- أحاديث رمضان / ٠10رمضان 1424هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 2- رمضان 1424 - ومضات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
من معاني هذه الآية :
أيها الأخوة, في سورة الأنعام آية موجزة يقول الله فيها:
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾
قال بعض المفسرين: هذا القرآن الكريم من أول آية فيه إلى آخر آية, لا يزيد على أن يكون خبراً أو أمراً، فخبره صدق، وأمره عدل، هذا معنى.
معنى آخر: أن يا عبادي منكم الصدق، ومني العدل، تتفاوتون عندي بالصدق، ولكم علي أن أعدل بينكم، ولكن العقل البشري مهما كان حاداً في ذكائه, فلا يستطيع أن يثبت عدل الله إلا بحالة واحدة مستحيلة، أن يكون له علم كعلم الله، وهذا شيء مستحيل، لكن عدل الله يثبت بالخبر الصادق.
ما أخطر شيء في العقيدة؟ :
أخواننا الكرام, قضية دقيقة جداً، هناك أشياء مناطها العقل، وهناك أشياء مناطها النقل، أخطر شيء في العقيدة: أن تنقل قضية من العقل إلى النقل، أو من النقل إلى العقل، فهذا الكون عن طريق العقل يمكن أن يدلك على إله موجود عادل كامل، أسماؤه حسنى، وصفاته فضلى.
دور العقل في العقيدة :
الآن: هذا القرآن بإعجازه الذي لا حدود له, يعطيك برهاناً يقينياً قطعياً على أنه كلام الله، لأن فيه حقائق علمية لا يمكن للبشر مجتمعين وقت نزول الوحي أن تكتشف، الآن كشفت، إذاً: تؤمن بوجود الله، وعدالته، وكماله، ووحدانيته من خلال الكون، وتؤمن بأن هذا القرآن كلامه من خلال الإعجاز، وهذا الذي جاءك بالقرآن ما دام هذا القرآن من خلال إعجازه كلام الله, إذاً: هذا الذي جاء بهذا الكتاب هو رسول الله، الإيمان بالله، والإيمان بكتابه, والإيمان برسوله, هذا مناطه العقل، وهناك أدلة يقينية قاطعة على وجود الله، ووحدانيته، وكماله، وأن هذا القرآن كلامه، وأن هذا الإنسان الذي اسمه: محمد بن عبد الله رسوله، إلى هنا ينتهي دور العقل.
دور النقل في العقيدة :
الآن: النقل يعني الوحي، القرآن والسنة أخبرتك أن هناك ملائكة، هذه الملائكة لا يستطيع أكبر عقل أن يثبت وجودها، وهناك جن، وهناك ماضٍ سحيق، ومستقبل بعيد، وهناك آخرة وما بعد الموت، هذه الموضوعات كلها إخبارية نقلية، الآن: أن الله عادل قضية نقلية، وليست عقلية، على شبكية العين: ترى أممًا بحالة من الترف لا يصدقها العقل، وبحالة من الفسق والفجور والكفر والإلحاد والتحدي والسيطرة على العالم كله، وترى شعوبًا تخاف الله، مؤمنة به، ومع ذلك فهي في ضيق من أمرها، العقل لا يستطيع إثبات عدل الله إلا إذا كان له علم كعلم الله، وهذا مستحيل، إذاً: عدل الله يثبت بالخبر الصادق.
ما نوع النفي في هذه الآية ؟
الله عز وجل قال بأشد أنواع التأكيد:
﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾
هذا اسمه نفي الشأن، هناك نفي الحدث، أكبر لص تسأله: هل سرقت هذا القلم؟ يقول لك: لا، هو ينفي أنه سرق هذا القلم، لكنه سارق للمليارات، لا تنفي الحدث، أما إذا قال إنسان كريم: ما كان لي أن أسرق، هذه تنفي الشأن، يعني لا يتصور، ولا يريد، ولا يتمنى، ولا يقر، ولا يقبل، ولا يعين أبداً، أكثر من عشرة أفعال تنفى بهذه الصيغة، الله قال:
﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾
﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾
﴿وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً﴾
﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾
هل يستطيع الإنسان أن يكتشف بعقله عدل الله؟ :
فعدل الله لا يمكن أن تكتشفه بعقلك، لأن في الحياة ظروفًا متناقضة، ونحن من ضيق أفقنا، ومن قصر نظرنا: أن الدنيا هي كل شيء؛ هذا غني، هذا فقير، الأبد الدنيا، لو عاش الإنسان مليار سنة أمام فهي الأبد صفر، فإذا كان في ضيق الدخل في الدنيا، وكان من أهل الجنة لا شك، الآن أنتم في الدنيا، هذا قبل خمسين سنة حتى نكون دقيقين، ما درس، وما تعلم، والذي درس وتعلم أصبح بمكانة عالية في المجتمع، في أثناء الدراسة جهد، وتعب، وسهر، ومعاناة، أما الذي لم يدرس يبدو في راحة، والآن أنت ترى الإنسان الشارد كأنه مرتاح، ليس عنده مشكلة، يأكل ما يشتهي، يلتقي مع من يشتهي، يتصل بمن يشتهي، ما عنده ضابط، ولا عنده رادع، ولا عنده قيمة، ولا عنده شيء اسمه حرام أو حلال، القضية عنده سهلة، هو يبدو لك مرتاح، لكنه خسر الآخر.
فيا أيها الأخوة, هذه الآية:
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾
القرآن الكريم من الفاتحة إلى سورة الناس, لا يزيد عن أن يكون أمراً أو خبراً؛ فالخبر صادق والأمر عدل، أو: يا عبادي, منكم الصدق ومني العدل.
هل اسم العدل محققاً في الدنيا تحقيقاً كاملاً؟ :
الآن: يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عم رسول الله, أنقذا نفسيكما من النار, أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً, لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم, من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه:
﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾
آية ثالثة:
﴿إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ﴾
إذاً: اسم العدل ليس محققاً في الدنيا تحقيقاً كاملاً، هو محقق في الدنيا تحقيقاً جزئياً, يعني الله عز وجل يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ويكافئ بعد المحسنين تشجيعاً للباقين, ولكن قد تجد من أجل أن يتم الابتلاء إنسان يعصي كل المعاصي والآثام, ما في عنده مشكلة, لو كان يأتي العقاب بعد المشكلة ما عاد في اختيار، الآن ائتِ بإنسان وقل له: افعل كذا وخذ مئة ألف، لو جئت بمليون إنسان ملحد, قلت لهم: غض بصرك عن هذه الفتاة وخذ ألف ليرة, الكل يغضون بصرهم، لو الجزاء يأتي بعد الإحسان, أو العقاب بعد الإساءة, التغى الاختيار, ما معنى الاختيار؟.
ممكن تعصي الله كما تريد، ما عندك ولا مشكلة، النبض ثمانين، الضغط 8 ـ على 12، النسب كلها طبيعية، ولا أقول: مثل الحصان, مثل البغل، المؤمن مثل الحصان, الثاني مثل البغل، ما عنده مشكلة, يمكن أن تعصي ما تشاء, أن تعصي وأنت قوي هذا الاختيار، ويمكن أن تطيع الله وأنت فقير، وأنت مريض، وأنت معذب، وأنت في المنفردة، وأنت في أعلى درجة من القرب من الله عز وجل, لذلك أيها الأخوة:
قال له: يا سعد -سيدنا سعد كان من أصحاب رسول الله المقربين إليه، وما فدا النبي أحداً من أصحابه إلا سعداً: ارمِ سعد فداك أبي وأمي، وكان إذا دخل عليه داعبه، وقال: هذا خالي أروني خالاً مثل خالي، ماذا قال له سيدنا عمر بعد وفاة النبي-: يا سعد لا يغرنك قد قيل خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينهم وبينه قرابة إلا طاعتهم له.
من عظمة هذا الدين :
لذلك: آية لا تصدق, تعاتب النبي أشد العتاب، لأنه ولو لم يحكم بعد، لكن استقر أن هذا الأريقط بريء، وأن هذا اليهودي هو السارق، والقضية بالعكس، فقال الله عز وجل:
﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً﴾
عدل الله مذهل:
﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾
عظمة هذا الدين، لا تتقرب إلى الله إلا إذا كنت مستقيماً، أما الأقوياء فيقربونك، وقد تكون أسوأ إنسان ويقربونك، الإسلام ليس فيه تقريب، لا يمكن أن تتقرب إلى الله إلا إذا كنت مستقيماً، لذلك: تجد الصفات مشتركة بين المؤمنين؛ العدل, والرحمة, والإنصاف, والعفو, والحلم.
اليقين بعدل الله يلغي مئات العقائد الفاسدة:
فيا أيها الأخوة, اليقين بعدل الله يلغي مئات العقائد الفاسدة:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ
-الله عادل-:
قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
ولو قال المسلمون: نحن أمة محمد أمة مرحومة، قال تعالى:
﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
لسنا مرتاحين، ولا أقوياء، وليس أمرنا بيدنا، وللطرف الآخر علينا ألف سبيل وسبيل، ولسنا مستخلفين، ولسنا ممكنين، ولسنا آمنين، لأننا مقصرون، ولأننا اتبعنا الشهوات، أضعنا الصلاة، وإضاعتها ليس تركها، ولكن تفريغها من مضمونها.
ماذا لو طبق مفهوم العدل في حياتنا؟ :
فقضية العدل أيها الأخوة: لما توقن أنك إذا عاملت مجوسياً وظلمته, سوف يقتص الله منك، ولو كنت عند الناس ولياً كبيراً، مفهوم العدل إذا ترسخ, كانت حياتنا غير هذه الحياة، الله لا يحابي، ولو كنت منسوبًا، هل هناك أقرب من أن يكون عم رسول الله؟:
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾
أين أصبح النسب؟ هل هناك أبعد من أن تكون من أمة أخرى؟.
((سلمان منا آل البيت))
((نِعم العبد صهيب, لو لم يخف الله لم يعصه))
((اسمعوا وأطيعوا ولو تولى عليكم عبد رأسه كالزبيبة))
هذا العدل، كلمة ندت من صحابي يخاطب سيدنا بلالاً، قال له: يا بن السوداء، فقال له النبي على غير عادته، قال: إنك امرؤ فيك جاهلية، فلم يرض هذا الصحابي إلا أن يضع رأسه على الأرض ليطأ بلال رأسه بقدمه.
هذا الإسلام، الإسلام عدل.
ما معنى شيبتني هود؟ :
فأنت حينما تظن أنك متميز فأنت جاهل، ليس لك ولا ميزة.
يقول النبي:
((شيبتني هود))
ما معنى شيبتني هود؟ شيبتني سورة هود، ما معنى سورة هود؟ شيبتني آية:
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾
فإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين.
ما ينبغي أن تعلمه :
إن شاء الله كل يوم هناك موضوع موحد، واليوم: العدل, مفهوم العدل، لو كنت ابن رسول الله، العدل فوق الجميع، قد يرتكب إنسان مخالفة ربوية، يقول لك: أستاذ هناك رجل أفتاها لنا، والحمد لله، من أفتاها لك؟ واحد في جامع الشابكلية، إمام قال: لا شيء عليك، يجوز، لو استطعت أن تنتزع فتوى من رسول الله ولم تكن محقاً, لا تنجو من عذاب الله, في عدل، هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً في هذا اللقاء، يجب أن تؤمن بعدل الله، ولا ينجيك من الله إلا أن تكون مستقيماً، لا ينجيك قرابة، ولا شفاعة .....:
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ
-يا محمد-:
﴿ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:
((قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ, مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ, وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا, لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي, ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ, فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي, فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ, فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي))