعظمه، بنسيجه العظمي، بنسيجه الجلدي، بنسيجه اللحمي، القلب له خصائص، الكلية يمر فيها الدم كل يوم ويمشي مسافة مئة كيلومتر، شيء مثل الخيال، يمكن أن يبقى الإنسان بآيات الله في جسمه والله سنوات وسنوات، حتى يرى بعينه البصيرة عظمة الله عزوجل.
لذلك أنا أقول: إن هناك عبادة هي أرقى عبادة على الإطلاق هي عبادة التفكر، أساسها في القرآن:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
أنا أمشي في الطريق، و ورائي مركبة، أطلقت بوقها، أنا أمشي بالمنتصف، انحرفت نحو اليسار، لماذا نحو اليسار؟ لأن الصوت وصل للأذن هذه قبل هذه، وصل لليمين قبل اليسار بمدة زمنية تساوي واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، فعرفت جهة الصوت، هل هذا الشيء قليل؟ والله يا أخي في الجسم البشري أكبر آية دالة على عظمته.
عفواً أنا أمشي هنا، السيارة على يميني، أطلقت بوقها وصل الصوت لهذه الأذن قبل الأخرى بكم؟ بواحد على ألف وستمئة و عشرين جزءاً من الثانية، فانحرفت نحو اليمين.
المذيع:
عندما وصل إلى الأذن اليمنى أدركت أن هذا الجسم على يميني، وبالتالي أنا انحرفت نحو اليسار.
الدكتور راتب :
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
سيدي والله شيء لا يصدق، يوجد جيش بالجسم، بالكريات البيضاء، هذا الجيش غدة إلى جانب القلب، الكريات تدخلها تبقى سنتين، تتعلم من هو العدو، ومن هو الصديق، والتخرج بامتحان، تعطى عنصراً صديقاً إن قتلته ترسب وتقتل، ثم تعطى عنصراً عدواً إن لم تقتله ترسب وتقتل، فكل الراسبات أبيدوا، المتخرجات تتولى تعليم الأجيال الصاعدة من الكريات البيضاء إلى نهاية الحياة، شيء لا يصدق!
المذيع:
سبحان الخالق عز وجل، إذاً الإنسان الذي لا يؤمن بوجود الآخرة هو بحاجة إلى أن يتفكر في جمال هذا الكون حتى يدله على الخالق فيؤمن أن هنالك يوماً يحاسب فيه.
الدكتور راتب :
هذا الجنين في بطن أمه، له قلب، لكن بالرحم لا يوجد هواء، ولا تنفس، يوجد رئتان لكنهما معطلتان، الله فتح ثقباً بين الأذينين، كشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، باعتبار لا يوجد دورة صغرى للرئتين لتنقية الدم من غاز الفحم، فهذا الدم ينتقل من أذين إلى أذين، الآن الطفل ولد، تأتي جلطة تغلق هذا الثقب، فتكون الدورة إذاً دورة صغرى إلى الرئتين ثم تعود إلى البطين.
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
المذيع:
سبحان الله رب العالمين! الله يفتح عليكم يا دكتور، شيخنا النقطة التي طرحناها قبل الفاصل على مستمعينا هل القبر هو بوابة يوم الآخرة، هل هو أحد مراحل يوم الآخرة أم أن القبر منفصل؟
القبر هو البرزخ وفيه بشائر الحساب والعذاب :
الدكتور راتب :
هذا اسمه برزخ.
المذيع:
يبدأ فيه الحساب دكتور؟
الدكتور راتب :
لا يبدأ فيه الحساب، بشائر الحساب والعذاب.
المذيع:
ما معنى بشائر الحساب والعذاب؟
الدكتور راتب :
إنسان دخل للسجن، حكموه بالإعدام، كلما أرادوا أن يعطوه صحن طعام يظن جاؤوا ليعدموه.
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾
الحساب التام يوم القيامة.
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
أما هنا فيوجد بشائر، يسمونها استنباطات، بالقبر يمتد مد بصر الإنسان إن كان مؤمناً.
المذيع:
الله يفتح عليكم يا شيخنا، كلام جميل، إذاً القبر هو ليس من أهوال يوم القيامة، لكنه مقدمات.
الدكتور راتب :
المقدمات الأولى، أو مقدمات الجنة.
المذيع:
هل يمكن أن يعتبر وكأنه يوم القيامة الفردي لكل إنسان فينا لو انقطع عمله؟
إدراك الإنسان الحق في الدنيا قبل القبر :
الدكتور راتب :
يوجد يوم قيامة عام، ويوم قيامة خاص، نقول: خاص.
