وضع داكن
27-12-2024
Logo
الشمائل المحمدية إصدار 2010 - الدرس : 04 - نظافة النبي عليه الصلاة والسلام، آلية مواجهة البرد و الحر عند الإنسان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

النظافة من الإيمان:

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الرابع من دروس الشمائل النبوية، ومع الموضوع الأول وهو: نظافته صلى الله عليه وسلم، في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه قال:

((مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))

[متفق عليه عن أنس رضي الله عنه]

النظافة من الإيمان
هذا يؤكد أن النظافة من الإيمان، وأن المؤمن نظيف، وأن النظافة لها معان واسعة جداً، قد تبدأ بنظافة الثوب، ونظافة الجسم، ونظافة المكان، ونظافة البيت، ونظافة الدكان، وقد تنتهي بنظافة النفس، ونظافة الفكر، ونظافة الأهداف، هناك أهداف نظيفة، وهناك أهداف قذرة، هناك سلوك قذر هناك سلوك نظيف، فالنظافة معنى واسع جداً قد يضيق المعنى، فتتجه إلى المادة، بيت نظيف، ثوب نظيف، جسم نظيف، وقد يتوسع المعنى فتشمل الفكر، والنفس، والأهداف، والوسائل، المؤمن مثلاً أهدافه نظيفة، معلنة، واضحة، صارخة، لا يوجد عنده شيء معلن وشيء غير معلن، تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا ضال، أهدافه نظيفة، نشر هذا الدين بلا تآمر، بلا مكر، بلا خداع.
صدقوا ولا أبالغ، المؤمن مرتبة عالية جداً، الإيمان مرتبة أخلاقية، لا يوجد مؤمن يغش، يحتال، يمكر، له موقف معلن وموقف مبطن، له ظاهر وله باطن، له خلوة وله جلوة، أبداً، المؤمن واضح، تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا ضال.
هذا هو الإيمان، الإيمان وضوح، أهداف واضحة، وسائل واضحة، لا يوجد عنده شيء يستحي به، لا يوجد عنده شيء يعتذر منه، ورد في بعض الأحاديث:

 

(( إياك وما يعتذر منه ))

 

[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عمر ]

فهذا الإيمان نظيف جداً.

 

الإيمان مرتبة علمية وأخلاقية و جمالية:

على كلٍّ ولنبدأ بنظافة الظاهر:

((مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))

[متفق عليه عن أنس رضي الله عنه]

الإيمان مرتبة علمية وأخلاقية وجمالية
أنا حينما أقول نظافة لا أقصد أن يكون الثوب غالياً أبداً، الثوب الغالي من الأغنياء، أما الثوب النظيف فمن المؤمنين، قد يكون القماش عادياً جداً وأقل من عادي، قد تكون الثياب متواضعة جداً لكنها نظيفة، أي يمكن أن نضيف إلى النظافة الذوق، هناك تناسب ألوان، قد تكون الثياب رخيصة جداً لكن ألوانها متناسبة، فالمؤمن له ذوق، الإيمان مرتبة غالية جداً، مرتبة علمية، مرتبة أخلاقية، ومرتبة جمالية، أذواق المؤمن عالية.
أيها الأخوة،

 

((عن أبي قرصافة قال: ذهبت أنا وأمي وخالتي فأسلمن، وبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصافحنه، فلما بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعن من عنده منصرفين قالت لي أمي وخالتي: يا بني ما رأيت مثل هذا الرجل، ولا أحسن وجهاً منه، ولا أنقى ثوباً، ولا ألين كلاماً، ورأين كأن النور يخرج من فمه ))

 

[ من كنز العمال عن قرصافة ]

أنا أقول لكم كلاماً دقيقاً، ما الذي يمنع أن نعتني كثيراً بمظهرنا؟ أي ثياب نظيفة، كان النبي عليه الصلاة والسلام له ثياب يلبسها في الجمع والأعياد، ومكانة المؤمن تقتضي ذلك، كان له ثياب يلبسها في الجمع والأعياد، أنت مؤمن، أنت سفير هذا الدين، أي إذا أضفت إلى الثياب النظيفة تناسق الألوان فهذا شيء جميل جداً، نكون جمعنا بين الذوق والنظافة، فهو أنظف خلق الله بدناً، وأنقاهم ثوباً، وكان صلى الله عليه وسلَّم يستاك حين خروجه من منزله، وحين دخوله.

 

دراسة سيرة النبي الكريم من أجل أن يكون مظهرنا راقياً:

أيها الأخوة، نحن في شمائله صلى الله عليه وسلم، والشمائل دراسة سيرة النبي على شكل موضوعات لا على شكل تسلسل تاريخي، هناك سيرة وهناك شمائل، السيرة دراسة حياته بالتسلسل التاريخي هذا شأن السيرة، أما شأن الشمائل فدراسة حياة النبي عليه الصلاة والسلام على شكل موضوعات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلَّم:

((إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ))

[الترمذي عن سعدٍ رضي الله عنه ]

الذوق والجمال لا علاقة لهما بغلاء الأثمان
والله أذكر مرة دخلت إلى بيت في ريف دمشق، البيت متواضع جداً من اللبن، بناء قديم، والله ما وقعت عيني على بيت أنظف منه، ولا أجمل، شيء بسيط جداً لكنه نظيف، مثلاً في ساحة الدار نباتات زينة، علب سمنة لكنها طليت باللون الأخضر وجميعها بقياس واحد، فيها أنواع النباتات، لفت نظري أنه بيت فقير جداً، متواضع جداً، لكنه جميل جداً جداً، ما الذي يمنع أن يكون بيتك جميلا؟ً ومحلك التجاري جميلاً؟ وثيابك نظيفة؟ هذه قضية لها قوة جذب، كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام يجذب، وأنت كمؤمن هو قدوتك، هذه سيرته من أجل ماذا؟ من أجل أن يكون مظهرنا راقياً:

(( أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامة بين الناس ))

[ أحمد عن سهل بن الحنظلية]

مرة ثانية: أنا حينما أتحدث عن نظافته لا أقصد الثوب الغالي إطلاقاً، هذا كلام لكل مؤمن مهما يكن فقيراً، لكن بإمكانك أن تضيف إلى رخص الثوب اللون المناسب، لا يوجد مانع إن نميت أذواقك، أحياناً ترى لونين متنافرين جداً، أحياناً تجد ثياباً إسلامية وهناك شيء ثان منها غير إسلامي، ثياب مدنية ومعها قبعة، لا يوجد تناسق، إما أن يكون مظهرك مدنياً أو مظهرك إسلامياً، ينبغي ألا تجمع بينهما، الجمع بينهما يثير تساؤلاً.

الله عز وجل وتر يحب الوتر:

حديث آخر أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

((استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا ؛ فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر))

[الجامع الصغيرعن سليمان بن صرد]

معنى أوتروا، أي اغسل يديك ثلاث مرَّات، اغسل الإناء ثلاث مرات، أول مرة اغسله دلكاً، والمرة الثانية صبّ الماء عليه ليذهب ما عليه، والمرة الثالثة للتأكد من نظافة الإناء، فقال:

((استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا ؛ فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر))

[الجامع الصغيرعن سليمان بن صرد]

معنى أوتروا أي ثلاث مرات، الوتر واحد وثلاثة وخمسة، فالنبي كان بالوضوء يغسل ثلاث مرات فأخذ عنه ذلك:

((استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا ؛ فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر))

[الجامع الصغيرعن سليمان بن صرد]

لو وسعنا مفهوم النظافة إلى نظافة السلوك، احتيال لا يوجد، مكر لا يوجد، دجل لا يوجد، مؤامرة لا يوجد، المؤمن واضح.

 

المؤمن إنسان واضح و هدفه نظيف:

الآن دخلنا بالمعنى الواسع، هذا المعنى أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام فقال:

((قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ))

[ ابن ماجه عن العرباض ]

المسلم واضح، صدقاً أيها الأخوة، المسلم واضح جداً ومع الأسف الشديد الكافر واضح، من هو الخَطِر؟ المنافق له مظهر ديني وهو مع الكفار:

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ*اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآيات: 14-15]

فالمؤمن واضح وأنا بشكل أو بآخر أحترم الإنسان الواضح، ولو كان على غير الإيمان، لكن لا تقلدوه، لا تتأسوا به، والله عز وجل وصف المؤمنين بسطرين، بأول البقرة، والكفار بسطرين، والمنافقون جاء وصفهم في ثلاث عشرة آية، حتى إن هناك حديثاً دقيقاً يقول هذا الحديث الشريف:

((لن يدخل الجنة إلا كل نظيف))

[ من الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

المؤمن إنسانٌ واضح وهدفه نظيف
إنسان تزوج امرأة العقد على التأبيد، أما هو مقيم في بلد يتزوجها، وأوهمها أن العقد على التأبيد فإذا انتهت دراستي من هذا البلد أطلقها، هذا زواج غير نظيف، هذا الزواج فيه غش، سنتوسع قليلاً في النظافة، هناك هدف نظيف أنت حينما تعقد قرانك على امرأة على التأبيد، هذا زواج نظيف، قد تضطر إلى تطليقها بعد ساعة أو بعد سنة، لا يجد مانع هذا موضوع ثانٍ، أما أنت حينما عقدت العقد عليها، الهدف زواج إسلامي على التأبيد، قد يظهر منها شيء يقتضي ألا تبقى معك، هذا موضوع ثان، أما إنسان مخادع يوهمها أن الزواج على التأبيد وفي نيته أن يكون مؤقتاً، هذا الزواج غير نظيف، أحياناً تشارك إنساناً والشراكة على التأبيد لكن في نيتك حينما تتقن خبرته أن تصرفه بطريقة أو بأخرى، تضايقه حتى تفصم هذه الشركة، هذه شركة غير نظيفة بنيت على الخداع.
صدقوا ولا أبالغ الآن تستخدم هذه الكلمة بتوسع كبير، يقول لك: إنسان نظيف، دعك من ثيابه، ومن جسمه، ومن بيته، ومن دكانه، إنسان نظيف أهدافه واضحة، لا يغش، لا يحتال، لا يوجد عنده شيء معلن وشيء مبطن، نظيف، هدفه نظيف، دعوته إلى الله تعليم، أو معالجة، أما هناك وسائل لا تعد ولا تحصى، لذلك الحديث:

 

((لن يدخل الجنة إلا كل نظيف))

 

[ من الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

نحن مع هذا الحديث نضطر إلى أن نوسع معنى النظافة، أهدافه نظيفة، علاقاته نظيفة، لا يوجد عنده علاقات معلنة وعلاقة مبطنة، لا يوجد عنده زواج بنية التوقيت، زواجه على التأبيد، لا يوجد عنده شراكة بنية أخذ الخبرة أولاً وفصل الشريك ثانياً، هذه شراكة غير نظيفة.

 

غسل يوم الجمعة واجبٌ على كل مسلم:

والآن لو عدنا مرة ثانية إلى النظافة بالمعنى المادي، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ))

[النسائي والإمام أحمد عن جابرٍ رضي الله عنه]

غسل يوم الجمعة واجبٌ على كل مسلم
أي أن تغتسل يوم الجمعة هذا من الدين، هذا يقتضيه إيمانك، والأفضل قبل صلاة الجمعة، تأتي إلى المسجد نظيفاً، والله مرة أخ كريم تألمت منه ألماً لا حدود له، قال لي: صليت وراء إنسان في المسجد يغلب على ظني أن جواربه منذ سنة لم يغسلها، ويصدر منها رائحة لا تحتمل، قال لي: والله تركت المسجد كله، أنا تألمت ألماً شديداً، فالإنسان قبل أن يأتي إلى المسجد يجب أن يغتسل، أن يغسل جواربه، أن يتعطر، هذا المسجد بيت الله.
إنّ بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوّارها هم عمّارها، فطُوبى لِعَبْد تطهّر في بيته ثمّ زارني، وحُقّ على المزور أن يُكْرم الزائر، إذاً غسل يوم الجمعة هذا واجبٌ على كل مسلم، ويوم العيد.
أنا سمعت مرة عن أسرة أعجبني وضعها كثيراً، تنجز كل أعمال الأسبوع يوم الخميس والجمعة، البيت نظيف، الثياب نظيفة، كل أفراد الأسرة قد اغتسلوا قبل يوم الجمعة، هذا يوم الجمعة يوم عيد، يوم لقاء ودي، يوم زيارة، يوم حضور درس علم، وأتمنى والله عليكم هناك أشخاص الأعمال الصعبة المتعبة يوم الجمعة، افعل هذا بيوم آخر، والآن بفضل الله عندنا يومان عطلة في الأسبوع، السبت والجمعة، أنت اجعل هذا اليوم يوم عيد، الأمور كلها واضحة، لقاء ودي، صلاة جمعة، نظافة، وما شاكل ذلك.

 

على الإنسان تنفيذ وصايا النبي صلى الله عليه وسلَّم في النظافة:

 

أيها الأخوة الكرام، منظَّمة الصحَّة العالميَّة في بعض تقاريرها تقرير يؤكد أن هناك ثلاثمئة مليون إنسان في الأرض مصابون بأمراض أسبابها القذارة، والشيء اللطيف والجيد أن هذه الأمراض أقلها نسباً في العالم الإسلامي، بسبب غسل يوم الجمعة، والوضوء، والطهارة، والخِتان، وبسبب تنفيذ وصايا النبي صلى الله عليه وسلَّم، لذلك:

((عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ))

[مسلم عن عائشة رضي الله عنها ]

والبراجم مكان اتصال الظفر باللحم، أحياناً يتوضع في هذا المكان الضيق والحرج بعض القذر بعد دخول الخلاء، يقول بعض العلماء: لو أن إنساناً مصاباً بالتهاب كبد إنتاني، ودخل إلى الخلاء ولم ينظف براجمه جيداً، قد يصاب ثلاثمئة إنسان يرتاد هذا المطعم بمرض التهاب الكبد الوبائي القاتل، وهذا كلام خطير.
لذلك قص الشارب، السواك، استنشاق الماء، قص الأظافر، غسل البراجم، نتف الإبط، حلق العانة، وفي حديث آخر:

((قصوا أظافركم، وادفنوا قلاماتكم ـ القلامة الظفر المقصوص ـ ونقوا براجمكم، ونظفوا لثاتكم من الطعام، واستاكوا، ولا تدخلوا علي قحراً ـ بأسنان صفراء ـ بخرا ـ رائحة فم كريهةـ ))

[الترمذي عن عبد الله بن بسر ]

الوضوء وضوءان: وضوء الطعام ووضوء الصلاة:

وروى الترمذي عن سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:

((بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ))

[الترمذي عن عن سلمان رضي الله عنه ]

بركة الطعام غسل اليدين قبله وبعده
وضوء الطعام أن تغسل يديك وفمك، كنت بالطريق مسكت شيئاً غير نظيف، صافحت إنساناً يده غير نظيفة، خلعت حذاءك، هذه اليد مسكت أشياء قد تكون غير نظيفة:

 

((بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ))

 

[الترمذي عن سلمان رضي الله عنه ]

أي غسل اليدين والفم قبل الطعام، وغسل اليدين والفم بعد الطعام، لكن الوضوء الذي هنا ليس وضوء الصلاة، هنا الوضوء وضوء الطعام، أما:

((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ، فَقَالُوا: أَلَا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ، قَالَ: إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ))

[الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ]

صار هناك وضوءين؛ وضوء الطعام ووضوء الصلاة، وفي حديث آخر:

((من كرامة المؤمن على الله تعالى نقاء ثوبه، ورضاه باليسير))

[الطبراني في الكبير عن ابن عمر]

من رأى إنساناً مبتلى فلا يحقّرنه:

وروى أبو نعيمٍ عن جابرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلَّم رأى رجلاً وسخة ثيابه، فقال:

((أما وجد هذا شيئاً ينقي به ثيابه ؟))

[ من كشف الخفاء عن جابر ]

