- الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
- /
- ٠5القضاء
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الشهادة :
أيها الأخوة المؤمنون: لا زلنا في موضوع القضاء، وها نحن أولاء اليوم ننتقل إلى فقرة من فقرات هذا الموضوع، بل إلى موضوع أساسي في هذا الموضوع الكبير، ألا وهو الشهادة.
الشهادة أيها الأخوة مشتقة من المشاهدة، وهي المعاينة، أن يرى عين الشيء لأن الشاهد يخبر عما شاهد، وقيل: الشهادة مأخوذة من الإعلام، لقوله تعالى:
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
الشهادة إذاً أن تشاهد ثم تعلم، هناك تلق و إلقاء، هناك إطلاع وإخبار من المشاهدة، ومن الإعلام، والشاهد حامل الشهادة، ومؤديها، لأنه شاهد لما غاب عن غيره، عندنا عالم الشهود، وعالم الغيب، فلان شهد، وفلان غاب، يؤكد هذا المعنى أنه من شهد معصية فأنكرها كأن كمن غاب عنها، ومن غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها.
الشيء الأساسي في الشهادة أيها الأخوة لا شهادة إلا بعلم لذلك الشاهد الزور يرتكب كبيرة:
((عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلاثًا، قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ ))
بالمناسبة، العطف يقتضي التجانس، هذه قاعدة في اللغة، أي ليس معقولاً أن تقول: اشتريت أرضاً وملعقة، ليس هناك تجانس بينهما، اشتريت ملعقة وشوكة، معقول اشتريت أرضاً وبستاناً، فالعطف يقتضي التجانس، فالنبي عليه الصلاة والسلام جعل شهادة الزور كالإشراك بالله، لأن شهادة الزور فيها تضييع للحقوق، وتضليل للقاضي، وعدل ساعة خير من أن تعبد الله ثمانين عاماً، إذاً لا شهادة إلا بعلم، ومن أين يأتي العلم؟ قال: يأتي أولاً من الرؤية، ثانياً من السماع، لو سمع الإنسان رجلاً يقول لزوجته: أنت طالق، فهذه شهادة أتته عن طريق السماع، أما لو رأيت إنساناً اعتدى على إنسان بالضرب هذه رؤية، فالرؤية أحد أسباب العلم، والسماع أحد أسباب العلم أيضاً.
الاستفاضة :
عندنا شيء آخر في الشهادة: الاستفاضة، أي سمع أهل البلدة جميعاً أن فلاناً تزوج فلانة، هو ما رأى عقد الزواج، ما ذهب إلى المحكمة الشرعية، ولا رأى عقد الزواج، ولا كان حاضراً يوم العقد، فسمع بأذنه الإيجاب، والقبول، والشاهدين، والمهر لكن هذا الخبر استفاض، ما من أحد إلا وقال: ما هذا العرف يا أخي؟ بيت فلان أقاموا عرساً لا مثيل له، البلدة كلها تتحدث عن هذا العرس، هذه استفاضة، أي خبر شاع إلى درجة أنه أصبح يغلب على اليقين أنه وقع، الاستفاضة هي الشهرة، اشتهر بين الناس أن فلاناً زوج فلانة، اشتهر بين الناس أن فلاناً مات، هو ما رآه مات، وما رآه وهو يدفن وما قرأ نعوته، لكن خبر فلان هل تدرون؟ توفي فلان، شاع بين الناس، و استفاض بين الناس، و اشتهر بين الناس، قال: هذا أحد أسباب العلم، الشهادة فالشاهد، رأى، أو سمع، أو انتهى إلى علمه بالتوافر والاستفاضة والشهرة.
عند السادة الشافعية تصح الشهادة بالاستفاضة، في النسب والولادة، والموت والعتق، والولاء، والولاية، والوقف، والعزل والنكاح وتوابعه، والتعديل، والتجريح والوصية، والرشد، والسفر والملك، هذه الموضوعات التي أقرّ السادة الشافعية أنه يمكن للشاهد أن يستخدم النوع الثالث وهو الاستفاضة، أو الشهرة، في الإدلاء في شهادته.
أبو حنيفة قال: خمسة أشياء تصح فيها الاستفاضة، النكاح والدخول والنسب والموت وولاية القضاء.
لو فرضنا إنساناً كان في حرب، كان في الجبهة، وتناقل الجنود أن فلاناً استشهد هو ما رآه، هو ما رأى جثته، ولا رأى مقتله، لكن تناقل كل الجنود أن فلاناً الفلاني استشهد، فزوجته بعد حين، بعد سنوات، طلبت من القاضي أن يطلقها منه لعلة غيابه المديد، فالقاضي يحتاج إلى شاهد، فإذا استدعي هذا الشاهد، وقد كان جندياً في المعركة وقال له: وَاللَّهِ يا سيدي قد سمعت كل الناس، كل المحاربين، كل الجنود يقولون: فلان استشهد، إذاً هذه شهادة، شهادة بالاستفاضة، أي النكاح، النسب، الموت، العتق، الولاء، الوقف، الملك، الطلاق، أي هذه الموضوعات التي يمكن أن تكون محصورة في شهادة الاستفاضة، أو الشهرة، أو تناقل الأخبار.
حكم الشهادة :
على كل أيها الأخوة الكرام: هذا الموضوع مهم جداً، لأنه بالشهود تستخلص الحقوق، بالشهادة يعرف الحق من الباطل، بالشهادة يمكن أن نصل إلى الحكم الصحيح، فكل إنسان يسهم في إحقاق الحق له عند الله أجر كبير، لكن قد تفاجؤون أن حكم الشهادة كلكم يعلم في الفقه أن الأمور كلها بين خمسة أحكام في الأعم الأغلب، بين الإباحة وبين الفرضية، وبين التحريم، وبين أنها مندوبة، أو مكروهة، فرض، تحريم، مندوب، مكروه، إباحة.
الإباحة: يستوي دليل الإباحة، لا يوجد دليل لا في التحريم ولا في التحليل، إذاً الشيء مباح، والأصل في الأشياء الإباحة.
الفرضية: كل أحكامها قطعية الدلالة.
التحريم: أيضاً قطعي الدلالة.
المكروه: الكراهة نوعان تحريمية أقرب إلى الحرام، تنزيهية أقرب إلى الحلال.
المندوبية.
صار عندنا إباحة، مندوب، مكروه، فرض، تحريم، فأي شيء تفعله لابد من أن ينتظمه أحد هذه الأحكام.
حكم الإدلاء بالشهادة :
الإدلاء في الشهادة ما حكمه ؟ قد تفاجؤون أنه فرض عين، كيف أنك مأمور أن تصلي، كيف أنك مأمور أن تصوم رمضان، أن تحج البيت إذا كنت مستطيعاً، كيف أنك مأمور أن تكون صادقاً، مأمور أنت أيها المسلم أن تدلي بشهادتك، أما كلمة لا دخل لي، هذه ليست آية ولا حديثاً، هذه كلمة من الشيطان لا دخل لنا بهذه القصة، سلامتك يا رأسي، تنسحب بانتظام، هذه كلها كلمات الشيطان لأن الشيطان يهمه أن يكون هناك ظلم، يهمه ألا يظهر الحق، فإذا إنسان شاهد حادث مرور، الآن العقلاء جميعاً ينسحبون، يقول: لا دخل لي، غداً يأخذوني إلى المحكمة خمس مرات أو ست، أنت هل تعلم أنك إذا ذهبت إلى المحكمة وأدليت بشهادتك أنك عملت عملاً عظيماً؟؟ قد يكون السائق بريئاً، قد تكون سيارته واقفة، والضبط كتب أنه ينطلق بسرعة جنونية، طبعاً الضبط له ملابسات، الضبط أن السائق ينطلق بسرعة جنونية، والواقع أن السيارة كانت واقفة، والإنسان اصطدم بها، أليس في الأرض صاحب مروءة ينطلق للإدلاء بشهادته لإحقاق الحق؟ إذاً الإنسان الذي يظن أنه ذكي، في قضية ينسحب، ويتملص فهذا في الدنيا، أما عند الموت فلا يرتاح، أما المؤمن إذا رأى حادثاً، رأى منازعة، رأى خصومة زوجية، أحياناً يكون الزوج ظالماً جداً ومع ذلك يتواطأ مع الشهود ليقنعوا القاضي الشرعي أنها هي الظالمة، فإذا كانت عند القاضي ظالمة خسرت مهرها، أو صداقها، فإذا أنت على صلة مع الأسرة، وتعرف أن الزوج ظالم، وذهبت إلى القاضي وأدليت بشهادتك هذا عمل عظيم، أي ما من شعور يسحق النفس كالشعور بالظلم، شعور مؤلم جداً، فكل إنسان يدلي بشهادته يكون حقق العدالة، إذاً هي فرض عين، على من تحملها، متى دعي إليها وخيف من ضياع الحق، تحملت الشهادة؛ أي كنت شاهداً ودعيت إلى الإدلاء بهذه الشهادة فهي فرض عين، بل تجب إذا خيف من ضياعه و لو لم يدع إذا تحملتها ودعيت فالإدلاء بالشهادة فرض عين، أما إذا تحملتها ولم تدع، وانطلقت من ذاتك، مبادرة منك إلى الشهادة فهذه أيضاً واجب، فرض عين إذا دعيت، وواجب إذا لم تدع، الواجب أقصى درجة، العشاء فرض، والوتر واجب، عند بعض المذاهب الأحكام فرض وواجب، وسنة، أي مندوب، ومباح، ومكروه، ومحرم، هناك فرض وواجب، إذا تحملت الشهادة، ودعيت إلى أن تدلي بها فهذا فرض عين، أما إذا لم تدع، وذهبت إلى الإدلاء بها فهذا واجب، لقوله تعالى:
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾
قلبه آثم، أي بعيد عن الله عز وجل، وفي الحديث الصحيح:
((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ))
وفي أداء الشهادة نصر له، النبي عليه الصلاة والسلام يأمرك أن تنصر أخاك ظالماً، أو مظلوماً، مظلوماً أن تشهد معه، وظالماً أن تشهد ضده، إن شهدت ضده أوقفته عند حده.
ادعت امرأة على مستأجر بيت أنه فاسد أخلاقياً، وقد أخبرها المحامي أنه لا سبيل إلى إخلاء البيت إلا بهذه الطريقة، المستأجر محمي بالقانون، ومستأجر هذا البيت إنسان مستقيم، دخله محدود، ورفع الأجرة مرات عديدة، فلما عجز عن مجاراة طموح صاحبة البيت، استقر البيت على أجرة ثابتة، فسألت محامياً فقال لها: ليس لك إلا طريق واحد، أن تقيم عليه دعوى فساد أخلاقي، فلما القاضي طلب الشهود، جاءت صاحبت البيت بابنتها، وابنة المدعي لا تقبل شهادتها للمحاباة - سنرى بعد قليل – فقال: ائتني بشاهده أخرى أقنعت صاحبة البيت طالبة تسكن عندهم في البيت أن تدلي بالشهادة، وافقت هذه الطالبة بعد شهر، هم حين وافقت فرحوا فرحاً شديداً، وأكرموها، وأطعموها أطيب الطعام، وغسلوا لها الثياب، فلما جاء يوم المحاكمة قالت للقاضي: وَاللَّهِ ما علمت رجلاً أكثر ورع وإيمان من هذا الإنسان، ما أطلق بصره بالحرام ولا مرة واحدة، وما مكن نظره مني وأنا أسير، لماذا فاجأت هؤلاء؟ لأنها ذكية جداً، لو أنها رفضت لبحثوا عن شاهدة زور، أما حينما أقنعتهم أنها تشهد، إنها تدخر شهادتها الحقيقية، فهذه الشهادة أسقطت الدعوى، وشطبت، أحياناً الشاهد له موقف حازم.
(( أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا ))
وجوب الشهادة على من قدر على الإدلاء بها دون ضرر :
إلا أنها تجب الشهادة على من قدر على الإدلاء بها بلا ضرر يلحقه، في بدنه أو عرضه، أو ماله، أو أهله، لقول الله عز وجل:
﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾
لو فرضنا إنساناً خدمته إلزامية، ولا يوجد إجازة، نقول له: اهرب وادخل السجن ستة عشر يوماً؟ هذا.
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) ﴾
إذا طلب إجازة وأعطاه رئيسه إجازة لابأس، إذا لم يعطه إجازة، كان هناك استنفار شديد، جاهزية عظمى، عليا، ما تكلف، إذاً الإنسان متى قدر على أدائها وجبت عليه، أحياناً يلحق الشاهد الضرر، شاهد عامل يومي فإذا غاب عن عمله يوماً بقي بلا دخل بمثل هذه الحالة يجب أن نعوض على الشاهد مقدار الضرر، أجرة يوم، هذا يسمونه إذن سفر بالنظام العام، لو جئنا بشاهد من حلب إلى الشام يمنح إذن سفر، تعويض يوم نظير الانتقال والطعام والمبيت، أي " ولا يضار كاتب ولا شهيد "، أحياناً الناس لا يوجد فيهم ذوق، يأتي بالشاهد من مكان بعيد وينتظر دوره الطويل، وحينما ينتهي يقولون له: شكراً فضلت، هذا عطل وقته، وعطل عمله، وعطل إمكاناته، فإذا عوضت عليه بعض الضرر فهذا من قبيل الإحسان، في حالة واحدة تنقلب الشهادة من واجب إلى مندوب إذا كثر الشهود ولم نخف ضياع الحق، مئة إنسان شاهدوا الحادثة، صار الحكم الآن مندوباً، أي لك أن تشهد، وإذا حل محلك إنسان فأنت معفى من الشهادة.
إذا تخلف إنسان عن الإدلاء بالشهادة، وكان معه عشرات من الشهود عندئذ التخلف لا يدخله في الإثم، صار معذوراً.
صفات صاحب الشهادة :
1 ـ الإسلام :
الآن أي إنسان يشهد؟ لابد من أن يكون الشاهد مسلماً، فلا تجوز شهادة الكافر على المسلم، لأن الكافر كذاب، وله مصلحة في إحقاق الباطل، وإزهاق الحق، الكافر حينما كفر بالله عز وجل، ليس بعد الكفر ذنب، الأخلاق وحدة، هذا الذي كفر بربه أيكون وفياً للحقيقة؟ لا، هذا الذي أنكر وجود خالقه، هذا الذي قابل نعم الله بالكفران، بالمعاصي والآثام، هذا الموقف الجاحد، أيعقل أن يخرج منه موقف وفي؟ لا، الوفاء كتلة، أقول لكم بصراحة كلمة: القيم لا تتجزأ، إنسان أمين مالياً أما على أعراض الناس ليس أميناً، فهذا خائن، لأن الأمانة واحدة، الأمانة وحدة لا تتجزأ، فإذا كان فلان أميناً على أموال الناس، ليس أميناً على أعراضهم، فأمانته على أموال الناس أمانة تمثيلية، الخيانة واحدة والأمانة واحدة، من كان أميناً على أموال الناس، فهو على أعراضهم أشد أمانة، ومن كان على أعراضهم أميناً فهو على أموالهم أشد أمانة، والأمانة وحدة لا تتجزأ أبداً، فلذلك الكافر ما دام قد خان الحقيقة العظمى، ما دام رد على خلقه ونعم الله عليه بالكفر، والجحود، والمعصية، والانحراف، هذا خان الحقيقة العظمى، فكيف يؤتمن على حقيقة جزئية؟ يغير ويبدل، لذلك الله عز وجل قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
أنا بالنسبة لي، أقيس عقل الإنسان من سرعة تصديقه، هذا الذي يتسرع فيصدق الخبر من دون تمحيص، من دون بحث، من دون دليل، هي الغوغاء، يقول لك: غوغائية، الآن عامة الناس كلمة تأخذهم وكلمة تسترجعهم، هذا الخط العريض، أما الخلاصة، النخبة، الخواص، فهؤلاء راسخون كالجبل، أي خبر يصدقه يكون أحمق، أي مقالة قرأها إذاً صحيحة، أربعة أخماس الصحافة كلها كذب أحياناً، أحياناً تجد خبراً هدفه الطعن بالدين، اكتشفوا مثلاً مستحاثة تثبت أن الإنسان أصله قرد، انتهى الأمر، مقالة قرأها وانتهى الأمر، القضية أعمق من ذلك، فكل إنسان يتسرع بقبول الأشياء، دليل عدم نضجه، وكل إنسان يتروى، يتثبت أحياناً هناك قصص مثيرة جداً، العوام تناقلوها وانتهى الأمر أما الخواص فيمحصونها، ويدرسونها، ويطلبون الدليل، أنت سمعتها بأذنك؟ لا و الله، رفيقي سمع الخبر، أنت الخبر متى سمعته، لما ضيقت عليه يقول لك سمع رفيقي هذا الخبر، تسأله: متى اجتمعت به؟ و الله منذ شهر، القصة من يومين، إذاً صار هناك تناقض، انتهى، فالقصة ليس لها أصل، والعوام يتناقلون أكثر القصص الكاذبة، فكل إنسان يتلقى معلوماته من عامة الناس، هذا إنسان من الدرجة الخامسة، أما المؤمن فكيس فطن حذر، لا يصدق بسرعة، يطلب الدليل.
اسمعوا هذه القاعدة المنهجية ما أجملها: إن كنت ناقلاً فالصحة، مدعياً فالدليل، نقل لك إنسان خبراً، تأكد من صحة الخبر، تأكد من الناقل، قد يكون أحد الرواة كاذباً، قد يكون أحد الرواة مغرضاً، قد يكون أحد الرواة مطعون بأخلاقه، مطعون بعدالته، مطعون بضبطه، إذاً علم الحديث رائع جداً يعلمك الخبر الصحيح، من هو المثقف ثقافة عالية؟ من هم خاصة المجتمع؟ هؤلاء الذين عندهم منهج دقيق جداً في القبول والرفض، لا يقبل إلا بالدليل، ولا يرفض إلا بالدليل، أحياناً تجد مشاكل الزوجات والزواج، تحكي لأبيها كلمتين تكون ذكية جداً، تعرف من أين يجرح والدها، والأب طائش أيضاً، وغوغائي، رأساً يأتي بها، أبداً تعرف مستواك العلمي، والثقافي، والاجتماعي من سرعة التصديق، لا تصدق كل ما يقال لك، طبعاً هذه بالعلاقات الزوجية، مرة امرأة عادية ليس لها مشكلة إطلاقاً، لكنها غير فقيهة وقفت على باب بائع ألانت له القول، من دون أن يكون عندها نية سيئة، هو طمع بها وعرف بيتها فجاءها في ضحوة النهار، فتحت له الباب فاقتحم البيت وهي في أتم ثيابها، طلبت من ابنها أن يبلغ والده، في بيتنا رجل، فذهب الطفل ليخبر أباه، فعاد ورأى رجلاً في البيت أغلق الباب واتصل بالشرطة، وجاء وألقى القبض على الشخص، واتهم زوجته بالزنا، و طلقها فوراً، له منها أولاد، بعد حين تأكد أنها بريئة هي التي أخبرت، طبعاً هي أذنبت لأنه:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾
المرأة المؤمنة لا يمكن أن تلين بالقول للبائع، كلام في منتهى الجدية، الشراء يحتاج إلى جدية، على كل بعد سنة ندم أشد الندم لأنه تسرع، لماذا أرسلت ابنك إليك ؟ معناها هي طلبت، رأيتها في كامل ثيابها، اسمع القصة، التسرع أحد صفات ضعاف العقول، الطبقة الدنيا في المجتمع، الغوغائية، هي بسرعة تقبل الخبر، لا تصدق، تحقق، تريث، اطلب الدليل، اطلب الشهود، إن كنت ناقلاً فالصحة، مدعياً فالدليل، برمج عقلك على الأدلة، برمج عقلك على الشهود، برمج عقلك على تقصي الحقائق الصحيحة، فالإسلام، لا تجوز شهادة كافر على مسلم، إلا في حالات نادرة، إذا الإنسان المسلم في سفر حضرته الوفاة وأراد أن يوصي ولم يجد إلا كافراً ممكن، إنسان مقيم ببلد أجنبي، وحضرته الوفاة، كان مسافراً بمهمة شعر بدنو أجله، و له ببلده مشكلات، أحضر جاره النصراني وقال له: اشهد أن البيت الفلاني لفلان، الوضع ممكن، وهو مسافر إذا حضرته الوفاة ولم يجد مسلماً يمكن أن يشهد ذمياً أو من أهل الكتاب على وصيته.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا
﴿مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ ﴾
الأحناف أجازوا شهادة الكفار بعضهم على بعض، لأن ملة الكفر واحدة، النبي عليه الصلاة والسلام رجم يهوديين بشهادة اليهود عليهما بالزنا، واردة.
2 ـ العدالة :
الصفة الثانية: العدالة، نحن قلنا سابقاً: عندنا صفتان أساسيتان بالمؤمن، العدالة والضبط. العدالة: صفة أخلاقية. الضبط: صفة عقلية. أحياناً إنسان طيب لكنه ينسى كثيراً، وهناك إنسان آخر خبيث يحب أن يغير الحقيقة، فالعدالة صفة أخلاقية والضبط صفة عقلية، الشاهد يجب أن يتصف بالعدالة، قال: هي صفة زائدة عن الإسلام يجب توافرها بالشهود، من هو العدل؟ قال: الذي يغلب خيره شره أي في الأعم الأغلب سمعته طيبة، لا يتكلم أحد عنه أنه أكل مالاً حراماً، ولا اعتدى، ولا عمل عملاً مشيناً، من غلب عليه الصلاح والتعفف، تعريف العدالة، من غلب عليه الصلاح، معصوم؟ لا ليس معصوماً، العصمة للأنبياء، النبي معصوم، والولي محفوظ، معنى معصوم أنه لا يمكن أن نجد خطأ في أقواله، وفي أفعاله، وفي أحواله، مستحيل، من؟ النبي، أما الولي فمحفوظ بمعنى أنه لو زلت قدمه قليلاً عاد إلى الله وتاب، أي تعامله مع الله أنه يفهم على الإشارة، يفهم فهماً سريعاً، الآن المؤمن كلما ارتقى إيمانه يفهم على ربه، أحياناً يحس بنفسه محجوباً بالصلاة، هناك تقصير، وهضم حقوق، وإساءة، قلت لكم مرة: إنسان سمع من أستاذه أن لكل سيئة عقاباً، غلط غلطة، فحسب توجيه أستاذه عنده مشكلة، انتظر لم يحدث معه شيء اليوم، جاء إلى البيت الوضع سليم، خرج من البيت الوضع سليم، هو ينتظر الضربة من الله، مضى يومان ثلاثة، أسبوع، بالمناجاة قال: يا ربي عصيتك ولم تعاقبني؟ قال وقع في قلبه أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي؟ ألا تكفيك هذه؟ إذا كان هناك طفل حساس، أي إذا أدار والده وجهه عنه غلى غلياناً إذا عنده حساسية، وإنسان يحتاج إلى عصي حتى يفهم، العبد يقرع بالعصا، والحر تكفيه الإشارة، كلما ارتقى مستواك تفهم بسرعة، هذه بين بعض الناس، أما مع الله عز وجل فكلما ارتقى مستواك تفهم على الله بسرعة، القضية معسرة لماذا تعسرت؟ لأن الله لا يريدها، وجدت نفسك في الصلاة في حجاب إذاً أنت متلبس بمعصية، لذلك من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، الله عز وجل قال:
﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
يجب أن يكون الشاهد عدلاً، أي معروف بالصلاح والتستر، أي لو فرضنا غلط، لا يحب أن يتكلم عن غلطه، يستحي، لو فرضنا أنه لم يصلِّ الصبح حاضر، يقول: أنا لم أستيقظ اليوم على الصلاة، يستر نفسه، التستر علامة الصلاح، من غلب عليه الصلاح والتستر هذه دليل العدالة .
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ ﴾
هذه الآية أساسية بالموضوع، إذاً ليس عدلاً، إذاً خبره ليس صحيحاً، شهادته ليست مقبولة، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زانٍ ولا زانية"، فلا تقبل شهادة الفاسق، ولا من اشتهر بالكذب، أو بسوء الحال وفساد الأخلاق، هذا في المختار في معنى العدالة، فاسق، فاسقة، زانٍ، زانية، خائن، خائنة، من اشتهر بالكذب هذه الشهادات كلها مرفوضة، هذه العدالة، الصلاح بالدين، هذا الصلاح بالدين أن يؤدي الفرائض، والنوافل، أن يجتنب المحرمات، والمكروهات، ألا يرتكب الكبائر، وألا يصر على الصغائر، وأن يؤدي الفرائض، والنوافل، وأن يجتنب المحرمات والمكروهات، وألا يرتكب كبيرة، وألا يصر على صغيرة، كلام واضح مثل الشمس، هذا إنسان دين أدى الفرائض، والواجبات و المندوبات، وترك المحرمات، والمكروهات، وما ارتكب كبائر وما أصر على الصغائر، هذا الدين، أما المروءة فأن يفعل الإنسان ما يزينه بين الناس، وأن يجتنب ما يشينه، هذا معنى قول النبي: "من جاءكم من ترضون دينه وخلقه".
جاء رجل و خطب ابنة أحدهم، فسأله الأب: هل عندك بيت؟ قال له: طبعاً، قال : أرني ورقة الطابو، قال له: عندك محل؟ قال له: طبعاً ، فقال: أرني ورقة الطابو، قال له: هذه ورقة الطابو، قال له: أنت شريك أم صانع؟ قال له: إني شريك، ارني عقد الشراكة، تفضل هذا عقد الشراكة، عندك سيارة ؟ نعم عندي، وَاللَّه شي جميل، وافق الأب وصار هذا الرجل خطيب ابنته، وبعد لم يعقد القران، دخل إلى المحل مرة، قال الأب لأصدقائه: فلان خطيب ابنتي، نظر إليه واحد، وقال له: هذا نصراني؟ فسأله: هل أنت نصراني فعلاً ؟ قال له: لم تسألني عن ديني، أنت سألتني عن بيتي، عندي بيت، وعلى سيارتي، وعلى محلي، عن ديني لم تسألني، والآن أكثر الناس المهم أن يكون عنده بيت، ومعمل، وسيارة ، وانتهى، فاسق، فاجر، زان، شارب خمر مثل بعضها، بعد ذلك يدفعوا الثمن، يقرأ القرآن ويقول: صدق الله العظيم الله، قال:
﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
فإذا أنت اخترت إنساناً مشركاً، أو فاسقاً، أو فاجراً، على إنسان مؤمن معنى هذا أنت ما صدقت الله عز وجل.
حكم شهادة الفاسق إذا تاب :
هناك سؤال الآن، هل تقبل شهادة الفاسق إذا تاب؟ اتفق الفقهاء على شهادة الفاسق إذا تاب، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولي في هذا الموضوع تعليق لطيف؛ أحياناً الإنسان يكون له ماض، ويتوب منه، الآن صالح، الآن مستقيم، الآن طاهر، الآن منيب، الآن تائب، لا يوجد عمل أكثر كراهية لله عز وجل وإجرام من أن تذكر الإنسان بماضيه، أن تنبش الماضي، أنت لم تكن جيداً، الشيطان يتكلم، صار جيداً الآن وتاب، ورجع إلى الله عز وجل، وصلى، وصام، وحجب زوجته، وترك الملهيات، وحرر دخله، هل يجب أن تذكره بماضيه؟ هل تنبش له الماضي؟ سيدنا عمر رَضِي اللَّه عَنْه سأل رجله له أخت زنت وأقيم عليها الحد، ومضى عليها عهد طويل وتابت من ذنبها، وجاءها خاطب فهذا الأخ احتار من باب الورع أيذكر للخاطب ماضيها؟ فسأل سيدنا عمر، سيدنا عمر غلى كالمرجل، قال له: وَاللَّهِ لو أخبرته لقتلتك، هي تابت، سيدنا يوسف- انظر إلى كمال الأنبياء- عندما التقى بإخوته قال:
﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾
أيهما أشد خطراً الجب أم السجن؟ الإنسان في السجن مضمونة حياته، ومضمون طعامه، وشرابه، لكن محجوزة حريته، أما بالجب فالموت محقق، لماذا أغفل الجب وذكر السجن؟ لئلا يذكر أخوته بجريمتهم، منتهى الأدب، ذكر السجن وأغفل الجب قال: وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ، ما عمل نفسه مبرأ وأخوته مجرمين، قال: نحن الاثنان اختلفنا، ودخل بيننا الشيطان، هو نبي، هو إنسان طاهر، ما عمل شيئاً إطلاقاً، هم افتروا عليه، وماذا قال؟ قال العكس:
﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾
هذا اللطف، وهذا الكمال، إنسان تعرفه ما كان مستقيماً، الآن استقام، شجعه، اثن عليه، طيب له نفسه، رحب فيه ترحيباً زائداً، الآن إذا الإنسان كان له ماض وتاب إلى الله عز وجل، وجد المؤمنين رحبوا به، اهتموا به، أعانوه على الشيطان، أما إذا ذكروه بماضيه، الآن أنت أصبحت جدياً نحن لا نعرفك هكذا.
مرة قرأت خبراً، إنسانة تعمل في الفن وتابت إلى الله وتحجبت حجاباً تاماً، حتى وجهها، أي وضعت نقاباً، وانتهت من كل هذه الأعمال، مديرة برامج بالرائي كل أسبوع تظهر لها فيلم من أفلامها هي محجبة، وتلك نكاية بالحق، وإحراج لها، كل إنسان ينبش ماضي الأشخاص، من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته، حتى يفضحه في عقر داره، فمن تاب علينا أن نعينه على التوبة، ترك هذا الأمر أعنه على تركه، ترك هذا السلوك أعنه على تركه، اثن عليه، انفتح عليه، عاونه، وإلا يكون عملنا كعمل الشيطان، لذلك تقبل شهادة الفاسق إذا تاب، إلا في حالة واحدة، إلا إذا كان فسقه بسبب القذف، أي اتهم امرأة بريئة بالزنا، قال: القذف له حكم شرعي.
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
إذاً كم هي المرأة غالية على الله سبحانه وتعالى؟ امرأة بريئة تتهم في عفتها وفي شرفها، الذي اتهمها لا تقبل شهادته أبداً، أي فقد حقه المدني، فقد اعتباره الاجتماعي، لذلك في قول: قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة، قبل أن تنهش في أعراض الناس، قبل أن تتهم الفتيات البريئات، الطاهرات، العفيفات، من دون تحقق، من دون دليل، عليك أن تنتبه.
يروى قصة لا أعرف مدى صحتها مؤثرة جداً مغسلة في عهد الإمام مالك، إمام دار الهجرة، كانت تغسل امرأة فالتصقت يدها بجلد الميتة، قصة لها مغزى، الله أعلم بصحتها، لكنها مؤثرة جداً، قطعة واحدة يد المغسلة مع جسد الميتة، بذلت محاولات بعد ذلك صرخت ماذا نفعل؟ أنقطع جزءاً من لحم الميتة أم نقطع يد المغسلة؟ لا يوجد حل فاستفتوا الإمام مالك، فقال: هذه المغسلة أغلب الظن اتهمتها بالزنا وهي على مغتسل الموت فاجلدوها ثمانين جلدة ومع الجلدة الثمانين فكت يدها. لذلك هناك غيبة القلب، لو بقيت ساكتاً و اتهمت إنساناً وهو بريء بقلبك، افتحوا كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي هناك باب اسمه غيبة القلب، لم تتكلم بأي كلمة، لكن تتهم الآخرين اتهامات باطلة، فهذه المرأة المغسلة ما نزعت يدها من جسد الميتة إلا بعد أن جلدت ثمانين جلدة، وهذا حد القذف، لذلك: قذف محصنة يهدم عمل ثمانين سنة.
شروط أخرى للشاهد :
بقي من شروط الشاهد المسلم البلوغ، والعقل، والكلام، والحفظ، والضبط، ونفي التهمة، وبعدها ننتقل إلى حد الشهادة، هناك موضوعات تحتاج إلى أربعة شهود، موضوعات إلى ثلاثة، موضوعات إلى اثنين حصراً، موضوعات لرجل وامرأتين، موضوعات امرأة واحدة تكفي، موضوع رقيق جداً، ودقيق جداً، وما منا واحد إلا وهو في أمس الحاجة لهذا الموضوع، لأن الحياة كلها مشكلات، علاقات مالية، علاقات أسرية، صدام، حوادث سير، فأنت شاهد ويجب أن تفقه وأن تعرف هذا الموضوع معرفة دقيقة إن شاء الله في الدرس القادم نتابع هذا الموضوع، ربما استغرق إتمام الموضوع درساً آخر وبعدها ننتقل إلى اليمين.
أرأيتم أيها الأخوة كيف أن هذه الموضوعات من ألصق الموضوعات في حياة المؤمن، وينبغي أن نعرفها جميعاً، لأن هذا الفقه، إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين، وبصره بعيوب نفسه، والفقه في الدين أن تعرف ماذا ينبغي أن تفعل؟ ماذا ينبغي، وفي القدر الذي ينبغي، وفي الوقت الذي ينبغي، وهذه الحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.