المذيع:
لأن الإنسان سيدرك شيخنا عندما يدخل القبر هل أصاب أو أخطأ، فيبشر بالجنة أو والعياذ بالله يوعد بجحيم النار.
الدكتور راتب :
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
المذيع:
يعرف الحق عندما يموت.
شيخنا، حينما يرى الملك يدرك ساعتئذ لما كان ملحداً أن هنالك خالقاً.
الدكتور راتب :
أنا رأيي ليس فقط بالقبر، وهو في الدنيا يدرك ذلك.
﴿ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾
بالدنيا، قالوا:
﴿ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾
أنا قناعتي بأعماق الإنسان يعرف أن الله حق.
المذيع:
جميل، الله يفتح عليكم يا دكتور، شيخنا الكريم يوجد قضية مهمة؛ دائماً الإنسان يسأل عنها، ودائماً تثار، و هي علامات يوم القيامة، وأشراط الساعة، هل هي موضحة في الدينا؟ هل يستطيع الإنسان أن يميزها أم هي خفية دكتور؟
لا يعلم الغيب إلا الله :
الدكتور راتب :
والله الجواب دقيق أحتاج إلى تأن: أولاً: لا يعلم الغيب إلا الله، أصل.
المذيع:
يوم القيامة من الغيبيات.
الدكتور راتب :
ولا رسول الله، لكن الله أطلع النبي على بعض نتائج يوم القيامة، أو على بعض أشراط الساعة، هذه ليست من رسول الله، الأصل لا يعلم الغيب إلا الله.
المذيع:
هذا وحي من الله.
الدكتور راتب :
ومنهم رسول الله، إلا أن الله أعلمه، فأنا أقول من إعلام الله له مثلاً:
((موت كعقاص الغنم،لا يدري القَاتِلُ في أَيِّ شيء قَتَلَ، ولا يدري المقتولُ في أَي شيء قُتِلَ))
نحن نعيش هذا.
((موت كعقاص الغنم، لا يدري القَاتِلُ في أَيِّ شيء قَتَلَ، ولا يدري المقتولُ في أَي شيء قُتِلَ))
المذيع:
المقصود فيه كثرة القتل شيخنا؟
الدكتور راتب :
لا، مرض يصيب الغنم يبيده إبادة.
((موت كعقاص الغنم، لا يدري القَاتِلُ في أَيِّ شيء قَتَلَ، ولا يدري المقتولُ في أَي شيء قُتِلَ))
((يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه))
هذا الشيء نعيشه نحن الآن، الذي يحدث الآن والله العقل لا يستطيع تحمله، إنسان لم يعترض، ولم يعمل بياناً، ولم يمش بمظاهرة، يقتل ببيته!!
المذيع:
حتى السكوت، دول تحاسب على السكوت.
الدكتور راتب :
حرب إبادة، أول مرة بتاريخ البشرية- الساكت لا يحاسب- الساكت صار يحاسب. " تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً فيأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً".
فأنا أقول: أكبر بطوله للإنسان أن الله أبعده على أن يفسك دماً حراماً.
المذيع:
هل هذه قريبة أم بعيدة؟ ونتحدث عن هذه الأشراط.
الساعة علمها عند الله فقط :
الدكتور راتب :
والله لا يوجد لها جواب إطلاقاً، علمها عند الله وحده، لكن يوجد ملامح أنا ذكرت اثنين منهم.
((يكون الولد غيظاً))
أنا قال لي شخص، أقسم لي بالله يميناً معظّماً، إذا دُهس ابنه بسيارة سوف يعمل احتفال مولد، ابن عاق، مخيف، مؤذ، مجرم، قال لي: والله إذا ابني دهس بسيارة سأقيم احتفالاً.
((يكون الولد غيظاً، والمطر قيظاً، وتفيض اللئام فيضاً، ويغيض الكرام غيضاً))
هذه أشراط الساعة.
المذيع:
إذاً على الإنسان أن يهيئ نفسه إلى أن يكون هذا في أي لحظة، هذا في علم الله سبحانه وتعالى متى يكون.
لماذا أخفى الله سبحانه وتعالى متى تكون الساعة على البشر؟
الحكمة من إخفاء الساعة :
الدكتور راتب :
هذه الحكمة بالغة، إذا أعلنها انتهى كل شيء، أنا سأقول كلمة دقيقة: لو فرضنا شركة طيران نادرة جداً، قطعت لأمريكا، والشرط أن يأخذوك في اليوم الخامس من الشهر، بدءاً من الساعة الثامنة صباحاً، حتى الثامنة مساءً، والبطاقة ثمنها خمسمئة ألف، والبطاقة لا يرد ثمنها، وقد يأتيون بدقيقة بين هاتين الساعتين، يقفون دقيقة واحدة، ماذا تفعل؟ البطاقة بخمسمئة ألف، ولا ترد، ولا يرد ثمنها إذا لم تسافر، وهم سوف يأخذونك من البيت، ولن ينتظروا غير دقيقة واحدة، ألا يجب أن تقف لهم وراء الباب؟ هذا معنى أن الموت يأتي فجأة.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
إذاً يجب أن تكون مهيئاً لملاقاة الله.
المذيع:
ونعمة بالله رب العالمين، كلام مهم، وكلام جميل، وبنفس الوقت خطير والله يا دكتور، ربنا يقدرنا أن نهيئ أنفسنا لهذه الساعة، وكيف يهيئ الإنسان نفسه يوم القيامة محور حديثنا.
شيخنا الكريم بدأنا حديثنا كيف يمكن للإنسان أن يهيئ نفسه ليوم القيامة، أي ذكر هذا اليوم، وذكرت علاماته، وكما تفضلت قد يكون بعضها موجوداً في زماننا، ما الذي يفترض أن أفهمه أنا كمسلم.
وصول الإنسان إلى الله عن طريق العقل :
الدكتور راتب :
أولاً: الإنسان عقل يدرك، الله منحه نعمة العقل، والعقل كاف أن تصل من خلاله إلى الله، وهناك مليون دليل، ومليار دليل، أنت لا تستطيع أن تضع بكيس عشر أوراق مرقمة من واحد لعشرة، وأن تسحبها بالتسلسل، مستحيل، أن يأتي السحب معك بالتسلسل هذه حالة من عشرة آلاف مليون حالة، وكذلك يوجد بالجسم أشياء معقدة بشكل يفوق حدّ الخيال.
الفاكهة شكلها، وحجمها، ولونها، وقطافها، وفوائدها، والفيتامينات، والسكريات، ما هذا؟! كل شيء الله خلقه عالم قائم بذاته.
الطفل عند يولد، الرحم يضغط على الطفل ضغطات متزامنة، متناقصة، كل ربع ساعة ضغطة، ثم كل عشر دقائق، ثم كل خمس دقائق، ثم كل دقيقتين، ثم يخرج الولد، ينقبض الرحم انقباضاً يأتي الطبيب أو الطبيبة يضع يده على الرحم إذا رآه صخرياً تكون الولادة ناجحة، ينقبض حتى يغلق عشرة آلاف وعاء دموي، وإلا تموت الأم والجنين بالنزيف، من أمره أن يضغط ضغطات لطيفة، لينة، متزامنة، متقاربة، ثم ينقبض انقباضاً واحداً شديداً جداً، حتى تغلق به عشرة آلاف وعاء دموي؟ هذا فعل من؟ فعل الله.
بالعين، بالأذن، باللسان، ما هو اللسان؟ أربع عشرة عضلة تتحرك لنطق حرف واحد،، فإذا الكلمة خمسة حروف، والجملة خمس كلمات، والمحاضرة ساعة، كم عضلة عملت وأنت لا تدري.
هذا الخلاص؛ المشيمة، يجتمع فيها دم الأم ودم الولد ولا يختلطان، وإذا اختلطا تموت الأم ووليدها فوراً بانحلال الدم، يوجد غشاء عاقل سماه العلماء: الغشاء العاقل، لماذا؟ قال: لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء، أول عمل يأخذ من دم الأم السكر يضعه في دم الجنين، ثم يأخذ الأوكسجين يضعه في دم الجنين، ثم يأخذ الأنسولين، صار عند الجنين أوكسجين، وسكر، وأنسولين، السكر يحترق بالأوكسجين بوساطة الأنسولين، الطفل حرارته حوالي سبع و ثلاثين درجة الآن يأخذ كل عوامل مناعة الأم للجنين، فالطفل محصن من جميع الأمراض التي أصيبت بها أمه.
ثم هذا الغشاء العاقل الأم لم تأكل طعاماً فيه مثلاً بوتاسيوم، وهو يريد البوتاسيوم، ما الطريقة؟ يحتاج إلى بوتاسيوم، فتشتهي الأم الحامل أكلات هي حاجات الجنين دون أن تشعر، يسمى الوحام، تكون لا تحب هذا الطعام فتحبه أثناء الحمل.
المذيع:
ليس لها، وإنما لجنينها ليأخذ الفائدة منه.
