وضع داكن
22-11-2024
Logo
الشمائل المحمدية إصدار 2010 - الدرس : 08 - حلاوة منطق النبي عليه الصلاة والسلام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

حلاوة منطق النبي عليه الصلاة والسلام :

 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثامن من دروس الشمائل المحمدية للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي درس سابق كان الموضوع تجمله صلى الله عليه وسلم، ولا زلنا في هذا الموضوع، وننتقل إلى حلاوة منطقه عليه الصلاة والسلام، فقد كان عليه الصلاة والسلام حلو المنطق، لأن دعوته أساسها المنطق، الأنبياء بماذا جاؤوا؟ جاؤوا بالكلمة الطيبة:

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [24]تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾

[سورة إبراهيم الآيات : 24-25]

 الأنبياء العظام الذين قلبوا وجه التاريخ، والذين حققوا المعجزات، جاؤوا بالكلمة الصادقة، هذه بضاعة المؤمنين، والكلمة الصادقة أعظم صدقة عند الله، لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام حلو المنطق، كلامه موزون، كان فصيحاً، قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم:

(( أنا أفصح العرب بَيْد أني من قريش ))

[ أخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري ]

 كلمة بيد أني من قريش توحي أنه سيذم نفسه، لكن هذا الأسلوب البلاغي سماه العلماء تأكيد المدح بما يشبه الذم.

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم  بهن فلول من قراع الكتائب
* * *

 أي شجعان، أحياناً تقول: فلان كريم لكن بصراحة شجاع، عندما قلت لكن بصراحة، توقع الناس أن تذمه، فكان عليه الصلاة والسلام فيما حدث عن نفسه، قال:

(( أنا أفصح العرب بَيْد أني من قريش ))

[ أخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري ]

 وقريش أفصح قبائل العرب، والمؤمن من أخص خصوصياته، ومن أوضح سماته، ومن أشهر صفاته، أنه يضبط لسانه:

(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))

[أحمد عن أنس بن مالك ]

الابتعاد عن ذكر المفاتن التي تثير الشهوة :

 أنا أؤكد لكم، إنسان عاشر مؤمناً يقول لك: ثلاثون سنة ما سمعت منه كلمة نابية، هذه علامة الإيمان، أما المزاح الرخيص، والكلام القاسي، والتقريع الشديد، وذكر العورات، وإلقاء طرف فاحشة، هذا ليس من صفات المؤمن، حتى لو أنك ببراءة أردت أن تصف الفساد، هناك عبارات تعبر بها عن الفساد لا تليق بالمؤمن، تعلم من القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ ﴾

[ سورة المعارج الآيات : 29-31 ]

 كل أنواع الشذوذ الجنسي، كل أنواع السقوط، عبر عنها الله عز وجل بكلمة رائعة، قال تعالى:

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾

[ سورة المعارج الآية : 31 ]

 أي بعض الدعاة أنا لا أقرهم على ذلك، إن تحدث عن فساد المجتمع يصف مفاتن المرأة، و تكشفها للأجنبي، ذكر هذه المفاتن تثير الشهوة، ولنتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه المفاتن، فعَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ قَالَ:

((كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً، كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسْ الْقُبْطِيَّةَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا))

[أحمد عن أسامة بن زيد]

 كلمة عظام لا يمكن أن تثير الشهوة، المقصود ليس العظام، المقصود بعض أعضاء المرأة، قال:

((مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا))

 من أي جامعة تخرج؟ من أدبه هذا الأدب؟

 

القرآن الكريم يعلم الإنسان الحياء :

 أيها الأخوة، القرآن الكريم يعلمنا، قال تعالى:

﴿ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ ﴾

[ سورة النساء الآية : 43]

 أي إذا سمع طفل هذه الآية يفهم الملامسة:

﴿ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾

[ سورة النساء الآية : 43]

 عبارة واضحة يفهمها البالغ، لكنك إذا قرأتها وفي الجلسة أطفال، حياؤهم لا يخدش أبداً، يفهمونها فهماً يتناسب مع براءتهم:

﴿ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾

[ سورة النساء الآية : 43]

 أسلوب آخر:

﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 189]

نهي القرآن والسنة والنبي عن العبارات التي تخدش الحياء :

 أي هذا الذي يتكلم به الناس بالكلمات البذيئة، الفاحشة، التي تخدش الحياء، القرآن والسنة والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نبتعد عن هذه العبارات، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام علمنا من شمائله، ونحن في الحديث عن شمائله، وفي موضوع منطقه وحلاوة منطقه يقول:

((لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ))

[الترمذي عن عبد الله ]

 حدثني مرة أخ قال لي: التقيت مع شخص أناقته لا توصف، ثيابه من أغلى الأنواع، تناسب الألوان شيء رائع جداً، أي كل شيء يرتديه من قمة رأسه إلى أخمص قدميه من أعلى مستوى، قال لي: فإذا به يتكلم كلاماً بذيئاً، فقال له آخر: إما أن تلبس مثل كلامك أو تتكلم مثل لباسك، شيء جميل أن يكون الواحد جميل الصورة وحلو المنطق، والله يمكن أن تعيش عمراً مديداً، سبعون سنة، لا تتكلم بالسبعين سنة كلمة بذيئة واحدة، ولا كلمة فاحشة، ولا تسمي العورة باسمها، هناك كلام مغشوش، هناك كلام له معنى آخر، المعنى الآخر لا يليق، يرمز للأعمال الفاحشة بحروف معينة، بأفعال معينة، والناس يضحكون، وبالظاهر لا يوجد شيء، هذا الكلام مغشوش:

(( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا ))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

أعظم ما في المؤمن أن سريرته كعلانيته وباطنه كظاهره :

 أعظم ما في المؤمن أن سريرته كعلانيته، وباطنه كظاهره، وكان عليه الصلاة والسلام إذا تكلم أخذ بجوامع الكلم، ولأنه أخذ بجوامع الكلم كان بليغاً يأخذ بمجامع القلوب، وسبى الأرواح والعقول، وإذا تكلم ـ كما يروى ـ خرج النور من بين ثناياه، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال:

((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ))

[الدارمي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 هناك إنسان أحياناً يفتح فمه فتحة معقولة، وإنسان يفتح فمه ويتثاءب أمام الناس، وهناك إنسان يضع ثوبه، والله أحياناً جلسة الإنسان فيه أدب، تثاؤبه فيه أدب، عطاسه فيه أدب.
 عن أبي قرصافة أنه قال: لما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأمي وخالتي، ورجعنا من عنده منصرفين، قالت لي أمي وخالتي:

((يا بني ما رأينا مثل هذا الرجل أحسن منه وجهاً، ولا أنقى منه ثوباً، ولا ألين كلاماً، ورأينا كأن النور يخرج من فيه صلى الله عليه وسلم))

[الطبراني في الكبير عن أبي قرصافة]

 والأمر بيدكم أيها الأخوة، أنت مؤمن، أنت تمثل هذا الدين، ترى بيت إيمان، لا يوجد به مزاح رخيص، و لا كلمة نابية، وهناك متابعة من الأب والأم، أحياناً الطفل ببراءة يسمع كلمة نابية في الطريق لا يعرف معناها يرددها، فينتبه الأب والأم إلى هذه النقطة، بيت المؤمن بيت منضبط.

 

جمال الرجل فصاحته :

 كان عليه الصلاة والسلام أفصح خلق الله لساناً، وأوضحهم بياناً، أوتي جوامع الكلم، وبدائع الحكم، وقوارع الزَجر، وقواطع الأمر، والقضايا المحكمة، والوصايا المُبرمة، والمواعظ البليغة، والحجج الدامغة، والبراهين القاطعة، والأدلة الساطعة.
 لذلك قالوا جمال الرجل فصاحته، دخل وفد من الحجاز على عبد الملك بن مروان، تقدمهم غلام فغضب، وقال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل علينا إلا دخل حتى دخل الصبيان؟ فقال هذا الصبي الصغير الذي تقدم الوفد: أيها الأمير إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك، ولكنه شرفني، قال له: أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، ثلاث سنوات جفاف، وعندكم فضول أموال، فإن كانت لله فتصدقوا بها علينا، و إن كانت لكم فتصدقوا بها علينا، وإن كانت لنا فعلامَ تحبسوها عنا؟ فقال الخليفة: والله هذا الغلام ما ترك لنا في واحدة عذراً.
 مرة ثانية أيضاً وفد من وفود العرب دخل على سيدنا عمر بن عبد العزيز، تقدمهم غلام صغير فانزعج، قال له: أيها الغلام اجلس، وليقم من هو أكبر منك سناً، فهذا الطفل الصغير تبسم و قال: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من أحق منك بهذا المجلس.
 أحياناً تجد ملكاً شاباً وكل من حوله متقدمون في السن، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من أحق منك بهذا المجلس.
 أبو حنيفة النعمان ـ رحمه الله تعالى ـ يمشي في الطريق، رأى غلام أمامه حفرة، فقال له : يا غلام، إياك أن تسقط في الحفرة، فقال له الغلام : بل إياك يا إمام أن تسقط، إني إن سقطت سقطت وحدي، وإنك إن سقطت سقط معك العالم .

 

من أراد أن يحفظ فليكتب :

 أخطاء الدعاة أخطاء القادة، أخطاء أولي الأمر كبيرة جداً، هذه الكلمات اللطيفة، والعبارات الرائعة، والأسلوب القوي، هذا يحتاج إلى متابعة، ما الذي يمنع أن يكون معك دفتر صغير دائماً، سمعت حكمة اكتبها، سمعت بيت شعر جميل جداً اكتبه، سمعت تحليلاً لقضية اكتب عنوانها، إن أردت أن تحفظ فاكتب، الذي يحصل أن الإنسان يسمع درساً جميلاً جداً يمتلئ إعجاباً، تفضل أعد ما سمعت، تفضل لخص الدرس، لا يستطيع، شيء مؤلم جداً يستمع يتأثر لا يستطيع أن يتكلم، أنت حضرت درساً، سمعت كلمة، خطبة، محادثة، ندوة، وجدت عبارة رائعة، فكرة عميقة، كلما كتبت يمكن أن تكون الكتابة طريقاً للحفظ، لذلك قالوا: إذا أردت أن تحفظ فاكتب. أنا أقول: وتعلموا العربية فإنها من الدين، هذا كلام سيدنا عمر.
 ما الذي يمنع أن يكون في البيت كتاب نحو مبسط، معجم بسيط، بالكومبيوتر يوجد كل شيء، هناك بعض البرامج على قرص واحد، عشرة آلاف عنوان، معنى عنوان أي أربعون جزءاً، كلها نصوص مضبوطة بالشكل، يمكن أن تبحث عن أي موضوع بالعشرة آلاف عنوان بثوان، العلم ميسر تيسيراً مذهلاً الآن، أنا أقول لو أيقظنا إنساناً من قبره منذ خمسين سنة، وأريناه قرصاً مدمجاً، فيه عشرة آلاف كتاب، بل عشرة آلاف عنوان، هذه الكتب يمكن أن تملأ أربع جدران للسقف، يمكن أن تحملها بجيبك، تضعها في الكومبيوتر، وتفتح، وتقرأ ما شئت أن تقرأ، وتبحث في كل هذه الكتب.
 مرة كنت بسفر كان إلى جانبي رئيس جامعة الأزهر، فالسفر طويل وأنا معي حاسوب فتحته أمامه، وكتبت اسمه في البحث، فظهر اسمه ثمانين مرة، فدهش قال لي: ما هذا؟ أنا أقول لكم أيها الأخوة الكرام، الآن إن لم يتقن الإنسان العمل على الكومبيوتر يعد أمياً، الكومبيوتر رفع الدقة من واحد إلى مليون، وخفض الجهد من مليون إلى واحد، وتطور من دراجة إلى روزرايز، ونزل سعره من روزرايز إلى دراجة.
 أنا أتمنى على الآباء الذي فاتهم قطار الكومبيوتر، ألا ينسوا أولادهم من الكومبيوتر لأنه لغة العصر الآن.

بلاغة النبي عليه الصلاة والسلام في كلامه :

 أيها الأخوة، جاء في المسند وغيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَقُولُ:

((خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا كَالْمُوَدِّعِ، فَقَالَ: أَنَا مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ، قَالَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَا نَبِيَّ بَعْدِي، أُوتِيتُ فَوَاتِحَ الْكَلِمِ، وَخَوَاتِمَهُ، وَجَوَامِعَهُ، وَعَلِمْتُ كَمْ خَزَنَةُ النَّارِ، وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَتُجُوِّزَ بِي، وَعُوفِيتُ وَعُوفِيَتْ أُمَّتِي، فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا مَا دُمْتُ فِيكُمْ، فَإِذَا ذُهِبَ بِي فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، أَحِلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ.))

[أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 كلام دقيق، أيها الأخوة، كان عليه الصلاة والسلام بليغاً في كلامه، ونحن كنا نتوهم قبل عشرين عاماً أن البشر لهم قدرات عقلية محدودة، أي هناك ذكي وهناك غبي، هذا كلام باطل، أي إنسان عنده طاقات مخبوءة، فإذا أتيح لها أن تفجر صار عبقرياً، هذا الكلام مقبول؟ نعم هو الصح، كل واحد من الأخوة الكرام إذا أراد أن يتفوق ويتألق، أنا أروي قصة لكن قد لا تصدق، إنسان أرسل ابنه إلى الأزهر ليتعلم، بعد خمس سنوات عاد يحمل الشهادة، وعيّن خطيباً في قريته، فلما ألقى خطبة أمام أبيه الأمي، بكى الأب بكاء مراً، كل من حول الأب توهموا أنه بكى فرحاً بابنه، والحقيقة خلاف ذلك، هو بكى أسفاً على نفسه، والقصة رواها لي أحد علماء دمشق، أحد علماء القرآن في دمشق توفي ـ رحمه الله ـ قال لي: هذا الرجل عمره خمسة وخمسون عاماً، ركب دابته ـ هو في صعيد مصر، وبين صعيد مصر و القاهرة حوالي ألف كيلو متر ـ واتجه نحو القاهرة، وبقي يمشي شهراً إلى أن وصل إلى القاهرة، لما وصل إلى القاهرة، قال: أين الأزعر؟ لا يحفظ اسمه، قالوا له: ما الأزعر ؟ قال: مكان التعلم، قال: اسمه الأزهر، النتيجة أوصلوه إلى الأزهر، وفي الخامسة والخمسين بدأ في تعلم القراءة والكتابة، وتابع وما مات إلا شيخ الأزهر، في الثامنة والتسعين، هذا أعلى منصب ديني في مصر بمرتبة رئيس وزارة، لذلك بالعلم لا يوجد سن معين، اطلب العلم من المهد إلى اللحد.

 

فصاحة النبي عليه الصلاة والسلام :

 يقول النبي عليه الصلاة والسلام عن نفسه:

((بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي ))

[متفق عليهَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 وكان النبي عليه الصلاة والسلام فصيحاً، وكان يتكلم بلهجات العرب، قال له رجل مرة: جاءه وفد وسأله عن الصيام، فتكلم النبي لفصاحته بلغة أو بلهجة هذا الوفد، فلما سئل : هل من أمبر أمصيام في أمسفر؟ فقال : ليس من أمبر أمصيامٌ في أمسفر.
 أيها الأخوة، مرة ثانية أقول لكم: جمال الرجل فصاحته، وتعلموا العربية فإنها من الدين، العربية لغة دقيقة جداً، هل تصدقون أن حركة واحدة تخطئ بها تنقل قائلها من الجنة إلى النار، بيت قاله أحد الصحابة قبل أن يقتل قال :
ولست أبالي حين أُقتَل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
 فقرأها واحد:

ولست أبالي حين أَقتُل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
***

 بين أُقتَل ، أَقتُل ، دقة اللغة حركة واحدة .
 وعن عائشة:

((إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهماً تفهمه القلوب))

[مسند أبي يعلى الموصلي عن عائشة]

الموضوع العلمي :

التفكر في جسم الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام، ننتقل إلى الموضوع العلمي، أقول لكم وأكرر: أنك إذا عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت أمره ولم تعرفه تفننت في معصيته، فلذلك الله عز وجل هناك طرق لمعرفته؛ آياته الكونية، وآياته التكوينية، وآياته القرآنية، أي خلقه، وفعله، وكلامه، أي أقرب شيء للإنسان جسمه، والدليل قوله تعالى:

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات الآية :21]

 فهذا الإنسان كما قال الله عنه:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾

[ سورة التين الآيات : 4-5 ]

1 ـ عملية البلع و الإنسان نائم :

 هناك أشياء كثيرة قد لا تنتبهون إليها، أنت نائم غارق في نوم عميق، اللعاب في فمك ازداد، تذهب إشارة إلى الدماغ، لقد زاد اللعاب في الفم، والدماغ يعطي أمراً وأنت نائم إلى لسان المزمار، فيغلق فتحة الهواء، ويفتح فتحة المريء، ويسري اللعاب إلى المعدة، لكن عند طبيب الأسنان لابدّ أن يضع لك أنبوباً لسحب اللعاب الزائد، أما من صنعة الواحد الديان وأنت نائم غارق في النوم مئات المرات في الليل يزداد اللعاب، تذهب رسالة، وأنت غارق بالنوم.

2 ـ تزويد الجسم بنقاط إحساس بالضغط :

 لك هيكل عظمي له وزن، فوق الهيكل العظمي يوجد عضلات، وما تحت الهيكل العظمي يوجد عضلات، فالهيكل العظمي مع ما فوقه من عضلات يضغط على ما تحته من عضلات، من هذا الضغط تضيق لمعة الأوعية، فإذا ضاقت نقصت التروية، في الجسم نقاط إحساس بالضغط، تذهب رسالة إلى الدماغ، والدماغ يعطي أمراً تكون نائماً فتنقلب، بعد نصف ساعة قلبة ثانية، بعد نصف ساعة قلبة ثالثة، تصوروا إنساناً نائماً صورناه تصويراً سينمائياً ينقلب بالليلة أكثر من أربعين مرة، قال تعالى:

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

[ سورة الكهف الآية : 18 ]

 مرة ذات اليمين ومرة ذات الشمال لئلا يقع من على السرير، فعل من هذا؟

 

3 ـ إغلاق ثقب بوتال بين الأذنين بعد ولادة الإنسان بقدرة الله عز وجل :

 الجنين في رحم الأم، لا يوجد هواء، والرئتان معطلتان، القلب مصمم لدورة صغيرة، ينطلق الدم من القلب إلى الرئتين، يصفى من غاز الفحم ويأخذ الأوكسجين ثم يعود إلى القلب، في الجنين لا يوجد هواء ولا رئتان، الله عز وجل فتح بين الأذينين ثقباً، كشفها عالم فرنسي اسمه بوتال، هذه الفتحة وظيفتها أن الدم ينتقل من أذين إلى أذين بدل الدورة الصغرى، فعندنا دورة كبرى من البطين الأيسر إلى سائر الجسم، ودورة صغرى إلى الرئتين، الرئتان معطلتان في الجنين ، هواء لا يوجد، عند الولادة تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب.
 لي صديق له بنت، هذا الثقب لم يغلق، لونها زرقاء تمشي مترين و تقع، لابدّ أن تموت لأن الثقب لم يغلق، يد من تغلق هذا الثقب؟ يد الله عز وجل، في الوقت المناسب عند الولادة يغلق هذا الثقب، وتفتح الدورة الصغرى إلى الرئتين، والله أيها الأخوة، في الجسم شواهد على عظمة الله لا تعقل.

4 ـ قدرة الله عز وجل على تزويد الطفل بمنعكس المص :

 الطفل الآن ولد، تأتي أصبع القابلة على طرف شفتيه فيمصها فوراً، من علمه المص؟ المص آلية بالغة التعقيد، المص أي يحكم إغلاق شفتيه ويسحب الهواء، هل يستطيع أي أب في الأرض، أو أكبر عالم في الأرض، أن يعلم ابنه الذي ولد لتوه كيف يلتقم ثدي أمه؟ فالعلماء يسمون هذا المنعكس بمنعكس المص، آلية جاهزة، أنا أقول دائماً: لولا هذا المنعكس ما كان هذا الدرس، ولا كان جامع النابلسي، ولا دمشق، ولا كان في الأرض إنسان، كل هؤلاء البشر لولا أن هذا المنعكس خلق معهم لما عاش إنسان.

5 ـ البويضة :

 الآن البويضة انتقلت من المبيض عبر قناة فالوب إلى الرحم، هذه البويضة كيف تمشي؟ كرة صغيرة، بقناة فالوب يوجد أشعار في أرضية القناة تتحرك فتدفع هذه الكرة من المبيض إلى الرحم، لولا هذه الأشعار لما كان هذا الدرس، ولا كانت الشام، ولا كان إنسان في الأرض.
 والله أيها الأخوة، هناك آيات بجسم الإنسان إذا قرأتها وتأملتها يقشعر جلدك، ولا تملك إلا أن تخر لله ساجداً، كيف يهضم الإنسان طعامه وشرابه؟ كيف يتنفس؟ كيف يتقلب في الليل؟ كيف يتعلم الطفل المشي؟ هذه كلها آيات دالة على عظمته سبحانه و تعالى.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور