- السيرة / ٠1السيرة النبوية / ٠3الشمائل المحمدية
- /
- ٠2الشمائل المحمدية 2010م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
كلما تألق عقل الإنسان أحبّ الله عز وجل:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السابع من دروس الشمائل النبوية، والموضوع اليوم رجاحة عقل النبي عليه الصلاة والسلام.
ورد في الأثر:" أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً"، فكلما تألق العقل أحبّ الله، وقد قيل: من أعجب العجب أن تعرفه ولا تحبه، ومن أعجب العجب أيضاً أن تحبه ثم لا تطيعه، معرفة، حب، طاعة، لذلك علاقتك مع المحيط الخارجي تحكمها هذه القاعدة؛ إدراك، انفعال، سلوك، أوضح مثل وقد يكون سلبياً، تمشي في بستان رأيت أفعى، في الدماغ ملف الأفعى هذا مجموع من قصص، من حقائق، من دراسات، الملف يؤكد لك أن هذه الأفعى لدغتها قاتلة، فإذا رأى الإنسان الأفعى يدرك خطرها، يضطرب، ومع اضطرابه إما يقدم على قتلها، أو يهرب منها، فإذا ادعى إنسان الإدراك الصحيح وما انفعل، معنى هذا أن إدراكه غير صحيح.
أوضح مثل لو قلنا لإنسان: على كتفك عقرب شائلة، بقي هادئاً، مرتاحاً، مبتسماً، قال لك: شكراً لك على هذه الملاحظة، وأرجو الله أن يمكنني أن أكافئك عليها، معنى ذلك أنه ما فهم مما قلت له شيئاً، لو فهم ينطلق ويخلع المعطف فوراً، إن صحّ الإدراك صحّ الانفعال، وإن صحّ الانفعال صحت الحركة، إدراك، انفعال، سلوك، علامة صحة الإدراك الانفعال، وعلامة صحة الانفعال السلوك، لذلك: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، أي أحبب من شئت فإنك مفارقه، إما أن تغادر هذا الذي أحببته، أو أن يغادرك، أوضح مثل زوجان محبان، متفاهمان، هناك احتمال إما أن يموت قبلها، أو أن تموت قبله، و هناك احتمال ثالث أن يموتا معاً بحادث.
أحبب من شئت فإنك مفارقه، لكن إذا أحببت الله، فالله حيّ أبدي على الدوام، لذلك مرّ إنسان على قبر وأمامه إنسان يبكي بكاءً مراً، فكان تعليقه: أحبب جهة لا تموت هو الحي الذي لا يموت، أما الذي يموت تبكي عليه، أما إن أحببت الله يعني الخلود في الجنة أحد نتائج هذا الحب.
معرفة الله عز وجل من لوازم العقل الراجح:
أيها الأخوة، العقل الراجح من لوازمه أن يعرف الله، هناك ملمح دقيق جداً أن النبي عليه الصلاة والسلام يوم أسلم سيدنا خالد، علق النبي عليه الصلاة والسلام تعليقاً مذهلاً قال: عجبت لك يا خالد ـ لأنه أسلم متأخراً ـ عجبت لك يا خالد أرى لك فكراً! ـ أنت تملك فكراً راجحاً ـ لماذا تأخر إسلامك؟ وكأن النبي عليه الصلاة والسلام ربط بين تألق العقل وبين الإيمان، فكلما ازداد العقل إدراكاً ازداد إيماناً، أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً.
للتقريب وعاء بلوري حجمه كبير، لونه أزرق، قد يكون ثمنه خمساً وعشرين ليرة، وكأس كريستال ثمنه ألف ليرة، وهناك باستانبول جوهرة سمعت أن ثمنها مئة وخمسين مليون دولار، بحجم البيضة بمتحف، وعاء بلور كبير بعشرين ليرة، كأس كريستال بألف ليرة، هذه الجوهرة الألماس ثمنها يقدر بمئة وخمسين مليون دولار، وقلنا لإنسان: اختر، فاستكبر الوعاء إذاً لا يوجد به عقل، الذي أخذ الثاني عنده قليل من الإدراك، أما الذي أخذ الجوهرة فهذا أعقل إنسان.
بطولة الإنسان أن يعرف من يحب:
أنت بطولتك أن تعرف من تحب، الزوجة تُحب أحياناً، والصديق يُحب، والصديق الغني يُحب أحياناً، وهناك وسائل للحب لا تعد ولا تحصى، من أرجح الناس عقلاً؟ الذي أحب الله، هو الذات الكاملة، الحي الباقي على الدوام معك في كل مكان.
سيدنا يونس وجد نفسه في بطن الحوت، هل هناك من مصيبة تفوق هذه المصيبة؟ إنسان يجد نفسه فجأة في فم حوت أزرق، الذي يزن مئة وخمسين طناً، خمسون طناً لحماً، وخمسون طناً دهناً، وخمسون طناً عظماً، وجبته المعتدلة بين الوجبتين أربعة طن، إذاً يأكل الإنسان بلقمة واحدة، ويرضع وليده ثلاثمئة كيلو في كل رضعة، ثلاث رضعات تقدر بطن، قال تعالى:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾
أروع ما في الآية التعقيب:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
هذه القصة القصيرة تعطي الإنسان ثقة بالله بلا حدود، السبب؟ هل عندك مشكلة تفوق أن تجد نفسك في بطن حوت؟ ومع ذلك:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
قانون، فأي هم، أي غم، أي حالة مرضية صعبة، أي وضع مادي صعب، أي مشكلة عائلية، أي شيء لا يرقى إلى أن تجد نفسك في بطن حوت، ومع ذلك:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
تعلق العقل بالكليات:
لكن هناك سؤالاً دقيقاً ألا تجدون إنساناً ذكياً جداً، ألمعياً، وهو يعصي الله؟ ويشرب الخمر أحياناً، ولا يصلي، وقد يقترف الزنا، كيف نوفق بين رجاحة العقل وبين طاعة الله؟ الجواب بسيط، الذكاء متعلق بالجزئيات، إنسان يحمل اختصاصاً نادراً في الفيزياء النووية، أو بالكيمياء العضوية، أو بالكيمياء الفيزيائية مثلاً، هذا اختصاص نادر جداً، لكن إن لم يعرف الله، إن لم يستقم على أمره، لا يعد عاقلاً، لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، العقل متعلق بالكليات، أن تعرف الله، أن تعرف حقيقة الدنيا، أن تعمل للآخرة، أن تعرف ماذا بعد الموت، أن تضبط حركاتك وفق منهج الله، أن تفعل شيئاً تلقاه في القبر ـ العمل الصالح ـ هذا العقل، أما أي إنسان يتمتع بذكاء عال، ويدرس، و يُحصّل معلومات تودع في الدماغ، يسمى ذكياً، لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، حتى الإنسان لا يصطدم إن وجد صديقاً قريباً، أو إنساناً يتمتع بذكاء مذهل لكنه يعصي الله، نقول: هذا ذكي ولكن ليس بعاقل، ما كل ذكي بعاقل.
ما من مخلوق على وجه الأرض أرجح عقلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بالمناسبة والحديث عن رجاحة عقل النبي عليه الصلاة والسلام، ما من مخلوق على وجه الأرض أرجح عقلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه ما من مؤمن يأتيه أجله إلا ويندم على ساعة لم يذكر الله فيها إلا النبي عليه الصلاة والسلام، نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة.
لذلك رجاحة العقل تعني أن تعيش المستقبل، ضعف العقل يدعوك إلى أن تعيش الحاضر، الغباء يدعو صاحبه أن يعيش الماضي و يتغنى به.
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
***
هذا الشاعر مدح بني تغلب، فهؤلاء يترنمون بهذه القصيدة ولا يفعلون شيئاً، لذلك الأمة الإسلامية إذا تغنت بماضيها ولم يكن حاضرها في مستوى ماضيها فهذا التغني نوع من الغباء، ينبغي أن يكون حاضرنا امتداداً لماضينا، أما في الماضي فهناك تألق رائع، والحاضر في هبوط شديد، هذه مشكلة كبيرة.
يروى أن أبا سفيان بعد أن فتح النبي عليه الصلاة والسلام مكة المكرمة،قال له أبو سفيان بن حرب: ما أعقلك! ما أوصلك! ما أرحمك!
يقول بعض العارفين بالله: ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري، إن حبسوني فحبسي خلوة، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، إن قتلوني فقتلي شهادة، وقال: وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
وقال بعض العلماء: مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وخرجوا منها ولم يذوقوا أطيب ما فيها، إن أجمل ما فيها القرب من الله عز وجل.
العقل الراجح يرشد الإنسان إلى الخير:
أيها الأخوة، مرة قال النبي عليه الصلاة والسلام حينما أسلم سيدنا خالد: "الحمد لله الذي هداك، فقد كنت أرى لك عقلاً، ورجوت ألا يسلمك إلا إلى الخير"، هناك رواية ثانية:" عجبت لك يا خالد! أرى لك عقلاً، وأرجو ألا يسلمك إلا إلى خير، وقد أسلمك إلى الخير".
أنا أروي هذه الومضة، أحد زعماء غطفان ـ لا أقول اسمه الآن ـ جاء ليحارب النبي عليه الصلاة والسلام في موقعة الخندق، هو جالس في الخيمة فكر وقال: وله اسم خاطب نفسه باسمه يا فلان ما الذي جاء بك إلى هنا؟ أجئت لتحارب هذا الرجل الصالح؟ ماذا فعل؟ هل سفك دماً؟ هل أخذ مالاً، هل انتهك عرضاً؟ أين عقلك يا فلان؟ هذا سيدنا نعيم بن مسعود كان زعيم قبيلة غطفان، وجاء ليحارب النبي عليه الصلاة والسلام، وهو في الخيمة فكر، ما الذي جاء بك يا نعيم؟ أجئت لتحارب هذا الرجل الصالح؟ ماذا فعل؟ هل سفك دماً؟ هل أخذ مالاً؟ هل انتهك عرضاً؟ أين عقلك يا نعيم؟ وقف وتوجه إلى معسكر النبي عليه الصلاة والسلام ودخل على النبي، قال له: نعيم! قال: نعيم، قال له النبي: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال له: جئت مسلماً وأسلم وتمّ النصر على يده، قال له: مرني ماذا أفعل؟ قال له: أنت واحد، خذل عنا ما استطعت، التقى ببني قريظة وحدثهم حديثاً عن قريش، أنهم اتفقوا على محمد، والتقى بقريش وحدثهم حديثاً عن بني قريظة، وقع الخلاف بينهم، وقال لهم: اطلبوا رهائن، وطلبوا رهائن، وقال له: إن طلبوا الرهائن ليذبحوهم، وقع الخلاف، كان لقاء ذكياً بشكل مذهل، الاتفاق على حرب النبي عليه الصلاة والسلام انتهى، وقريش ولت أدبارها إلى مكة، واليهود انحسروا عن حصونهم، وكفا الله المؤمنين القتال، الله جعل هذا النصر على يد هذا الإنسان بعد لحظة تفكير.
توافق أوامر النبي و نواهيه مع العقل:
فكر، فكر لماذا أنت في الدنيا؟ ماذا بعد الموت؟ ماذا بعد المال؟ صار معك ملايين مملينة، بيل كيت يملك تسعين ملياراً، ماذا يتغذى الظهر؟ أوقية لحمة وقد يكون نصف أوقية، بقدر ما يملك الإنسان ماذا يأكل؟ كم بذلة يلبس في آن واحد؟ ينام على كم سرير؟ الدنيا لها سقف، مهما تكن غنياً لها سقف، الآخرة ليس لها سقف، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: "قد أفلح من رزق لباً".
أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "رأس العقل بعد الإيمان بالله الحياء وحسن الخلق".
أعرابي أعلن إسلامه أمام النبي عليه الصلاة والسلام، قال له قومه: بمَ عرفت أنه رسول الله؟ ـ سؤال دقيق ـ فقال: ما أمر محمد بأمر فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عنه فقال العقل: ليته أمر به.
أي أوامره ونواهيه متوافقة مع العقل، طبعاً لابن القيم كتاب رائع، مضمونه حتمية توافق العقل مع النقل، لأن النقل كلام الله وبيانه من رسول الله هذا النقل، والعقل ميزان أودعه الله فينا، هل يعقل أن يتناقض العقل مع النقل؟ مستحيل، التوافق بين العقل والنقل حتمي، وأنا أوسع ذلك، الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، وخط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، وخط الواقع الموضوعي، هناك عقل تبريري، مثلاً الذين جاؤوا إلى العراق، ودمروها، ونهبوا البترول، ودمروا كل شيء، وقتلوا أبناء العراق، مليون قتيل، ومليون معاق، وخمسة ملايين مشرد، ماذا قالوا للبشر؟ قال: جئنا من أجل الحرية، هذا كلام عقلي أم عقل تبريري؟ والعقل التبريري محتقر، كلام فارغ، نهبتم الثروات، وقتلتم الأبناء، قتل، وإعاقة، وتشرد، ودمرتم البلاد، وجئنا من أجل الحرية، فلذلك العقل التبريري مذموم، أما العقل الصريح فمحمود، والفطرة المطموسة مذمومة، والفطرة السليمة محمودة، والواقع المزور مذموم، والواقع الموضوعي محمود، والنقل غير الصحيح مذموم، والنقل الصحيح محمود، ما هو الحق؟
الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، وخط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، وخط الواقع الموضوعي.
لا تحل مشكلات الدنيا إلا بالإيمان بالآخرة التي تسوى فيها الحسابات:
أيها الأخوة الكرام، كلكم يعلم أنه يوجد بالعقائد الإسلامية عقائد نصل إليها عن طريق العقل، وهناك عقائد نُحصّلها عن طريق النقل، مثلاً الإيمان بالملائكة عقل أم نقل؟ نقل، هل معك دليل أن هناك ملائكة؟ لا، لكن الله أخبرنا، الإيمان بالجن عقل أم نقل؟ نقل، الإيمان بالماضي السحيق، كيف بدأت الخليقة؟ نقل، الإيمان بالمستقبل البعيد نقل، ماذا بعد الموت؟ نقل، الجنة نقل، النار نقل، وهناك عقل:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
الإيمان بالآخرة نقل أم عقل؟ نقل، الله أخبرنا في القرآن الكريم أن هناك جنة، وهناك نار، وهناك صراط، و هناك حوض، لكن هذا ابن القيم يرى أن الإيمان باليوم الآخر مع أن في الأصل الإيمان به نقلي، إخباري، سمعي، لكنه يرى أن الإيمان باليوم الآخر عقلي، تجد غنياً وفقيراً، ضعيفاً وقوياً، وسيماً ودميماً، ذكياً جداً، متألقاً ومحدوداً، لو لم يكن هناك آخرة لكان هناك ظلم شديد، عفواً تأتي فتاة مسكينة متزوجة عندها أولاد من أقصى الدنيا لتأخذ مئة دولار في الشهر، وتشتغل في اليوم عشرين ساعة حتى ترسل لأهلها هذا المبلغ، وهناك فتاة ثانية تسكن في بيت فخم، عندها سيارتان أو ثلاثة، وكل يوم نزهة، وكل يوم لقاء، وكل يوم سهرة، ما ذنب الأولى؟ لا يمكن أن تحل مشكلات الدنيا إلا بالإيمان بالآخرة، في الآخرة تسوى الحسابات، قد تكون إنساناً فقيراً لكنه مستقيم، و هناك إنسان غني فاسق أحياناً، ما ذنب هذا الفقير المستقيم؟ ولماذا هذا الفاسق الغني يفعل ما يشاء؟ كل هذه الأسئلة يجاب عنها باليوم الآخر، لذلك الله عز وجل قال:
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
عظمة الخلق تدل على عظمة التصرف:
شيء آخر، قالوا: عظمة الخلق تدل على عظمة التصرف، لو فرضنا شركة عملاقة في الكومبيوترات لو أنت عقدت صفقة معها، طريقة الدفع طريقة راقية، الصناعة راقية وطريقة الدفع راقية، أمر الشراء فيه تحويل، هناك سند، هناك أشياء دقيقة جداً لأن كمال الصناعة يرافقها كمال المعاملة، لذلك قالوا: كمال الخلق يدل على كمال التصرف، في هذا الكون آيات معجزة رائعة يجب أن يقابل هذه الآيات الرائعة تصرف من قبل خالق حكيم، فكما أن الله عظيم هو حكيم، لذلك كمال الخلق يدل على كمال التصرف، فكما أن هذا الكون معجز الله عز وجل عدله مطلق ورحيم وكل شيء بحساب.
أيها الأخوة، كيف عاش النبي عليه الصلاة والسلام مع هؤلاء الأعراب الجفاة غير المتعلمين؟ كم كان عقله راجحاً، وكم كانت حكمته رائعةً، وأسأل الله عز وجل أن يجعل عقولنا راجحة، وأن يلهمنا الصواب.
الموضوع العلمي:
قانون الجاذبية:
ننتقل أيها الأخوة إلى الموضوع العلمي، من بعض معلوماتكم قانون الجاذبية، هذا القانون يتلخص بأن كل كتلة في الكون تجذب كتلة أو تنجذب إلى كتلة، ما الذي يجذب الآخر؟ الكتلة الأكبر تجذب الأصغر، وما عوامل هذه الجاذبية؟ المسافة، فكلما قّلت المسافة زادت الجاذبية، وكلما ازدادت قلّت الجاذبية، هناك عاملان للجذب، الكتلة والمسافة، هذا الكون فيه آلاف مليارات المجرات، وهذه المجرات فيها آلاف مليارات الكواكب والنجوم، هذا الكم اللانهائي من الكواكب والنجوم بحسب قانون الجاذبية يجب أن تنجذب إلى بعضها بعضاً، وفي النهاية يصبح الكون كتلة واحدة، الأكبر جذب الأصغر، الكون يجب أن يصبح كتلة واحدة، ما الذي يمنع أن يكون الكون كتلة واحدة؟ دوران النجوم، من الدوران تنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، لولا الدوران لأصبح الكون كتلة واحدة، أما كل نجم وكل كوكب يدور حول كوكب آخر، هذا الدوران يلغي تجمع الكون في كتلة واحدة، لأن هناك قوة نابذة تأتي من الدوران، هذه القوة النابذة تكافئ القوة الجاذبة.
التوازن الحركي:
الآن كل شيء في السماء يدور بمسار مغلق، يدور ويرجع، هذه الحركة الدورانية المستمرة ينشأ عنها قوة نابذة، هذه القوة النابذة تكافئ القوة الجاذبة، هذا يسمونه التوازن الحركي، الله عز وجل أشار إلى هذه القوة الجاذبة بقوله:
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾
أي ما الذي يجعل هذه القطعة إذا تركتها وقعت؟ ما معنى وقعت؟ أي انجذبت، لأن الأرض كبيرة تجذب كل ما عليها، فلولا هذه القوى الجاذبة لما كان لك وزن أبداً، والدليل هناك منطقة بين الأرض والقمر تنعدم فيها الجاذبية، رواد الفضاء يسبحون في الهواء، ينام على فراشه يستيقظ في سقف الغرفة، ليس له وزن أبداً، لذلك من نعم الله الكبرى الجاذبية، هذه الطاولة لو لم يكن هناك جاذبية تجدها في السقف، مرة واحدة نضعها في هذا المكان، نعمة الوزن لا تعدلها نعمة، بل إن وزن الإنسان بالقمر عشر وزنه في الأرض، أثناء المشي إذا حرك رجله حركة خاصة سار خمسة أمتار لفوق، لذلك من فضل الله أن الله عز وجل يقول:
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرجع ﴾
أي كل كوكب يدور حول كوكب في هذا الدوران تنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فيبقى هذا النجم في مساره، ولولا هذا الدوران لاجتمع الكون في كتلة واحدة، والكون آلاف مليارات المجرات، والمجرة فيها آلاف مليارات الكواكب، ونحن تابعون لدرب التبانة، مجرة متواضعة جداً بل متوسطة الحجم، وفيها مليارات، والمجموعة الشمسية بأكملها لو صورنا هذه المجرة لا تُرى إطلاقاً، إذا كبرنا مكانها نجدها نقطة واحدة، المجموعة الشمسية، الكواكب السيارة، والمدارات الكبيرة الفلكية، لذلك هذا الكون العظيم يقول الله عز وجل:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
كأنه يقول: رفعها بعمد لا ترونها، إنها قوى التجاذب.
الجاذبية آية من آيات الله الدالة على عظمته:
أيها الأخوة، عندما تدور الأرض حول الشمس هي تدور حول الشمس، وهي منجذبة إلى الشمس، والدليل خط سيرها ليس مستقيماً، لو أنها غير منجذبة خطها مستقيم، لكن لأنها منجذبة تدور حول الشمس، قال: بكل ثانية تنحرف ثلاثة مليمتر، من هذا الانحراف ينشأ لها مسار اهليلجي مغلق، ما سر هذا المسار المغلق؟ الجاذبية، لو لم يكن هناك جاذبية لكان مسارها مستقيماً، لكن ما الذي يربط الأرض إلى الشمس؟ الجاذبية.
لكن هناك ملمح دقيق، الأرض هنا وهذه الشمس، الآن تنتقل الأرض ومسارها اهليلجي أي بيضوي، هناك قطر أصغر و قطر أطول، فإذا اتجهت الأرض في مسارها حول الشمس إلى القطر الأصغر ضاقت المسافة بينها وبين الشمس، فكلما كبرت الكتلة ازدادت الجاذبية، وكلما صغرت قلّت، وكلما قلّت المسافة بين الكتلتين ازداد الجذب، الأرض حينما تقترب من القطر الأصغر المسافة بينها وبين الشمس تقل، فإذا قلّت هناك احتمال أن تجذبها الشمس إليها، فإذا جُذبت إليها تبخرت في ثانية، ترفع الأرض سرعتها، يتأتى من رفع هذه السرعة أن تنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، فتبقى في مكانها:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ﴾
الأرض هنا سرعتها عالية، لو بقيت على هذه السرعة لتفلتت من جاذبية الشمس ودخلت الأرض في حالة من البرودة تنهي الحياة كلها، مئتان وسبعون تحت الصفر، تنتهي الحياة، ما الذي يحصل هنا؟ تخفض سرعتها من أجل أن ينشأ عن تخفيض السرعة قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل فتبقى على مسارها:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ﴾
هذا الإله العظيم يعصى؟ هذا الإله العظيم ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟.
تعصي الإله وأنت تظهر حبـه ذاك لعمري في المقال شــنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعتـه إن المحب لمن يحب يطـــيع
* * *