- الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
- /
- ٠5القضاء
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
التناقض :
أيها الأخوة المؤمنون، لا زلنا في موضوع القضاء، وها نحن ننتقل اليوم إلى موضوع يعد أحد الأدلة السلبية في القضاء، ألا وهو التناقض، وقبل أن نمضي في الحديث عن التناقض، وعن تناقض الشهود، وعن تناقض المدعي، وعن تناقض البينات، لابد من وقفة قصيرة حول موضوع التناقض في شكل عام.
لا أبالغ إذا قلت: إنه ما من صفة في الإنسان أحطّ من التناقض، لأن الإنسان إذا تناقض تخلى عن إنسانيته، وتخلى عن عقله، والناس يراقبونه مراقبة دقيقة، مهما يكن الإنسان صغير السن، أو ضعيف الملكات، بإمكانه أن يكشف التناقض بشكل جلي واضح، تناقض الأفكار، تناقض العادات، تناقض السلوك، تناقض الأقوال، فالصفة الذميمة الدنيئة في الإنسان أن يتناقض في تصرفاته، وفي أقواله، وهذا الموضوع يقودنا إلى موضوع أخلاقي هو في الأساس موضوع قضائي، لكن التناقض يقودنا إلى موضوع أخلاقي.
فالذي يعامل الناس كما لا يحب أن يعاملوه إنسان متناقض،الذي يعامل الأشخاص البعيدين عنه بعكس ما يعامل القريبين منه، أي الذي يزين بميزانين، يكيل بمكيالين، مصالحه، وعلاقاته النسبية تؤثر في أحكامه، هذا إنسان وقع في أحط دركات التناقض، وأحط دركات الإنسانية، لذلك الشيء الذي يؤلم ولاسيما ما تسمعونه وما يجري في العالم اليوم من تناقض، أي الأقوياء يقيسون بعدة مقاييس، لهم عدة موازين، يسلكون مع الشعوب الضعيفة سلوكاً، ومع الشعوب الأخرى سلوكاً آخر، يعلنون أفكاراً لا يلبثون أن يتخلوا عنها في منطقة أخرى وفي مجتمع آخر، لذلك كما أقول لكم: ما من شيء يهبط بالإنسان إلى أدنى مستويات الدناءة كأن يكون متناقضاً، أو أن يقيس بمقياسين، أو أن يكيل بمكيالين، والإنسان حينما ينحرف يناقض، المستقيم لا يتناقض أبداً أما حينما يكذب، سوف يكذب في هذا الموطن، وينسى ما قال في موطن آخر فيتكلم في كلام آخر، لذلك لا يمكن لإنسان أن يكذب دون أن يكشف، كيف يعرفون الكاذب؟ هناك في علم النفس روائج للكذب، يوجهون له مئة سؤال، كل هذه الأسئلة حول موضوعات عديدة، لكن بصيغ مختلفة، إذا أراد أن يكذب، يكذب في جانب، ثم يصدق في جانب آخر، يكشف تناقضه فيعرف أنه كاذب، أي كم دخلك في الشهر؟ يعطي رقماً كبيراً، ممَ تعاني؟ يقول لك: أنا أعاني من عدم القدرة على الالتزام بين دخلي ومصروفي، الآن قلت إن دخلك كبير، روائج الكذب أساسها التناقض، موضوعات محددة تطرح عليها أسئلة عديدة، مختلفة فإذا صدق في جهة وكذب في جهة يكشف تناقضه وبالتالي يتبين كذبه.
على كلٍّ دائماً أقول لكم الحديث الشريف:
((يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا، إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))
الكذب والخيانة يتناقضان مع الإيمان، ولا تنسوا المثل الذي طرحته لكم من قبل أن اللبن في البيت يتحمل ضعفيه ماء، ممكن تعمل لبناً ممدداً، عيران، لكن اللبن لا يتحمل نقطة واحدة من النفط تلقيه في المهملات، إذا شعرت أن فيه راحة نفط.
تناقض الكذب مع الإيمان :
لذلك الكذب يتناقض مع الإيمان، الإيمان لا يقبل الكذب إطلاقاً والخيانة، من الذي يكشف الكذب؟ التناقض، فالإنسان إذا كذب في البيع والشراء تجده يتحدث حديثاً يكون هناك شخص اشترى منه هذه الحاجة، الله وكيلك رأسمالها كذا، بعد سنة أو ستة أشهر يتكلم قصة عن شراء هذه البضاعة أخذناها لهطاً، أخذناها بسعر قليل، ينسى أنه قد باع زبوناً وقال رأسمالها غال عليّ، ينكشف، من أراد ألا يظهر التناقض لا يكذب إطلاقاً، إنه إن كذب ولو مرة لابد من أن ينكشف، والإنسان إذا كذب سقط من عين الآخرين، النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا طلع على كذب بعض أهله، كان يقاطعهم إلى حين طويل، لشدة ألمه، لشدة اشمئزازه من الكاذب.
على كلٍّ القاضي والمحقق حينما يكتشف أن هناك تناقضاً في الإفادة يعلم علم اليقين أن في هذه القضية إثبات ضد هذا المتهم، التناقض شيء مهم جداً، يكشف كذب الشهود، يكشف كذب الإدعاء، يكشف كذب البينات.
من أدلى بشهادة ثم تراجع عنها قبل صدور الحكم يعاقب :
قال: إذا أدى الشهود الشهادة ثم رجعوا عنها في حضور القاضي قبل إصدار الحكم تكون شهادتهم كأن لم تكن، لكن يعذرون، معنى يعذرون أي يعاقبون، أدلى بشهادة أمام القاضي، والقاضي قبل أن يصدر الحكم قال له الشهود: لا نحن كنا مخطئين، الحدث وقع كمايلي، إذا أدى الشهود بشهادة متناقضة لشهادتهم الأولى عندئذ القاضي يعاقبهم.
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾
هل تصدقون أيها الأخوة أن جريمة قتل وقعت بسبب شهادة كاذبة، امرأة قدمت تحليلاً لتعرف ما إذا كانت حاملاً أم غير حامل، طبعاً المخبر لا يعرف لمن هذا التحليل، الموظف المكلف بالتحليل وقع هذا الأنبوب من يده، انتهى، فخاف من الطبيب أن يعنفه فكتب: الحمل إيجابي، هي فتاة، هناك مشكلة عائلية، وتهمة كبيرة، وهي بريئة، اتفقوا على أن يحللوا، فلما جاءت النتيجة إيجابية قتلت الفتاة، ذبحت، لأن هذا الموظف ما انتبه قال: نضع إيجابياً نبشر الجماعة، هي قضية خطيرة جداً، هذا معنى قول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾
أي القضية ممكن أن يظهر منها مضاعفات خطيرة جداً، يجوز أن تقع جريمة، أو طلاقاً، أو تشرد أسرة، أو تضيع الحقوق، من أجل الإدلاء بشهادة غير صحيحة.
أيها الأخوة الكرام، الإنسان كلما عرف حدود مسؤولياته يتأدب مع الله عز وجل، ويتأدب مع الخلق، إذاً هذا الشاهد أدلى بشهادة، ثم أدلى بشهادة مناقضة، القاضي عليه أن يعاقبه، لكن هذه الشهادة الأولى كأن لم تكن، تلغى، ويحكم القاضي في ضوء الشهادة الجديدة التي أدلى بها الشاهد مناقضة للشهادة السابقة.
من أدلى بشهادة ثم تراجع عنها بعد صدور الحكم لا ينتقد الحكم :
قال: أما إذا رجع الشهود عن الشهادة بعد الحكم في حضور القاضي، فلا ينتقد الحكم الذي حكم به، ويضمن الشهود المحكوم به، أي إذا أدلى الشاهد بشهادة، والقاضي اتخذها حجة، وأصدر قراراً، ثم جاء الشهود إلى القاضي، وأدلوا بشهادة مناقضة للشهادة السابقة، وكان القاضي قد أصدر الحكم، هذا الحكم نافذ، لكن الشهود يضمنون كل الأضرار التي لحقت بالمحكوم عليه.
وقد روي أن رجلين شهدا عند الإمام علي كرم الله وجه على آخر بالسرقة فقطع يده، ثم عادا بعد ذلك برجل غيره قائلين: إنما السارق هذا، كنا مخطئين، بعد أن قطعت يده، فقال علي كرم الله وجهه: لا أصدقكما على هذا الآخر، وأضمنكما دية يد الأول، ولو أني أعلمكما فعلتما ذلك عمداً، قطعت أيديكما، لا أصدقكما على هذا الآخر وأنتما تضمنان دية اليد المقطوعة، الآن الموضوع سوف يأخذني إلى موضوع آخر ليس له علاقة بالفقه له علاقة بالطب.
الانتباه في العمليات الجراحية و خاصة الاستئصال :
أيها الأخوة الكرام، إذا كان هناك موضوع جراحي، استئصال، لا تكتفي برأي طبيب واحد، زارنا طبيب كريم في أحد خطب الجمعة وبعد الخطبة حدثني بقصة يشيب لهولها الولدان، امرأة استأصل ثديها على أساس أنها مصابة بورم خبيث، الذي استأصل الثدي أرسلها إلى طبيب آخر ليجري لها الأشعة، لئلا ينمو مرة ثانية، الطبيب الثاني طبيب متفوق جداً، نظر إلى البنية النسيجية لم ير فيها أثر السرطان إطلاقاً، فتوجه إلى الطبيب الأول، وقال له: أنت أرسلت لي هذه المريضة كي أجري لها الأشعة، والأشعة كما تعلم تؤذي الرئة، لكن تضمن عدم نمو السرطان مرة ثانية؟راجع نفسك وتأكد، فلما تأمل الطبيب الأول بطبيعة النسيج قال:والله معك الحق، لا تجري لها الأشعة، أي كان هناك خطأ بالاستئصال، فقال لي الطبيب وأنا شاكر له: أستاذ أي شيء فيه استئصال لا يمكن أن يكون برأي طبيب واحد، بعد حين أحد أخواننا الكرام قال لي: ابنتي تحتاج إلى استئصال كلية والعملية غداً، يجب أن نجريها فوراً و هكذا قال الطبيب، قلت له: قف، اذهب إلى طبيب آخر، وطبيب ثالث، الطبيب الآخر قال: ممكن أن تعمل بعد فترة، لم ير من المناسبة أن تستأصل، بعد شهرين أو ثلاثة عادت الكلية إلى وضعها الطبيعي، هذه ليس لها علاقة بالفقه، هي بالطب شي اسمه استئصال، لا يمكن أن يكون بناء على طبيب واحد، إذا دخل مبضع الجراح مشكلة كبيرة جداً، الإنسان الله عز وجل أعطاه عقلاً، طبيب واثنان وثلاثة ومجمع أطباء، وتواتر، وتحاليل، حتى نقرر استئصال هذا العضو، أما لنصيحة واحدة، لتوجيه واحد، لرأي واحد، هذا لا يكون، هذه نصيحة قدمها هذا الطبيب الكريم، قال: أستاذ بالاستئصال لا يمكن أن يبنى على رأي طبيب واحد، لأنه عانى، قال لي: أنا عانيت شيئاً كثيراً، طبعاً هو كان اختصاصه في الأورام الخبيثة.
تناقض الشهود بعد إصدار الحكم دليل فسقهم :
هذا السارق قال: إنما السارق هذا، فقال علي: لا أصدقكما على هذا الآخر وأضمنكما دية الأول، ولو أني أعلمكما فعلتما ذلك عمداً لقطعت أيديكما، لا تنس:
﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾
أحياناً تمسك القميص تعمل هكذا أي تحركه، أربع حركات يطلقون امرأة، هل تعلم والله فلان أخذ فلانة، خير إن شاء الله، الله ما بيننا وبينها هذه الحركة فقط تطلقها:
﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾
هذا الذي يرى يظن أنه يرى ولم ير، يظن أنه سمع ولم يسمع، يفكر فيتهم، يحلل فيفتري، هذا يحاسب، لذلك أيها الأخوة الكرام:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
إذا تناقض الشهود بعد إصدار الحكم لماذا يثبت الحكم؟ العلماء قالوا: إن الحكم ثبت بقول عدولٍ، وسبب شرعي، ودعوى الشهود بعد ذلك، الكذب اعتراف منهم أنهم فسقة، والفاسق لا ينقض الحكم لقوله، سيبقى الحكم على ما كان عليه، هذا رأي.
رجوع القاضي عن حكمه إذا تناقض الشهود :
هناك رأي آخر أن القاضي ولو أصدر حكماً مبرماً، بناء على شهادة شهود، ثم هؤلاء الشهود أدلوا بشهادة مناقضة للشهادة الأولى، القاضي عليه أن يرجع لأن الحق قديم والرجوع عن الخطأ فضيلة، وعندنا قاعدة أساسية أن الحدود تدرأ بالشبهات، ما دام الشاهد الذي بنيت عليه الحكم أيها القاضي تناقض بشهادته، وتراجع عن شهادته إذاً الدليل أصابه شبهة، إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال بطل الاستشهاد به، وبطل الاستدلال به، هذا الرأي الثاني.
الرأي الثاني يجب أن يرجع القاضي عن حكمه إذا تناقض الشهود، لكن في كل الأحوال الشاهد المتناقض يعاقب، يعاقب لأنه افترى، أولاً: ضلل القاضي، وثانياً: أوقع القاضي في ظلمٍ شديد، والظلم ظلمات يوم القيامة، وعدل ساعة أفضل عند الله من أن تعبد الله ثمانين عاماً، أن تعدل ساعة.
ضرورة براءة الذمة :
الآن عندنا شيء آخر: المدعي تناقض، فهمنا تناقض الشهود قبل الحكم وبعد الحكم، قبل الحكم كأن لم يشهدوا ويعاقبوا، وبعد الحكم هناك اتجاهان، إما أن يثبت الحكم، ويعاقب الشهود، وإما أن يرجع القاضي عن حكمه بناء على أن الاحتمال تطرق إلى الاستدلال، والحق قديم، والرجوع عن الخطأ فضيلة، أما إذا سبق كلام من المدعي مناقض لدعواه، بطلت الدعوى، انتبهوا أيها الأخوة هذا أخطر حكم بالدرس، إذا سبق كلام من المدعي مناقض لدعواه بطلت الدعوى، مثلاً إذا أقرّ إنسان بمال لغيره، ثم ادعى أنه له فهذا الادعاء المناقض لإقراره مبطل لدعواه، ومانع من قبولها، بالقضاء تعريف أو مصطلح مشهور: لم تسمع الدعوى، شطبت الدعوى، أو لم تسمع، أو لا تقبل هذه الدعوى، لا تقبل في الأصل، ولا تقرأ، ولا يلتفت إليها، الإنسان مأخوذ بإقراره، مسؤول بإقراره، أحياناً يقر، ثم يرى شيئاً آخر يطالب القاضي يقول: الدعوى ساقطة، الدعوى مشطوبة، الدعوى لا تسمع، الدعوى مرفوضة شكلاً ومضموناً، انتهى الأمر، فقبل أن توقع، قبل أن تقر، الإنسان مأخوذ بإقراره، ودائماً أقول لكم: عند أهل الدين نقطة ضعف، إذا كان الرجل ديناً وعدك، أنت وعدتني، يقول له: أنت وعدتني، أنت صاحب دين، أنت تصلي، أنت ابن مشايخ، وأنت ابن جوامع، هكذا قال له دينك؟ دائماً الإنسان الذكي غير المؤمن يعرف نقطة ضعف المؤمن، المؤمن يخاف على سمعته، ألم تعدني أنت؟ لماذا تراجعت؟ أين العهد؟ يعمل درس مزاودة، كلمة حق أريد بها باطل، أما إذا كان بعض الناس يشعرون إذا القضية تحل عند المشايخ، يذهبون إلى المشايخ، سيدي نريد حكم الشرع في هذه القضية، يكون هناك مئة ألف قضية يلجأ فيها إلى القانون، إلا هذه لا يستفيد منها لأن القانون مع فلان، ويعرف أن الشرع ينصره فيلجأ إليه، هذا الأسلوب باطل، إذا لقيت القضاء طريقه مسدود تأتي إلى المشايخ، سيدي نحن نريد الشرع، يكون بيته غر شرعي، ولا بيعه شرعي، ولا أهل بيته شرعيون، ولا سلوكه شرعي، لا يوجد عنده شيء شرعي، يريد مصلحته، هناك قانون يحمي الموظف، إذاً لا يوجد غير الشرع، ملك حر هذا.
على كلٍّ هذا الذي أقوله واقع، قبل أن تقر، قبل أن توقع، قبل أن تبصم، قبل أن توافق، انتبه، إذا بدا لك في المستقبل شيء لا تستطيع أن ترجع، اشتريت البيت، ابحث عنه قد يكون مرهوناً، قد يكون عليه تنظيم، قد يكون عليه تجاوز، أملاك عامة، قد يكون عليه مشاكل كثيرة، قبل أن توقع، قبل أن تقر، يجب أن تتأكد من إقرارك.
إذاً: إذا سبق كلام من المدعي مناقض لدعواه بطلت الدعوى، فإذا أقرّ بمال لغيره ثم ادعى أنه له فهذا الادعاء المناقض لإقراره مبطل لدعواه، ومانع من قبولها، أخي عملنا براءة ذمة، يقول له: بريء الذمة فيوقع، تراجع الدفاتر تظهر لك معه عشرة آلاف وقد أعطيته براءة ذمة، راحوا عليك العشرة آلاف، أنت أبرأته انتهى الأمر، لذلك عد الخطأ والنسيان، إذا أنت أبرأت شخصاً تحفظ، عد الخطأ والنسيان، أو أمهل البراءة حتى تراجع دفاترك، أي الملخص أن الإنسان مأخوذ بإقراره، بعدما يقر لا يوجد يتراجع لأن الإنسان ليس طفلاً، قال: إذا أبرأ أحد آخر من جميع الدعاوى فلا يصح له أن يدعي عليه بشيء، أبداً، إذاً أخطر شيء براءة الذمة، أحياناً شريكان يتفككوا، براءة ذمة، أحياناً زبون ومورد يتفككوا براءة ذمة، براءة الذمة خطيرة جداً.
قال: المدعى عليه يجوز أن يقدم البينة التي يدفع بها دعوى المدعي ليثبت براءته إذا كانت لديه هذه البينة، فإن لم تكن لديه هذه البينة جاز له أن يقدم بينة تشهد بالطعن في عدالة الشهود، وتجريح بينة المدعي، ممكن أن تقدم أنت بينة تناقض البينة التي أقيمت عليك، ممكن أن تقدم شهوداً يطعنون بالبينة التي أخذت بها، لأنه إذا قدمت بينة مناقضة للأولى أو قدمت شهوداً طعنوا بالبينة، فصار هناك تناقض، والتناقض يحل أي مشكلة.
إذا تعارضت البينتان ولم يوجد ما يرجح إحداهما قسمت الذمة مناصفة :
أحياناً وهذا يقع في كل علاقاتنا المالية، عليك ذمة لإنسان طالبك فيها أنت تذكر أنك دفعتها، عندك ظن، هو يذكر أنه لم يأخذها منك، لا معه هو دليل، ولا معك دليل، أو معه دليل، ومعك دليل، أنت كاتب بدفترك دفعة لفلان، وهو كاتب بدفتره فلان لم يدفع، أي على الحالتين دفتره عكس دفترك، أو ظنه عكس ظنك، فالنبي عليه الصلاة والسلام في مثل هذه الحالة حكم بالنصف، أي إذا صار هناك خلاف على عشرة ليرات، لا يوجد دليل قطعي أو على عشرة آلاف، أو خمسة آلاف، أنت لست متذكراً، وهو ليس متذكراً، أنت لست متأكداً دفعت، هو ليس متأكداً أنك دفعت، وقع في مشكلة، هنا تناقض إذا تعارضت البينتان ولم يوجد ما يرجح إحداهما قسم المدعى بين المدعي والمدعى عليه مناصفة، هكذا فعل النبي:
((عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا أَوْ دَابَّةً إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ بِمَعْنَى إِسْنَادِهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ))
أي ثمنه طبعاً، الأريح للنفس سجل، خذ توقيعاً، الآن كل قضية مثلاً تحاسب السمان أخي كم الحساب؟ يقول لك: ثلاثة آلاف، تدفعهم وتمشي، بعدما أخذهم منك، دخل زبون طلب منه حاجة لم يسجل، بعد شهر نسي الدفعة، قال: لنا معك أستاذ ثمانية آلاف، تقول له: لماذا ثمانية آلاف لقد دفعت لك ثلاثة آلاف، يقول لك: لكن ذلك غير مسجل عندي، تدخل معه بنقاش، الأولى ألا تخرج من المحل ليكتب سددت، خالص، وقع، التاريخ، أنهي الموضوع، لاحظت أنا ملاحظة الإنسان كلما كان دقيقاً في تعامله مع الآخرين ريح حاله، ريح حاله من الإحراج، من جلسات التحكيم، من المناقشة، من العي بالتعبير الشائع، ريح حاله من أنه متهم، من الكلام الغير مقبول، هناك متاعب لا يعلمها إلا الله أساسها الإهمال، خذ وصلاً، خذ توقيعاً، وقع له، قل له: سدد، اكتب خالص، اكتب الدفعة وصلت، دفع ومشى، قبض ما سجل، أخي دفعنا، لا لم تدفع، والإنسان سبحان الله أميل أن ينسى الذي عليه، وأميل أن يتذكر الذي له، يتذكر الدفعة مرتين، أخي دفعت، أكيد دفعت لي، الإنسان يميل لأن يتذكر لمصلحته وينسى لمصلحته، ومن كتب حجة على من لم يكتب إذا إنسان لم يسجل المسجَل حجة عليه، أيضاً:
((عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ))
وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، فإذا كان في يدي أحدهما بينة فعلى خصمه البينة، فإن لم يأتِ بها فالقول لصاحب اليد مع يمينه، فالأرض بيد من؟ بيد فلان، إنسان ادعى ملكها، صار هناك دعوى وصار هناك يد، إن جاء بالبينة انتهى الأمر، إذا لم يكن هناك بينة هي لمن بيده مع يمينه، البينة على من ادعى واليمن على من أنكر، ولو جاء كل واحد ببينة، أرض هذا أحضر حجة قديمة، وحجة أخرى قديمة، صار عندنا حجتان متكافئتان ومتناقضتان، فالقاضي يرجح لمن الأرض بيده، يرجح البينة مع شمول اليد على هذه الأرض، أيضاً هناك شاهد آخر أن رجلين اختصما في ناقة، فقال كل واحد منهما نتجت عندي، وأقام بينة، فقضى بها رسول الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن هي في يده أخرجه البيهقي.
على الشاهد أن يحلف اليمين قبل أن يدلي بشهادته :
كلكم يعلم الآن أن الشاهد قبل أن يدلي بشهادته يحلف اليمين على كتاب الله، هذا إجراء أخير، إجراء مستحدث، الأصل أن الشاهد صادق، الأصل الإنسان بريء ما لم تثبت إدانته، لكن الآن لشيوع الكذب، ولكثرة شهود الزور، أنا سمعت أمام المحاكم تريد شاهداً يا أخ؟ يعرضون أنفسهم، يقول له: أنا أرخص منه، لضعف الإيمان، ولشيوع الكذب، ولكثرة شهود الزور، صار هناك إجراء مستحدث، أن الشاهد تقوى شهادته باليمين، قال: إن عدالة الشهود في هذا الزمن قد أصبحت غير معلومة، فوجب تقويتها باليمين، هذا رأي مجلة الأحكام العدلية، هذه المجلة تعد أعلى مرجع تعديلي في الحكم العثماني، أحكام المجلة إذا ألح المشهود عليه، على الحاكم قبل الحكم تحليف الشهود أنهم لم يكونوا في شهادتهم كاذبين، وكان هناك لزوم لتقوية الشهادة باليمين كان للحاكم أن يحلف الشهود، وأن يقول لهم إن حلفتم قلبت شهادتكم وإلا فلا.
الآن لأتفه قضية، ولو قضية تموينية، التسعيرة نازلة من على القماش، الشاهد يجب أن يحلف على كتاب الله، هذه نقطة ضعف فينا من ضعف الإيمان، من شيوع الكذب، من كثرة شهود الزور، صار القاضي لا يقبل الشاهد إلا مع تقوية الشهادة باليمين، لأنه لما سألوا الكاذب تحلف؟ قال: جاء الفرج، ومع ذلك هناك من يحلف على غير ما هو كائن، و عند الأحناف الشاهد لا يمين عليه لأن لفظ الشهادة يتضمن معنى اليمين.
شهادة الزور من أكبر الكبائر :
أما شهادة الزور فهي من أكبر الكبائر، ليست كبيرة فقط بل من أكبر الكبائر، وأعظم الجرائر، لأنها مناصرة للظالم، وهضم لحق المظلوم، وتضليل للقضاء، وإيغار للصدور، وتأريث للشحناء بين الناس.
القرآن الكريم فيه قاعدة، أن المعطوف والعطوف عليه لابد من أن يكونا مشتركين في شيء واحد، العطف يقتدي المشاركة، والعطف يقتدي المجانسة، والمثل معروف لا أحد يقول: أنا اشتريت سيارة وملعقة لا يتناسبون، هذه ثمنها ثلاثة عشر مليوناً وهذه ثمنها خمسة ليرات لا يتناسبون، ما اشتريت مثلاً أرضاً ومحفظة، لا يتناسبون، فالعطف يقتدي المشاركة، اسمع الآية الكريمة يقول الله عز وجل:
﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾
أي الله عز وجل جعل قول الزور قريباً من عبادة الأوثان.
((عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ تَزُولَ قَدَمَا شَاهِدِ الزُّورِ حَتَّى يُوجِبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ ))
الآن هناك تعاون كبير بين الناس، أنا أشهد معك، وتعلم أنه مبطل، وتعلم أنه آكل حقوق، وتعلم أن خصمه مظلوم أنا أشهد معك، أين يمشي الناس؟
(( لَنْ تَزُولَ قَدَمَا شَاهِدِ الزُّورِ حَتَّى يُوجِبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ ))
و:
((عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبَائِرَ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ قَالَ شُعْبَةُ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ ))
هل تصدقون أن أكبر قول زور أو أن أكبر شهادة زور أن تقول على الله ما لا تعلم، والآية الكريمة التي ذكرت أنواع المعاصي آخر شيء على أنها أخطر شيء:
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
تنفر الناس من حضرة الله عز وجل، وتفسر الآيات تفسيراً غير صحيح، توهم الناس أن عز وجل قد تعبده طوال حياتك، وإذا شاء وضعك في جهنم، هكذا، أنت تقدر أن تعارضه؟ لا أقدر أن أعارضه، هذا الكمال الإلهي، يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا، أين قوله تعالى؟
﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
أين قوله تعالى؟
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾
أين قوله تعالى؟
﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾
أين قوله تعالى؟
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾
خمسون آية أو ستون آية تبين نزاهة الله سبحانه وتعالى المطلقة، وأنت تريد أن تقنع الناس أن هذا العبد يمضي كل حياته في طاعة الله وقد يضعه في النار لا لشيء، هل أنت بإمكانك أن تسأله؟ أنت في ملكه وهو حر في ملكه؟ هكذا يقول لك، هذا الكلام غير صحيح، هذا الكلام منفر، هذا الكلام ما أراده الله، هذا الكلام يبعد الناس عن الله عز وجل، أنا أرى أن هذا الكلام عن الله من أكبر الكبائر، أكبر شهادة زور، أكبر قول زور أن تتهم عدالة الله، أن تتهم رحمة الله، أن تبين أن الله سبحانه وتعالى لا يرحم عباده.
((أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ ))
أي أعادها مرة، وثانية، وثالثة، لأن هذه الشهادة تُضيع الحقوق، تعين الظالم على ظلمه.
شهادة الحق أعظم شهادة :
أنا ذكرت قصة قبل درسين على ما أذكر الآن مناسبة جداً، ولها علاقة بهذا الموضوع، القصة أن إنساناً مؤمناً توفي رحمه الله أعرفه جيداً، رجل مستقيم، وورع، وملتزم، وابن مساجد، ساكن ببيت قد استأجره، ورفع الأجرة مرات عديدة حتى بلغت الأجرة أكثر من ثلثي راتبه، وما عاد بإمكانه أن يرفعها، أصحاب البيت يريدون البيت، صاحبة البيت سألت محامياً، قال لها: لا يوجد غير طريقة واحدة، أن تدعي عليه بالفساد الأخلاقي، أقيمت عليه دعوى فساد أخلاقي، أنه كان يكشف عورته أمام جيرانه، هكذا اشتكت، دعوى قذرة، هذه تريد شاهداً، جاءت المدعية بابنتها شاهدة، فالقاضي بحسب ما اتفقنا بالشهود رفض هذه الشهادة للمحاباة، وهذا مرّ معنا سابقاً، فقال لها: ابحثي عن شاهد آخر أو عن شاهدة أخرى، عندهم بالبيت طالبة جامعية قالوا لها: هل تشهدين معنا؟ قالت: لهم نعم أشهد، وجدوا أن الفرج قد جاء، وانحلت القضية، إذا شهدت هذه الطالبة بمضمون الدعوى أخلي البيت، واستعيد، هذه الطالبة رسمت خطة، بعد شهر جاء موعد الدعوى، والقاضي استحلفها على كتاب الله، وقال: هل رأيته يفعل هذا؟ قالت له: والله يا سيدي لم ينظر إلى امرأة إطلاقاً، ما رأيت أعف منه، ولا أشد حشمة وأدباً، هي خافت أن يبحثوا عن شاهدة تشهد لهم، فقبلت هي حتى تشهد بالحق وشهادتها كانت الحكم الفاصل.
لا يوجد أعظم من شهادة الحق، أحياناً حادث سير يكون السائق واقفاً، يزور الضبط ويكتب أنه كان منطلقاً بسرعة عالية، مقابل أشياء، فنحن عندما نشهد شهادة حق وفق ما وقع هذا عمل عظيم.
الظلم ظلمات يوم القيامة :
قلت لكم: إن حجراً ضجّ بالشكوى إلى الله قال: يا رب عبدتك خمسين عاماً في بيت الخلاء - القصة رمزية - قال له: تأدب يا حجر إذ لم أجعلك في مجلس قاض ظالم، أي الحجر في المرحاض أشرف له ألف مرة من أن يكون في مجلس قاض ظالم، الظلم ظلمات يوم القيامة، لا يوجد شعور مسعد يفوق أن تحكم بالعدل، أو أن تكون منصفاً، أحياناً بالبيت كنة مظلومة، كلهم ضدها، ليس لها نصير أبداً، تعمل ليلاً نهاراً، دائماً عليها ضغط، دائماً حماتها تخرب العلاقة بينها وبين زوجها، أي لا نصير لها أبداً، هناك نساء مضطهدات واللَّه كبير، إنسان يظلم امرأته ويقول: ليس لها أحد إنها مقطوعة، الله وراؤها، الله عز وجل هو وكيلها، والله كبير وعقابه أليم، وبطشه شديد، هذا الدرس ليس للقضاة، هذا لنا كلنا، على الإنسان أن يكون منصفاً بين كنته وبين ابنته، وبين ابنه وبين صهره، بين فلان وفلان، بين جيرانه وبين شركائه، أحياناً يكون هناك شريك قوي، المحل باسمه، والرخصة باسمه، والامتياز باسمه، و شريكه الثاني ضعيف لكن قد دفع معه مالاً، وضعيف الشخصية، لكنه مسيطر عليه، يشغله ليلاً نهاراً، ولا يعطيه حقه، الله كبير، فالإنسان أنا أقول عندما تنفك شركة، أو يصير طلاق، الله مع المظلوم دائماً، بالمستقبل يكشف لك من هو المظلوم، المظلوم يوفق والظالم يمحق.
فهذه الموضوعات مرة ثانية وثالثة قد تتوهمون أنها لا علاقة لنا بها، لا يوجد إنسان ليس له علاقة فيها، كلمة الشهادة، وكلمة التناقض، واحلف يميناً، والدليل معك، و من قال لك هذا الكلام؟ الإنسان لا يشعر يكون مرة قاضياً، ومرة مدعياً، ومرة مدعى عليه، ومرة شاهداً، ومرة متناقضاً، ومرة يحلف يميناً، ومرة يكذب، ومرة يصدق، هذا كله يجري في حياتنا اليومية.
الالتزام أجمل شيء بحياة الإنسان :
أيها الأخوة الكرام، أجمل شيء بالحياة أن يكون الإنسان ملتزماً، من إنسان يقف عند حدود الله، يقف عند الأمر والنهي، يعرف ما له وما عليه، إنسان يعيش مطمئناً، يحيا سعيداً، يحيا حميداً بين الناس، يحيا متألق الاسم، هناك أشخاص يقولون لك: أنا لا أعرف قصر العدل، ما دخلت لمخفر بحياتي، والله هذا وسام شرف، لأنه يعامل الناس بأصول، إن تعامل مادياً هناك إيصالات، وعقود، لا يوجد مجال للكذب والافتراء، وفي الأصل لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي، بالأصل إذا أنت لك أصدقاء غير مؤمنين هؤلاء ألغام إن شاركتهم يأكلوا مالك، إن أحسنت لهم يسيئوا لك، إن سلمت لهم يطعنوك، إن صدقتهم يكذبوك، إن أمنتهم يخونوك، لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي، والإنسان يتعلم، لكن هناك فرقاً بين أن يأتي خبير بالألغام ويقول لك: انتبه هذه قنبلة، ابتعد عنها، وبين أن تكشفها بنفسك، إذا امتحنتها بنفسك وانفجرت بين يديك، عرفتها قنبلة، لكن لم يعد بحياته وقت ليستفيد من هذا الدرس، هذه النقطة دقيقة جداً، أحياناً يقع الإنسان في مشكلة مدمرة ينتهي بجلطة إلى القبر رأساً، أخي اتعظنا، لم يعد هناك وقت لأن تتعظ، مرة إنسان دخل للمستشفى طبعاً كان مدمن تدخين، صار معه سرطان بالرئة، زاره أحد أقربائي، و يكون أيضاً قريبه، زاره قال له: أنا لي مع هذه السيجارة حساب طويل لكن عندما أخرج من المستشفى، لم يخرج منها، خرج ميتاً، أي حساب طويل هذا؟ تحاسبت وخلصت، وانتهى الأمر، قال له: لي حساب معها طويل عندما أخرج من المستشفى، لم يخرج إلا ميتاً، انتهى، هذه القصة أنه أحياناً السعيد يأخذ خبرات جاهزة، من هو الخبير؟ الله عز وجل قال:
﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
الله وحده الخبير، نحن خبراتنا تأتي بالتراكم، خبراتنا محدثة تتنامى، أما الله عز وجل فخبرته قديمة، كل إنسان يهتدي بهدي الله عز وجل لا يغلط أبداً، لا يضطر أن يدخل إلى محاكم، ولا إلى مخافر، ولا تتمرغ سمعته في الوحل، لأنه بالأساس قال له يا عمر ما بلغ من دهائك؟ قال له: والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه، قال له: لست بداهية، قال له: أما أنا والله لا أدخل مدخلاً أحتاج أن أخرج منه، إذا أنت دخلت وخرجت، أنا لا أدخل إطلاقاً، أيهما أذكى؟ لا يدخل إطلاقاً، هذا دخل وخرج، أما الأذكى فلا يدخل إطلاقاً.
هذا الكلام إن شاء الله نحن نطبقه، وأنا أحبّ الإنسان أن يكون منصفاً، ويكون منهجياً، الشهادة هكذا، اليمين هكذا، الدعوى هكذا، البينة هكذا، التناقض هكذا، لعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا بهذا الفقه، والفقه ضروري جداً، إذا أحبّ الله عبداً فقهه في الدين، وبصره بعيوب نفسه.