وضع داكن
28-03-2024
Logo
القضاء - الدرس : 2 - واجبات القاضي.
  • الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
  • /
  • ٠5القضاء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

القضاء :

 أيها الأخوة المؤمنون، لازلنا في موضوع القضاء، ولقد ذكرت لكم في الدرس الماضي أنه من خلال سنوات قليلة ما خطر في بالي أن أعالج موضوع القضاء ظناً من أنه موضوع اختصاصي، وكأنني وجدت بالتجربة أنه ما من واحد منكم إلا ويأخذ دور القاضي شاء أم أبى، من خلال حياته اليومية، فالأب قاضٍ بين أولاده، والمعلم قاضٍ بين تلاميذه، وأي منصب قيادي مستشفى، مدرسة، رئيس هذا المنصب، رئيس هذه المؤسسة، هو بشكل أو بآخر، قاضٍ بين موظفيه، و بعض التجار ينصبون حكاماً بين التجار المتخاصمين.
 فدور القضاء يمس كل مسلم، وقد ذكرت لكم في الدرس الماضي أن هناك قواعد لابد من أن تأخذ بها، و لو لم تكن قاضياً، ولو كنت عاملاً، ولو كنت طبيباً، ولو كنت مدرساً، لابد من أن تأخذ دور القاضي.
 و بينت أيضاً كمثال صارخ متكرر أن الإنسان إذا جاءته ابنته تشكو زوجها أليس قاضياً بينهما؟ فلو أنه استمع إلى ابنته فقط، وبنى حكماً، وأخذ موقفاً من صهره دون أن يجتمع بصهره ولا مرة واحدة فهذا العم أو هذا الأب أخذ دور القاضي وهو لا يدري، وأجحف بحق الصهر وهو لا يدري، لأنه خالف مبدأً أساسياً من مبادئ القضاء، وهو أن تستمع إلى الطرفين معاً، والأولى أن تستمع إليهما في مجلس واحد، وذكرت لكم أيضاً أنك إذا استمعت إلى أحد الأطراف منفرداً تكلم لك الساعات الطوال، فإذا استمعت إليه وخصمه إلى جانبه صار كلامه ربع ساعة، لماذا؟ لأن الإنسان في غيبة خصمه يتكلم كما يريد، أما إذا كان خصمه أمامه، فلابد من أن يتوقع أن يعارضه، وأن يكذبه، فلا يتكلم إلا بما هو يقيني.

تسوية القاضي بين الخصمين في خمسة أشياء :

 الآن القاضي، من واجبات القاضي أن يسوي بين الخصمين- يروى وَاللَّهِ أعلم بصحة هذه القصة- أن سيدنا عمر كان إلى جانبه الإمام علي كرم الله وجهه، دخل يهودي ليخاصم علي أمام سيدنا عمر، فقال عمر: انطلاقاً من التسوية بين الطرفين قم يا أبا الحسن وقف إلى جنب الرجل، كان يجلس إلى جنبه، فتغير لون سيدنا علي، وكأنه غضب، فلما حكم سيدنا عمر، وكان الحق مع سيدنا علي، قال له مالك يا أبا الحسن أوجدت علي؟ أي هل حزنت مني، قال: نعم، قال له: ولمَ؟ قال: لأنك ميزتني عليه، فقلت لي قم يا أبا الحسن ولم تقل لي قم يا علي، طبعاً إذا إنسان خاطب خصمه قال له: أبو فلان والثاني ما اسمك أنت؟ ما سوى بينهما، سأل عن اسمه بفظاظة، والثاني أبو فلان، ما سوى بينهما.
فإذا كنت أباً، كنت معلماً، كنت رئيس دائرة، ضابط بسكنة، أي منصب قيادي يجب أن تسوي بين الخصمين، قال: هناك عدد من المواضيع يجب أن تسوي بين الخصمين في الدخول عليك، أي إنسان يدخل لعند القاضي، يجلس ساعات طويلة، على كنبة والشاي، والقهوة بعد ذلك يدخل الخصم الثاني على الواقف، ما الموضوع بسرعة قل لي؟ هذا ليس قاضياً، قال: في الدخول عليه، وفي الجلوس بين يديه، وفي الإقبال عليهما، ممكن القاضي يقبل على خصم بابتسامة، بإشراقة وجه، ويقبل على خصم آخر بعبوس، إذا فعل ذلك فليس قاضياً عدلاً، في الإقبال عليهما، لما الخصم تتجهم بوجهه تربكه، تضعف له معنوياته، يفقد حجته، والثاني عندما تبتسم في وجهه تعطيه شعوراً أنه هو المنتصر، هو قوي، رفعت معنويات خصم، وخفضت معنويات خصم، ليس هذا هو القاضي العدل.
 أحياناً الحماية تكون قاضية في البيت، عندها كنتها، وعندها ابنتها، ابنتها بالتعبير الدارج: يا حبيبتي، ويا عيني، لأدنى شكوى معها حق تعبانة، أما كنتها فلا يوجد شي من هذا، باسمها، مع قسوة، مع تجهم، هذا إنسان عادي، من حثالة البشر من يفعل هذا.
 قال: بالدخول عليه، وفي الجلوس بين يديه، وفي الإقبال عليهما، وفي الاستماع لهما، أحدهما سمع له ثلث ساعة، والثاني كل كلمتين يقاطعه، خلصنا، بسرعة، وفي الاستماع لهما، وأخطر شيء وفي الحكم عليهما، إذاً يجب أن يسوي القاضي بين الخصمين في خمسة أشياء، في الدخول عليه، و في الجلوس بين يديه، وفي الإقبال عليهما، بابتسامة، أو بعبوس ، والاستماع لهما، والحكم عليهما.

التسوية في الأفعال لا في القلب :

 لكن العلماء قالوا: المطلوب التسوية في الأفعال، لا في القلب، القلب لا تملكه.

((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ، قَالَ أَبو دَاود يَعْنِي الْقَلْبَ ))

[ أبي داود عَنْ عَائِشَةَ]

 إذا أحد الخصمين، لطيف المعشر، رقيق، ذكي، طليق اللسان، أديب، حيي، مؤمن، والثاني مذهبه بغالي، أنت معقول ألا تحب الأول؟ ليس بيدك، أنت أميل للأول ميل القلب لا تؤاخذ عليه، مؤاخذ على الجور في الأفعال، أنت محاسب على أفعالك، دخلا عليك سويت بينهما في الدخول، سويت بينهما في الجلوس، سويت بينهما في الإقبال عليهما، سويت بينهما في الاستماع إليهما، أنصفت في حكمك لهما، أنت عادل، أما مال قلبك لهذا دون هذا، رأيت طلاقة لسان هذا، وعي هذا، وسامة هذا، ودمامة هذا، حجة هذا وخرق هذا، فمال قلبك للأذكى، للأعقل، للألطف، للأبلغ في كلامه، لمن كان لطيفاً أديباً، لا تؤاخذ على ميل القلب، لأن الله عز وجل قال:

﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾

[ سورة النساء : 129]

 أن زوجاً يعدل بين زوجتين بقلبه؟ مستحيل، لابد من فروق فردية بينهما، لكنه مكلف أن يعدل بأفعاله، هذه نقطة مهمة جداً، والمطلوب منه التسوية بينهما في الأفعال دون القلب.

ابتعاد القاضي عما يضرّ أحد الخصمين :

 أنا لا أتحدث عن القضاة الشرعيين، أو القضاة في المحكمة، أنا أتحدث عن كل واحد منكم إذا كان قاضياً، أي واحد 

من أخوتنا الكرام إذا كان حكماً في موضوع

كان أخاً أكبر وعنده أخوة صغار اختلفوا، كان أخاً أكبر عنده أخت متزوجة اختلفت مع زوجها، صار قاضياً، كانت حماية عندها ابنتان، أب عنده أولاد، كل إنسان له دور في الحياة، قال: القاضي لا ينبغي أن يلقن واحداً منهما حجته، يقول له: يمكن أنت اعترفت بهذا الشيء لأنهم عذبوك أليس كذلك؟ لقنه الحجة، لا يجوز أن يلقن القاضي الحجة لأحد الخصمين، هناك قضاة يحاول أن يلقن الحجة، هو ضربك من الخلف، أنت كنت واقفاً، هو لم يكن واقفاً، هو الضارب، أتاه هاتف: يجب أن تتوصى بفلان، فلقنه الحجة، ولا ينبغي أن يلقن الواحد منهما حجته، ولا شاهداً شهادته، لأن ذلك يضر بأحد الخصمين، بالمقابل ولا ينبغي للقاضي أن يخاطب المحامي أن قل كذا بالمذكرة، اكتب كذا، بيّن كذا، اذكر الوثيقة الفلانية، ما عاد قاضياً، لا ينبغي للقاضي أبداً أن يلقن حجة لخصم، ولا أن يلقن شهادة لشاهد، لأن هذا يضر بأحد الخصمين، كما أنه لا ينبغي أن يلقن المدعي فحوى الدعوى، اجعل الدعوى مثلاً إنكار التوقيع، لم يخطر بباله، وقع توقيعاً صحيحاً، وما خطر ببال الخصم أبداً أن التوقيع ممكن أن يجر ثماني سنوات، قال له: أنت ادع أن هذا ليس توقيعك، ما عاد قاضياً، ممكن أن يلقن القاضي المدعي فحوى الدعوى، لقن المدعي أن يدعي، وأن يطلب الاستحلاف، ولم يلقن المدعى عليه الإنكار، أو الإقرار.

على القاضي ألا يضيف أحد الخصمين دون الآخر :

 الآن القاضي لا ينبغي أن يضيف أحد الخصمين دون الآخر، أحضر لأحد الخصمين فنجان قهوة، هذا غير صحيح، دخل لمكتبه، غيّر القوس، وقعد جلسة طويلة، ومزح، ومودة، وقهوة، وعصير، لا ينبغي أن يضيف القاضي أحد الخصمين دون الآخر، قال: لأن ذلك يكسر قلب الآخر، كما أن القاضي لا ينبغي أن يجيب إلى ضيافة أحدهما، أنت قاض، وعندك خصمان، أحد الخصمين دعاك إلى وليمة، إلى نزهة، إلى زيارته، لا ينبغي للقاضي لا أن يضيف، ولا أن يقبل ضيافة أحد الخصمين ما داما متخاصمين، لكن لو أن الدعوى انتهت، وحكم بالعدل، ودعي من قبلهما معاً، أو من قبل أحدهما، ما دام الدعوى انتهت، وأصدر الحكم فلابأس، لكن القاضي النزيه معروف عنه أنه لا يزور أحداً، ولا يقبل دعوى، سداً لذريعة أن يتهم أن هذا الذي دعاه له قضية عنده، و قلتم لكم الدرس الماضي كيف أن أحد قضاة جاءته هدية ثمينة، طبق من الرطب في بواكيره، فلما سأل الغلام من قدم هذا الطبق؟ قال: فلان، قال: صفه لي؟ قال: كيت و كيت، فعلم أنه أحد المتخاصمين، قال: أعطه إياه، في اليوم التالي و قف الخصمان أمامه تمنى أن يكون الحق مع الذي قدم الطبق، فلما تمنى هذه الأمنية توجه إلى الخليفة يطلب منه أن يعفيه من هذا المنصب، قال له: ولمَ؟ قال له: لأني تمنيت أن يكون الحق مع الذي قدم لي الطبق، مع أنني رددته فكيف لو قبلته؟؟
 وروي أن النبي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يضيف الخصم إلا وخصمه معه، ممكن أن يتحاكم إليك اثنان، ادعهما معاً لطعام الغذاء، إذا كنت قاضياً، طبعاً قطاع خاص، قال: و ينبغي للقاضي ألا يقبل هدية من أحد إلا إذا كانت ممن جرت عادته بأن يهديه قبل تولي منصب القضاء، إذا كان هناك قرابة، أو هدايا مستمرة قبل أن يكون قاضياً، و هناك رأي أن هذا الشيء مكروه، وهناك رأي أن هذا لا يجوز، لكن الهدية إن كانت سائدة قبل تولي منصب القضاء ربما غفر لمن قدمها، أما إذا قدمت بعد تولي منصب القضاء فهذه ليست هدية وإنما رشوة.

(( مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ – أي أجرينا له رزقاً - رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ ))

[ أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ]

و:

((الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 طبعاً هنا تنصرف إلى القضاء بالذات، الراشي والمرتشي ملعونان، إذا استويا في القصد والإرادة، إذا أراد الراشي أن يحكم القاضي له وهو ليس محقاً، وأراد القاضي أن يستفيد من هذه الرشوة فيحكم لأحدهما ولو كان مبطلاً، فالراشي والمرتشي متساويان في اللعنة.

من يعطي اتقاء الظلم لا شيء عليه :

 إلا أن بعض العلماء قال: إذا أعطى الرجل ليتوصل بعطيته إلى حق منع منه، أو أن يدفع عن نفسه ظلماً محققاً، فإن الذي يعطي اتقاء الظلم، أو لدفع ظلم متحقق ثابت، لا يمكن تلافيه نرجو أن يعفو الله عنه، المعطي غير الآخذ، إنسان له حق ضائع، ولا يستطيع أن يأخذه إلا بأن يدفع شيئاً لمن يمنع عنه الحق، فالذي يمنع الحق آثم لا محالة أما الذي يدفع ليدفع عنه ظلماً، متحققاً، ثابتاً، فلا يمكن تلافيه إلا بهذه الطريقة، المرجو أن يعفو الله عنه وألا يؤاخذ، قال هذا الإنسان الذي يدفع المال ليدفع عن نفسه ظلماً محققاً، ثابتاً، لا يمكن أن يتلافاه المرجو أن الدافع يعفو الله عنه، وليس على سبيل القطع، المرجو على سبيل الظن الحسن بالله عز وجل، أو من دفع مالاً ليصل إلى حق، أو ليدفع ظلماً عنه، دفعاً لظلم أو وصول لحق، و ليس هناك طريق آخر إلا هذا الطريق، المرجو أن يعفو الله عنه.
روي عن الحسن والشعبي وجابر بن زيد وعطاء أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم، أما الآخذ فيستحق وعيد الله عز وجل، لأنه أكل السحت، ووعيد رسوله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ ... ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 قال: من هو الذي يدخل في وعيد الله ووعيد رسوله؟ قال الآخذ إنما يستحق الوعيد إذا كان ما يأخذه على حق يلزمه أداؤه، أي عليك حق لابد من أن تؤدي، أنت لا تؤديه إلا بمبلغ من المال، هذا هو المرتشي، أو عمل ضار باطل يجب عليك تركه، لا تتركه إلا مقابل مبلغ من المال، أي الذي يمتنع عن أداء واجبه إلا بمبلغ، أو يحاول أن يوقع الضرر الكبير، ولا يمتنع عن إيقاع الضرر إلا بمبلغ، إذا أمكنك أن تؤذي الناس، ولم تمنع أذاك عنهم إلا بمقابل شيء، أو كان الأمر متعلقاً بك أن تنفعهم فلم تنفعهم، وهو واجب عليك، إلا أن يدفعوا لك، هذا الذي لا يمتنع عن إيقاع الأذى، ولا يفعل ما هو واجب عليه إلا مقابل شيء، فهذا ينطبق عليه وعيد الله ووعيد رسوله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

القضاة يأخذون المال على أربعة أقسام هي :

1 ـ الرشوة :

 قال: القضاة يأخذون المال على أربعة أقسام، الرشوة، والهدية، والأجرة، والرزق، فأما الرشوة فإن كانت ليحكم له الحاكم بغير حق فهي حرام، على الآخذ والمعطي معاً، وإن كانت ليحكم القاضي بالحق على غريمه فهي حرام على الحاكم دون المعطي، أي إنسان مظلوم، والقاضي لا ينقذه من ظلمه إلا مقابل مبلغ فالمعطي نرجو الله ألا يؤاخذه الله، لكن الآخذ آثمٌ دائماً، وقيل: تحرم لأن الذي يدفع يوقع هذا الحاكم - القاضي - بالإثم، لأنه سبب إفساده، وقيل: تحرم أي من دفع مبلغاً من المال ليدفع به ضرراً متحققاً، ظلماً لا يمكن تلافيه، الكلمات دقيقة جداً، كل كلمة تعني شيئاً، أي إذا إنسان عنده معمل أغذية بوظة، أي شيء، أخذت عينة من هذه الأغذية فإذا الحليب لا دسم فيه، حليب بودرة، استحق أن يعاقب، وأن يسجن عرفياً، والضبط عادل، لأن البائع ظالم، يأخذ ثمن الحليب كامل الدسم، الطازج، ويدفع لأطفالنا حليباً لا دسم فيه، وهو مجفف، فهذا الضبط عادل، فإذا دفع مبلغاً من المال ليتلافى السجن، أو ليتلافى العقاب، فهذا المبلغ حرام على الدافع أيضاً، لأنه ضرر متحقق، لكن ليس ظالماً، ضرر متحقق، عادل، من دفع مبلغاً من المال ليدفع به ضرراً متحققاً ظالماً لا يمكن تلافيه، نرجو الله أن يعفو عن الدافع، أما الآخذ فما دام هذا الشيء من واجبه فلم يفعله إلا بمقابل، وما دام مأموراً ألا يفعله فلم يمتنع عن فعله إلا بمقابل، فهو آثم لا محالة، قال: هذه الرشوة.

2 ـ الهدية :

 وأما الهدية فإن كان ممن يهاديه قبل الولاية فلا يحرم أن تستديم، إذا كان هناك تعامل بين هذا الإنسان وبين ذاك القاضي قبل أن يكون قاضياً فلا يحرم أن تستديم، وإن كان لا يهدي إليه إلا بعد الولاية الآن إذا كانت هذه الهدية بعد الولاية فهي رشوة وليست هدية.
 لو إنسان له قريب قاض، وعنده مزرعة، قدم له صندوق فاكهة، و لا يوجد علاقة بينه وبين القاضي، و لا يوجد خصومة، فلا مانع، أما إذا كان هناك خصومة فلا يجوز أن يقدم له شيء، قال: فإن كانت ممن لا خصومة بينه وبين أحد جازت وكرهت، وإن كانت ممن بينه وبين غريمه خصومة عنده فهي حرام على القاضي وعلى الخصم، على أي إنسان، قال هذه النوع الثاني الهدية.

3 ـ الأجرة :

 النوع الثالث: الأجرة، فإن كان للقاضي جراية من بيت المال ورزق منه حرمت بالاتفاق، لأنه إنما أجري له الرزق لأجل الاشتغال في القضاء فلا وجه لأجرة، وإن كان لا جراية له من بيت المال، أحياناً نوكل إنساناً يحكم في قضية شائكة، قضية تجارية، تحتاج إلى شهر وكل يوم سهر للساعة الثانية عشرة، ممكن أن نعطيه أجرة، أخي أنت لك أتعابك أنت ادرس هذه الوثائق، ادرس الفواتير، ادرس الحسابات، وأنت حكم، اسمع منا، وخذ تصاريح منا، واحكم بيننا

هذا صار حكماً تجارياً، الوقت ثمين، 

معقول أن نشغل إنسان مئة ساعة على شهر زمان، وكل يوم عشر ساعات، أو على أسبوعين، و لا ندفع له شيء؟ ممكن إذا كان بالأصل غير قاض، وليست له جراية من بيت المال، كلفناه أن يكون حكماً في قضية شائكة، وتحتاج إلى جهد كبير كبير، وإلى وقت طويل طويل، لا مانع من أن نعطيه أجرة على عمله.
 لذلك قالوا: إن تولية القضاء من كان غنياً أولى من توليته من كان فقيراً، لذلك في بعض البلاد الأجنبية القاضي ليس له معاش، لا راتب له إطلاقاً، معه دفتر شكات يقبض أي مبلغ يريده، لأنه لو إنسان دفع له مئة ألف يتمكن أن يأخذهم من دون رشوة، يكتب شك بمئة ألف، أما إذا قاض مؤمن، لو كان دخله أقل من حاجته لا يأخذ درهماً حراماً، هناك قاض ببعض البلاد لما تقاعد سحب ثلاثين ألف جنيه بيوم واحد فلما سئل لماذا أخذت هذا المبلغ؟ قال: هناك خصم عندي، دفع لي هذا المبلغ فأخذته من الخزانة العامة حتى لا أقع تحت ضغط هذا الخصم، أما المؤمن فعليه من الله رقيب.

﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾

[سورة النساء:1]

رسالة عمر بن الخطاب في القضاء :

 سيدنا عمر رَضِي اللَّه عَنْه أرسل رسالة في القضاء، أرسلها إلى أبي موسى الأشعري، هذه الرسالة الآن أينما دخلت إلى قاعات المحاكم أو إلى مكاتب القضاة الفخمة أو إلى مكاتب المحامين، إنها مطبوعة و موضوعة على الجدار، سيدنا عمر الذي عاش في الصحراء، والذي تعلم من رسول الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكتب رسالة في القضاء تعد منهجاً ودستوراً لكل القضاة في العالم: "بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس، سلام عليك أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة، و سنة متبعة"، أي الله عز وجل فرض علينا أن نكون قضاة عادلين.

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾

[سورة النساء:58]

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾

[سورة المائدة: 42]

 يقولون: إن الحجاج سأل أعرابياً من أنا؟ قال له: أنت قاسط عادل، فقال لمن حوله: أتعلمون ماذا قال لي؟ قالوا: قال لك: قاسط عادل، قال: بل قال لي: أنت ظالم كافر، وكيف؟ لأن كلمة أقسط معناها عدل، أما قسط بمعنى ظلم، قال تعالى:

﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾

[سورة الجن: 15]

 وعادل:

﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 1]

 عدل عن الإيمان إلى الكفر، فقال: قال لي: أنت ظالم كافر، لذلك: "أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، عدل ساعة خير من أن تعبد الله ثمانين عاماً"، تقف موقفاً فيه عدل، تقف موقفاً فيه إنصاف، أن تكون مع الحق، أحياناً معظم الناس مع أولادهم على الباطل، أما الأب المؤمن فيقف مع الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم، لعل ابنه على باطل.
 يروون أن القاضي شريح كان بين ابنه وبين شخص خصومة، فجاء ابنه إليه وقال: يا أبت هناك خصومة بيني وبين فلان أعرضها لك فإن شئت نرفعها إليك، فإذا رفعناها إليك الحق مع من؟ قال له: الحق معك، ارفعها إلي، فلما رفعت إليه حكم على ابنه، فوجئ ابنه، قال: يا بني خشيت إن قلت لك أنت لست على حق أن تذهب إلى غيري فأردت أن أقتص لخصمك منك أنا.
 قال له: "أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك" الإضبارة يتصفحها تصفحاً، لا، لا يكفي، يجب أن تقرأها كلمة كلمة، أن تقرأ الوثائق وثيقة وثيقة، أن تقرأ مذكرات المحامين مذكرة مذكرة، أن تقرأ إفادات الشهود إفادة إفادة، أن تقرأ بهدوء، وتمعن، لتكتشف الحق، قال له: "فافهم إذا أدلي إليك"، استمعوا القصة لما قالت له زوجي صوام قوام، ما انتبه، قال لها: بارك الله لك في زوجك، قال له: إنها تشكو زوجها هي لا تمدحه، قال: فاحكم بينهما إذاً، " فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له" أي إذا كان المحامي لامعاً، معه أدلة قوية، لكن القاضي ما قرأ المذكرة، قرأ كلمتين، كله كلام، هو لا يوجد عنده وقت، هذا عمل خطير جداً، يجب أن تقرأ المذكرة كلمة كلمة.
 كنت مرة عند قاض، فخبر قاضياً دونه، قال له: اقرأ الإضبارة خمس مرات، أي أراد أن يقرأ بتؤدة، وتفهم، افهم القضية، اقرأ الإفادات، اقرأ التقارير، اقرأ الضبط كلمة كلمة، اقرأ مذكرات المحامين، "فافهم إذا أدلي إليك"، أحياناً قضية تعرض في وقت غير مناسب، أحياناً مثلاً بعد الخطبة يكون الإنسان متعباً، ممكن أن يسأل سؤالاً لطيفاً سريعاً، أما قضية متشابكة، عقود تجارية، دفع وما سجل، لا أستطيع أن أفهم لك الموضوع الآن، أي كل وقت له وقت، لكل مقام مقال، وهناك وقت لا يناسب الإنسان أن يفهم قضايا متشابكة، لكن هذه القضية تحتاج إلى جلسة هادئة، تسمع كلمة كلمة، تعبيراً تعبيراً، مصطلحاً مصطلحاً، حتى تفهم عليه، "فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له"، إذا شعر المحامي أن القاضي لا يقرأ المذكرة، لا يوجد عنده وقت، أجلناها شهرين، قدم مذكرة، ردّ عليه مثل الرد الأول، فهذا ليس قاضياً، لا يقرأ شيئاً، " فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آس بين الناس في وجهك" ابتسامة ابتسامة، عبوس عبوس، تجهم تجهم، لا تعبير لا تعبير، أحياناً وجهه مثل الجدار، لا تعرفه حزيناً أم مسروراً، هذا وجه بلا تعبير، ليس له أي تعبير، " آس بين الناس في وجهك"، بشاشة مع بشاشة، ابتسام مع ابتسام، عبوس مع عبوس، تجهم مع تجهم، لا تعبير مع لا تعبير، أما اختلاف " فآسي بين الناس بوجهك وعدلك في مجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك".

الحكم السريع في القضايا يريح النفس :


هناك الكثير من القصص المشهورة ، أحياناً القاضي يُشعر الخصم أنه لا يوجد أمل ينصفه، ينصرف عنه، أحياناً ترتكب جرائم في قصر العدل، يشعر ولي المقتول أنه لم يأخذ حقه، فيأخذ حقه بنفسه، لذلك القضاء يجب ألا يطول كثيراً، قضية ثماني سنوات وقضية عشر سنوات، محامي ربى ابنه على المحاماة، كبر الابن وأصبح محامياً، بجلسة واحدة أنهى قضية، يقول له والده: لماذا أنهيتها؟ أنا ربيتك منها يا بني، هذه الطول في القضايا شيء مستحيل، ثلاث عشرة سنة، خمس عشرة سنة، اثنتا عشرة سنة، ثماني سنوات، إذاً الحكم العادل هو الحكم السريع، قال: "حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادعى"، عبء تقديم الوثائق، و الأدلة، والصكوك، والإيصالات، والفواتير على من؟ على المدعي، " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر"، الآن هناك قضايا لا يوجد فيها وثائق، لا يوجد غير اليمين، القاضي أحياناً، الدعوى أساسها أن له معه مئة ألف، من دون إيصال، لا يوجد طريقة ثانية، إلا أن يدعو المدعى عليه بحلف اليمين، أحياناً يدعى المدعي لحلف اليمين، تحلف يميناً؟ أنا مدع! حلف اليمين على المدعى عليه، النبي عليه الصلاة والسلام جعل هذا قانوناً، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر .

الصلح سيد الأحكام :

 "والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً أحلّ حراماً، أو حرم حلالاً"، ممكن أن يكون الصلح خير، قالوا: الصلح سيد الأحكام، فكل قاض إذا تمكن من الصلح يريح النفس، تلاحظ المتخاصمين يدخلون على القضاء يبقون عشر سنوات، يصبح مع الواحد حقد، مستعد إذا كان الخلاف على مئة ألف أن يدفع مئتي ألف ليكسر رأس خصمه، المحامون يفرحون، لأنها تصبح من حظهم، فأفضل شيء الصلح، وأفضل عمل المحامي الاستشارة الوقائية، عوض أن تدخله بالخصومة استشره قبل الخصومة، اعمل عقداً وخذ رأيه بالعقد، عقد الشراكة سجله بمحكمة البداية، اشتريت أرضاً، أخي من يملكها؟ فلان يوقعها لك، لا، أريد حصر إرث لأعرف من هم الذين يملكونها، إنسان اشترى أرضاً، تخلف مالك واحد عن التوقع، أخذها بثلاثمئة ألف، أصبح ثمنها خمسة و عشرين مليوناً، الدعوى بالقضاء من ثلاث عشرة سنة لأن هناك توقيعاً ناقصاً، أحد الورثة باع بالإيجاب والقبول، لكنه كان مسافراً فلم يوقع، فالأسعار ارتفعت كثيراً، من ثلاثمئة ألف لعدة ملايين، وجد الذي لم يوقع معه فرصة ذهبية أن يرفض البيع، يطلب أسعاراً خاصة.

الجهل أكبر سبب للخلاف بين الناس :

 لا ترى اثنين بالقضاء إلا بسبب جهل، البطل هو الذي لا يدخل القصر العدلي إطلاقاً، كل شيء موثق، الدّين له سند، والشراكة لها عقد، والبيع له طابو، والزواج بالمحكمة، كله موثق، أما زواج عرفي، أخي من أجل أن يدخل علينا، كل 

الكتاب يكتب بيوم واحد، بكل عشر زيجات تسع يريدون كتاباً على الورق، لماذا؟

حتى يستطيع أن يدخل و يخرج، كلام ليس له معنى، لو صار هناك خلاف ينكر الزواج، لو صار هناك حمل وأنكر الزواج صارت فضيحة أليس كذلك؟
 قال سيدنا معاوية لسيدنا عمر بن العاص: ما بلغ من دهائك؟ كان عمر بن العاص من كبار دهاة العرب، قال له: ما بلغ من دهائك؟ قال له: وَاللَّهِ ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه، قال له: لست بداهية، أما أنا وَاللَّهِ ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه، أنا لا أدخل بالأصل.
 فإذا الإنسان تمكن ألا يدخل يكون عاقلاً جداً، لأن القضاء يهز الأعصاب، ويحطم النفوس، تجد أسرتين عشر سنوات، سهراتهم كلها حقد وغليان، أحياناً يكونون أخوات، أحياناً أقرباء، عندما يدخلوا القضاء أصبحت العداوة مستمرة، صار هناك أحقاد وضغائن وتكسير رؤوس، أعرف شخصاً دفع ثلاثة أضعاف موضوع الدعوى حتى يكسر رأس خصمه، لماذا الشرع؟ من أجل ألا تختصم مع أحد، حتى تكون متفرغاً للعبادة، فلكل قضية حل، قرض ضع سند، بيت بعقد موثق، ورثة خذ توقيعهم كلهم، عقد شراكة في محكمة البداية، لا تدع قضية سائبة، لا تدع قضية مفتوحة، دفع مبلغاً ضع وصلاً، كل شيء ثبته، ترتاح.

كل إنسان ساهم بإفساد الآخرين آثم مثلهم :

 هناك نقطة مهمة جداً إذا أنت أهملت هذه الأمور، وخصمك زاغ عن الحق وأغراه الشيطان بأكل المال بالباطل، فأنت مؤاخذ، أنت ساهمت بإفساد إنسان، مثلاً لو أن شخصاً وضع على الطاولة خمسين ألفاً، والمحل فيه بضاعة و موظفون، وفقدوا يا ترى الذي أخذهم آثم؟ لا شك آثم، سارق، و المهمل الذي تركهم بهذا المكان أيضاً آثم،لأنه ساهم بإفساد إنسان، لولا هذا المال بهذه الطريقة ما سرق، فالسارق يوم القيامة يقول: يا رب هو الذي أغراني بسرقته، لو كان في مكان حرز حريز أنا ما كنت أخذته، لكنه أغراني بسرقته، فكل إنسان يساهم بشكل أو بآخر بإفساد الآخرين فهو آثم مثلهم.

التراجع عن الخطأ فضيلة :

 قال: " ولا يمنعك من قضاء قضيته اليوم فرجعت فيه لرأيك ، وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق "، التراجع فضيلة، الاعتراف بالذنب فضيلة، سيدنا عمر على المنبر قال: "أخطأ عمر وأصابت امرأة" مرة كان على المنبر يخطب خطبة رائعة جداً قطع خطبته وقال: يا بن الخطاب، كنت غلاماً ترعى إبلاً على قراريط لبني فلان، وأكمل الخطبة، هذا الكلام ليس له علاقة بالخطبة، أي قطع غير منسجم، فلما سأله سيدنا ابن عوف لماذا قلت هكذا على المنبر؟ فقال له: جاءتني نفسي وقالت لي أنت أمير المؤمنين وليس بينك وبين الله أحد، أعلى شخصية، فأردت أن أعرفها حقها، أنت كنت عميراً ترعى الإبل على دريهمات لبني كذا، الكبر مهلك، "ولا يمنعك من قضاء قضيته اليوم فرجعت فيه لرأيك ، وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق ؛ لأن الحق قديم لا يبطل الحق شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل".
أحياناً الأب يضرب ابنه ظلماً، يظن أنه هو من كسر هذه الحاجة، أو هو عمل هذا الشيء، لو الإنسان غلط يجب أن يعتذر، لو أخطأ الإنسان مع إنسان أدنى منه، صار هناك ظلم، قدم اعتذارك، قدم هدية، رمم فيها ما حصل، أما لا يتراجع، هناك أشخاص يدركون أنهم على باطل، وأنهم اقترفوا ظلماً شديداً، ومع ذلك لا يتراجعون.
 "الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله"، أي الذي فيه نص واضح قضيته سهلة، أما قضية ليس لها نص، تحتاج إلى اجتهاد، وإلى قياس، وإلى أدلة، الأمر إذا كان كذلك فإياك أن تتسرع، "الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله".
 ولهذه الوصية تتمة نشرحها في الدرس القادم إن شاء الله تعالى، بقي علينا في الدرس القادم إن شاء الله متابعة شرح هذه الوصية، والحديث عن شفاعة القاضي، هل له أن يشفع؟ والحديث عن نفاذ حكم القاضي ظاهراً، وعن القضاء عن الغائب، حكم غيابي، والقضاء بين الذميين، و ظهور حكم جديد للقاضي، كيف يتصرف، ونماذج من القضاء من عصر صدر الإسلام، هذه الموضوعات في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

تحميل النص

إخفاء الصور