هناك قصة ترويها الكتب، أحد العارفين بالله ـ مالك بن دينار ـ كان يمشي في الطريق، فرأى إنساناً مخموراً قد أغمي عليه، والزبد حول شفتيه، ويقول: الله الله، فكَبُرَ عليه أن يخرج هذا الاسم العظيم من هذا الفم النَجِس، فما كان منه إلا أن غسل فمه، وهو في سكره، فلما أفاق قيل له: أتدري من غسل فمك؟ قال: لا، قالوا: الإمام مالك بن دينار، فمن شدة تأثُّره وخجله تاب من توه توبةً نصوحةً، والإمام مالك فيما تروي الكتب أنه سمع وهو في المنام صوتاً يناديه ويقول:" يا مالك طهَّرت فمه من أجلنا، فطهَّرنا قلبه من أجلك "، وفي صبيحة اليوم التالي ذهب الإمام مالك إلى المسجد فرأى رجلاً يصلي ويبكي، ولفت نظره شدَّةُ بكائه فقال:" يا هذا من أنت ؟ " فقال:" إن الذي هداني أخبرك بحالي". هو نفسه الذي طهر فمه وهو مخمور، والله عز وجل طهر قلبه، و في اليوم التالي كان في المسجد، مغزى هذه القصة إذا رأيت إنساناً مبتلى بمعصية، لا تحتقره لعله يتوب، ويسبقك.

 

على الإنسان أن ينظف داره و جسده و لا يتشبه باليهود:

وعَنِ الْأَشْعَثِ عَنْ عَمَّتِهِ قَالَ:

((قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَأَنَا شَابٌّ مُتَأَزِّرٌ بِبُرْدَةٍ لِي مَلْحَاءَ أَجُرُّهَا فَأَدْرَكَنِي رَجُلٌ فَغَمَزَنِي بِمِخْصَرَةٍ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَمَا لَوْ رَفَعْتَ ثَوْبَكَ كَانَ أَبْقَى وَأَنْقَى فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ بُرْدَةً مَلْحَاءَ أَمَا لَكَ فِي أُسْوَتِي فَنَظَرْتُ إِلَى إِزَارِهِ فَإِذَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَتَحْتَ الْعَضَلَةِ))

[ الإمام أحمد عَنِ الْأَشْعَثِ ]

أي أنقى وأطهر، أيها الأخوة:

((فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُود))

[الترمذي عن ابن أبي حسَّان ]

على الإنسان أن ينظف داره وجسده ولا يتشبّه باليهود
أفنيتكم أي منازلكم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:

 

((عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا))

 

[الترمذي عن أنسٍ رضي الله عنه]

أيها الأخوة الكرام، تميم الداري من أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان في الشام فاشترى قناديل لمسجد النبي عليه الصلاة والسلام، فلما وصل إلى المدينة أمر غِلْمَانه فركَّبوا هذه القناديل، وأسرجها يوم الجمعة، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام فرأى المسجد قد نوِّر فقال: " من فعل هذا ؟" فقالوا: تميم، فما كان عليه الصلاة والسلام إلا أن دعا وقال: " اللهمَّ نوِّر قلبه كما نوَّر بيتك، وقال له:" لو أن عندي بنتاً لزوجتكها. فقال أحد الصحابة: عندي فتاة يا رسول الله أنا أزوِّجه إيَّاها"، فزوَّجه إيَّاها.
وقد:

((أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ))

[الترمذي عن عائشة رضي الله عنها ]

الموضوع العلمي:

جهاز التكييف والتبريد عند الإنسان من آيات الله الدالة على عظمته:

ننتقل إلى الموضوع العلمي، أيها الأخوة من الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل أن في الإنسان جهاز تكييف وتبريد، يعد من أدق وأعقد الأجهزة، فالإنسان يتميز أنه كائن، له حرارة ثابتة، هي سبع وثلاثون درجة، فكيف يصنع لو ارتفعت الحرارة أو انخفضت؟ حرارته ثابتة، سبع وثلاثون، الآن الحرارة خمس درجات، أو تحت الصفر أي ما يقدر بخمسين أو ثلاث وأربعين أو ست وخمسين درجة، ما الذي يحصل؟ قال: إذا ارتفعت حرارته إلى الدرجة الخامسة والأربعين مع الرطوبة المطلقة، أو ارتفعت إلى الدرجة ستين مع الجفاف المطلق، فما دون هاتين الحالتين الإنسان مزود بجهاز بالغ التعقيد يثبت حرارته في الدرجة السابعة والثلاثين.
أنت لك درجة حرارة، الآن الحرارة تقدر بست وخمسين، درجتك سبع وثلاثون، الآن الحرارة خمس، درجتك سبع وثلاثون، معنى هذا أن عندك جهازاً بالغ الدقة، جهاز تكييف، وجهاز تبريد، لكن لو جئت بقطعة معدن، ووضعتها في الشمس ترتفع حرارتها، أو وضعتها في مكان بارد تنخفض حرارتها، الأشياء كلها لها حرارة متأثرة بمحيطها إلا الإنسان حرارته ثابتة، إن كانت الحرارة تقدر بست وخمسين تقيس حرارة الإنسان فإذا هي سبع وثلاثون، إن كانت الحرارة خمس درجات فوق الصفر تبقى حرارة الإنسان سبع وثلاثين، ما هذا الجهاز الذي يبرد أو يسخن؟
الغدد العرقية لها وظيفة هامة في تبريد الجسم
قال: في الإنسان من ثلاثة إلى أربعة ملايين غدة عرقية، موزعة في الجلد توزيعاً حكيماً، في باطن اليد مثلاً، في السنتمتر المربع أربعمئة و ثمانون غدة عرقية، هذه الغدد العرقية لو وصل بعضها ببعض لصار طولها خمسة كيلو مترات في جسم كل منا، هذه لغدد العرقية في أيام الحر الشديد تفرز من مئتي سنتمتر مكعب يومياً إلى ألف وخمسمئة سنتمتر مكعب يومياً من العرق.
الغدد العرقية في الحر الشديد تفرز هذا العرق، العرق يتبخر بفعل الحرارة، عندما يتبخر يبعد الحرارة عن الجسم، وتبقى حرارة الجسم سبع وثلاثين، فإذا أفرز العرق وانتشر على سطح الجلد الذي تزيد مساحته في الإنسان عن متر وثماني بالعشرة من الأمتار المربعة، هذا الماء التي تفرزه خلايا العرق يتبخر، ومع التبخر يحصل ما يسمى بالتبادل الحراري، فحينما يتبخر العرق يمتص حرارة من الجسم تعيده إلى الدرجة الثابتة، إنه من أعقد أجهزة التكييف في الكون.
هذا العرق يتبخر ما الذي يبخره؟ حرارة الجو، يأخذ من الجسم حرارته وتبقى حرارة الجسم سبع وثلاثين.
وحينما يبرد الإنسان، تضيق الأوردة لتخفف جولان الدم في السطح الخارجي، ليحافظ الدم على حرارته، إذا شعر الإنسان بالحر اتسعت الشرايين والأوردة حتى ينتشر الدم في أوسع مساحة في الجلد، أما إذا برد الإنسان فيصفر لونه، لأن قطر الأوردة والشرايين يضيق ليبقى الدم في الداخل محافظاً على حرارته، وحينما يرتجف الإنسان هذا الارتجاف يولد طاقة حرارية، يعوض بها ما فقده في المحيط الخارجي، وحينما يقف شعر الإنسان يحجز هواءً ساخناً بحجم أكبر.
هذه آلية مواجهة البرد والحر بالإنسان، هذه آلية معقدة لو هبطت الحرارة عن الحد المعقول هناك آلية معقدة تتم لو ارتفعت الحرارة عن الحد المعقول.

فضل الله عز وجل على الإنسان:

أيها الأخوة الكرام:

﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾

[ سورة الطور الآية: 35 ]

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات الآية: 21 ]

أي كل واحد منا معه جهاز تكييف وتبريد، ومعه جهاز تسخين من أعلى مستوى، وأساسه من ثلاثة إلى أربعة ملايين غدة تفرز بالحر من لتر إلى لتر ونصف عرقاً، العرق سائل يتبخر، مع التبخر يصير تبادل حراري، أي تبخر بحرارة الجسم، فأخذ من هذه الحرارة، فبقي الجسم ثابت الحرارة، هذا من فضل الله علينا، ومن فضل الله علينا أن نعرف هذه الحقائق، لذلك قال تعالى:

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات الآية: 21 ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور