- الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
- /
- ٠5القضاء
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإكراه :
أيها الأخوة الأكارم، من لوازم بحث القضاء في الفقه موضوع دقيق دقيق هو الإكراه، أي القاضي إذا أراد أن يحكم على إنسان وثبت لدى القاضي أن هذا الإنسان كان مكرهاً فيما فعل فالإكراه يغير الحكم كله، ولكن ما من موضوع في الفقه ماع بين أيدي الناس أو تبخر حتى أصبح كالغاز كهذا الموضوع.
معلوم لديكم أن الأشياء الصلبة حجمها ثابت وشكلها ثابت، وأن الأشياء المائعة حجمها ثابت وشكلها متغير، وأن الأشياء الغازية حجمها متغير وشكلها متغير.
ما من موضوع في الفقه الإسلامي ماع أو تميع أو تبخر فأصبح كالغاز بين أيدي المسلمين كموضوع الإكراه، أو موضوع الاضطرار، يرتكب المسلم معظم المعاصي وهو مضطر، فما حدود الضرورة؟ أقول لكم وأعني ما أقول: إن من أخطر الموضوعات أن يعلم المؤمن ماذا تعني الضرورة، ما معنى الضرورات تبيح المحظورات؟ ما معنى الإكراه؟ أما كلما شعرنا أننا بحاجة إلى شيء ادعينا أننا مكرهون، أو مضطرون، من أجل تحقيق الحاجات الثانوية ندعي الإكراه، وندعي الضرورة.
الإكراه في اللغة :
أيها الأخوة الكرام موضوع الإكراه موضوع دقيق دقيق، له حدود دقيقة عند الفقهاء، لأن أكبر حجة يحتج بها الإنسان في التعامل الربوي أحياناً، في ارتكاب المحظورات المتعلقة بكسب المال، أو بإنفاق المال، أو بعلاقته بالنساء، أكثر المعاصي مغطاة عند المسلمين مضطر ماذا أفعل؟ أنا مضطر، من أجل الضرورة يفعل كل شيء، هذه كلمة الضرورة ليس لها حدود، أما أنها مائعة فتمط كيفما نشاء.
العلماء قالوا: الإكراه في اللغة حمل الإنسان على أمرٍ لا يريده طبعاً أو شرعاً، حمل الإنسان قهراً، وجبراً، وغصباً على أن يفعل شيئاً، أو على أن يقول شيئاً لا يريده، لا بحسب طبعه، أو بحسب الشرع، هذا في اللغة، أما في الشرع فحمل الغير على ما يكره بالوعيد بالقتل، أو التهديد بالضرب، أو السجن، أو إتلاف المال، أو الأذى الشديد، أو الإيلام القوي الذي لا يحتمل، متى تستجيب؟ إذا هدد الإنسان بالقتل، أو بقطع أحد أعضائه، أو بالتعذيب الذي لا يحتمل، أو بفقد ماله كله، هذه الضرورات حصراً؛ خوف الموت، أو فقد الحياة، أو خوف تلف أحد الأعضاء، أو الأجهزة، أو التعذيب الذي لا يحتمل، أو فقد المال كله، هذه الأبواب الأربع هي حصراً الضرورات التي تبيح المحظورات، أما لو فعلت هذا لأخذ عليّ مأخذ، هذا ليس ضرورة، وليس هذا إكراهاً، لو فعلت هذا لأخذوا عني فكرة معينة، هذا ليس ضرورة ولا إكراهاً، اختلط عند العوام وعند بعض المؤمنين ما هو ضروري، أو ما هو إكراه، أو ما هو حرج، أو ضيق، أو توهم ضرر لا يحصل.
شروط الإكراه و أنواعه :
قال: يشترط في الإكراه أن يغلب على ظن المُكرَه إنفاذ ما توعد به المُكرِه، أي أحياناً:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع
***
أحياناً الإنسان يهدده إنساناً آخر، أو يتوعده، لكن يشعر في قرارة نفسه أن هذا كلاماً فارغاً، هذا الذي يهدد لا يفعل ما يقول، لا ينفذ ما يهدد به، أو لا يستطيع أن ينفذ، لا ينفذ، أو لا يستطيع، هذا ليس إكراهاً، ولا ينطوي تحت باب الإكراه، من هدد إنساناً والإنسان المُكرَه المهدد غلب على ظنه أن المُكرِه لا ينفذ وعيده، أو لا يستطيع تنفيذ وعيده.
عند بعض الفقهاء لا فرق بين إكراه الحاكم، وإكراه اللصوص، قد يكون إنساناً عادياً لكن مسلحاً، فاجأك بتهديد، لا فرق بين إكراه الحاكم وإكراه اللصوص، إلا أن بعض الفقهاء قال: الإكراه فقط إكراه السلطان، لأن غير السلطان لا يملك أن يكره، هذا موضوع خلافي بين الفقهاء.
العلماء قالوا: الإكراه ينقسم إلى قسمين، إكراه على كلام، وإكراه على فعل، قد يكره الإنسان أن يقول كلاماً، وقد يكره أن يقول فعلاً، أي هذا الموضوع من الدقة بحيث أخشى أو أخاف أن يفهم على غير حقيقته، دققوا فيما أقول: الإكراه يعني إذا غلب على يقينك أن الذي يهددك يفعل ما يعدك به، من إذا قال فعل، إذا هددت بالقتل، أو بفقد أحد الأعضاء، أو بالإيلام الذي لا يحتمل، أو بفقد المال كله، الآن ينطبق عليك شرط الإكراه، شرط الإكراه الذي يرفع عنك الإثم في الدنيا والآخرة.
الإكراه على الكلام لا يجب به شيء لأن المكره غير مكلف :
الإكراه على الكلام لا يجب به شيء لأن المكره غير مكلف قال تعالى:
﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾
أي إنسان إذا نطق بكلام لا يرضي الله عز وجل تحت تهديد شديد، أو وعيد شديد، وكان الذي يتوعد يفعل ما يقول، ويغلب على ظن المكره أن الذي يهدد يفعل قال: هذا إكراه حقيقي، والآية تؤكد ذلك:
﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾
لماذا؟ لأن حياة الإنسان مقدمة على كل شيء.
مقاصد كبرى في الشريعة :
عندنا بالشريعة خمسة مقاصد كبرى، المقصد الأول: هو الدين، والمقصد الثاني: هو الحياة، والمقصد الثالث هو العرض، و المقصد الرابع هو المال، والخامس هو العقل، من اعتدى على العقل بالخمرة يقام عليه الحد، من اعتدى على المال بالسرقة يقام عليه الحد، من اعتدى على العرض بالقذف يقام عليه الحد، من اعتدى على الحياة بالقتل يقام عليه الحد، من اعتدى على الدين بإفساد العقيدة، أو الطعن في الدين، يقام عليه الحد، الشريعة كلها ذات خمسة مقاصد: الدين والحياة والعرض والعقل والمال.
لذلك قال أحد العلماء: الشريعة مصلحة كلها، وعدالة كلها، ورحمة كلها، فأية قضية خرجت من العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الرحمة إلى القسوة فليست من الشريعة ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل، أي الشريعة رحمة، والقسوة ليست من الشريعة، الشريعة عدالة، الظلم ليس من الشريعة، الشريعة مصلحة، المفسدة ليست من الشريعة، ولو احتال بعضهم بإدخال المفاسد، أو القسوة، أو الظلم على الشريعة بألف تأويل وتأويل.
في موضوع المقاصد هناك تدريج، أي أولاً: الدين، ثانياً: الحياة، ثالثاً: العرض، رابعاً: المال، خامساً: العقل، هذا الترتيب مهم جداً، لأنه بإمكانك دائماً أن تفتدي بالثاني الأول، فالإنسان قد يفقد حياته من أجل دينه عمل مشروع، هو الجهاد في سبيل الله، وقد يفقد ماله من أجل عرضه عمل مشروع، قال عليه الصلاة والسلام:
(( ذبوا عن أعراضكم بأموالكم))
وقد يفتدي المهم بالمهم، إذاً هناك ترتيب، طبعاً هذه المقاصد الأساسية، وكل مقصد من هذه المقاصد له ثلاثة أبواب؛ باب الضرورات، وباب الحاجات، وباب المتممات، الضرورات والحاجات والمتممات، وبإمكان كل إنسان يفدي الضرورة بالحاجة والحاجة بالمتمم، مثلاً كشف العورة حرام في الدين أليس كذلك؟ أما إذا امرأة أصابها مرض عضال، ولا بد من طبيب يعالجها فالحفاظ على الحياة ضرورة، بينما كشف العورة من حاجيات الدين، لا من فرائضه، من حاجياته، إذاً نضحي بكشف العورة من أجل بقاء الحياة، بالدين مشروع، أي ممكن أن تعملوا جدولاً خمسة حقول أفقية، وثلاثة حقول عامودية، المجموع خمسة عشر، بالحقول الأفقية الدين، الحياة، العرض، العقل، المال، العرضية: الضرورات، الحاجات، المتممات، فنحن دائماً نتحرك من الأدنى إلى الأعلى، ومن اليسار إلى اليمين، دائماً نضحي بالأبعد عن الضرورة، الحاجة، المتمم، أو الأبعد عن الدين هكذا، هذا جدول طبعاً مستنبط من الكتاب، والسنة، وأحكام الفقهاء، لكن مريح جداً يجعلك تتحرك حركة صحيحة وفق ما يريد الله عز وجل.
إذا وقع الإكراه لا يؤاخذ الإنسان به ولا يترتب عليه حكم :
أولاً: إذا نطق الإنسان بكلمة الكفر مكرهاً، الآن فهمنا معنى مكرهاً، مكره أي كانت حياته معرضة للقتل، أو فقد أحد أعضائه، أو فقد ماله كله، أو التعذيب الذي لا يحتمل، وإذا قذف غيره فلا يقام عليه الحد، وإذا أقرّ فلا يأخذ بإقراره، وإذا عقدَ عقد زواج لا ينعقد هذا العقد، وإذا عقَدَ عقْد هبة لا يصح هذا العقد، وإذا باع فإن بيعه فاسد لا ينعقد، وإذا حلف أو نذر فإنه لا يلزمه شيء، وإذا طلق زوجته هذا الطلاق لا يقع لأنه مكره، وإذا راجعها، فإن رجعته لزوجته لا تصح، والأصل في هذا كله قول الله عز وجل:
﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
أما أسباب نزول هذه الآية فما ذكر المفسرون بالتفاسير عن أبي عبيدة محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا، من شدة التعذيب قاربهم في بعض ما أرادوا، أي قال ما طلب إليه، فشكا ذلك إلى النبي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عليه الصلاة والسلام: "يا عمار كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: لا عليك، إن عادوا فعد"، رحمة بأمته، لأن النبي ما كلف الناس فوق طاقاتهم، هذا من التيسير على المؤمنين.
قالوا: إذا وقع الإكراه لم يؤاخذ به، ولم يترتب عليه حكم، وبه جاء الأثر المشهور عن رسول الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ))
هذا من باب رفع الحرج عن الأمة، الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، ممكن أن تجمع غلطاً فيكون الحساب أقل بألف ليرة، والبائع لم يدقق، قبض المبلغ منك ثم اكتشف بعد حين أنه قبض أقل بألف ليرة، ولم يثبت عنده نية سيئة، هذا خطأ، والنسيان: "اللهم إني بشر أنسى كما ينسى البشر".
والإكراه كما تحدثنا قبل قليل:
((... وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ))
العزيمة عند الإكراه أفضل من أخذ الرخصة :
لكن هناك رأي دقيق هو أن العزيمة عند الإكراه على الكفر أفضل، أي هناك اجتهادان، أن تنطق بكلمة الكفر، أو أن تفعل محظوراً، هذا رخصة، أما إذا رفضت أن تنطق بالكفر، ولم تفعل محظوراً، وتعرضت للخطر الشديد هذه عزيمة، والعزيمة أفضل من الرخصة.
إليكم هذه القصة التي جرت بعهد النبي عليه الصلاة والسلام، مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لأحدهما: ما تقولوا في محمد؟ قال: رسول الله، قال: فما تقول في؟ قال: أنت أيضاً كذلك، فخلاه، وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله، قال: فما تقول في؟ قال: أنا أصم، أنا لا أسمع، فأعاد عليه ثلاثاً، فأعاد ذلك في جوابه فقتله، فبلغ النبي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرهما، فقال: أما الأول فقد أخذ برخصة الله، وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له.
معناها اجتهادات، لك أن تأخذ بالرخصة ولا شيء عليك، ولك أن تأخذ بالعزيمة، فهنيئاً لك، إذاً الحكم الثاني: العزيمة عند الإكراه أفضل من أخذ الرخصة، لكن كل إنسان له عزيمة.
لما سئل: القرآن مخلوق أم قديم؟ قال: قديم، فحجز في السجن في عهد المعتزلة لما أقنعوا الخليفة بمذهبهم، تبنى الخليفة مذهبهم، وجمع العلماء، وأكرههم على هذا المبدأ، طبعاً مبدأ باطل، عالم آخر قال: القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كلها مخلوقة وقصد أصابعه.
هنا اجتهاد، لا ينبغي أن تلوم الذي أخذ بالرخصة، ولا ينبغي أن تلوم الذي أخذ بالعزيمة، كل إنسان تصرف بحسب إمكاناته، وقوة إيمانه، وعزيمته، فالذي أخذ بالرخصة لا شيء عليه، والذي أخذ بالعزيمة هنيئاً له، هذا الإكراه على القول.
الإكراه على العمل :
فما الإكراه عن العمل؟ قال: الإكراه على الفعل نوعان؛ ما تبيحه الضرورة، وما لا تبيحه الضرورة، فما تبيحه الضرورة مثل الإكراه على شرب الخمر، أو أكل الميتة، أو أكل لحم الخنزير، يقول لك: والله نحن مضطرون ذهبنا إلى فرنسا لا يوجد غير لحم خنزير ماذا نفعل؟ مضطرون أن نأكله، هذا كلام مضحك، أي لا تأكل لحم الخنزير إلا إذا شهر عليك سلاح، إذا لم تأكل تموت فوراً، هذه ضرورة، أو كنت في الصحراء وبينك وبين الموت شعرة، لا يوجد لحم، ماذا نفعل؟ لا تأكل لحماً، أخطر شيء في هذا الموضوع مثلما قلت توسعه، تميعه، كلمة ضرورة ماعت، أصبحت الحاجات الثانوية ضرورات، أي إذا فعل هذا يؤخذ عليه ذلك، أخي مضطر، إذا فعل ذلك يظن أنه كذا، إن لم يفعل يؤاخذ على فعله، هذا كله كلام فارغ، الضرورات حينما يغلب على يقينك أنك ستفقد حياتك، أو تفقد أحد أعضائك، أو تعذب عذاباً لا تحتمله، أو تفقد مالك كله، هذه الضرورة، ما سوى ذلك ليست ضرورات، ولا تباح بها المحظورات، ومن يفعلها آثم، وله عقاب في الدنيا والآخرة، أي الإنسان كما قال الله عز وجل:
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
هذه آية قرآنية، إذا كان الهلاك جوعاً يجب أن تأكل ولو لحم خنزير، القضية دقيقة جداً، هناك إنسان في رمضان يقول لك: أنا معي قرحة لن أصوم، جرب أول يوم، إذا حدث معك آلام لا تحتمل افطر، لكن معك قرحة مخففة، أي تحس بمغص خفيف، عليك أن تصبر، فالورع دائماً يؤثر العزائم ويبتعد عن الرخص، إلا عندما تكون الرخصة أحب إلى الله من العزيمة.
من أكره على قتل غيره لا يجوز له الإقدام على قتله :
لكن العلماء أجمعوا على من أكره على قتل غيره لا يجوز له الإقدام على قتله لماذا؟ لأنه لابد من أن يموت أحد شخصين، فأنت حينما تفعل ذلك افتديت نفسك بأخيك، حينما يفعل المكره على القتل ما أكره عليه افتدى نفسه بأخيه، أحدهما ميت، لا أنت أولى أن تموت، لا تقبل، هذا أيضاً حكم، واسألوا الله العافية من هذه المواقف الحرجة.
العلماء قالوا: لا حد على مكره، لو قدر أن رجلاً استكره على الزنى فزنى، فإنه لا يقام عليه الحد، وكذلك المرأة لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((... وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ))
شروط الإكراه :
1 ـ أن يكون المكره قادراً على تنفيذ ما هدد به وإلا كان هذياناً :
الآن إلى بعض التفاصيل، من كتاب آخر، شروط الإكراه وهذا أبرز ما في البحث.
الشرط الأول: أن يكون المكره قادراً على تنفيذ ما هدد به، وإلا كان هذياناً، وبناءً عليه كان أبو حنيفة النعمان يقول: لا إكراه إلا من السلطان، لأن غير السلطان لا يتمكن من تحقيق ما هدد به، أحياناً شخص عادي يقول لك: سأريك، خير إن شاء الله، ماذا يفعل؟ لكن الأئمة الثالث عدا أبي حنيفة قالوا: يتحقق الإكراه من السلطان وغيره لأن إلحاق الضرر بالغير يمكن أن يتحقق من كل متسلط، إذا إنسان كان في الصحراء و إنسان من قطاع الطرق أشهر عليه مسدساً، هذا مكره، وقد يفعل ما يهدد به، كلمة رائعة أن الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه لأن صاحبي أبي حنيفة مع الأئمة الثلاث، يتحقق الإكراه بالسلطان وغيره، قال: الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه هو اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان، أي كل عصر له ترتيبات.
الآن في أمريكا بعض الأحياء أي زنجي يشهر عليك مسدساً أينما ذهبت ينصحونك أن تعطيه كل ما تملك، وإلا تخسر حياتك، لي صديق توفي رحمه الله، له أخت تقيم في أمريكا، مرض زوجها مرضاً شديداً، وعندهم بقالية ضخمة، فطلبت من أخيها المقيم في دمشق أن يحضر إلى أمريكا، ليساعدهم في إدارة البقالية في الصيف، طبعاً على حساب الأسرة، و الله حدثني من فمه، قال لي: ذهبت إلى هناك، بعد يومين ذهبت مع أختي إلى البقالية، شي جميل، بقالية ضخمة قالت لي: هنا مسدس، خير، قالت له: قد يفاجئك لص وهنا مسدس، قال لي: اثنا عشر مسدساً في البقالية، بحيث أينما كنت، لو شهر عليك إنسان تكون مهيئاً نفسك، قال لي: ما هذا العمل؟ ورجع فوراً، هذا مجتمع أوربا أي لا يقدر إنسان أن يمشي بعد المغرب في بعض المدن، في كل ثلاثين ثانية ترتكب جريمة قتل، أو سرقة، أو اغتصاب، هذا الإحصاء أنا قرأته في السنة الخامسة و الستين، الآن أكثر بكثير، كل ثلاثين ثانية ترتكب جريمة قتل، أو سرقة، أو اغتصاب .
طبعاً بدول العالم المتقدم لو أرادوا أن ينقلوا الأموال من بنك إلى بنك، أو من بلد إلى بلد، ينقلونها بقطارات مصفحة تصفيحاً لا يخترقه قنابل المدافع، قطارات، أو سيارات مصفحة، مع مرافقة، مع أسلحة، مع هيلوكبتر يطير فوقها، حدثني شخص قال لي: كنت في بلد إسلامي تطبق فيه حد قطع اليد، يد السارق، أقسم بالله من العاصمة إلى محافظة نائية في الجنوب، تبعد عن العاصمة آلاف الكيلو مترات، رواتب هذه المحافظة موضوعة بأكياس كبيرة تنقلها شاحنة، أي بك آب، الأكياس موضوعة بالخلف، وتسير هذه السيارة آمنة مطمئنة، ألفا كيلو متر لنقل الرواتب، من بلد إلى بلد، لأن هناك قطع يد، ألم يسأل الإمام الشافعي؟ قال له:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار؟
***
قال:
عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
***
هناك قصص كثيرة جداً عن بعض البلاد التي تقيم حكم الله في قطع يد السارق ترى العجب العجاب، أي الأمن بشكل لا يصدق، مع أنه لا يوجد علم، ولا تمدن، لكن هناك إقامة لحدود الله، ستة عشر مليون سرقة في عام أربعة و ستين في أمريكا، بينما لو طبق حكم الله في قطع يد السارق لا يحتاج بلد يزيد سكانه عن خمسين مليوناً إلا أن يقطعوا بالعام يداً أو يدين فقط.
إذاً أول شرط للإكراه، أن يكون المكره قادراً على تنفيذ ما هدد به وإلا كان هذياناً.
2 ـ أن يغلب على ظن المستكره أن المكره سينفذ تهديده لو لم يحقق ما أكره عليه :
الشرط الثاني: أن يغلب على ظن المستكره أن المكره سينفذ تهديده، لو لم يحقق ما أكره عليه.
مثلاً من باب الطرفة أحياناً الأم تقول لابنها: والله لأذبحك، ممكن أن تذبحه؟ هو يصدق هذا الكلام، إذا ارتفعت حرارته يطير عقلها، حرارته أربعون تموت من الألم عليه، فكلمة الأم سأذبحك ليس لها معنى إطلاقاً، أما هي باللغة ذبح، لكن هذا الكلام لا يعني شيئاً.
الأم هل تقدر أن تذبح ابنها كقوة عضلية؟ نعم تقدر، تذبح دجاجة أحياناً، معها سكين حادة، القدرة غير التنفيذ.
الشرط الأول: أن تكون قادرة، أما الشرط الثاني فأن يغلب على ظن المكره أن الذي يهدد يفعل ما يقول، ليس قادراً فقط، قادر ويفعل، أصبحوا شرطين، قادر ويفعل، نضرب مثلاً أحياناً، نستفيد من هذه النقطة بموضوع آخر، أنا أستخدم هذا المثل لوضوحه، إذا إنسان ركب سيارة ومعه زوجته وأولاده، و يمشي في طريق وعلى اليمين واد سحيق، من حيث القدرة العضلية، ألا يستطيع أن يحرف المقود تسعين درجة وينزل في الوادي؟ من حيث القدرة العضلية يقدر وإذا كان المقود هيدروليك بالخنصر، إذاً أيفعلها؟ مستحيل، أولاً: يخاف على حبه لبقائه وحبه لأهله وأولاده، شيء مستحيل، إذاً لما يقول لك إنسان: إن الله عز وجل قادر، يستطيع أن يضع عبده طوال حياته في جهنم قادر لكنه لا يفعلها، لقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
عبد من عباده استنفذ كل عمره في طاعته، وفي خدمة عباده، وفي الدعاء، وفي الدعوة إليه، وفي المعروف، وفي النهي عن المنكر، الله قادر لا يوجد شك، لكن أين رحمته؟
﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
أين؟ إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أين؟ لو أن عبدي تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، أين؟ لو أتاني ماشياً أتيته هرولة ،تلغي ثلاثين آية أو أربعين آية وتقول: لكن الله قادر، كما أن الأب الذي معه زوجته التي يحبها وأولاده، بإمكانه بحركة بسيطة جداً أن ينزل بالوادي بالسيارة، لكن لا يفعلها، مستحيل أن يفعلها، لأن ربنا قال:
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
هذه كلمة "على" في حق الله عز تفيد أن الله ألزم نفسه بالعدل بين العباد، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا.
حسن الظن بالله ثمن الجنة :
يا أخوان حسن الظن بالله ثمن الجنة، هناك أفكار لا تقبلوها، يقول لك: هو حر بملكه، يضرب لك مثلاً مضحكاً أن النجار عنده لوحا خشب هو يمكن أن يضع لوحاً كباب مرحاض ولوحاً كباب لقصر، لك دعوى معه؟ لا ليس لي دعوى معه، لكن النجار الحكيم إذا كان اللوح من الدرجة الثانية يضعه باباً للمرحاض، وإذا كان اللوح من الدرجة الأولى يضعه باباً للقصر، طبعاً هناك حكمة بالنص، فهذا كلام غير مقبول إطلاقاً.
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾
لا فتيل، ولا قطمير، ولا ظلم اليوم، بعد ذلك لا يوجد جملة تفيد أشد أنواع النفي كهذه الجملة،
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ ﴾
أي دائماً الإنسان ينفي الحدث، أو ينفي الشأن، نفي الحدث شيء، ونفي الشأن شيء آخر، يكون أكبر حرامي في الأرض، أنت سرقت يقول لك: لا لم أسرق، هذه لم أسرق هو نفى سرقة هذا الشيء، أما هو فأكبر حرامي، فهذا النفي نفي ماذا؟ نفي الحدث، أما كلمة ما كان له أن يسرق أي السرقة ليست من طبعه، ولا من شأنه، ولا من سجيته، ولا يريدها، ولا يقرها، ولا يرحب بها، بل يمقتها، ويكرهها، اثنا عشر معنى علماء النحو استنبطوا من قوله:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
أي لا ظلمهم، ولا يريد أن يظلمهم، ولا يحب أن يظلمهم، ولا يمكن أن يظلمهم، ولا يعقل أن يظلمهم، وهو غني عن ظلمهم، بعيد عن الظلم:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾
هي أشد أنواع النفي، فالإنسان كلما عرف الله معرفة جيدة أقبل عليه، وكلما أساء الظن به ابتعد عنه، وحسن الظن بالله ثمن الجنة، وحسن الظن بالله من حسن العبادة ،هذا الكلام لا تقبلوه، لأن الله عز وجل حر بملكه، فعلاً حر بملكه، أيضاً الله عز وجل قال:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
الله إضافة إلى أنه قادر، هو كامل، الله موجود وواحد وقادر وكامل، قادر يفعل كل شيء، لكن كامل.
الشرط الثاني إذاً أن يغلب على ظن المستكره أن المكره ينفذ تهديده، أول بند: قادر على تنفيذ تهديده، ممكن أن يقول عريف لرتبه عالية أنا سأريك، من أنت؟ هذا غير قادر، أما لو كان قادراً لكان منصفاً.
3 ـ أن يكون الأمر المكره به متضمناً إتلاف نفس أو عضو أو مال :
الشرط الثالث: أن يكون الأمر المكره به متضمناً إتلاف نفس، أو عضو، أو مال أو متضمناً أذى لا يحتمل، أو أن من يهمهم أمرهم كإيذاء ابنه، أو زوجته، أو أخيه، أيضاً هذا يدخل في الإكراه.
4 ـ أن يكون المستكره بعيداً عن الفعل قبل الإكراه :
أن يكون المستكره بعيداً عن الفعل قبل الإكراه، فإذا كان يفعله قبل الإكراه وأكره عليه وفعله هذا ليس له قيمة إطلاقاً، من عادته أنه يشرب أكرهه، قال: أجبروني، أنت سابقاً كنت تشرب، هذا لا يسمى إكراهاً، الشرع دقيق جداً، يقول: أخي مضطر وكل قضية مضطر، كل قضية ليس لي خيار، الظرف صعب، كلها هذه كلمات مطاطة، ظرف صعب ومضطر.
5 ـ أن يكون المهدد به أشد خطراً على المستكره مما أكره عليه :
أن يكون المهدد به أشد خطراً على المستكره مما أكره عليه، أي إذا ما كنت تشرب و قالوا لك: لن نعطيك إجازة إلا إذا شربت، خير إن شاء الله لا أريد هذه الإجازة، يجب أن يكون العمل هاماً جداًً، يكون الشيء المستكره عليه أشد من الذي يهدد.
6 ـ أن يترتب على المكره به الخلاص من المهدد :
أن يترتب على المكره به الخلاص من المهدد، أمرت بمعصية ولو فعلتها لا تنجو لا تفعلها، لو فعلتها ونجوت أصبح الإكراه معقولاً، لو فعلتها إن لم تنج لا تفعلها، التهديد بعد سنة، هذا ليس بتهديد، يكون الآن، بعد شهر ليس تهديداً.
7 ـ أن يكون التهديد آنياً :
لا يصح الإكراه إلا إذا كان آنياً أما بعد شهر، بعد شهرين، فهذا ليس مقبولاً.
8 ـ من أكره على عمل فليفعل الحد الأدنى منه :
الآن إذا أكرهت على عمل وفعلت زيادة عنه شعرة، إنسان مضطر من أجل أن يبقى حياً أن يأكل، أي تأكل حتى تشبع من لحم محرم، لا يجوز، يجب أن تأكل الحد الأدنى، الذي يبقيك حياً، زيادة ما عاد إكراهاً، ولا عاد اضطراراً.
﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
أن يعود إليها مرة ثانية، هذا الشرط الثامن.
9 ـ من أكره على أحد فعلين لا يسمى مكرهاً :
هناك شرط أصابه الشافعية أنه لو أن إنساناً أكره على أحد فعلين، لا يسمى مكرهاً، أي إذا كان عنده ملايين، أكره على فقد أحد الملايين، يكفيه المال الثاني، إذاً ما عاد مكرهاً، المكره على فقد ماله كله، إنسان له دخل من جهة، وله دخل من جهة، هذه الجهة فرضوا عليه شيئاً لو لم يفعل لسرحوه من عمله، له دخل ثان، ما عاد مكرهاً، صار عندنا تسعة شروط.
10 ـ من أكره على بيع لوفاء دين مستحق عليه هذا ليس إكراهاً :
أما العاشر فلو أكرهت على بيع البيت من وفاء دين مستحق عليك، هذا ليس إكراهاً، هذا حق، والله أكرهني، لا ليس إكراهاً، لذلك القاضي يكره، يكره على بيع الملك وفاء للدين، إذا كان هناك حجز إذاً عليك حق ثابت ما عاد إكراهاً، إذا القاضي أكرهك على بيع ما تملك من أجل أن تسدد بعض الديون الثابتة عليك ليس هذا إكراهاً، هذا أمر القاضي، لأن القاضي ملزم، وحكمه شرعي، وأنت عليك حق.
تلخيص لما سبق :
هذه عشرة شروط متعلقة بالإكراه ينبغي أن تعرفوها جيداً، لأن أكثر كلمة أسمعها ممن أتعامل معهم يقول: أخي مضطر، الظروف صعبة، الأمور معقدة، نريد أن نشتري براد، من أجل براد تقترض بفائدة ربوية؟ هذه ليست ضرورة، يقدر الإنسان أن يعيش بلا براد، طبعاً إذا كان موجوداً أفضل لكن تضطر أن تأكل الربا، أو تطعم الربا، أو تعمل قرضاً ربوياً من أجل ماء باردة هذه ليست ضرورة، أكثر كلمة أسمعها مثلما قلت لكم موضوع أنه مضطر، كلمة مطاطة صارت هذه الضرورات، وهذه شروط الإكراه، طبعاً يلتقي الإكراه مع الاضطرار، لأن الأمور متداخلة، إنسان قال لك: إما أن تأكل هذا اللحم أو أقتلك، هذا إكراه، تمشي بالطريق لا يوجد طعام، على مشارف الموت، هذا ليس إكراهاً هذا اضطرار، يلتقي الإكراه مع الاضطرار، إما أن تكره وإما أن تضطر، على كلٍّ
﴿ فمن اضطر﴾
تعني أنك مضطر أو مكره، أوسع
﴿ غير باغ ولا عاد ﴾
ألا تزيد عن الحد الأدنى، وألا تعود إليه، فلا إثم عليك،
﴿ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ﴾
طبعاً الموضوع طويل وله حيثيات طويلة، وفروع كثيرة، لكن هذا الشيء الأساسي أي الإكراه دخل في القضاء، لذلك كل شيء ينتزع من إنسان بالإكراه يعد باطلاً، العقود كلها تكون باطلة، أحياناً بيع، شراء، زواج، طلاق، ربا، بالإكراه، كله باطل، لماذا ألحقناه بالقضاء؟ لأنه إذا ثبت للقاضي أنه مكره على هذه الأقوال الحكم صار غير مناسب، اختلف الحكم كله، وحتى الإنسان لا يتوسع إلى درجة فقد كيانه الديني، كل شيء أعطاه رخصة ومضطر، و ماذا نفعل؟ والزمن صعب يا أخي، وبرقبتنا أولاد، والمعيشة صعبة، يريد أن يعيش أرقى معيشة لأنه مضطر، لذلك نغش، وندلس، ونكذب، ونأكل مالاً حراماً، ونرفع السعر بشكل فاحش جداً، ونعطي وصفاً للبضاعة سيئاً، كله بحجة: مضطرون، هذا كلام مرفوض، نحن توسعنا بالموضوع لأنه تعلق بموضوعات أخرى.