الدكتور راتب :
والله شيء لا يصدق!
المذيع:
سبحان الخالق! شيخنا هذا اليوم العظيم، يوم الحساب، يوم القيامة، هل يحاسب كل إنسان بشكل مستقل ينادى عليه أم الخلق حينما يجمعون على صعيد واحد؟
لكلّ إنسان يوم القيامة حساب خاص :
الدكتور راتب :
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى ﴾
المذيع:
يبعث الناس جمعاً يوم القيامة.
الدكتور راتب :
جمعاً لكن كل إنسان له حساب خاص.
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى ﴾
لا يوجد جماعة، لا يوجد حزب، لا يوجد طائفة.
المذيع:
ممكن تبسطها حتى نستوعبها شيخنا، الآن نهاية البشرية عندما يموت كل الناس ويصعق البشر، بالنهاية تنتهي الحياة البشرية.
الدكتور راتب :
ثم يحاسب الإنسان على أعماله كلها.
المذيع:
ثم ينادى عليهم للبعث.
من أيقن أن الله يعلم و سيحاسب لا يمكن أن يعصيه :
الدكتور راتب :
إما إلى الجنة، أو إلى النار، طبعاً لا يوجد شيء من عندي إطلاقاً، هذه فيها نصوص.
﴿ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾
مرتكب جرائم كبيرة، وعنده مخالفة سير، محكوم بالإعدام، يحاكموه على مخالفة السير؟ لا، لأن جريمته أكبر من ذلك.
آيات الآخرة مهمة جداً، عندنا خمسة أركان للإيمان: الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، أنا أرى أن أهم ركنين بالإيمان الإيمان بالله واليوم الآخر، لأنه يوجد إله خلق، وبعدها سيحاسب.
أنت عندما تكون راكباً سيارة، والإشارة حمراء لماذا تتوقف؟ لأن وزير الداخلية واضع قانون السير، علمه يطولك من خلال هذا الشرطي، أو الكاميرا نفس الشيء، وقدرته تطولك، يوجد حجز سيارة، أحياناً حجز سنة بأكملها، يأخذونها منه إذا كانت المخالفة كبيرة.
فأنت عندما ترى علم واضع القانون يطولك، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه وهو شرطي.
الله ماذا يقول:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
أي علمه يطولك، وقدرته تطولك.
المذيع:
سبحان الله! في الدعاء في الآيات الكريمة شيخنا:
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾
كيف تكون الحسنة في الآخرة وهو يوم القيامة؟
الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة و في الآخرة النظر إلى وجه الله الكريم :
الدكتور راتب :
نبدأ في الدنيا، قال بعضهم: الزوجة الصالحة.
المذيع:
سبحان الله.
الدكتور راتب :
من مبدأ إن نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك. آتنا في الدنيا حسنة هي الزوجة الصالحة.
المذيع:
ولكل النساء الحسنة هنا الزوج، الرجل الصالح، المعنى المقابل؟
الدكتور راتب :
طبعاً:
﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾
المذيع:
جميل، وحسنة الآخرة دكتور؟
الدكتور راتب :
الجنة، ويوجد فوق الجنة شيء ثان:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
الآن الجنة جميلة، بساتين، وأنهار، وفواكه، وثمار، و:
﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴾
شرح طويل، لكن أجمل من هذا كله النظر إلى وجه الله الكريم، وجاء في بعض الآثار أن المؤمن يغيب من نشوة النظرة خمسين ألف عام، من نشوة النظرة إلى ربه الكريم.
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
أنا والله لا أرى على وجه الأرض أغبى ممن لم يؤمن بالله، يعيش عدة سنة بهمّ، وحزن، وقلق، وغم، ثم إلى جهنم.
المذيع:
ما هي مسؤوليتنا شيخنا لمثل هؤلاء، نحن من نؤمن بالله عز وجل؟
الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق :
الدكتور راتب :
الدعوة إلى الله، الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق.
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾
فالدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، ولكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط، حضرت خطبة جمعة، وشرح الخطيب آية، تأثرت بالشرح، عندك بالبيت زوجتك، عندك أولادك، عندك بالدائرة بعض الموظفين، هذا الشيء تأثرت فيه بلغه، هي الدعوة كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، أما الدعوة كفرض كفاية فتحتاج إلى تفرغ، وإلى تبحر، وإلى تعمق.
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ﴾
ولتكن منكم، بعضكم.
﴿ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾
أما كدعوة إلى الله عامة كفرض عين فكل إنسان يدعو إلى الله، والدليل:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله، وقد قال الله عز وجل وجل:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، كفرض كفاية تحتاج إلى تفرغ، وتبحر، وتعمق.
المذيع:
جميل! يوم القيامة شيخنا حينما ينادى الإنسان ليعرض على الله سبحانه وتعالى هل سيقف أمام الله مباشرة؟ هل سيرى الخالق حينما يحاسبه؟ أم أن هذه التفاصيل غير معروفة في شرعنا؟
الابتعاد عن التبحر بالتفاصيل و الجزئيات :
الدكتور راتب :
غير معروف، ولست مكلفاً أن أبحث عنها أبداً،يوجد كثير في العلماء تورطوا، أنا في علم الغيب عندي نصوص لا أستطيع أن أضيف عليها أية جزئية، هكذا قال الله، بتعبير آخر أنا أسكت حيث سكت القرآن، يا ترى زليخة تزوجها يوسف بعد ذلك؟ لا أعرف، ويجب ألا أعرف، و لست مكلفاً أن أعرف إن كان هناك شيء قد يكون خطأ، فأخفى الله ذلك لحكمة بالغة.
مثلاً: لو قال لك أستاذ جامعة بالاقتصاد لكن هو أديب أيضاً، أراد أن يوضح لك نجاح التجارة بأسلوب قصصي، قال: لي صديق قريب مني كثيراً، عمل تاجراً، فاختار محل البيع بوسط المدينة، واختار بضاعة أساسية - ألبان وأجبان مثلاً- واختار أنواعاً جيدة جداً، و كان سعره معتدلاً، ولم يدين أحداً، ومعاملته طيبة، أنا عن ماذا تكلمت الآن؟ كل وسائل نجاح التجارة، فقال لي طالب: هذا الشخص ما اسمه أستاذ؟ أنت ليس لك علاقة باسمه، اسمه لا علاقه له بالموضوع إطلاقاً.
فالله عز وجل أعطانا أسباب النجاح.
المذيع:
الإنسان لا يفترض أن يتبحر بالتفاصيل والجزيئيات.
الدكتور راتب :
علمها عند عالم الغيب، أنا أسكت حيث سكتت الآية.
المذيع:
جميل جميل.
الدكتور راتب :
آلاف الصفحات الآن كلها تأويلات، تصور عقلي.
المذيع:
هل يوم القيامة بحد ذاته شيخنا فيه نعيم وعقاب أم أنه مجرد حساب؟ أي هل في يوم القيامة ذاته يكافأ المؤمن ويعاقب الكافر؟
البداية يوم القيامة تكون بالحساب ثم الجزاء :
الدكتور راتب :
توقع المصيبة مصيبة أكبر منها، العقاب يوم القيامة أما البداية فهي الحساب.
المذيع:
نقرأ من النصوص شيخنا أنه يوجد أناس يوم القيامة يكون عرقه إلى قدميه وهكذا.
الدكتور راتب :
كله صحيح، إذا كان الآثار صحيحة.
المذيع:
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، هل هذا اليوم هو يوم القيامة؟
الدكتور راتب :
نعم، نعم، هذا يوم القيامة، شاب نشأ في طاعة الله.
المذيع:
إذاً هؤلاء يكافؤون يوم القيامة لأعمالهم الصالحة، هذا قبل أن يبدأ الحساب؟
الدكتور راتب :
طبعاً.
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
المذيع:
هذا قبل الجنة شيخنا في يوم القيامة نفسه؟ يكافأ في هذا اليوم العظيم.
الدكتور راتب :
نعم طبعاً، سأقول لك مرة أخيرة: لا نملك إلا الآيات فقط، إذا الآية لم توضح أنا لا أوضح.
مثلاً: دخلت لبيت وجدت فيه خزانة مقفلة، قلت لصاحبها: ماذا يوجد بها؟ قال لك: دفاتر تجارية قديمة، أنا لا استطيع أن أقول له: لأي شركة، هكذا قال لي، فأنا أبقى عند الخبر ولا أضيف عليه شيئاً.
المذيع:
إذاً يوم القيامة هو يوم العدل الإلهي المطلق، فيه حساب الإنسان على كل ما تصرف ونطق في هذه الدنيا، دون الدخول في هذه التفاصيل، الله سبحانه وتعالى يقدرنا أن نحسن أعمالنا، ونطلب منه الرحمة والمغفرة، شيخنا الكريم نختم حلقتنا بالدعاء.
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.
خاتمة و توديع :
المذيع:
الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لهذه الكلمات الطيبة، وكان حديثنا فيها عن: "يوم القيامة".
في الختام نقرأ قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله